مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252375
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252375 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

حربه حربي وسلمه سلمي، ولكنّها أبَت إلّا إثارة الفتنة!!

وإنّ أعلام مؤرّخيكم الذين أرّخوا واقعة الجمل وكبار محدثيكم ذكروا انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حذّرها أنْ تكون صاحبة الجمل الأحمر التي تنبحها كلاب حَوْأب، وحين خرجت إلى البصرة مرّت بمنطقة تسمّى الحَوْأب فنبحتها الكلاب، فَسأَلَت عن اسم المكان، فقالوا: تسمّى الحَوْأَب. فذكرت حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتحذيره لها، فأرادت الرجوع، ولكن طلحة والزبير وابناهما غرّوها وغيروا إرادتها وثبّتوها على عزمها الأول، وهو الخروج والفتنة، فتابعت طريقها حتى وصلت البصرة وأَلبّت الجيوش لقتال الإمام عليّعليه‌السلام وأَجّجت نار الحرب وقتل بسببها آلاف المسلمين، فهل تُعذروها بعد هذا، وتقبلون قولها بأنّها نسيت؟! فأيُّ نسيانٍ هذا بعد التذكر؟!(١)

____________________

١) لكي يسمع القاريء الكريم شكوى إمامه أمير المؤمنينعليه‌السلام ويعرف حقيقة واقعة الجمل، اختطفتُ بعض النكات والجملات من نهج البلاغة وأنقلها في هذا المجال: قال في الخطبة المرقّمة /٢٢ - حين بلغه خبر الناكثين طلحة والزبير وأصحابهما، ومطالبتهم بدم عثمان: - اَلا و إنّ الشيطان قد ذمَّر حزبَه و استجلب جَلَبَه ليعود الجَوْرَ إلى أوطانه و يرجع الباطلُ إلى نصابِه و اللهِ ما أنكروا عَليَّ مُنكَّراً و لا جعلوا بيني و بينهم نَصفاً و إنّهم ليطلبون دماً هم سفكوه!! الخ.

وقالعليه‌السلام في كلام له في الخطبة رقم ١٤٨ من نهج البلاغة - يصف طلحة والزبير -: كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْجُو الْأَمْرَ لَهُ وَ يَعْطِفُهُ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ لَا يَمُتَّانِ إِلَى الله بِحَبْلٍ وَلا يَمُدَّانِ إِلَيْهِ بِسَبَبٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَامِلُ ضَبٍّ لِصَاحِبِهِ وَ عَمَّا قَلِيلٍ يَكْشِفُ قِنَاعَهُ بِهِ!

وَ الله لَئِنْ أَصَابُوا الَّذِي يُرِيدُونَ لَيَنْتَزِعَنَّ هَذَا نَفْسَ هَذَا!

وَ لَيَأْتِيَنَّ هَذَا عَلَى هَذَا! قَدْ قَامَتِ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ فَأَيْنَ الْمُحْتَسِبُون؟ وقالعليه‌السلام في خطبة =

٨٦١

. . . . .

____________________

= له من نهج البلاغة رقمها ١٧٢، في ذكر أصحاب الجمل: فخَرَجُوا يَجُرُّونَ حُرْمَةَ رَسُولِ الله ص كَمَا تُجَرُّ الْأَمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا مُتَوَجِّهِينَ بِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ فَحَبَسَا نِسَاءَهُمَا فِي بُيُوتِهِمَا وَ أَبْرَزَا حَبِيسَ رَسُولِ الله ص لَهُمَا وَ لِغَيْرِهِمَا فِي جَيْشٍ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلا وَ قَدْ أَعْطَانِيَ الطَّاعَةَ وَ سَمَحَ لِي بِالْبَيْعَةِ طَائِعاً غَيْرَ مُكْرَهٍ فَقَدِمُوا عَلَى عَامِلِي بِهَا - بالبصرة - وَ خُزَّانِ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا فَقَتَلُوا طَائِفَةً صَبْراً وَ طَائِفَةً غَدْراً فَوَالله إِنْ لَوْ لَمْ يُصِيبُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلا رَجُلًا وَاحِداً مُعْتَمِدِينَ لِقَتْلِهِ بِلا جُرْمٍ جَرَّهُ لَحَلَّ لِي قَتْلُ ذَلِكَ الْجَيْشِ كُلِّهِ إِذْ حَضَرُوهُ فَلَمْ يُنْكِرُوا وَ لَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ بِلِسَانٍ وَ لا بِيَدٍ دَعْ مَا إِنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ الْعِدَّةِ الَّتِي دَخَلُوا بِهَا عَلَيْهِمْ!

وقالعليه‌السلام في كلام له خاطب به أهل البصرة / نهج البلاغة رقم ١٥٦ / قالعليه‌السلام : وأمّا فلانة - عائشة - فأدركها رأيُ النساء و ضِغنٌ غَلا في صدرها كَمِرجَلِ القَيْنِ و لو دُعَيِتْ لِتنالَ من غَيْري ما أتَتْ إليَّ، لم تَفعلْ و لها بعدُ حُرمتُها الأولى و الحسابُ على اللهِ تعالى.

والآن لكي يطمئنّ قلب القاريء الكريم إلى واقع الأمر ويعرف عائشة ونفسيّتها أكثر من ذي قبل، فأترك القلم بيد ابن قتيبة وهو من أعلام أهل السنّة والمتوفّى سنة ٢٧٠ هجرية، فإنه كتب في كتابه الإمامة والسياسة /٤٨، ط مطبعة الأمّة بمصر / تحت عنوان: خلافة عائشة (رض) على عليّ قال: وذكروا أنّ عائشة لما أتاها أنّه بويع لعليّ، وكانت خارجة عن المدينة فقيل لها قُتل عثمان وبايع الناس علياً فقال: ما كنت أُبالي أنْ تقع السماء على الأرض، قُتل والله مظلوماً! وأنا طالبةُ بدمه!!

