جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث0%

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-94216-1-0
الصفحات: 195

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله حبيب الله الشريف الكاشانيّ (قدس سره)
تصنيف: ISBN: 964-94216-1-0
الصفحات: 195
المشاهدات: 23432
تحميل: 4138

توضيحات:

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 195 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 23432 / تحميل: 4138
الحجم الحجم الحجم
جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

مؤلف:
ISBN: 964-94216-1-0
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والجاهلية علی ما في المجمع : الحالة التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من جهل بالله ورسوله، وشرائع الدِّين والمفاخرة بالآباء، والأنساب، والكبرة، والتجبر وغير ذلك، ومنه الحديث إذا رأيتم الشيخ يُحدّث يوم الجمعة بأحاديث الجاهلية فارموا رأسه بالحصیٰ، وقولهم : كان ذلك في الجاهلية الجهلاء، وهو توكيد للأوّل يشتقّ له من اسمه ما يؤكّده به(١) وأنجاس الجاهلية عبارة عن تلك الأحوال المخالفة للشرع المذمومة عند الشارع فالإضافة بيانيّة

والأنجاس جمع النجس بفتحتين وهو القذر(٢)

والمراد أنّه لم تتلوّث أذيال عصمته بأرجس الكفر وأنجاس المعاصي، المدلهمّات : المظلمات يُقال : ادلهمَّ الليل كاقشعر : أظلم، وليلة مدلهمة أي مظلمة، و (مِن) تبعيضيّة، والجار والمجرور في محلّ النصب، ليكون مفعولاً ثانياً لتلبسك، من ألبستُ زيداً جبّةً، وثياب الجاهلية عبارة عن الأخلاق والحالات الناشئة من الكفر والضلالة وفهي في مقابلة لباس التقویٰ المشار إليه بقوله تعالی :( وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ) (٣) ففي الكلام استعارة مكنية وترشيحيّة(٤) ، والمراد أنّ الله ألبسه حُلل العلم والمعرفة والسخاوة، والعلم

________________________

١ ـ مجمع البحرين ج ٥ ص ٣٤٦

٢ ـ المصباح المنير للفيومي ص ٥٩٤

٣ ـ الأعراف : ٢٦

٤ ـ الاستعارة تنقسم إلی عدّة أقسام منها :

الاستعارة المكنية : وهي ما حُذِفَ فيها المشبَّه به ورُمِزَ له بشيءٍ من لوازمه مثل قوله تعالی : ( وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ) شبّه الرأس بالوقود ثمّ حذف المشبه به، ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو (اشتعل)

١٤١

وسائر الأخلاق الحميدة، والصفات الربّانية، فلم تلبسه الجاهلية لباس الجهل والضلالة، فإنّ الجهالات، والضلالات ظلمات بعضها فوق بعض، وهوعليه‌السلام نورٌ علی نور، ونورٌ فوق كلّ نور، وهو نور الأنوار، والهادي للأخيار، وحجّة الجبّار، وكهف الأبرار

قال الرضاعليه‌السلام : (الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي في الأُفق بحيث لا تناله الأيدي والأبصار، الإمام البدر المنير والسراج الظاهر(١) ، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجیٰ، والبلد(٢) القفار، ولجج البحار، الإمام الماء العذب علی الضماء، والدالّ علی الهدی، والمُنجي من الردیٰ إلی أن قال: الإمام المطهّر من الذنوب، المبرء من العيوب، مخصوص بالعلم موسوم بالحلم)(٣)

والاستعارة الترشيحيّة : وهي ما ذُكِر معها ملائم المشبَّه به

وللوقوف تفصيلاً علی الاستعارة وأقسامها، والتشبيه وأنواعه راجع كتب البلاغة مثل جواهر البلاغة، البلاغة الواضحة، دروس في البلاغة وغيرها

١ ـ في المصدر (الزاهر) بدل (الظاهر)

٢ ـ في المصدر (والبيد) بدل (البلد)

٣ ـ أخرج هذه الرواية الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ج ١، ص ١٩٥ في وصف الإمامة والإمامعليه‌السلام وهي رواية طويلة ونحن نذكر بعضاً منها : قال (... والإمام يحلُّ حلال الله، ويحرّم حرام الله، ويُقيم حدود الله، ويذبّ عن دين الله ويدعو إلی سبيل ربِّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجّة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي بلأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار، الإمام البدر المنير والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجیٰ والبيد القفار

١٤٢

وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون(١)

