جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث0%

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-94216-1-0
الصفحات: 195

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله حبيب الله الشريف الكاشانيّ (قدس سره)
تصنيف: ISBN: 964-94216-1-0
الصفحات: 195
المشاهدات: 23417
تحميل: 4138

توضيحات:

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 195 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 23417 / تحميل: 4138
الحجم الحجم الحجم
جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

مؤلف:
ISBN: 964-94216-1-0
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

هم أهلُ بيت رسول الله جدّهم

أجر الرسالة عند الله ودّهمُ

هم الأئمّة دان العالمون لهم

حتّی أقرّ لهم بالفضل ضدّهم

سعت أعاديهم في حطّ قدرهم

فازداد شأناً ومنه ازداد حقدهم

ونابذوهم علی علمٍ ومعرفةٍ

منهم بأنّ رسول الله جدّهم

كأنّ قربهم من جدّهم سببٌ

للبُعد عنهم وإنّ القربَ بعدهمُ

لو أنّهم أُمروا بالبغض ما صنعوا

فوق الذي صنعوا والجدّ جدّهمُ(١)

ولاشكّ عندنا في جواز اللعن، بل وجوبه علی قتلة العترة الطاهرة وظلمتهم، وقد دلّ عليه الكتاب والسنّة المتواترة، والإجماع من الإمامية(٢) والعقل المستقيم، والذوق السليم، والعجب ممّن أنكر هذا الحكم مع وضوحه

________________________

١ ـ وقال السيّد محمّد كاظم الكفائي في كتابه الزهراء في مقدّمة الجزء الثاني ص ٢٠٥ ط قم، الأمين، من قصيدة طويلة قال فيها :

تركوا الحقّ الذي أسّسته

ومشوْا في مسلكٍ لن يُحمدا

بدّلوا الحبَّ الذي أوجبه

الله للآل عليهم بالعِدا

تبعوا العجلَ الذي حذّرتهم

منه أنْ يصبحَ فيهم مُقتدیٰ

نبذوا الحقّ ومِن جهلهم

أنْ يكونَ العبدُ فيهم سيّدا

٢ ـ أحيل القارئ الكريم إلی كتاب (نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت) للمحقّق الكركي (أعلی الله مقامه الشريف) لأنّه كتابٌ علمي رصين مشبع بالأدلّة الدامغة من القرآن الكريم والسنّة الشريفة علی جواز بل استحباب لعن الخلفاء الغاصبين للخلافة من أهلها الشرعيين حيث فصّل تفصيلاً يُثلج صدور المؤمنين، ويشفي قلوب الموقنين، ويُزيد حقد المنافقين فراجع لكي تقف علی شرعية لعنهم (لعنهم الله)

١٢١

وهم شرذمة من مخالفينا فزعموا أنّ المسلم لا يجوز لعنه مطلقاً، وإنّ يزيد وأضرابه من ظالمي آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا مسلمين، وللغزالي قبل تشيّعه(١) في المقام كلمات واهية يشمّ منها رائحة الكفر يستحي القلم من تحريرها، واللسان

________________________

١ ـ راجع كتابه إحياء علوم الدِّين ج ٣، ص ١٢١، بحيث أفتیٰ فيه بحرمة لعن قاتل الإمام الحسينعليه‌السلام سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

وأمّا قصّة تشيّع الغزالي فقد ذكرها السيّد محمّد الشيرازيقدس‌سره في كتابه حقائق من تاريخ العلماء ص ١٣ ط : الكويت، قال: (بعدما قرّر الغزالي مغادرة بغداد لينتقل بين العواصم الإسلامية الأخری، فيشاء القدر أن يلتقي في إحدی رحلاته بالسيّد مرتضی الرازي ـ ليس شقيق السيد الرضي ـ فيطلب منه الغزالي المناظرة في مسألة الإمامة، فلم يمانع السيّد المرتضیٰ، لكنّه اشترط علی الغزالي ألا يقاطعه في الحديث قبل استيفاء كلامه، ووافق أبو حامد الغزالي علی هذا الشرط

ابتدأت المحاورة، وأنصت الغزالي إلی المرتضی، الذي جعل يُقيم الأدلّة والبراهين علی أحقّية أمير المؤمنينعليه‌السلام بالخلافة

وبين الحين والآخر كانت محاولات الغزالي للمقاطعة تبوء بالفشل، لأنّ المرتضی لم يكن يعطي له الفرصة لذلك بل كان يستمرّ في سرد أدلّته، حسب الشرط الذي اتّفقا عليه وهكذا تكرّرت الجلسات بين العَلَمين، إلی أن أسفرت في النهاية عن انضمام الغزالي إلی مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام اعترض التلاميذ علی أستاذهم وتعجّبوا منه كيف استطاع المرتضی أن يدخله معه في مذهبه في تلك الفترة القصيرة

غير أنّ استاذهم أجابهم في تواضع وهدوء : لقد كان المرتضیٰ ثاقب البرهان، حاضر الدليل، حسن الاستدلال، أظهر ما عنده فأتمّ، وما كان لي إلّا الإذعان والاعتراف

وبعد تلك الواقعة ألّف الغزالي كتابه (سرُّ العالمين) ليعلن فيه أحقّية مذهب أهل البيتعليهم‌السلام )