فقال لها عُبَيدُ: إنّ أول من طمع الناس فيه لأنْتِ فقلتِ اقتلوا نَعْثَلاَ فقد فجر!! =

٨٦٢

. . . . .

____________________

= قالت: قد والله قلت و قاله الناس، وآخر قولي خيرٌ من أوله!

فقال عبيد: عُذْرٌ والله ضعيف يا أمَّ المؤمنين! ثم قال:

منك البداء و منك الغِيَر

ومنك الرياح ومنك المطر

و أنتِ أمرتِ بقتل الإما

م وقلت لنا أنّه قد فجر «كفر»

فهبنا أطعناكِ في قتله

وقاتله عندنا من أمر

قال: فلما أتى عائشة خبر أهل الشام أنّهم ردُّوا بيعة عليّ وأبو أنْ يبايعوه، أمرت فعُمل لها هودج من حديد وجُعل فيه موضع عينيها، ثمّ خرجت ومعها الزبير وطلحة وعبدالله ومحمد بن طلحة.

أقول: وذكر ابن قتيبة في صفحة ٥٢ تحت عنوان كتاب أم سلمة إلى عائشة.

قال: وذكروا أنّه تحدّث الناس بالمدينة بمسير عائشة مع طلحة والزبير ونصبهم الحرب لعليّ وتألّبهم الناس كتبتْ أُمُّ سلمة إلى عائشة: أما بعد فإنك سدة بين رسول الله و بين أمّته و حجابه المضروب على حرمته و قد جمع القرآنْ الكريم ذَيْلَكِ فلا تَبْذليه و سَكَّنَ عَقيرتَكَ فلا تُضيِّعيه الله من وراء هذه الأمة قد علم رسول الله مكانَكِ لو أراد أن يعهد إليك وقد علمت أنّ عمود الدين لا يثيب بالنساء ان مال، ولا يَرْأَبُ بهنّ إنْ انصدع، خمرات النساء غضّ الأبصار وضم الذيول، ما كنت قائلة لرسول الله لو عارضَكِ بأطراف الجبال والفَلَوات على قعود من الإبل من منهل الى منهل. إن بعين الله مهواك وعلى رسول الله تَرِدين وقد هَتَكتِ حجابه الذي ضرب الله عليك عهيداه ولو أتيت الذي تُريدين ثم قيل لي ادخلي الجنة لاستحْيَيْتُ أن ألقى رسول الله هاتكةً حجاباً قد ضربه عليَّ فاجعلي حجابك الذي ضرب عليك حِصْنَكِ، فابغيه منزلاً لكِ حتى تلقيه فإنّ أطوع ما تكونين إذا ما لزمته و أنصح ما تكونين اذا ما قَعْدتِ فيه لو ذَكَّرْتُكِ كلاماً قاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لنهشتني نهش الحيّه والسلام. =

٨٦٣

. . . . .

____________________

= فكتبت اليها عائشة: ما أقبلني لوعظكِ و أعلمني بنصحك و ليس مسيري على ما تظنّين و لنعم المطلع مطلع فرقتُ فيه بين فئتين متناجزتين، فإن أقدرُ ففي غير حَرَج و إنْ أحرج فلا غنى بي عن الإزدياد منه والسلام!!

أقول: وذكر ابن قتيبة في كتابه صفحة ٥٧ قال: ولما نزل طلحة والزبير وعائشة بأوْطاس من أرض خيبر، أقبلَ عليهم سعيد بن العاصي على نجيبٍ له، فأشرف على الناس ومعه المغيرة بن شعبة فنزل وتوكّأ على قوس له سوداء، فأتى عائشة فقال لها: أين تريدين يا أم المؤمنين؟ قالت: أريد البصرة ، قال: وما تصنعين بالبصرة؟ قالت: أطلب بدم عثمان! فقال: هؤلاء قتلة عثمان معك!!

ثم أقبل على مروان فقال له: واين تريد أيضاً؟ قال: البصرة.

قال: وما تصنع بها؟ قال: أطلب قتلة عثمان قال: فهؤلاء قتلة عثمان معك إنّ هذين الرجلين - طلحة والزبير - قتلا عثمان وهما يريدان الأمر لأنفسهما، فلمّا غُلبا عليه قالا: نغسل الدم بالدم والحوبة بالتوبة!!

ثم قال المغيرة بن شعبة: أيها الناس ان كنتم إنّما خرجتم مع أمكم فارجعوا بها خيراً لكم وإن كنتم غضبتم لعثمان فرؤساؤكم قتلوا عثمان!! وان كنتم نقمتم على عليّ شيئاً فبيّنوا ما نقمتم عليه.

انشدكم الله فتنتين في عام واحد!! فأبوا إلّا أنْ يمضوا بالناس،... فلما انتهوا إلى ماء الحوأب في بعض الطريق ومعهم عائشة نبحها كلاب الحوأب فقالت: لمحمد ابن طلحة: أي ماء هذا؟ قال: هذا ماء الحوأب، فقالت: ما أراني إلّا راجعة! قال: ولم؟ قالت: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لنسائه: كأنّي بإحداكنّ قد نبحها كلاب الحوأب، وإيّاكِ أن تكوني أنتِ يا حميراء!!

فقال لها محمد بن طلَحة: تقدّمي رحمك الله ودَعي هذا القول!

