مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252374
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252374 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الشيخ عبد السلام: إذا أثبتّم بهذه الأدلّة أنّ آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من عبد الله إلى آدم كلهم كانوا مؤمنين بالله سبحانه فيتعيّن ذلك فيه ويكون من خصائصه، فلا تشمل الأدلة والد عليّ (كرّم الله وجهه)، فقد ثبت أنّ أبا طالب مات مشركاً ولم يؤمن بالله سبحانه.

إيمان أبي طالبعليه‌السلام

قلت: نعم.. لقد اختلف المؤرخون في إيمان أبي طالبعليه‌السلام ولكن المحقق المنصف يعرف أنّ القول بكفر أبي طالب وشِرِكه صادرٌ من أعداء الإمام عليّعليه‌السلام ومناوئيه من الخوارج والنواصب، أرادوا بذلك الحطّ من كرامة الإمام عليّعليه‌السلام ، وتنزيل مقامه المنيع، وتقليل شأنه الرفيع.

ثم إن بعض الأعلام قد نقلوا هذا الخبر من غير تحقيق وتدبّر، وتناقله آخرون من كتاب إلى كتاب بغير تعمّق وتفكّر، حتى آل اليوم إليكم، وأنتم تنقلونه وترسلونه إرسال المسلّمات، ولو كنتم تتدبرون في الأخبار، وتنقلون الروايات بعد التحقيق، مما تفوّهتم بهذا الكلام،

____________________

=

خُلقا وما خُلِق الوجود، كلاهما

نوران من نور العليّ تفضّلا

في علمه المخزون مجتمعان لن

يتفرّقا أبَداً ولن يتحوّلا

وتقلّبا في الساجدين وأُودعا

في أطهر الأرحام ثمّ تنقّلا

حتى استقرَّ النور نوراً واحداً

في شيبة الحمد بن هاشم يُجتَلى

قُسِما لحكم ارتضاه فكان ذا

نِعْمَ الوصي وذاك اشرف مرسَلا

فعليٌّ نفس محمد ووصيّه

وأمينه وسواه مامون فَلا

«المترجم»

٩٠١

وما قلتم أنّ أبا طالبعليه‌السلام مات مشركاً. إذ إنّ جمهور علماء الشيعة وأهل البيتعليهم‌السلام الذين جعلهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أعلام الهداية وعِدل القرآن الحكيم، وكذلك كثير من أعلامكم مثل ابن أبي الحديد، وجلال الدين السيوطي، وأبي القاسم البلخي، والعلّامة أبي جعفر الإسكافي، وآخرين من أعلام المعتزلة، والعلّامة الهمداني الشافعي، وابن الأثير، وغيره ذهبوا إلى أنّ أبا طالبعليه‌السلام أسلمَ في حياته واعتنق الدين الحنيف ومات مؤمناً، بل اعتقاد الشيعة في أبي طالبعليه‌السلام أنّه آمن بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في أول الأمر، وأمّا إيمانه بالله سبحانه كان فطرياً ولم يكفر بالله طرفة عين، وكما في الأخبار المرويّة عن أعلام العترة وأهل البيتعليهم‌السلام ، أنّه لم يعبد صنماً قطّ، وكان على دين إبراهيم الخليلعليه‌السلام وهو يُعَدُّ من أوصيائه.

وأما قَولُ أعلامكم ومؤرخيكم وعلمائكم المحققين منهم أنّه أسلم، فقد قال ابن الأثير في كتاب جامع الأصول: وما أسلم من أعمام النبي غير حمزة والعبّاس وأبي طالب عند أهل البيتعليهم‌السلام .

ومن الواضح أنّ إجماع أهل البيتعليهم‌السلام مقبولٌ عند المسلمين ولا يحق لمؤمن أن يردّه، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعلهم عِدْلَ القرآن، وأرجع إليهم المسلمين في الأمور التي يختلفون فيها، وجَعَل قولهم الفصل والحجّة والحق، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما إنْ تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً. فجعلَ كلام الله وأهل البيت أماناً من التيه والضّلال.

وعلى القاعدة المشهورة: أهل البيت أدرى بما في البيت، فهم أعلمُ بحال آبائهم وتاريخ حياة أسلافهم.

فالغرابة والعَجَب منكم إذْ تتركون قول أهل البيت الطيبينعليهم‌السلام ،

٩٠٢

وتتركون قول أمير المؤمنين وسيّد الصدّيقين والصادقين الذي شهد الله ورسوله بصدقه وتقواه، ثم تأخذون كلام المغيرة بن شعبة الفاجر وتصدقون بني أميّة والخوارج والنواصب، المخالفين والمناوئين للإمام عليّعليه‌السلام ، الذين دعاهم الحقد والحسد، إلى جعل الأخبار والروايات الموضوعة، للحطّ من كرامة الإمام عليّعليه‌السلام وتصغير شخصيّته العظيمة، وللأسف إنّكم تتمسّكون بتلك الأخبار الموضوعة من غير تدبّر وتحقيق، وترسلونها إرسال المسلّمات، وتؤكّدون على صحّتها بغير علم أتاكم.

