جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث0%

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-94216-1-0
الصفحات: 195

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله حبيب الله الشريف الكاشانيّ (قدس سره)
تصنيف: ISBN: 964-94216-1-0
الصفحات: 195
المشاهدات: 23411
تحميل: 4138

توضيحات:

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 195 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 23411 / تحميل: 4138
الحجم الحجم الحجم
جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

مؤلف:
ISBN: 964-94216-1-0
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وعن بعض أنّهم : نوح، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وأيّوب

وقيل : إنّهم جميع الرُّسل لأنّهم كانوا أولي الجد والثبات والعزم علی إقامة أمر الله والصبر علی أذی أعداء الله، وقد تقدّم من الروايات يُعيّن المشهور

فإن قيل : فما الوجه في وصف نوح بكونه نبيّ الله مع أنّ جميعهم كذلك ؟

قلنا : لكونه أوّل أولي العزم من الرُّسل ولطول مكثه في قومه يدعوهم إلی الهدی ودين الحقّ، فقد مكث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً(١) ، ولذا لقّب بشيخ الأنبياء، وقصص أذیٰ قومه له وصبره علی أذاهم في المدّة الطويلة مشهورة(٢) ، ولأنّ الله لـمّا أهلك الناس بالطوفان لم يبق علی وجه الأرض سواه وسوی ولده، فنشأ الناس منهم، ولذا سمّي بآدم الثاني فهوعليه‌السلام أظهر آثاراً في مرتبة النبوّة من سائر الأنبياء ثمّ النبيّ علی ما صرّح به كثير هو : الإنسان المخبر عن الله بغير واسطة بشر(٣) ، سواء كان له شريعة، أو لم يكن له مشتقّ من النبأ

وروی عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسيره ج ٢، ص ٣٩ في تفسير سورة طه ط : الأعلمي والشيخ الصدوق في علله ج ١ ص ١٤٩، ح ١، باب ١٠١، عن أبي جعفر ـ الباقرعليه‌السلام ـ : في قول الله عزّوجلّ :( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) قال: عهد إليه في محمّد والأئمّة من بعده فترك، ولم يكن له عزم فيهم أنّهم هكذا، وإنّما سمّي أولوا العزم لأنّهم عهد إليهم في محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله والأوصياءعليهم‌السلام من بعده، والمهدي (عج) وسيرته فأجمع عزمهم أنّ ذلك كذلك والإقرار به)

١ ـ راجع قصص الأنبياء للسيّد نعمة الله الجزائريقدس‌سره ص ٧٩ الباب الثالث ط : قم، الشريف الرضي

٢ ـ في نفس المصدر ذكررحمه‌الله : (كان يضربه قومه حتّی يُغشیٰ عليه فإذا أفاق قال: (اللّهم إهد قومي فإنّهم لا يعلمون) وكانوا يثورون إلی نوحعليه‌السلام فيضربونه حتّی تسيل مسامعه دماً)

٣ ـ الباب الحادي عشر للعلّامة الحلّي ص ٧٣، الفصل الخامس في النبوّة، ط : قم

٦١

وهو الخبر، أو من النبوّة والنباوة(١) وهي الرفعة فهو أعمّ مطلقاً(٢) من الرسول، لأنّه الإنسان المخبر عن الله بغير واسطة أحد من البشر وله شريعة مبتدأة كآدمعليه‌السلام ، أو ناسخة كموسیٰ وعيسیٰ ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وربما يُطلق الرسول علی الملك أيضاً، فالفرق عموم و خصوص من وجه(٣) ، وربما يُفرّق بينهما بوجوه أُخر(٤)

وفي بعض الكتب المستظهرية أنّ النبوّة طريق بين الله ونبيّه، والرسالة طريق بين النبيّ وأُمّته فالنبوّة بمنزلة الغمام والرسالة بمنزلة القطر، والفائدة للتراب في المطر أمّا الغمام محلّه المطر والغمام اجتماع بخارات لطيفة متصاعدة، والمطر تحليل تلك البخارات واستحالتها إلی صورة المائية من صورة الهوائية، وبتلك الاستحالة نازلة إلی جهة الأسفل، والرسالة مطر قطرت ________________________

١ ـ راجع لسان العرب لابن منظور ج ١٤، ص ٣٠ مادّة (نبا) ط : دار إحياء التراث العربي، بيروت

٢ ـ الأعمّ مطلقاً : يكون بين المفهومين اللذين يصدق أحدهما علی جميع ما يصدق عليه الآخر كالحيوان والإنسان، فكلّ ما صدق عليه الإنسان يصدق عليه الحيوان (راجع المنطق للشيخ المظفر ج ١، ص ٧٧، ط قم)

٣ ـ العموم والخصوص من وجه : وهو أيضاً من المصطلحات المنطقية التي تكون بين المفهومين اللذين يجتمعان في بعض مصاديقهما، ويفترق كلّ منهما عن الآخر في مصاديق تخصّه، كالطير والأسود، فإنّهما يجتمعان في الغراب لأنّه طيرٌ وأسود، ويفترق الطير عن الأسود في الحمام مثلاً، والأسود عن الطير في الصوف الأسود مثلاً (راجع نفس المصدر السابق)

٤ ـ راجع كتاب بصائر الدرجات ج ٨، ص ٣٦٨، الباب الأوّل حيث ذكر باباً في الفرق بين الأنبياء والرُّسلعليهم‌السلام

