جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث20%

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-94216-1-0
الصفحات: 195

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث
  • البداية
  • السابق
  • 195 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 24953 / تحميل: 5050
الحجم الحجم الحجم
جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٤٢١٦-١-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الفصل الثالث : الإمام الصادق في ظل جدّه وأبيهعليهم‌السلام

ملامح عصر الإمام زين العابدين ومواقفه

لقد واجه الإمام زين العابدينعليه‌السلام بعد استشهاد أبيه الحسينعليه‌السلام ما يلي :

١ ـ التعاطف مع أهل البيتعليهم‌السلام تعاطفاً كان يفتقد الوعي ويقتصر على الشعور الإيجابي بالولاء مع خلوّه عن الموقف العملي الجادّ .

٢ ـ ثورات انتقاميّة كانت تتحرّك نحو هدف محدود ، وثورات نفعية مصلحيّة ، ونشوء حركات منافقة ، وظهور وعّاظ السلاطين لإسباغ الشرعية على السلطة القائمة .

٣ ـ بروز ظاهرة الشعور بالإثم عند الأمة بسبب ما ارتكبته من خذلان لأبيه الحسين السبطعليه‌السلام لكن هذا الشعور كما هو معروف كان بلا ترشيد واضح ، والعقليات المدبّرة للثورة على الوضع القائم كانت تفكر بالثأر فحسب وهنا خطط الإمام زين العابدينعليه‌السلام لعمله على مرحلتين أو خطوتين :

الخطوة الأولى : تناول الإمامعليه‌السلام ظاهرة الشعور بالإثم وعمل على ترشيدها بعد أن عمّقها بشكل متواصل عبر تذكيره الأمة بمأساة كربلاء والمظالم التي لحقت بآل البيتعليهم‌السلام وقد استغرق هذا التذكير زمناً طويلاً ،

٤١

حيث حاول إعطاء ظاهرة الشعور بالإثم بُعداً فكرياً صحيحاً ليجعل منه أداة دفع وتأثير في عملية البناء والتغيير .

وبعد أن تراكم هذا الشعور شكّل في نهاية الأمر خزيناً داخلياً كانت لا تقوى الأمة أن تصبر عليه طويلاً ، وأصبح الإلحاح على مخرج تعبّر به الأمّة عن ألمها أمراً جدّياً ، حتَّى حدثت الثورة الكبرى وطبيعي أنّ هذا الجو المشحون الذي كان ينبئ بالثورة والإطاحة بالأمويين جعلهم يشددّون الرقابة على الإمام زين العابدينعليه‌السلام باعتباره الرأس المدبّر لهذه المطالبة ولكونه الوريث الشرعي للخلافة بعد أبيه الحسينعليه‌السلام ومن هنا كانت الحكومة الأموية تفسّر أيّ حركة تصدر من الإمامعليه‌السلام على أنّها تمهيد للثورة .

الخطوة الثانية : توزّع نشاط الإمامعليه‌السلام في هذه الخطوة على عدّة اتّجاهات .

الاتجاه الأوّل : قام الإمامعليه‌السلام ببلورة العواطف الهائجة وحاول أن يدفعها باتّجاه الفكر الصحيح ويضع لها الأسس العقائديّة ويجعل منها مقدمة لعملية التغيير التي ينشدها الإمامعليه‌السلام ، وقد تمثّلت في إيجاد الفكر الإسلامي الصحيح الذي طالما تعرّض للتشويه والتحريف ثم إعداد الطليعة الواعية التي تشعر بالمسؤولية وتكون أهلاً لحمل الأمانة الإلهيّة .

الاتّجاه الثاني : تحرّك الإمام زين العابدينعليه‌السلام انطلاقاً من مسؤوليته في حماية الإسلام وبقائه كشريعة دون تحريف وتشويه لمحتواه ضمن عدة نشاطات :

١ ـ النشاط الأول : واجه الإمامعليه‌السلام الحركات الانحرافية والفرق الضالّة والمغالية التي كانت تستهدف الفكر الإسلامي وتعتمد الإسرائيليات والنظريات الهندية واليونانية حول الكون والحياة في فهم القرآن والحديث

٤٢

الشريف ، وقام بنشر مختلف العلوم والفنون وتبيان الصيغة الصحيحة للعلاقات الاجتماعية والسياسية والأخلاقية التي كان قد أصابها الفساد ، كما يتّضح ذلك بجلاء في رسالته المعروفة برسالة الحقوق ، كما ساهم في حل المشاكل التي كانت تهدّد كرامة الدولة الإسلامية كما يلاحظ ذلك جليّاً فيما حدث في جوابه على رسالة ملك الروم حين هدّد الخليفة بالحصار الاقتصادي(١) .

النشاط الثاني : إنّ الأمويين كانوا قد ضيّقوا على حركة الإمامعليه‌السلام ونشاطه مع الأمة إلاَّ أنّ الإمامعليه‌السلام استخدم الدعاء سلاحاً للارتباط الفكري والمعنوي بها ، وحيث إنّ هذا السلاح لم يستهدف الأمويين مباشرة ، توفّر للإمامعليه‌السلام مجالٌ أوسع لمعالجة الظواهر المرضية والانحرافات الأخلاقية .

الاتّجاه الثالث : التأكيد على أهمية العمل الثوري ومكافحة الظلم والانحراف ، وإيقاد روح الجهاد التي كانت خمدت في الأمة عبر سنوات الانحراف ، كما يتجلّى ذلك في دعائه للمختار الذي طالب بثأر الحسين وكان على اتصال دائم بالإمامعليه‌السلام أثناء ثورته من خلال عمّه محمد ابن الحنفيّة .

الاتّجاه الرابع : لم يكن موقف الإمامعليه‌السلام من الحكّام موقف المواجهة والتحدّي المباشر ; إذ لو كان قد فعل الإمام زين العابدينعليه‌السلام ؛ ذلك لما كان يستطيع أن يحقق ما حققه من مكاسب في الأمة في مجال التربية ، ولما توفّرت أجواء سليمة وفرص واسعة لنشاط الإمام الباقرعليه‌السلام من بعده وللجماعة الصالحة التي ربّاها .

لكن هذا لا يعني أن الإمامعليه‌السلام لم يوضح رأيه في الحكومة فلم يترك

ـــــــــــــــــ

(١) البداية والنهاية : ٩/١٢٢ .

٤٣

الأمر ملتبساً على شيعته ، بل كانت للإمام زين العابدينعليه‌السلام مواقف مع الحكّام سوف نشير إلى بعض منها ، وكان هدفه منها إعطاء خطّ في التربية والتغيير حفاظاً على الشيعة من الضياع ; إذ لم تكن الجماعة الصالحة على سبيل المواجهة ولكنها كانت كافية في التحصين في تلك المرحلة على مستوى التربية والإعداد وتأسيساً لمستقبل سياسي أفضل .

ونستطيع أن نلاحظ موقف الإمامعليه‌السلام مع السلطة من خلال رسالته الجوابية إلى عبد الملك حين لامَ عبد الملك الإمامعليه‌السلام على زواجه بأمته التي كان قد أعتقها .

إنّ ردّ الإمامعليه‌السلام على عبد الملك كان يتضمّن تحدّياً للخليفة الذي كان يفكرّ بعقلية جاهلية ; فإنّ الإمامعليه‌السلام وضّح فيها الموقف الإسلامي الذي يلغي كل الامتيازات التي وضعتها الجاهلية بقولهعليه‌السلام :( فلا لؤم على امرئ مسلم إنَّما اللؤمُ لؤم الجاهلية ) .

يظهر هذا التحدّي ممَّا جاء في مصادر التأريخ من أن الخليفة الأموي بعد أن قرأها هو وابنه سليمان ، قال الابن : يا أمير المؤمنين لَشدَّ ما فخر عليك علي بن الحسين !! فردّ الخليفة على ابنه قائلاً : ( يا بنيّ لا تَقل ذلك فإنّها ألسن بني هاشم التي تَفلق الصخر وتغرف من بحر ، إنّ عليّ بن الحسين يا بني يرتفع من حيث يتّضع الناس(١) .

وفي هذا الجواب إشارة إلى أنّ المواجهة مع الإمام من قبل الخليفة لا تخدم سلطان بني أمية .

ومن مواقف الإمام زين العابدينعليه‌السلام تجاه السلطة أيضاً موقفه من

ـــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٤٦/١٦٥ ، والعقد الفريد : ٧/١٢١ .

٤٤

الزهري ذلك المحدث الذي كان مرتبطاً بالبلاط الأموي ـ فقَد أرسل إليه الإمامعليه‌السلام رسالة قَرعه فيها على شنيع فعله(١) ، وان كان قد علم الإمام بأنّه غارق إلى هامته في موائد السلطان ولهوه ، إلاَّ أنّها رسالة للأجيال .

ومن الأحاديث التي وضعها هذا الرجل دعماً لسياسة بني أمية حينما منعوا حج بيت الله الحرام لمّا كان ابن الزبير مسيطراً على الحرمين الشريفين ما رواه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : لا تشد الرحال إلاَّ إلى ثلاثة : مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى .

ملامح عصر الإمام محمد الباقرعليه‌السلام

استشهد الإمام زين العابدينعليه‌السلام سنة ( ٩٥ هـ ) في أيام حكم الوليد ابن عبد الملك وتوّلى الإمام محمد بن علي الباقرعليه‌السلام مسؤولية الإمامة بوصية من أبيه حيث أعلن عن إمامته أمام سائر أبنائه وعشيرته حين سلّمه صندوقاً فيه سلاح رسول اللهعليه‌السلام وقال له :( يا محمَّد هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك ، ثم قالعليه‌السلام :أما إنّه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكنه مملوءٌ علم ) (٢) .

إذن فهو صندوق يرمز لمسؤولية القيادة الفكرية والعلمية كما أنّ السلاح يرمز لمسؤولية القيادة الثورية .

وبالرغم من توالي الثورات التي تلت واقعة الطف والتي كان الإمام الباقرعليه‌السلام قد عاصرها جميعاً مع أبيهعليه‌السلام بقي موقف الأعمّ الأغلب من الناس الاستجابة لمنطق السيف الأموي إلى جانب القسم الآخر الذي آمن بأنّ الحكّام الأمويين يمثّلون الخلافة الإسلامية .

ـــــــــــــــــ

(١) تحف العقول : ٢٧٢ ـ ٢٧٧ .

