مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252353
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252353 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الكبير، نقلوا في ذيل الآية الشريفة روايات بطرق شتى، والمعنى واحد وهو أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى في عالم الرؤيا بني أمية ينزون على منبره نزو القرد، فَسَاءَهُ ذلك، فنزلت الآية، فبنُوا أمية هم الشجرة الملعونة في القرآن والمزيدة بالطغيان.

ولا شك أنّ رأسهم أبو سفيان، ومِن بعده معاوية ويزيد و مروان.

والآية الثانية، الدالّة على لعن بني أمية، قوله سبحانه وتعالى:( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَْرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ الله فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى أَبْصارَهُمْ ) (١) .

ومن أكثر فساداً من معاوية حينما تولّى؟ ومَنْ أقطَعُ منه رحماً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! والتاريخ يشهد عليه بذلك، وليس أحدٌ من المؤرخين ينكر فساد معاوية في الدين وقطعه لأرحام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

والآية الثالثة:( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله فِي الدُّنْيا وَ الآْخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) (٢) .

وهل تنكرون إيذاء معاوية للإمام عليعليه‌السلام ، ولسبطي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن والحسين، ولخواص صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كعمّار بن ياسر وحجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي؟ ثم أما يكون إيذاء أمير المؤمنين وشبليه ريحانتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والصحابة الأخيار، إيذاءً لله ورسوله؟! فالآيات القرآنية التي تلعن الظالمين كلّها تشمل معاوية.

فقد قال عزّ وجلّ:( يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ

____________________

١) سورة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الآية ٢٢ و٢٣.

٢) سورة الاحزاب، الآية ٥٧.

٩٢١

وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (١) .

وقال سبحانه:( أَلا لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ ) (٢) .

وقال تعالى:( فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ ) (٣) .

وهل أحدٌ من أهل العلم والإنصاف ينكر ظلم معاوية؟!

معاويةُ.. قاتل المؤمنين

وقال سبحانه وتعالى:( وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ الله عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً ) (٤) وكم قتل معاوية من المؤمنين الأبرار والصحابة الأخيار؟!

أَما ثبتَ لكم بالروايات التي نقلتُها من مصادركم أنه سبَّب قتل الإمام الحسن سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن دسَّ إليه السم بواسطة زوجته جعدة بني الأشعث، إذ بعث إليها مالاً وأغراها بأنْ يزوجَها ليزيد بن معاوية، ففعلت ما أراد معاوية؟!

أما قتل معاويةُ حجر بن عدي صحابي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع سبعة نفر من أصحابه المؤمنين؟ وقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب وابن الأثير في الكامل: أنّ حجر كان من كبار صحابة النبي وفضلائهم، وقتله معاوية مع سبعة نفر من أصحابه صبراً، لأنهم امتنعوا من لعن عليّ بن أبي طالب والبراءة منه.

____________________

١) سورة غافر، الآية ٥٢.

٢) سورة هود، الآية ١٨.

٣) سورة الأعراف، الآية ٤٤.

٤) سورة النساء، الآية ٩٣.

٩٢٢

وذكر ابن عساكر، ويعقوب بن سفيان في تاريخه، والبيهقي في الدلائل، أنّ معاوية دفنَ عبد الرحمن بن حسّان العنزي حيّاً، وكان أحد السبعة الذين قُتلوا مع حجر بن عدي.

أما كان قتل عمار بن ياسر صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد جنود معاوية وعماله في صفين؟ وقد أجمع المحدّثون والعلماء أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعمّار: يا عمّار! تقتلك الفئة الباغية.

هل تنكرون حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تنكرون قتله في صفين بأيدي عمال معاوية وجنوده؟!

أَمَا سَبَّبَ معاويةُ قتلَ الصحابي الجليل مالك الأشتر غيلة؟ أما قتل أصحابه محمدَ بن أبي بكر عطشاناً وأحرقوا جسده؟ ولمـّا سمع معاوية بذلك فرح وأيّد عملهم.

أمَا كان يأمر عمّاله بقتل شيعة علي بن أبي طالب وأنصار أهل بيت النبوّة؟

أمَا كان يرسل الجيوش لإبادة المؤمنين واستئصالهم ونهب أموالهم؟

غارةُ بسر بن أرطاة

ومن أقبح أعمال معاوية، وأشنع جرائمه بعثه بُسر بن أرطاة الظالم السفّاك إلى المدينة ومكة والطائف ونجران وصنعاء واليمن، وأمره بقتل الرجال وحتى الأطفال، ونهب الأموال وهتك الأعراض والنواميس، وقد نقَلَ غارةَ بُسر بن أرطاة على هذه البلاد كثيرٌ من المؤرخين منهم: أبو الفرج الإصفهاني، والعلّامة السمهودي في تاريخ المدينة - وفاء الوفى، وابن خلِّكان، وابن عساكر، والطبري في

٩٢٣

تواريخهم، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ٢/٣-١٨ ط دار إحياء التراث العربي، قال في صفحة ٦: دعا معاوية - بسر بن أرطاة - و كان قاسي القلب، فظّاً، سفّاكاً للدماء، لا رأفة عنده و لا رحمة- ، و فأمره أن يأخذ طريق الحجاز و المدينة و مكة حتى ينتهي إلى اليمن، و قال له: لا تنزل على بلد أهلُه على طاعة عليّ، إلّا بَسَطتَ عليهم لسانك، حتى يَرَوا أنّهم لا نجاءَ لهم و أنّك محيطٌ بهم، ثم اكفُفْ عنهم، و ادعُهم إلى البيعة لي، فمَن أبى فاقتله، و اقتل شيعة عليّ حيث كانوا.

