مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252567
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252567 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

نقل عنه سعد الدين التفتازاني في كتابه شرح المقاصد، والعلّامة برهان الدين الحنفي في كتابه الهداية، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري وغيرهم نقلوا أنه قال في موضع من كتابه: هو جائز لأنّه كان مباحا مشروعاً واشتُهر عن ابن عباس حلّيّتها وتبعه على ذلك أكثر أهل اليمن وأهل مكة من أصحابه، وقال في موضع آخر:

هو جائز لأنّه كان مباحاً فيبقى إلى أن يظهر ناسخه.

فنعرف من كلام مالك بأنّه إلى زمانه - عام ١٧٩ من الهجرة - ما كانت روايات النسخ، وإنّما وضعها الكاذبون الجاعلون بعد هذا الزمن وهي من وضع وجعل المتأخّرين.

والذين قالوا بتحريم المتعة استندوا على كلام عمر وما استدلّوا بغير قوله: وأنا أحرّمهما وأعاقب عليهما، وهو دليل باطل لأنّه ليس من حق عمر التشريع فإن فإنّ الشارع هو الله العزيز الحكيم، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبيِّنٌ لأمّتِه ما أوحي إليه من ربّه، من أحكام الدين والشريعة.

الشيخ عبد السلام: نعم ليس من حق عمر (رض) ولا من حق غيره التشريع ولكن قول عمر الفاروق سندٌ قوي ودليل محكم لنا في كشف الحق، فإنّه لا يَحكم بشيء إلّا على استناد ما سمعه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والعتب على المسلمين الحاضرين في مجلس الخليفة (رض) إذْ لم يسألوه عن دليل التحريم وإنّما قبلوا منه بغير اعتراض لمـّا يعرفون فيه من الصدق والصلاح، فلذلك صار قوله لنا دليلاً محكماً وسنداً مقبولاً.

قلت: هذه كلها مغالطات وتوجيهات، وقد قيل حبّ الشيء يُعمي ويُصِمْ، وأنتم من فرط حبكم لعمر تسعون في توجيه أعماله

٩٦١

المخالفة لصميم الإسلام ونصّ القرآن، وتفُسّرون كلامه على خلاف ظاهره، لأنّه يصرِّح: أنا أحرّمهما وأعاقب عليهما.

وأنتم تقولون: بأنّه لا يحكم بشيء إلّا على استناد ما سمعه من النبي؛ وتلقون العتب على المسلمين الحاضرين في مجلسه إذْ لم يسألوه عن دليل التحريم، والرجل ليس له دليلٌ إلّا أنّ رأيه قد قطع بذلك.

وأما قولك: بأن الحاضرين قبلوا منه بغير اعتراض فهو مخالف لما رواه أعلامكم بأنّ إبنه عبد الله كان يُفتي على خلاف رأي أبيه وكذلك جمعٌ من الصحابة والتابعين كما ذكرنا لكم.

وأما قولك: بأنّ قول عمر دليلٌ محكم وسندٌ مقبول لديكم.

ليت شعري بأيّ نصّ شرعي من الكتاب أو السنّة أصبح قول عمر دليلاً محكماً وسنداً مقبولاً؟!

هذا الذي ليس فيه نصٌّ من الكتاب أو السنّة، تجعلوه لأنفسكم حجّةٌ وتلتزمون به وتتمسكون به أشدّ التزام وتمسّك، وتُعرضون عن الخبر الذي وصل حد التواتر وهو حديث الثقلين فلا تعملون بقول العترة ولا تتمسكون بهم، علماً أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قال: « ما إن تمسّكتم بهما - أي بالقرآن والعترة - لن تضلوا بعدي أبداً» فقد جعلهماصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أماناً من التيه والضلال.

هل يجوز للمجتهد أن يخالف النصّ؟

الشيخ عبد السلام: إنكم تعلمون أنّ جماعة من علمائنا المحققين قالوا: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يضع الأحكام باجتهاد رأيه، فلذلك يجوز لمجتهد آخر أن ينقض حُكمه إذا توصّل رأيه إلى خلاف قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٩٦٢

ولذلك نقضه عمر وقال: أنا أحرّمهما.

قلت: ما كنتُ أتوقع منك هذا الكلام يا شيخ عبد السلام! فإنّك لتصحيح غلطةٍ ارْتَكَبْتَ غلطات، بالله عليكم هل يصح الاجتهاد مقابل النصّ؟ وهل يجوز لإنسانٍ أن يخالف القرآن ويخالف حكم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بزعم الاجتهاد؟ أما يكون كلام الشيخ غلواً في حق عمر وإجحافاً في حق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ إذْ يساوي رأي عمر برأي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل يرجّحه على رأي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! وكلام الشيخ خلافٌ صريح لصريح القرآن الحكيم لقوله تعالى:( قُلْ مَا يَکُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ) (١) .

فإذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجوز له أنْ يبدّلَ حكماً من الأحكام، فكيف تجيزون لعمر؟! وعلى فرض اجتهاده فلا يجوز لمجتهد أنْ يخالف النصَّ المسلَّم(٢) .