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٤/٦٥، ط دار إحياء التراث العربي: و اختلف الناس في إيمان أبي طالب، فقالت الإمامية و أكثر الزيديّة: ما مات إلّا مسلماً. و قال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك، منهم الشيخ أبو القاسم البلخي و أبو جعفر الإسكافي و غيرهما.

أقول: والمشهور عندنا أنّه ما تظاهر بالإسلام بل أخفى ذلك ليتمكّن من نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والذبّ عنه، فإنّ المشركين من أهل مكة وقريش، كانوا يراعون ذمّته ويقفون عند حدِّهم إذا نظروا إليه، فكانوا يهابون، ويعظّمون جانبه إذْ كانوا يحسبوه منهم.

الشيخ عبد السلام: أما سمعتم الحديث المروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في عمه أنه قال: إنّ أبا طالب في ضحضاح من نار.

قلت: هذا الحديث مثل كثير من الأحاديث المرويّة في كتبكم، موضوعٌ وكذب وافتراء على النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله . فلا يخفى على المحقّق البصير، والمنصف الخبير، أنّ هذا الحديث وما شاكله مجعولٌ وموضوعٌ افتراه أعداء محمّد وآل محمّدعليه‌السلام ، وذلك في عهد الأمويين

٩٠٣

وخاصّة معاوية بن أبي سفيان الذي خصَّص أموالاً طائلة لهذا الغرض الإلحادي. ولو عرفتم راوي هذا الخبر وفسقه وفجوره، ما شككتم في كذبه وافترائه وعدم صحة أخباره.

فإنّ الراوي هو المغيرة بن شعبة، من ألدّ أعداء الإمام عليّعليه‌السلام وهو الذي اتُّهم بالزنا في البصرة وشهد عليه ثلاثة من الشهود عند عمر، ولمـّا أراد الرابع أداء الشهادة، قاطعه عمر بجملة فأبى الرابع من أدائها، فخلَصَ المغيرة، وأقام الحدَّ على الشهود(١) .

____________________

١) لقد نقل هذا الخبر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٢/٢٢٧ ط دار إحياء التراث الكتب العربية، قال: (الطعن السادس في عمر) أنّه عطّل حَدَّ الله في المغيرة بن شعبة لما شُهد عليه بالزنا و لقَّنَ الشاهد الرابع الامتناعَ عن الشهادة اتّباعاً لهواه فلمّا فعل ذلك عاد إلى الشهود فحدَّهم و ضربهم.

فبعد نقله الاقوال، قال في صفحة ٢٣١: أمّا المغيرة فلا شكّ عندي أنّه زنى بالمرأة و لكنّي لست أُخطِّىءُ عمر في دَرْء الحَدِّ عنه و إنما أذكر أوّلاً قصته من كتابَي أبي جعفر محمد بن جرير الطبري و أبي الفرج الإصفهاني ليُعلم أنَّ الرجل زنى بها لا محالة ثم أعتذر لعمر في درء الحدِّ عنه. فروى ابن أبي الحديد القصة بالتفصيل ثم قال في صفحة ٢٣٩: فهذه الأخبار كما تراها تدلُّ متأمِّلَها على أنَّ الرجل زنى بالمرأة لا محالة و كلّ كتب التواريخ و السِّيَر تشهد بذلك.

ثم نقل عن الأغاني خبريْن آخريْن، قال أبو الفرج بعدهما وحكاه عنه ابن أبي الحديد في صفحة ٢٤١: و إنّما أوردنا هذيْن الخبريْن لِيعلَم السامع أنّ الخَبر بِزِناهُ كان شائعاً مشهوراً مستفيضاً بين الناس.

أقول: هؤلاء الفسقة الفجرة، المغيرة وأصحابه وأشباهه كانوا يضعون الأخبار ويفترون على الإمام عليّعليه‌السلام وكلّ مَن يُنسب إليه إرضاءً لرغبات معاوية، فيشترون مرضات المخلوق بسخط الخالق.

«المترجم»

٩٠٤

ثم نجد في رواته، عبد الملك بن عمير، وعبد العزيز الراوردي، وسفيان الثوري، الذين عدّهم علماؤكم المتخصصين بعلم الرجال في الجرح والتعديل، مثل الذهبي في ميزان الاعتدال: ج ٢/ عدّهم من الضعفاء ورَدَّ رواياتهم، بل عَدَّ سفيان الثوري من المدلِّسين الكذّابين.

فلا أدري كيف تعتمدون على رواية أولئك الكذّابين الوضّاعين؟!