١٢٢

من تقريرها، فالإعراض عن ذكرها أولیٰ

وحكی ابن الجوزي عن جدّه عن القاضي أبي يعلي بإسناده إلی صالح بن أحمد بن حنبل قال: قلتُ لأبي : إنّ قوماً ينسبوننا إلی توالي يزيد ؟ فقال : يابني وهل يتوالیٰ يزيد أحدٌ يؤمن بالله ؟

فقلتُ : فلِمَ لا تلعنه ؟ فقال : وما رأيتني لعنتُ شيئاً، يا بُني لِمَ تلعن مَن لعنه الله في كتابه ؟ فقلتُ : وأين لعن الله يزيد في كتابه ؟

فقال : في قوله تعالی :( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ ) (١) (٢)

وحكی أيضاً عن أبي يعلی أنّ الممتنع من جواز لعن يزيد أمّا أن يكون غير عالم بذلك، أو منافقاً يريد أن يوهم بذلك، وربما استفزّ الجهّال بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (المؤمن لا يكون لعّاناً) وهذا محمول علی مَن لا يستحقّ اللعن(٣)

________________________

١ ـ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : ٢٢ ـ ٢٣

٢ ـ ذكر السبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص ٢٥٧، ط قم الشريف الرضي

٣ ـ نفس المصدر ص ٢٥٨ وللتفصيل راجع نفس المصدر فصل (يزيد بن معاوية) وأيضاً ذهب بعض العلماء العامّة (السنّة) إلی لعنه وتوبيخه منهم :

العلّامة الآلوسي في تفسيره روح المعاني ج ٢٦ ص ٧٣ في تفسير آية ٢٢ من سورة محمّد : قال: «مَن يقول إنّ يزيد لم يعصِ بذلك ولا يجوز لعنه فيبتغي أنْ ينتظم في سلسلة أنصار يزيد وأنا أقول إنّ الخبيث لم يكن مصدّقاً بالرسالة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ ما فعله مع أهل حرم الله وأهل حرم نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته الطيّبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات وما صدر منه من المخازي ليس بأضعف دلالة علی عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر ولا أظنّ أنّ أمره كان خافياً علی أجلّة

١٢٣

وروي أنّه قال رجلٌ للصادقعليه‌السلام : يابن رسول الله انّي عاجز ببدني عن نصرتكم، ولستُ أملك إلّا البراءة من أعدائكم، واللعن عليهم فكيف حالي ؟

فقال لهعليه‌السلام : حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن رسول الله قال: مَن ضعف عن نصرتنا أهل البيت، ولعن في خلواته أعداءنا بلّغ الله صوته جميع الأملاك

المسلمين ولكن كانوا مغلوبين مقهورين، ولو سُلّم أنّ الخبيث كان مسلماً، فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يحيط به نطاق البيان، وأنا أذهب إلی جواز لعن مثله علی التعين، ولو لم يتصوّر أن يكون له مثل من الفاسقين، والظاهر أنّه لم يتب واحتمال توبته أضعف من إيمانه»

وقال الجاحظ في رسائله ص ٢٩٨ الرسالة الحادية عشرة في بني أمية : «المنكرات التي اقترفها يزيد من قتل الحسين وحمله بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبايا وقرعه ثنايا الحسين بالعود وإخافته أهل المدينة وهدم الكعبة تدلّ علی القسوة والغلظة والنصب وسوء الرأي والحقد والبغضاء والنفاق والخروج عن الإيمان، فالفاسق ملعون ومَن نهیٰ عن شتم الملعون فملعون»

وقال ابن خلدون في مقدّمته ص ٢٥٤ عند ذكر ولاية العهد : «الإجماع علی فسق يزيد ومعه لا يكون صالحاً للإمامة، ومن أجله كان الحسينعليه‌السلام يری من المتعيّن الخروج عليه وقعود الصحابة والتابعين عن نصرة الحسين لا لعدم تصويب فعله بل لأنّهم يرون عدم جواز إراقة الدماء فلا يجوز نصرة يزيد بقتال الحسين بل قتله من فعلات يزيد المؤكّدة لفسقه والحسين فيها شهيد»

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : «كان يزيد بن معاوية ناصبيّاً فظّاً غليظاً جلفاً يتناول المسكر ويفعل المنكر، افتتح دولته بقتل الشهيد الحسين وختمها بوقعة الحرّة فمقته الناس ولم يبارك في عمره»

وهناك الكثير من الأعلام صرّحوا ونوّهوا بلعن يزيد بن معاوية ونكتفي بهذا القدر الممكن ومن أراد الاطّلاع فليراجع كتب التاريخ

١٢٤

من الثری إلی العرش، فكلّما لعن هذا الرجل أعداءنا لعناً ساعدوه فلعنوا مَن يلعنه، ثمّ ثنوه فقالوا : أللّهم صلِّ علی عبدك هذا الذي قد بذل ما في وسعه، ولو قدر علی أكثر منه لفعل، فإذا النداء من قبل الله قد أجبتُ دعاءكم، وسمعتُ نداءكم وصلّيتُ علی روحه في الأرواح وجعلته عندي من المصطفين الأخيار(١)

ثمّ هذا اللعن لا يختصّ بمَن صدر عنه القتل والظلم فعلاً بل يجري في كلّ مَن هيّأ أسباب ذلك وأسّس أساس الظلم والجور من أوّل الأمر، وهم الغاصبون لحقّ عليّعليه‌السلام في يوم السقيفة(٢)