والقائلون بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يضع الأحكام باجتهاده وبرأيه، كلامهم باطل وليس على أساس عقلي وعلمي بل هو مخالف لصريح

____________________

١) سورة يونس، الآية ١٥.

٢) الاجتهاد.. عبارة عن الحصول على قدرة علميَّة لفهم الأحكام الشرعيّة واستنباطها من كلام الله العزيز الحكيم وسيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وحديثه.

فيلزم أنْ يكون رأي المجتهد في بيان الحكم الشرعي مستنداً بالكتاب الحكيم أو سُنّة النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا مناقضاً لهما، فلا يحق للمجتهد أن يفتي مخالفا لهما معتمداً على رأيه.

«المترجم»

٩٦٣

القرآن الحكيم أيضاً لقوله عزّو جلّ:

( وَ مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ‌* إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى‌ ) (١) .

وقوله تعالى:( قُلْ مَا کُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَ مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَ لاَ بِکُمْ ، إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ) (٢) .

وكلامكم يخالف صريح كلام الله العزيز.

الشيخ عبد السلام: لا شك أنّ الخليفة (رض) حكم بصلاح المسلمين وحرَّم المتعة لأنّه كما جاء في كتاب الإصابة للعسقلاني ج ٣ القسم ١ / ١١٤ عن عمر بن شبّة قال: واستمتع سلمة بن أميّة من سلمى مولاة حكيم بن أميّة بن الأوقص الأسلمي، فولدت له فجَحَدَ ولدها، فبلغ ذلك عمر فنهى عن المتعة.

فحرّم عمر (رض) المتعة حتّى لا يشيع هذا الأمر ولا يتكرّر، وكلّنا نعلم أنّ الأولاد الذين جحدهم آبائهم ينكرهم المجتمع أيضاً، فيسبّبوا فساداً كبيراً، من أجل ذلك ولكي لا يكثر الفساد، نهى عمر عن المتعة.

قلت: ولكن هذا حاصلٌ حتّى في النكاح الدائم أيضاً فكم من رجل جحد ولده وأنكر ما ولدته زوجته فهلّا نهى عمر عن النكاح الدائم أيضاً؟!

أفَهل تكليف الخليفة ومسؤوليته في قبال عمل سلمة بن أميّة وإنكاره ولده أن يحرِّم حلال الله ويغيّر حكمه ويبدّل دينه؟! أم كان المفروض أن يعظ سلمة ويأمره بالمعروف والنهي عن المنكر وأنّ يقابله بالحكمة والموعظة الحسنة فيوقظ وجدانه ويقوّي إيمانه فيُشعره

____________________

١) سورة النجم، الآية ٣ و ٤.

٢) سورة الاحقاف، الآية ٩.

٩٦٤

بالمسؤليّة ثم يحكم بإلحاق الولد بسلمة بن أميّة لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد للفراش» وما كان لسلمة أنّ يُنكر العقد لأنّه كما نقرأ في الكتب أنّهم كانوا يُشهدون العدول على العقد في المتعة فقد رَوى في كنز العمال: ج ٨ / ٢٩٤ عن سليمان بن يسار عن أم عبد الله ابنة أبي خثيمة: أنّ رَجلاً قَدِم من الشام فنزل عليها، فقال: إنّ العزوبة قد اشتدّت عليّ فابغيني اِمرأة أتمتّع معها. قالت: فدللتُهُ على امرأةٍ فشارَطَها وأشْهَدوا على ذلك عدولاً، فمكثَ معها ما شاء الله أنْ يمكث ثم إنه خرج، فأُخبر بذلك عمر بن الخطّاب فأرسَلَ إليَّ فسألني: أحقٌّ ما حَدَّثْتِ؟ قلتُ: نعم. قال: فإذا قدم فآذنيني به. فلما قدِم أخبرته فأرسلَ إليه فقال: ما حملك على الذي فعلتَه؟ قال: فعلته مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم لم ينهنا عنه حتى قبضه الله، ثم مع أبي بكر فلم ينه عنه حتى قبضه الله، ثمّ معك فلم تحدث لنا فيه نهياً. فقال عمر: أما والذي نفسي بيده: لو كنتَ تقدّمت في نهي لرجمتُك، بينوا حتّى يعرف النكاح من السفاح. وأخرجه ابن جرير أيضاً.

وأما قولك: إنّ الخليفة حكَمَ بصلاح المسلمين.

فإنّ الله ورسوله أعرف بصلاح الخلائق، والخالق أعلم بمصالح مخلوقه ولا شكّ أنّ الله سبحانه وتعالى شرّعَ المتعة والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنّها لحكمةٍ حكيمة ومصلحة عظيمة للمؤمنين ولكن عمر نقضها.

وقد جاء في الخبر كما في شرح معاني الآثار للطحاوي / كتاب النكاح / باب نكاح المتعة / روى بسنده عن عطاء عن ابن عباس، قال: ما كانت المتعة إلّا رحمة رحم اللهُ بها هذه الأمّة، ولولا نهي عمر بن الخطاب عنها ما زنى إلّا شقي.