وأتى عبد الله بن الزبير فحلف لها بالله لقد خلفتيه أوّل الليل!! =

٨٦٤

. . . . .

____________________

= أتاها ببيّنة زور من الأعراب فشهدوا بذلك!!

فزعموا أنّها أوّل شهادة زور شهد بها في الاسلام!!

أقول هكذا عارضوا الحق بالباطل، هؤلاء الضُلّال الذين ضلّوا وأضلّوا، فخالفوا كتاب الله عزّ وجلّ إذ يقول:

( وَ لاَ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِکُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‌ ) البقرة ٢٢٤.

فكيف إذ جعلوا الله سبحانه عُرضةً لأيمانهم ليشعلوا الفتنة ويشبّوا القتال بين المسلمين، لينالوا أمانيهم الفاسدة؟!

أقول: وذكر ابن قتيبة في صفحة ٦٣ و٦٤ تحت عنوان تعبئة الفئتين:.. ثم كتب عليٌّ إلى طلحة والزبير: أما بعد فقد علمتما أنّي لم أرد الناس حتّى أرادوني و لم أبايعهم حتى بايعوني.. وزعمتما أنّي آوَيْتُ قتلة عثمان، فهؤلاء بنو عثمان فليدخلوا في طاعتي ثم يخاصموا إليَّ قتلة أبيهم.

وما أنتما وعثمان، إن كان قتل ظالماً أو مظلوماً!!

ولقد بايعتماني، وأنتما بين خصلتين قبيحتين، نكث بيعتكما وإخراجكما أمكما.

و كتب إلى عائشة: أما بعد فإنّك خرجت من بيتك عاصية لله تعالى و لرسوله تطلبين أمراً كان عنك موضوعاً ما بال النساء والحرب والإصلاح بين الناس؟! تطلبين بدم عثمان!! و لَعَمري لمن عرّضك للبلاء و حملك على المعصية أعظم إليك ذنباً من قتلة عثمان و ما غضبت حتى أغضبت و ما هجت حتى هيجت فاتقي الله وارجعي إلى بيتك.

فأجابه طلحة والزبير: إنك سرتَ مسيراً له ما بعده مسير ولست راجعاً وفي نفسك منه حاجة فامض لأمرك، أما أنت فلستَ راضياً دون دخولنا في طاعتك، ولسنا بداخلين فيها أبداً، فاقض ما أنت قاض. وكتبت عائشة: جلّ الأمر عن العتاب والسلام.

فانصف أيها القارئ هل تُعْذر بالنسيان بعد هذا التذكير والتحذير؟! وهل لطلحة والزبير عذرٌ في عصيانهما وخروجهم؟!

«المترجم»

٨٦٥

ألم تكن هذه المخالفات منها للقرآن الحكيم وللنبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله وصمات عار في تاريخها؟!

هل أنّ خروجها على الإمام عليّعليه‌السلام وقتالها له كان حقاً أم باطلاً؟ فإذا كان باطلاً فكل باطل وصمة عار لفاعله، وإنْ تقولوا كان حقاً، ولستم بقائلين، فكيف التوفيق بينه وبين الأحاديث الشريفة التي مرّت عن طرق محدثيكم وكبار علمائكم، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من آذى علياً فقد آذاني، وقال: حربه حربي، وسلمه سلمي، ولا يبغضه إلّا منافق.. وما إلى ذلك.

بالله عليكم أنصفوا!! هل حرب عائشة وطلحة والزبير لعليّعليه‌السلام وقتالهم لهعليه‌السلام كان عن حُبِّهم لعليّ أم عن بغضهم لهعليه‌السلام ؟!

لِمَ لا تنتقدونهم ولا تأخذون عليهم هذه الخطايا الكبرى والمعاصي العظمى؟! لماذا تمرّون على هذه الحوادث مرّ الجاهلين والغافلين، ولكن تأخذون على الشيعة بأشدّ ما يكون، لأنهم ينتقدون أعمال الصحابة، ويميزون بين الحق والباطل فيمدحون أهل الحق ويفضحون أهل الباطل أيّاً كانوا؟ والجدير بالذَّكْر أنّنا لا نروي في الصحابة وأفعالهم القبيحة إلّا ما رواه محدثوكم وعلماؤكم، فلماذا لا تنتقمون عليهم، ولا ترفضون رواياتهم ولا تنفون كتبهم ولا تردّونها؟ بل هذه الكتب التي ننقل عنها كلها عندكم معتبرة ومقبولة وتُطبِع في البلاد السنّية وعواصمهم، مثل مصر وبغداد ولبنان وغيرها، من باب المثال يقول العلّامة المسعودي في كتابه مروج الذهب ج ٢ /٧، وهو يتحدّث عن وقعة الجمل، وهجوم أصحاب عائشة على أصحاب عثمان بن حنيف بعد المعاهدة كما ذكرنا فقال: فقتل منهم سبعون رجلاً غير من جُرح،

٨٦٦

وخمسون من السبعين ضُربَتْ رقابهم صبراً بعد الأسر، وهؤلاء أول مَن قُتلوا ظلماً في الإسلام.

هذا الخبر إذا نقله مؤرخوكم لا يحزّ في نفوسكم ولكن إذا نقله أحد الشيعة وقال إنّ هذا العمل كان ظلماً قبيحاً من عائشة وأصحابها، تثور نفوسكم وتنفجر غيرتكم وتشتعل نيران التعصّب فيكم، فترموننا بالكفر والضلالة وتبيحون لأتباعكم دماء الشيعة وأمولهم!!