(٢) بصائر الدرجات ٤/٤٤ و٤٨ ، وأصول الكافي ١/٣٠٥ وعنهما في بحار الأنوار : ٤٦/٢٢٩ .

٤٥

كما أنّه عاصر عمليات الهدم الفكري والتحريف والمسخ الثقافي الذي مارسه الأمويون بحق الرسالة والقيم الإسلامية .

وعند مجيء سليمان بن عبد الملك إلى الحكم بعد وفاة أخيه الوليد بن عبد الملك سنة ( ٩٦ هـ ) أصدر قرارات جديدة استراحت الأمة بسببها قليلاً حيث أمر بالتَنكيل ( بآل ) الحجاج بن يوسف الثقفي وطرد كلّ عمّاله وولاته(١) كما أطلق سراح المسجونين في سجون الحجّاج(٢) .

وفي سنة ( ٩٩ هـ ) تقلّد الحكم الأموي عمر بن عبد العزيز فازدادت الحريّات في مدّة خلافته القصيرة ، كما يراه بعض المؤرّخين ، كما أنّه عالج مشكلة الخراج التي قال عنها بأنّها سنّة خبيثة سنّها عمّال السوء(٣) .

وعامل العلويين معاملة خالف فيها أسلافه فقد جاء في كتابه لعامله على المدينة : ( فأقسم في ولد علي من فاطمة رضوان الله عليهم عشرة آلاف دينار فطالما تخطّتهم حقوقهم )(٤) ورَدَّ فدكاً ـ التي كان قد صادرها الخليفة الأوّل ـ على الإمام الباقرعليه‌السلام (٥) ورفع سبّ الإمام عليّعليه‌السلام الذي كان قد سنّه معاوية(٦) .

أمّا الناحية الفكرية : فتبعاً للتغيّرات السياسية نلمس تطوّراً في الجانب الفكري أيضاً ؛ فقد برزت في هذا الظرف تيارات فكريّة جديدة واتجّه الناس

ـــــــــــــــــ

(١) الكامل ، ابن الأثير : ٤/١٣٨ .

(٢) تاريخ ابن عساكر : ٤/٨٠ .

(٣) الكامل : ٥/٢٩ وتاريخ الطبري : ٨/١٣٩ .

(٤) مروج الذهب : ٣/١٩٤ .

(٥) الكامل : ٤/١٦٤ والمناقب : ٤/٢٠٧ وسفينة البحار : ٢/٣٧٢ .

(٦) انظر الفكر السامي ١/٢٧٦ عن صحيح مسلم ، وتاريخ اليعقوبي ٢/٢٢٣ و٢٣٠ و٢٣٥ و٣٠٥ ، وشرح النهج للمعتزلي ٥/٩٨ تاريخ الخميس : ٢/٣١٧ .

٤٦

للبحث والدرس وتلقّي المعرفة الإسلامية ورفع المنع الحكومي عن تدوين الحديث النبوي وبدأت تتميّز مدرسة أهل الحديث عن مدرسة أهل الرأي ومال الموالي من غير العرب إلى مدرسة أهل الرأي في الكوفة ، وتزعّم أبو حنيفة هذه المدرسة في حينها ضد مدرسة أهل الحديث في المدينة(١) .

وكنتيجة طبيعية للإخفاق الذي سجّلته الحركات الفكرية ، ظهرت فكرة الاعتزال التي نادى بها ( واصل بن عطاء ) في البصرة عندما اعتزل حلقة درس أستاذه ( الحسن البصري ) وهي تعتبر تعديلاً لفكرة الخوارج التي لم تلقَ رواجاً حينما قالت بكفر مرتكب الكبيرة(٢) ، والمرجئة التي قالت بأنّه لا تضر مع الإيمان معصية(٣) فقال واصل ( مؤسس اتّجاه الاعتزال والمتوفى في ١٣١هـ ) : إنّ صاحب الكبيرة ليس بمؤمن بإطلاق بل هو في منزلة بين منزلتين أي إنّ مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر لكنّه فاسق والفاسق يستحق النار بفسقه(٤) .

هذه صورة مجملة عن الواقع الذي عايشه الإمام الصادقعليه‌السلام خلال مرحلة قيادة أبيه الباقرعليه‌السلام .

متطلّبات عصر الإمام الباقرعليه‌السلام

ونلخّص دور الإمام الباقرعليه‌السلام في ثلاثة خطوط أساسية :

الخط السياسي ، وإكمال بناء الجماعة الصالحة ، وتأسيس جامعة أهل البيتعليه‌السلام العلمية .

ـــــــــــــــــ

(١) ضحى الإسلام لأحمد أمين : ٢/١٧٨ .

(٢) الملل والنحل : ١/١٥٨ .

(٣) تاج العروس ، مادة رجأ .

(٤) الأغاني : ٧ / ١٥ .

٤٧

١ ـ الخط السياسي للإمام الباقر عليه‌السلام

لقد كان الخيار السياسي للإمام الباقرعليه‌السلام في فترة تصدّيه للإمامة هو الابتعاد عن الصدام والمواجهة مع الأمويين وهذا واضح من خلال تصريحه الذي تضمّن بياناً للجوّ السائد وحالة الأمة ومستوى وعيها آنذاك :( إنْ دَعَوْناهم لم يستجيبوا لنا ) (١) .

كما نجده فيما بعد يستوعب سياسة الانفتاح والاعتدال التي أبداها عمر ابن عبد العزيز ، سواء كان هذا الاعتدال بدافع ذاتي لعلاقته بالإمامعليه‌السلام ، أم بدافع الضغوط الخارجيّة وخوفه من انهيار الدولة الأموية .

إنّ الإمام قد رسم خطّه السياسي في هذه المرحلة بأسلوبين :

الأسلوب الأول : تصريح الإمامعليه‌السلام برأيه حول عمر بن عبد العزيز وحكومته قبل تصدّي عمر للخلافة فعن أبي بصير ، قال : كنت مع أبي جعفر الباقرعليه‌السلام في المسجد ودخل عمر بن عبد العزيز وعليه ثوبان ممصّران متكئاً على مولى له فقالعليه‌السلام :( لَيَلِيَنَّ هذا الغلام [ أي سوف يتولّى السُلطة ]فيظهر العدل ) (٢) .

ولكن الإمامعليه‌السلام قدح في ولايته باعتبار وجود مَن هو أولى منه .

الأسلوب الثاني : أسلوب المراسلة واللقاء فقد روي أنّ عمر بن

ـــــــــــــــــ

(١) الإرشاد ، للشيخ المفيد : ٢٨٤ .

(٢) سفينة البحار : ٢/١٢٧ .

٤٨

عبد العزيز كرّم الإمام أبا جعفرعليه‌السلام وعظّمه وقد أرسل خلفه فنون ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود وكان من عُبّاد أهل الكوفة فاستجاب له الإمامعليه‌السلام وسافر إلى دمشق فاستقبله عمر استقبالاً رائعاً واحتفى به وجَرَت بينهما أحاديث وبقي الإمام أيّاماً في ضيافته(١) .

ومن المراسلات ما جاء أنّه : كتب عمر للإمامعليه‌السلام بقصد الاختبار فأجابه الإمام برسالة فيها موعظة ونصيحة له(٢) ، ولكن سياسة الابتعاد عن الصدام المباشر لم تمنع الإمام الباقرعليه‌السلام من أن يقف من الأمة بشكل عام ومن الأمويين وهشام بن عبد الملك بشكل خاص موقف التحدّي الفكري والعقائدي والعلمي لبيان الحق المغتصب وكشف ستار الباطل الذي كان قد أسدله الحكّام على الحق ورموزه .

وحين حجّ هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين وكان قد حجّ في تلك السنة محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام وابنه جعفر ، قال جعفر بن محمدعليه‌السلام في بعض كلامه :( الحمد لله الذي بعث محمّداً نبيّاً وأكرمنا به ، فنحن صفوة الله على خلقه وخيرته من عباده فالسعيد مَن اتّبعنا والشقيّ مَن خالفَنَا ، ومن الناس مَن يقول : إنّه يتولاَّنا وهو يتولّى أعدائنا ومَن يليهم من جلسائهم وأصحابهم ، فهو لم يسمع كلام ربّنا ولم يعمل به ) (٣) .

فبيّنعليه‌السلام مفهوم القيادة الإلهية ومصداقها الحقيقي الذي يمثّلها آنئذ .

وهذا الطرح وان كان فيه نوع مجابهة صريحة للحاكم وما يدور في

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ دمشق : ٥١/٣٨ .

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢/٣٠٥ .

(٣) دلائل الإمامة : ١٠٤ ـ ١٠٩ ، بحار الأنوار : ٤٦/٣٠٦ .

٤٩

أذهان الناس لكنّه لم يكن مغامرة ; لأنّ الظرف كان بحاجة إلى مثل هذا الطرح والتوضيح ، بالرغم من أنّه قد أدّى إلى أن يستدعي هشام الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام إلى الشام فيما بعد .

٢ ـ إكمال بناء الجماعة الصالحة

لم تكن عملية بناء الجماعة الصالحة وليدة عصر الإمام الباقرعليه‌السلام فقد باشرها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم لإمام عليعليه‌السلام ، حيث نجد لأشخاص أمثال مالك الأشتر وهاشم المرقال ، ومحمد بن أبي بكر ، وحجر بن عدي ، وميثم التمّار ، وكميل بن زياد ، وعبد الله بن العباس ، دوراً كبيراً في الصراع الذي خاضه الإمام عليعليه‌السلام مع مناوئيه .

واستمرت عملية البناء بشكل فاعل في عصر الإمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ثم تقلّص النشاط المباشر في بناء هذه القاعدة وتوسيعها ، ثم استمرّت عملية البناء في العقود الأخيرة من حياة الإمام زين العابدينعليه‌السلام وتكاملت في عصر الإمام الباقرعليه‌السلام حيث سنحت الفرصة له بأن يتحرك نحو تطوير الجماعة الصالحة بتوضيح أهدافها التي تمثّلت في الدفاع عن المجتمع الإسلامي وحفظ الشريعة الإسلامية من التحريف إلى جانب توسيع القاعدة كمّاً مع تطويرها كيفاً .

