مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252374
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252374 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ثم لو فرضنا تصحيح خلافة أبي بكر بالاجماع المزعوم، فكيف تصححون خلافة عمر الذي عيّنه أبو بكر بوصيةٍ منه كتبها عثمان؟!

الشيخ عبد السلام: بديهي بأنّ قول أبي بكر في تعيين عمر بن الخطاب بالخلافة أيضاً مستندٌ إلى إجماع الأمة،لأنهم اجمعوا على طاعته وقبول رأيه، وكان مِن رأيه تعيين عمر للخلافة بعده.

قلت: أوّلاً .. إن كان كذلك، فلماذا ما أطعتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تعيين خليفته، وهو قد عيّن علياً وصرّح به مرّات وكرّات من يوم الإنذار إلى يوم الغدير وما بعده، ولكنكم ترفضونه بحجّة أنّ اختيار الخليفة وانتخابه من حق الأمة وأنّ نصوص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في عليّ بن أبي طالب كانت ارشادية، هذا مع أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان دائماً يحذّر الناس من مخالفة أمره ومخالفة الامام عليعليه‌السلام ، حتى أننا نرى في بعض الأحاديث المرويّة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتبكم، يصرِّحُ بأنّ مخالفة عليّ كفر، وبغضه نفاق، وطاعته إيمان.

ثانياً: بأي دليلٍ عقليّ أو نقليّ تقولون بأنّ قول الفرد المنصوب بالاجماع، لا سيما في تعيين خليفته، يكون قولهُ لازماً وماضياً على الناس! فإنّ هذا الأمر يخالف سيرة أهل العالم لا سيّما العقلاء منهم. ولكي تعرفوا ذلك فطالعوا الكتب المدوّنة في قوانين الدول والانتخابات.

ثالثاً: إنْ كان كلامكم صحيحاً، فلماذا لم يعمل عمر بن الخطاب على ما خطّه أبو بكر، بل قام بإبداع طريقةٍ جديدة تخالف مبنى وأساس خلافته وخلافة أبي بكر من قبله. فانّ الشورى الذي شكله عمر من ستة أفراد، لا يشابه مجالس الشورى البشريّة، ولا يشابه الإنتخابات الجمهورية، بل أقرب ما يكون إلى الاستبداد والديكتاتورية،

٨٨١

وهنا شاط الشيخ عبد السلام ولاح الغضب في وجهه فصاح:

نحن لا نسمح لكم بهذا الكلام، والمسّ من شخصيّة الفاروق، إلّا أنْ تأتوننا بدليل وبرهان.

قلت: ما ذكره المؤرخون في وصية عمر لأبي طلحة الأنصاري في تشكيل ورجحان الكفّة التي فيها عبد الرحمن بن عوف دليل ساطع وبرهان لامع على ما قلنا، لأنّه كان يعرف أنّ عبد الرحمن بن عوف يميل إلى عثمان وأنّ سعد بن أبي وقاص حاقدٌ على أبي الحسن وحاسدٌ له، فلا يميل إلى جانبهعليه‌السلام ، فضمن عمر خلافة عثمان بهذه السياسة والكياسة وسمّاها شورى وما هي بشورى(١) !

____________________

١) ذكر ابن ابي الحديد قصة الشورى في شرح نهج البلاغة ج ١/١٨٨ ط إحياء التراث العربي، قال: وصورة هذه الواقعة أنّ عمر لما طعنَهُ أبو لؤلؤة، وعلم أنّه ميت.. قال: إنّ رسول الله مات و هو راض عن هذه الستة من قريش: عليٌّ و عثمان و طلحة و الزبير و سعد و عبد الرحمن بن عوف و قد رأيتُ أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لأنفسهم

ثم قال ادعوا إلي أبا طلحة الأنصاري فدعوه له فقال انظر يا أبا طلحة إذا عدتم من حفرتي فكن في خمسين رجلاً من الأنصار حاملي سيوفكم فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر و تعجيله و اجمعهم في بيت و قفْ بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا و يختاروا واحداً منهم فإنْ اتّفق خمسة و أبى واحدٌ فاضرب عنقه و إنْ اتفق أربعة و أبى إثنان فاضرب عنقيْهما و انْ اتّفق ثلاثة و خالف ثلاثة فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن فارجع الى ما قد اتفقت عليه فإنْ أصرّت الثلاثة الأخرى على خلافها فاضرب أعناقهم و إن مضت ثلاثة أيام و لم يتفقوا على أمرٍ فاضرب أعناق الستة و دع المسلمين يختاروا لأنفسهم.

أقول: إذا لم نسمي هذا الأمر القاطع والحكم الصادر من الخليفة في شأن أصحاب الشورى بالهمجيّة والدكتاتورية، فماذا يُسمّى؟!

«المترجم»

٨٨٢

شورى.. أم ديكتاتورية!!

