جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث0%

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-94216-1-0
الصفحات: 195

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله حبيب الله الشريف الكاشانيّ (قدس سره)
تصنيف: ISBN: 964-94216-1-0
الصفحات: 195
المشاهدات: 23420
تحميل: 4138

توضيحات:

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 195 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 23420 / تحميل: 4138
الحجم الحجم الحجم
جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

مؤلف:
ISBN: 964-94216-1-0
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وَأُشْهِدُ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ أَنّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ وَبِاِيَابِكُمْ مُوقِنٌ بِشَرَايِعِ دِيني وَخَوَاتِيمِ عَمَلي، وَقَلْبي لِقَلْبِكُمْ سِلْمٌ وَأَمْري لِأَمْرِكُمْ مُتَّبِعٌ

يُقال : أشهدته علی كذا إذا اتّخذته شاهداً عليه، وأُشهد الله، أي أجعلهم شهوداً علی إيماني بكم فإنّهم أشهاد عدول لا تُرد شهادتهم، ولا تخفیٰ عليهم السرائر، ولا تغيب عنهم مطويات القلوب والضمائر، وقد وصف الله تعالی نفسه بكونه شهيداً وشاهداً في مواضع من كتابه(١) ، وكذا الملائكة والأنبياء بقوله :( وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ ) (٢) ، وروي في قوله :( لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) (٣) إنّ الاُمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء ويطلب الأنبياء بالبيِّنة علی أنّهم قد بلّغوا فيؤتیٰ بأُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فيشهدون لهم)(٤)

وروي عن عليّعليه‌السلام أنّه قال: (إيّانا عنیٰ فرسول الله شاهد علينا، ونحن
________________________

١ ـ مثل قوله تعالی في سورة آل عمران : ١٨( شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ )

وقوله تعالی في سورة المنافقين : ١ ( وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) وغيرها من الآيات

٢ ـ هود : ١٨

٣ ـ البقرة : ١٤٣

٤ ـ راجع مجمع البيان للطبرسيقدس‌سره ج ١، ص ٢٨٨، ط : بيروت مؤسسة التاريخ العربي

١٦١

شهداء الله علی خلقه وحجّته في أرضه)(١)

قوله : بكم مؤمن أي بحقيقة نورانيّتكم، ومراتب علومكم وأسراركم الخاصّة بكم، والإيمان التصديق والإذعان

وفي الجامعة : (أشهد الله وأُشهدكم أنّي مؤمن بكم وبما آمنتم به، كافرٌ بعدوّكم وبما كفرتم به)(٢)

قوله : (وبإيابكم) يُحتمل أن يتعلّق بمؤمن أي مؤمن بكم وبإيابكم إلی الدُّنيا في زمن الرجعة،(٣) ويؤيّده ما في زيارة العبّاسعليه‌السلام «إنّي بكم وبإيابكم من المؤمنين»(٤)

________________________

١ ـ شواهد التنزيل للحسكاني من أعلام القرن الخامس الهجري، ج ١ ص ٩٢، ط بيروت الأعلمي، ومجمع البيان ج ١ ص ٢٨٨، وتأويل الآيات ص ٨٦، وتفسير البرهان ج ١، ص ١٦٠

٢ ـ قال السيّد عبدالله شبّر في الأنوار اللامعة ص ١٥٢ : (فيه إشارة إلی أنّ الإيمان بهمعليهم‌السلام لا يتمّ إلّا مع الكفر بعدوّهم والبراءة منه وأنّ حبّهم لا يجتمع مع حبّ أعدائهم)

٣ ـ روی السيّد هاشم البحرانيقدس‌سره في تفسير البرهان ج ٣، ص ٢١١، ح ١٥، عن الإمام الصادقعليه‌السلام في قوله تعالی :( وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ ) قال: ليؤمنن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولينصرن عليّاً أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: نعم والله من لدن آدم وهلّم جرّا فلم يبعث الله نبيّاً ولا رسولاً إلّا رُدَّ جميعهم إلی الدُّنيا حتّی يُقاتلوا بين يدي عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام

وروی القمّي في تفسيره ج ١، ص ١١٤، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال: (ما بعثَ الله نبيّاً من لدن آدم فهلم جرا إلّا ويرجع إلی الدُّنيا وينصر أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو قوله : ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ) يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ( وَلَتَنصُرُنَّهُ ) يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام )

٤ ـ راجع زيارة أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام المطلقة في كتب الزيارات

١٦٢

ويُحتمل أن يتعلّق بقوله موقن أي مؤمن بكم وموقن بإيابكم، وهذا أظهر، وفي الكلام تصريح بثبوت رجعتهمعليهم‌السلام إلی الدُّنيا لـمّا وعدهم الله من الدولة والنصرة، كيف وقد روي : «إنّ عمر الدُّنيا مئة ألف عام لهمعليهم‌السلام منها ثمانون ألفاً يتمحض لهم الدولة والسلطة»(١)

وهذه أي الرجعة من ضروريّات مذهبنا معاشر الإمامية(٢) وقد دلّت عليها آيات كثيرة وأخبار متواترة(٣) تزيد علی مئتين بل عن بعضهم وقف علی ستّمئة

________________________

١ ـ أخرجه حسن بن سليمان الحلّي في مختصر بصائر الدرجات بتفاوتٍ يسير ص ٢١٢ ط : النجف ١٩٥٠ م