الدلائل والشواهد على إيمان أبي طالبعليه‌السلام

أما الدلائل المثبتة لإيمان أبي طالبعليه‌السلام فكثيرة، ولا ينكرها إلّا من كان في قلبه مرض، منها:

١- قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة، وأشار بسبّابته والوسطى منضمّتين مرفوعين، نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٤/٦٩، ط دار إحياء الكتب العربية ومن الواضح انهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقصد بحديثه الشريف كلّ مَن يكفُل يتيماً، فإنا نجد بعض الكافلين للأيتام لا يستحقون ذلك المقام وهو جوار سيد الأنام في الجنّة، لأنهم على جنب كفالتهم لليتيم يعملون المعاصي الكبيرة، والذنوب العظيمة، التي يستحقون بها جهنّم لا محالة.

ولكنّه صلوات الله عليه قصد بحديثه الشريف جدَّه عبد المطلب، وعمَّه أبا طالب، الذين قاما بأمره، وتكفّلاه، وربَّياه صغيراً، حتى أنه صلوات الله عليه كان يُعرَف في مكة بيتيم ابي طالب، بعد وفاة جده عبد المطلب، فقد تكفّل أبو طالب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان في الثامنة من العمر، وكان يفضّله على أولاده ويقيه بهم.

٢- حديث مشهور بين الشيعة والسُنّة ورواه القاضي الشوكاني

٩٠٥

أيضاً في الحديث القدسي، أنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نزل عَلَيَّ جبرئيل فقال: إنّ الله يقرئك السلام ويقول: إنّي حَرَّمتُ النار على صُلبٍ أنزَلَك و بطنٍ حَمَلَك و حِجْرٍ كَفَلك(١) .

____________________

١) روى ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٤/٦٧ ط دار احياء الكتب العربية روى حديثاً أسندَه إلى أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام أنّه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قال لي جبرائيل: إنّ الله مشفِّعُكَ في ستة: بطنٍ حمَلتْكَ آمنة بنت وهب، و صلب أنزلك: عبد الله بن عبد المطلب، و حِجْرٍ كفلكَ: ابي طالب، و بيتٍ آواك: عبد المطلب و أخٍ كان لك في الجاهلية قيل: يا رسول الله و ما كان فعله؟ قال: كان سخيّاً يطعم الطعام و يجود بالنوال. و ثدْيٍ أرضعتك: حليمة السعديّة بنت ابي ذؤيب.

وروى في صفحة ٦٨ عن الإمام محمد بن علي الباقرعليه‌السلام قال: لو وضع إيمان ابي طالب في كفّة ميزان و إيمان هذا الخلق في الكفة الأخرى لرجح إيمانه ثم قال: أ لم تعلموا أنّ أمير المؤمنين علياًعليه‌السلام كان يأمر أن يُحَجّ عن عبد الله - والد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - و عن ابيه ابي طالب في حياته ثمّ أوصى في وصيّته بالحج عنهم.

وقال في صفحة ٦٩: ورُوي أنّ عليّ بن الحسينعليه‌السلام سُئل عن هذا - أي عن إيمان ابي طالب - فقال: وا عجباً! إنّ الله تعالى نَهى رسوله أن يقرّ مسلمة على نكاح كافر و قد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام و لم تزل تحت ابي طالب حتى مات - أي إذا كان أبو طالب غير مؤمن لَفرَّقَ رسول الله بينه وبين زوجته فاطمة بنت اسد حينما أسْلَمَت.

وقال في صفحة ٧٠: وقد رُوي عن ابي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان و أظهروا الكفر، فآتاهم الله أجرَهم مرّتين و إنّ أبا طالب أسَرّ الإيمان و أظهر الشرك فآتاه الله أجره مرّتين.

قال: و في الحديث المشهور: أنّ جبرائيلعليه‌السلام قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة مات أبو طالب: اخرج منها - أي مكة - فقد مات ناصرُك. =

٩٠٦

لأبي طالبعليه‌السلام حق على كل مسلم

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٤ / ٨٣ و٨٤، ط دار إحياء التراث العربي: و لم أستجز أنْ أقعدَ عن تعظيم أبي طالب، فإنّي أعْلَم أنّه لولاه لمـا قامت للإسلام دعامة، و أعلمُ أنّ حقه واجبٌ على كل مسلم في الدنيا إلى أنْ تقوم الساعة، فكتبتُ:

ولو لا أبو طالب وَابنُهُ

لما مثّل الدين شخصاً فقاما

فذاك بمكة آوى وحامى

وهذا بيثرب جسّ الحِماما

تكفّل عبدُ مناف بأمرٍ

و أودَى فكان عليٌّ تماما

فقل في ثبير مضى بعدما

قضى ما قضاه و أبقى شماما

فلله ذا فاتحاً للهدى

و لله ذا للمعالي ختاما

و ما ضَرّ مجدَ أبي طالب

جَهولٌ لَغَا أو بصيرٌ تَعَامى

كما لا يضرُّ إياة الصبا

ح مَن ظنّ ضوء النهار الظلاما

____________________

=

أقول: والله لو كان واحد من هذه الاخبار يرد في إسلام أيّ رجلٍ غير ابي طالبعليه‌السلام لتسلّمه علماء العامة ومحدّثوهم بالقبول، وتلقّوا إسلامه وايمانه أمراً مسلَّماً بلا شكّ ولا ريب، ولكنّا ويا للأسف نجد هذه الشبهات تُلقى حول ايمان ابي طالب واسلامه، من بعض علماء العامّة ولعلّ السبب في ذلك لأنّه والد الإمام عليّعليه‌السلام ولأنّ عليّاً ابنه سلام الله عليه!!