ونقتصر فيما يلي على بعض ما قام به الإمام الباقرعليه‌السلام من خطوات :

الخطوة الأولى : أخذ الإمامعليه‌السلام يعمّق ويوضّح صفات الجماعة الصالحة الموالية لأهل البيتعليهم‌السلام ودورها في المجتمع ، فقد جاء في وصفه لهذه الجماعة قولهعليه‌السلام :( إنّما شيعتنا ـ شيعة علي ـالمتباذلون في ولايتنا المتحابّون في

٥٠

مودّتنا ، المتزاورون لإحياء أمرنا ، الذين إذا غضبوا لم يظلموا ، وإذا رضوا لم يسرفوا ، بركة على مَنْ جاوروا ، سلم لمَن خالطوا ) (١) ، وقال أيضاً :( شيعتنا من أطاع الله ) (٢) .

وبهذا أراد الإمامعليه‌السلام أن يرسّخ الكمالات الإنسانية في جانبي الأخلاق والعبادة التي تعرّضت للضياع طيلة سنوات المحنة ، ويوضّح أن الانتماء لخطّ أهل البيتعليهم‌السلام هو بالعمل والتحلّي بهذه الصفات .

الخطوة الثانية : قام الإمامعليه‌السلام ـ بالإضافة إلى توضيح مستوى الروح الإيمانية التي ينبغي أن يتَمتّع بها أفراد الجماعة الصالحة ـ بشحذِ هممها وتربيتها على روح الصبر والمقاومة لكي تمتلك القدرة على مواصلة العمل في سبيل الله ومواجهة التحدّيات المستمرّة وعدم التنازل أمام الإغراءات أو الضغوط الظالمة ، فقد جاء في كلامهعليه‌السلام لرجل حين قال له : والله إنّي لأحبّكم أهل البيت فقالعليه‌السلام :( فاتّخذ للبلاء ، جلباباً ، فو الله إنّه لأسرع إلينا وإلى شيعتنا من السيل في الوادي ، وبنا يبدو البلاء ثم بكم ، وبنا يبدو الرخاء ثم بكم ) (٣) .

هكذا رسم الإمامعليه‌السلام معالم الطريق الشائك أمامه ، إنّه طريق مفروش بالدماء والدموع ، والإمام رائد المسيرة على هذا الطريق يصيبه البلاء أوّلاً قبل أن يصيب شيعتَه .

وقد كان الإمامعليه‌السلام يذكّرهم بمعاناة الشيعة قبل هذا الظرف بقولهعليه‌السلام :( قتلت شيعتنا بكلّ بلدة وقُطِعت الأيدي والأرجل على الظنة وكان مَن يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجن ونُهب مالُه وهُدِمَت داره ) (٤) .

ومن الأعمال التي قام بها الإمامعليه‌السلام في بناء الجماعة الصالحة هو إلزام

ـــــــــــــــــ

(١) تحف العقول : ٢٩٥و ٣٠٠ .

(٢) تحف العقول : ٢٩٥و ٣٠٠ .

(٣) بحار الأنوار : ٤٦/٣٦٠ ، وأمالي الشيخ الطوسي : ٩٥ .

(٤) حياة الإمام الحسنعليه‌السلام دراسة وتحليل : ٢/٢٥٧ .

٥١

أتباعه وخاصّته بمبدأ التقية ؛ حفاظاً عليهم من القمع والإرهاب والإبادة التي طالما تعرّضوا لها وقد اعتبر هذا المبدأ من الواجبات الشرعية ذات العلاقة بالإيمان ، فكان يوصيِهم بالتقية قائلاً :( التقيّة ديني ودين آبائي ، ومَن لا إيمان له لا تقيّة له ) (١) .

ومن المبادئ التي تتداخل مع التقيّة : كتمان السرّ ، فقد جاء عنهعليه‌السلام في وصيّته لجابر بن يزيد الجعفي في أوّل لقاء له بالإمامعليه‌السلام : أن لا يقول لأحد أنّه من أهالي الكوفة ، وليظهر بمظهر رجل من أهل المدينة وجابر الجعفي هذا قد أصبح فيما بعد صاحب سرّ الإمامعليه‌السلام ، ولشدّة فاعليّته وتأثيره في الأمة أمر هشام بن عبد الملك واليه في الكوفة بأن يأتيه برأس جابر ، لكنّ جابراً قد تظاهر بالجنون قبل أن يصدر الأمر بقتله حسب إرشادات الإمام الباقرعليه‌السلام التي كانت تصله سرّاً ، فقد جاء في كتاب هشام إلى واليه : أن أُنظر رجلاً يقال له جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه .

فالتفت إلى جلسائه فقال لهم : مَن جابر بن يزيد الجعفي ؟ قالوا : أصلحك الله ، كان رجلاً له علم وفضل وحديث وحجّ فجنّ وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم .

قال : فأشرف عليه فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب فقال : الحمد لله الذي عافاني من قتله(٢) .

وكان في هذه المرحلة رجال كتموا تشيّعهم وما رسوا نشاطات مؤثرة في حياة الأمة فكرية وعسكرية وفقهية مع الاحتفاظ بعلاقاتهم ، فمن فقهاء الشيعة : سعيد بن المسيّب ، والقاسم بن محمد ، فقد كانا بارزين بين علماء ذلك العصر

ـــــــــــــــــ

(١) أصول الكافي : ٢/١٧٤ .

(٢) بحار الأنوار : ٤٦/٢٨٢ ، والكافي : ١/٣٩٦ .

٥٢

في الفقه وغيره إلاَّ أنّه لم تكن لهم صبغة التشيّع الصريح ، فقد شاع عن سعيد بن المسيّب أنّه كان يجيب أحياناً برأي غيره من علماء عصره أو برأي مَن سبقه من الصحابة ؛ مخافة أن يصيبه ما أصاب سعيد بن جبير ويحيى بن أم الطويل وغيرهما ممّن تعرّضوا للقتل والتشريد بسبب تشيّعهم .

وهذا موسى بن نصير من رجالات الكوفة العسكريين وزهّادها المؤمنين ممّن عرف بولائه لأهل البيتعليهم‌السلام هو وأبوه نصير ، ولقد غضب عليه معاوية إذ لم يخرج معه لصفِّين ، وموسى هو الذي فتح الفتوحات العظيمة في بلاد المغرب وكان تحت إمرته مولاه طارق بن زياد وولده عبد العزيز وبسبب تشيّعه غضب عليه سليمان بن عبد الملك وقبل أن يقتله عرّضه لأنواع العذاب فقتل ولده أمامه وألزمه بدفع مبلغ كبير(١) .

وكان لجابر الجعفي وزرارة وأبان بن تغلب وغيرهم دور بالغ في نجاح حركة الإمام الفكريّة ، وأصبحوا ـ فيما بعد ـ النواة لجامعته ، وبقي هؤلاء بعد وفاة الإمام الباقرعليه‌السلام بصحبة ولده الصادقعليه‌السلام ليمارسوا مسؤولياتهم بحجم أكبر كما سيأتي توضيحه .

٣ ـ تأسيس جامعة أهل البيت عليهم‌السلام

جاءت فكرة زرع البذرة الفكرية وتشكيل النواة الأولى لجامعة علمية إسلامية في هذهِ المرحلة كضرورة حضارية لمواجهة التحدّي الحاضر ونسف البنى الفكرية لكل الأطروحات السابقة التي وجدت من ظروف المحنة مناخاً مناسباً لبثّ أفكارها .

كما تأتي ضرورة وجود تيّار فكري يبلور الأفكار الإسلامية الأصيلة

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي : ٢/٢٩٤ .

٥٣

ويعبّئ بها ذهن الأمة ويفوّت الفرصة على الظالمين في حالة تبدّل الظروف .

ويمكن تلخيص الأسباب التي شكّلت عاملاً مهمّاً في التهيئة لنجاح هذه الجامعة فيما يلي :

١ ـ لقد عُزلت الأمة عن تبني أفكار الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام وفقههم أكثر من قرن وبقيت تتناقله الخواص في هذه الفترة عن طريق الكتابة والحفظ شفاهاً وبالطرق السرّية .

٢ ـ في هذه الفترة طرحت على العالم الإسلامي تساؤلات فكريّة ومستجدّات كثيرة لم تمتلك الأمة لها حلاًّ بسبب اتّساع البلاد الإسلامية وتبدّل الظروف وحاجات المسلمين .

٣ ـ شعر المسلمون في هذا الظرف بأهمية البحث عن مبدأ فكري يتكفّل حلّ مشكلاتهم ; لأنّ النصّ المحرّف واجتهادات الصحابة أصبح متخلّفاً عن المواكبة ، بل أصبح بنفسه مشكلة أمام المسلم لتعارضه مع العقل والحياة .

٤ ـ في هذا العصر ظهرت مدارس فكرية متطرّفة مثل مدرسة الرأي القائلة بالقياس والاستحسان ، زاعمة أنّ للنصوص التي نقلت عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قليلة(١) لا تفي بالغرض ، الأمر الذي تسرّب فيه العنصر الذاتي للمجتهد ودخل الإنسان بذوقه الخاص إلى التشريع(٢) ، كما ظهرت مدرسة الحديث قِبال

ـــــــــــــــــ

(١) هذا في غير مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام الذين حرصوا على نقل تراث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وواجهوا منع تدوين السنّة النبوية بالحث على التدوين والنقل والتعليم ؛ لئلاَّ تندرس معالم الدين .

(٢) فقد عرف حسن أبي حنيفة أنّه لم يصح عنده من أحاديث الرسول الفقهية سوى سبعة حشر حديثاً راجع مقدمة ابن خلدون : ٣٧٢ .

٥٤

مدرسة الرأي والتي عرفت بالجمود على ظاهر النص ولم تتفرّغ لتمييز صحيح النصوص من غيره .

٥ ـ غياب القدوة الحسنة والجماعة الصالحة التي تشكّل مناخاً لنمو الفضيلة وزرع الأمل في نفوس الأمة باتّجاه الأهداف الربّانيّة .

في هذا الظرف الذي ذهب فيه الخوف واستطاع المسلم أن يبحث عن المعرفة وعن حل لمشكلاته الفكرية ، قام الإمام الباقرعليه‌السلام بتشكيل حلقاته العلمية في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ فكان وجودهعليه‌السلام مركز جذب لقلوب طلاب الحقيقة فالتفّ حوله صحابة أبيه الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، وبدأ منذ ذلك الحين بالتركيز على بناء الكادر العلمي آملاً أن يواجه به المشكلات الفكرية التي بدأت تغزو الأمة المسلمة وكان يشكّل هذا الكادر فيما بعد الأرضية اللازمة لمشروع الإمام الصادقعليه‌السلام المرتقب ، فتناول الإمامعليه‌السلام أهمّ المشكلات الفكرية التي كان لها ارتباط وثيق بحياة الناس العقائدية والأخلاقية والسياسية .