٢ ـ انفردت الإماميّة بالاعتقاد في الرجعة، واعتمدتها كضرورة من ضروريّات المذهب، ونظرية مسلّمة يجب الإقرار بها واعتقادها، وتجديد الاعتراف بها في الأدعية والزيارات، وفي كلّ وقتٍ كالإقرار في كثير من الأوقات بالتوحيد والنبوّة والإمامة والمعاد

وفي نفس الوقت أنكروا ذلك أعلام العامّة منهم الفخر الرازي في تفسيره ج ٢٤، ص ٢١٧ ـ ٢١٨، وابن أبي الحديد في شرح النهج ج ٧، ص ٥٩، والزمخشري، وابن خلدون، وابن الأثير

٣ ـ قال السيّد عبدالله شبّر في الأنوار اللامعة ص ١٥٧ : (وأمّا الأخبار التي وردت من طرقنا فهي قريبة التواتر بل لعلّها متواترة، وقد رواها جمٌّ غفير من ثقات علمائنا الأعلام وجمعٌ كثير من الثقات العظام قريباً من مئتي حديث ومنهم الكليني والصدوق والمفيد والطوسي والمرتضی والنجاشي والكشي والعيشاي وعليّ بن إبراهيم، وسُليم الهلالي، والكراجكي، والنعماني، والصفّار، وسعد بن عبدالله، وابن قولويه، وابن طاووس، وأمين الإسلام أبو الفضل الطبرسي، وأبو طالب الطبرسي، والبرقي، وابن شهرآشوب، والقطب الراوندي، والعلّامة، والفضل ابن

١٦٣

وعشرين حديثاً

وفي الجامعة : «معترفٌ بكم، مؤمن بإيابكم، مصدّق برجعتكم، منتظر لأمركم، مرتقبٌ لدولتكم»(١)

وفي الدعوات والزيارات(٢) المأثورة عن المعصومين ما لا يُحصیٰ ممّا يدلّ

شاذان والشهيد الأوّل وغيرهم)

من الآيات الدالّة علی الرجعة :

أ‌ ـ قوله تعالی في سورة النمل : ٨٣( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا )

ب‌ ـ قوله تعالی في سورة النور : ٥٥( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )

ج‌ ـ قوله تعالی في سورة القصص : ٥، ٦( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ )

د‌ ـ قوله تعالی في سورة البقرة : ٢٤٣( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّـهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ )

وأمّا الأخبار الدالّة علی الرجعة نكتفي بما ذكره الشارحقدس‌سره في المتن

١ ـ راجع شرح هذه الفقرة في الأنوار اللامعة للسيّد عبدالله شبّر ص ١٥٤ ط : مكتبة الأمين، قم

٢ ـ راجع دعاء العهد فإنّ فيه فقرات صريحة بالرجعة

وأمّا من الزيارات التي فيها إشارة للرجعة منها :

١٦٤

علی هذا المدعیٰ صريحاً

وفي بعض الأخبار عن الصادقعليه‌السلام : (أيّام الله ثلاثة : يوم يقوم القائم، ويوم الكرّة، ويوم القيامة)(١)

وفي بعضها عنهعليه‌السلام : (مَن يكرّ في رجعة الحسين بن عليّعليه‌السلام فيمكث في الأرض أربعين ألف سنة حتّی يسقط حاجباه علی عينيه)(٢)

وفي بعضها عن إبراهيم قال: قلتُ لأبي عبداللهعليه‌السلام : (يقول الله :( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ) (٣) فقال : هي والله النصاب قلتُ : رأيناهم دهرهم أطول في الكفاية حتّی ماتوا فقال : والله ذاك في الرجعة يأكلون العذرة)(٤)

زيارة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من بعيد (راجع البحار ج ١٠٠ ص ١٨٩) وزيارة الإمام الحسينعليه‌السلام في عيدي الفطر والأضحیٰ (راجع مفاتيح الجنان ص ٥٤٣) وزيارتهعليه‌السلام يوم عرفة

١ ـ أخرجه الصدوق في الخصال ص ١٠٨ ح ٧٥، وفي معاني الأخبار ص ٣٦٥، ح ١، ومختصر بصائر الدرجات للحلّي ص ٤١، والرجعة للميرزا محمّد مؤمن الاسترآبادي الشهيد بمكة سنة (١٠٨٨ هـ) ص ٧٥، ح ٤٦ ط : قم دار الاعتصام

٢ ـ أخرجه الحلّي في مختصر البصائر ص ١٨، وعنه البحار ج ٥٣، ص ٦٣، ح ٥٤، والرجعة للميرزا الاسترآبادي ص ٣٦، ح ٥، والبرهان ج ٢، ص ٤٠٨، ح ١٠، وحلية الأبرار ج ٢، ص ٦٥٠ ط : الأعلمي بيروت، وهذا نصّه :

(عن معلّی بن خنيس وزيد الشحّام، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قالا : سمعناه يقول: إنّ أوّل مَن يكرّ في الرجعة الحسين بن علي فيمكث في الأرض أربعين سنة حتّی يسقط حاجباه علی عينيه)

٣ ـ طه : ١٢٤

٤ ـ رواه القمّي في تفسيره ج ٢، ص ٦٥، ومختصر البصائر ص ١٨، والاسترآبادي في

١٦٥

وفي بعضها : عن جميل عنهعليه‌السلام قال: قلتُ له : قول الله( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) (١) قال: ذلك والله في الرجعة، أما علمتَ أنّ أنبياء الله كثيرة لم يُنصروا في الدُّنيا وقتلوا، وأئمّة قتلوا ولم ينصروا، فذلك في الرجعة قلت :( وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ) (٢)

قال : هي الرجعة)(٣)