«المترجم»

٩٠٧

أشعار أبي طالبعليه‌السلام في الإسلام

وأدلّ دليلٍ على إيمان أبي طالبعليه‌السلام أشعاره الصريحة بتصديق النبي ودين الإسلام، المطبوعة في ديوانه وفي كثير من كتب التاريخ والأدب، وقد نقل بعضها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٤/٧١-٨١ ط دار إحياء الكتاب العربي، منها ميميّته المشهورة:

يُرجّون منا خُطّةً دون نَيْلها

ضِرابٌ و طعنٌ بالوشيج المقوَّم

يُرجّون أن نسخى بقتل محمدٍ

و لم تختضّب سحرُ العوالي من الدَّم

كذبتم و بيتِ الله حتى تُفلِّقوا

جَماجمَ تُلقى بالحطيم وزمزم

وتُقطَع أرحامٌ وتنسى حليلةٌ

حليلاً و يُغشى محرَمٌ بعد محرَم

على ما مضى من مقتكم و عقوقكم

وغشيانكم في أمركم كلّ مَأثم

وظلم نبيٍّ جاء يدعُو إلى الهُدى

وأمرٍ أتى من عند ذي العرش قيِّم(١)

____________________

١) القصيدة مطلعها كما في الديوان:

ألا مَن لهَمٍّ آخِرَ الليل مُعتِم

طَواني و اُخرى النجم لمـّا يتقحّمِ

«المترجم»

٩٠٨

وإليكم أيضاً قصيدته اللاميّة الشهيرة والتي ذكرها ابن أبي الحديد في شرح النهج وذكرها كثيرة من الأعلام وهي مطبوعة في ديوانه أنقلُ إلى مسامعكم بعضها:

أعوذ بربّ البيت من كلّ طاعن

علينا بسوءٍ أو يلوح بباطل

ومن فاجر يغتابُنا بمغيبة

ومن ملحق في الدين ما لم نحاول

كذبتم و بيت الله نبزي محمداً

ولمـّا نطاعن دونه ونناضل

وننصره حتّى نصرَّع دونه

ونذهل عن وأبنائنا الحَلائل

وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهُلّاكُ من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

لعمري لقد كلّفت وَجداً بأحمد

وأحببته حبّ الحبيب المواصل

وجُدتُ بنفسي دونه فحميته

ودافعتُ عنه بالذرى والكواهل

فلا زال للدنيا جمالاً لأهلها

وشَيْناً لمن عادى وزين المحافل

وأيّده ربّ العباد بنصره

وأظهر ديناً حقه غير باطل

ومن شعره المطبوع في ديوانه ونَقَلَهُ ابن أبي الحديد أيضاً:

يا شاهدَ الله عَلَيَّ فاشهد

أنّي على دين النبيّ أحمد

مَن ضلّ في الدين فإنّي مُهتَد

بالله عليكم أنصفوا!! هل يجوز أن يُنسب قائل هذه الأبيات والكلمات، الى الكفر!!

والله إنّه من الظلم والجفاء أنْ تنسبوا أبا طالب إلى الكفر، بعد أنْ يُشْهِد الله سبحانه بأنّه، على دين النبي أحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الشيخ عبد السلام: أوّلاً: هذه الأشعار ونسبتها إلى أبي طالب

٩٠٩

أخبار آحاد، غير متواترة، ولا اعتبار بخبر واحد.

ثانياً: لم يَنقل أحدٌ بأنّ أبا طالب أقرّ بالإسلام وتفوّه بكلمة التوحيد: لا اله الّا الله. بل قالوا: ما أقرّ إلى أنْ مات.

قلت: واعجباً! إنكم جعلتم حُجّية التواتر وخبر الواحد حسب ميلكم، فتارة تتمسكون بخبر الواحد وتصرون على حجيته مثل الخبر الذي رواه أبو بكر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « نحن معاشر الأنبياء لا نورّث » قبلتم به مع تعارضه للآيات القرآنية!!

ثم إذا كان التواتر عندكم شرط صحة الخبر، فكيف تستدلّون بحديث رواه المغيرة بن شعبة الفاسق الفاجر، بأن أبا طالب في ضحضاحٍ من النار، وليس لهذا الحديث راو آخر(١) .

ولا يخفى على المحقِّق البصير والمدقِّق الخبير أنّ أخبار الآحاد حول إيمان أبي طالب و الأشعار المنسوبة إليه لو جُمعت لحصل منها التواتر المعنوي - أي حصل منها معنىً واحد وهو إيمان أبي طالب - فانّ كثيراً من الأمور حصل فيها التواتر عن هذا الطريق، مثل شجاعة الإمام عليّعليه‌السلام ، فإنّ أخبار الأحاد عن بطولته في الميادين وجهاده في ساحات القتال، كشفت عن شجاعته وبسالته بالتواتر.