فامتثلَ بسر أوامر معاوية وخرج وأغار في طريقه على بلاد كثيرة، وقتل خلقاً كثيراً حتّى دخل بيت عبيد الله بن العباس، وكان غائباً فأخذ ولديْه وهما طفلان صغيران فذبحهما، فكانت أمهما تبكي وتنشد:

ها مَن أحسّ بابنيَّ اللَّذين هما

كالدّرتين تشظّى عنهما الصَّدَفُ

ها مَن أحَسَ بابنيَّ اللذين هما

سمعي و قلبي فقلبي اليوم مُختَطفُ

ها مَن أحسّ بابنيَّ اللذين هما

مُخُّ العظام فمُخِّي اليومَ مزدَهَفُ

نُبئتُ بُسْراً و ما صدّقت ما زعموا

من قولهم و من الإفك الذي اقترفوا

أنحى على وَدَجَيْ ابنيَّ مرهفةً

مشحوذةً و كذاك الإثم يُقترَفُ

٩٢٤

وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ٢صفحة ١٧: وكان الذي قتل بسرٌ في وجهه ذلك ثلاثين ألفاً، وحرَّق قوماً بالنار(١) .

____________________

١) ما كانت غارة بسر بن أرطاة الظالم السفّاك هي الوحيدة من نوعها، بل يحدَّث التاريخ عن أمثالها، وقعت بأمر معاوية، قال ابن الحديد في شرح النهج ج ٢/٨٥ ط دار إحياء التراث العربي: (غارة سفيان بن عوف الغامدي على الأنبار) روى إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي في كتاب «الغارات» عن أبي الكنود قال حدثني سفيان بن عوف الغامديّ قال:دعاني معاوية فقال: إنّي باعثُك في جيش كثيف ذي أداة و جَلادة فالزم لي جانب الفرات حتى تمرّ بهيت فتقطعها، فإن وجدت بها جنداً فَأغِرْ عليهم و إلّا فامضِ حتى تغير على الأنبار فإن لم تجد بها جنداً فامضِ حتى توغل في المدائن ثم أقبِل إليَّ و اتّق أنْ تقرب الكوفة و اعلم أنّك إن أغرتَ على أهل الأنبار و أهل المدائن فكأنّك أغَرتَ على الكوفة إنّ هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق تُرَعِّبُ قلوبَهم و تفرح كلَّ مَن له فينا هوىً منهم و تدعو إلينا كلَّ من خاف الدوائر فاقتل من لقيته ممن ليس هو على مثل رأيك و أخْرب كلَّ ما مررتَ به من القرى و احرَب الأموال فإنّ حَرَبَ الأموال شبيهٌ بالقتل و هو أوجَعُ للقلب!

أقول: وامتثَلَ سفيان عليه اللعنة أوامر معاوية وقتل ونهب ما نهب، ورجع إلى الشام فاستقبله معاوية بالفرح والسرور ورحَّبَ به وحباه أعظم حباء، فقد نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ٢/٨٧ قال: فو الله ما غَزَوتُ غزاةً كانت أسلم و لا أقرّ للعيون و لا أسرّ للنفوس منها و بَلَغَني و الله أنّها أرعَبَتِ الناس فلمّا عُدتُ إلى معاوية حدثته الحديث على وجهه فقال كنتَ عند ظنّي بك لا تنزل في بلدٍ من بُلداني إلّا قضيت فيه مثل ما يَقْضي فيه أميرُه و إنْ أحبَبْتَ تَولِيتَهُ وَلَّيتُكَ و ليس لأحدٍ مِنْ خلق الله عليك أمرٌ دوني.

فانظر أيها القارئ الكريم إلى الجملة الاخيرة كيف يسلّط معاوية الطاغي هذا الظالم الباغي على خلق الله ويبسط يده ليفعل ما يشاء بلا مانع ولا رادع، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. =

٩٢٥

وهل أنتم بَعْدُ في شكّ وترديد في كفر معاوية ويزيد؟! وهل تتورَّعون بَعْدُ عن لعنهما ولعن من رضي بأفعالهما؟

معاوية يأمرُ بلعن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام !!

من الدلائل الواضحة على كفر معاوية وأصحابه، أمره بسب الإمام عليعليه‌السلام ولعنه على منابر المسلمين، وإجباره الناس بهذا الذنب العظيم، فَسَنَّ هذا المنكر في قنوت الصلوات وخُطَب الجُمُعات.