٩٦٥

وروى الثعلبي والطبري في تفسيريهما وأحمد في المسند في تفسير آية المتعة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال: لولا أنْ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلّا شقي.

فتحريم عمر للزواج المؤقّت، زادفي الفحشاء و لم يقلِّل الفساد وإنّ أثر نهيه المتعة كان بعكس ما تقولون، وبخلاف ما تزعمون.

ولنترك هذا البحث الذي جاء استطراداً، لأنّ البحث كان حول إيمان أبي طالبعليه‌السلام فقلنا: إنّه كان مؤمناً ومات مؤمناً إلّا أنّ أعداء الإمام عليعليه‌السلام أرادوا تنقيصه والحطّ من كرامته وشخصيته، فوصموا أباه - شيخ بني هاشم وكافل النبي وحاميهصلى‌الله‌عليه‌وآله - بوصمة الكفر والشرك، وأشاعوه بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بوضعِ حديثٍ افتروه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو حديث الضحضاح. فخبر عدم إيمان أبي طالبعليه‌السلام إنْ هو إلّا من أكاذيب بني أمية وأباطيلهم، وشيوع الخبر جاء بتبليغ منهم بحيث غَطَّى على خبر إيمانه، فقلّبوا الحقيقة وغيّروا الواقع حتّى التبس الحق على المسلمين.

فلمّا وصل حديثنا إلى هذا المكان، استبعد الشيخ عبدالسلام ذلك، وقال: لا يمكن لأحد أنْ يقلب الحقيقة ويغيّر الواقع الذي كان شائعاً في عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيبدّ له بحيث يلتبس الأمر على المسلمين، فينكروا الحقيقة ويقولوا بغير الواقع.

فقلنا: إنّ هذا ليس بأول قارورة كسرت في الإسلام.

فطلب مثالاً ليكون مصداقاً آخر وشاهداً على كلامنا، فمثّلنا بتحريم عمر متعة الحج ومتعة النساء، فصرّح قائلاً: متعتان كانت على عهد رسول الله وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما. والشاهد تمسكهم بقول

٩٦٦

عمر وتركهم سُنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فثبت بأنّ الحكومة والقوّة تلعب دوراً هامّاً في إخفاء الواقع ونشر الأكاذيب ولبس الحق، وإشاعة الباطل باسم الحق، ولا يخفى في هذه الأمور دور الدعايات والأحاديث الزائفة المجعولة بواسطة رجال ممن عُرفوا بصحبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولمـّا يدخل الإيمان في قلوبهم فلا أطيل الكلام في الموضوع أكثر من هذا، ومن أراد من الحاضرين أن يتعمّق أكثر ويحقّق الموضوع ويبحث فيه أكثر مما قلنا فليراجع الكتب المعتبرة عند العامّة من أعلامهم، مثل السيوطي، وأبي القاسم البلخي، ومحمد بن إسحاق، وابن سعد الكاتب، وابن قتيبة، والواقدي، والشوكاني والتلمساني، والقرطبي، والبرزنجي والشعراني، والسبحمي، وأبي جعفر الإسكافي، وغيرهم من علماءِ العامّة الذين اعترفوا في كتبهم بإيمان أبي طالبعليه‌السلام . وقد كتب بعضهم رسالةً مستقلةً في الموضوع.

الكعبة مولد الإمام عليّعليه‌السلام

وأما الفضيلة الأخرى التي امتاز بها الإمام عليّعليه‌السلام وتُعدّ من فضائله الخاصة به، إذ لم يحدث مثله لأحد قبله ولا بعده، ألا وهو مولده في وسط بيت الله الحرام في الكعبة المشرَّفة، وقد حدث ذلك بإرادة الله سبحانه وبدعوة منه لفاطمة بنت أسد والدة أمير المؤمنينعليه‌السلام إذْ انشقّ لها ركن البيت لمـّا استجارت به تطلب من الله تعالى أنْ يُسهِّل عليها الولادة، فدخَلَت في الكعبة وعاد الركن فالتأمَ والتَصَق. إنّما حدث ذلك لكي لا يقول أحدٌ أنّ ولادة علي بن أبي طالب داخل الكعبة كانت عند صدفة وليس فيها كرامة لهعليه‌السلام .

٩٦٧

وكما في بعض الأخبار المرويّة أنّ فاطمة بنت أسد بقيت في الكعبة ثلاثة أيّام ضيفة على ربّها، فصار الناس يتحدّثون في المجالس والنوادي عن هذا الحادث الخارق والأمر الغريب، وفي اليوم الثالث عند اجتماع الناس وتزاحمهم في المسجد الحرام، وإذا بالركن ينشق ثانياً، وتخرج فاطمة بنت أسد وعلى يديها ولدها الكريم عليّعليه‌السلام ، ويعدّ علماء الإسلام شيعة وسُنّة هذه الفضيلة من خصائص أمير المؤمنين، وقد قال الحاكم في المستدرك، والعلّامة ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة / الفصل الأول ص ١٤:

ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لتكريمه(١) .

____________________

١) روى العلّامة أبو عبدالله محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب / الباب السابع في مولدهعليه‌السلام / وهو في الفصل الثالث بعد الأبواب المائة التي ذكرها في مناقب الإمام عليعليه‌السلام .