____________________

١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٤ / ٧٠، ط. إحياء الكتب العربية:

و أما حديث الضَّحْضاح من النار فإنّما يرويه الناس كلّهم عن رجلٍ واحد و هو المغيرة بن شعبة و بغضُهُ لبني هاشم و على الخصوص لعليّعليه‌السلام مشهور معلوم و قصته و فسقه أمرٌ غير خاف.

«المترجم»

٩١٠

إقرار أبي طالبعليه‌السلام بالتوحيد

وأما قولك: لم ينقل أحدٌ أنَّ أبا طالب أقرّ بالإسلام والتوحيد! فهو تحكُّم وباطلٌ، فهو إدّعاءٌ واهٍ بغير أساس ودليل، لأنّ الإقرار لا يكون موقوفاً على صيغة معيّنة، ولا منحصراً بتركيب واحد. بل يحصل بالنثر والشعر بأي شكل كان تركيبه إذا فُهم منه الإقرار، وكان صريحاً وبليغاً.

والآن أُنشدكم الله أيها الحاضرون!! أيّ إقرارٍ أصْرَح وأبلَغْ من هذا الكلام الذي قاله أبو طالب:

يا شاهد الله عَلَيَّ فاشهد

أنِّي على دين النبي أحمد

وإضافةً على هذا البيت وغيره من أشعاره الصريحة في إيمانه وإسلامه، فقد رَوى الحافظ أبو نعيم، والحافظ البيهقي أنّ صناديد قريش مثل أبي جهل، وعبد الله بن أبي أمية، عادوا أبا طالب في مرضه الذي توفّي فيه، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حاضراً فقال لعمه أبي طالب: يا عم قل لا إله إلّا الله، حتى أشهد لك عند ربّي تبارك وتعالى، فقال أبو جهل وابن أبي أمية: يا أبا طالب أتَرْجِعْ عن ملّة عبد المطلب! وما زالوا به. حتّى قال:

اعلموا أنّ أبا طالب على ملة عبدالمطلب ولا يرجع عنها.

فسرّوا وفرحوا وخرجوا من عنده، ثم اشتدّت عليه سكرة الموت وكان العباس أخوه جالساً عند رأسه، فرأى شفتيه تتحركان، فانصت له واستمع وإذا هو يقول: لا إله إلّا الله. فتوجّه العباس إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال يا ابن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بها - ولم يذكر

٩١١

العباس كلمة التوحيد لأنه كان بعدُ كافراً -.

ولا يخفى أنّنا أثبتنا من قبل أنّ آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كلهم كانوا موحدين ومؤمنين بالله يعبدونه ولا يشركون به شيئاً.

فلما قال أبو طالب في آخر ساعات حياته: إعْلموا أنّ أبا طالب على ملّة عبد المطلب، ولا شك أنّ عبد المطّلب كان على ملّة أبيه إبراهيم مؤمناً بالله موحِّداً، فكذلك أبو طالبعليه‌السلام .

مضافاً إلى ذلك فقد تفوّه ونطق بكلمة التوحيد وسمعه أخوه العبّاس يقول: لا إله إلّا الله.

فإيمان أبي طالب ثابتٌ عند كل منصف بعيد عن اللجاج والعناد.

موقف أبي طالبعليه‌السلام من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

إذا كان أبو طالبعليه‌السلام مشركاً كما يزعم بعض الناس، كان من المتوقّع أنْ يعارض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من حين إعلانه النبوّة والرسالة، إذْ جاء إليه و قال: إنّ الله قد أمرني بإظهار أمري وقد أنبأني واستنبأني فما عندك يا عمّ؟

فلو كان أبو طالب غير مؤمن بكلامه وغي معتقد برسالته، لكان من المفروض أن ينتصر لدين قريش ومعتقدات قومه، فينهاه عن ذلك الكلام ويوبّخه ويؤنّبه، بل يحبسه حتى يرجع عن كلامه أو يطرده ولا يأويه ولا يحميه كآزر عم إبراهيم الخليلعليه‌السلام فحينما سمع من الخليل كلاماً يخالف دينه ودين قومه، هدّده وهجره، وقد حكى الله سبحانه ذلك في كتابه الكريم سورة مريم / ٤٣ قال حكايةً عن قول إبراهيمعليه‌السلام :( إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا ) ( قالَ

٩١٢

أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إبراهيم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا ) (١) .

ولكنّ أبا طالبعليه‌السلام حينما سمع ابن أخيه يقول: إنّ الله أنبأني واستنبأني، وأمرني بإظهار أمري، فما عندك يا عمّ؟

أيّدهُ وأعلنَ نصرته له بقوله: أُخرُج يا بن أخي! فإنّك الرفيع كعباً، والمنيع حزْباً، والأعلى أباً، والله لا يسلقك لسانٌ إلّا سلقته ألسنٌ حداد، واجتذبه سيوفٌ حداد، والله لنذلّلنّ لك العرب ذل البهم لحاضنها.