ولنا أن نعترض على حكم عمر وتفويضه الأمر النهائي إلى عبد الرحمن بن عوف، ونتساءل: بأي ملاك وعلى أي استناد شرعي وعرفي وعقلي ونظري يكون رأي ابن عوف مقدَّماً على رأي الآخرين وأصوب؟ وكيف يكون رأي الثلاثة الذين فيهم ابن عوف نافذاً، والثلاثة الأخرى ان لم توافق فمصيرهم القتل والاعدام؟!

ومن دواعي التعجب والإستغراب، تقديم رأي عبد الرحمن بن عوف على رأي أبي الحسن علي بن أبي طالبعليه‌السلام في مثل هذا الأمر، مع روايتهم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليٌّ مع الحق والحق مع علي.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليٌّ فاروق هذه الأمة يفرِّق بين الحق والباطل.

وقد روى الحاكم في المستدرك، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء، والطبراني في الأوسط، وابن عساكر في تاريخه، والعلّامة الكنجي في كفاية الطالب، والمحب الطبري في الرياض النضرة، والحمويني في فرائد السمطين، وابن أبي الحديد في شرح النهج، والسيوطي في الدرّ المنثور، عن ابن عباس، وسلمان، وابي ذر، وحذيفة، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب، فإنّه أول من يصافحني يوم القيامة، و هو الصدّيق الأكبر و هو فاروق هذه الأمة يفرِّقُ بين الحق و الباطل و هو يعسوب المؤمنين(١) .

____________________

١) أيها القارئ الكريم لقد ورد هذا الحديث في كتب المحدثين ومسانيدهم المعتبرة =

٨٨٣

. . . . .

____________________

= وأذكرُ لك بعضها من العامّة وأعلام السُنّة حتى تسكن بها نفسك ويطمئن قلبك، منها:

الإصابة لابن حجر: ج ٧/ القسم الاول ص ١٦٧ قال: وأخرج أبو أحمد وابن مندة وغيرهما من طريق إسحاق بن بشر الأسدي عن خالد بن الحارث عن عوف عن الحسن عن ابي ليلى الغفارية قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن ابي طالب، فإنه أول من آمن بي و أول من يصافحني يوم القيامة و هو الصديق الأكبر و هو فاروق هذه الأمة و هو يعسوب المؤمنين و المال يعسوب المنافقين.

وذكره ابن عبد البر أيضاً في الاستيعاب:ج ٢/٦٥٧، وابن الأثير أيضاً في اُسد الغابة: ج ٥/ ٢٨٧.

وفي مجمع الزوائد: ج ٩ /١٠٢ قال: وعن أبي ذر وسلمان قالا: أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليعليه‌السلام فقال: إنّ هذا أول من آمن بي وهذا أول من يصافحني يوم القيامة و هذا الصديق الأكبر و هذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل، و هذا يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الظالمين.

ورواه الطبري والبزار عن ابي ذر وحده، وذكره المناوي أيضاً في القدير في الشرح: ج ٤/٣٥٨، والمتقي في كنز العمال: ج ٦/١٥٦، وقال: رواه الطبراني عن سلمان وابي ذر معاً والبيهقي وابن عدي عن حذيفة. وفي الرياض النضرة للمحب الطبري: ج ٢/١٥٥ قال: وعن أبي ذر قال: سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليعليه‌السلام : أنت الصديق الأكبر و أنت الفاروق الذي تفرق بين الحق والباطل. (قال): وفي رواية وأنت يعسوب الدين. قال: خرّجهما الحاكم.

وهناك مصادر اخرى كثيرة ذكرت بعضها في تعليقاتنا السابقة، وأكتفي بما ذكرت فإنّ فيها الكفاية لمن اراد الحق والهداية.

«المترجم»

٨٨٤

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث مشهور لعمار بن ياسر - ونقلتُهُ لكم بإسناده وذكرت مصادره من كتبكم في الليالي الماضية - قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا عمار! إنْ سلكَ الناس كلّهم وادياً و سلكَ عليٌّ وحده وادياً، فاتّبع علياً و خَلِّ عن الناس، يا عمار! عليٌّ لا يردك عن هدىً، و لا يدلَّكَ على ردى يا عمار! طاعةُ عليّ طاعتي، و طاعتي طاعةُ الله.

مع هذا كله يقدّم عمرُ عبدَ الرحمن بن عوف على الإمام عليّعليه‌السلام ويقدّم رأيه على رأي أمير المؤمنين سلام الله عليه، وهذا من أفَحش الظلم في حق الإمام أبي الحسنعليه‌السلام .

كل عاقل منصف، له أدنى إلمام بأمور الدولة والسياسة، يعرف سريرة عمر وغرضه من هذا الأمر، وهو الإطاحة بعليّعليه‌السلام وخذلانه والسعي لتنزيل مقامه الشامخ، ومكانه العليّ.