ولذا ورد أنّه المقتول يوم الاثنين، وبيانه : أنّهم طرحوا في أراضي قلوب الجاهلين بذور الكفر والنفاق، وأثبتوا فيها عروق أشجار الضلالة والشقاق، فأثمرت المعاداة لأهل بين النبوّة والإعراض عن منهجهم وطريقتهم السنية، فصنعوا ماصنعوا فظلموا حقّ العترة( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (٣)

________________________

١ ـ راجع تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام ص ٤٧، رقم ٢١، والبحار ج ٢٧، ص ٢٢٣، ح ١١، ومستدرك الوسائل ج ٤، ص ٤١٠، رقم ٣

٢ ـ ولذا قال الشاعر القاضي بن قريعة في أبياته :

لولا حدود صوارم

أمضیٰ مضاربها الخليفة

لنَشرتُ من أسرار آل

محمّد جملاً ظريفة

وأريتكم أنّ الحسين

أُصيب في يوم السقيفة

وللمزيد راجع كتاب عين العبرة في غبن العترة للسيّد أحمد بن طاووس سوف تقف علی مخازي اللصوص الثلاثة

٣ ـ الشعراء : ٢٢٧، وقال علي بن إبراهيم القمّي في تفسيره ج ٢، ص ١٠١ : (وسيعلم الذين ظلموا ـ آل محمّد حقّهم ـ أي منقلبٍ ينقلبون)

١٢٥

(فلعن الله أُمّةً أسّست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت، ولعن الله أُمّةً دفعتكم عن مقامكم، وأزالتكم عن مراتبكم التي رتّبكم الله فيها، ولعن الله أُمّةً قتلتكم، ولعن الله الممهِّدين لهم بالتمكين)(١)

وفي الكلام تصريح بما صار من الضروريات من كونهعليه‌السلام مقتولاً فلا يلتفت إلی ما زعمه بعض الملاحدة من أنّه لم يُقتل ولكنّه شبّه به كما شُبّه بعيسیٰعليه‌السلام ، وفي العيون أنّ جميع الأئمّة الأحد عشر بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قُتلوا منهم بالسيف، وهو أمير المؤمنين والحسينعليهما‌السلام والباقون قُتلوا بالسمّ قتل كلّ واحد منهم طاغية زمانه وجریٰ ذلك عليهم علیٰ الحقيقة والصحّة لا كما تقوله الغُلاة والمفوّضة ـ لعنهم الله ـ فإنّهم يقولون إنّهم لم يُقتلوا علی الحقيقة وأنّه شبّه علی الناس أمرهم، فكذبوا ـ عليهم غضب الله ـ فإنّه ما شبّه أمر أحد من أنبياء الله وحججه للناس إلّا أمر عيسیٰ بن مريم وحده، لأنّه رُفع من الأرض حيّاً وقبض روحه بين السماء والأرض ثمّ رفع إلی السماء وردّ عليه روحه(٢) وقريب منه ما في الاحتجاج(٣)

________________________

١ ـ هذا مقطع من زيارة عاشوراء الشريفة

٢ ـ عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ج ١ ص ٢١٣

٣ ـ راجع الاحتجاج للطبرسي ج ٢ ص ٤٣٧، ط بيروت

١٢٦

وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً سَمِعَتْ بِذٰلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ

والمشار إليه بذا هو القتل والظلم، و (الكاف) حرف الخطاب يُبيّن به حال المخاطب من الإفراد، والتثنية، والجمع، والتأنيث والتذكير، ولذا يختلف اسم الإشارة مع هذا الحرف، فيقال : ذالكم، وذالكما، وإنّما استحقّ الراضي اللعن مع عدم صدور الظلم منه، لأنّ رضاه كاشف عن سوء سريرته، وشقاوة باطنه بالنسبة إلی أهل البيت، فيكون عدوّاً لهم بحيث لو قدر علی الظلم لكان ظالماً لهم فلا يكون مسلماً كيف ؟

وشرط الإسلام محبّة الأئمّة الأعلام كما دلّ كثير من الأخبار(١) ، وشهد به سليم الذوق والاعتبار، وهذا السرّ في قتل القائمعليه‌السلام من ذراري الأعداء ما لا يُحصیٰ لكونهم راضين بما فعل آباؤهم(٢)

________________________

١ ـ راجع كتاب بشارة المصطفی لشيعة المرتضی، للطبري

٢ ـ روی الشيخ الصدوق في علل الشرائع ج ١، ص ٢٦٨، باب ١٦٤، ط الأعلمي بيروت، عن عبدالسلام بن صالح الهروي قال: قلتُ لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام : يابن رسول الله ما تقول في حديث روي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال: إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسينعليه‌السلام بفعال آبائها فقالعليه‌السلام : هو كذلك فقلتُ : فقول الله عزّوجلّ :( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ) ما معناه ؟ فقال : صدق الله في جميع أقواله لكن ذراري قتلة الحسين يرضون أفعال آبائهم، ويفتخرون بها ومَن رضي شيئاً كان كمَن أتاه، ولو أنّ رجلاً قتل في المشرق فرضي بقتله رجلٌ في المغرب لكان الراضي عند الله شريك القاتل، وإنّما يقتلهم القائم إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم،