ثم أنشأ قائلاً:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أُوَسَّدَ في التراب دفينا

فانفذ لأمركِ ما عليك مخافةً

وأبشر بذاك وقرّ بذالك منه عيونا

ودَعَوتني وزَعمتٍ أنّك ناصحي

ولقد صَدقْتَ وكُنْتَ قبلُ أمينا

وَعَرضْتَ ديناً قَد عَلِمْتُ بأنّه

من خيرِ أديان البريّة دينا

لولا الملامة أو حذاري سبِّه

لوجدتني سمحاً بذاك مبينا

ذكر هذا الشعر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٤ / ٥٥ ط. إحياء الكتب العربية، ونقله سبط ابن الجوزي في التذكرة: ١٨، ط. بيروت، وتجده في ديوان أبي طالب أيضاً.

ولو راجعتم ديوانه، وما نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، لوجدتم أشعاراً أخرى صريحة في تصديق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي إعلان نصرته والذبِّ عنه.

فأَنْصِفوا أيها الحاضرون، وخاصّة أنتم أيها العلماء! هل يجوز لكم أن تنسبوا قائل هذه الكلمات إلى الكفر والشرك؟!

____________________

١) سورة مريم، الآية ٤٦.

٩١٣

أم إنّها تُنبيء عن إيمان واسلام قائلها وأنّه مؤمن حقيقي ومسلم ملتزم ومتمسّك بما جاء به محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

كما اعترف بذلك بعض أعلامكم، فقد نقل الشيخ الحافظ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة / الباب الثاني والخمسون نقل من رسالة أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: وحامي النبي، ومعينه، ومحبِّه، أشدّ حبّاً، وكفيله، ومربّيه، والمقرّ بنبوّته، والمعترف برسالته، والمنشد في مناقبه أبياتاً كثيرة، وشيخ قريش: أبو طالب.

لقائل أنْ يقول: إذا كانت هذه التصريحات من أبي طالب في تصديق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتأييده ونصرته والدفاع عنه، فكيف نجد أكثر المؤرخين وأصحاب السِّيَر ذهبوا إلى كفره أو التوقف في إيمانه؟!

والجواب: إنّ الدعايات الأمويّة - خاصّة في زمان معاويّة - لعبت دوراً هاماً في مثل هذه الأمور، فمَن سَنَحت له الفرصة أنْ يأمر بسب أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ويأمر بلعنه ولعن ولديه الحسن والحسين سِبطي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانتيه وحبيبه ويشتمهم على رؤوس الأشهاد وعلى منابر الإسلام والمسلمين، حتى صارت هذه المنكرات عادة جارية حتى في قنوت الصلوات وخطب الجمعات، فمن أتيحت له هكذا فرصة وقام بقلب الحقائق وتغيير الوقائع وتبديل الحق بالباطل وبالعكس، فهل يأبى من إنكار إيمان أبي طالبعليه‌السلام وبث الدعايات في أنّه مات كافراً، أم يعجز من ذلك ويصعب عليه؟!

والأعجب.. أنّ معاوية وأباه وكذلك ابنه يزيد ورؤوس الكفر

٩١٤

والنفاق، مع كثرة الدلائل المذكورة في تاريخهم الدالّة على كفرهم وإلحادهم وعد إيمانهم، يظهرون للمسلمين بظاهر الإيمان بل يُعدُّ معاوية وابنه من أمراء المؤمنين إلى يومنا هذا، فهؤلاء مع سوابقهم في محاربة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعاندتهم للدين، ودخولهم في الإسلام كُرهاً بعد عام الفتح، ثم نفاقهم وشقاقهم بين المسلمين وقتالهم لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وتحرّكاتهم العدوانية وأعمالهم الشيطانية على الإسلام، والقيام بالأعمال الوحشيّة، والتهجّمات البشعة على بلاد المسلمين والناس الآمنين، ونهب أموالهم، وقتل رجالهم، وهتك أعراضهم مثل هجوم بُسر بن أرطاة على الطائف واليمن والأنبار وغيرها، وهجوم الأعور بني مرّة مسلم بن عقبة بجيش الشام على مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في واقعة الحرّة، ونقض معاوية عهده مع الامام الحسنعليه‌السلام وقتله بالسم، وكذلك قتله حجر بن عدي وأصحابه، وغيره من صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقتل يزيد حسيناًعليه‌السلام وسبي أهله وحريمه، وغير ذلك من الأعمال العدوانية والكفر والالحاد المشهود منهم والمشهور عنهم في التاريخ، كل هذا وتحسبونه من أمراء المؤمنين! لعنهم الله!!