روى بسنده المتصل بمسلم بن خالد المكّي عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سألت رسول الله عن ميلاد علي بن أبي طالب، فقال: لقد سألتني عن خير مولود وُلد في شبه المسيحعليه‌السلام . إنّ الله تبارك و تعالى خلقَ علياً من نورٍ واحدٍ و خلقنيَ نورى من نوره و كلانا من نورٍ واحد ثمّ إنّ الله عزّ وجلّ نَقَلنا من صُلْب آدمعليه‌السلام في اصلاب طاهرة إلى أرحام زكيّة، فما نُقِلْتُ من صلب إلّا وعليٌ معي فلم نزل كذلك حتّى اسودعني خير رَحم وهي آمنة، واستودع علياً خير رحم وهي فاطمة بنت أسد.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكان في زماننا رجلٌ زاهد عابد يقال له المبرم بن دعيب بن الشقبان، قد عبد الله تعالى مائتين وسبعين سنة لم يسأل الله حاجة، فبعث الله إليه أبا طالب فلما أبصره المبرم قام إليه وقبل رأسه وأجلسه بين يديه، ثم قال له : مَن أنت؟ فقال: <=

٩٦٨

. . . . .

____________________

= رجلٌ من تهامة. فقال: من أيّ تهامة؟ فقال: من بني هاشم، فوثب العابد فقبَّل رأسه ثانيةً ثم قال: يا هذا إنّ العليَّ الأعلى ألهمني إلهاماً، قال أبو طالب: وما هو؟ قال: ولدٌ يولد من ظهرك وهو وليّ الله عزّ وجلّ.

فلما كانت الليلة التي وُلد فيها عليٌّ، أشرقت الأرض فخرج أبو طالب وهو يقول: أيها الناس وُلد في الكعبة وليُّ الله عزّ وجلّ. فلمّا أصبح دخل الكعبة وهو يقول:

يا ربَّ هذا الغسقِ الدُجىّ

و القمر المنبلج المضيّ

بيِّن لنا من أمرك الخفيّ

ما ذا ترى في اسم ذا الصبيّ؟

فسمع صوت هاتف يقول:

يا أهل بيت المصطفى النبيّ

خُصِصْتُم بالولدِ الزكيِّ

إنَّ اسمهُ من شامخ العليّ

عليٌّ اشتُقّ مَن العليِّ

قال العلامة الكنجي: تفرّد به مسلم بن خالد المكيّ الزنجي وهو شيخ الشافعي - إمام الذهب - وتفرّدَ به الزنجي عبدالعزيز بن عبدالصمد وهو معروف عندنا، والزنجي لقب لمسلم وسمي بذلك لحسنه وحمرة وجهه وجماله. انتهى.

وقال بعد هذا الخبر أخبرنا الحافظ أبو عبدالله محمد بن محمود النجّار بقراءتي عليه ببغداد، فقلت له: قرأتُ على الصفّار بنيسابور: أخبرتني عمتي عائشة، أخبرنا ابن الشيرازي، أخبرنا الحاكم أبو عبدالله محمد بن عبدالله الحافظ النيسابوري قال: ولد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بمكة في بيت الله الحرام ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلةٍ خلت من رجب سنة ثلاثين عام الفيل، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام سواء، إكراماً له بذلك وإجلالاً لمحلّه في التعظيم.

أقول: إنّ خبر مولد عليّعليه‌السلام في وسط الكعبة مشهور، وقد نقله كثيرٌ من الأعلام وعلماء العامّة وذكره شعراؤهم ونَقلتُ عنهم بعضها سابقاً في تعليقاتي على هذا الكتاب.

«المترجم»

٩٦٩

اسم «عليّعليه‌السلام » نَزَلَ من عند الله تعالى

والفضيلة الأخرى التي امتاز بها الإمام عليّعليه‌السلام على سائر الصحابة إنّ اسمه الشريف جاء له من عند الله تبارك وتعالى من عالم الغيب.

الشيخ عبد السلام: إنّ هذا الكلام غريب جدّاً، أ فهل كان أبو طالب نبيّاً يوحى إليه، حتى نقول بأنّ اسم ابنه نزل أو جاء من عند الله؟! إنْ هذا إلّا أقاويل الشيعة يختلقونها من فرط حبهم لسيدنا عليّ كرّم الله وجهه، وليس لهذا الإسم ربطٌ بعالم الغيب، بل اختاره أبو طالب لولده.

قلت: ليس كلامي بغريب، وإنّما استغربته لأنّك لا تعتق بولاية الإمام عليعليه‌السلام . فإنّك تظن أنّ هذا الإسم جُعل على الإمام عليعليه‌السلام حين ولادته، وليس كذلك، فإنّ الله تعالى قد ذكر في جميع الكتب السماويّة إسمي محمد وعلي عليهما الصلاة والسلام بصفة النبوّة والإمامة، وإنّ هذْين الإسمَين المباركينِ كتبهما الله عزّ وجلّ وجعلهما على السماوات والأرضين وعلى أبواب الجنة وعلى العرش العظيم، قبل أنْ يخلق آدم أبا البشر بآلاف السنين، فلا يختصّ بزمن أبي طالبعليه‌السلام .