١٢٧

وفي تفسير الإمام عند قوله تعالی :( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا ) (١) إنّه سئل عليّ بن الحسينعليه‌السلام كيف يُعاقب الله ويوبخ هؤلاء الاخلاف علی قبائح ما أتاه أسلافهم وهو يقول:( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ) (٢) ؟

فقالعليه‌السلام : إنّ القرآن نزل بلغة العرب فهو يخاطب فيه أهل هذا اللسان بلغتهم، يقول الرجل التميمي قد أغار قومهم علی بلد وقتلوا مَن فيه : أغرتم علی بلد كذا وقتلتم كذا، ويقول العربي أيضاً : نحن قتلنا بني فلان، ونحن سبينا آل فلان، ونحن خرّبنا بلد كذا، لا يُريد أنّهم باشروا ذلك، ولكن يريد هؤلاء بالعذل، وأولئك بالامتحان أنّ قومهم فعلوا ذلك فيقول الله في هذه الآيات، إنّما هو توبيخ لأسلافهم، وتوبيخ العذل علی هؤلاء المرجوفين، لأنّ ذلك هو اللغة التي نزل القرآن، فالآن هؤلاء الأخلاف أيضاً راضون بما فعل أسلافهم مصوّبون ذلك لهم فجاز أنْ يُقال : أنتم فعلتم أي إذا رضيتم قبيح فعلهم(٣)

وهذا صريح في أنّ الراضي بفعل الظالم ظالم مثله، فكم من داخل مع قومٍ وهو خارج منهم كالمؤمن من آل فرعون، وكم من خارج من قوم وهو معهم لرضاه بفعلهم، كابن عمر وأضرابه، وحكايته مع يزيد معروفة ككلامه بعد أنْ رأی العهد الذي كتبه أبوه إلی أبيه(٤) ، وفي بعض الأخبار مَن رضي بفعلٍ فقد

قال : فقلت له : بأيّ شيء يبدأ القائم فيهم إذا قام ؟ قال: يبدأ ببني شيبة ويقطع أيديهم لأنّهم سرّاق بيت الله عزّوجلّ

١ ـ البقرة : ٦٥

٢ ـ الأنعام : ١٦٤

٣ ـ راجع تفسير الإمام العسكري، ج ١ ص ٢٧٢

٤ ـ راجع البحار ج ٣٠، ص ٢٨٨، رقم ١٥١، وعوالم سيّدة النساء فاطمةعليها‌السلام ص ٥٩٩

١٢٨

لزمه وإن لم يفعل

وروی البلاذري قال: لـمّا قتل الحسين كتب عبدالله بن عمر إلی يزيد بن معاوية : أمّا بعد ؛ فقد عظمت الرزية وجلّت المصيبة، وحدث في الإسلام حدثٌ عظيم، ولا يوم كيوم قتل الحسين

فكتب إليه يزيد : أمّا بعد يا أحمق، فإنّا جئنا إلی بيوتٍ مجدّدة، وفرشٍ ممهّدة، ووسادة منضّدة، فقاتلنا عنها فإن يكن الحقّ لنا فعن حقّنا قاتلنا، وإن كان الحقّ لغيرنا، فأبوك أوّل مَن سنَّ هذا، واستأثر بالحقّ علی أهله

١٢٩

يَا مَوْلَايَ يَا أَبَا عَبْدِاللهِ

يُحتمل أنْ يكون من تمام ما تقدّم، وأن يكون استئنافاً لما يأتي، والمراد بـ (المولی) هو المراد به في قوله : (مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه)(١) ، لأنّ ما ثبت لهعليه‌السلام من الفضائل والخواصّ فهو ثابت لسائر الأئمّة المعصومين(٢) عليهم‌السلام إلّا ما استثنی(٣) ، فالمراد به هو أولیٰ بالمؤمنين من أنفسهم كما كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك بنصّ القرآن(٤) ، فإنّ ما ثبت للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو ثابت للوصي أيضاً إلّا ما استثنیٰ(٥) ،

________________________

١ ـ راجع إعلام الوری للطبرسي ص ١٦٥ ؛ وبشارة المصطفی لشيعة المرتضی للطبري ج ٢، ص ٩٢، ح ٢٤، ط قم جامعة المدرّسين

٢ ـ راجع إعلام الوری للطبرسي ص ٣٥٥، ودفع المناواة للكركي ص ١٩٠ تحت عنوان (أنّهمعليهم‌السلام جری لهم ما جری لعليّعليه‌السلام ، وجری لعليّ ما جری لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )

٣ ـ ما انفرد به الإمام عليّعليه‌السلام بإمرة المؤمنين، وقد تقدّم أنّه لا يجوز لأحدٍ أن يُلقّب بهذا اللقب حتّی الأئمّةعليهم‌السلام ، وإن كانوا أهلاً لهذا ولهذا صدر منهم ردعٌ وزجرٌ لمن لقّبهم بهذا اللقب

٤ ـ إشارة إلی قوله تعالی في سورة الأحزاب آية(٦) :( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ )

قال عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسيره ج ٢، ص ١٥١ : ( فجعل الله تبارك وتعالی لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله الولاية علی المؤمنين من أنفسهم، وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بغدير خمّ : (يا أيّها الناس ألستُ أولی بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلیٰ ثمّ أوجب لأمير المؤمنين عليه‌السلام