وهذا أمرٌ ثابت على معاوية، سَجَّلَهُ التاريخ وذَكَرَهُ المؤرّخون من

____________________

=

غارة الضحّاك بن قيس الفهريّ

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٢/١١٦، ط دار إحياء التراث العربي، قال إبراهيم بن هلال الثقفي: فعند ذلك دعا معاوية الضحّاك بن قيس الفهريّ و قال له: سِرْ حتى تمرَّ بناحية الكوفة و ترتفعَ عنها ما استطعت فمَن وجدتَه من الأعراب في طاعة عليّ فأَغْرِ عليه و إنْ وجدت له مَسلَحَة أو خيلاً فأغِرْ عليها و إذا أصبحت في بلدة فامْسِ في اُخرى

فأقْبَلَ الضَّحّاك فنهَب الأموال و قَتَل مَنْ لقيَ من الأعراب حتى مرّ بالثعلبيّة فأغار على الحاجّ فأخَذَ أمتعتهم ثمّ أقْبَل فلقيَ عمرو بن عميس بن مسعود الهَذَلي و هو ابن أخي عبد الله بن مسعود صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقتله في طريق الحاجّ عند القُطْقُطانة و قَتل معه ناساً من أصحابه.

اقول: هكذا سلب معاوية وأعوانهُ وعامله، الأمن والأمان من المؤمنين، فشهروا السلاح وقطعوا الطريق وحاربوا المسلمين فأراقوا دماءهم ونهبوا أموالهم، وسعوا في الأرض فساداً، فلعنة الله عليهم وعلى جميع الظالمين والمفسدين ولعن الله كل مَن رضيَ بأفعالهم، إلى قيام يوم الدين.

«المترجم»

٩٢٦

الشيعة والسُنّة وحتى غير المسلمين، حتى أنّه قتل بعض المؤمنين الذين امتنعوا وأبوا ذلك، مثل حجر بن عدي وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

وقد ثبت أيضاً عند جميع علماء الإسلام بالتواتر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من سبّ علياً فقد سبَّني، ومَنْ سَبَّني فقد سبَّ الله.

رواه جمعٌ غفير من أعلامكم منهم: أحمد بن حنبل في المسند والنّسائي في الخصائص والثعلبي في تفسيره والفخر الرازي في تفسيره، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة والعلّامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب، وسبط ابن الجوزي في التذكرة، والشيخ القندوزي الحنفي في الينابيع، والعلّامة الهمداني في مودّة القربى، والحافظ الديلمي في الفردوس، والشيخ مسلم بن حجاج في صحيحه، والعلّامة محمد بن طلحة في مطالب السؤول والعلّامة ابن الصبّاغ المالكي في الفصول، والحاكم في المستدرك، والخطيب الخوارزمي في المناقب، والمحب الطبري في الذخائر، وابن حجر في الصواعق، وغيرهم من كبار علمائكم.

والخبر الذي رواه أيضاً كثير من أعلامكم ومحدثيكم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من آذى عليّاً فقد آذاني ومن آذاني فعليه لعنة الله.

وابن حجر روى خبراً أعمّ وأشمل / في الصواعق / ١٤٣ طبع الميمنية بمصر / باب التحذير من بغضهم وسبهم / قال: وصحَّ أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: يا بني عبد المطلب! إنّي سألتُ الله لكم ثلاثاً: أن يُثِّبتَ قائمكم، وأنْ يَهدي ضالّكم، وأن يُعَلِّم جاهلكم، وسألتُ الله أن

٩٢٧

يجعلكم كرماء نُجباء رُحماء، فلو أنّ رجلاً صفن - وهو صف القدمين - بين الركن والمقام فصلّى وصام ثم لقى الله وهو يبغض آل بيت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله دَخل النار.

ووردَ: من سبَّ أهل بيتي فإنما يرتدّ عن الله والإسلام، ومَن آذاني في عترتي فعليه لعنة الله ومَن آذاني في عترتي فقد آذى لله، إنّ الله حرَّم الجنة على مَن ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سَبَّهم.

وروى أحمد بن حنبل في المسند وروى غيره من أعلامكم أيضاً عن النبي أنه قال: من آذى علياً بُعث يوم القيامة يهوديّاً أو نصرانياً.

وقد ذكر ابن الأثير في الكامل وغيره من المؤرخين أنّ معاوية كان في قنوت الصلاة يلعن سيدنا علياً والحسن والحسين وابن عباس ومالك الأشتر.

فما تقولون بعد هذه الأخبار والأحاديث المرويّة في كتب محدثيكم وأعلامكم، ولا ينكرها أحدٌ من أهل العلم؟!

وأنتم تعلمون أنّ من ضروريّات الإسلام المتّفق عليه، أنّ مَنْ لعن أو سَبَّ الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو كافرٌ نجس يجب قتله.

فمعاوية ومَنْ حذى حذوه كافرٌ نجس ملعون.