ولجج البحار، الإمام الماء العذب علی الضماء، والدالّ علی الهدیٰ والنجي من الردیٰ، الإمام النار علی اليفاع ـ يعني ما ارتفع من الأرض ـ الحار لمن اصطلیٰ به، والدليل في المهالك مَن فارقة فهالك، الإمام السحاب الماطر، والغيث الهاطل، والشمس المضيئة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة، الإمام الأمين الرفيق، والوالد الرقيق، والأخ الشفيق، ومفزع العباد في الداهية، الإمام أمين الله في أرضه وحجّته علی عباده وخليفته في بلاده، الداعي إلی الله والذابّ عن حرم الله، الإمام المطهّر من الذنوب المبرأ من العيوب مخصوص بالعلم مرسوم بالحلم، نظام الدِّين، وعزّ المسلمين، وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين، الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحدٌ ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفعل كلّه من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهّاب، فمَن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره ؟ هيهات هيهات ! ضلّت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وحسرت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيّرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء، وكلّت الشعراء، وعجزت الاُدباء وعييت البلغاء عن وصف شأنٍ من شأنه أو فضيلة من فضائله فأقرّت بالعجز والتقصير وكيف يُوصف له أو يُنعت بكنهه أو يُفهم شيء من أمره أو يوجد مَن يُقام مقامه ويُغني غناه، لا كيف وأنّیٰ وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا ؟ وأين العقول عن هذا ؟ وأين يوجد مثل هذا ؟ أضنوا أن يوجد ذلك في غير آل محمّد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ...)

فمن أراد المزيد فليراجع المصدر

١ ـ عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٦٥، ح ٣٠، ط : قم الشريف الرضي

١٤٣

وَأَشْهَدُ أَنَّكَ مِنْ دَعَائِمِ الدِّينِ، وَأَرْكَانِ الْمُؤْمِنِينَ

الدعائم جمع الدعامة بكسر الدال، وهي عماد البيت الذي يقوم عليه(١) ، وكثيراً ما يُستعار لكلّ ما لا يتمّ شيء إلّا به، وكلّ ما يتوقّف عليه شيء بعلاقة المشابهة، فإنّ البيت لا يستحكم بناءه إلّا بالدعامة والأساس، ومنه قولهعليه‌السلام : (لكلّ شيءٍ دعامة، ودعامة الإسلام الشيعة)(٢) ، وقولهعليه‌السلام : (دعامة الإنسان العقل)(٣) لتوقّف تحقّق الإنسانية علی العقل، والمراد بالدين هو الإسلام لقوله تعالی :( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ ) (٤) ، قوله :( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ) (٥) و (مِن) تبعيضية أي من جملة الأئمّة الذين هم دعائم الدِّين والأركان جمع ركن، وهو لغةً جانب البيت، وكثيراً يُستعمل في معنی الاسطوانة والدعامة فيستعار أيضاً فيما أشرنا إليه

وفي الكلام إشارة إلی أنّ الدِّين لا يكمل إلّا بولاية الإمام، والإيمان لا يتحقّق إلّا بمحبّة ذرّية سيّد الأنام، وقد تواترت بذلك الأخبار من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته المعصومين الكرام، ففي بعضها عن الرضاعليه‌السلام : (أنّ الإمامة زمام الدِّين

________________________

١ ـ راجع المنجد في اللغة ص ٢١٦ مادّة (دعا) وقال : (دِعَامَةُ القوم : سيّدهم) وقال الفيومي في المصباح المنير ص ١٩٤ : (الدِعامَةُ بالكسر ما يُستندُ به الحائط إذا مالَ يمنعُهُ السقوط)

٢ ـ الكافي ج ٨ ص ٢١٢

٣ ـ الكافي ج ١ ص ٢٥

٤ ـ آل عمران : ١٩

٥ ـ آل عمران : ٨٥ وذيل الآية( وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )

١٤٤

ونظام المسلمين، وصلاح الدُّنيا وعزّ المؤمنين، أنّ الإمامة أسّ الإسلام النامي وضرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام)(١)

وفي بعضها يامحمّد : (لو أنّ عبداً عبدني حتّی ينقطع ويصير كالشن البالي ثمّ أتاني جاحداً لولايتهم لم أدخله جنّتي ولا أظلّه تحت عرشي)(٢)

وفي بعضها : (دعائم الإسلام خمس : الصلاة، والصوم، والزكاة، والحجّ، والولاية)(٣)

وفي بعضها : (بُنيَ الإسلام علی خمس إلی قوله : ولم ينادِ بشيءٍ كما نودي بالولاية)(٤)

وفي بعضها : عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قلتُ : أصلحك الله أيّ شيءٍ إذا عملته استكملتُ حقيقة الإيمان ؟

قال : (توالي أولياء الله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ بن الحسينعليهم‌السلام ثمّ انتهی الأمر إلينا ثمّ ابني جعفر وأومأ إلی جعفر وهو جالس

________________________

١ ـ هذا مقطع من الرواية السابقة التي أخرجها الصدوققدس‌سره في العيون ج ١، ص ١٩٥ في وصف الإمامعليه‌السلام وهذا المقطع في وصف الإمامة، فراجع

٢ ـ بحار الأنوار، ج ٨، ص ٣٥٧، باب ٢٧

٣ ـ الكافي ج ٢ ص ١٥ باب دعائم الإسلام وروی الصدوق في الخصال ج ١، ص ٢٧٨ عن الباقرعليه‌السلام قال: (بُني الإسلام علی خمسة دعائم : إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحجّ البيت الحرام والولاية لنا أهل البيت)