الشيخ عبد السلام: لا يجوز عندنا التدخل في الحوادث التي جرت بين صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّا ننظر إليهم جميعاً بعيْن الإكبار والاحترام، فإنهم وإنْ اختلفوا بينهم ولكن الكل كانوا يَدْعون إلى الله، ومَنْ توجّه منهم إلى خطئه وانحراف مسيره عن الحق، فقد تاب واستغفر مثل الزبير (رض) في البصرة وكذلك أم المؤمنين عائشة (رض) فإنها تبعت طلحة والزبير وأخذت بقولهما، ولكنّها بعد ذلك عرفت بطلان كلامهما وأنهما أغرياها وحملاها معهما إلى البصرة، فاستغفرت وتابت، والله خير الغافرين، وهو يقبل التوبة من عباده وهو أرحم الراحمين.

قلت: أولاً: قولك: فإنّهم وإنْ اختلفوا بينهم ولكن الكلّ كانوا يَدْعون إلى الله. فهو مغالطة وكلام باطل ...، لأنّ سبيل الله عزّ وجلّ واحد وصراط الحق واحد كما قال تعالى:( وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١) .

وقال سبحانه:( قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى الله عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ

____________________

١) سورة الأنعام، الآية ١٥٣.

٨٦٧

اتَّبَعَنِي وَ سُبْحانَ الله وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (١) .

ثانياً

وأما قولك: بأنّ الزبير بعدما توجه إلى خطئه وانحرافه عن الحق تاب واستغفر. فأقول: نعم تاب ولكن لم يعمل بشرائط التوبة، فقد كان الواجب عليه أن يَسْعى في ردِّ من أغراهم فيهديهم إلى الحق الذي عرفه في جانب الامام عليعليه‌السلام ، وكان يلزم أنْ ينضمّ هو أيضاً تحت راية الحق وجيش أمير المؤمنينعليه‌السلام ولا ينعزل عن الميدان والمجاهدة.

وأما عائشة فإنّ عصيانها وذنبها معلوم لكل الناس، ولكنّ توبتها غير معلومة، وهي كذلك ما عملت بشرائط التوبة بل ارتكبت بعد ذلك أيضاً أشياء تكشف عن حقدها وبغضها لآل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم أنّ قولك: والله خير الغافرين وهو يقبل التوبة من عباده وهو أرحم الراحمين.

كل ذلك صحيح ومقبول ولكن حفظْتَ شيئاً وغابت عنك أشياءُ، فقد قال سبحانه:( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى الله لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ الله عَلَيْهِمْ وَ كانَ الله عَلِيماً حَكِيماً ) (٢) .

وكلّنا نعلم أن عائشة كانت عالمة غير جاهلة وكانت في خروجها على الإمام وقتالها لعليعليه‌السلام عامدة غير ساهية، وقد نصحتها أم سلمة قرينتها، ونحها الإمام عليعليه‌السلام ، وكثير من الصحابة، أن لا تخرج من بيتها ولا تغترّ بطلحة والزبير ومروان وأمثالهم، وقد حذّرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبلهم، وأمرها الله عزّ وجل في كتابه بقوله:( وَ قَرْنَ فِي

____________________

١) سورة يوسف، الآية ١٠٨.

٢) سورة النساء، ١٧.

٨٦٨

بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الأُولى ) (١) فما اعتنت بكل ذلك وخرجت وأحدثت ما أحدثت!! فكيف نُحَتِّم بأنّ الله سبحانه قبل توبتها وهي عالمة عامدة في المعصية؟!

ثالثاً قولك: بأن طلحة والزبير أغرياها وحَمَلاها إلى البصرة، وأنّها عَرفَتْ بطلان كلامهما بعد ذلك الخ فإنّ قولك هذا يكشف بأنّ الحديث الذي تروونه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أصحابي كالنجوم بأيّهم أقتديتم اهتديتم »كذبٌ وافتراء على رسول الله وهو حديث موضوعٌ مجعولٌ، لأن عائشة وآلاف المسلمين اقتدوا بطلحة والزبير وهما من كبار الصحابة وما اهتدوا بل ضلّوا وخسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين!!!

النواب: سيدنا المكرّم! قلتم خلال كلامكم أنّ أم المؤمنين (رض) بعد توبتها من حرب الجمل أيضاً ارتكبتْ أشياء تكشف عن حقدها وبغضها لآل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فلو سمحت، بيِّن لنا تلك الأشياء بشكل واضح حتّى نعرف واقع الأمر.

يوماً على جمل ويوماً على بغل

قلت: مما لا شك فيه أنّ عائشة كانت امرأة غير هادئة وغير رزينة فقد قامت بحركات لا يقبلها الدين القويم ولا العقل السليم، وإن كل حركة من تلك الحركات تكفي في تسويد تاريخها بوصمات الذنب والمعصية، منها واقعة الجمل، وكلكم تقبلون أنها بعملها في البصرة خالفت الله ورسوله، وهي أيضاً قد اعترفت بخطئها، ولكن تقولون

____________________

١) سورة الأحزاب، الآية ٣٣.