وفي بعضها عنهعليه‌السلام أيضاً قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في قول الله :( رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) (٤) قال: هو إذا خرجتُ أنا وشيعتي وخرج عثمان بن عفّان وشيعته ونقتل بني أميّة فعندها يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين)(٥)

الرجعة ص ٤٠، ح ٩، وعنه البرهان ج ٣، ص ٤٧، ح ٥، وهذا نصّه : «عن معاوية بن عمّار قال: قلتُ لأبي عبداللهعليه‌السلام : يقول الله عزّوجلّ :( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ) فقال : هي والله للنصاب

قلتُ : فقد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية حتّی ماتوا ؟

فقال : والله ذاك في الرجعة، يأكلون العذرة

١ ـ غافر : ٥١

٢ ـ سورة قۤ : ٤١ و ٤٢

٣ ـ مختصر بصائر الدرجات ص ١٨، والبحار ج ٥٣، ص ٦٥، ح ٥٧، والرجعة للاسترآبادي ص ٤١، ح ١٠، والبرهان ج ٤، ص ١٠٠، ح ٢

٤ ـ الحجر : ٢

٥ ـ مختصر بصائر الدرجات ص ١٧، والرجعة ص ٣٨، ح ٦

١٦٦

وفي بعضها عنهعليه‌السلام قال: (إنّ إبليس قال:( أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (١) فأبیٰ الله ذلك عليه فقال :( فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) (٢) فإذا كان يوم المعلوم ظهر إبليس في جميع أشياعه منذ خلق الله آدم إلی يوم الوقت المعلوم، وهي آخر كرّة يكرّها أمير المؤمنينعليه‌السلام قلتُ : وأنّها لكرّات ؟ قال : نعم لكرّات وكرّات ما مِن إمام في قرن إلّا ويكرُّ معه البرّ والفاجر في دهره حتّی يديل الله المؤمن علی الكافر)(٣)

________________________

١ ـ سورة الأعراف : ١٤

٢ ـ سورة الحجر : ٣٧ و ٣٨

٣ ـ مختصر بصائر الدرجات ص ٢٦، والبحار ج ٥٣، ص ٤٢، ح ١٢، والرجعة ص ٣٤، ح ٣، وإليك تكملة الرواية :

( فإذا كان يوم الوقت المعلوم كرّ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في أصحابه، وجاء إبليس في أصحابه، ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال لها : الروحاء، قريب من كوفتكم، فيقتتلون قتالاً لم يقتتل مثله منذ خلق الله ـ عزّوجلّ ـ العالمين، فكأنّي أنظر إلی أصحاب عليّ أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ قد رجعوا إلی خلفهم القهقری مئة قدم، وكأنّي أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات

فعند ذلك يهبط الجبّار ـ عزّوجلّ ـ في ظللٍ من الغمام، والملائكة، وقضي الأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمامه بيده حربة من نور، فإذا نظر إليه إبليس رجع القهقری ناكصاً علی عقبيه، فيقول له أصحابه : أين تريد وقد ظفرت ؟ فيقول : (إنّي أری ما لا ترون) (إنّي أخاف الله ربّ العالمين)، فليحقه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيطعنه طعنةً بين كتفيه، فيكون هلاكه وهلاك جميع أشياعه فعند ذلك يعبد الله ـ عزّوجلّ ـ ولا يشرك به شيئاً، ويملك أمير المؤمنين عليه‌السلام أربعاً وأربعين ألف سنة حتی يلد للرجل من شيعة

١٦٧

وفي بعضها عن أحدهماعليهم‌السلام في قول الله :( وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ ) (١)

قال : في الرجعة(٢)

وفي بعضها عن الصادقعليه‌السلام : (ليس أحدٌ من المؤمنين قُتِلَ إلّا سيرجع حتّی يموت، ولا أحد من المؤمنين يموت إلّا سيرجع حتّی يُقتل)(٣)

وفي بعضها عن أبي إبراهيمعليه‌السلام قال: (لترجعنّ نفوس ذهبت، وليقتصّن يوم يقوم، ومَن عذّب يقتصّ بعذابه، ومَن أُغيظ (يقتصّ) بغيظه ويرد لهم أعداءهم حتّی يأخذوا بثأرهم، ثمّ يعمرون بعدهم ثلاثين شهراً، ثمّ يموتون

عليعليه‌السلام ألف ولد من صلبه ذكراً، وعند ذلك تظهر الجنّتان المدهامّتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله

١ ـ الإسراء : ٧٢

٢ ـ أوردها العيّاشي في تفسيره ج ٢، ص ٣٠٦، ح ١٣١، ورواه الحلّي في مختصر البصائر ص ٢٠، والبحار ج ٥٣، ص ٦٧، ح ٦١، والإيقاظ من الهجعة للعاملي ص ٢٧٤، ح ٨١

٣ ـ مختصر بصائر الدرجات ٢٥، والبحار ج ٥٣، ص ٤٠، ح ٥، والرجعة ص ٥٥، ح ٢٩، والبرهان ج ٣، ص ٢١١، ح ١٥ وإليك نصّها : (عن عمر بن أُذينة قال: حدّثنا محمّد بن الطيّار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام في قول الله :( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ) فقال : ليس أحد من المؤمنين قُتِلَ إلّا سيرجع حتّی يموت، ولا أحد من المؤمنين يموت إلّا سيرجع حتّی يُقتل)

 ـ في المصدر (أغاظ) بدل (يقتصّ)

 ـ في المصدر هكذا (ومَن قُتِلَ أُقتصّ بقتله) والظاهر سقطَ هذا الذي أثبتناه

 ـ في البحار (معهم)