الشيخ عبد السلام: المتَّفق عليه، كفر مَن سَبَّ الله ورسوله، ومعاويةُ ما سبّ الله ورسوله، وإنّما سبَ ولعن علياً كرَّم الله وجهه.

قلت: أيها الشيخ ما هذا اللّفّ والدوران! ولماذا تغالط في الكلام والبيان؟ فلا تنس قول الله العزيز في القرآن:( وَ لاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَ تَکْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١) .

____________________

١) سورة البقرة، الآية ٤٢.

٩٢٨

أَتَرفضُ الحديث الذي نقلتُهُ الآن من كتب أعلامكم وأئمتكم، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: مَنْ سَبَّ علياً فقد سبَّني، ومَنْ سَبَّني فقد سبّ الله؟!

ارجو أنْ لا تَنسَ الحديث في الليالي الماضية، والمصادر الجمّة التي ذكرتها لكم من الأحاديث النبويّة الشريفة التي صدرت عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الموضوع والظاهر أنّك صرت مصداق المثل المعروف: «كلام الليل يمحوه النار ».

النوّاب: نرجوكم أنْ تزويدنا بالأحاديث النبوية في هذا الباب، فإنّ أحسنَ الحديث حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قلت: لا أدري هل نقلت لكم رواية ابن عباس في هذا الباب، أم لا؟ فقد روى العلّامة الكنجي فقيه الحرمين، ومفتي العراقيْن، محدِّث الشام وصدر الحفّاظ أبو عبد الله محمد بن يوسف القرشي، الشهير بالعلّامة الكنجي الشافعي، صاحب كتاب كفاية الطالب نقل في/ الباب العاشر / بسنده المتصل بيعقوب بن جعفر بن سليمان قال: حدثنا أبي عن أبيه قال: كنت مع أبي، عبد الله بن عباس و سعيد ابن جبير يقوده، فمرّ على صفة زمزم فإذا قوم من أهل الشام يشتمون علياًعليه‌السلام ! فقال لسعيد: رُدّني إليهم، فوقف عليهم، فقال: أيّكم السابّ لله عزّ و جلّ؟ فقالوا: سبحان الله ما فينا أحد سبَّ الله، قال: أيّكم الساب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قالوا: ما فينا أحد سبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . قال: فأيّكم الساب عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ؟ فقالوا: أمّا هذا فقد كان!! قال: فأشهَدُ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سمعتُه أذناي و وعاه قلبي يقول لعليّ بن أبي طالب: مَن سبَّك فقد سبّني و مَن سبّني فقد

٩٢٩

سبّ الله و من سبَّ الله أكبَّهُ الله على منخريه في النار(١) .

لا يبغض علياً إلّا كافر أو منافق

روى جمعُ غفير من أعلامكم وعلمائكم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: لا يحب علياً إلّا مؤمن، ولا يبغضه إلّا منافق. خرّجه كثير من محدّثيكم وعلمائكم الكبار منهم:

جلال الدين السيوطي في الدرّ المنثور، والثعلبي في تفسيره، والعلّامة الهمداني في مودّة القربى، وأحمد بن حنبل في المسند، وابن حجر في الصواعق، والخوارزمي في المناقب، والعلّامة ابن المغازلي في المناقب، والحافظ القندوزي في الينابيع، وابن أبي الحديد في شرح النهج، والطبراني في الأوسط، والمحب الطبري في ذخائر العقبي، والنسائي في الخصائص، والعلّامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب، ومحمد بن طلحة في مطالب السئول، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص، وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة، وغير هؤلاء جمع خرّجوا هذا الحديث باسنادهم وبطرق شتى حتى كاد أن يصل حدَّ التواتر، ومن الواضح أنّ مصير الكافر والمنافق إلى النار

____________________

١) رواه جماعة من الأعلام وعلماء العامّة باسنادهم عن ابن عباس منهم العلامة الحافظ الفقيه ابن المغازلي في كتابه مناقب الإمام علي حديث رقم /٤٤٧ وأخرجه المحب الطبري في الرياض النضرة:ج ٢/١٦٦، من طريق الملّا في سيرته، وهكذا أخرجه الموفق الخوارزمي في المناقب: ص ٨١ والعلامة الزرندي في نظم درر السمطين: ١٠٥.

«المترجم»

٩٣٠

والسعير. وأنقل لكم بالناسبة ما رواه العلامة الكنجي الشافعي في آخر الباب الثالث كفاية الطالب: بسنده المتصل بموسى بن طريف عن عباية عن علي بن أبي طالب قال: أنا قسيم النار يوم القيامة، أقولُ: خذي ذا وذَرِي ذا. هكذا رواه الحافظ أبو القاسم الدمشقي في تاريخه، ورواه غيره مرفوعاً إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثم قال العلّامة الكنجي: فإنْ قيل هذا سندٌ ضعيف، قلت: قال محمد بن منصور الطوسي كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل: يا أبا عبد الله ما تقول في هذا الحديث الذي يُروى أنّ علياً قال: أنا قسيم النار. فقال أحمد: وما تنكرون من هذا الحديث! أليس رُوينا أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي: لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق؟ قلنا: بلى، قال: فأين المؤمن؟ قلنا في الجنة، قال فأين المنافق؟ قلنا في النار. قال فعليٌ قسيم النار، هكذا ذكره في طبقات أحمد رحمه الله.