وزجّ الإمام بكادره العلمي وسط الأمة بعد أن عبّأه بكل المؤهّلات التي تمكّنهُ من خوض المعركة الفكرية حينما قال لأبان بن تغلب :( اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإنّي أحبّ أن أرى في شيعتي مثلك ) (١) .

وعندما يدرك الأصحاب مغزى هدف الإمام من هذا التوجيه وضرورة الحضور مع الناس ؛ يتصدّى هؤلاء بأنفسهم لمعالجة المشكلات الفكرية وإبطال الشبه عن طريق الحوار والمناظرة حسب الخط الذي رسمه لهم الإمامعليه‌السلام في وقت سابق .

ـــــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال للكشي ٢/٦٢٢ ، ح ٦٠٣ .

٥٥

قال عبد الرحمن بن الحجاج : كنّا في مجلس أبان بن تغلب فجاء شاب فقال له : يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وأدرك أبان مراده فانبرى قائلاً : كأنّك تريد أن تعرف عليّاً بمَن تبعه من أصحاب رسول الله ؟ فقال هو ذاك .

فأجابه أبان : والله ما عرفنا فضلهم ـ أي الصحابة ـ إلاَّ باتّباعهم إيّاه .

وتعميقاً لهذا التوجيه وبنفس السياق يبادر محبوب أهل البيت ولسانهم مؤمن الطاق ليواجه أفكار حركة الخوارج ويردّ على جرأتها في التشكيك بموقف الإمام عليعليه‌السلام من مسألة التحكيم(١) .

يدخل مؤمن الطاق على بعض زعماء الخوارج في الكوفة فيقول له : أنا على بصيرة من ديني وقد سمعتك تصف العدل فأحببت الدخول معك ، فيقول الخارجي لأصحابه إن دخل هذا معكم نفعكم.

فيقول له مؤمن الطاق : لِمَ تبرّأتم من عليّ بن أبي طالب واستحللتم قتله وقتاله ؟

يجيبه الخارجي : لأنّه حكّم الرجال في دين الله .

فيقول له : وكلَّ من حكّم في دين الله استحللتم قتله ؟

فيجيب الخارجي : نعم .

فيقول له : أخبرني عن الدين الذي جئت أُنظارك به لأدخل معك فيه ، إن غَلَبَتْ حجّتي حجّتك ، من يوقِفُ المخطئ منّا عن خطئه ويحكم للمصيب بصوابه ؟

فيشير الضحّاك إلى رجل من أصحابه ويقول : هذا هو الحكم بيننا .

ـــــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ١/٢١ ـ ٢٢ وتنقيح المقال : ١/٤ .

٥٦

هنا يتوجّه مؤمن الطاق إلى مَن كان حاضراً من الخوارج ويقول : زعيمكم هذا قد حكّم في دين الله(١) وهكذا يفحمهم بحجّته البالغة ومنطقه القويم .

وقبل أن ننتهي من حياة الإمامعليه‌السلام نشير إلى ثلاث وقائع تاريخية لها صلة بالمرحلة التي سوف يتصدّى لها الإمام الصادقعليه‌السلام .

الواقعة الأولى : إنّ هشام بن عبد الملك هو واحد من الحكّام الأمويين الَّذين نصبوا العداوة لأهل البيت ، بل نراه قد زاد على غيره حتَّى أنّه على أثر الخطبة التي خطبها الإمام الصادقعليه‌السلام في مكة والتي أوضح فيها معنى القيادة ولمَن تكون القيادة ، يأمر هشام فور رجوعه إلى الشام بجلب الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام إلى دمشق لغرض التنكيل بهما .

وبعد اللقاء بهشام تفوّق الإمام الباقرعليه‌السلام في البلاط الأموي في الحوار الذي أجراه مع هشام ثم حواره مع عالم النصارى في الشام ، يسمح لهما هشام بالرجوع إلى المدينة ولكنّه يأمر أمير ( مدين ) ـ وهي المدينة الواقعة في طريقهما ـ بإيذائهما فقد جاء في رسالته : إنّ ابن أبي تراب الساحر محمّد بن علي وابنه جعفر الكذابين فيما يظهران من الإسلام ، قد وردا عليّ فلمّا صرفتهما إلى يوم الدين مالا إلى القسسين والرهبان ، وتقربّا إليهم بالنصرانية فكرهت النكال لقربهما ، فإذا مرّا بانصرافهما عليكم فليناد في الناس : برئت الذمّة ممّن باعهما وشاراهما وصافحهما وسلّم عليهما ، ورأى أمير المؤمنين قتلهما ودوابّهما وغلمانهما لارتدادهما والسلام(٢) .

ولم يترك هشام الإمام الباقرعليه‌السلام حُرّاً يتحرّك في المدينة ، ولم يسترح

ـــــــــــــــــ

(١) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : ٢/ ٧٢ .

(٢) دلائل الإمامة : ١٠٤ ـ ١٠٩ وبحار الأنوار : ٤٦ ـ ٣٠٦ .

٥٧

من تواجده في الساحة الإسلامية حتَّى أقدم على قتله غيلةً بالسمّ سنة (١١٤هـ)(١) .

الواقعة الثانية : في هذهِ الفترة تحفّز زيد بن علي بن الحسينعليه‌السلام وصمّم على الثورة ضد هشام بن عبد الملك على أثر تصرّفات الأمويين ، ولا سيّما تصرّف هشام المهين بحق زيد ، والنيل من كرامته ، وما كان يفعله هشام بحق الشيعة بشكل خاص .

لقد دخل زيد على هشام فسلّم عليه بالإمرة فلم يردّ السلام إهانةً له ، بل أغلظ في الكلام ولم يفسح له في المجلس .

فقال زيد : السلام عليك يا أحول ، فإنّك ترى نفسك أهلاً لهذا الاسم فغضب هشام وجرت بينهما محاورة كان نصيب هشام فيها الفشل ، وخرج زيد وهو يقول : ما كره قومٌ حرّ السيوف إلاَّ ذلّوا .

وأمر هشام بردّه وقال له : اُذكر حوائجك ، فقال زيد : أما وأنت ناظر على أمور المسلمين فلا وخرج من عنده وقال : مَن أحبّ الحياة ذلّ(٢) .

ومضى زيد إلى الكوفة ثمّ خطّط للثورة واستشار بذلك الإمام الباقرعليه‌السلام .

قال الإمام الصادقعليه‌السلام :إنّ عمّي أتى أبي فقال إنّي أريد الخروج على هذا الطاغية .

ولمّا أزمع على الخروج أتاه جابر بن يزيد الجعفي فقال له : إنّي سمعت أخاك أبا جعفر يقول :إنّ أخي زيد بن علي خارج ومقتول وهو على الحق فالويل لمَن خذله ، والويل لمَن حاربه ، والويل لمَن يقتله فقال له زيد : يا جابر لم يسعني أن أسكت وقد خولف كتاب الله تعالى

ـــــــــــــــــ

(١) شذرات الذهب : ١/١٤٩ ، تاريخ بن الأثير : ٤/٢١٧ ، طبقات الفقهاء : ٣٦ .

(٢) تاريخ الطبري : حوادث سنة ( ١٢١ ) ، وتاريخ ابن عساكر : ٦ / ٢٢ ـ ٢٣ .

٥٨

وتحوكم بالجبت والطاغوت(١) .

الواقعة الثالثة : ولمّا قربت وفاة الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام دعا بأبي عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام فقال له :إنّ هذه الليلة التي وُعدت فيها ثم سلّم إليه الاسم الأعظم ومواريث الأنبياء والسلاح وقال له :يا أبا عبد الله ، الله الله في الشيعة فقال أبو عبد الله :لا تركتهم يحتاجون إلى أحد ... (٢) .

بهذا العرض ننتهي من تصوير حياة الإمام الصادق مع أبيه لتبدأ مرحلة تصدّيه للإمامة ، وبها يبدأ عصر جديد من العمل والجهاد والإصلاح .

ـــــــــــــــــ

(١) راجع تيسير المطالب : ١٠٨ ـ ١٠٩ .

(٢) إثبات الهداة : ٥/٣٣٠ .

٥٩

الباب الثالث :

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : ملامح عصر الإمام الصادقعليه‌السلام .

الفصل الثاني : دور الإمامعليه‌السلام في تثبيت معالم الرسالة .

الفصل الثالث : دور الإمامعليه‌السلام في بناء الجماعة الصالحة .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وَأُشْهِدُ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ أَنّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ وَبِاِيَابِكُمْ مُوقِنٌ بِشَرَايِعِ دِيني وَخَوَاتِيمِ عَمَلي، وَقَلْبي لِقَلْبِكُمْ سِلْمٌ وَأَمْري لِأَمْرِكُمْ مُتَّبِعٌ

يُقال : أشهدته علی كذا إذا اتّخذته شاهداً عليه، وأُشهد الله، أي أجعلهم شهوداً علی إيماني بكم فإنّهم أشهاد عدول لا تُرد شهادتهم، ولا تخفیٰ عليهم السرائر، ولا تغيب عنهم مطويات القلوب والضمائر، وقد وصف الله تعالی نفسه بكونه شهيداً وشاهداً في مواضع من كتابه(١) ، وكذا الملائكة والأنبياء بقوله :( وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ ) (٢) ، وروي في قوله :( لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) (٣) إنّ الاُمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء ويطلب الأنبياء بالبيِّنة علی أنّهم قد بلّغوا فيؤتیٰ بأُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فيشهدون لهم)(٤)

وروي عن عليّعليه‌السلام أنّه قال: (إيّانا عنیٰ فرسول الله شاهد علينا، ونحن
________________________

١ ـ مثل قوله تعالی في سورة آل عمران : ١٨( شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ )

وقوله تعالی في سورة المنافقين : ١ ( وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) وغيرها من الآيات

٢ ـ هود : ١٨

٣ ـ البقرة : ١٤٣

٤ ـ راجع مجمع البيان للطبرسيقدس‌سره ج ١، ص ٢٨٨، ط : بيروت مؤسسة التاريخ العربي

١٦١

شهداء الله علی خلقه وحجّته في أرضه)(١)

قوله : بكم مؤمن أي بحقيقة نورانيّتكم، ومراتب علومكم وأسراركم الخاصّة بكم، والإيمان التصديق والإذعان