وكل من له إطّلاع وباع في كتب الرجال والأصحاب من قبيل الإصابة والاستيعاب، وحلية الأولياء وأمثالها، يعرف جيّداً أن علياًعليه‌السلام لا يُقاس بعبد الرحمن، وأعلا من سائر أعضاء الشورى في الفضل والمناقب وفي المنزلة والمقام، وأنتم أيها الحاضرون!

راجعوا كتب الحديث والتواريخ والمناقب وطالعوها وأنصفوا وفكروا ثم احكموا في رأي عمر وتعيينه عبد الرحمن حَكَماً في الشورى، وترجيح رأيه على الآخرين بما فيهم علي بن أبي طالبعليه‌السلام !

والله ما كانت الشورى العُمَريَّة إلّا لعبةً سياسية ومؤامرة تحزّبيّة من مناوئي الإمام عليّعليه‌السلام ومخالفيه، ليحرموه عن حقّه ويبعدوه من مقامه للمّرة الثالثة!!

فالخلفاء «الراشدون عندكم » نالوا الخلافة وتوصّلوا إليها بأربعة

٨٨٥

طرق، كل واحد منهم وصل إلى الخلافة بشكل خاص وطريقة تخصّه، فلا ندري أي طريقة منها وأي شكل من الأشكال مراد الله سبحانه ومقتضى شريعته ودينه! فإن تعيّنوا شكلاً واحداً، فالأشكال الأخرى باطلة، وإن تقولوا: كل هذه الطرق والأشكال صحيحة وشرعية، نعرِفْ أنكم لا تلتزمون لتعيين الخليفة والحاكم الشرعي، بطريق ثابت وقانون معيَّنٍ معلوم.

وأنتم الحاضرون ولا سيما العلماء الكرام، اذا تركتم التعصُّب والإنحياز الى مذهب أسلافكم ومُعتَقَد آبائكم، ونظرتم إلى الحوادث والقضايا بعين الإنصاف والعدالة، وَبنظر التحقيق والدّلالة، لعرفتم أنّ الحق غير ما تلتزمون به وتعتقدونه.

الشيخ عبد السلام: نعم ولكن لو أمعنّا النظر وتعمّقنا في الموضوع على أساس بيانكم وغرار كلامكم، فإنّ خلافة سيدنا علي بن أبي طالب تتزلزل أيضاً، لأنّ الناس نصبوه للخلافة وبايعوه هم الذين بايعوا من قبله مِن الخلفاء الثلاثة الراشدين، ولا فرق بينه وبينهم.

خلافة الإمام عليعليه‌السلام منصوصة

قلت: هذا الإشكال يرد على مَنْ يعتقد بأن خلافة الإمام عليعليه‌السلام ومشروعيّتها لاجماع الناس في المدينة بعد مقتل عثمان على خلافة الإمام وبيعتهم له، ولكنّا نعتقد بالدليل والبرهان أنّ خلافة الإمام عليعليه‌السلام منصوصة من الله سبحانه بالأحاديث المكرّرة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو الخليفة الشرعي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة وإنْ

٨٨٦

غصبوا حقه وأزالوه عن مقامه طيلة سنين عديد. وحيث لم يجد أعواناً وأنصاراً لإحقاق حقه، أمسى جليس الدار صابراً محتسباً، حتى أجمع الناس على بيعته بعد مقتل عثمان وألُّحوا وأصرَّوا عليه، فقبل منهم البيعة وتعهّد ادارة أمور المسلمين.

وقد بيّنا في المجالس السابقة وذكرنا لكم النصوص المرويّة في كتبكم ومسانيدكم المعتبرة، في تعيين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً خليفته على الأمّة، وإنْ نسيتم حديثنا في موضوع الغدير وإمامة عليّعليه‌السلام وخلافته، فراجعوا الصحف والمجلّات التي نشرت حوارنا ومجالسنا السابقة، فقد استدللنا وأثبتنا ولاية عليّعليه‌السلام وخلافته الشرعيّة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وإضافةً إلى تواترها في كتب الشيعة فقد ذكرنا عشرات المصادر لها من كتب أعلامكم ومسانيد علمائكم، فالأحاديث التي ذكرناها في إثبات ولاية الإمام عليعليه‌السلام وخلافته متفق عليها وصحيحة بإجماع الشيعة والسُنة.

ولكن لا يوجد حتى حديث واحد متَّفق على صحّته بين الفريقين في ولاية وخلافة الثلاثة قبل الإمام عليّعليه‌السلام ، أو في خلافة أحد الأمويين أو العباسيين.

الشيخ عبد السلام: لقد ورد عندنا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: أبو بكر خليفتي في أمتي.

قلت: أولاً هذا الحديث غير مقبول عندنا ولم يروه أحدٌ من علماء الشيعة، فضار غير متفق عليه.