وقال الله سبحانه:( إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَْسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً ) (١) .

فمعاوية وأصحابه وأنصاره من أهل جهنم لا محالة، بل هم في الدرك الأسفل من النار.

الشيخ عبد السلام: نحن لا ننكر هذه الأخبار والأحاديث الواردة في حق سيدنا عليّ كرّم الله وجهه، ولكنّ الصحابة مستثنون لأنّ الله سبحانه غفر لهن وأعدّ لهم جنات النعيم كما عاودهم في آيات من الذكر الحكيم. ولا يُنكَر أن معاوية (رض) كان من الصحابة المقرّبين لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فيجب احترامه لصحبته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولقُربه منه.

____________________

١) سورة النساء، الآية ١٤٥.

٩٣١

الصحابة أخيارٌ وأشرار

قلت: لقد ناقشنا الموضوع في الليالي الماضية، وأثبتنا أنّ كثيراً ممن أدرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وحظي بصحبته ما كان أهلاً لذلك، ولم يكتَسب منه الدِّين والأخلاق الحميدة التي جاء بها، وأمر أصحابه أن يتخلّقوا بها، فبقوا على جهالتهم وسيّئات أخلاقهم فعصوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعاتبهم سبحانه في غير موضع من كتابه الحكيم. ولكي تعرفوا أنّ المصاحبة والصحبة مع الأخيار والأبرار ومع الأنبياء والمرسلين، لا تكون منقبة ولا شرفاً وإنما الفضل والشرف في حسن الصحبة، نرجع الى القرآن الكريم لنعرف تعبيره وتعريفه لهذه الكلمة ونِعْمِ الحكم الله سبحانه: قال:( ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى ) (١) .

وقال:( قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَ فُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ) (٢) .

وقال:( ... فَقالَ لِصاحِبِهِ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً ) (٣) .

وفي الآية ٣٨( قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ.. ) الخ.

وقال تعالى:( أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ ) (٤) .

وقال:( ... كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ

____________________

١) سورة النجم، الآية ٢.

٢) سورة سبأ، الآية ٤٦.

٣) سورة الكهف، الآية ٣٤.

٤) سورة الأعراف، الآية ١٨٤.

٩٣٢

يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الْهُدى ) (١) .

وقال تعالى: في سورة يوسف (الصدّيق) حكايةً عنهعليه‌السلام :( يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) (٢) .

فنكتشف من هذه الآيات الكريمة ونعرف بأنّ الصاحب يطلق على المؤمن والكافر، فلا خصوصيّة في الصحبة.

ومن البديهي أن الآيات الشريفة التي نزلت في مدح صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تعمّهم بل تخصّ أخيارهم، كما أنّ الآيات التي نزلت في ذمّهم وعتابهم أيضاً تخصُ أشرارهم ولا تشمل الأبرار منهم.

ولا يُنكَر أنّ ممن كان حول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الصحابة الذين يجالسوه ويعاشروه كانوا منافقين، كما نعتقد أنّ بعض أصحابه الأبرار الميامين الأخيار كانوا في أعلا مراتب الإيمان واليقين بحيث ما كان مثلهم في أصحاب الأنبياء السابقين صلوات الله عليهم أجمعين وكلكم تعلمون أنّ عبد الله بن أُبيّ، وأبا سفيان، والحَكَم بن العاص، وأبا هريرة، وثعلبة، ويزيد بن أبي سفيان، والوليد بن عقبة، وحبيب بن مسلمة، وسمرة بن جندب، وعمرو بن العاص، وبُسر بن أرطاة والمغيرة بن شعبة، ومعاوية بن أبي سفيان، وذي الثديّة، رأس الخوارج وأمثالهم كانوا يجالسون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويصحبوه في السفر والحضر وفي المسجد والمنزل ويتظاهرون بالإسلام، ولكنّهم كم أشعلوا نار الفتنة والشقاق وساروا في طريق الخلاف والنفاق، حتّى طرد رسول الله

____________________

١) سورة الأنعام، الآية ٧١.

٢) سورة يوسف، الآية ٣٩.

٩٣٣

بعضهم، ولعن آخرين، وقاطَعَ جماعة منهم، وفَضَحَ بعضهم و شهرهم على رؤوس الأشهاد؟! وممّن لعنهُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله معاوية وآباه وأخاه.

وكم من الصحابة ارتدّوا بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصبحوا مصداق الآية الكريمة:( وَ ما مُحَمَّدٌ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (١) ؟.