٦٢

علی أرض الأرواح من غمام النبوّة ينال النفوس فوائدها من الرسالة وهي متولِّدة من النبوّة، إلی أن قال: فاعلم أنّ حقيقة النبوّة إقبال العقل الأوّل الذي هو الجوهر المبدع علی إنسان كامل الذات إقبالاً كلّياً حقيقيّاً بحيث يصير مباشراً في ذاته فيتكلّم بلسانه ويریٰ ببصره ويسمع بإذنه

وقد يُقال : إنّ النبوّة هو كون الإنسان خليفة لله بالخلافة المشار إليها بقوله :( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) (١) وتلك الخلافة الموروثة من آدم ما ظهرت بكمال ذاتها وتمام صفاتها إلّا في خمسة مراتب والمراتب التي ظهرت الخلافة الربّانية فيها هم أشخاص أولي العزم من الرسلعليهم‌السلام ، وتلك الخلافة يستحقّها محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالاصالة بحسب الباطن كما يستحقّها آدمعليه‌السلام كذلك بحسب الظاهر ولذا قيل لآدم أنّه آدم الصورة ولمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه آدم الحقيقة، فكما أنّ آدم الصورة أوّل الإنسان كذلك آدم الحقيقة خاتم الأنبياء، فنبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أصلية يتفرّع عليها سائر النبوّات، فلولاه ما ظهرت لنبيٍّ نبوّة أصلاً، فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله نبي الله حقيقةً وأصالةً وسائر الأنبياء نبوّتهم من رشحات نبوّته

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين)(٢)

وهذا هو السرّ في بقاء شريعته إلی يوم الدِّين بخلاف شرائع سائر المرسلين فإنّها منصرمة منقطعة بشريعة خاتم النبيِّينصلى‌الله‌عليه‌وآله

________________________

١ ـ البقرة : ٣٠

٢ ـ راجع دفع المناواة عن التفضيل والمساواة ص ٩١، ط قم مكتبة الأمين وراجع مشارق أنوار اليقين للبرسي ص ٥٨ في فصل (أوّل الخلق نور محمّد وعليّ) ط : بيروت وبحار الأنوار ج ٢٥، ص ٢٢، ح ٣٨ والأنوار النعمانية للسيّد نعمة الله الجزائري ج ١، ص ٢٢

٦٣

اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ اِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ

هو إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن شاروخ(١) الملقّب بخليل الله، وخليل الرحمٰن، وأبي محمّد وأبي الأنبياء، وأبي الضيفان، وظاهر القرآن يقتضي كون آزر أباه(٢) ولكن العرب كثيراً ما يطلقون الأب علی العمّ(٣) ، وقد صرّح أهل التواريخ أنّ آزر كان عمّهعليه‌السلام (٤) ، وهذا هو الموافق لمذهب أهل الحقّ من أنّ آباء الأنبياء لا يكونون إلّا موحِّدين(٥)

________________________

١ ـ تاريخ اليعقوبي ص ١٦ ح ١، ط النجف ١٩٦٤ م

٢ ـ إشارة إلی قوله تعالی :( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ )

٣ ـ وهذا الإطلاق أُستخدم حتّی في القرآن عن أولاد النبيّ يعقوبعليه‌السلام أنّهم قالوا :( نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ) ومعلوم أنّ إسماعيل كان عمّاً ليعقوب وقد أطلقوا عليه لفظ الأب فكذا هاهنا

٤ ـ قال الطبرسيقدس‌سره في تفسيره ج ٤، ص ٤٠١ عن الزجاج : (ليس بين النسّابين اختلاف أنّ اسم أبي إبراهيم تارخ)

٥ ـ روی الشيخ الطبرسي في مجمع البيان ج ٤، ص ٤٠١ ط : مؤسسة التاريخ العربي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلی أرحام المطهّرات حتّی أخرجني في عالمكم هذا لم يدنّسني بدنس الجاهلية)

وممّا يدلّ علی أنّ آباء الأنبياء كانوا مسلمين وطاهرين وموحدين قوله تعالی في سورة الشعراء (٢١٩) : ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) حيث روی الطبرسي في تفسيره ج ٧، ص ٢٦٩ عن الإمام الباقر والصادق عليهما‌السلام : (قالا : تقلّبك في أصلاب النبيّين نبيّ بعد نبيّ حتی أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم عليه‌السلام )

٦٤

والخليل من الخلّة، وهي بالضمّ المودّة المتناهية في الإخلاص والصداقة(١) ، والدليل علی كونهعليه‌السلام خليل الله قوله :( وَاتَّخَذَ اللَّـهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ) (٢) أي نبيّاً مختصّاً به أو فقيراً محتاجاً إليه، أو عبداً مصطفی له، أو عبداً كثير الخلوص والمودّة علی اختلاف ما قيل في تفسير الآية(٣)

وفي بعض الأخبار : (إنّ الله اتّخذ إبراهيم عبداً قبل أنْ يتّخذه نبيّاً، ونبيّاً قبل أنْ يتّخذه رسولاً، ورسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً، وخليلاً قبل أنْ يتّخذه إماماً)(٤)

ويؤيّد هذا ما رواه الشيخ الصدوققدس‌سره في كتاب من لا يحضره الفقيه ج ٤ ص ٤١٤ ـ ح ٥٩٠١ عن عبدالله بن جابر الأنصاري في حديث طويل يصف فيه وقوع النطفة في الرحم، وانتقال الإنسان في بدء خلقه من حال إلی حال، فقلتُ : يارسول الله فكيف حالك وحال الأوصياء بعدك في الولادة ؟ فسكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مليّاً، ثمّ قال : (يا جابر لقد سألت عن أمرٍ جسيم لا يحتمله إلّا ذو حظٍّ عظيم، إنّ الأنبياء والأوصياء مخلوقون من نور عظمة الله جلّ ثناؤه، يودع الله أنوارهم أصلاباً طيّبة، وأرحاماً طاهرة، ويحفظها بملائكته، ويرقبها بحكمته، ويغذوها بعلمه، فأمرهم يُجلّ عن أن يوصف، وأحوالهم تدقّ عن أن تعلم، لأنّهم نجوم الله في أرضه، وأعلامه في بريته، وخلفاؤه علی عباده ...)