ثانياً: لقد ذكرنا أقوال بعض أعلامكم في بطلان الأحاديث الموضوعة في فضل أبي بكر ومناقبه، وإضافةً على ما مضى أنقلُ لكم

٨٨٧

قول أحد كبار علمائكم ومشاهير أعلامكم، وهو الشيخ مجد الدين الفيروز آبادي صاحب كتاب القاموس في اللغة، قال في كتابه «سفر السعادة » : إن ماورد في فضائل أبي بكر، فهي من المفتريات التي يَشهد بديهة العقل بكذبها.

خلافة عليّعليه‌السلام أقرب إلى الإجماع من خلافة غيره

ولا يخفى على من تدبّر في تاريخ الخلافة، أنّ خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كانت أقرب الى الاجماع من خلافة الثلاثة قبله، والذين استولوا على الخلافة بعدَه من الأمويين والعباسيين.

فقد بيَّنا عدم تحقق الإجماع في الخلفاء الذين تولَّوا الأمر قبل الإمام عليّعليه‌السلام وكذلك الذين جاءوا بعده، فلم يتحقق إجماع الأمة لأحدهم، والتاريخ يشهد على ذلك ولكن تحقَّقَ للإمام عليعليه‌السلام ما يقرب من الإجماع، فإن الّذين بايعوه بعد مقتل عثمان كانوا عامة أهل المدينة إلّا من شذّ، وهم أقلّ من عدد الأصابع، وإضافة على أهل المدينة، فقد بايعه جمعٌ كثير من أهالي الأمصار الذين كانوا يتوبون عن أهل بلادهم وقومهم، وهم الذين أقبلوا من البصرة والكوفة ومن مصر وغيرها من بلاد الإسلام ونزلوا المدينة، فقد بايعه جمعٌ كثير من أهالي الأمصار الذين كانوا ينوبون عن أهل بلادهم وقومهم، وهم الذين أقبلوا من البصرة والكوفة ومن مصر وغيرها من بلاد الإسلام ونزلوا المدينة المنوّرة، ليعزلوا عثمان عن الخلافة، أو يصلحوه ويصلحوا شأنه ودولته. فلما قتل عثمان، أجمعوا على بيعة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

ولا يخفى أنّ المجتمعين يومئذٍ في المدينة المنورة، والذين أجمعوا على بيعة الإمام عليّعليه‌السلام ، كانوا زعماء القوم وأهل الحلّ والعَقْد في أمصارهم وشيوخ أهل بلدانهم.

٨٨٨

والجدير بالذكر، أنّنا مع تحقُّق هذا الأمر - الذي كان أقرب شيء إلى الاجماع - لم نجعله دليلاً على خلافة الإمام عليعليه‌السلام .

وإنما الدليل الثابت عندنا والبرهان المثبت لخلافة مولانا وسيدنا الإمام عليّعليه‌السلام هو النصّ الإلهي في القرآن الحكيم وصريح حديث النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو مطابقٌ لسيرة جميع الرسل والأنبياء الذين كانوا يُعيِنون أوصياءهم وخلفاءهم بأمر الله سبحانه.

ثالثاً: قلتم لا فرق بين أبي الحسن أمير المؤمنين وبين الخلفاء قبله. فلا أدري هل تنطقون بهذا الكلام عن جهل أو تجاهل؟ لأنّ الأدلّة العقلية والنقليّة والشواهد التاريخيّة والحسيّة كلها قائمة على أنّ علياًعليه‌السلام يمتاز عن الخلفاء بل عن كل البشر. فلا يُقاس به أحد.

امتيازات الإمام عليّعليه‌السلام

كل من يطالع تاريخ حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام من حين ولادته في بطن الكعبة، إلى استشهاده في سبيل الله في حال العبادة والصلاة في وسط المحراب في مسجد الكوفة، وينظر بنظر التحقيق والتدقيق في جهاده ومواقفه، وفي خطبه وكلماته، وفي حركاته وسكناته، وفي خوضه الحوادث وانزوائه ...، لا يشك في أنّهعليه‌السلام كان شخصية متميزة وفريدة ومن نوادر التاريخ وأعظم نوابغ البشر، لذلك نرى جميع المسلمين وأكثر أعلامكم وكبار علمائكم إلّا من شذّ - وهم من الخوارج والنواصب من الأمويين والبكريين - قالوا: بأفضليته ممن سواه بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك استناداً إلى الحديث الشريف المروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقه أنقله لكم مضافاً إلى ما رويته

٨٨٩

من كتب أعلامكم في الليالي الماضية في فضائله ومناقبهعليه‌السلام .

رَوى أحمد بن حنبل في مسنده، والموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب، والعلّامة الهمداني في مودّة القربى، والحافظ أبو بكر البيهقي في السنن وغيرهم عن طرق شتى وعبارات متفاوتة في الألفاظ والمعنى واحد، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: عليٌّ أعلمكم وأفضلكم وأقضاكم والرادُّ عليه كالرادّ عليَّ، والرادِّ كالرادّ على الله، وهو على حَدِّ الشرك بالله.