مضافاً الى الآيات القرآنية، توجد روايات رواها علماؤكم وأئمتكم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تؤيّد ما نقول. فقد روى البخاري في صحيحه خبريْن عن سهل بن سعد، وآخر عن عبد الله بن مسعود باختلاف يسير في الألفاظ، والمعنى واحد، أنّ رسول الله قال: أنا فرطكم على الحوض، و ليرفعنّ إليّ رجال منكم حتّى إذا أهويتُ لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أيْ ربّ أصحابي! فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك!!

وروى أحمد بن حنبل في المسند، والطبراني في الكبير، وأبو النصر في الإبانة، بإسنادهم عن ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أنا آخذ بحجزكم، أقول: اتقوا النار، واتقوا الحدود فإذا متّ تركتكم و أنا فرطكم على الحوض فمن ورد فقد أفلح، فيُؤتى بأقوام فيُؤخَذُ بهم ذات الشمال، فأقول: يا ربّ أمّتي! فيقول: إنهم لم يزالوا بعدك يرتدّون على أعقابهم. (وفي رواية الطبراني في الكبير) فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، مرتدِّين على أعقابهم.

____________________

١) سورة آل عمران، الآية ١٤٤.

٩٣٤

فمما يثير العجب ويبعث الأسف في النفس، أنّ معاوية وابنه يزيد مع كثرة الدلائل والشواهد على كفرهما وإنكارهما للدين والوحي(١) ، تعدُّونها مؤمنين، بل تلقبونها بأمير المؤمنين، أي

____________________

١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ٥ / ١٢٩، ط. دار إحياء التراث العربي تحت عنوان (أخبار متفرقة عن معاوية).

و قد طعن كثير من أصحابنا في دين معاوية، و لم يقتصروا على تفسيقه، و قالوا عنه أنّه كان ملْحِداً لا يعتقد النبوّة، و نقلوا عنه في فلتات كلامه و سقطات ألفاظه ما يدلّ على ذلك. و روى الزبير بن بكّار في «الموفقيات» - و هو غير متَّهم على معاوية، و لا منسوب إلى اعتقاد الشيعة، لمـّا هو معلوم من حاله من مجانبة عليّعليه‌السلام و الإنحراف عنه: - قال المطرف بن المغيرة بن شعبة: دخلت مع أبي على معاوية و كان أبي يأتيه فيتحدّث معه، ثم ينصرف إليَّ فيذكر معاوية و عقَله، و يَعجَب بما يرى منه إذ جاء ذات ليلة فأمسَكَ عن العشاء و رأيتُهُ مغتمّاً فانتظرته ساعة و ظننتُ أنّه لأمرٍ، فينا فقلتُ: ما لي أراك مغتمّاً منذ الليلة؟ فقال يا بُنيّ، جئتُ من عند أكفر الناس و أخبثهم، قلت :و ما ذاك ؟ قال قلت له - أي معاوية - و قد خَلَوتُ به إنّك قد بلغتَ سنّاً يا أمير المؤمنين فلو أظهرتَ عَدْلاً وَ بَسطْتَ خيراً فإنّك قد كَبِرتْ و لو نظرتَ إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فو الله ما عندهم اليومَ شيء تخافه و إنّ ذلك ممّا يبقى لك ذكره و ثوابه فقال هيهات هيهات! أيّ ذِكْر أرجو بقاءه ملَكَ أخو تيم فعَدَلَ و فَعَل ما فعل فما عدا أن هَلَكَ حتى هَلَكَ ذكْرهُ إلّا أن يقول قائل أبو بكر ثمّ ملك أخو عدي فاجتهد و شمر عشر سنين فما عدا أن هَلَكَ حتى هَلَكَ ذِكْرُه إلّا أنْ يقول قائل: عمر و إنّ ابنَ أبي كبشة ليُصاح به كلَّ يوم خمس مرّات «أشهد أنّ محمداً رسول الله » فأيُّ عمل يبقى؟ و أيُّ ذِكْرٍ يدوم بعد هذا لا أباً لك؟! لا و الله إلّا دَفْناً دفنا!!

ثم قال ابن أبي الحديد بعد نقله للخبر: و أما أفعاله المجانبة للعدالة الظاهرة مِن لبسه الحرير و شربه في آنية الذهب و الفضّة حتّى أنكر عليه ذلك أبو الدرداء، =

٩٣٥

. . . . .

____________________

= فقال له: إنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّ الشارب فيها ليُجرْجِرْ في جوفه نار جهنم. فقال معاوية: أمّا أنا فلا أرى بذلك بأساً.

فقال أبو الدرداء: مَن عذيري من معاوية! أنا أخبره عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله و هو يخبرني عن رأيه لا أساكنك بأرضٍ أبداً.