وفي الجامعة : (أشهد الله وأُشهدكم أنّي مؤمن بكم وبما آمنتم به، كافرٌ بعدوّكم وبما كفرتم به)(٢)

قوله : (وبإيابكم) يُحتمل أن يتعلّق بمؤمن أي مؤمن بكم وبإيابكم إلی الدُّنيا في زمن الرجعة،(٣) ويؤيّده ما في زيارة العبّاسعليه‌السلام «إنّي بكم وبإيابكم من المؤمنين»(٤)

________________________

١ ـ شواهد التنزيل للحسكاني من أعلام القرن الخامس الهجري، ج ١ ص ٩٢، ط بيروت الأعلمي، ومجمع البيان ج ١ ص ٢٨٨، وتأويل الآيات ص ٨٦، وتفسير البرهان ج ١، ص ١٦٠

٢ ـ قال السيّد عبدالله شبّر في الأنوار اللامعة ص ١٥٢ : (فيه إشارة إلی أنّ الإيمان بهمعليهم‌السلام لا يتمّ إلّا مع الكفر بعدوّهم والبراءة منه وأنّ حبّهم لا يجتمع مع حبّ أعدائهم)

٣ ـ روی السيّد هاشم البحرانيقدس‌سره في تفسير البرهان ج ٣، ص ٢١١، ح ١٥، عن الإمام الصادقعليه‌السلام في قوله تعالی :( وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ ) قال: ليؤمنن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولينصرن عليّاً أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: نعم والله من لدن آدم وهلّم جرّا فلم يبعث الله نبيّاً ولا رسولاً إلّا رُدَّ جميعهم إلی الدُّنيا حتّی يُقاتلوا بين يدي عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام

وروی القمّي في تفسيره ج ١، ص ١١٤، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال: (ما بعثَ الله نبيّاً من لدن آدم فهلم جرا إلّا ويرجع إلی الدُّنيا وينصر أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو قوله : ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ) يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ( وَلَتَنصُرُنَّهُ ) يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام )

٤ ـ راجع زيارة أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام المطلقة في كتب الزيارات

١٦٢

ويُحتمل أن يتعلّق بقوله موقن أي مؤمن بكم وموقن بإيابكم، وهذا أظهر، وفي الكلام تصريح بثبوت رجعتهمعليهم‌السلام إلی الدُّنيا لـمّا وعدهم الله من الدولة والنصرة، كيف وقد روي : «إنّ عمر الدُّنيا مئة ألف عام لهمعليهم‌السلام منها ثمانون ألفاً يتمحض لهم الدولة والسلطة»(١)

وهذه أي الرجعة من ضروريّات مذهبنا معاشر الإمامية(٢) وقد دلّت عليها آيات كثيرة وأخبار متواترة(٣) تزيد علی مئتين بل عن بعضهم وقف علی ستّمئة

________________________

١ ـ أخرجه حسن بن سليمان الحلّي في مختصر بصائر الدرجات بتفاوتٍ يسير ص ٢١٢ ط : النجف ١٩٥٠ م

٢ ـ انفردت الإماميّة بالاعتقاد في الرجعة، واعتمدتها كضرورة من ضروريّات المذهب، ونظرية مسلّمة يجب الإقرار بها واعتقادها، وتجديد الاعتراف بها في الأدعية والزيارات، وفي كلّ وقتٍ كالإقرار في كثير من الأوقات بالتوحيد والنبوّة والإمامة والمعاد

وفي نفس الوقت أنكروا ذلك أعلام العامّة منهم الفخر الرازي في تفسيره ج ٢٤، ص ٢١٧ ـ ٢١٨، وابن أبي الحديد في شرح النهج ج ٧، ص ٥٩، والزمخشري، وابن خلدون، وابن الأثير

٣ ـ قال السيّد عبدالله شبّر في الأنوار اللامعة ص ١٥٧ : (وأمّا الأخبار التي وردت من طرقنا فهي قريبة التواتر بل لعلّها متواترة، وقد رواها جمٌّ غفير من ثقات علمائنا الأعلام وجمعٌ كثير من الثقات العظام قريباً من مئتي حديث ومنهم الكليني والصدوق والمفيد والطوسي والمرتضی والنجاشي والكشي والعيشاي وعليّ بن إبراهيم، وسُليم الهلالي، والكراجكي، والنعماني، والصفّار، وسعد بن عبدالله، وابن قولويه، وابن طاووس، وأمين الإسلام أبو الفضل الطبرسي، وأبو طالب الطبرسي، والبرقي، وابن شهرآشوب، والقطب الراوندي، والعلّامة، والفضل ابن

١٦٣

وعشرين حديثاً

وفي الجامعة : «معترفٌ بكم، مؤمن بإيابكم، مصدّق برجعتكم، منتظر لأمركم، مرتقبٌ لدولتكم»(١)

وفي الدعوات والزيارات(٢) المأثورة عن المعصومين ما لا يُحصیٰ ممّا يدلّ

شاذان والشهيد الأوّل وغيرهم)

من الآيات الدالّة علی الرجعة :

أ‌ ـ قوله تعالی في سورة النمل : ٨٣( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا )

ب‌ ـ قوله تعالی في سورة النور : ٥٥( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )

ج‌ ـ قوله تعالی في سورة القصص : ٥، ٦( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ )

د‌ ـ قوله تعالی في سورة البقرة : ٢٤٣( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّـهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ )

وأمّا الأخبار الدالّة علی الرجعة نكتفي بما ذكره الشارحقدس‌سره في المتن

١ ـ راجع شرح هذه الفقرة في الأنوار اللامعة للسيّد عبدالله شبّر ص ١٥٤ ط : مكتبة الأمين، قم

٢ ـ راجع دعاء العهد فإنّ فيه فقرات صريحة بالرجعة

وأمّا من الزيارات التي فيها إشارة للرجعة منها :

١٦٤

علی هذا المدعیٰ صريحاً

وفي بعض الأخبار عن الصادقعليه‌السلام : (أيّام الله ثلاثة : يوم يقوم القائم، ويوم الكرّة، ويوم القيامة)(١)

وفي بعضها عنهعليه‌السلام : (مَن يكرّ في رجعة الحسين بن عليّعليه‌السلام فيمكث في الأرض أربعين ألف سنة حتّی يسقط حاجباه علی عينيه)(٢)

وفي بعضها عن إبراهيم قال: قلتُ لأبي عبداللهعليه‌السلام : (يقول الله :( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ) (٣) فقال : هي والله النصاب قلتُ : رأيناهم دهرهم أطول في الكفاية حتّی ماتوا فقال : والله ذاك في الرجعة يأكلون العذرة)(٤)

زيارة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من بعيد (راجع البحار ج ١٠٠ ص ١٨٩) وزيارة الإمام الحسينعليه‌السلام في عيدي الفطر والأضحیٰ (راجع مفاتيح الجنان ص ٥٤٣) وزيارتهعليه‌السلام يوم عرفة

١ ـ أخرجه الصدوق في الخصال ص ١٠٨ ح ٧٥، وفي معاني الأخبار ص ٣٦٥، ح ١، ومختصر بصائر الدرجات للحلّي ص ٤١، والرجعة للميرزا محمّد مؤمن الاسترآبادي الشهيد بمكة سنة (١٠٨٨ هـ) ص ٧٥، ح ٤٦ ط : قم دار الاعتصام

٢ ـ أخرجه الحلّي في مختصر البصائر ص ١٨، وعنه البحار ج ٥٣، ص ٦٣، ح ٥٤، والرجعة للميرزا الاسترآبادي ص ٣٦، ح ٥، والبرهان ج ٢، ص ٤٠٨، ح ١٠، وحلية الأبرار ج ٢، ص ٦٥٠ ط : الأعلمي بيروت، وهذا نصّه :

(عن معلّی بن خنيس وزيد الشحّام، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قالا : سمعناه يقول: إنّ أوّل مَن يكرّ في الرجعة الحسين بن علي فيمكث في الأرض أربعين سنة حتّی يسقط حاجباه علی عينيه)

٣ ـ طه : ١٢٤

٤ ـ رواه القمّي في تفسيره ج ٢، ص ٦٥، ومختصر البصائر ص ١٨، والاسترآبادي في

١٦٥

وفي بعضها : عن جميل عنهعليه‌السلام قال: قلتُ له : قول الله( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) (١) قال: ذلك والله في الرجعة، أما علمتَ أنّ أنبياء الله كثيرة لم يُنصروا في الدُّنيا وقتلوا، وأئمّة قتلوا ولم ينصروا، فذلك في الرجعة قلت :( وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ) (٢)

قال : هي الرجعة)(٣)

وفي بعضها عنهعليه‌السلام أيضاً قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في قول الله :( رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) (٤) قال: هو إذا خرجتُ أنا وشيعتي وخرج عثمان بن عفّان وشيعته ونقتل بني أميّة فعندها يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين)(٥)

الرجعة ص ٤٠، ح ٩، وعنه البرهان ج ٣، ص ٤٧، ح ٥، وهذا نصّه : «عن معاوية بن عمّار قال: قلتُ لأبي عبداللهعليه‌السلام : يقول الله عزّوجلّ :( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ) فقال : هي والله للنصاب

قلتُ : فقد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية حتّی ماتوا ؟

فقال : والله ذاك في الرجعة، يأكلون العذرة

١ ـ غافر : ٥١

٢ ـ سورة قۤ : ٤١ و ٤٢

٣ ـ مختصر بصائر الدرجات ص ١٨، والبحار ج ٥٣، ص ٦٥، ح ٥٧، والرجعة للاسترآبادي ص ٤١، ح ١٠، والبرهان ج ٤، ص ١٠٠، ح ٢

٤ ـ الحجر : ٢

٥ ـ مختصر بصائر الدرجات ص ١٧، والرجعة ص ٣٨، ح ٦

١٦٦

وفي بعضها عنهعليه‌السلام قال: (إنّ إبليس قال:( أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (١) فأبیٰ الله ذلك عليه فقال :( فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) (٢) فإذا كان يوم المعلوم ظهر إبليس في جميع أشياعه منذ خلق الله آدم إلی يوم الوقت المعلوم، وهي آخر كرّة يكرّها أمير المؤمنينعليه‌السلام قلتُ : وأنّها لكرّات ؟ قال : نعم لكرّات وكرّات ما مِن إمام في قرن إلّا ويكرُّ معه البرّ والفاجر في دهره حتّی يديل الله المؤمن علی الكافر)(٣)