وقال ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة / بعد ذِكره أقوال المشاهير تحت عنوان (القول فيما يذهب إليه أصحابنا المعتزلة، في الإمامة والتفضيل) قال: و أمّا نحن فنذهب إلى ما يذهب إليه شيوخنا البغداديون، من تفضيلهعليه‌السلام و قد ذكرنا في كتبنا الكلامية ما معنى الأفضل و هل المراد به الأكثر ثواباً أو الأجمع لمزايا الفضل و الخصال الحميدة؟ و بينّا أنّهعليه‌السلام أفضل على التفسيرين معاً.

وهنا ارتفع صوت المؤذّن لصلاة العشاء، وبعد الفراغ من الصلاة، شربنا الشاي، وتناولنا الفاكهة، ثمّ شرعنا في الحديث:

أصول الفضل والكمال

قلت: تعقيباً لكلام ابن أبي الحديد، أطرح عليكم هذا السؤال: ما هي رؤوس الفضل وأصول الكمال عندكم؟؟

الشيخ عبدالسّلام: - بعد أنْ أطرق برأسه مليّاً، رفعها وقال -: هي كثيرة ولكن أهمها بعد الإيمان بالله وبرسوله، النسب الطاهر وطيب المولد والمنبت، والعلم والتقوى.

٨٩٠

قلت: أحسنت يا شيخ، فلنبحث في هذه الأمور التي أشرْتَ إليها ونحن نوافقكم على أنّ هذه الثلاثة من أمهات الفضائل والكمالات البشرية. ولا ننكر أنّ بعض الصحابة كانت فيهم خصائص وخصال حميدة، ولكن مَنْ كان جامعاً لهذه الصفات الثلاثة التي أشرتم إليها بأنّها أمهات الفضائل وأصول الكمال، فهو أفضلهم وأكملهم، وبحكم العقل والعقلاء يكون أحق بالخلافة من سائر الصحابة.

طهارة نسب ومولد الإمام عليعليه‌السلام

أمّا في النسب والمولد فلا يشك أحدٌ بأنّ الإمام عليّعليه‌السلام أشرف الصحابة في النسب، وأفضلهم في المولد والمنبت، لأنّه يساوي النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك(١) ، فأمّا النسب فواضح، وأما المنبَت فقد ذَكَر

____________________

١) روى الحافظ الشيخ سليمان القندوزي والحنفي في كتابه «ينابيع المودة» الباب الثاني في شرف آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونقل روايات كثيرة في الموضوع وكلها من كتب العامّة منها، قال: وفي الشفاء عن عائشة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أتاني جبرئيل فقال: قَلَّبْتُ مشارق الأرض ومغاربها، فلم أرَ رجلاً أفضل من محمد، ولم أر ابن أبِ أفضل من بني هاشم، أخرجه في المناقب والمخلص المذهبي والمحاملي وغيرهم.

أقول: وقال الإمامعليه‌السلام في نهج البلاغة خطبة ٩٤: حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ الله سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً وَ أَعَزِّ الْأَرُومَاتِ مَغْرِساً مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَهُ وَ انْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَهُ عِتْرَتُهُ خَيْرُ الْعِتَرِ وَ أُسْرَتُهُ خَيْرُ الْأُسَرِ وَ شَجَرَتُهُ خَيْرُ الشَّجَرِ نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ وَ بَسَقَتْ فِي كَرَمٍ لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ وَ ثَمَرٌ لا يُنَالُ الخ.

وقال الشيخ صالح التميمي (رحمه الله): =

٨٩١

المؤرخون كلهم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد وفاة جدّه عبد المطلب، انتقل إلى بيت أبي طالب وكان عمره الشريف يومئذٍ ثمان سنين، فتكفّله عمّه ورعاه أتمّ وأجمل رعاية.

فكما حارت العقول في شخصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وحقيقته، بهرت العقول أيضاً في شخصيّة عليّ وحقيقته، حتى أنّ المتعصّبين من أعلامكم مثل علاء الدين القوشجي، والجاحظ وهو يعدّ من النواصب، وسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني، وغيرهم قالوا: إنّنا حيارى ولا ندري كيف نفسِّر كلام علي بن أبي طالب إذ يقول: نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد.

____________________

=

غاية المدح في عُلاك ابتداءٌ

ليت شعري ما تصنع الشعراء

يا أخا المصطفى وخيرَ ابن عم

وأمير إنْ عُدَّتِ الأمراء

معدن الناس كلها الأرض لكن

أنت من جوهر وهم حصباء

وقال آخر:

خير البريّة بعد أحمد حيدرٌ

الناسُ أرضٌ والوصيُّ سَماء

ويقول آخر:

حاشاك أنْ تسمو إليك سماء

أنت الفضاء وما سواك هباء

ومتى يحلِّق نحوك العظماء؟

والسرِّ أنتَ وغيرُكَ الأسماء

أوَلستَ ساقي الحوض أنت وقاسم الـ

جنّات والنيران كيف تشاء؟؟

هذا غيض من فيض قريحة الشعراء وشعورهم في حقهعليه‌السلام ، ولكن ما لنا والقول والشعراء والبلغاء بعد أن نطق الخالق العزيز بمدحه وتفضيله وجعله نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في آية المباهلة، وأطلق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه ذلك كرّات ومرات وقال: عليٌ كنفسي. ولا شك أنّ خير الكلام كلام الله، وخير الحديث حديث أشرف الخلق محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

«المترجم»

٨٩٢

وقالعليه‌السلام أيضاً في الخطبة الثانية من نهج البلاغة:

لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ وَ لا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً ، هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وَ عِمَادُ الْيَقِينِ، إِلَيْهِمْ يَفِيءُ الْغَالِي، وَ بِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي، وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ، وَ فِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَ الْوِرَاثَةُ، الآْنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ، وَ نُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ(١) .

واعلموا أنّ اعتقاد كثير من كبار علماء السُنّة وأعلامهم في الإمامعليه‌السلام هو كذلك.

فقد روى العلّامة الهمداني في كتابه مودّة القربى / المودّة السابعة عن أبي وائل عن ابن عمر (رض) قال: كنّا إذا عددنا أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قلنا أبو بكر وعمر وعثمان. فقال [له] رجل: يا أبا عبدالرحمن، فعليٌ ما هو؟ قال: عليٌ من أهل البيت لا يُقاس به أحد هو مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في درجته.

وروى العلّامة الهمداني أيضاً عن أحمد بن محمد الكرزي البغدادي قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي عن التفضيل فقال: أبو بكر وعمر وعثمان، ثم سكت. فقلت: يا أبتِ أين علي بن أبي طالب؟ فقال هو من أهل البيت، لا يقاس به هؤلاء.

أقول : والذي يدلّ على أنّ هؤلاء وغيرهم من الصحابة لا يقاسون به، أنّهعليه‌السلام كرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خُلق في عالم الأنوار قبل أن يظهر في عالم الأكدار، والفرق بينهما كالفرق بين السماء والأرض.

____________________

١) فقد خطب هذه الخطبة بعدما بويعَ بالخلافة.

٨٩٣

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليُّ عليه‌السلام من نور واحد

رَوَى جماعة من الأعلام والحفّاظ من علمائكم، منهم أحمد بن حنبل في المسند، والشيخ محمد بن طلحة العدوي القرشي في كتاب مطالب السئول، والحافظ ابن المغازلي الفقيه الشافعي في كتابه المناقب / حديث رقم ١٣٠ / بسنده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: كنت أنا و علي بن أبي طالب نوراً بين يدي الله مِنْ قبل أنْ يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق الله تعالى آدم ركَّبَ ذلك النور في صلبه فلم يزل في نورٍ واحد حتى افترقنا في صلب عبدالمطلب، ففيَّ النبوّة وفي عليّ الخلافة.

وقد فتح العلّامة الهمداني باباً في كتابه مودّة القربى بعنوان / المودّة الثامنة في أنّ رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلياً من نور واحد، وأُعطي عليٌّ من الخصال ما لم يُعطَ أحدٌ من العالمين.

فنقل أخباراً كثيرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بطرقٍ شتى، منها ما رواه عن عثمان بن عفّان عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: خُلِقتُ أنا و عليٌّ من نور واحد قبل أن يخلُقَ الله آدم بأربعة آلاف عام، فلما خلق الله تعالى آدم ركّب ذلك النور في صلبه، فلم يزل شيئاً واحداً حتى افترقنا في صلب عبدالمطلب، ففيَّ النبوّة وفي عليّ الوصيّة.

ورَوى أيضاً عن عليّعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ! خَلَقني الله وخلقكَ من نوره، فلما خلق آدمعليه‌السلام أودَعَ ذلك النور في صلبه، فلم نزل أنا وأنت شيئاً واحداً ثم افترقنا في صلب عبدالمطلب، ففيَّ النبوّة وفيك الوصيّة والإمامة.

٨٩٤

ونَقَل ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج ٩ / ١٧١ ط. دار إحياء التراث / الخبر الرابع عشر: «كنت أنا و عليٌّ نوراً بين يدي الله عزّ و جلّ قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خَلَقَ آدم قسَّم ذلك فيه وجعله جزأيْن، جزء أنا و جزء عليٌّ » قال ابن أبي الحديد: رواه أحمد في المسند وفي كتاب فضائل عليّعليه‌السلام ، وذكره صاحب كتاب الفردوس، وزاد فيه: « ثم انتقلنا حتى صرنا في عبد المطلب، فكان لي النبوّة ولعليّ الوصيّة ».

وروى الحافظ القندوزي في كتابه ينابيع المودّة في الباب الأول روايات كثيرة في الموضوع عن جمع الفوائد، ومناقب ابن المغازلي وعن الفردوس للدليمي وفرائد السمطين للحمويني ومناقب الخوارزمي نعم روى المؤيّد الخوارزمي في الفصل الرابع من كتابه المناقب وأيضاً في الفصل الرابع من كتابه مقتل الحسينعليه‌السلام روايات شتى في الموضوع.