١٦٨

في ليلة واحدة قد أدركوا ثأرهم، وشفوا أنفسهم ويصير عدوّهم إلی أشدّ النار عذاباً، ثمّ يوقفون بين يدي الجبّار فيؤخذ لهم بحقوقهم)(١)

وفي بعضها عن الصادقعليه‌السلام في قول الله :( كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) (٢) قال: مرّة بالكرّة، وأُخریٰ يوم القيامة(٣)

وفي بعضها : (كأنّي بسيرٍ من نور قد وضع عليه قبّة من ياقوتة حمراء مكلّلة بالجوهر، وكأنّي بالحسين جالساً علی ذلك السرير، وحوله تسعون ألف قبّة خضراء، وكأنّي بالمؤمنين يزورونه ويسلِّمون عليه فيقول الله لهم : أوليائي سلوني فطالما أوذيتم وذللتم واضطهدتم، فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدُّنيا والآخرة إلّا قضيتها لكم فيكون أكلهم وشربهم من الجنّة)(٤)

وفي بعضها عن عليّعليه‌السلام قال: (وإنّي لصاحب الكرّات ودولة الدول)(٥)

وفي بعضها عن الباقرعليه‌السلام : (والله لُيملَكنّ منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمئة سنين وتزداد تسعاً، قلت : متی يكون ذلك ؟ قال: بعد القائمعليه‌السلام ، قلتُ : وكم يقوم القائمعليه‌السلام في عالمه ؟ قال: تسع عشرة سنة، ثمّ يخرج المنتصر إلی الدُّنيا وهو الحسينعليه‌السلام فيطلب بدمه ودماء أصحابه فيقتل ويسبیٰ حتّی يخرج

________________________

١ ـ مختصر البصائر ص ٢٨، وعنه البحار ج ٥٣، ص ٤٤، ح ١٦، والرجعة ص ٥٩، ح ٣٧

٢ ـ التكاثر : ٣ و ٤

٣ ـ مختصر البصائر ص ٢٠٤، والبحار ج ٥٣، ص ١٠٧، ح ١٣٥، والإيقاظ من الهجعة ص ٢٨٢، ح ٩٩، ورواه الاسترآبادي في تأويل الآيات ص ٨١٥

٤ ـ البحار ج ٥٣ ص ١١٦

٥ ـ الكافي ج ١ ص ٦٩٧

١٦٩

السفّاح وهو أمير المؤمنينعليه‌السلام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام )(١)

وفي بعضها عن الصادقعليه‌السلام : «أوّل مَنْ تنشقّ الأرض عنه ويرجع إلی الدُّنيا الحسين بن عليّعليه‌السلام وإنّ الرجعة ليست بعامّة، وهي خاصّة لا يرجع إلّا مَن مُحض الإيمان محضاً، أو مُحض الشرك محضاً)(٢)

وفي بعضها عن الباقرعليه‌السلام : (إنّ رسول الله وعليّاًعليهما‌السلام سيرجعان)(٣)

وفي بعضها : (إنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن اليوم الذي ذكر الله مقداره في القرآن( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) (٤) وهي كرّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيكون ملكه في كرّته خمسين ألف سنة، ويملك عليّ عليه‌السلام في كرته أربعة وأربعين سنة)(٥)

وأنت خبيرٌ بأنّ الناظر فيما ذكرناه من الأخبار وغيره ممّا لا يسعه هذا المضمار لا يرتاب في حقيّة الرجعة وثبوتها في الجملة(٦) ، وفي بعض الأخبار

________________________

١ ـ أخرجه العيّاشي في تفسيره ج ٢، ص ٣٢٦، ح ٢٤، والنُعماني في الغيبة ص ٣٣١، ح ٣، ومختصر البصائر ص ٢١٣ ـ ٢١٤، والبحار ج ٥٢، ص ٢٩٨، ح ٦١، والبرهان ج ٢، ص ٤٦٥، ح ٢، وحلية الأبرار ج ٢، ص ٦٤٠

٢ ـ راجع مختصر البصائر ص ٢٤، البحار ج ٥٣، ص ٣٩، ح ١، والرجعة ص ٥٣، ح ٢٦، وحلية الأبرار للبحراني ص ٦٥٠، ج ٢

٣ ـ مختصر البصائر ص ٢٤، والبحار ج ٥٣، ص ٣٩، ح ٢، مدينة المعاجز ج ٣، ص ٩٩، ح ٧٦١، والإيقاظ من الهجعة : ص ٣٧٩، ح ١٤٣

٤ ـ المعارج : ٤

 ـ في المصدر (أمير المؤمنين) بدل (علي)

٥ ـ الرجعة ص ٣٣، ح ٢، والبرهان ج ٤، ص ٣٨٣، ح ٦

٦ ـ مَن أراد المزيد من الأخبار فليراجع كتاب مختصر بصائر الدرجات للحلّي،

١٧٠

نسبة إنكارها إلی القدرية، وقد أجادَ مَن قال: إنّه إذا لم يكن مثل هذا متواتراً ففي أيّ شيءٍ يمكن دعوی التواتر، مع ما روته كافّة الشيعة خلفاً عن سلف، وظنّي أنَّ مَن يشكّ في أمثالها فهو شاكٌ في أئمّة الدِّين(١) ، ولا يمكنه إظهار ذلك من بين المؤمنين فيحتال في تخريب الملّة القويمة بإلقاء ما يتسارع إليه عقول المستضعفين من استبعاد المتفلسفين، وتشكيكات الملحدين :( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (٢)