________________________

١ ـ سورة الأعراف : ١٤

٢ ـ سورة الحجر : ٣٧ و ٣٨

٣ ـ مختصر بصائر الدرجات ص ٢٦، والبحار ج ٥٣، ص ٤٢، ح ١٢، والرجعة ص ٣٤، ح ٣، وإليك تكملة الرواية :

( فإذا كان يوم الوقت المعلوم كرّ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في أصحابه، وجاء إبليس في أصحابه، ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال لها : الروحاء، قريب من كوفتكم، فيقتتلون قتالاً لم يقتتل مثله منذ خلق الله ـ عزّوجلّ ـ العالمين، فكأنّي أنظر إلی أصحاب عليّ أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ قد رجعوا إلی خلفهم القهقری مئة قدم، وكأنّي أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات

فعند ذلك يهبط الجبّار ـ عزّوجلّ ـ في ظللٍ من الغمام، والملائكة، وقضي الأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمامه بيده حربة من نور، فإذا نظر إليه إبليس رجع القهقری ناكصاً علی عقبيه، فيقول له أصحابه : أين تريد وقد ظفرت ؟ فيقول : (إنّي أری ما لا ترون) (إنّي أخاف الله ربّ العالمين)، فليحقه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيطعنه طعنةً بين كتفيه، فيكون هلاكه وهلاك جميع أشياعه فعند ذلك يعبد الله ـ عزّوجلّ ـ ولا يشرك به شيئاً، ويملك أمير المؤمنين عليه‌السلام أربعاً وأربعين ألف سنة حتی يلد للرجل من شيعة

١٦٧

وفي بعضها عن أحدهماعليهم‌السلام في قول الله :( وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ ) (١)

قال : في الرجعة(٢)

وفي بعضها عن الصادقعليه‌السلام : (ليس أحدٌ من المؤمنين قُتِلَ إلّا سيرجع حتّی يموت، ولا أحد من المؤمنين يموت إلّا سيرجع حتّی يُقتل)(٣)

وفي بعضها عن أبي إبراهيمعليه‌السلام قال: (لترجعنّ نفوس ذهبت، وليقتصّن يوم يقوم، ومَن عذّب يقتصّ بعذابه، ومَن أُغيظ (يقتصّ) بغيظه ويرد لهم أعداءهم حتّی يأخذوا بثأرهم، ثمّ يعمرون بعدهم ثلاثين شهراً، ثمّ يموتون

عليعليه‌السلام ألف ولد من صلبه ذكراً، وعند ذلك تظهر الجنّتان المدهامّتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله

١ ـ الإسراء : ٧٢

٢ ـ أوردها العيّاشي في تفسيره ج ٢، ص ٣٠٦، ح ١٣١، ورواه الحلّي في مختصر البصائر ص ٢٠، والبحار ج ٥٣، ص ٦٧، ح ٦١، والإيقاظ من الهجعة للعاملي ص ٢٧٤، ح ٨١

٣ ـ مختصر بصائر الدرجات ٢٥، والبحار ج ٥٣، ص ٤٠، ح ٥، والرجعة ص ٥٥، ح ٢٩، والبرهان ج ٣، ص ٢١١، ح ١٥ وإليك نصّها : (عن عمر بن أُذينة قال: حدّثنا محمّد بن الطيّار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام في قول الله :( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ) فقال : ليس أحد من المؤمنين قُتِلَ إلّا سيرجع حتّی يموت، ولا أحد من المؤمنين يموت إلّا سيرجع حتّی يُقتل)

 ـ في المصدر (أغاظ) بدل (يقتصّ)

 ـ في المصدر هكذا (ومَن قُتِلَ أُقتصّ بقتله) والظاهر سقطَ هذا الذي أثبتناه

 ـ في البحار (معهم)

١٦٨

في ليلة واحدة قد أدركوا ثأرهم، وشفوا أنفسهم ويصير عدوّهم إلی أشدّ النار عذاباً، ثمّ يوقفون بين يدي الجبّار فيؤخذ لهم بحقوقهم)(١)

وفي بعضها عن الصادقعليه‌السلام في قول الله :( كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) (٢) قال: مرّة بالكرّة، وأُخریٰ يوم القيامة(٣)

وفي بعضها : (كأنّي بسيرٍ من نور قد وضع عليه قبّة من ياقوتة حمراء مكلّلة بالجوهر، وكأنّي بالحسين جالساً علی ذلك السرير، وحوله تسعون ألف قبّة خضراء، وكأنّي بالمؤمنين يزورونه ويسلِّمون عليه فيقول الله لهم : أوليائي سلوني فطالما أوذيتم وذللتم واضطهدتم، فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدُّنيا والآخرة إلّا قضيتها لكم فيكون أكلهم وشربهم من الجنّة)(٤)

وفي بعضها عن عليّعليه‌السلام قال: (وإنّي لصاحب الكرّات ودولة الدول)(٥)

وفي بعضها عن الباقرعليه‌السلام : (والله لُيملَكنّ منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمئة سنين وتزداد تسعاً، قلت : متی يكون ذلك ؟ قال: بعد القائمعليه‌السلام ، قلتُ : وكم يقوم القائمعليه‌السلام في عالمه ؟ قال: تسع عشرة سنة، ثمّ يخرج المنتصر إلی الدُّنيا وهو الحسينعليه‌السلام فيطلب بدمه ودماء أصحابه فيقتل ويسبیٰ حتّی يخرج

________________________

١ ـ مختصر البصائر ص ٢٨، وعنه البحار ج ٥٣، ص ٤٤، ح ١٦، والرجعة ص ٥٩، ح ٣٧

٢ ـ التكاثر : ٣ و ٤

٣ ـ مختصر البصائر ص ٢٠٤، والبحار ج ٥٣، ص ١٠٧، ح ١٣٥، والإيقاظ من الهجعة ص ٢٨٢، ح ٩٩، ورواه الاسترآبادي في تأويل الآيات ص ٨١٥

٤ ـ البحار ج ٥٣ ص ١١٦

٥ ـ الكافي ج ١ ص ٦٩٧

١٦٩

السفّاح وهو أمير المؤمنينعليه‌السلام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام )(١)

وفي بعضها عن الصادقعليه‌السلام : «أوّل مَنْ تنشقّ الأرض عنه ويرجع إلی الدُّنيا الحسين بن عليّعليه‌السلام وإنّ الرجعة ليست بعامّة، وهي خاصّة لا يرجع إلّا مَن مُحض الإيمان محضاً، أو مُحض الشرك محضاً)(٢)

وفي بعضها عن الباقرعليه‌السلام : (إنّ رسول الله وعليّاًعليهما‌السلام سيرجعان)(٣)

وفي بعضها : (إنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن اليوم الذي ذكر الله مقداره في القرآن( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) (٤) وهي كرّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيكون ملكه في كرّته خمسين ألف سنة، ويملك عليّ عليه‌السلام في كرته أربعة وأربعين سنة)(٥)

وأنت خبيرٌ بأنّ الناظر فيما ذكرناه من الأخبار وغيره ممّا لا يسعه هذا المضمار لا يرتاب في حقيّة الرجعة وثبوتها في الجملة(٦) ، وفي بعض الأخبار

________________________

١ ـ أخرجه العيّاشي في تفسيره ج ٢، ص ٣٢٦، ح ٢٤، والنُعماني في الغيبة ص ٣٣١، ح ٣، ومختصر البصائر ص ٢١٣ ـ ٢١٤، والبحار ج ٥٢، ص ٢٩٨، ح ٦١، والبرهان ج ٢، ص ٤٦٥، ح ٢، وحلية الأبرار ج ٢، ص ٦٤٠

٢ ـ راجع مختصر البصائر ص ٢٤، البحار ج ٥٣، ص ٣٩، ح ١، والرجعة ص ٥٣، ح ٢٦، وحلية الأبرار للبحراني ص ٦٥٠، ج ٢

٣ ـ مختصر البصائر ص ٢٤، والبحار ج ٥٣، ص ٣٩، ح ٢، مدينة المعاجز ج ٣، ص ٩٩، ح ٧٦١، والإيقاظ من الهجعة : ص ٣٧٩، ح ١٤٣

٤ ـ المعارج : ٤

 ـ في المصدر (أمير المؤمنين) بدل (علي)

٥ ـ الرجعة ص ٣٣، ح ٢، والبرهان ج ٤، ص ٣٨٣، ح ٦

٦ ـ مَن أراد المزيد من الأخبار فليراجع كتاب مختصر بصائر الدرجات للحلّي،

١٧٠

نسبة إنكارها إلی القدرية، وقد أجادَ مَن قال: إنّه إذا لم يكن مثل هذا متواتراً ففي أيّ شيءٍ يمكن دعوی التواتر، مع ما روته كافّة الشيعة خلفاً عن سلف، وظنّي أنَّ مَن يشكّ في أمثالها فهو شاكٌ في أئمّة الدِّين(١) ، ولا يمكنه إظهار ذلك من بين المؤمنين فيحتال في تخريب الملّة القويمة بإلقاء ما يتسارع إليه عقول المستضعفين من استبعاد المتفلسفين، وتشكيكات الملحدين :( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (٢)

والحاصل : إنّ هذا أمرٌ ممكن يمكن تعلّق القدرة الإلهية به، وقد أخبر به الصادقون المعصومون قطعاً فيجب الاعتقاد به(٣) ، ولو من باب التسليم المأمور به بقوله تعالیٰ :( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) (٤)

وبجملة من الأخبار المعتبرة فلا تستمع إلی الملاحدة الذين يلقون الشبهات إلی الضعفاء باستبعاد هذا الأمر وإنكاره، وما هذا إلّا كاستبعاد المعاد ونحوه من الضروريات، وظاهر الأخبار بل صريح كثير منها أنّهمعليهم‌السلام يرجعون إلی الدُّنيا بأشخاصهم وأجسادهم التي كانوا عليها، فلا تلفت إلی الجهلة الذين يؤولون هذه الأخبار إلی خلاف ظاهرها من غير برهان قاطع، متابعة لهوی

والرجعة للميرزا الاسترآبادي، والإيقاظ من الهجعة بالبرهان علی الرجعة للحرّ العاملي، وغيرها