ورواه المفيد في أماليه ص ٣٥٣، والطبري في بشارة المصطفیٰ ص ١١٧ ج ٢، ح ٥٨

٤ ـ أصول الكافي ج ٢، ص ١٥، باب (دعائم الإسلام) ح ٣

١٤٥

فمَن والی هؤلاء فقد والی أولياء الله، وكان مع الصادقين كما أمره الله)(١)

وفي بعضها : (هل الدِّين إلّا الحبّ)(٢)

وفي بعضها عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في كلامه لعليّعليه‌السلام : (لو أنّ عبداً عبد الله ألف عام ما قبل الله ذلك منه إلّا بولايتك وولاية الأئمّة من ولدك وأنّ ولايتك لا يقبلها

________________________

١ ـ إليك نصّ الرواية الشريفة في البحار ج ٢٧، ص ٥٧، ح ١٦، عن أبي حمزة الثمالي قال : قال أبو جعفرعليه‌السلام : (يا أبا حمزة إنّما يعبد الله مَنْ عرف الله وأمّا مَن لا يعرف الله كأنّما يعبد غيره هكذا ضلالاً

قلتُ : أصلحك الله وما معرفة الله ؟

قال : يُصدّق الله ويُصدّق محمّداً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في موالاة عليّ والايتمام به وبأئمّة الهدیٰ من بعده، والبراءة إلی الله من عدوّهم وكذلك عرفان الله

قال : قلتُ : أصلحك الله أيّ شيءٍ إذا عملته أنا، استكملت حقيقة الإيمان ؟

قال : توالي أولياء الله وتعادي أعداء الله وتكون مع الصادقين كما أمرك الله

قال : قلتُ : ومَنْ أولياء الله ؟

فقال : أولياء الله محمّد رسوله وعليّ والحسن والحسين وعلي بن الحسين ثمّ انتهی الأمر إلينا ثمّ ابني جعفر، وأومأ إلی جعفر وهو جالس، فمن والی هؤلاء فقد والی أولياء الله وكان مع الصادقين كما أمره الله قلتُ : ومَن أعداء الله، أصلحك الله ؟

قال : الأوثان الأربعة قلتُ : مَن هم ؟ قال: أبو الفصيل، ورمع، ونعثل، ومعاوية، ومَن دان دينهم، فمَن عادیٰ هؤلاء فقد عادی أعداء الله)

قال العلّامة المجلسي في بيان هذه الرواية : (أبو الفصيل أبو بكر لأنّ الفصيل والبكر متقاربان في المعنیٰ، ورمع مقلوب عمر، ونعثل عثمان كما صرّح به في كتب اللغة)

٢ ـ الكافي ج ٨ ص ٧٩

١٤٦

الله إلّا بالبراءة من أعدائك وأعداء الأئمّة من ولدك)(١)

وفي الزيارة الجامعة : (... سَعَدَ مَن والاكم، وهَلَكَ مَن عاداكم، وخاب مَن جحدكم(٢) ، وضلَّ مَن فارقكم، وفازَ مَن تمسّك بكم، وأمِنَ مَن لجأ إليكم، وسَلِمَ مَن صدّقكم، وهُدِيَ مَن اعتصم بكم، مَن اتّبعكم فالجنّةُ مأواه، ومَن خالفكم فالنار مثواه)(٣)

________________________

١ ـ روی العلّامة المجلسيقدس‌سره في البحار ج ٢٧، ص ٦٣، ح ٢٢، عن سليمان الأعمش، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي أنت أمير المؤمنين، وإمام المتّقين

يا علي أنت سيّد الوصيّين، ووارث علم النبيِّين، وخير الصدِّيقين، وأفضل السابقين

يا عليّ أنت زوج سيّدة نساء العالمين، وخليفة خير المرسلين

يا عليّ أنت مولی المؤمنين، والحجّة بعدي علی الناس أجمعين، استوجب الجنّة مَن تولّاك، واستوجب دخول النار مَن عاداك

يا عليّ والذي بعثني بالنبوّة، واصطفاني علی جميع البريّة، لو أنّ عبداً عَبدَ الله ألف عام ما قبل ذلك منه إلّا بولايتك وولاية الأئمّة من ولدك، وإنّ ولايتك لا تُقبل إلّا بالبراءة من أعدائك، وأعداء الأئمّة من ولدك بذلك أخبرني جبرئيلعليه‌السلام : ( فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )

٢ ـ أي لم يؤمن بإمامتكم، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلّا بمعرفة حقّنا) راجع إسعاف الراغبين ص ١٢٢، ط بيروت

٣ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ (لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلّا أدخله الله النار) المصدر نفسه

١٤٧

وَأَشْهَدُ أَنَّكَ الْإِمَامُ الْبَرُّ التَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ الْهَادِي الْمَهْدِيُّ

شهادة له بالإمامة التي هي عهدُ الله الذي لا يناله الظالمين كما قال:( وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) ، فهي الرياسة العامّة من الله علی عباده، والخلافة والنيابة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله علی أُمّته