وأيضاً قال الصدوق في اعتقاداته ص ٨٥، الباب الأربعون : (إعتقادنا في آباء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّهم مسلمون من آدم عليه‌السلام إلی أبيه عبدالله عليه‌السلام، وأنّ أبا طالب كان مسلماً، وأُمّه آمنة بنت وهب كانت مسلمة)

١ ـ راجع المنجد في اللغة ص ١٩٠ ط : ١٩٩٦ م مادّة (خل)

٢ ـ النساء : ١٢٥

٣ ـ راجع مجمع البيان ج ٣، ص ١٤٦ في تفسير الآية حيث ذكر تفصيلاً في تفسير الآية الشريفة، ونقل أقوالاً عديدة للمفسِّرين

٤ ـ البحار ج ٢٥، ص ٢٠٥، ح ١٧

٦٥

فلمّا جمع له هذه الأشياء قال:( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) (١) ففيه دلالة علی أنّ الخلّة مقام فوق مقام الرسالة(٢) ، وحكاية اختبار جبرئيل لهعليه‌السلام في أمر غنمه معروفة دالّة علی كماله في مقام محبّة الله وغضّ النظر عمّا سواه، ولا يخفی أنّ الخليلعليه‌السلام ما ألبسه الله تاج الخلّة إلّا لكونه من شيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام كما قال :( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) (٣) (٤) وكفاه ذلك فخراً وشرفاً، وقد أمر

________________________

١ ـ البقرة : ١٢٤

٢ ـ قال السيّد كاظم الحائري في كتابه (الإمامة وقيادة المجتمع) ص ٢٧، ط، قم ١٩٩٦ م : ومن قولهعليه‌السلام : (إنّ الله اتّخذه رسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً) يبدو أنّ مقام الخلّة فوق مقام الرسالة، فليس كلُّ رسول يصل إلی مستوی أن يكون خليلاً الله تبارك وتعالی وإبراهيم خرج من كلّ الامتحانات بنجاح ولم يصدر منه حتّیٰ ما يُسمّی بترك الأولیٰ علی ما يبدو من قوله تعالی :( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ )

٣ ـ الصافات : ٨٣

٤ ـ روی السيّد شرف الدِّين علي الحسيني الاسترابادي من علماء القرن العاشر الهجري في كتابه تأويل الآيات الظاهرة ص ٤٨٤، ط، قم جامعة المدرّسين عن مولانا الصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام أنّه قال: قوله عزّوجلّ :( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) أي أنّ إبراهيمعليه‌السلام من شيعة عليّعليه‌السلام )

ويؤيّد هذا ما رواه أيضاً في نفس الكتاب عن أبي بصير يحيی بن القاسم قال: سأل جابر بن يزيد الجعفي جعفر بن محمّد الصادق عليهما‌السلام عن تفسير هذه الآية : ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) فقال عليه‌السلام : إنّ الله سبحانه لـمّا خلق إبراهيم كشف له عن بصره فنظر فرأی نوراً إلی جنب العرش فقال : إلٰهي ما هذا النور ؟ فقيل له : هذا نور محمّد صفوتي من خلقي ورأی نوراً إلی جنبه، فقال : إلٰهي وما هذا النور ؟ فقيل له : هذا

٦٦

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله باتّباع ملّته بقوله تعالی :( وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ) (١) أي مستقيماً والسنن الباقية من ملّته في الشريعة المحمّديةصلى‌الله‌عليه‌وآله معروفة مشروحة في المبسوطات(٢)

نور عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ناصر ديني ورأی إلی جنبهم ثلاثة أنوار، فقال : إلٰهي وما هذه الأنوار ؟ فقيل له : هذا نور فاطمة فطمت محبِّيها من النار، ونور ولديها الحسن والحسين فقال : إلٰهي وأری تسعة أنوار قد أحدقوا بهم قيل : يا إبراهيم هؤلاء الأئمّة من ولد عليّ وفاطمة، فقال إبراهيم : بحقّ هؤلاء الخمسة إلّا عرّفتني مَنْ التسعة ؟ قيل : يا إبراهيم أوّلهم عليّ بن الحسين، وابنه محمّد، وابنه جعفر، وابنه موسی، وابنه عليّ، وابنه محمّد، وابنه عليّ، وابنه الحسن، والحجّة القائم ابنه فقال إبراهيم : إلٰهي وسيِّدي أری أنواراً قد أحدقوا بهم لا يُحصی عددهم إلّا أنت قيل : يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فقال إبراهيم : وبما تعرف شيعته ؟ قال: بصلاة إحدی وخمسين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، والقنوت قبل الركوع، والتختّم في اليمين فعند ذلك قال إبراهيم : أللّهم اجعلني من شيعة أمير المؤمنين قال: فأخبر الله تعالی في كتابه فقال :( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ )

١ ـ النساء : ١٢٥

٢ ـ قال عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسيره ج ١، ص ٦٨، ط بيروت الأعلمي : ـ السنن الباقية ـ وهي الحنفية العشرة وهي : خمسة في الرأس، وخمسة في البدن، فأمّا التي في الرأس، فأخذ الشارب، وإعفاء اللحیٰ، وطم الشعر، والسواك، والخلال، وأمّا التي في البدن، فحلق الشعر من البدن، والختان، وقلم الأظفار، والغسل من الجنابة، والطهو بالماء، فهذه خمسة في البدن وهو الحنفية الطهارة التي جاء بها إبراهيم، فلم تُنسخ إلی يوم القيامة، وهو قوله :( وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا )

٦٧

اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُوسىٰ كَلِيمِ اللهِ

هو موسی بن عمران بن قهاث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيمعليه‌السلام (١) الملقّب بالكليم، لأنّ الله ناجاه وكلّمه من دون واسطة كما قال:( وَكَلَّمَ اللَّـهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا ) (٢) ، ومعنی كونه تعالی متكلِّماً أنّه موجد وخالق للحروف المسموعة المنتظمة في بعض الأجسام كالشجرة ونحوها(٣) ، وعن الأشعرية أنّه متكلِّم بلسان وشفتين(٤)

وفساده واضح لاستلزامه الجسمية الباطلة(٥) ، وعن بعضهم أنّ الكلام صفة قديمة قائمة بالذات غير القدرة والعلم والإرادة(٦) ، وهو أيضاً باطل لاستلزامه

________________________

١ ـ تاريخ اليعقوبي ج ١، ص ٢٤، ط : النجف ١٩٦٤ م، ولكن ذكر أبو الفداء الدمشقي في قصص الأنبياء ص ١٩٩، ط : المكتبة العصرية بيروت : (هو موسی بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيمعليه‌السلام )

٢ ـ النساء : ١٦٤

٣ ـ قال العلّامة الحلّيقدس‌سره في الباب الحادي عشر ص ٤٠ : (أنّه ـ كلامه تعالیٰ ـ قائم بغيره لا بذاته كما أوجد الكلام في الشجرة فسمعه موسیعليه‌السلام )

وهذا ما دلّت عليه الآية الكريمة من سورة القصص : ( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) حيث دلّت الآية علی أنّه تعالی نادیٰ نبيّه موسیٰ عليه‌السلام وكلّمه من طريق الشجرة

٤ ـ راجع شرح التجريد للقوشجي ص ٣١٩

٥ ـ وأيضاً يلزم كونه تعالی ذا حاسّة وهو باطل

٦ ـ راجع شرح الباب الحادي عشر للسيوري ص ٣٩ في المقام الثاني من الصفحة

٦٨

تعدّد القدماء(١) ، فالحقّ أنّ كلامه مخلوق حادث كسائر صفاته الفعلية(٢) ، وتفصيل الكلام يُطلب من علم الكلام وكتب الأعلام(٣)

وفي بعض الأخبار أنّ الذي كلّم موسیٰ كان هو أمير المؤمنينعليه‌السلام (٤) ، وأنّ النور الذي تجلّی عليه فخرّ صعقاً، واندك به الجبل هو من نوره [عليه‌السلام ](٥) ، أو نور شيعته من الملائكة الكروبيين وقالعليه‌السلام : (أنا ذلك النور الذي اقتبس موسیٰ منه الهدیٰ، أنا صاحب الصور)(٦)

السابعة، وراجع شرح الاُصول الخمسة ص ٢٥٨

١ ـ قال الفاضل المقداد السيوري في شرحه للباب الحادي عشر، ص ٤١ : (إنّه لو كان قديماً لزم تعدّد القدماء وهو باطل، لأنّ القول بقدم غير الله كفرٌ بالإجماع ولهذا كفرت النصاریٰ لإثباتهم قدِم الاقنوم)

٢ ـ فقد روی الشيخ الصدوققدس‌سره في توحيده الباب الثلاثون، الحديث ٤ : أنّه كتب علي بن محمّد بن علي بن موسی الرضاعليه‌السلام إلی بعض شيعته ببغداد، وفيه : «وليس الخالق إلّا الله عزّوجلّ وما سواه مخلوق والقرآن كلام الله لا تجعل له اسماً من عندك فتكون من الضالّين»

٣ ـ راجع كشف المراد لنصير الدِّين الطوسي المتوفي سنة ٦٧٢ هـ الذي شرحه العلّامة الحلّي، ص ٣١٥، ط : قم، وحقّ اليقين للسيّد عبدالله شبّر ص ٥٥، ج ١، ط : قم أنوار الهدی

٤ ـ راجع مشارق أنوار اليقين للبرسي ص ٣٠٦ ط : قم

٥ ـ إشارة إلی قوله تعالی في سورة الأعراف آية (١٤٣) :( ... فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا )

٦ ـ مشارق أنوار اليقين ص ٣١٩ فصل (١٥٠)

٦٩

اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ عِيسىٰ رُوحِ اللهِ

هذا هو عيسیٰ بن مريم الملقّب من عند الله بروح الله وكلمته(١) ، والإضافة تشريفيّة، كما في قولهم : ناقة الله، وبيت الله أي روحٌ خلقه الله فشرّفه وكرّمه علی سائر الأرواح

وقد روي عن [الإمام] الباقرعليه‌السلام في قوله :( وَرُوحٌ مِّنْهُ ) (٢) أنّه قال: روحٌ مخلوقة خلقها الله في آدم وعيسیٰ(٣)

وعن الصادقعليه‌السلام في قوله :( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) (٤) إنّه قال: إنّ الروح متحرّك كالريح، وإنّما سُمّي روحاً لأنّه اشتقّ اسمه من الريح وإنّما أخرجه علی لفظ الريح، لأنّ الروح مجانس للريح وإنّما أضافه إلی نفسه، لأنّه اصطفاه علی سائر الأرواح كما قال لبيتٍ من البيوت : بيتي، وقال لرسول من الرُّسل : خليلي وأشباه ذلك وكلّ ذلك مخلوق مصنوع محدث(٥)