١٣٠

ويُحتمل أن يُراد به السيّد ومالك الرقّ فإنّ الناس كلّهم عبيدٌ لهمعليهم‌السلام ، عبيد طاعة أو رقّ علی الخلاف، وربّما يُقال في الحديث : إنّ المعنیٰ : مَنْ أحبّني وتولّاني فليحبّ عليّاًعليه‌السلام فالمراد يا مَن يحبّ عليّ محبّته ومودّته، ويلزم عليّ موالاته وولايته، ويُحتمل أنْ يُراد به الناصر كما في قوله تعالی :( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ ) (٦) أي يا ناصري في الدُّنيا عند توسّلي إليك في قضاء حوائجي وفي الآخرة عند أحوالها وشدائدها، وعند الموت دفع سكراته عنّي

وكيف كان فهذه المرتبة أي المولويّة مرتبة سامية، ومنزلة سامقة، ودرجة عليّة، ومكانة رفيعة، ومقامة سنيّة جعلها الله لعليّعليه‌السلام اصالةً ولذرّيته وراثةً

وأبو عبدالله كنية الحسينعليه‌السلام (٧) ، والمراد به في الأخبار علی الإطلاق هو جعفر الصادقعليه‌السلام كما لا يخفیٰ علی المتتبّع، ولا كنية للحسينعليه‌السلام سواه علی

ما أوجبه لنفسه عليهم من الولاية، فقال : ألا مَنْ كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، فلمّا جعل الله النبيّ أباً للمؤمنين ألزمه مؤونتهم وتربية أيتامهم، فكذلك ألزم أمير المؤمنينعليه‌السلام ما ألزم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بعد ذلك وبعده الأئمّةعليهم‌السلام واحداً واحداً، والدليل علی أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام هما الوالدان قوله :( وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) فالوالدان رسول الله وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما)

٥ ـ قد ثبت ما للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنين عليّعليه‌السلام إلّا مقام النبوّة

٦ ـ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : ١١

٧ ـ مواليد الأئمّة للسيّد فضل الله الراوندي ص ١١، المطبوع مع كتاب الغيبة للشيخ المفيدقدس‌سره ، وتاريخ ابن الخشّاب ص ١٧٧، ومناقب ابن شهرآشوب ج ٤، ص ٨٦ ومطالب السؤول ج ٢، ص ٥١

١٣١

ما قيل

ولكن ألقابه كثيرة كالرشيد، والطيّب، والوفي، والسيّد، والزكي، والمبارك، والسبط، والتابع لمرضاة الله(١)

والعرب يقصدون بالكنی التعظيم، لأنّ أكثر النفوس يتأنّفون من التصريح بأسمائهم

فلا يشترط أن يكون للمكنّی عنه ولد مسمّیٰ بهذا الاسم، فيجوز أن يكون، ويجوز أن لا يكون، ولكن يظهر من بعض الأخبار أنّه كان للحسينعليه‌السلام ولد صغير مسمّیٰ بعبدالله، والظاهر أنّه هو عليّ الأصغر الذي قُتل في حجره يوم عاشوراء بالسهم المسموم(٢) لعن الله قاتله

وقد يقال : إنّ الحمرة التي ظهرت في السماء كانت من دمه، هذا بحسب ظاهر الأمر، والذي يقتضيه نظر التدقيق أنّ تكنيته بهذه الكنية في عالم الذر، فإنّه لمّا قبل الشهادة التفصيلية الكلّية التي أبیٰ عن حملها غيره كما أشار الله بقوله : ________________________

١ ـ راجع تاريخ ابن الخشّاب ص ١٧٧، ومطالب السؤول ج ٢، ص ٥١، ومواليد الأئمّة للسيّد فضل الله الراوندي ص ١١ ولكنّه زاد علی هذه اثنين (النافع، والدليل علی ذات الله)

٢ ـ رماه بالسهم حرملة بن كاهل الأسدي فذبحه فتلقّی الحسين الدم بكفّه ورمیٰ به نحو السماء قال الإمام الباقرعليه‌السلام : (فلم تسقط من الدم قطرة إلی الأرض)

وللتفصيل راجع مثير الأحزان لابن نما الحلّي المتوفّیٰ (٦٤٥ هـ) ط قم مؤسسة الإمام المهدي، ص ٧٠، ومقتل الحسين للسيّد المقرم ص ٢٧٢، ط : الشريف الرضي، وراجع كتاب مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ج ٢، ص ٦٦ وص ٦٩ ط : أُمّ القریٰ

١٣٢

( فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) (١) أي مظلوماً مجهول القدر انتظم عالم الإمكان واستراح الإنسان بانتظام أمور دينهم ودنياهم، فصار بالنسبة إلی جميعهم بمنزلة الوالد العطوف، والأب الرؤوف، فكلّ ما سوی الله بمنزلة عبد واحد لله وهو أبوه ويمكن أن يُقال : إنّ هذه الكنية من قبيل قولهم فلان أبو الخير إذا كان الخير منه كثير الصدور، وكذلك فلان أبو الحرب، أو أبو الجود، فلمّا كانت العبودية الكاملة التي حقيقتها الخضوع، والذلّة، والإنكسار مظهرها هو الحسينعليه‌السلام سمّي بهذه الكنية فليتأمّل