قال الرضاعليه‌السلام : (إنّ الإمامة خصَّ الله بها إبراهيم الخليلعليه‌السلام بعد النبوّة، والخلّة مرتبة ثالثة، وفضيلة شرّفه بها، وأشاد بها ذكره فقال :( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) ، فقال الخليل سروراً بها :( وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٢) فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلی يوم القيامة، وصارت في الصفوة، ثمّ أكرمه الله عزّوجلّ بأنْ جعلها في ذريّته أهل الصفوة والطهارة، فقال عزّوجلّ :( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (٣) فلم تزل في ذرّيته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتّی ورثها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال الله عزّوجلّ :( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّـهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) (٤) فكانت له خاصّة فقلّدهاصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً

________________________

 ـ هذه الفقرة غير موجودة في المصباح

١ ـ البقرة : ١٢٤

٢ ـ البقرة : ١٢٤

٣ ـ الأنبياء : ٧٢ و ٧٣

٤ ـ آل عمران : ٦٨

١٤٨

بأمر الله عزّوجلّ علی رسم ما فرضها الله عزّوجلّ :( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ ) (١) فهي في ولد عليّعليه‌السلام خاصّة إلی يوم القيامة إذ لا نبيّ بعد محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فمِن أين يختار هؤلاء الجهّال ؟ إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء، إنّ الإمامة خلافة الله عزّوجلّ وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسينعليهما‌السلام )(٢)

وهذا المقام ثابت لهعليه‌السلام بقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله المروي من طرقنا وطرق المخالفين : (إمامان قاما أو قعدا)(٣) ، وغير ذلك ممّا تواتر روايته في كتب الفريقين

ووصف الإمام بالبرّ بالفتح وهو البار العطوف المحسن، لأنّه كما يُطلق علی القدوة للناس المنصوب من قبل الله المفترض الطاعة علی العباد كذلك قد يُطلق علی الداعي إلی الباطل الذي يقتدي به الجاهل، كما في قول الصادق لـمّا سُئل عن الشيخين : (إمامان عادلان قاسطان كانا علی الحقّ ورحمة الله عليهما)(٤) ،

________________________

١ ـ الروم : ٥٦

٢ ـ راجع عيون أخبار الرضا ج ١، ص ١٩٦، باب ٢٠، ط ؛ قم الشريف الرضي

٣ ـ روضة الواعظين لابن فتّال النيسابوري ج ١، ص ١٥٦ ط : الشريف الرضي قم، وإعلام الوری للطبرسي ص ٢١٥، ط : دار الكتب الإسلامية طهران

٤ ـ روی المحقّق الكركي في نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت ص ١٢٨ عن ابن شهرآشوب في كتاب المثالب (إنّ الصادقعليه‌السلام سُئِل عن أبي بكر وعمر فقال : كانا إمامين قاسطين كانا علی الحقّ وماتا عليه فرحمة الله عليهما يوم القيامة فلمّا خلی المجلس قال له بعض أصحابنا : كيف قلتَ يابن رسول الله ؟ فقال : نعم ؛ أمّا قولي كانا إمامين فهو مأخوذ من قوله تعالی :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) ، وأمّا قولي عادلين فهو مأخوذ من قوله تعالىٰ :( ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ

١٤٩

وربما يُطلق علی الأعمّ كما قال تعالی :( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) (١)

والتقي والمتّقي هو الذي يخاف الله ويخشاه بالغيب، ويجتنب المعاصي ويتوقّی المحرمات من التقوی، والإتّقاء هو الامتناع من الردیٰ باجتناب ما يدعو إليه الهویٰ، ويقال : وقاه يقيه إذا حفظه وعصمه، والرضیٰ هو المرضي الذي ارتضاه الله من خلقه لإرشاد عباده، أو الذي رضی الله في سماءه، والرسول في أرضه، أو بمعنی الراضي وهو الذي لا يسخط بما قدر عليه، والزكي الطاهر من الأخلاق الذميمة، والصفات الرذيلة من قولهم زكیٰ عمله إذا طهُرَ، ومنه قوله :( أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً ) (٢) أي طاهرة لم تجن ما يوجب قتلها، وهذا اللقب إذا أُطلِقَ فالمراد به هو الحسن بن عليّعليهما‌السلام (٣) ، والهادي هو الدليل علی الحقّ، والمرشد إلی سبيل الرشد، قال الله :( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٤) ، وهذا اللقب عند

يَعْدِلُونَ ) ، وأمّا قولي : كانا علی الحقّ فالحقّ عليعليه‌السلام ، وقولي ماتا عليه فالمراد به أنّهما لم يتوبا عن تظاهرهما عليه بل ماتا علی ظلمهما إيّاه، وأمّا قولي : فرحمة الله عليهما يوم القيامة فالمراد به أنّ رسول الله ينتصف له منهما أخذاً من قوله تعالی :( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )

١ ـ الإسراء : ٧١

٢ ـ الكهف : ٧٤

٣ ـ ابن طلحة الشافعي في كتابه مطالب السؤول ج ٢، ص ٥١ اعتبر الزكي من ألقاب الإمام الحسينعليه‌السلام ولم يعتبره من ألقاب الإمام الحسينعليه‌السلام

٤ ـ الرعد : ٧، روی السيوطي في الدر المنثور ج ٤، ص ٤٥، ط : مصر، عن ابن مردويه عن أبي بُرزة الأسلمي : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ) ووضع يده علی صدر نفسه، ثمّ وضعها علیٰ صدر عليّ ويقول :( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ )

١٥٠

الإطلاق ينصرف إلی عليّ بن محمّد الجوادعليه‌السلام (١) ، والمهدي هو الذي هداه الله إلی معارج القرب، وأرشده إلی بساط الجذب، وعرّفه المعارف اللاهوتية، وعلّمه الأسرار الجبروتية ولا يكون الشخص هادياً حتّی يكون مهدياً مهتدياً، ففي الكلام تقديم وتأخير كما في قوله : واجعله هادياً مهدياً، فتأمّل وهذا اللقب إذا أُطلق فالمراد به القائم من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله المبشّر بمجيئه في آخر الزمان ـ أللّهم عجِّل فرجه ـ ولا ريب أنّ كلّ إمام من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله هادٍ يهدي العباد إلی طريق الرشاد

قال الباقرعليه‌السلام في قوله تعالی :( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٢) : إنّ رسول الله المنذر، وفي كلّ زمان منّا هادٍ يهديهم إلی ما جاء به نبيّ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ الهداة من بعد عليّ ثمّ الأوصياء واحداً بعد واحد)(٣)

وقال الصادقعليه‌السلام : (في هذه الآية كلّ إمام هادٍ للقرآن الذي هو فيهم)(٤)

وروی القمّي في تفسيره ج ١، ص ٢٦٠، ط : بيروت عن الإمام الصادقعليه‌السلام : قال: المنذر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والهادي أمير المؤمنينعليه‌السلام وبعده الأئمّةعليهم‌السلام وهو قوله :( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) أي في كلّ زمان إمام هادٍ مبين

وراجع مجمع البيان للطبرسي ج ٦، ص ٢٧٨، وتأويل الآيات ص ٢٣٦

١ ـ المشهور هذا ولكن السيّد فضل الله الراوندي في مواليد الأئمّة ص ١١ لم يجعل الهادي من ألقاب الإمام علي بن محمّد الجوادعليه‌السلام ، وإنّما جعل هذا اللقب للإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف)

٢ ـ الرعد : ٧

٣ ـ الكافي ج ١، ص ١٩١

٤ ـ راجع فضائل أمير المؤمنين لابن عقدة الكوفي المتوفیٰ ٣٣٢ هـ ص ١٩٥، ح ١٩٦، ط قم ١٤٢١ هـ

١٥١

وعن أبي بصير عنهعليه‌السلام قال: قلتُ له :( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (١) فقال : رسول الله المنذر وعليّعليه‌السلام الهادي يا أبا محمّد فهل منّا هادٍ اليوم ؟ قلت : بلیٰ جُعلت فداك ما زال فيكم هادٍ من بعد هاد حتّی رُفِعت إليكَ

فقال : رحمك الله يا أبا محمّد لو كانت إذا نزلت آية علی رجل ماتَ ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب ولكنّه حيٌّ جریٰ فيمن بقیٰ كما جریٰ فيمن مضیٰ)(٢)

________________________

١ ـ الرعد : ٧

٢ ـ الكافي ج ١، ص ١٩٢

١٥٢

وَأَشْهَدُ أَنَّ الْأَئِّمَةَ مِنْ وُلْدِكَ كَلِمَةُ التَّقْوىٰ، وَأَعْلَامُ الْهُدىٰ، وَالْعُروَةُ الْوُثْقىٰ، [ وَالْحُجَّةُ عَلىٰ أَهْلِ الدُّنْيَا ]

هذا الكلام يُحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون قوله : (من ولدك) في محلّ الخبر فيكون كلمة التقویٰ خبراً بعد خبر، أو لمحذوف أي ؛ وهم كلمةُ التقویٰ، أو مفعولاً لفعل المدح المحذوف، ففيه إشارة إلی ما ورد في جملة من الأخبار من الله عوّض الحسينعليه‌السلام من شهادته أنّ الأئمّة من ولده، والشفاء في تربته، وإجابة الدُّعاء تحت قبّته(١)

قال الباقرعليه‌السلام : (نحن اثنا عشر إماماً منهم الحسن والحسين ثمّ الأئمّة من ولد الحسينعليه‌السلام )(٢)

وعن سلمان الفارسي قال: (دخلتُ علی النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا الحسين علی فخذيه وهو يُقبّل عينه، ويلثم فاه، ويقول : أنت سيّد ابن سيّد، أنت إمام ابن إمام، أنت حجّة ابن حجّة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم)(٣)

وثانيهما : أن يكون في محلّ الحال فالخبر هو كلمة التقویٰ، وهذا أيضاً لا يُنافي ما تقدّم من كون الأئمّةعليهم‌السلام من صلب الحسينعليه‌السلام خاصّة

وفي المجمع وقد سُئِلَعليه‌السلام عن قوله تعالی :( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي ________________________