والمراد بكونهعليه‌السلام روح الله أنّه مظهر الروح الشريفة التي نفخها فيه، أو أنّه مظهر آثار قدرة الله وعجيب صنعه، لأنّ الصادقعليه‌السلام قد فسَّر الروح في قوله :

________________________

١ ـ إشارة إلی قوله تعالی في سورة النساء آية (١٧١) :( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّـهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ )

٢ ـ النساء : ١٧١

٣ ـ أخرجه الكليني في الكافي ج ١، ص ١٥٤، باب الروح، ح ٢، ط : دار الأُسوة قم، ولكن أخرجه عن الإمام الصادقعليه‌السلام

٤ ـ الحجر : ٢٩ وص : ٧٢

٥ ـ الكافي ج ١، ص ١٥٤، ح ٣، باب الروح، وذيل الحديث ( مربوبٌ مُدَبَّرُ)

٧٠

( وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ) (١) بالقدرة، قال أبو بصير في حديثٍ عنهعليه‌السلام قلت : ونفخ فيه من روحه ؟ قال: من قدرته(٢) ويُحتمل أن يكون المراد كونه مظهراً للروح الأعظم الذي كان يتجلّی فيه أنبيائه بصورته، وفي محمّد وآله بحقيقته، وإليه الإشارة فيما رواه أبو أيّوب عن الصادقعليه‌السلام قال ؛ سمعته يقول:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) (٣) قال: ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممّن مضیٰ غير محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مع الأئمّة، وليس كلّما طلبَ وجد(٤)

وقال الباقرعليه‌السلام : (إنّ الله خلق الأنبياء والأئمّة علی خمسة أرواح : روح القوّة، وروح الإيمان، وروح الحياة، وروح الشهوة، وروح القدس فروح القدس من الله، وسائر الأرواح يُصيبها الحدثان، فروح القدس لا يلهو ولا يتغيّر ولا يلعب، وبروح القدس علموا يا جابر ما دون العرش إلی ما تحت الثری(٥)

________________________

١ ـ السجدة : ٩

٢ ـ أخرجها الصفّار في بصائر الدرجات ج ٩، ص ٤٦٢، الباب الثامن عشر، ح ٨، ط : مكتبة المرعشي النجفي، قم

٣ ـ الإسراء : ٨٥

٤ ـ بصائر الدرجات ج ٩، ص ٤٦١، الباب الثامن عشر، ح ٤

وأيضاً روی في نفس المصدر ح ٥ عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) قال: هو خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله يوفّقه وهو معنا أهل البيت وهناك الكثير من الروايات التي تذكر هذا المعنی، ولكن اكتفينا بهذا المقدار وعليك بمراجعة نفس المصدر

٥ ـ أخرجها الصفّار في بصائر الدرجات ج ٩، ص ٤٤٧ في الباب الرابع عشر، ح ٤،

٧١

وفي رواية أُخری عن الصادقعليه‌السلام : (يا مفضّل أنّ الله جعل للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة أرواح : روح الحياة فيه دبّ ودرج، وروح القوّة فيه نهض وجاهد، وروح الشهوة فيه أكل وشرب وأتی النساء من الحلال، وروح الإيمان فيه أمر وعدل، وروح القدس فيه حمل النبوّة فإذا قُبض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله انتقل روح القدس فصار في الإمام، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو، والأربعة الأرواح تنام وتلهو وتغفل وتسهو، وروح القدس ثابت يریٰ به ما في شرق الأرض وغربها وبرّها وبحرها قلت : جُعِلتُ فداك يتناول الإمام ما ببغداد بيده ؟ قال : نعم وما دون العرش)(١)

ولكن الشارحرحمه‌الله لم ينقل هذه الرواية بشكلٍ دقيق وإليك نصّها : «عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن علم العالم فقال : يا جابر إنّ في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح روح القدس، وروح الإيمان، وروح الحياة، وروح القوّة، وروح الشهوة، فبروح القدس يا جابر علمنا ما تحت العرش إلی ما تحت الثریٰ، ثمّ قال: يا جابر أنّ هذه الأرواح يصيبه الحدثان إلّا أنّ روح القدس لا يلهو ولا يلعب»

١ ـ بصائر الدرجات ج ٩، ص ٤٥٤، الباب الخامس عشر، ح ١٣ (والحديث عن المفضل بن عمر قال: قلتُ لأبي عبداللهعليه‌السلام سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخیٰ عليه ستره) فأجابهعليه‌السلام بهذه الرواية المذكورة في المتن، ولكن الشارح ما ذكر مقدّمة الرواية التي ذكرناها في الهامش

٧٢

اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللهِ

اقتصر من ذكر الأنبياء والمرسلين علی هؤلاء الستّة ؛ إمّا لكونهم بأجمعهم أُولي العزم علی ما يراه بعضهم، وإن كان المشهور عدم عدّ آدمعليه‌السلام منهم لقوله تعالیٰ :( وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) (١) فأخرجه الله من عدادهم(٢) ، وأنت خبير بأنّ الظاهر من الآية العزم علی المعصية، لا علی إقامة أمر الله فلابعد في كونه منهم

وأمّا لكون الخمسة من أُولي العزم وآدمعليه‌السلام أوّل إبداع البشر قد خلقه علی ________________________