والحاصل : إنّ هذا أمرٌ ممكن يمكن تعلّق القدرة الإلهية به، وقد أخبر به الصادقون المعصومون قطعاً فيجب الاعتقاد به(٣) ، ولو من باب التسليم المأمور به بقوله تعالیٰ :( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) (٤)

وبجملة من الأخبار المعتبرة فلا تستمع إلی الملاحدة الذين يلقون الشبهات إلی الضعفاء باستبعاد هذا الأمر وإنكاره، وما هذا إلّا كاستبعاد المعاد ونحوه من الضروريات، وظاهر الأخبار بل صريح كثير منها أنّهمعليهم‌السلام يرجعون إلی الدُّنيا بأشخاصهم وأجسادهم التي كانوا عليها، فلا تلفت إلی الجهلة الذين يؤولون هذه الأخبار إلی خلاف ظاهرها من غير برهان قاطع، متابعة لهوی

والرجعة للميرزا الاسترآبادي، والإيقاظ من الهجعة بالبرهان علی الرجعة للحرّ العاملي، وغيرها

١ ـ روی الصدوق في مَن لا يحضره الفقيه : ج ٣، ص ٤٥٨، ح ٤٥٨٣، عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: (ليس منّا مَن لم يقل بمتعتنا، ويؤمن برجعتنا)

٢ ـ التوبة : ٣٢

٣ ـ راجع الاعتقادات لشيخنا الصدوق باب (١٨) الاعتقاد في الرجعة ص ٣٩، ط قم

٤ ـ النساء : ٥٩

١٧١

أنفسهم وسوء آرائهم فيقولون : إنّ المراد رجعة حقائقهم وصفاتهم، في هياكل متجدّدة وأجساد غير ما كانوا عليه في الأزمنة السابقة، وقد بيّنا فساد هذه العقيدة في جملة من رسائلنا

نعم، اختلفت الأخبار ظاهراً في كيفيّة الرجعة، وترتيب مَن يرجع من الأئمّةعليهم‌السلام ولا حاجة بنا مهمّة إلی الجمع بينهما بعد تسليم أصل الرجعة، وليعلم أنّ الرجعة لا تصدق علی ظهور القائمعليه‌السلام فإنّهعليه‌السلام : حيٌّ موجود الآن لا شكَ في حياته يظهر بعد ذلك متیٰ شاء الله فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً(١)

فإذا مضیٰ مِن أوّل ظهوره تسع وخمسون سنة خرج الحسينعليه‌السلام وهو صامت إلی أن تمضي إحدی عشرة سنة فتقتله امرأة من بني تميم لها لحية كلحية الرجل تسمّی (سعيدة) وهي شقيّة، فيتولّیٰ الحسينعليه‌السلام تجهيزه فيقوم بالأمر بعده(٢) ، فالرجعة من زمن خروج الحسينعليه‌السلام إلی أن يرفع مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر الأئمّةعليهم‌السلام إلی السماء، وذلك بعد كمال دينهم وسلطنتهم كما وعدهم الله

وقوله : (بشرايع ديني) أمّا متعلِّق بموقن كما تقدّم أو بمحذوف ليكون حالاً من المستتر في أشهد الله أو في موقن أي متلبّساً بشرائع ديني أي طرائقه وسبله، وفيه إشارة إلی أنّ مجرّد الإيمان بهم لا يكفي بل لابدّ في ذلك من الائتمار بأوامرهم، والانتهاء بنواهيهم، وإطاعتهم فيما شرعوه من الأحكام، والحدود، والانقياد لهم فيما يأمرون به، وينهون عنه فمَن لم يكن كذلك فهمعليهم‌السلام منه براء

________________________

١ ـ روضة الواعظين ص ٢٦١، ج ٢ ط ؛ الشريف الرضي

٢ ـ حلية الأبرار ج ٢، ص ٦٤٣

١٧٢

كما يدلّ عليه أخبار كثيرة

قال الصادقعليه‌السلام : (إنّما أصحابي مَن اشتدَّ ورعه، وعمل لخالقه ورجا ثوابه فهؤلاء أصحابي)(١)

وقالعليه‌السلام : (ليس منّا ولا كرامة مَن كان في مِصر فيه مئة ألف أو يزيدون، وكان في ذلك المصر أحد أورع منه)(٢)

وقال الباقرعليه‌السلام : (أيكفي مَن انتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت فوالله ما شيعتنا إلّا مَن اتّقی الله وأطاعه إلی أن قال: فاتّقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحدٍ قرابة، أحبُّ العباد إلی الله وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر والله ما يتقرّب إلی الله إلّا بالطاعة أمعنا براءة من النار ولا علی الله لأحد من حجّة، مَن كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومَن كان الله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تنال ولايتنا إلّا بالعمل والورع، فلا تستمع إلی قومٍ سوّل الشيطان لهم أعمالهم فزعموا أنّ الدِّين هو مجرّد دعوی حبّ آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فارتكبوا الكبائر ونبذوا أحكام الله وراء ظهورهم وهم لا يشعرون)(٣)

ويُحتمل أن يكون بشرائع بدلاً من قوله : (بكم وبإيابكم) ففيه إشارة إلی أنّهمعليهم‌السلام شرائع الدِّين، لكونهم الأئمّة الراشدين المظهرين لأمر الله ونهيه

________________________

١ ـ أصول الكافي : ج ٢، ص ٦٢، باب الورع، ح ٦

٢ ـ روی الشيخ الكلينيقدس‌سره في الكافي ج ٢، ص ٦٤، باب الورع، ح ١٥، عن أبي الحسن الأوّلعليه‌السلام قال: (كثيراً ما كنتُ أسمع أبي يقول: ليس من شيعتنا مَن لا تتحدّث المخدّرات بورعه في خدورهنّ، وليس من أوليائنا مَن هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم من خلق الله أورع منه)