فهذا الخبر يقدحُ في عدالته، كما يقدحُ أيضاً في عقيدته لأنّ مَن قال في مقابل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله « أمّا أنا فلا أرى بأساً فيما حرَّمه رسول الله » فليس بصحيح العقيدة و من المعلوم أيضاً من حالة استئثاره بمال الفيء و ضربه مَن لا حَدَّ عليه و إسقاط الحدِّ عمّن يستحقّ إقامة الحدّ عليه و حكمه برأيه في الرعيّة و في دين الله و استلحاقه زياداً و هو يعلم قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الولد للفراش و للعاهر الحَجَر»، و قتله حُجر بن عديّ و أصحابه و لم يجب عليهم القتل و مهانته لأبي ذرّ الغفاري و جبهه و شتمه و إشخاصه إلى المدينة على قتب بعير وطاء لإنكاره عليه و لعنه عليّاً و حسناً و حسيناً و عبد الله بن عباس على منابر الإسلام و عهده بالخلافة إلى ابنه يزيد مع ظهور فسقه و شُربه المسكر جهاراً و لعبه بالنّرد و نومه بين القيان المغنيّات و اصطباحه معهنّ و لعبه بالطنبور بينهنّ و تطريقه بني أمية للوثوب على مقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و خلافته حتّى أفضت إلى يزيد بن عبد الملك و الوليد بن يزيد المفتضحين الفاسقين: صاحب حَبابة و سَلّامة و الآخر رامي المصحف بالسهام و صاحب الأشعار في الزندقة و الإلحاد. «انتهى كلام ابن أبي الحديد»

أقول: وذكر سبط ابن الجوزي في التذكرة تحت عنوان (فصل في يزيد بن معاوية) قال: ذكر علماء السِيرَ عن الحسن البصري أنه قال: قد كانت في معاوية هنات لو لقيَ أهل الأرض ببعضها لكفاهم: وُثُوبُه على هذا الأمر، واقتطاعُهُ مِنْ غير مشورة من المسلمين، وادِّعاؤه زياداً، وقتله حجر بن عديّ وأصحابه، وبتوليته مثل يزيد على الناس. قال: ذكر جدي أبو الفرج في كتاب (الردّ على المتعصِّب العنيد المانع =

٩٣٦

تحسبون خلافتهما شرعيةً، وتدافعون عنهما باليد واللسان، بل بالمال والنفس وإن كان بعض أعلامكم وافقونا في كفر معاوية وابنه وكتبوا في ذلك مثل ابن الجوزي وقدألّف كتاب «الرد على المتعصّب العنيد المانع من ذم يزيد».

____________________

= من ذم يزيد) وقال سألني سائل فقال ما تقول في يزيد بن معاوية؟ فقلت له: يكفيه ما به فقال: أتجوِّزُ لعنه؟ فقلت: قد أجاز العلماء الورعون، منهم أحمد بن حنبل، فإنّه ذكر في حقّ يزيد ما يزيد على اللعنة.

وفي التذكرة قال: قال أحمد في المسند: حدثنا أنس بن عياض حدثني يزيد ابن حفصة عن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة عن عطاء بن يسار عن السايب ابن خلّاد: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من أخاف أهل المدينة ظُلْماً أخافه الله وعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صَرْفاً ولا عدلا.

أقول: ورواه غير أحمد كثير من الأعلام وعلماء العامّة: ولا منكرَ بين المؤرخين أنّ معاوية أخاف أهل المدينة حين بعث إليه بُسْر بن أرطاة الظالم السفّاح، فقَتَل منهم خَلْقاً كثيراً، و كذلك أخافهم يزيد بن معاوية حين بعث إليهم مسلم بن عقبه الظالم القاسي القلب، فأباح المدينة ثلاثاً فقتل خلقاً كثيراً من أبناء المهاجرين والأنصار.

وقال سبط ابن الجوزي في التذكرة: وذكر المدايني عن أبي قرة قال: قال هشام بن حسان وَلَدَت ألف امرأة بعد الحَرّة من غير زوج.

وغير المدايني يقول: عشرة آلاف امرأة.

أقول: و لا مجال لذكر كل الدلائل والشواهد على كفر معاوية ويزيد، لأنه يتطلب وضع كتاب مستقل، لذا اكتفينا بذكر قليل من كثير.

«المترجم»

٩٣٧

والسيد محمد بن عقيل وقد ألّف كتاب «النصائح الكافية لمن يتولَّى معاوية » طبع في مطبعة النجاح ببغداد سنة ١٣٦٧ هجرية. ولكن تصرّون إصراراً باطلاً، في عدم إيمان أبي طالبعليه‌السلام وهو من السابقين في الإيمان والذّب عن الإسلام والدّفاع عن نبيّه صلوات الله عليه وآله.

وهذا لا يكون إلّا من تأثير بني أمية والنواصب والخوارج فيكم.

ولا أدري متى تزيلون عن دينكم ومذهبكم شبهات أعداء آل محمّد وتأثيرات بني أمية؟! ومتى تحرّرون مذهبكم ودينكم من التعصّبات والتقيّدات المتّخذة من الآباء والأسلاف؟!

لقد حان الوقت أنْ تفتحوا أبصاركم وتنبشوا التاريخ وكتب السِيَر والحوادث وتفتشوا عن الحقائق المستندة بالأدلة والبراهين العقليّة والنقلية من الكتاب والسُّنة الشريفة، فتتمسّكوا بالحق المبين وتلتزموا بشريعة سيد المرسلين.