الشيخ عبد السلام: أليس هذا الكلام غلوّاً في حق عليّ كرّم الله وجهه؟ فقد قارنتموه بسيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله وذكرتم اسمه مع اسم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مكتوباً في عالم الملكوت وحتى على العرش العظيم. نعم اسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كوجوده ونفسه فوق كل شيء وليس له قرين،

٩٧٠

ولكنكم بالتمسّك بخبر ضعيف، غير معتبر تحتجّون علينا، بل وتجعلوه سنداً مقبولاً ودليلاً معقولاً لفتة فقهائكم فيفتون بوجوب ذكر عليّ بعد اسم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الأذان.

فتبسّمتُ ضاحكاً من قوله، و قلت: لا يا أخي إنّني غير مغالٍ حق أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغرّ المحجّلين، ابن عم الرسول وزوج البتول وسيف الله المسلول واسد الله الغالب مظهر العجائب والغرائب وصاحب الفضائل والمناقب الإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه.

نحن ما قارنّا اسمه مع اسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا نحن سجلنا اسمه مع اسم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في السماوات والعرش العظيم، بل الله عزّ وجلّ هو قارن اسم وليّه علي بن أبي طالب مع اسمه واسم نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكتب اسمه مقارناً لاسمه العزيز واسم حبيبه على أبواب الجنان كما ورد في روايات أعلامكم وعلمائكم بإسنادهم لا بأسانيد ضعيفة زعمت، وقد أثبتوا تلك الروايات ونقلوها في مصادركم المعتبرة لدى كبار علمائكم وأعلام محدثيكم الذين لو ضِعَّفْتَهم فقد ضَعَّفْت مذهبكَ، فليس ولا لأيّ واحدٍ منكم الخضوع لمقامهم والتسليم لآرائهم وقبول ما رَوَوْا في مسانيدهم وتصانيفهم.

الشيخ عبد السلام: لو تتفضل بذكر بعض تلك الروايات التي نقلها كبار علمائنا وأعلام محدثينا.

قلتُ: روى الطبري في تفسيره وابن عساكر في تاريخه في ترجمة الإمام عليعليه‌السلام ، ورَوى العلّامة الكنجي القرشي الشافعي في كفاية الطالب / باب ٦٢، والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء، والعلامة

٩٧١

القندوزي في الينابيع / باب ٥٦ حديث ٥٢ نقلاً من ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري، رَوَوا بأسانيدهم على أبي هريرة - مع اختلاف يسير في الألفاظ واتحاد المعنى - عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: مكتوب على ساق العرش لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ومحمد عبدي ورسولي أيّدتُه بعليّ بن أبي طالب.

وروى جلال الدين السيوطي في الخصائص الكبرى: ج ١/١٠، وفي الدرّ المنثور في أوائل سورة الإسراء، نقلاً عن ابن عساكر وابن عدي أنّهما رَويا عن أنس بن مالك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ليلة أُسري بي إلى السماء رأيتُ مكتوباً على ساق العرش: لا إله إلّا الله محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أيّدتهُ بعليّ.

وروى القندوزي في الينابيع باب / ٥٦، نقلاً عن ذخائر العقبى للطبري عن أبي الحمراء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ليلة أسري بي على السماء، نظرتُ إلى الساق الأيمن من العرش فرأيتُ مكتوباً محمد رسول الله، أيّدتهُ بعليّ ونصرته به، وقال: أخرجه الُملّا في سيرته.

وروى القندوزي أيضاً في الباب نقلاً عن كتاب «المناقب السبعون » الحديث التاسع عشر / عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مكتوب على باب الجنّة قبل أنْ يخلق الله السماوات والأرض بأَلَفيْ عام، محمد رسول الله، وعليٌ أخوه، قال رواه ابن المغازلي.

أقول: رواه أحمد في المناقب، والعلّامة الهمداني في كتابه مودّة القربى / المودّة السادسة، والخطيب الخوارزمي في المناقب، وابن شيرويه في الفردوس، كلهم عن جابر بن عبد الله الأنصاري، كما مرّ.

٩٧٢

وتذكرت حديثاً جميلاً مناسباً لموضوع الحوار، أخرجه العلّامة الهمداني الشافعي في مودّة القربى / المودة الثامنة / عن عليّعليه‌السلام أنّه قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي رأيتُ اسمك مقروناً باسمي في أربعة مواطن:

١- فلمّا بلغتُ بيت المقدس في معراجي إلى السماء وجدتُ على صخرة بها لا إله إلّا الله محمّد رسول الله أيّدته بعليّ وزيره.

٢- ولمـّا انتهيتُ إلى سدرة المنتهى وجدتُ عليها إنّي أنا الله لا اله إلا انا وحدي، محمد صفوتي من خلقي أيّدتُه بعليّ وزيره و نصرته به.

٣- ولما انتهيت الى عرش رب العالمين فوجدتُ مكتوباً على قوائمه إنّي أنا لا إله إلّا الله أنا محمد حبيبي من خلقي أيّدتهُ بعليّ وزيره و نصرتُهُ به.