٣ ـ أخرجه الكليني في الكافي ج ٢، ص ٦٠، ح ٣، باب (الطاعة والتقویٰ)

١٧٣

فتأمّل

والخواتيم : جمع الخاتمة، وخاتمة العمل آخره وعاقبته ممّا يختم به من خيرٍ أو شرٍّ أو ما يترتّب عليه من ثواب وعقاب، فإنّ ذلك نتائج الأعمال

قالعليه‌السلام : (مَن خُتِم له بقيام ليلة ثمّ ماتَ فله الجنّة)(١)

ويُحتمل أن يُراد بالعمل هنا خصوص الزيارة، أو خصوص الولاية فخاتمته يكون خيراً وثواباً كما أنّه يُراد بالعمل هنا خصوص الولاية فخاتمته يكون خيراً وثواباً كما أنّه يُراد به في قوله : (اللّهم إنّي أستودعك خاتمة عملي)(٢)

خصوص الإيمان والتوحيد المشار إليه بقوله : (مَن كان آخر كلامه لا إله إلّا الله وجبت له الجنّة)(٣) فإنّه لا معنی لاستيداع الله الشرّ من الأعمال

وكيف كان لو علّقنا الجار والمجرور بموقن فلا إشكال إذ المعنی أنّي علی يقين بشرائع ديني وبنتائج عملي، لأنّ الله، ورسوله، والأئمّة أخبروني بذلك، ولم أشك في صدقهم، وأمّا علی غير ذلك فلابدّ من تقدير إذ المعنی متلبّساً بشرائع ديني وبالإذعان بخواتيم عملي

قوله : (وقلبي لقلبكم سلمٌ) أي صلح لا حرب قال الطريحي : والسلم كهمل : المسالم يقال : أنا سلمٌ لمَن سالمني وحربٌ لمن حاربني)(٤)

وفي حديث وصف الأئمّة : (يُطهّر الله قلب عبد حتّی يُسلّم لنا ويكون سلماً لنا أي يرضیٰ بحكمنا ولا يكون حرباً علينا)(٥)

________________________

١ ـ الفقيه ج ١ ص ٤٧ ؛ ووسائل الشيعة ج ٨ ص ١٥٤

٢ ـ الكافي ج ٤ ص ٢٨٣ ؛ والفقيه ج ٢ ص ٢٧١

٣ ـ راجع الكافي ج ٢، ص ٣٧٥، باب (مَن قال لا إله إلّا الله)

٤ ـ مجمع البحرين، ج ٢، ص ٣٨

٥ ـ الكافي ج ١ ص ٦٩٤ باب أن الأئمة نور الله عز وجل

١٧٤

(وقلبي لكم مسلّم ورأيي لكم متّبعٌ)(١) والمعنيان متقاربان إذ المراد أنّه لا اعتراض لقلبي علی أفعالكم ولا عداوة فيه لكم(٢) ، لأنّي أعلم أنّكم أولياء الله وعباده المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وفيه إشارة إلی ما أشرنا إليه من وجوب التسليم لهمعليهم‌السلام كما قال تعالیٰ :( وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (٣) وإلی أنّ التسليم لا يكون إلّا بالقلب فلا يجدي مجرّد الدعوی باللسان

كيف وقد روي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال: (بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام في مسجد الكوفة إذ أتاه رجلٌ فقال : يا أمير المؤمنين ؛ إنّي أحبّك، قال: ما تفعل قال: والله إنّي لأحبّك، قال: ما تفعل قال: بلی والذي لا إله إلّا هو قال: والله الذي لا إله إلّا هو ما تحبّني فقال : يا أمير المؤمنين إنّي أحلف بالله إنّي أحبّك وأنت تحلف بالله ما أحبّك والله كأنّك تخبرني إنّك أعلم بما في نفسي فغضب أمير المؤمنين فرفع يده إلی السماء وقال : كيف يكون ذلك وهو ربنا خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ثمّ عرض علينا المحبّ من المبغض فوالله ما رأيتك فيمن أحبّنا فأين كنتَ(٤)

وقريب منه أخبار أُخر مروية في بصائر الدرجات في باب أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام عرف ما رأی في الميثاق(٥)

________________________

١ ـ هذا مقطع من الزيارة الجامعة

٢ ـ روی الكليني في الكافي ج ١، ح ١، باب التسليم عن الإمام الباقرعليه‌السلام : (إنّما كُلّف الناس ثلاثة : معرفة الأئمّة، والتسليم لهم فيما ورد عليهم، والردّ إليهم فيما اختلفوا فيه)

٣ ـ الأحزاب : ٥٦

٤ ـ أخرجه الصفّار في بصائر الدرجات ج ٢، ص ٨٧، ح ٤، باب (١٥)

٥ ـ بصائر الدرجات ٢ / ٨٦ باب ١٥ إذ ذكر عدّة روايات في هذا الخصوص فراجع

١٧٥

والمراد بالقلب هو اللمعة النورانية الملكوتية التي بها يدرك حقائق الأشياء، ويعرف لطائف الأسرار لا نفس الجسم الصنوبري المودع فيه هذه القوّة الملكوتية كالبصر المودع فيه القوّة الباصرة، وإن شئت قلت : إنّه العقل الذي يُعبد به الرحمٰن ويكتسب به الجنان ولذا قال: (لقلبكم)، فإنّ قلوبهمعليهم‌السلام أوعية العلوم الإلهية وخزائن المعارف الربّانية فقلب الشيعة يسلّم كلّ ما يصدر من قلوبهمعليهم‌السلام لإذعانه بأنّه من الله واعتقاده بأنّه من منبع الحقّ فلا ينكره ولا يعترض عليه بلِمَ ولا كيف، وقلوب الشيعة مخلوقة من قلوبهم كما أنّ أجسادهم مخلوقة من فاضل طينتهم