١ ـ روی الصدوق في مَن لا يحضره الفقيه : ج ٣، ص ٤٥٨، ح ٤٥٨٣، عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: (ليس منّا مَن لم يقل بمتعتنا، ويؤمن برجعتنا)

٢ ـ التوبة : ٣٢

٣ ـ راجع الاعتقادات لشيخنا الصدوق باب (١٨) الاعتقاد في الرجعة ص ٣٩، ط قم

٤ ـ النساء : ٥٩

١٧١

أنفسهم وسوء آرائهم فيقولون : إنّ المراد رجعة حقائقهم وصفاتهم، في هياكل متجدّدة وأجساد غير ما كانوا عليه في الأزمنة السابقة، وقد بيّنا فساد هذه العقيدة في جملة من رسائلنا

نعم، اختلفت الأخبار ظاهراً في كيفيّة الرجعة، وترتيب مَن يرجع من الأئمّةعليهم‌السلام ولا حاجة بنا مهمّة إلی الجمع بينهما بعد تسليم أصل الرجعة، وليعلم أنّ الرجعة لا تصدق علی ظهور القائمعليه‌السلام فإنّهعليه‌السلام : حيٌّ موجود الآن لا شكَ في حياته يظهر بعد ذلك متیٰ شاء الله فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً(١)

فإذا مضیٰ مِن أوّل ظهوره تسع وخمسون سنة خرج الحسينعليه‌السلام وهو صامت إلی أن تمضي إحدی عشرة سنة فتقتله امرأة من بني تميم لها لحية كلحية الرجل تسمّی (سعيدة) وهي شقيّة، فيتولّیٰ الحسينعليه‌السلام تجهيزه فيقوم بالأمر بعده(٢) ، فالرجعة من زمن خروج الحسينعليه‌السلام إلی أن يرفع مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر الأئمّةعليهم‌السلام إلی السماء، وذلك بعد كمال دينهم وسلطنتهم كما وعدهم الله

وقوله : (بشرايع ديني) أمّا متعلِّق بموقن كما تقدّم أو بمحذوف ليكون حالاً من المستتر في أشهد الله أو في موقن أي متلبّساً بشرائع ديني أي طرائقه وسبله، وفيه إشارة إلی أنّ مجرّد الإيمان بهم لا يكفي بل لابدّ في ذلك من الائتمار بأوامرهم، والانتهاء بنواهيهم، وإطاعتهم فيما شرعوه من الأحكام، والحدود، والانقياد لهم فيما يأمرون به، وينهون عنه فمَن لم يكن كذلك فهمعليهم‌السلام منه براء

________________________

١ ـ روضة الواعظين ص ٢٦١، ج ٢ ط ؛ الشريف الرضي

٢ ـ حلية الأبرار ج ٢، ص ٦٤٣

١٧٢

كما يدلّ عليه أخبار كثيرة

قال الصادقعليه‌السلام : (إنّما أصحابي مَن اشتدَّ ورعه، وعمل لخالقه ورجا ثوابه فهؤلاء أصحابي)(١)

وقالعليه‌السلام : (ليس منّا ولا كرامة مَن كان في مِصر فيه مئة ألف أو يزيدون، وكان في ذلك المصر أحد أورع منه)(٢)

وقال الباقرعليه‌السلام : (أيكفي مَن انتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت فوالله ما شيعتنا إلّا مَن اتّقی الله وأطاعه إلی أن قال: فاتّقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحدٍ قرابة، أحبُّ العباد إلی الله وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر والله ما يتقرّب إلی الله إلّا بالطاعة أمعنا براءة من النار ولا علی الله لأحد من حجّة، مَن كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومَن كان الله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تنال ولايتنا إلّا بالعمل والورع، فلا تستمع إلی قومٍ سوّل الشيطان لهم أعمالهم فزعموا أنّ الدِّين هو مجرّد دعوی حبّ آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فارتكبوا الكبائر ونبذوا أحكام الله وراء ظهورهم وهم لا يشعرون)(٣)

ويُحتمل أن يكون بشرائع بدلاً من قوله : (بكم وبإيابكم) ففيه إشارة إلی أنّهمعليهم‌السلام شرائع الدِّين، لكونهم الأئمّة الراشدين المظهرين لأمر الله ونهيه

________________________

١ ـ أصول الكافي : ج ٢، ص ٦٢، باب الورع، ح ٦

٢ ـ روی الشيخ الكلينيقدس‌سره في الكافي ج ٢، ص ٦٤، باب الورع، ح ١٥، عن أبي الحسن الأوّلعليه‌السلام قال: (كثيراً ما كنتُ أسمع أبي يقول: ليس من شيعتنا مَن لا تتحدّث المخدّرات بورعه في خدورهنّ، وليس من أوليائنا مَن هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم من خلق الله أورع منه)

٣ ـ أخرجه الكليني في الكافي ج ٢، ص ٦٠، ح ٣، باب (الطاعة والتقویٰ)

١٧٣

فتأمّل

والخواتيم : جمع الخاتمة، وخاتمة العمل آخره وعاقبته ممّا يختم به من خيرٍ أو شرٍّ أو ما يترتّب عليه من ثواب وعقاب، فإنّ ذلك نتائج الأعمال

قالعليه‌السلام : (مَن خُتِم له بقيام ليلة ثمّ ماتَ فله الجنّة)(١)

ويُحتمل أن يُراد بالعمل هنا خصوص الزيارة، أو خصوص الولاية فخاتمته يكون خيراً وثواباً كما أنّه يُراد بالعمل هنا خصوص الولاية فخاتمته يكون خيراً وثواباً كما أنّه يُراد به في قوله : (اللّهم إنّي أستودعك خاتمة عملي)(٢)

خصوص الإيمان والتوحيد المشار إليه بقوله : (مَن كان آخر كلامه لا إله إلّا الله وجبت له الجنّة)(٣) فإنّه لا معنی لاستيداع الله الشرّ من الأعمال

وكيف كان لو علّقنا الجار والمجرور بموقن فلا إشكال إذ المعنی أنّي علی يقين بشرائع ديني وبنتائج عملي، لأنّ الله، ورسوله، والأئمّة أخبروني بذلك، ولم أشك في صدقهم، وأمّا علی غير ذلك فلابدّ من تقدير إذ المعنی متلبّساً بشرائع ديني وبالإذعان بخواتيم عملي

قوله : (وقلبي لقلبكم سلمٌ) أي صلح لا حرب قال الطريحي : والسلم كهمل : المسالم يقال : أنا سلمٌ لمَن سالمني وحربٌ لمن حاربني)(٤)

وفي حديث وصف الأئمّة : (يُطهّر الله قلب عبد حتّی يُسلّم لنا ويكون سلماً لنا أي يرضیٰ بحكمنا ولا يكون حرباً علينا)(٥)

________________________

١ ـ الفقيه ج ١ ص ٤٧ ؛ ووسائل الشيعة ج ٨ ص ١٥٤

٢ ـ الكافي ج ٤ ص ٢٨٣ ؛ والفقيه ج ٢ ص ٢٧١

٣ ـ راجع الكافي ج ٢، ص ٣٧٥، باب (مَن قال لا إله إلّا الله)

٤ ـ مجمع البحرين، ج ٢، ص ٣٨

٥ ـ الكافي ج ١ ص ٦٩٤ باب أن الأئمة نور الله عز وجل

١٧٤

(وقلبي لكم مسلّم ورأيي لكم متّبعٌ)(١) والمعنيان متقاربان إذ المراد أنّه لا اعتراض لقلبي علی أفعالكم ولا عداوة فيه لكم(٢) ، لأنّي أعلم أنّكم أولياء الله وعباده المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وفيه إشارة إلی ما أشرنا إليه من وجوب التسليم لهمعليهم‌السلام كما قال تعالیٰ :( وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (٣) وإلی أنّ التسليم لا يكون إلّا بالقلب فلا يجدي مجرّد الدعوی باللسان

كيف وقد روي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال: (بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام في مسجد الكوفة إذ أتاه رجلٌ فقال : يا أمير المؤمنين ؛ إنّي أحبّك، قال: ما تفعل قال: والله إنّي لأحبّك، قال: ما تفعل قال: بلی والذي لا إله إلّا هو قال: والله الذي لا إله إلّا هو ما تحبّني فقال : يا أمير المؤمنين إنّي أحلف بالله إنّي أحبّك وأنت تحلف بالله ما أحبّك والله كأنّك تخبرني إنّك أعلم بما في نفسي فغضب أمير المؤمنين فرفع يده إلی السماء وقال : كيف يكون ذلك وهو ربنا خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ثمّ عرض علينا المحبّ من المبغض فوالله ما رأيتك فيمن أحبّنا فأين كنتَ(٤)

وقريب منه أخبار أُخر مروية في بصائر الدرجات في باب أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام عرف ما رأی في الميثاق(٥)

________________________

١ ـ هذا مقطع من الزيارة الجامعة

٢ ـ روی الكليني في الكافي ج ١، ح ١، باب التسليم عن الإمام الباقرعليه‌السلام : (إنّما كُلّف الناس ثلاثة : معرفة الأئمّة، والتسليم لهم فيما ورد عليهم، والردّ إليهم فيما اختلفوا فيه)

٣ ـ الأحزاب : ٥٦

٤ ـ أخرجه الصفّار في بصائر الدرجات ج ٢، ص ٨٧، ح ٤، باب (١٥)

٥ ـ بصائر الدرجات ٢ / ٨٦ باب ١٥ إذ ذكر عدّة روايات في هذا الخصوص فراجع

١٧٥

والمراد بالقلب هو اللمعة النورانية الملكوتية التي بها يدرك حقائق الأشياء، ويعرف لطائف الأسرار لا نفس الجسم الصنوبري المودع فيه هذه القوّة الملكوتية كالبصر المودع فيه القوّة الباصرة، وإن شئت قلت : إنّه العقل الذي يُعبد به الرحمٰن ويكتسب به الجنان ولذا قال: (لقلبكم)، فإنّ قلوبهمعليهم‌السلام أوعية العلوم الإلهية وخزائن المعارف الربّانية فقلب الشيعة يسلّم كلّ ما يصدر من قلوبهمعليهم‌السلام لإذعانه بأنّه من الله واعتقاده بأنّه من منبع الحقّ فلا ينكره ولا يعترض عليه بلِمَ ولا كيف، وقلوب الشيعة مخلوقة من قلوبهم كما أنّ أجسادهم مخلوقة من فاضل طينتهم