وروى الثعلبي في تفسيره - كشف البيان - والطبري في تفسيره في تفسير الآية ٦٢ من سورة الأنفال:( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ ) عن أبي هريرة وعن ابن عباس أنّها نزلت في عليّ. ثم رَوَوْا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : رأيتُ مكتوباً على العرش: لا إله إلّا الله وحده، لا شريك له، محمد عبدي ورسولي أيّدتُهُ ونصرته بعلي بن أبي طالب.

أخرجه القندوزي أيضاً في الينابيع الباب الثالث والعشرون عن أبي نعيم الحافظ عن أبي هريرة، وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس حبر الأمّة، قال القندوزي: وروى عن أنس بن مالك نحوه، ثم

٩٧٣

نقل عن كتاب الشفاء: روى ابن قانع القاضي عن أبي الحمراء قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لمـّا أُسريَ بي إلى السماء إذا على العرش مكتوب: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله أيّدته بعليّ.

وروى ابن المغازلي الفقيه الشافعي في كتابه المناقب / حديث رقم ٨٩ بسنده عن ابن عباس قال: سُئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الكلمات التي تلقّاها آدمُ من ربّه فتاب عليه. قال: سأله بحق محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تُبتَ عليَّ، فتاب عليه(١) .

وأخرجه عنه القندوزي في الينابيع / الباب الرابع والعشرون.

أكتفي بهذا المقدار من الروايات والأخبار وأظن أنّ الشيخ استوفى جوابه: بأنّ الله تعالى قرن اسم وليه علي بن أبي طالب باسمه واسم حبيبه ونبيّه، لا نحن، والخبر ليس بضعيف ولا عن طريق واحد بل وصل إلينا من طرق شتّى، ونقله علماء المسلمين من السُنّة والشيعة.

وأما كلامك يا شيخ: بأنه هل كان أبو طالب نبياً يوحي إليه؟

فأقول: الوحي لا يلازم النبوّة، فقد أوحى اللهُ تعالى إلى أم موسى وما كانت في مقام النبوّة، والله سبحانه يصرِّح في ذلك بقوله عزّ وجلّ:

( وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (٢) .

____________________

١) وكذلك أخرجه عن ابن المغازلي صاحب تفسير اللوامع: ج ١/٢١٩.

و أخرجه السيوطي في الدّر المنثور: ج١/٦٠ و قال: أخرجه ابن النجّار.

«المترجم»

٢) سورة القصص، الآية ٧.

٩٧٤

وربّما أوحى اللهُ تعالى إلى غير الإنسان كما في قوله سبحانه:

( وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ ) (١) .

وممّا لا شكّ فيه أنّ الوحي له مراتب فالمرتبة الأعلى والأقوى منها تحصل للأنبياء، والأدنى منها تحصل لغير الأنبياء بإرادة الله القادر المنّان.

كما أنه نستفيد من كلام الله تعالى، أنّ أوامره إلى عباده وهدايتهم لمقاصده، لا تنحصر بطريق الوحي، فإنه قادرٌ أن يبلِّغها لمن يريد بأي طريق شاء، ولو بخلق النداء والصوت، كما حدث ذلك لمريم ابنة عمران، فقد قال سبحانه:( فَناداها مِنْ تَحْتِها إلّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا * فَكُلِي وَ اشْرَبِي وَ قَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ) (٢) .

فكما إن الله عز وجلّ بلّغ مراده إلى أم موسى بالوحي، وإلى أمّ عيسى بالنداء، فقد بلّغ أبا طالب أيضاً بأنّه انتخب اسم عليّ واشتقّه من اسمه الأعلى لوليد الكعبة، فسمّاه عليّاً.

ولا نقول بأنّ الوحي الذي كان ينزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نَزلَ على أبي طالب ولا نعتقد نبوّته، وانما نقول بأنّ الله تعالى نبّه أبا طالب وبلّغه إمّا بالنداء أو بمشاهدته لوحاً مكتوباً أن يُسمّي ولده بالاسم المشتق من اسم الله العليّ الأعلى، فيسمّيه علياً وقد فعل أبو طالب

____________________

١) سورة النحل، الآية ٦٨.

٢) سورة مريم، الآية ٢٤ - ٢٦.

٩٧٥

ذلك، ولم ننفرد نحن بهذا القول، بل وافقنا فيه بعض أعلامكم أيضاً.