وفي بعض الأخبار : (إنّا خلقنا من نور الله وخلق شيعتنا من دون ذلك النور فإذا كان يوم القيامة ألحقت السفلی بالعليا، وفيه يا مفضّل أتدري لِمَ سمّيت الشيعة شيعة ؟ يا مفضّل شيعتنا منّا، ونحن من شيعتنا، أما تریٰ هذه الشمس أين تبدو ؟ قلت : من مشرق، قال: وإلی أين تعود ؟ قلت : إلی مغرب، قالعليه‌السلام : هكذا شيعتنا، منّا بدؤوا وإلينا يعودون)(١) ، وإنّما أفرد القلب مع إضافته إليهمعليهم‌السلام للإشارة إلی اتّحادهم في الحقيقة النورية القدسية

قوله : (وأمري لأمركم) يُريد أنّه تابع لهم في جميع أحواله وأموره، فإنّ المفرد المضاف مفيد للعموم علی ما صرّح به جماعة، فالمراد أنّه شيعة لهم يفتخر بمتابعته لهم في الأوامر والنواهي، ويحذو حذوهم ويُطابق فعله فعلهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة كما هو شرط صدق هذا الاسم علی ما يقتضيه كثير من الأخبار

وأيضاً راجع مختصر بصائر الدرجات للحلي ص ١٦٦

١ ـ بحار الأنوار ج ٢٥ ص ٢١

١٧٦

صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَعَلىٰ أَرْوَاحِكُمْ وَعَلىٰ أَجْسَادِكُمْ وَعَلىٰ [أَجْسَامِكُمْ]  وَعَلىٰ شَاهِدِكُمْ وَعَلىٰ غَائِبِكُمْ وَعَلىٰ ظَاهِرِكُمْ وَعَلىٰ بَاطِنِكُمْ

أشار إلی أنّهمعليهم‌السلام في جميع أحوالهم وأطوارهم ومراتبهم ومقاماتهم وشؤونهم وكيفيّاتهم وظهوراتهم وتجلّياتهم وتنقّلاتهم مستحقّون للصلوات والتحيّات مِن خالقهم وبارئهم فإنّهم في جميع هذه الحالات لا يزالون عارجين معارج القرب، سالكين مسالك الجذب، متقرِّبين إلی بساط الديموميّة، بوسائل العبودية الكاملة كما قالعليه‌السلام في دعائه يوم عرفة : «وأنا أشهدُ يا إلٰهي بحقيقيّة إيماني وعقد عزمات يقيني، وخالص صريح توحيدي، وباطن مكنون ضميري وعلائق مجاري نور بصري ...»(١)

فأشار بقوله : (عليكم) إلی مقام حقيقتهم المقدّسة ومرتبة نورانيّتهم العالية التي لم تلد ولم تولد، ولم يعرفها غير الله أحد، لكونها أوّل ما خلق الله في عالم الإبداع كما قال: (نحن صنائع الله)(٢) ، وهذا هو المقام المشار إليه بقوله : (لولاك
________________________

ـ في المصباح (فصلوات الله ...)

ـ في المصباح بين المعقوفتين غير موجودة

١ ـ راجع مفاتيح الجنان للقمّي ص ٢٤٥ (دعاء الإمام الحسينعليه‌السلام يوم عرفة)

٢ ـ أخرجه البرسي في مشارق أنوار اليقين ص ٧٧ فصل (٤٢) قم، الشريف الرضي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «أوّل ما خلق الله تعالی نوري، ثمّ فتق منه نور عليّ، فلم نزل نتردّد في النور حتی وصلنا إلی حجاب العظمة في ثمانين ألف سنة، ثمّ خلق الخلائق من نورنا فنحن صنايع الله والخلق من بعد صنايعٌ لنا»

١٧٧

لما خلقتُ الأفلاك)(١) ، وقد كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يعنيه في صلاته بقوله : (أشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسوله) وبقوله : (السلامُ عليك أيّها النبيّ) وإلی هذا المقام أشار أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله : (أنا ذات الذوات)(٢) وبقوله : (أنا المعنی الذي لا يقع عليه اسمٌ ولا شبه)(٣)

قوله : (وعلی أرواحكم) يُمكن أن يُراد بها نفوسهم القدسية، وأن يُراد بها عقولهم الشريفة وهم وإن اتّحدوا في هذا المقام أيضاً ولكن الجمع باعتبار تعدّد الهياكل البشرية واختلاف المظاهر الجسمانية، وذلك لا يوجب التعدّد في أصل الروح كالصورة المرئية في مرايا متعدِّدة

وما الوجه إلّا واحدٌ غير أنّه

إذا أنتَ عدّدتَ المرايا تعدّدا

ويُحتمل أن يُراد بالأرواح الأرواح الخمسة المشار إليها في جملة من الأخبار(٤) ، مثل ما رواه جابر عن الباقرعليه‌السلام قال: «إنّ الله خلق الأنبياء والأئمّة علی خمسة أرواح : روح القوّة، وروح الإيمان، وروح الحياة، وروح الشهوة، وروح القدس، فروح القدس(٥) لا يلهو ولا يتغيّر ولا يلعب، وبروح القدس علموا يا جابر ما دون العرش إلی ما تحت الثریٰ»(٦)