 ـ بين المعقوفتين غير موجودة في المصباح

١ ـ عدة الداعي لابن فهد الحلي ص ٥٧ القسم الثاني ما يرجع إلی المكان

٢ ـ الكافي ج ١ ص ٥٣٣ باب ما جاء في الأئمة الاثني عشر والنص عليهم

٣ ـ مقتل الحسين للخوارزمي ج ١، ص ١٤٦

١٥٣

عَقِبِهِ ) (١) قال: يعني بذلك الإمامة جعلها الله في عقب الحسينعليه‌السلام إلی يوم القيامة وليس لأحد أن يقول: لِمَ جعلها الله في صلب الحسينعليه‌السلام دون الحسنعليه‌السلام ، لأنّه هو الحكيم في أفعاله( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) (٢)

والمراد بكلمة التقویٰ يُحتمل وجوهاً :

منها : إنّها الإيمان فكونهم كلمة التقوی، لكون ولايتهم مشروطة في تحقّقه كما قال: (وبموالاتكم تمّت الكلمة وعظمت النعمة)(٣)

ومنها : إنّه كلمةُ لا إله إلّا الله محمّد رسول الله، ولا شكّ أنّ ترتّب الآثار علی هذه الكلمة موقوف علی الإقرار بإمامتهم، والإذعان بولايتهم فهذا جارٍ مجریٰ

________________________

١ ـ الزخرف : ٢٨

٢ ـ هذه الرواية لم نعثر عليها في مجمع البيان للطبرسي في تفسير هذه الآية ولكن أخرجناها من معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص ١٣١ ح ١، ط : بيروت الأعلمي ١٤١٠ هـ وكتاب تأويل الآيات ص ٥٤١، وإليك نصّها :

(عن المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : يابن رسول الله أخبرني عن قول الله :( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) قال: يعني بذلك الإمامة، وجعلها الله في عقب الحسين إلی يوم القيامة، فقلت : يابن رسول الله أخبرني كيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون الحسن وهما ولدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبطاه وسيّدا شباب أهل الجنّة ؟

فقال : يا مفضّل إنّ موسی وهارون نبيّان مرسلان اخوان فجعل الله النبوّة في صلب هارون دون صلب موسیٰ ولم يكن لأحد أن يقول: لِمَ فعل الله ذلك، وكذلك الإمامة وهي خلافة الله عزّوجلّ وليس لأحد أن يقول: لِمَ جعلها في صلب الحسين دون صلب الحسن، لأنّ الله عزّوجلّ حكيم في أفعاله :( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) والآية في سورة الأنبياء : ٢٣

٣ ـ هذا مقطع من الزيارة الجامعة الشريفة، فراجع شرح هذه الفقرة في الأنوار اللامعة للسيّد عبدالله شبّرقدس‌سره ص ١٨٧ ط : قم الأمين

١٥٤

قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : (أنا صلاة المؤمنين، وصيامهم، وزكاتهم، وحجّهم)(١) ، يعني أنّ هذه الأعمال لا تُقبل ولا تصحّ إلّا بولايتي(٢) ، وحديث الرضاعليه‌السلام في نيسابور معروف وفي آخره (لا إله إلّا الله حصني ومَن دخله أمن من عذابي فقالوا : حسبنا يابن رسول الله، فلمّا رجعوا قال لهم : لكن بشروطها وأنا من شروطها)(٣)

ومنها : إنّه العهد الذي عهده الله في عليّعليه‌السلام وذرّيته، وفي الحديث في معنى كلمة التقوی عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (إنّ الله عهد إليَّ في عليّعليه‌السلام عهداً، قلتُ : ياربّ بيّنه لي قال: استمع قلتُ : سمعت، قال: إنّ عليّاًعليه‌السلام راية الهُدی وإمام أوليائي ونور مَن أطاعني وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين، مَن أحبّه أحبّني، ومَن أطاعه أطاعني)(٤)

________________________

١ ـ تقدّم ذكر هذه الخطبة كاملاً التي رواها البرسي في مشارق أنوار اليقين

٢ ـ روی الطبري في بشارة المصطفی ص ١١٧ ج ٢، ح ٦٤ عن أبي حمزة الثمالي قال: «قال لنا عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام : أي البقاع أفضل ؟ فقلتُ : الله ورسوله وابن رسوله أعلم، فقالعليه‌السلام : إنّ أفضل البقاع ما بين الركن والمقام، ولو أنّ رجلاً عمّر ما عمّر نوح في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً، يصوم النهار، ويقوم الليل في ذلك الموضع، ثمّ لقي الله عزّوجلّ بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئاً»

وروی الشيخ المفيد في أماليه ص ١١٥ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (يا أبا الجارود أما ترضون أن تصلّوا فيقبل منكم، وتصوموا فيقبل منكم، وتحجّوا فيقبل منكم، والله أنّه ليصلّي غيركم فما يُقبل منه، ويصوم غيركم فما يُقبل منه، ويحجّ غيركم فما يُقبل منه)

٣ ـ راجع التوحيد للشيخ الصدوق باب ثواب الموحّدين : ص ٢٥، ح ٢٣

٤ ـ أخرجها الصدوق في معاني الأخبار ص ١٢٦، ح ١، ط بيروت الأعلمي

١٥٥

ومنها : أنّها الدعوة إلی الإسلام كما قال: (وكلمةُ ربّك العليا)(١) فهم كلمة التقوی لكونهم الدُّعاة إلی شرائع الإسلام وجوامع الأحكام