روى العلّامة الهمداني الشافعي في كتابه مودّة القربى / المودّة الثامنة، ونقل عنه الحافظ القندوزي في كتابه ينابيع المودّة / الباب السادس والخمسون: عن العباس بن عبد المطلب (رضي الله عنه) قال: لما ولدت فاطمة بنت أسد عليّاً سمّته باسم أبيها أسد، ولم يرض أبو طالب بهذا الاسم فقال: هلمّ حتى نعلو [ جبل ] أبا قبيس ليلاً وندعو خالق الخضراء لعلّه ينبئنا في اسمه، فلمّا أمسَيا خرجا وصعدا أبا قبيس ودعيا الله تعالى، فأنشأ أبو طالب شعراً:

يا ربَّ هذا الغَسَق الدُجىّ

والفَلَق المنبلج المـُضِيّ

بيِّن لنا من أمرك المقضيِّ

بما نسمّي ذلك الصبي؟

فاذا خشخشةٌ من السماء، فرفع أبو طالب طرفه فإذا لوحٌ مثل زبرجد أخضر فيه أربعة أسطر فأخَذَه بكلتَيْ يديه وضمّه إلى صدره ضمّاً شديداً فإذا مكتوب:

خُصّصتما بالولد الزكيّ

و الطاهر المنتجَبِ الرضيّ

واسمه مِنْ قاهرٍ عليّ

عليُّ اشتُقَ من العليّ

فسُرَّ أبو طالب سروراً عظيماً وخَرّ ساجداً لله تبارك وتعالى وعَقّ [عنه] بعشرٍ من الإبل، وكان اللوح معلّقاً في بيت الله الحرام يفخر به بنو هاشم على قريش حتى غلب الحجاجُ بنَ الزبير. انتهى كلام العلّامة الهمداني.

أقول: وهذه الرواية عطفٌ على ما شبق وتدلّ على أنّ أبا طالب كان مؤمناً بالله موحِّداً له سبحانه متوجّهاً إليه في مهامّه وحوائجه.

وأمّا قولك يا شيخ: بأنّ فقهاء الشيعة يفتون بوجوب ذكر

٩٧٦

عليّعليه‌السلام في الأذان، فهو كذب وافتراء، ولو كنتَ صادقاً فاذكر لنا فتوى واحدٍ من فقهائنا.

نعم نحن نذكر اسم الإمام عليّعليه‌السلام ونشهد له بالولاية والإمامة، بقصد الندب وإجهاراً بالحق، لأنّا نعرف مندوبيّة ذلك ومطلوبيّة ذكر اسم عليّ بالولاية والإمامة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نعرفهُ ممّا ذكرْنا من الروايات في كتبكم المعتبرة والتي مرّت مع ذكر المصادر الكثيرة، بأنّ الله عزّ وجلّ قَرَنَ اسم عليّعليه‌السلام مع اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذَكَر علياً بعد ذكر حبيبه ورسوله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى في عرشه العظيم وعلى أبواب الجنان قبل أن يخلق الأرض والسماوات.

ونكتفي بهذا ونرجع إلى صلب الموضوع في الحوار وهو ذكر أمهات الفضائل والأصول الثابتة لعليّعليه‌السلام .

زهد الإمام عليّعليه‌السلام وتقواه

والفضيلة الثانية التي امتاز بها ولا يساويه أحدٌ فيها فضيلة الزهد والتقوى. وأجمعَ علماءُ الاسلام عامّة، وجمهور المحدثين وأصحاب السيرة والتاريخ بأنّ عليّ بن أبي طالب كان أزهدَ الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأورَعهم واتقاهم، حتى أنّ العلّامة ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة نقل قول الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز أنّه قال: ما علمنا أحداً كان في هذه الأمّة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أزهد من عليّ بن أبي طالب(١) .

____________________

١) وجاء في كتاب تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي / الباب الخامس في ذكر ورعه =

٩٧٧

. . . . .

____________________

= وزهده وعبادتهعليه‌السلام / قال: أخبرنا غير واحد، ثم ذكر الإسناد إلى محمد بن قيس عن أبي شهاب قال: كان عمر بن عبد العزيز (رض) يقول: ما علمنا أنّ أحداً من هذه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أزهد من عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، ما وضعَ لبنة على لِبنة، ولا قصبة على قصبة.

وبه قال عبد الله بن أحمد بن حنبل.

قال ابن أبي الحديد في مقدمته على شرح نهج البلاغة وهو يصفه: وأمّا الزهد في الدنيا فهو سيّد الزهّاد و أمّا الزهد في الدنيا فهو سيّد الزهّاد و بَدَلُ الأبدال و إليه تُشدّ الرحال، ما شبعَ من طعامٍ قطّ و كان أخشنَ الناس مأكلاً و مَلبساً.

قال عبد الله بن أبي رافع: دخلتُ إليه يوم عيد، فقدَّم جراباً مختوماً فوجدنا فيه خبز شعير يابساً مرضوضاً فقُدِّم فأكَلَ فقلت يا أمير المؤمنين فكيف تختمه؟ قال: خفت هذين الولدين أنْ يلُتّاه بسمن أو زيت.

و كان ثوبه مرقوعاً بجلدٍ تارةً و ليفٍ أخرى و نعلاه من ليف، و كان يلبس الكرباس الغليظ.

وكان يأتدم اذا اِئتدم بخَلٍّ أو بملح، فإن ترقّى عن ذلك فبعض نبات الأرض فإنْ ارتفع عن ذلك فبقليل من ألبان الإبل، و لا يأكل اللحم إلا قليلاً و يقول: لا تجعلوا بطونكم مقابَر الحيوان. و هو الذي طلّق الدنيا، و كانت الأموال تُجبى إليه من جميع بلاد الإسلام إلا من الشام فكان يفرّقها.