وربما يُقال : إنّ العبد الحقيقي هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولذا قُدّم علی رسالته في التشهّد(٢) ، والحسينعليه‌السلام كان والده للأمّة بالإضافة التشريفيّة فهو أبو عبداللهعليه‌السلام ، ويؤيّده ما حكي عن تفسير القمّيقدس‌سره في قوله :( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ) (٣) انّ الإنسان(٤) هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والوالدين الحسن والحسينعليهما‌السلام (٥)

________________________

١ ـ الأحزاب : ٧٢، روي الشيخ الكليني في أصول الكافي ج ١، ص ٤١٣، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام في قوله عزّوجلّ :( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ إلی آخر الآية) قال: هي الولاية لأمير المؤمنين

وروی مثله الاسترآبادي في تأويل الآيات ص ٤٦٠

٢ ـ أي قُدِّمت العبودية علی الرسالة في قولك : (أشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله)

٣ ـ الأحقاف : ١٥

٤ ـ في مصدر الرواية (الإحسان) بدل (الإنسان)

٥ ـ تفسير القمّي ج ٢، ص ٢٧٢، بيروت الأعلمي، وإليك تتمّة الرواية : (ثمّ عطف علی الحسينعليه‌السلام فقال : «حملته أُمّه كرهاً ووضعته كرهاً» وذلك أنّ الله أخبر رسول

١٣٣

وكيف كان يندرج في هذا اللقب آثار جميع الألقاب المحمودة، ولذا لم يُكن بكنيةٍ أُخریٰ، وصار فريداً في هذه الكنية بالاصالة، والصادقعليه‌السلام كُني بها تبعاً لما نشر الأحكام، وروّج شريعة سيِّد الأنام، وأرشد الناس إلی فضائل أجداده الكرام صلوات الله عليهم من الآن إلی يوم القيام

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبشّره بالحسينعليه‌السلام قبل حمله وأنّ الإمامة تكون في ولده إلی يوم القيامة، ثمّ أخبره بما يصيبه من القتل والمصيبة في نفسه وولده، ثمّ عوّضه بأن جعل الإمامة في عقبه وأعلمه أنّه يُقتل، ثمّ يردّه إلی الدُّنيا وينصره حتّی يقتل أعداءه ويملّكه الأرض ...)

وللمزيد راجع تأويل الآيات الظاهرة ص ٥٦٢، ط : قم

١٣٤

أَشْهَدُ أَنَّكَ كُنْتَ نُوراً فِي الْأَصْلَابِ الشَّامِخَةِ، وَالْأَرْحَامِ الْمُطَهَّرَةِ، لَمْ تُنَجِّسْكَ الْجَاهِلِيَّةُ بِأَنْجَاسِهَا، وَلَمْ تُلْبِسْكَ مِنْ مُدْلَهِمَّاتِ ثِيَابِهَا

فيه إشارة إلی مقام نورانيّته الذي يجب علی كلّ مؤمن الإقرار به كما قال مولانا عليّعليه‌السلام : (يا سلمان لا يكمل المؤمن إيمانه حتّی يعرفني بالنورانيّة، فإذا عرفني بذلك فهو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، وشرح صدره للإسلام، وصار عارفاً بدينه، ومَن قصّر عن ذلك فهو شاكٌّ مرتاب، يا سلمان ويا جندب : أنّ معرفتي بالنورانية معرفة الله ومعرفة الله معرفتي وهو الدِّين الخالص) إلی أن قال : (كنتُ ومحمّد نوراً نسبّح قبل المسبّحات ونشرق قبل المخلوقات فقسّم الله ذلك النور نصفين : نبيٌّ مصطفیٰ، وعليٌ مرتضیٰ، فقال الله لذلك النصف : كُن محمّداً، وللآخر عليّاً، ولذلك قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا من عليّ وعليّ منّي)(١)

ولا ريب في كونهم أنوار مخلوقة من نور الله كما قال: (وأنتم نور الأنوار وهداة الأخيار)(٢)

________________________

١ ـ هذا مقطع من خطبة الإمام عليّعليه‌السلام المعروفة بالنورانية التي تقدّم ذكرها بالكامل

٢ ـ ظاهراً هذا مقطع من الزيارة الجامعة الشريفة المرويّة عن إمامنا الهاديعليه‌السلام ولكن الشارح رحمه الله تعالی نقله للعبارة ليس نصّاً، وهذا هو نصّ الزيارة : (.. وأنتم نور الأخيار وهُداة الأبرار ...)