١ ـ طه : ١١٥

٢ ـ روي الكليني في الكافي ج ٢، ص ٨، والاسترآبادي ص ٣١٣ في تأويل الآيات عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: أخذ الله المثياق علی النبيِّين فقال :( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ ) وأنّ هذا محمّد رسولي وأنّ عليّاً أمير المؤمنين ؟ قالوا : بلی فثبتت لهم النبوّة، ثمّ أخذ الميثاق علی أُولي العزم أنّي ربّكم ومحمّد رسولي وعليّ أمير المؤمنين والأوصياء من بعده ولاة أمري وخزّان علمي وأنّ المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي وأُعبد به طوعاً وكرهاً ؟ قالوا ؛ أقررنا يا ربّنا وشهدنا، ولم يجحد آدم ولم يقرّ، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهديّعليه‌السلام ولم يكن لآدم عزيمة علی الإقرار وهو قول الله تبارك وتعالی :( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا )

وأيضاً روی الكليني في الكافي ج ١، ص ٤١٦ عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قوله عزّوجلّ : ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ ) كلمات في محمّد وعليّ والحسن والحسين والأئمّة من ذرّيتهم ( فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) هكذا والله نزلت علی محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٧٣

صورته، وجعله نسخة لملكه وملكوته وإنموذجاً للعالم الأكبر وخمَّر طينته بيده أربعين صباحاً، وأسجد له ملائكته وعلّمه الأسماء كلّها(١) إلی غير ذلك من المزايا والفضائل التي يطول المختصر بذكرها فهؤلاء الستّة جامعون لجميع الكمالات الروحانية متّصفون بجميع الصفات الربّانية، والباقون من فروعهم ورشحاتهم ورعاياهم، فهمعليهم‌السلام أصول النبوّة وأركان الرسالة والباقون فروعها وأغصانها وأوراقها، وأنّ اشتراك الكلّ في أصل النبوّة كما قال:( لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ) (٢)

قال بعض العارفين : اعلم أنّ الأنبياء في مرتبة النبوّة وذورتها علی درجة واحدة، غير أنّهم علی تفاوت في وقت قبولها، فمنهم تنبّأ في منامه ومنهم من تنبّأ في يقظته، وكلّهم في النبوّة سواء لأنّ النبوّة كمال علم حصل من وحي الله في نفس عبد كامل هو في وقته أعقل عصره، وتلك النبوّة التي هي نور العقل الأوّل ضوء كلمة الله العليا، خلقه من الله لجميع الأنبياء، ثمّ إنّ الأنبياء في مراتب الرسالة وكيفيّات الرسالات وكمّيات المقالات متفاوتة إذ لكلّ واحد منهم خاصّة يميّز بها عن غيره كما كان الكلام لموسیٰ، والخلّة لإبراهيم، والكلمة لعيسیٰ، والرؤية لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأعني بذلك أنّ كلّ واحد منهم اشتهر بخاصّية انضافت تلك الخاصّية بذاته، حتّی سمّی الناس له باسم تلك الخاصّية كما قيل : موسیٰ كليم الله، وإبراهيم خليل الله، وقد كان إبراهيم كليم الله كموسیٰ، وموسیٰ خليل الله كإبراهيم، لكن صار الكلام لموسیٰ خاصّة ذاته وباقي المراتب منازل نال

________________________

١ ـ إشارة إلی قوله تعالی في سورة البقرة آية (٣١) :( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )

٢ ـ البقرة : ٢٨٥

٧٤

بتبع الكلام، وكذا إبراهيم وسائر الأنبياء فكلّهم في النبوّة لقبول الوحي، واستعداد النفوس لقبول ضوء الوحي في مرتبة واحدة، أمّا في الرسالة واختلاف الشريعة فكانوا بحسب الأوقات، لأنّ النبوّة فوق الزمان والمكان، فما اختلفت في موضع ولا وقت، أمّا الرسالة فوقعت تحت الفلك لمصالح الناس، ولا شكّ أنّ الطباع والأمزجة واللغات مختلفة، وهي متعلِّقة باختلاف الأوقات والأزمان والأمكنة والقرون والمواضع والأقاليم، فاختلفت الرسالة بحسب اختلافتها، وإنّما اختلفت الرسالة لتختلف الشريعة وتختلف الكتب باختلاف اللغات والاصطلاحات الجارية بين الناس وكان لنوحعليه‌السلام في رسالته مرتبة ودرجة ودعوة ولغة بخلاف ما كانت لإبراهيم وإن كانا في النبوّة سواء وكان نوح في عصره علی مزاج وطباع مع قوم لم يجد منهم رشداً ولم يعلم فيهم خيراً فرأی هلاكهم خيراً من حياتهم فدعا الله وقالعليه‌السلام :( لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ) (١)

وكان إبراهيم في عهدٍ غلب اللطافة علی طباع قومه وظهرت الإلفة في مزاج أهل عصره فأمره بالتلطّف والترأف، وقال : يا إبراهيم حسّن خلقك ولو مع الكفّار، وهكذا كان عهد موسی فإنّ الله أمره بالتلطّف في الكلام وتخفيف الدعوة مع فرعون، وقال له ولأخيه :( اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ) (٢)

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الضحوك القتال كان يضحك مع قوم، ويقتل لقومٍ كما رأی في مصالح رسالته، وأراه الله في كمال نبوّته، وكان لله أنبياء كثيرون