أما آنَ لكم أن تتركوا أقاويل بني أمية ودعاياتهم وأكاذيبهم، وترجعوا إلى آل محمّد وعترته، وتأخذوا دينكم وأحكامه ومعالمه من أهل بيتهعليه‌السلام ؟!

أما جعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أهل البيت عِدْل القرآن بقوله: « إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي » وجعلهم مرجعاً للمسلمين فيما يختلفون فيه؟!

وأجمعَ آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته على أنّ أبا طالبعليه‌السلام كان من المؤمنين وارتحل من الدنيا بكمال الدين والإيمان.

٩٣٨

دلائل أخرى على إيمان أبي طالبعليه‌السلام

وهذا أصبغ بن نباتة من الرواة الثقاة حتّى عند علمائكم يروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال: والله ما عبدَ أبي، ولا جَدِّي عبد المطّلب، ولا هاشم، ولا عبد مناف، صنماً قطّ.

فهل من الإنصاف أنْ تتركوا قول أهل بيت النبوّة والعترة الطاهرة، وتأخذوا بكلام أعدائهم مثل المغيرة بن شعبة الفاجر؟!

أوَ هل من الإنصاف أنْ تُأَوِّلوا أشعار أبي طالب في الإسلام وفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتصديقه لهما، وإعلانه الإيمان بهما بكل صراحة، فلا تقبلوا كل ذلك، لحديث رواه كاذبٌ فاسق فاجر، عدوُّ الإمام عليّ وعدوّ آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

وأضف على ما نقله المؤرِّخون من أشعارٍ صريحة في إيمان أبي طالب، خُطْبَتهُ الغَرّاء البليغة التي خطبها في خِطبة أم المؤمنين خديجة الكبرى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وذكرها عامّة المؤرّخين.

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٤ / ٧٠، ط. دار إحياء الكتب العربية: و خطبة النكاح مشهورة، خطبها أبو طالب عند نكاح محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله خديجة، و هي قوله: « الحمد لله الذي جعلنا من ذرّيّة إبراهيم، و زرع إسماعيل، و جعل لنا بلداً حراماً و بيتاً محجوجاً، و جعلنا الحكّام على الناس ثم أنّ محمد بن عبد الله أخي، مَن لا يوازَن به فتىً من قريش إلا رجح عليه بِرّاً و فضلاً، و حَزْماً و عقلاً، و رأياً و نُبْلاً، و إنْ كان في المال قُلٌّ فإنّما المال ظلٌّ زائل و عاريةٌ مسترجَعة، و له في خديجة بنت خويلد رغبة،و لها فيه مثل ذلك، و ما أحببتم من

٩٣٩

الصَّداق فعَلَيَّ، و له و الله بَعْدُ نبأ شائع و خطبٌ جليل ».

بالله عليكم أنصفوا، لو وضعت هذه الخُطْبة أمام أيّ إنسان عالم غير منحاز إلى فئة، ألا يصدِّق بأنّ قائلها إنسانٌ مؤمنٌ عالم وحكيم سَحَق الماديّات وتوجه إلى المعنويّات. والجملة الأخيرة جديرة بالتفكّر والتدبّر، أفَتَراهُ يعلم نبأه الشائع وخَطْبَهُ الجليل، ولا يؤمن به؟!

ولو كانت هذه الخُطْبة البليغة صادرة من أيّ إنسان آخر، مثلاً من أبي قحافة أو الخطّاب، أما كنتم تستدلّون بها على إيمانه؟

ونقل العلّامة القندوزي في ينابيع المودّة / الباب الرابع عشر / عن موفق بن أحمد - الخوارزمي - بسنده عن محمد بن كعب قال: رأى أبو طالب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يتفل في فم عليّ أي يُدخل لعاب فمه في فم عليّ فقال: ما هذا يا بن أخي؟ فقال: إيمان و حكمة؟

فقال أبو طالب لعليّ: يا بُني! انصر ابن عمك و وازره.

أما يدلّ هذا الخبر على إيمان أبي طالب؟ فإنّه لو لم يكن مؤمناً بالنبي،صلى‌الله‌عليه‌وآله لمنعه وزَجَره، ولكنّه أمر علياً بنصرته ومؤازرته.

إسلام جعفر بأمر أبيه

وكذلك ذكر علماؤكم ومحدثوكم أنّ أبا طالب أمر ابنه جعفراً أنْ يقف بجانب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويؤمن به وينصره، وذكر بعضهم أنّ أبا طالب دخل المسجد الحرام ومعه معه ابنه جعفر، فرأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واقفاً يصلي وعليٌّ على يمينه يصلي معه، فقال أبو طالب لجعفر: صِلْ جناح ابن عمك! فتقدَّمَ جعفر فوقف على يسار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي معه، ويقلّده في الركوع والسجود، فأنشدَ أبو طالب قائلاً:

٩٤٠