٨٦٩

أنها تابت واستغفرت، فإذا هي ندمت وتابت، كان اللازم عليها أن توالي علياً آل البيت النبوي، ولكنها خرجت مرّةً أخرى وكشفت عن ضميرها الممتلئ عداوة لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك يوم تشييع جنازة الإمام الحسن بن عليعليه‌السلام سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومنعت من دفنه عند جدّه كما رَوى كثيرٌ من مؤرخيكم و أعلامكم ، منهم العلّامة سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ١٩٣، ط. بيروت، والعلّامة ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ١٦ / ١٤، عن المدائني عن أبي هريرة، وأبو الفرج الإصبهاني في مقاتل الطالبيين / ٧٤، وفي روضة الصفا لمحمد خاوند / ج ٢، قسم وفاة الحسن [عليه‌السلام ]، وتاريخ ابن الأعثم الكوفي، وفي روضة المناظر للعلّامة ابن شحنة، وأبو الفداء إسماعيل في كتابه المختصر في أخبار البشر ج ١ / ١٨٣ ط. مصر والعلّامة المسعودي صاحب مروج الذهب، نقل في كتابه إثبات الوصية ١٣٦: أنّ ابن عباس قال لها - أي لعائشة - أما كفاكِ أنْ يُقال يوم الجمل حتّى يقال يوم البغل، يوماً على جمل و يوماً على بغلٍ بارزة عن حجاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تريدين إطفاء نور الله وَ الله متمّ نوره و لو كره المشركون - إنّا لله وَ إنّا إليه راجعون.

ونقل بعض المحدثين أنه قال لها:

تجمّلتِ تَبَغَّلْتِ وإن عِشتِ تفيّلتِ

لك التُسع من الثمن وفي الكلّ تصرّفت

وأراد الهاشميون أن يجرّدوا السلاح لأن بني أمية تسلّحوا أيضاً ليمنعوا من دفن الحسن المجتبىعليه‌السلام عند جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر عائشة، ولكنَّ الحسينعليه‌السلام تدارك الموقف فقال: الله الله يا بني هاشم

٨٧٠

لا تضيِّعوا وصيّة أخي واعدلوا به إلى البقيع، والله لولا عهد إليّ أنْ لا أهريقَ في أمره محجمة دم لدفنته عند جدّنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مهما بلغ الأمر! فدفنوه في البقيع(١) .

____________________

١) ذكر كثيرٌ من المؤرخين منع عائشة لدفن الإمام الحسنعليه‌السلام بجوار جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم أبو الفرج الإصبهاني في كتابه [ مقاتل الطالبين ] ٧٤ قال: فأمّا يحيى بن الحسن صاحب كتاب «النسب» فإنه رَوى أنّ عائشة ركبت ذلك اليوم بغلاً. واستنفرت بنو أميّة مروان بن الحكم ومن كان هناك منهم ومن حشمهم وهو قول القائل فيوماً على بغل ويوماً على جمل.

ومنهم ابي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة: ج ١٦ / ١٤، ط. دار إحياء التراث العربي نقل عن المدائني عن أبي هريرة فلما رأتْ عائشة السلاح والرجال خافت أنْ يعظم الشر بينهم وتُسفَك الدماء - هذا كله توجيه منه - قالت: البيت بيتي ولا آذن لأحدٍ أن يُدفن فيه!

ومنهم العلّامة سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص / ١٩٣، طبع بيروت وهذا نصّه: وقال ابن سعد عن الواقدي: لما احتضر الحسن قال: ادفنوني عند ابي يعني رسول الله فأراد الحسين أنْ يدفنه في حجرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقامت بنو أميّة ومروان وسعيد بن العاص وكان والياً على المدينة فمنعوه!! قال ابن سعد: ومنهم أيضاً عائشة وقالت: لا يُدفن مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحدُ!!

ومنهم أبو الفداء في «المختصر في أخبار البشر» ج ١ / ١٨٣ طبع مصر قال: وكان الحسن قد أوصى أنْ يُدفن عند جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت عائشة: البيت بيتي ولا آذن أنْ يدفن فيه.

ومنهم اليعقوبي في تاريخه وهو من أعلام القرن الثالث الهجري قال: وقيل: إنّ عائشة ركبن بغلة شهباء وقالت: بيتي لا آذن فيه لأحد! فأتاها القاسم بن محمد بن ابي بكر فقال لها: يا عمة ما غَسّلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر، أتريدين أن يقال يوم البغلة الشهباء؟! فرجعت. =

٨٧١

فرحة عائشة لشهادة الإمام عليعليه‌السلام

وإذا كانت عائشة نادمة على خروجها وتابت من قتالها وحربها

____________________

= ومنهم النيسابوري في روضة الواعظين / ١٤٣، ذكر أنّ ابن عباس خاطبها قائلاً: وا سوأتاه يوماً على بغل ويوماً على جمل! أتريدين أنْ تطفئي نور الله، وتقابلين أولياءه؟!

ولنا أنْ نتساءل: من أين جاء لها البيت الذي دفن فيه نبي الرحمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ أما رَوَى أبوها أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضة، ولا داراً ولا عقاراً، وبناءً عليها منع سيدة النساء فاطمة إرثها وحقّها من أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو فرضنا أن عائشة ردّت رواية أبيها وكذّبته فكم حصتها من الإرث؟ فقد قيل لها:

لك التسع من الثمن

و في الكل تصرّفت

لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مات عن تسع زوجات وحصّة الزوجة من الإرث ثُمن ١/٨ ما ترك الزوج من العمارات والأموال المنقولة فأمّا الأرض فلا ترث، وعائشة تصرّفت في الأرض خلافاً لحكم الله فدفنت أباها في بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسكتت عن دفن عمر أيضاً.