________________________

١ ـ نوح : ٢٦

٢ ـ طه : ٤٣ ـ ٤٤

٧٥

بأشخاص معدودين بعددٍ معلوم

فيقال : كان مئة ألف وأربعة آلاف وعشرون شخصاً نبيّاً من الأصناف المختلفة، وكان أكثرهم في بني إسرائيل فهذا المبلغ هم الأنبياء واختار منهم ثلاثمئة وثلاثة عشر للرسالة، لأنّ النبوّة نور مفرد، والرسالة نورٌ مركّب بانعكاسه وللمركب فائدة لا توجد في الفرد، وكان عدد الرسل أقل من عدد الأنبياء لقلّة انعكاس نور النبوّة في بعض الأشخاص، فالشمس يقع ضوئها علی جميع المشففات واللطائف ولا ينعكس عليها إلّا إذا وقعت علی التراب يظهر الشعاع بانعكاس ضوئها وإنكاسها مثل الرسالة وشروقها مثل النبوّة ولا يكون النهار إلّا بالضوء المنعكس الظاهر، وكان لكلّ نبيّ قوّة خاصّة به من نور النبوّة، وكان لكلّ رسول نور زائد علی نور النبوّة من تكرار ضوء القدس، فنور الأنبياء أكثر من نور المؤمنين، ونور الرُّسل أكثر من نور الأنبياء، فإنّ للنبي نوراً واحداً، وللرسول نورين نور النبوّة، ونور الرسالة، وقد عرفت أنّ نور النبوّة من العقل، ونور الرسالة من النفس واجتماع النورين لا يكون كنورٍ واحد، فنور علی نور هو اجتماع نور النبوّة والرسالة، ولا شكّ أنّ اجتماع ثلاثة أنوار أكثر وأظهر من اجتماع نورين، والأنوار الثلاثة نور النبوّة، ونور الرسالة، ونور الظهور، وهو بمنزلة الوجود، وهذه الأنوار الثلاثة في أُولي العزم من الرسل، فالرسل مختارة من أُولي العزم، وأولوا العزم مختارة من الرسل، وكلّما ازداد نور الكمال قلَّ حجاب العدد، وأولوا العزم أقلّ عدداً من الرسل، والرسل أقلّ عدداً من الأنبياء، فالرُّسل ثلاثمئة وثلاث عشر، وأولوا العزم منهم ستّة كما أخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : (أولو العزم منهم ستّة : آدم ونوح، وإبراهيم، وموسی، وعيسی،

٧٦

ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله (١)

وفي تحقيق الكلام لم يكن آدم من عدد أولي العزم، لإخراج الله له عن ذوي العزم في حقّه :( فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) (٢) ، وإن لم يطلق هذا علی عزم المعاصي كان آدم في جملتهم، وأنّ الرسول الذي هو ذو العزم يعني أنّه صاحب الدورة التامّة، وله الدائرة الكبری التي تشتمل علی الرسالة، والنبوّة، والكتاب، والعزيمة، والدعوة، والمدّة، والأمّة، والشريعة، والخليفة، والدورة وهي تلف سنة :( وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) (٣) فهذه الخصال والكمالات العشرة إذا وجدت في شخصٍ من الأنبياء فهو من أُولي العزم ولم توجد إلّا في ستّة أشخاص منهم

وفي رواية أُخری في خمسة(٤) إلی آخر ما ذكره(٥) وإنّما نقلناه بطوله لاشتماله علی فوائد جليلة لا تخفی علی المتأمِّل فيه، ولكن ما ذكره من أنّ الأنبياء في مرتبة النبوّة علی درجة واحدة يكشف عن أنّ إطلاق النبوّة علی

________________________

١ ـ المناقب لابن شهرآشوب، ج ٤ ص ٢١٥

٢ ـ طه : ١١٥

٣ ـ الحج : ٤٧

٤ ـ روی ابن فتال النيسابوري في روضة الواعظين ص ٥١ عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال: أولوا العزم من الرسل خمسة : نوح، وإبراهيم، وموسی، وعيسی، ومحمّد صلوات الله عليهم وأولوا العزم هو مَن أتی بشريعة مستأنفة نسخت شريعة مَن تقدّم من الأنبياء

والكافي ج ١، طبقات الأنبياء والرسل

٥ ـ إلی هنا انتهی كلام العارف

٧٧

جميع النبوّات من باب إطلاق المتواطئ علی أفراده(١) ، وفيه نظر إذ النبوّة هي طريقٌ بين النبيّ وبين الله، ولا ريب أنّ الطرق إليه كثيرة متفاوتة، فكيف يقال : بأنّ الطريق واحدة ؟ وقد روي أنّ الطرق إلی الله بعدد أنفاس الخلائق(٢)

أم كيف يجترئ المنصف علی أن يقول: إنّ موسیٰ مثلاً مع محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في درجة واحدة في مقام النبوّة مع أنّه قال: (لو أنّ موسی أدركني حيّاً ولم يؤمن بي لما نفعته نبوّته شيئاً)(٣) أو يقول: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع آدمعليه‌السلام في درجة واحدة مع قول وصيّهعليه‌السلام : (إنّي وإنْ كنت ابن آدم صورة ولي فيه معنیٰ شاهد بأبوتي كيف ولم ينل الأنبياء ما نالوا من المراتب إلّا بالإذعان لمحمّد وآله)(٤) ، قال [صلى‌الله‌عليه‌وآله ] : والكليم أُلبس حلّة الاصطفاء لما عاهدنا منه الوفاء(٥)

والأخبار الواردة من طرقنا الشاهدة علی هذا المقصد متواترة معنی كما لا يخفی، فالحقّ أنّ هذا الإطلاق من باب الإطلاق المشكك(٦) المتفاوت بالأولوية