________________________

١ ـ تقدّم هذا الحديث فراجع

٢ ـ راجع مشارق أنوار اليقين للبرسي ص ٦٤ فصل (٢٨)

٣ ـ أخرجه البرسي في المشارق ص ٣١٨، فصل (١٥٠) وهي خطبة طويلة يُعرّف الإمامعليه‌السلام نفسه

٤ ـ راجع بصائر الدرجات للصفّار ج ٩، ص ٤٤٥ حيث ذكر روايات كثيرة تدلّ علی هذا المطلب وبعضها قد تقدّم

٥ ـ في المصدر (وروح القدس من الله وسائر هذه الأرواح يصيبها الحدثان ...)

٦ ـ بصائر الدرجات ج ٩، ص ٤٥٤، ح ١٢

١٧٨

وسُئل الصادقعليه‌السلام عن قول الله :( كَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ) (١) فقال : (ذلك فينا منذ أهبطه الله إلی الأرض وما يخرج إلی السماء)(٢)

وفي جملة من الأخبار أنّ الروح خلقٌ أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله يوفّقه ويسدّده وهو مع الأئمّة من بعده وهو من الملكوت(٣)

وفي بعضها : أنّه لم يكن مع أحدٍ ممّن مضیٰ غير محمّد وهو مع الأئمّة(٤)

وفي بعضها : إنّه خلقٌ من خلقه له بصر وقوّة وتأييد يجعله الله في قلوب الرسل والمؤمنين(٥)

وفي بعضها : (مثل المؤمن وبدنه كجوهرة في صندوق إذا خرجت الجوهرة منه طرح الصندوق ولم تتعب به، قال: إنّ الأرواح لا تُمازج البدن ولا تداخله

________________________

١ ـ الشوریٰ : ٥٢

٢ ـ أخرجها الصفّار في بصائر الدرجات ج ٩، ص ٤٥٨، ح ١٤، الباب السادس عشر

٣ ـ روی الصفّار في بصائر الدرجات ص ٤٥٦ ج ٩، ح ٤ عن سماعة بن مهران قال: سمعتُ أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: (إنّ الروح خلقٌ أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يسدّده ويرشده وهو مع الأئمّة والأوصياء من بعده)

وهناك روايات أُخر فراجع

٤ ـ روی الصفّار في بصائر الدرجات ص ٤٦٠، ج ٩، ح ١، الباب الثامن عشر عن هاشم بن سالم قال: (سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) قال: خلقٌ أعظم من جبرائيل وميكائيل لم يكن مع أحدٍ ممّن مضیٰ غير محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مع الأئمّة يوفّقهم ويسدّدهم وليس كلّما طلب وجد)

٥ ـ روی الصفّار في البصائر ج ٩، ص ٤٦٢، ح ١٢ عن أبي عبداللهعليه‌السلام في قوله عزّوجلّ :( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) قال: إنّ الله تبارك وتعالی أحدٌ صمد، والصمد الشيء الذي ليس له جوف وإنّما الروح خلقٌ من خلقه له بصر وقوّة وتأييد يجعله الله في قلوب الرُّسل والمؤمنين)

١٧٩

إنّما هو كالكلل للبدن محيط به)(١)

وفي بعضها : عن أبي بصير عن الباقرعليه‌السلام قال: سألته عن قول الله :( يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (٢) فقال : جبرئيل الذي نزل علی الأنبياء، والروح تكون معهم ومع الأوصياء لا تفارقهم تفقّههم(٣) وتسدّدهم من عند الله وأنّه لا إله إلّا الله محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبهما عُبدَ الله واستعبد الخلق)(٤)

وجسم الإنسان وجسده وجثمانه هو مجموع أعضائه المؤلّفة من العناصر، وربما يُفرّق بين الجسم والجسد باختصاص الأوّل بما فيه روح أو تعميمه لذي الروح وغيره، واختصاص الثاني بما خلا عن الروح، ويُحتمل أن يُراد بأجسامهم أشباحهم النورانيّة، لأنّ من مراتبهم ومنازلهم مقام الأشباح، كما يدلُّ عليه جملة من الأخبار، ففي بعضها :

(إنّ آدم رأی علی العرش أشباحاً يلمع نورها)(٥) وفي بعضها : (ثمّ بعثهم في الظلال، قال: قلت : أي شيء الظلال ؟ قال: تلم تر إلی ظلّكَ في الشمس شيء وليس بشيء)(٦)


________________________

١ ـ أخرجه الصفّار في البصائر ج ٩، ص ٤٦٣، ح ١٣، عن المفضل بن عمر عن أبي عبداللهعليه‌السلام

٢ ـ النحل : ٢

٣ ـ في بعض النسخ (توفّقهم) بدل (تفقّههم)

٤ ـ أخرجه الصفّار في البصائر ج ٩، ص ٤٦٣، ح ١، الباب التاسع عشر، وإليك تكملة الرواية : (... وعلی هذا الجنّ والإنس والملائكة ولم يعبد الله ملكٌ ولا نبيّ ولا إنسان ولا جانّ إلّا بشهادة ألّا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله وما خلق اللهُ خلقاً إلّا للعبادة)

٥ ـ البحار ج ٢٦، ص ٣٢٧

٦ ـ روی الصفّار في بصائر الدرجات ج ٢، ص ٨٠، ح ١، الباب الثاني عشر، عن أبي

١٨٠