ونصّ بعض المؤرخين كما في كتاب «الدرّة الثمينة في تاريخ المدينة»: / ٤٠٤ أنّ عائشة سمحت بدفن عبدالرحمن بن عوف في حجرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فلنا أن نتساءل: هل أنّ عبدالرحمن أولى برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من سبطه الأكبر الإمام الحسن الذي كان يقبّله في الملأ العام ويشمّه ويضمّه إلى صدره ويقول: الحسن والحسين ريحانتي من الدنيا، ويقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم إنّي أحبه وأحب مَن يحبه؟؟ فلا أدري لأي سبب تسمح عائشة لابن عوف أن يُدفن عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتبعد ريحانته وفلذة كبده عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! أكان ذلك استجابةً منها لرغبة الأمويين!! أم للحقد الدفين؟

«المترجم»

٨٧٢

للإمام عليعليه‌السلام ، فلماذا أظهرت الفرح حين وصلها خبر شهادة أمير المؤمنينعليه‌السلام وسجدت شكراً لله تعالى؟!

كما أن أب الفرج الإصبهاني صاحب كتاب الأغاني، رَوى في كتابه مقاتل الطالبيين / ٥٤ - ٥٥ / بإسناده إلى اسماعيل بن راشد وهو روى بالإسناد أيضاً فقال: لمـّا أتى عائشة نَعْيُ عليّ أمير المؤمنين –عليه‌السلام - تمثّلت:

فألقَتْ عصاها واستقرّت بها النَّوَى

كما قَرَّ عيناً بالإيابِ المسافر

ثم قالت: مَنْ قتله؟ فقيل: رجل مِن مراد، فقالت:

فإنْ يك نائياً فلقد نعاه غلامٌ ليس في فيه التراب

فقالت لها زينب بنت أم سلمة: أ لعليّ تقولين هذا؟!

فقالت: فإذا نسيتُ فذكّروني!!

ثم روى أبو الفرج بإسناده عن أبي البختري قال:

لمـّا أنْ جاء عائشة قَتْلُ عليّعليه‌السلام سَجَدَت!!(١) .

أيها الحاضرون! أيها العلماء! هل بعد هذا الخبر، تصدّقون توبتها؟ أم تقبلون أنّها كانت خفيفة العقل، وغير رزينة ولا متوازنة في سلوكها ومعاشرتها مع آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

____________________

١) نقل ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ٩ / ١٩٨، ط. دار إحياء التراث العربي عن الشيخ ابي يعقوب وقال فيه: أنه لم يكن يتشيّع. قال: قال ثمّ ماتت فاطمة، فجاء نساء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلهنّ الى بني هاشم في العزاء إلّا عائشة فإنها لم تأتِ، و أظهرت مرضاً، و نقل الى عليّعليه‌السلام عنها كلام يدلّ على السرور!!

«المترجم»

٨٧٣

تناقضات عائشة في عثمان

والغريب أنكم لا تنقدون أم المؤمنين عائشة لموقفها السلبي تجاه عثمان، وتأخذون عليها جملاتها وكلماتها الشنيعة في حقه حتى رمته بالكفر، ولكن تصبّون جام غضبكم على الشيعة وترمونهم بالكفر والضلال إذا نسبوا عثمان إلى سوء التدبير والإجحاف، أو نسبوه إلى إتلاف بيت المال وسوء التصرّف، وهم ينقلون كلّ ذلك من كتب أعلامكم ورَوى أكثر محدثيكم وأكبر مؤرخيكم أنّ عائشة كانت تُألِّبُ الناسَ وتُحرِّضُهم على قتل عثمان، منهم المسعودي في كتابه أخبار الزمان، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص / ٦٤، ط. بيروت، وأعلام المؤرخين: مثل ابن جرير وابن عساكر وابن الأثير وغيرهم، ذكروا في أحداث قتل عثمان أن عائشة كانت تُحرٍّض على قتله بالجملة المشهورة عنها: اقتلوا نعثلاً فقد كفر!!

وذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ٦ / ٢١٥، ط. إحياء التراث قال: قال كلُّ من صنّفَ في السِّيَر والأخبار: أنّ عائشة كانت من أشد الناس على عثمان، حتّى أنها أخرجت ثوباً من ثياب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فنصبتْهُ في منزلها، و كانت تقول للداخلين إليها: هذا ثوب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يَبْلَ، و عثمان قد أبلى سُنّتَه! قالوا: أوّل مَن سمّى عثمان نعثلاً عائشة، و النعثل: الكثير شعر اللحية و الجسد، و كانت تقول: اقتلوا نعثلاً، قتل الله نعثلاً!!

قال: ورى المدائني في كتاب «الجمل » قال: لما قُتل عثمان، كانت عائشة بمكة وبلغ قتله إليها وهي بشراف، قال: بُعداً لنعثل وسُحْقاً!!

٨٧٤

ونقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ٦ صفحة ٢١٦ قال: وقد رُوي من طرق مختلفة أنّ عائشة لما بلغها قتل عثمان و هي بمكة، قالت: أبعدَهُ الله! ذلك بما قدّمتْ يداه وما الله بظلّام للعبيد!!

حينما تقرءون في التاريخ أنّ أم المؤمنين كانت تتفوّه وتتكلّم بهذه الجملات على عثمان، لا تحكمون بكفرها وضلالتها!! ولكن إذا سمعتم من شيعي يتكلّم بأقلّ من هذا في عثمان، تكفّروه وتأمرون بقتله!!

والجدير بالذكر أن أقوال عائشة في شأن عثمان متناقضة، فقد ذكر المؤرّخون أنّها لمـّا سمعت بأنّ الناس بايعوا عليّاً بعد عثمان، غيّرت كلامها وأظهرت بغضها وحقدها لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام فقالت: لوددت أنّ السماء انطبقت على الأرض إن تَمَّ هذا.. قتلوا ابن عفّان مظلوماً!!