١٣٥

والأخبار الواردة في ذلك(١) فوق حدّ الإحصاء وبكونها متواترة صرّح بعض الأذكياء وفي بعضها : (يا محمّد أنّي خلقتك وخلقتُ عليّاًعليه‌السلام وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولده من سنخ نور من نوري، وفرضتُ ولايتكم علی أهل السماوات والأرض، فمَن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومَن جحدها كان عندي من الكافرين)(٢)

وفي بعضها فقال ـ يعني آدم ـ (ياربّ ما هذه الأنوار ؟ فقال : أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلی ظهرك)(٣)

وفي بعضها : (أوّل ما خلق الله نوري أنا من الله والكلّ منّي)(٤)

وفي بعضها : (كنتُ وعليّاً نوراً بين يدي الرحمة قبل أنْ يخلق عرشه)(٥)

وفي بعضها (أنّ الله خلقني وعليّاًعليه‌السلام نوراً واحداً قبل خلق آدم، ثمّ خلق الأشياء من نوري، ونور عليّعليه‌السلام )(٦)

________________________

١ ـ مَن أراد الوقوف علی الروايات التي تتكلّم عن نورانيّة الأئمّةعليهم‌السلام فليراجع الجزء الأوّل من حلية الابرار للسيّد هاشم البحراني ص ٧ في الباب الأوّل

 ـ في المصدر (عرضتُ) بدل (فرضتُ)

٢ ـ بحار الأنوار، ج ٢٧، ص ١٩٩

٣ ـ تقدّم نقل هذه الرواية تفصيلاً، وراجع تأويل الآيات ص ٥١، والبحار ج ٢٦، ص ٣٢٧، ح ١٠، باب توسّل الأنبياء بهم

٤ ـ مشارق أنوار اليقين ص ٦٠ فصل (٢٦) طبع قم الشريف الرضي

 ـ في المصدر (الرحمان) بدل (الرحمة)

٥ ـ الخصال للصدوق ج ٢، ص ٦٤٠، ح ١٦، إرشاد القلوب للديلمي ج ٢، ص ٢١٠، ومشارق الأنوار ص ٦٠ فصل (٢٦)

٦ ـ بحار الأنوار ج ٢٥ ص ٢٤

١٣٦

وفي بعضها : «يا عليّ إنّ الله كان ولا شيء معه فخلقني وخلقك روحين من نور جلاله فكنّا أمام عرش ربّ العالمين نسبّح الله، ونقدّسه، ونحمده، ونهلّله، وذلك قبل أن يخلق السماوات والأرض، فلمّا أراد أن يخلق آدم خلقني وإيّاك من طينة واحدة من طينة عليّين وعجنا بذلك النور وغمسنا في الأنوار»(١)

وفي بعضها عن الباقرعليه‌السلام قال: (يا جابر كان الله ولا شيء غيره، ولا معلوم ولا مجهول، فأوّل ما ابتدأ من خلق خلقه أن خلق محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله وخلقنا معه من نور عظمته، فأوقفنا أظلّة خضراء بين يديه حيث لا سماء ولا أرض ولا مكان ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر يفصل نورنا من نور ربّنا كشعاع الشمس من الشمس)(٢)

وفي الزيارة الجامعة : (خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين)(٣)

والنور هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره، وحقيقة نورانيّتهم غير معلومة لنا لكونها فوق إدراكات من دونهم فلا يعرفهم غيرهم كما قال: (يا عليّ ما عرفني إلّا الله وأنت، وما عرفك إلّا الله وأنا)(٤) ، فلا ندرك من مقامهم هذا سوی الإجمال كما لا ندرك في مقام الحقّ سوی ذلك، وبيانه أنّ العالي محيط بالسافل دون العكس

قوله : في الأصلاب، أي مودعاً مستقرّاً في أصلاب الآباء الموحِّدين، الشرفاء، النُجباء، وأرحام الاُمّهات الموحّدات المطهّرات عن الخنا والسفاح،

________________________

١ ـ بحار الأنوار، ج ٢٥، ص ٣

٢ ـ البحار ج ١٥، ص ٢٣، ح ٤١

٣ ـ راجع شرح هذا المقطع من الزيارة الشريفة : الأنوار اللامعة للسيّد عبدالله شبّرقدس‌سره

٤ ـ مشارق أنوار اليقين ص ٢٠١، ط الشريف الرضي، تأويل الآيات ص ٩٢، ط قم

١٣٧

العفيفات عن الزنا والفساد، والشامخة العالية، يُقال : شمخ بأنفه إذا ارتفع وتكبّر، وفي الفقرة إشارة إلی ما بُرهن عليه في محلّه من أنّ الأئمّةعليهم‌السلام لا يكون آباؤهم وأُمّهاتهم مشركين من آدمعليه‌السلام ولا يُخالط نسبهم فساد وعهرٌ وذمّ(١) ، كيف وهم

________________________

١ ـ لقد تقدّمت الإشارة منّا إلی أنّ آباء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا موحِّدين وذكرنا بعض الروايات، والآن نذكر قسماً آخر

قالت الشيعة الإمامية ـ وقولهم الحقّ ـ : بإيمان آباء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلی آدم بالرغم من أنّ بعضهم لم يُعلن الإسلام لظروف خاصّة به (راجع البحار ج ١٥، ص ١١٧)

وأعلن أبو حيّان الأندلسي : (ذهبت الرافضة إلی أنّ آباء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا مؤمنين) راجع تفسير البحر المحيط ج ٧، ص ٤٧

وحاول غير الإمامية إعلان كفر آباء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا بغضاً منهم

ومن دلائل إيمان أجداد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّ عبد المطّلب كان يأمر أولاده بترك الظلم والبغي ويحثّهم علی مكارم الأخلاق وينهاهم عن دنيئات الأمور، وكان يقول: لن يخرج من الدُّنيا ظلوم حتی يُنتقم منه وتصيبه عقوبة إلی أن هلك رجل ظلوم من أهل الشام لم تصبه عقوبة فقيل لعبد المطّلب في ذلك فقال : والله إنّ وراء هذه الدار داراً أُخری يُجزیٰ فيها المحسن بإحسانه ويُعاقب المسيء بإساءته، أي أنّ العقوبة معدّة له في الآخرة