________________________

١ ـ المتواطئ : هو الذي تتوافق أفراده بالتساوي، فإنّك لا تجد تفاوتاً بين الأفراد في صدق المفهوم، مثلاً (محمّد، وعلي، وحسين) إلی آخر أفراد الإنسان من ناحية الإنسانية سواء من دون أن تكون إنسانية أحدهم أولی من إنسانية الآخر، ولا أشدّ ولا أكثر، ولا أي تفاوت آخر في هذه الناحية (راجع المنطق للشيخ المظفر ج ١، ص ٧٠، ط ؛ قم)

٢ ـ بحار الأنوار، ج ٦٤ ص ١٣٧

٣ ـ بحار الأنوار، ج ١٦ ص ٢٦٦

٤ ـ لم نعثر عليه في المصادر التي اعتمدناها

٥ ـ بحار الأنوار، ج ٢٦ ص ٢٦٥

٦ ـ المشكك هو عكس المتواطئ

٧٨

والأوّلية، لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان نبيّاً وآدم بين الماء والطين(١) ، وكان أحقّ بهذا النصب من غيره لما تقدّم من أن تجلّی الروح الأعظم فيه كان بالحقيقة وفي سائر الأنبياء بالظلّية بل الروح الأعظم في الحقيقة هو نفس الحقيقة المحمّدية فهذا من قبيل إطلاق الوجود علی الله تعالی، وعلی سائر الموجودات، وكذا ما ذكره من أنّ الرؤية كانت لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّه فاسدٌ باطل قد دلّت البراهين العقلية والأدلّة النقلية علی استحالة الرؤية علی الله مطلقاً(٢) أللّهم إلّا أن يُراد بالرؤية رؤية أكبر الآيات كما قال:( لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ ) (٣) ، وسُئِلَ الكاظمعليه‌السلام : هل رأی رسول الله ربّه ؟ فقال : نعم رآه بقلبه، أما سمعت الله يقول:( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ) (٤) )(٥) لم يره بالبصر ولكن رآه بالفؤاد

وكيف كان فإذا اجتمعت في مولانا سيّد الشهداء أرواح العالمين فداه كمالات هؤلاء الستّة صدقَ أنّه جامع لجميع الكمالات الناسوتية والملكوتية سوی النبوّة فيخلفها فيه الولاية، لأنّها في الإمامعليه‌السلام بمنزلة النبوّة في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

والمراد بالحبيب إمّا المحبّ أو المحبوب أو كلاهما علی القول بجواز استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنیٰ واحد، ولا ريبَ أنّ المحبّية لله مستلزمة للمحبوبيّة فمَن أحبّ الله أحبّه الله، ومَن أحبّه الله أحبّ الله، كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (مَن

________________________

١ ـ العمدة لابن البطريق، ص ٨٨، ص ٩٠، مشارق أنوار اليقين للبرسي ص ٢١٥، فصل (٩١)

٢ ـ عقد الشيخ الكلينيرحمه‌الله في الكافي باباً أسماه (إبطال الرؤية) ج ١، ص ٧٤، ط : المكتبة الإسلامية، فراجع

٣ ـ النجم : ١٨

٤ ـ النجم : ١١

٥ ـ الكافي ج ١ ص ٩٦ باب إبطال الرؤية

٧٩

أحبّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه)(١) وقال : (لا يحبّ الله إلّا مَن أحبّه)(٢) ، وقال الله :( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) (٣) ، وأوصی الله إلی داود : (يا داود أبلغ أهل أرضي أنّي حبيب لمن أحبّني، وجليس لمَن جالسني، ومؤنس لمَن أنس بذكري، وصاحب لمن صاحبني، ومختار لمن اختارني، ومطيع لمَن أطاعني، ما أحبّني عبدٌ أعلم ذلك يقيناً من علمه إلّا قبلته لنفسي، وأحببته حبّاً لا يتقدّمه أحدٌ من خلقي ...)(٤) وهذا المقام منتهی المقامات وفوق جميع الكمالات يندرج تحته الصفوة، والخلّة وغيرها من الدرجات، ولذا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (آدم ومن دونه تحت لوائي)(٥) ، وقال : (أنا سيّد ولد آدم)(٦)

فاقَ النبيِّينَ في خلق وفي خُلقٍ

ولم يدانوه في حلمٍ ولا كرمِ

________________________

١ ـ الكافي ج ٣ ص ١٣٤ باب ما يصاب المؤمن والكافر

٢ ـ مستدرك الوسائل ج ١٢ ص ٢٢٠

٣ ـ المائدة : ٥٤، وإليك نص الآية :( ... فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ) وقال صاحب تأويل الآيات الظاهرة ص ١٥٤ : إنّ المعني بهذه الآية أمير المؤمنينعليه‌السلام ويؤيّد هذا قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم خيبر : (لأعطين الراية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله كرّاراً غير فرّار، لا يرجع حتّی يفتح الله علی يديه)

٤ ـ كلمة الله للسيّد حسن الشيرازيقدس‌سره ص ٥٩، ط بيروت

٥ ـ بحار الأنوار، ج ١٦ ص ٤٠٢ باب ١٢

٦ ـ روی البرسي في مشارقه ص ١٠٧، فصل (٥٠) ط الشريف الرضي عن سعيد بن جبير عن عائشة قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً لعلي : يا علي أنت سيّد العرب، فقلتُ : يارسول الله ألست سيّد العرب ؟ فقال : أنا سيّد ولد آدم وعليّ سيّد العرب، فقلتُ : وما السيّد ؟ فقال : مَنْ فرضت طاعته كما فرضت طاعتي)

٨٠