وكذلك روى في الموضوع سبط ابن الجوزي في التذكرة / ٥٠ ط. مؤسسة أهل البيت بيروت، وابن الصبّاغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة، والعلّامة الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب / الباب ٨٧ نقل عن محدِّث الشام ابن عساكر وعن محدِّث العراق وعن معجم الطبراني بإسنادهم بطرق شتى وعنوانه (الباب السابع والثمانون: في أنّ علياً خُلق من نور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ) وحيث أنّ الروايات في الموضوع منقولة بألفاظ شتى وكلمات مختلفة والمعنى واحد، فأقول: ربما صدرت الروايات من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيان هذا الموضوع كرّات ومرّات عديدة لأهمّيته.

٨٩٥

أجداد الإمام عليعليه‌السلام وآباؤه مؤمنون

ولقد ثبت أنّ أجداد الإمام عليّعليه‌السلام كلهم كانوا مؤمنين ولم يشركوا بالله طرفة عين، فانّ الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة التي حملته وتناقلته هي الأصلاب والأرحام التي حملت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد طهّرها الباري عزّ وجلّ من دَرَن الشرك وأقذار الجاهليّة، فهو عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدّ بن أدد بن اليسع بن الهميس بن نبت، بن سلامان بن حمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الله بن تارخ بن تاحور بن شاروع بن أرغو بن تالغ بن عابر بن شالح بن ارفخشد بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوه بن بارد بن مهلائل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشرعليه‌السلام هؤلاء كلهم كانوا مؤمنين بالله تعالى، يعبدونه ولا يُشركون به شيئاً.

الشيخ عبد السلام: ولكنّ القرآن الحكيم يصرّح بخلاف هذا الكلام، فقد قال تعالى في سورة الأنعام آية ٧٤:( وَ إِذْ قالَ إبراهيم لابيهِ آزَرَ أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَ قَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) .

آزر عم إبراهيمعليه‌السلام

قلت: كلام الشيخ واصل اليه من أسلافه، وهم لمـّا رأوا نَسب شيوخهم وزعمائهم من الصحابة ينتهي إلى الكفر والشرك، أرادوا دفع

٨٩٦

هذا النقص ورفع العيب عنهم، فتفوّهوا بهذا الكلام وعابوا على خير الأنام، وقال بأنّ آزر أبا إبراهيم الخليل كان يعبد الأصنام، وكلكم تعلمون أنّ علماء الأنساب أجمعوا على أنّ والد إبراهيم الخليلعليه‌السلام كان تارخ، وآزر كان عمه.

الشيخ عبد السلام - متعجباً -: إنّكم تقابلون القرآن الحكيم بكلام علما الأنساب!! فإنّ الله سبحانه يصرِّح بأنّ آزر أبا إبراهيم كان يعبد الأصنام ونحن نأخذ بظاهر القرآن ونترك قول من خالفه، لأنّ الظاهر نصٌّ وخلافه اجتهاد.

قلت: نحن لا نجتهد في مقابل النصّ، وإنّما نقابل النصّ بالنصّ ونستخرج المعنى المعقول المفهوم من النَّصَّيْن، فإنّ القرآن في كثير من الأمور يفسّر بعضُهُ بعضا. وما اشتبه علينا تفسيره فنرجع به إلى قول العترة الهادية الذين عيَّنهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك إذ قال: إنّي تاركٌ فكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

وهم قالوا بأنّ آزر كان عم إبراهيم الخليل، فلما توفّي تارخ والد ابراهيم، تزوّجت أمُّهُ بآزر، فكان إبراهيم يناديه بالأب، وهو شيءٌ شائع في العرف.

الشيخ عبدالسلام: نحن لا نترك ظاهر الآية الشريفة:( وَ إِذْ قالَ إبراهيم لأبيهِ آزَرَ ) إلّا أن تأتوا بآية من القرآن الحكيم تفسّر كلمة الأب بالعم، وهذا لا يوجد في القرآن.

قلتُ: لا تنفي ذلك، لأنّ علمك ناقص بمفاهيم القرآن الحكيم، وما تجهله من هذا الكتاب العظيم أكثر مما تعلمه.

ولكي يتّضح لك أنّ كلمة الأب جاءت بمعنى العم في القرآن

٨٩٧

الحكيم، فراجع سورة البقرة / الآية ١٣٣ في قوله تعالى:

( إِذْ قال (١) لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إبراهيم وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً ) .

الشاهد والدليل في الآية «اسماعيل » لأنه كان عم يعقوب واسحاق هو أبو يعقوب. ولكنّ أولاد يعقوب عَدُّوا إسماعيل أباً ليعقوب في عداد أبويه إبراهيم وإسحاق.