بالله عليكم فكّروا في هذا التناقض البيِّن، والتضارب الفاحش في كلام عائشة! أمَا يدلّ هذا التناقض والتضارب على عدم استقلاليتها؟ بل هو دليل ظاهرٌ على تلوّنها وميولها مع أهوائها وتلبيتها لأغراضها النفسيَّة، وإنّ النفس لأمّارةٌ بالسوء!

الشيخ عبدالسلام: نعم ذكر المؤرخون هذه التناقضات في سيرة أم المؤمنين (رض)، وهم ذكروا أيضاً أنها ندمت وتابت واستغفرت، والله سبحانه وعد التائبين بقبول التوبة والجنة، ولذا نحن نعتقد أنّها في أعلا درجات الجنان عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قلت: إنّ كلامك تكرار لمقالك السابق، وأنا لا أكرّر كلامي، و جوابي لك، ولكن هل من المعقول أنّ الدماء التي سُفكت في الجمل

٨٧٥

بسببها، والأموال التي نهبت بأمرها، والحُرمات التي هُتِكَت بنظرها.. تَذهُب أدراج الرياح، ولا يحاكمها الله على أعمالها؟!

أين إذاً قول الله سبحانه:( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) (١) ؟!

صحيح أن الله عزّ وجلّ أرحم الراحمين، ولكنّ في موضع العفو والرحمة، وأشدّ المعاقبين في موضع النكال والنقمة.

ولا يخفى أنّ من شروط قبول التوبة، ردُّ حُقوق الناس وإرضائهم، فإنّ الله تعالى ربما يعفو عن حقه، ولكن لا يعفو عن حقوق الناس. وعائشة تابت بالقول واللسان، لا بالفعل والجنان، ولذلك ما كانت مطمئنّة من قبول توبتها وغفران الله سبحانه لها وهي أعرف بنفسها، ولذا ذكر أكابر علمائكم مثل الحاكم في المستدرك، وابن قتيبة في المعارف، والعلّامة الزرندي في الأعلام بسيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذلك ابن البيّع النيسابوري، وغيرهم ذكروا أنّ عائشة أوصَت إلى عبدالله بن الزبير وسائر محارمها فقالت: ادفنوني مع أخواتي بالبقيع فإنّي قد أحدثتُ أموراً بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله !

أمّا قولكم بأنّها نسيت بعض أحاديث الرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في شأن الإمام عليعليه‌السلام وفضله ومناقبه، ونسيت تحذير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لها من خروجها على أمير المؤمنين ومحاربتها لهعليه‌السلام ، وبعدما وضعت الحربُ أوزارها وانتهت المعركة بانتصار عليعليه‌السلام وجيشه وانكسار عائشة وجيشها، تذكّرت أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وما سمعته من فمه المبارك في ذلك فتابت واستغفرت!!

____________________

١) سورة الزلزلة، الآية ٧ و ٨.

٨٧٦

أم سلمة تُذِكِّر عائشة

فقد روى كثيرٌ من أعلام محدثيكم وكبار علمائكم خلاف ذلك منهم:

ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ٦/٢١٧، ط دار إحياء التراث العربي روى عن أبي مخنف - لوط بن يحيى الأزدي - قال: جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان

فقالت أم سلمة: إنك كنت بالأمس تُحرِّضينِ على عثمان و تقولين فيه أخبثَ القول، و ما كان اسمه عندك إلّا نَعْثَلاً، و إنّك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أَفَأذكّركِ؟

قالت: نعم، قالت: أتذكرين يوم أقبَلصلى‌الله‌عليه‌وآله و نحن معه، حتّى إذا هبط من قُدَيد ذات الشمال، خلا بعليّ يناجيه فأطال، فَأرَدْت أنْ تَهجمي عليهما، فنَهَيْتُك فعصيتني، فهجَمْتِ عليهما، فما لبثتَ أنْ رجعت باكية، فَقلتْ: ما شأنُكِ؟ فقلت: إنّي هجمتُ عليهما و هما يتناجيان فقلت لعليّ: ليس لي من رسول الله إلّا يومٌ من تسعة أيّام، أَفَما تَدَعْني يا ابن أبي طالب و يومي!

فأقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ و هو غضبان محمّر الوجه، فقال: ارجعي وراءَكِ! و الله لا يبغضُه أحَدٌ من أهل بيتي و لا مِن غيرهم من الناس إلّا و هو خارجٌ من الإيمان!

فَرَجعْتِ نادمة ساقطة! قالت عائشة: نعم أذكر ذلك.

ويتابع ابن أبي الحديد رواية أبي مخنف في تذكير أم سلمة لعائشة

٨٧٧

قالت: و أُذكّركِ أيضاً.. كنتُ أنا و أنتِ مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و أنتِ تغسلين رأسه، و أنا أحيسُ له حَيْساً، و كان الحَيْسُ يُعجبُهُ، فرفعصلى‌الله‌عليه‌وآله رأسه، و قال: يا ليت شعري، أيّتكُنَّ صاحبة الجمل الأذنب، تنبحُها كلاب الحوأب، فتكون ناكبةً عن الصراط؟! فرفعتُ يدي من الحَيْس،فقلتُ: أعوذ بالله و برسوله من ذلك. ثم ضربصلى‌الله‌عليه‌وآله على ظهركِ، و قال: إيّاك أنْ تكونيها!! إيّاك أنْ تكونيها يا حميراء! أمّا أنا فقد أنذرتكِ!

قالت عائشة: نعم أذكر هذا.