ورفض عبادة الأصنام ووحّد الله تعالی وتؤثر عنه سنن جاء القرآن بأكثرها، وجاءت السنّة بها، منها الوفاء بالنذر، والمنع من نكاح المحارم، وقطع يد السارق، والنهي عن قتل الموءودة، وتحريم الخمر والزنا، وأن لا يطوف بالبيت عريان، وهذا أفضل دليل علی إيمان آباء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وردّ شبهات المنافقين

وجاء في كتاب البحار ج ١٥، ص ١١٧ : (إعتقادنا في آباء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّهم مسلمون من آدم إلی أبيه عبدالله، وأنّ أبا طالب كان مسلماً، وآمنة بنت وهب كانت مسلمة،

١٣٨

ذرّية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته ولا شكّ في طهارة عنصره وطيب مولده من لدن آدم إلی أبيه

قال الصادقعليه‌السلام : انتخب لهم أحبّ أنبيائه إليه محمّد بن عبداللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حومة العزّ مولده، وفي دومة الكرم محتده إلی أن قال: تبشّر به كلّ أُمّةٍ من بعدها، ويدفعه كلّ أبٍ إلی أب من ظهرٍ إلی ظهر، لم يخلطه في عنصره سفاح ولا ينجسه في ولادته نكاح من لدن آدم إلی أبيه عبداللهعليه‌السلام في خير فرقة وأكرم سبط وأمنع رهط وأكلأ حمل، وأودع حجر اصطفاه الله وارتضاه، واجتباه)(١)

وفي بعض كتب العامّة : روی أنّه لـمّا أهبطه الله إلی ظهر آدم أهبطه إلی أرضه المكينة، وحمله مع نوح في السفينة وقذف به نار نمرود في صلب خليله المعروف بالكرم والجود ولم يزل ينقله في الأصلاب الكريمة الفاخرة إلی الأرحام الزكية الطاهرة حتّی أخرجه من بين أبويه للهدی والإصلاح لم يلتقيا قطّ

واتّفقت الإمامية علی أنّ والدي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وكلّ أجداده إلی آدمعليه‌السلام كانوا مسلمين، بل كانوا من الصدِّيقين، وقال فخر الدِّين الرازي : إنّ قوله تعالی :( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) وجب أن لا يكون أحد من أجدادهصلى‌الله‌عليه‌وآله مشركاً)

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ما افترق الناس فرقتين إلّا جعلني الله في خيرهما فأخرجتُ من بين أبوي فلم يصبني شيء من عهر الجاهلية وخرجتُ من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتّی انتهيت إلی أبي وأُمّي، فأنا خيركم نسباً وخيركم أباً) راجع مختصر تاريخ دمشق ج ١، ص ٣٤٩

هذا صريح بأنّ آباءهصلى‌الله‌عليه‌وآله طاهرين ولم يدنسوا بأيّ دنسٍ جاهلي

وللتفصيل راجع طبقات ابن سعد الجزء الأوّل ذكر نسب النبيّ وآباءه وأُمّهاته بشكلٍ جيّد وموسّع

١ ـ الكافي ج ١ ص ٤٤٤ ؛ والبحار ج ١٦ ص ٣٦٩

١٣٩

علی سفاح

تنقلتُ في أصلاب قومٍ أعزّةٍ

بكَ اجتمعوا في كلِّ وادٍ ومحفلِ

وأشرقت الأنوار في كلّ بقعةٍ

وفاح الشذا في كلّ وادٍ ومنزلِ

وأضحی لسان الحال ينشد برهةً

تنقل فلذات الهویٰ في التنقلِ

وفي بعض الأخبار فرسول الله أوّل مَن عبد الله، وأوّل مَن أنكر أن يكون له ولد أو شريك، ثمّ نحن بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ أودعنا بذلك صلب آدم فما زال ذلك النور ينتقل من الأصلاب والأرحام من صلبٍ إلی صلب، ولا استقرّ في صلب إلّا تبيّن عن الذين انتقل منه شرف الذي استقرّ فيه حتی صار في عبد المطّلب فوقع بأمِّ عبدالله فافترق النور جزئين : جزء في عبدالله، وجزء في أبي طالب، وذلك قوله :( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) (١) يعني في أصلاب النبيّينعليهم‌السلام وأرحام نسائهم(٢)

وفي بعضها عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (خلقني الله وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف عام ثمّ نقلنا إلی صلب آدم ثمّ نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرين إلی أرحام الطاهرات)(٣)

وقوله : «لم تُنجسك» صفة ثانية لـ (نوراً) أو حال منه لمكان التخصيص، وأُقيم الحاضر مقام الغائب العائد إلی الموصوف، أو ذي الحال فيكون من قبيل قوله : (أنا الذي سمّتني)(٤)

________________________

١ ـ الشعراء : ٢١٩

٢ ـ بحار الأنوار، ج ٢٥، ص ٢٠

٣ ـ بحار الأنوار، ج ٣٦، ص ٣٠١

٤ ـ تذكرة الخواص ص ١٥، ط الشريف الرضي قم

١٤٠