دليل آخر

وعندنا دليل آخر من القرآن الحكيم في أنّ آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كلهم كانوا مؤمنين بالله يسجدون له وحده ويعبدونه إلهاً واحداً وهو قوله تعالى مخاطباً لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) (٢) روى الحافظ الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع لمودّة / الباب الثاني / وغيره أيضاً من علمائكم رووا عن ابن عباس حَبر الأمّة وهو مَن تَعلمون مقامه من المفسرين، قال: اي تقلّبهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أصلاب الموحّدين، نبيٌّ إلى نبيّ ، حتّى أخرجه الله من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم.

وروى العلّامة القندوزي حديثاً آخر في الباب ورواه أيضاً جمعٌ من علمائكم منهم الثعلبي في تفسيره، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أهبطني الله إلى الأرض في صلب آدم وجعلني في صلب نوح في السفينة وقذف بي في صلب إبراهيم ثم لم يزل الله ينقلني من

____________________

١) أي: إذ قال يعقوب.

٢) الشعراء، الآية ٢١٩.

٨٩٨

الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة حتّى أخرجني من بين أبوين لم يلتقيا على سفاح قطّ.

وفي رواية أخرى قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لم يدنّسني بدَنَس الجاهلية.

وروى القندوزي أيضاً في الباب الثاني قال: وفي كتاب أبكار الأفكار للشيخ صلاح الدين بن زين الدين الشهير بابن الصلاح (قدّس سرّه) قال جابر بن عبدالله الأنصاري (رضي الله عنهما) سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن أول شيء خلقه الله تعالى، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : هو نور نبيك يا جابر - والرواية مفصلة وطويلة لا مجال لذكرها كلها، وجاء في آخرها - : وهكذا ينقل الله نوري من طَيِّب إلى طيب، ومن طاهر إلى طاهر إلى أن أوصله إلى صلب أبي عبد الله بن عبد المطلب، ومنه أوصله الله إلى رحم أُمي آمنة، ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين، ومبعوثاً إلى كافّة الناس أجمعين ورحمةً للعالمين وقائد الغر المحجَّلين، هذا كان بدء خِلْقة نبيّك يا جابر.

ثم قال القندوزي: وفي شرح الكبريت الأحمر للشيخ عبد القادر روى الحديث المذكور عن جابر بن عبد الله أيضاً إلى آخره.

فقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وهكذا ينقل الله نوري من طَيِّب إلى طيب، ومن طاهر إلى طاهر، دليلٌ على أنهم كانوا مؤمنين بالله و موحّدين له. فبرّأهم الله تعالى من الكفر والشرك، إذ يقول الله سبحانه:( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (١) .

وكذلك روى القندوزي في الباب الثاني من ينابيع المودّة عن ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: ما ولدني في سفاح الجاهلية شيءٌ وما

____________________

١) التوبة، الآية ٢٨.

٨٩٩

ولدني إلّا نكاحٌ كنكاح الاسلام.

وفي نهج البلاغة / خطبة رقم ٩٤ يصف بها الأنبياء الكرام لا سيّما خاتمهم وسيدهم، فقال: فاستودعهم في أفضل مُستَودَع و أقرّهم في خير مستقر. تناسختهم [ تناسلتْهم ] كَرائمُ الأصلاب إلى مطهَّرات الأرحام حتى أفضَتْ كرامة الله سبحانه وتعالى إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخرجه من أفضل المعادن منبتاً، و أعَزّ الأرومات مغرساً، من الشجرة التي صَدَعَ منها أنبياءَه و انتجب منها أمناءَه.

ولو أردنا جمع الأخبار والروايات الواردة عن طرقنا وطرقكم لبلغ مجلّداً ضخماً، ولكن في المنقول كفاية لمن أراد الهداية واتباع الحق، فإنّ الحق الذي يظهر من هذه الروايات والآيات يدلّ على أن آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأجداده كانوا موحّدين لله سبحانه مؤمنين به عزّ وجلّ، ومنه يثبت هذا الأمر لعليّ بن ابي طالبعليه‌السلام أيضاً، لأنهما صلوات الله عليهما وآلهما من شجرة واحدة ونور واحد، كما تواتر عن طرق الشيعة ورواه أيضاً كثيرٌ من أعلامكم وكبار علمائكم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أنا وعليٌ من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتّى.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : خُلِقْتُ أنا وعليٌّ من نور واحد.. الخ، وقد ذُكرِ بعض مصادره من كتب اعلامكم.

فبحكم العقل ورأي العقلاء، فإنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام أحق من غيره بخلافة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنه أقرب الناس إليه في المقام والمنزلة، مع هذه المشابهات والمقارنات بينهماعليهما‌السلام (١) .

____________________

١) من المناسب نقل بعض الأبيات من قصيدة بليغة في الموضوع للمرحوم الشيخ علي الشفهيني الحلي من أعلام القرن السادس الهجري: =

٩٠٠