قالت: و أذكّركِ أيضاً كنتُ أنا و أنت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في سفر له و كان عليٌّ يتعاهد نَعْليْ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيخصفها، و يتعاهد أثوابه فيغسلها، فنقبتْ له نَعْلٌ، فأخَذَها يومئذٍ يخصفها، و قَعَد في ظلّ سَمُرة، و جاء أبوك و معه عمر، فاستأذناً عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقُمنا إلى الحجاب، و دخلا يحادثانه فيما أراد، ثم قالا: يا رسول الله! إنّا لا ندري قَدْرَ ما تصحبنا، فلو أعْلَمتنا مَنْ يستخلف علينا، ليكون لنا بعدك مفزعاً.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لهما: أما إنّي قد أرى مكانه، و لو فعلتُ لتفرّقتم عنه، كما تفرَّقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران.

فسكتا ثم خرجا، فلمَّا خرجنا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قلتِ له، و كنتِ أجْرَأ عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله منّا: مَن كنتَ يا رسول الله مستخلفاً عليهم؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : خاصف النعل، فنظرنا فلم نر أحَداً إلّا عليّاً، فقلتِ: يا رسول الله، ما أرى إلّا عليّاً. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : هو ذاك. فقالت عائشة: نعم أذكر ذلك.

٨٧٨

فقالت أم سلمة: فأيُّ خروجٍ تخرجين بعد هذا؟!

فقالت: إنّما أخرج للإصلاح بين الناس، و أرجو فيه الأجر إن شاء الله.

فقالت: أنتِ و رأيُكِ، فانصرفَتْ عائشة عنها.

أقول: فاعلموا أيها الحاضرون! إنّ عائشة ما كانت ناسيةً مكانة الإمام عليّعليه‌السلام عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومنزلته منه، بل خرَجت عالمةً عامدة، ناكرةً للحق، داعيةً للباطل، عازمةً على الحرب والفتنة. وهدفها وغَرَضُها إفساد الأمر على أبي الحسن أمير المؤمنين (سلام الله عليه)، وهي تعلم أنّه أحقّ الناس بالأمر وأولاهم بالخلافة للنصِّ الأخير الذي ذكَّرتْها به أم سلمة (سلام الله عليها).

فإنّ حديث خاصف النعل الذي رواه كثيرٌ من أعلامكم بطرق عديدة صريحٌ في تعيين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً للخلافة والإمامة.

لذلك نحن نعتقد بدليل هذا الحديث وعشرات الأحاديث الصحيحة من نوعه وبأدلّة ثابتة من الكتاب الحكيم، بأنّ علياًعليه‌السلام هو الإمام المفترض الطاعة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو خليفته بلا فصل، ولكن مناوئيه وحاسديه غصبوا مقامه وأخّروه بدسائس سياسية ومؤامرة شيطانية وعيّنوا أبا بكر للخلافة من غير نصّ ولا إجماع، فإنّ النزاع كان قائماً في السقيفة من جراء ذلك جراء ذلك الإنتصاب، وكلّنا يعلم بأنّ سيّد الخزرج سعد بن عبادة كان مخالفاً لخلافة أبي بكر إلى آخر عمره وتبعه كثير من قومه. وكذلك الهاشميون كانوا مخالفين، وبعد خلافة أبي بكر جاء عمر بن الخطاب بإنتصاب وتعيين من أبي بكر، فلا إجماع ولا شورى! وقد سبق أن بيّنّا مخالفة طلحة وجمع آخر من الصحابة

٨٧٩

لتعيين عمر وانتصابه للخلافة، وأما عمر فقد أبدعَ طريقاً آخر لتعيين خليفته، إذْ عيَّنَ ستة نفر من الصحابة فيهم عليٌّعليه‌السلام وعثمان، وأمَر أنْ يختاروا من بينهم أحدهم، فاذا لم يتمّ الوفاق على أحدٍ منهم خلال ثلاثة أيّام، أصدر حكم إعدامهم وقتلهم!! وقد آل الأمر إلى عثمان.

فنحن نعتقد أنّ هذه الطرق المتناقضة في تعيين الخلفاء الثلاثة، قبل الإمام عليعليه‌السلام ، كلها طرقٌ غير مشروعة ما سنّها الله ولا رسوله لأنّا لو فرضنا بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « لا تجتمع أمتي على خطأ » فلم يُلحظ إجماع الأمّة في هذه الطرق الثلاثة، ولكن خلافة الإمام عليعليه‌السلام امتازت بالنصوص الصريحة من الكتاب والسُنّة.

الشيخ عبد السلام: لا شك أنّ الإجماع حصل على خلافة أبي بكر بالتدريج، ونحن نقبل بأن الإجماع ما حصل في السقيفة ولكن بعدها دخل الناس كلهم في طاعة أبي بكر (رض) وحتى الهاشميين بما فيهم عليٌّ والعباس بايعوا بعد وفاة فاطمة الزهراء (رضي الله عنها).

قلت: أوّلاً .. فاطمة الزهراءعليه‌السلام وهي سيّدة نساء المسلمين بإجماع الأمة، ما بايعت لأبي بكر بل ماتت وهي ساخطة وناقمة عليه كما مرّ في المجالس السابقة، كما وقد مرّ أيضاً في المجالس السابقة بأن سيد الخزرج سعد بن عبادة ما بايع أبا بكر إلى أنْ قُتل غِيلة. وهذا يكفي لبطلان الإجماع الذي تدّعونه.

ثانياً: لقد أثبتنا في المجالس السالفة أنّ بيعة كثير من المسلمين في المدينة كانت بالجبر والإكراه لا عن الطوع والرضا، وهذا خلاف شرط صحة الاجماع.

٨٨٠