ولكن أبا طالب مع تلك المواقف المشرفة، والسوابق المشرقة التي هي أظهر من الشمس، تقولون ما آمَن ومات مشركاً!! أما يكون هذا وذاك من تأثير الدعايات الامويّة!!

معاوية خال المؤمنين!!

الشيخ عبد السلام: لا يجوز هذه التعابير السيّئة على معاوية

٩١٥

ويزيد، ولا يجوز لعنهما فإنهما من كبار خلفاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا سيما معاوية (رض) فانّه خال المؤمنين وكاتب الوحي، ولم يَقتل الحسن بن علي (رض)، بل قتلته زوجته جعدة بنت الأشعث.

قلت: من أين جاءَهُ هذا اللقب؟ وكيف صار معاوية خال المؤمنين؟!

الشيخ عبدالسلام: لأن أم حبيبة - زوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - هي بنت أبي سفيان وأخت معاوية، تكون أم المؤمنين فيكون أخوها معاوية خال المؤمنين!

قلت: هل أم المؤمنين عائشة، عندكم مقامها أعلى أم أخت معاوية أمّ حبيبة؟

الشيخ عبدالسلام: زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإن كنّ كلهنّ أمهات المؤمنين كما هو تعبير القرآن الكريم، إلّا أنّ عائشة تمتاز عن قريناتها وهي أفضلهن وأعلاهن مقاماً(١) .

____________________

١) هذا مخالف للنص الصريح المروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتبكم فأفضل نسائهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخيرهن خديجةعليه‌السلام ، وبرواية عائشة نفسها تقول: «كان النبي يكثر ذكره» فربما قلتُ له: كأنما لم يكن في الدنيا امرأة إلّا خديجة، فيقول: كلا والله، ما أبدلني الله خيراً منها إنها كانت وكانت: آمنت إذ كفر الناس، وصدّقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء. (راجع تفصيل الخبر في رواياته عند البخاري في صحيحه ج ١٦ ص ٢٢٧ - ٢٨٢ بشرح العيني، وعند أحمد في المسند، وعند الطبراني من رواية ابي نجيح).

كما روى الإمام عليعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة... يعني في الدنيا الأولى وفي دنيا الثانية. (راجع عمدة القاري شرح صحيح البخاري: ج ١٦ في فضائل خديجة).

«المترجم»

٩١٦

لم لا يُلَقَّب محمد بن أبي بكر بخال المؤمنين؟

قلت: إذا كان معاوية خال المؤمنين لأنّه أخ لإحدى زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فجميع أخوات زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خالات المؤمنين، وجميع إخوان زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يكونون أخوال المؤمنين، فلماذا لقّبتم معاوية وحده بخال المؤمنين ولم تلقّبوا محمد بن أبي بكر وغيره بهذا اللقب؟!

ثم إذا كانت أخوّة معاوية لزوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تُعَدُّ فضيلةً وشرفاً فأبوّة حُيَي بن أخطب اليهودي لصفيّة زوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يجب أن تُعدّ له فضيلةً وشرفاً أيضاً!!

وإنما انفرد معاوية بهذا اللقب، لأنّه تزعم المنافقين والنواصب وقاد جيوش الضلال لحرب أمير المؤمنين وسيد الوصيين وإمام المتقين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وسنَّ لعنَه وسبَّه على منابر المسلمين!

معاويةُ: قاتلُ الإمام الحسنعليه‌السلام

وأما قتله للإمام الحسن سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو وإن لم يكن فيه مباشراً، ولكنه كان هو السبب والمحرّض في ذلك، فقد نقل أكثر المؤرخين والمحدّثين منهم ابن عبد البرّ في الاستيعاب، والمسعودي في إثبات الوصيّة، وأبو الفَرَج في مقاتل الطالبيين روى بسنده عن المغيرة قال: أرسل معاوية إلى ابنة الأشعث أنّي مزوّجك بيزيد إبني، على أن تسمي الحسن بن علي، وبعث إليها بمائة ألف درهم، فقبلت وسمَّت

٩١٧

الحسن(١) .

وذكر كثير من المؤرّخين والمحدثين منهم ابن عبدالبر في الاستيعاب، وابن جرير الطبري في تاريخه قالوا: لما جاء معاوية نبأ وفاة الحسن بن عليّعليه‌السلام كبَّرَ سروراً، وكبَّر من حوله وأظهروا الفرح!