ومنها : أنّها الحجّة كما في قوله تعالی :( وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ) (٢) أي بحججه فإنّهم حجج الله علی الخلق وللمتّقين من عباده، قال عليّعليه‌السلام : (إنّ الله واحد تفرّد في وحدانيّته، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت نوراً ثمّ خلق من ذلك النور محمّداً وخلقني وذرّيتي، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت روحاً فأسكن الله في ذلك النور وأسكنه في أبداننا فنحن روح الله وكلمته، فبنا احتجَّ علی خلقه فما زلنا في ظلّةٍ خضراء)(٣)

ومنها : إنّها الخلق البديع ما يُقال لعيسیٰعليه‌السلام أنّه كلمة الله، لأنّه وجد بأمره من دون أب فشابه البدعيات، فهمعليهم‌السلام لما عليهم من الصفات الإلهية، وفيهم من العجائب الربّانية مشابهون للبدعيات، فهم كلمات الله التامّات خلقهم الله لإرشاد المتّقين إلی طرق التقوی والصلاح وهدايتهم إلی سبيل الفلاح والنجاح، وكيف كان فلعلَّ الوجه في توحيد الكلمة أنّهمعليهم‌السلام نور واحد، ونفسٍ واحدة كما يرشد إليه حديث النورانيّة(٤) وغيره

والأعلام : جمع العلم(٥) ، وهو لغة الجبل الذي يُعلم به الطريق وقريب منه المنار، وهو المرتفع الذي يُوقد في أعلاه النار لهداية الضلّال(٦) ، والأئمّةعليهم‌السلام

________________________

١ ـ هذه الآية في سورة التوبة (٤٠) ولكن هكذا :( وَكَلِمَةُ اللَّـهِ هِيَ الْعُلْيَا )

٢ ـ الشوریٰ : ٢٤

٣ ـ راجع بحار الأنوار ج ٢٦، ص ٢٩١، ح ٥١، باب تفضيلهمعليهم‌السلام علی الأنبياء

٤ ـ تقدّم ذكره

٥ ـ المصباح المنير : ص ٤٢٧

٦ ـ ولهذا أشارت الخنساء في رثاء أخيها صخر فقالت :

١٥٦

أعلام للهدی، لأنّه يُهتدی بهم كما قال: (لولانا ما عُرِف الله، ولولانا ما عُبد الله)(١) وفي الجامعة : (وأعلاماً لعباده، ومناراً في بلاده، وأدلّاء علی صراطه)(٢)

وروي في قوله :( وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (٣) أنّه قال: (نحن العلامات، والنجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(٤)

وقال الصادقعليه‌السلام : (نحن ولاة أمر الله وخزنة علم الله وعيبة وحي الله وأهل دين الله وعلينا نزل كتاب الله، وبنا عُبد الله، ولولانا ما عُرِفَ الله، ونحن ورثة نبيّ الله وعترته)(٥)

وقال الباقرعليه‌السلام : (نحن جنب الله ونحن صفوته، ونحن خيرته، ونحن أركان الإيمان، ونحن دعائم الإسلام ونحن من رحمة الله علی خلقه، ونحن الذين بنا يفتح، وبنا يختم، ونحن أئمّة الهدی، ونحن مصابيح الدُّجیٰ، ونحن منار الهدیٰ، ونحن السابقون، ونحن الآخرون، ونحن العَلم المرفوع للخلق، مَن تمسّك بنا لحق، ومَنْ تخلّف عنّا غرق، ونحن قادة الغرّ المحجّلين، ونحن خيرة الله، ونحن الطريق، وصراط الله المستقيم إلی الله، ونحن من نعمه علی

«وإنّ صخراً لتأتم الهداةَ به

كأنّه علمٌ في رأسه نارُ»

١ ـ راجع الكافي ج ١، كتاب الحجّة، باب : إنّ الأئمّة ولاة أمر الله

وقال الصادق عليه‌السلام : (وبعبادتنا عُبد الله عزّوجلّ ولولانا ما عُبد الله)

٢ ـ راجع شرح هذه الفقرة في الأنوار اللامعة ص ١١٥

٣ ـ النحل : ١٦

٤ ـ الكافي ج ١، كتاب الحجّة، باب : إنّ الأئمّة هم العلامات التي ذكرها الله في كتابه، ح ١ عن الرضاعليه‌السلام وأيضاً روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام في المصدر نفسه ح ٢ قال: (إنّ النبي النجم، والعلامات الأئمّةعليهم‌السلام )

٥ ـ راجع بصائر الدرجات ص ٦١، ج ٢، الباب الثالث، ح ٣

١٥٧

خلقه، ونحن المنهاج، ونحن معدن النبوّة، ونحن موضع الرسالة، ونحن الذين تختلف الملائكة، ونحن السراج لمَن استضاء بنا، ونحن السبيل لمَن اهتدی بنا، ونحن الهداة إلی الجنّة)(١)