وفي بعض الأخبار : (إنّا خلقنا من نور الله وخلق شيعتنا من دون ذلك النور فإذا كان يوم القيامة ألحقت السفلی بالعليا، وفيه يا مفضّل أتدري لِمَ سمّيت الشيعة شيعة ؟ يا مفضّل شيعتنا منّا، ونحن من شيعتنا، أما تریٰ هذه الشمس أين تبدو ؟ قلت : من مشرق، قال: وإلی أين تعود ؟ قلت : إلی مغرب، قالعليه‌السلام : هكذا شيعتنا، منّا بدؤوا وإلينا يعودون)(١) ، وإنّما أفرد القلب مع إضافته إليهمعليهم‌السلام للإشارة إلی اتّحادهم في الحقيقة النورية القدسية

قوله : (وأمري لأمركم) يُريد أنّه تابع لهم في جميع أحواله وأموره، فإنّ المفرد المضاف مفيد للعموم علی ما صرّح به جماعة، فالمراد أنّه شيعة لهم يفتخر بمتابعته لهم في الأوامر والنواهي، ويحذو حذوهم ويُطابق فعله فعلهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة كما هو شرط صدق هذا الاسم علی ما يقتضيه كثير من الأخبار

وأيضاً راجع مختصر بصائر الدرجات للحلي ص ١٦٦

١ ـ بحار الأنوار ج ٢٥ ص ٢١

١٧٦

صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَعَلىٰ أَرْوَاحِكُمْ وَعَلىٰ أَجْسَادِكُمْ وَعَلىٰ [أَجْسَامِكُمْ]  وَعَلىٰ شَاهِدِكُمْ وَعَلىٰ غَائِبِكُمْ وَعَلىٰ ظَاهِرِكُمْ وَعَلىٰ بَاطِنِكُمْ

أشار إلی أنّهمعليهم‌السلام في جميع أحوالهم وأطوارهم ومراتبهم ومقاماتهم وشؤونهم وكيفيّاتهم وظهوراتهم وتجلّياتهم وتنقّلاتهم مستحقّون للصلوات والتحيّات مِن خالقهم وبارئهم فإنّهم في جميع هذه الحالات لا يزالون عارجين معارج القرب، سالكين مسالك الجذب، متقرِّبين إلی بساط الديموميّة، بوسائل العبودية الكاملة كما قالعليه‌السلام في دعائه يوم عرفة : «وأنا أشهدُ يا إلٰهي بحقيقيّة إيماني وعقد عزمات يقيني، وخالص صريح توحيدي، وباطن مكنون ضميري وعلائق مجاري نور بصري ...»(١)

فأشار بقوله : (عليكم) إلی مقام حقيقتهم المقدّسة ومرتبة نورانيّتهم العالية التي لم تلد ولم تولد، ولم يعرفها غير الله أحد، لكونها أوّل ما خلق الله في عالم الإبداع كما قال: (نحن صنائع الله)(٢) ، وهذا هو المقام المشار إليه بقوله : (لولاك
________________________

ـ في المصباح (فصلوات الله ...)

ـ في المصباح بين المعقوفتين غير موجودة

١ ـ راجع مفاتيح الجنان للقمّي ص ٢٤٥ (دعاء الإمام الحسينعليه‌السلام يوم عرفة)

٢ ـ أخرجه البرسي في مشارق أنوار اليقين ص ٧٧ فصل (٤٢) قم، الشريف الرضي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «أوّل ما خلق الله تعالی نوري، ثمّ فتق منه نور عليّ، فلم نزل نتردّد في النور حتی وصلنا إلی حجاب العظمة في ثمانين ألف سنة، ثمّ خلق الخلائق من نورنا فنحن صنايع الله والخلق من بعد صنايعٌ لنا»

١٧٧

لما خلقتُ الأفلاك)(١) ، وقد كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يعنيه في صلاته بقوله : (أشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسوله) وبقوله : (السلامُ عليك أيّها النبيّ) وإلی هذا المقام أشار أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله : (أنا ذات الذوات)(٢) وبقوله : (أنا المعنی الذي لا يقع عليه اسمٌ ولا شبه)(٣)

قوله : (وعلی أرواحكم) يُمكن أن يُراد بها نفوسهم القدسية، وأن يُراد بها عقولهم الشريفة وهم وإن اتّحدوا في هذا المقام أيضاً ولكن الجمع باعتبار تعدّد الهياكل البشرية واختلاف المظاهر الجسمانية، وذلك لا يوجب التعدّد في أصل الروح كالصورة المرئية في مرايا متعدِّدة

وما الوجه إلّا واحدٌ غير أنّه

إذا أنتَ عدّدتَ المرايا تعدّدا

ويُحتمل أن يُراد بالأرواح الأرواح الخمسة المشار إليها في جملة من الأخبار(٤) ، مثل ما رواه جابر عن الباقرعليه‌السلام قال: «إنّ الله خلق الأنبياء والأئمّة علی خمسة أرواح : روح القوّة، وروح الإيمان، وروح الحياة، وروح الشهوة، وروح القدس، فروح القدس(٥) لا يلهو ولا يتغيّر ولا يلعب، وبروح القدس علموا يا جابر ما دون العرش إلی ما تحت الثریٰ»(٦)

________________________

١ ـ تقدّم هذا الحديث فراجع

٢ ـ راجع مشارق أنوار اليقين للبرسي ص ٦٤ فصل (٢٨)

٣ ـ أخرجه البرسي في المشارق ص ٣١٨، فصل (١٥٠) وهي خطبة طويلة يُعرّف الإمامعليه‌السلام نفسه

٤ ـ راجع بصائر الدرجات للصفّار ج ٩، ص ٤٤٥ حيث ذكر روايات كثيرة تدلّ علی هذا المطلب وبعضها قد تقدّم

٥ ـ في المصدر (وروح القدس من الله وسائر هذه الأرواح يصيبها الحدثان ...)

٦ ـ بصائر الدرجات ج ٩، ص ٤٥٤، ح ١٢

١٧٨

وسُئل الصادقعليه‌السلام عن قول الله :( كَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ) (١) فقال : (ذلك فينا منذ أهبطه الله إلی الأرض وما يخرج إلی السماء)(٢)

وفي جملة من الأخبار أنّ الروح خلقٌ أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله يوفّقه ويسدّده وهو مع الأئمّة من بعده وهو من الملكوت(٣)

وفي بعضها : أنّه لم يكن مع أحدٍ ممّن مضیٰ غير محمّد وهو مع الأئمّة(٤)

وفي بعضها : إنّه خلقٌ من خلقه له بصر وقوّة وتأييد يجعله الله في قلوب الرسل والمؤمنين(٥)

وفي بعضها : (مثل المؤمن وبدنه كجوهرة في صندوق إذا خرجت الجوهرة منه طرح الصندوق ولم تتعب به، قال: إنّ الأرواح لا تُمازج البدن ولا تداخله

________________________

١ ـ الشوریٰ : ٥٢

٢ ـ أخرجها الصفّار في بصائر الدرجات ج ٩، ص ٤٥٨، ح ١٤، الباب السادس عشر

٣ ـ روی الصفّار في بصائر الدرجات ص ٤٥٦ ج ٩، ح ٤ عن سماعة بن مهران قال: سمعتُ أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: (إنّ الروح خلقٌ أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يسدّده ويرشده وهو مع الأئمّة والأوصياء من بعده)

وهناك روايات أُخر فراجع

٤ ـ روی الصفّار في بصائر الدرجات ص ٤٦٠، ج ٩، ح ١، الباب الثامن عشر عن هاشم بن سالم قال: (سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) قال: خلقٌ أعظم من جبرائيل وميكائيل لم يكن مع أحدٍ ممّن مضیٰ غير محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مع الأئمّة يوفّقهم ويسدّدهم وليس كلّما طلب وجد)

٥ ـ روی الصفّار في البصائر ج ٩، ص ٤٦٢، ح ١٢ عن أبي عبداللهعليه‌السلام في قوله عزّوجلّ :( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) قال: إنّ الله تبارك وتعالی أحدٌ صمد، والصمد الشيء الذي ليس له جوف وإنّما الروح خلقٌ من خلقه له بصر وقوّة وتأييد يجعله الله في قلوب الرُّسل والمؤمنين)

١٧٩

إنّما هو كالكلل للبدن محيط به)(١)

وفي بعضها : عن أبي بصير عن الباقرعليه‌السلام قال: سألته عن قول الله :( يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (٢) فقال : جبرئيل الذي نزل علی الأنبياء، والروح تكون معهم ومع الأوصياء لا تفارقهم تفقّههم(٣) وتسدّدهم من عند الله وأنّه لا إله إلّا الله محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبهما عُبدَ الله واستعبد الخلق)(٤)

وجسم الإنسان وجسده وجثمانه هو مجموع أعضائه المؤلّفة من العناصر، وربما يُفرّق بين الجسم والجسد باختصاص الأوّل بما فيه روح أو تعميمه لذي الروح وغيره، واختصاص الثاني بما خلا عن الروح، ويُحتمل أن يُراد بأجسامهم أشباحهم النورانيّة، لأنّ من مراتبهم ومنازلهم مقام الأشباح، كما يدلُّ عليه جملة من الأخبار، ففي بعضها :

(إنّ آدم رأی علی العرش أشباحاً يلمع نورها)(٥) وفي بعضها : (ثمّ بعثهم في الظلال، قال: قلت : أي شيء الظلال ؟ قال: تلم تر إلی ظلّكَ في الشمس شيء وليس بشيء)(٦)


________________________

١ ـ أخرجه الصفّار في البصائر ج ٩، ص ٤٦٣، ح ١٣، عن المفضل بن عمر عن أبي عبداللهعليه‌السلام

٢ ـ النحل : ٢

٣ ـ في بعض النسخ (توفّقهم) بدل (تفقّههم)

٤ ـ أخرجه الصفّار في البصائر ج ٩، ص ٤٦٣، ح ١، الباب التاسع عشر، وإليك تكملة الرواية : (... وعلی هذا الجنّ والإنس والملائكة ولم يعبد الله ملكٌ ولا نبيّ ولا إنسان ولا جانّ إلّا بشهادة ألّا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله وما خلق اللهُ خلقاً إلّا للعبادة)

٥ ـ البحار ج ٢٦، ص ٣٢٧

٦ ـ روی الصفّار في بصائر الدرجات ج ٢، ص ٨٠، ح ١، الباب الثاني عشر، عن أبي

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195