فيا شيخ عبد السلام! بميولكم وأهوائكم تجعلون هكذا مجرم خال المؤمنين! ولا تلقّبون محمد بن أبي بكر بهذا اللقب، لأنّه كان ربيب عليّعليه‌السلام ومن حواريه وأصحابه الصامدين وشيعته المؤمنين، ولأنّه قال في أهل البيتعليهم‌السلام :

يا بني الزهراء أنتم عُدّتي

وبكم في الحشر ميزاني رجحْ

وإذا صحَّ ولائي لكمُ

لا اُبالي أيَّ كلبٍ قد نبحْ

____________________

١) لقد ثبت أنّ معاوية كان السبب في قتل الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام فقد نقل سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص / تحت عنوان: سبب موتهعليه‌السلام : قال علماء السير سَمَّتْهُ زوجته جعدةَ بنت الأشعث، وقال السدّي: دس إليها يزيد بن معاوية أنْ سمي الحسن وأتزوجك، فسمته وقال الشعبي: إنّما دسّ إليها معاوي فقال: سمّي الحسن وأزوّجك يزيد وقال ابن سعد في الطبقات: سمه معاوية مراراً. «انتهى كلام سبط ابن الجوزي»

وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة / آخر الباب العاشر: وفي رواية - قال للحسين -: إنّي يا أخي سُقيت السم ثلاث مرّات، لم أسقه مثل هذه المرة، فقال: مَنْ سقاك:؟ قال ما سؤالك عن هذا؟ أتريدُ أنْ تقاتلهم؟ أكِلُ أمرهم إلى الله.

قال ابن حجر: وفي رواية لقد سُقيتُ السمّ مراراً ما سقيته مثل هذه المرة.

أقول ثبتَ أن الحسن السبطعليه‌السلام قُتل مسموماً، فلعنة الله على المسبِّب والمباشر والراضي بذلك إلى يوم الدين.

«المترجم»

٩١٨

فهو قول ابن أبي بكر وأخو عائشة أم المؤمنين، ولا شك أنّ أبا بكر عندكم أفضل من أبي سفيان وعائشة أعلا مقاماً وأجلى رتبةً من أم حبيبة. ومع ذلك لا تطلقون على محمد لقب خال المؤمنين، بل بعض العامة يلعنونه ويتبرّءون منه.

ولما دخل عمرو بن العاص ومعاوية بن خديج مصر فاتحين، حاصروا محمداً ومنعوا عنه الماء ولما استولوا عليه قتلوه عطشاناً، ثم جعلوا جنازته في بطن حمار ميِّت وحرَّقوه، وأخبروا معاوية بذلك، فأظهر الفرح والسرور وأمر أصحابه أيضاً بإظهار الفرح.

والعجب أنكم عندما تسمعون أو تقرؤون هذه الأخبار الفجيعة، لا تتألّمون ولا تتأثّرون لما فعل أولئك المجرمون الملعونون بمحمد بن أبي بكر، ولكن لا تطيقون أنْ تسمعوا لعن معاوية المجرم وحزبه الظالمين، فتدافعون عنه وتقولون لا يجوز لعنه، بل يجب احترامه لأنه خال المؤمنين!!

فلماذا هذا التناقض في الرأي والعقيدة؟!

أما يكشف هذا عن التعصّب والعناد، وعن التطرّف واللجاج!!

هل كان معاويةُ كاتباً للوحي؟

من الثابت الذي لا نقاش فيه أنّ معاوية أسلم بعد الفتح في العام العاشر الهجري، وقد كان إلى ذلك الزمان جُلُّ القرآن الحكيم - القريب للكلّ - نازلاً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكما ذكر المؤرّخون: أنّ فتح مكة كان في العام الثامن الهجري و فيه أسلم أبو سفيان إلّا أنّ معاوية اختفى وأرسل إلى أبيه كتاباً يعاتبه ويؤنّبه على إسلامه، ولمـّا

٩١٩

انتشر الإسلام في كل الجزيرة العربية وحتى في خارجها اضطر معاوية أنْ يسلم، وبعد إسلامه كان مهاناً بين المسلمين، ينظرون إليه نظراً شزراً، فتوسّط العباس بن عبد المطلب عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يفوّض إليه أمراً حتّى يحترمه المسلمون ويتركوا تحقيره وتوهينه.

فعيّنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كاتباً لمراسلاته، وبه لبّى طلب عمه العباس(١) .

دليل كفر معاوية وجواز لعنه

وأما دلائل كفر معاوية وعدم إيمانه وجواز لعنه، فهي كثيرة، ولو أردنا نقلها جميعاً لاقتضى تأليف كتاب مستقل، ولكن أنقل لكم بعضها من الكتاب والسنّة، ومن سيرته وسلوكه ضدّ الإسلام والمسلمين، منها قوله تعالى:( وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إلّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إلّا طُغْياناً كَبِيراً ) (٢) .

فقد ذكر أعلام مفسريكم مثل العلامة الثعلبي، والحافظ العلّامة جلال الدين السيوطي في الدر المنثور، والفخر الرازي في تفسيره

____________________

١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ١/٣٣٨،ط دار احياء التراث العربي:وكان - معاوية - أحَدَ كتّاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و اختُلف في كتابته له كيف كانت فالذي عليه المحققون من أهل السيرة أنّ الوحي كان يكتبه عليُّعليه‌السلام و زيد بن ثابت و زيد بن أرقم و أنّ حنظلة بن الربيع التيميّ و معاوية بن أبي سفيان كانا يكتبان له إلى الملوك و إلى رؤساء القبائل.

«المترجم»

٢) سورة الإسراء، الآية ٦٠.

٩٢٠