ونقل ابن أبي الحديد في ج ٢ / ٢٠١، ط. دار إحياء الكتب العربية / قال: و روى معاوية بن عمار عن جعفر بن محمدعليه‌السلام قال: ما اعتلج على عليّعليه‌السلام أمران في ذات الله سبحانه، إلّا أخذ بأشدّهما، و لقد علمتم أنّه كان يأكل - يا أهل الكوفة - عندكم من ماله بالمدينة، و أن كان ليأخذ السويق فيجعله في جراب و يختم عليه مخافة أن تُزاد عليه من غيره، و مَن كان أزهد في الدنيا من عليّعليه‌السلام ؟! =

٩٧٨

ونقل أعلام محدثيكم في كتبهم عن الأحنف بن قيس قال: دخلت على عليّ بن أبي طالب وقت إفطاره إذ دَعا بجرابٍ مختوم فيه سويق الشعير.

فقلت: يا أمير المؤمنين لم أعهدك بخيلاً فكيف ختمت على هذا الشعير؟!

فقال: لم أختمه بخلاً ولكن خفتُ أن يلينه الحسن أو الحسين بسمن أو زيت.

قلت: هما حرام عليك؟ قال: لا ولكن يجب على الأئمة أن

____________________

= وروى في صفحة ٢٠٠ عن بكر بن عيسى قال: كان عليٌّعليه‌السلام يقول: يا أهل الكوفة، إذا أنا خرجت من عندكم بغير راحلتي و رحلي و غلامي فلان، فأنا خائن فكانت نفقته تأتيه من غلّته بالمدينة بينبعٌ.

ونقل محمد بن طلحة العدوي النصيبي في كتابه مطالب السئول / الفصل السابع / فقال إنّهعليه‌السلام قد وَلَّى على عكبرا رجلاً من ثقيف فقال هذا الوالي: قال ليعليه‌السلام إذا صلّيت الظهر غداً فعد إليَّ، قال: فلمّا كان الغد وصلّيت الظهر غدوت إليه فلم أجد عنده حاجباً يحبسني دونه، فوجدته جالساً و عنده قدح و كوز ماء، فدعا بوعاء مشدود عليه ختم.. فلمّا كسر الختم و حَلّه فإذا فيه سويق فأخرج منه فصّبه في القدح و صب عليه ماء وشرب و سقاني، فلم أصبر فقلت: يا أمير المؤمنين أ تصنع هذا في العراق و طعام العراق كثير؟! فقال أما و الله ما أختم عليه بُخلاً و لكنّني أبتاع قَدَر ما يكفيني فأخاف أن يوضع في من غيره و أنا أكره أن يدخل بطني إلّا طيِّباً، فلذلك أحترزتُ عليه بما ترى. فإيّاك و تناول ما لا تعلم حِله.

رواه أيضاً سبط بن الجوزي في التذكرة / الباب الخامس / بسنده عن عبد الملك بن عمر ورواه آخرون من أعلام العامة.

«المترجم»

٩٧٩

يغتذوا بغذاء ضعفاء الناس وأفقرهم ليراهم الفقير فيرضى عن الله تعالى بما هو فيه، ويراهم الغني فيزداد شكراً وتواضعاً(١) .

ونقل المحدّثون عن سويد بن غفلة وغيره، قال: دخلتُ على عليّ ابن أبي طالب في الكوفة فرأيتُ بين يديه رغيف من شعير وقدح من لبن، والرغيف يابس تارةً يكسره بيده وتارةً بركبتيه، فشقّ علي ذلك.

فعاتَبتُ جاريةً له يقال لها فضّة فقلت: ألا ترحمين هذا الشيخ وتنخلين له هذا الشعير، أما ترين نشارته على وجهه وما يعاني منه؟!

فقالت: إنّه عهد إلينا أن لا ننخل له طعاماً قطّ. فالتفت عليٌّ إليّ وقال: ما تقولها لها؟ فأخبرته وقلت: يا أمير المؤمنين إرفقْ بنفسك.

فقال: ويحَك يا سويد ما شبع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من خبز بُرّ ثلاثاً حتى لقي الله، ولا نُخِل له طعام قط، يا بن غفلة! ذلك أحرى أنْ يذل النفس ويقتدي بي المؤمنون، وألحق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

ونقل العلّامة القندوزي في الينابيع / الباب الحادي والخمسون / قال: أخرج الموفق بن أحمد الخوارزمي عن عدي بن ثابت قال: أوتي عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه، بفالوذج فأبى أن يأكل منه وقال: إنه شيء لم يأكل منه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلا أحب آن آكل منه(٣) .

____________________

١) رواه سبط ابن الجوزي في التذكرة / الباب الخامس، ورواه الحافظ القندوزي في الينابيع / الباب الحادي والخمسون.

٢) رواه سبط ابن الجوزي عن سويد بن غفلة والقندوزي عن علقمة، ورواه الخطيب الخوارزمي في المناقب والطبري في تاريخه.

«المترجم»

٣) الفالوذج: نوع من الحلوى.

٩٨٠