والحاصل : إنّهم أدلّة الهدیٰ، والهادون بأمر الله المرشدون إلی مرضاة الله

والعروة لغةً : عروة الكوز(٢) معروفة، والوثقیٰ تأنيث الأوثق، والعروة الوثيقة : هي العروة المستحكمة التي يستمسك بها، شبّهواعليهم‌السلام بها، لأنّ المتمسّك بطريقتهم لا يضلُّ، ولا ينفصم عن رحمة الله، وربما تفسّر العروة الوثقیٰ بالإيمان كما قال:( فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ ) (٣)

وفي بعض الأخبار أنّها التسليم لأهل البيتعليهم‌السلام ، وفي بعضها أنّ أوثق عریٰ الإيمان الحبّ في الله(٤) ، وعن الزمخشري في قوله :( فَقَدِ اسْتَمْسَكَ
________________________

١ ـ المصدر نفسه ح ١٠، وإليك تكملة الرواية : (... ونحن عزّ الإسلام، ونحن الجسور والقناطر مَن مضیٰ عليها سبق، ومَن تخلّف عنها محق، ونحن السنام الأعظم ونحن الذين بنا تنزل الرحمة، وبنا تسقون الغيث، ونحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب فمَن عرفنا ونصرنا وعرف حقّنا وأخذ بأمرنا فهو منّا وإلينا)

٢ ـ المصباح المنير ص ٤٠٦، دار الهجرة

٣ ـ البقرة : ٢٥٦

٤ ـ روی الشيخ الصدوققدس‌سره في معاني الأخبار ص ٣٦٨، ح ١، ط : بيروت، عن عبدالله بن عبّاس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (مَن أحبّ أن يتمسّك بالعروة الوثقیٰ التي لا انفصام لها فليتمسّك بولاية أخي ووصيي عليّ بن أبي طالب، فإنّه لا يهلك مَن أحبّه وتولّاه ولا ينجو مَن أبغضه وعاداه)

١٥٨

بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ ) وهذا تمثيل للمعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس حتّی يتصوّره السامع كأنّه ينظر إليه بعينه فيحكم اعتقاده والتيقّن به(١)

والحجّة في اللغة البرهان، وكثيراً ما يُستعمل فيمَن يجب العمل بقوله، والاقتداء بفعله، وكونهمعليهم‌السلام حجج الله علی خلقه ممّا لا ريب فيه لوجوب العمل بأوامرهم ونواهيهم

وعن المجلسي الأوّلقدس‌سره في شرحه علی قوله : (وحجج الله علی أهل الدُّنيا والآخرة والأولی)(٢) (احتجّ الله وأتمّ حجّته بهم علی أهل الدُّنيا بأنْ جعل لهم المعجزات الباهرات، والعلوم الدينية والأخلاق الإلهية، والعقول الربّانية، فهداهم بهم إليه، ويحتجّ بهم في الآخرة بعد الموت أو في القيامة)(٣)

وروی الاسترآبادي في تأويل الآيات ص ١٠٢، ط قم : عن الإمام الرضاعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (مَن أحبّ أن يتمسّك بالعروة الوثقیٰ فليتمسّك بحبّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام )

١ ـ راجع الكشّاف للزمخشري : ج ١ ص ٣٠٤ عند تفسيره لآية الكرسي

٢ ـ هذا مقطع من شرح الزيارة الجامعة

٣ ـ راجع البحار كتاب المزار، وهذا الشرح للعبارة الشريفة لوالد العلّامة محمّد باقر المجلسي صاحب البحار، ولكن يوجد بعض التفاوت بالألفاظ بين الموجود هنا الذي نقله الكاشانيرحمه‌الله والموجود هناك في البحار والذي نقله عبدالله شبّر في الأنوار اللامعة وإليك الموجود هناك : (... أي يحتجّ الله بهم ويتمّ حجّته (علی أهل الدُّنيا والآخرة) بالمعجزات الباهرات والدلائل الظاهرات، والعلامات الواضحات، والأخلاق النفسانية، والفضائل الملكوتية، والعلوم الربّانيّة، والأسرار الإلهية، ويحتجّ علی أهل الآخرة في عالم البرزخ عند السؤال أو في القيامة أو الأعمّ منهما)

١٥٩

والأخبار بكونهمعليهم‌السلام حجج الله متواترة وقد تقدّم بعضها، وفي بعضها عن أبي خالد عن الصادقعليه‌السلام قال: قلتُ له ؛ (يابن رسول الله ما منزلتكم من ربّكم ؟ قال: حجّته علی خلقه، وبابه الذي يؤتیٰ منه وأُمناؤه علی سرّه وتراجمة وحيه)(١)

________________________

١ ـ راجع بصائر الدرجات ص ٦٢، ج ٢، ح ٩

وروی الصفّار في المصدر نفسه ح ١١ عن بريد العجلي قال: سألتُ أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالی :( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) قال: نحن أمّة الوسط، ونحن شهداء الله علی خلقه، وحجّته في أرضه)

وللمزيد راجع الكافي ج ١، كتاب الحجّة، باب أنّ الحجّة لا تقوم إلّا بإمام

١٦٠