شرح زيارة عاشوراء

شرح زيارة عاشوراء50%

شرح زيارة عاشوراء مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-94216-2-9
الصفحات: 118

شرح زيارة عاشوراء
  • البداية
  • السابق
  • 118 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 58062 / تحميل: 6231
الحجم الحجم الحجم
شرح زيارة عاشوراء

شرح زيارة عاشوراء

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٤٢١٦-٢-٩
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

٢١
٢٢

بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الملك المنان الذی جعل زيارة الحسين عليه السّلام وسيلة إلى المغفرة والرضوان، والصّلاة علی محمّد وآله أمناء الرحمن وأرکان الايمان، ولعنة الله علی أعداهم ما اخضرت الجنان، وسعرت النيران.

أمّا بعد فيقول العبد الضعيف ابن علی مدد حبيب الله الشريف :

إنّ هذه العجالة شرح في غاية الاختصار والوجازة، علقته علی الزيارة المعروفة بزيارة عاشوراء(١) المروية في جملة من الکتاب المعتبرة عند أصحابنا الامامية(٢) عن مولانا الباقر محمّد بن علي عليه السّلام.

فقد روی الشيخ الجليل جعفر بن محمد بن جعفر بن موسی بن قولويه في کتابه المسمی بـ (کامل زياراة)(٣) عن حکيم بن داود بن حکيم وغيره، عن محمد بن موسی الهمدانی، عن محمد بن خالد الطيالسي عن سيف بن عميرة، وصالح بن عقبة جميعا، عن علقمة بن محمد الحضرمي(٤) ، ومحمد بن إسماعيل(٥) ، عن صالح بن عقبة عن

__________________

١ ـ الافضل ان تکون (العاشوراء) مجردة من الالف واللام کما وردت في الروايات.

٢. منهم الشيخ الطوسي في تذهيب الاحکام والمصباح، وابن قولويه في کتابه المعروف بـ (کامل الزيارات) والاقبال لابن طاووس، والعلامة المجلسي في کتابه (بحار الانوار)، والقمی في کتابه (مفاتيح الجنان)، وغيرهم.

٣ ـ أو (کامل الزيارات).

٤ ـ عده الطوسي في رجاله من أصحاب الامام الباقر والصادق عليهم السّلام.

٥ ـ هو محمد بن إسماعيل بل بزيع من صالحي هده الطائفة وثقاتهم، کثير العمل. راجع ـ ـ»

٢٣

مالك الجهنی(١) ، عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال :

(مَن زار الحسين بن علي عليه السّلام(٢) يوم عاشوراء يوم العاشر مِن الشهر(٣) حتی يظل عنده باکيا لقي الله يوم القيامة مع ثواب(٤) ألف حجة وألف ألف عمرة وألف ألف غزوة وثواب کل عمرة(٥) وغزوة کثواب من حج واعتمر مع رسول الله صلی الله عليه وآله ومع الائمة الراشدين(٦) .

قال : قلت : جعلت فداك فما لمن کان في بعد البلاد واقاصيها ولم يمکنه المسير في ذلك اليوم؟ قال: إذا کان ذلك اليوم برز إلى الصحراء، أو صعد سطحا في داره وأوما إليه بالسّلام، واجتهد علی قاتله بالدعاء، وصلی بعده رکعتين، يفعل ذلك في صدر النهار قبل الزوال، ثم ليندب الحسين ويبکيه ويامر من في داره بالبکاء عليه، ويقيم في داره المصيبة(٧) بإظهار الجزع عليه ويتلاقون بالبکاء بعضهم بعضا في البيوت(٨) ، وليعز

__________________

«ـ ـ رجال النجاشی ص ٣٣٠ رقم (٩٨٣).

١ ـ ذکره الطوسي في رجاله من أصحاب الباقر والصادق عليهم السلام وقال : مات في حياة الامام الصادق عليه السلام.

٢ ـ (ابن علی) في کامل الزيارات غير موجودة.

٣ ـ في کامل الزيارات (من المحرم) بدل (يوم العاشر من الشهر).

٤ ـ في المصدر (بثواب) بدل (مع ثواب).

٥ ـ في المصدر (وثواب کل حجة وعمرة) بدل (وثواب کل عمرة).

٦ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٧٤، ط : النجف، تقديم محمد علی الاوردبادي، ومفاتيح الجنان ص ٥٢٢، ط بيروت.

٧ ـ في النسخة الخطية (فی دار مصيبة).

٨ ـ هذا هو ديدن الائمة عليهم السّلام بنصب العزاء علی سيّد الشهداء عليه السّلام ويأمرون أصحابهم بالعزاء

٢٤

بعضهم بعضا بمصاب الحسين عليه السلام فانا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك علی الله جميع هذا الثواب.

فقلت : جعلت فداك أنت الضامن لهم والزعيم؟

قال : انا الضامن لهم ذلك والزعيم لمن فعل ذلك

قال : قلت : کيف يعزی بعضهم بعضا؟

قال : يقولون : (عَظَّمَ اللهُ أُجورنا بمُصابِنا بالحسين عليه السّلام وجعلنا وإيّاکم من الطالبين بثأره مَعَ وليه الإمام المهديّ عليه السّلام مِن آل محمّد)(١) .

فان استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل، فانه يوم نحس لا يقضي فيه حاجة مؤمن، وان قضيت لم يبارك له فيها ولم ير رشدا، ولا تدخرن لمنزلك شيئا، ولا يبارك له في أهله(٢) ، فمن فعل ذلك کتب له ثواب

__________________

والجزع علی الحسين عليه السّلام وخصوصا في يوم عاشوراء، ويأمرون الشعراء بانشاد الشعر علی الحسين عليه السّلام ويضمنون الجنة لمن قال في الحسين بيتا من الشعر.

١ ـ کامل الزيارات ص ١٧٥.

٢ ـ قال الشيخ عباس القمی في مفاتيح الجنان ص ٣٧٣ : ينبغی للشيعة الامساك عن الطعام والشراب في يوم العاشر من عاشوراء دون نية الصيام، وان يفطروا في آخر النهار بعد العصر.

وقال العلامة المجلسي في (زاد العماد) : «والأحسن أن لا يصام اليوم التاسع والعاشر فان بنی أمية کانت تصومها شماتة بالحسين عليه السّلام وتبرکا بقتله عليه السّلام، وقد افتروا علی رسول الله صلی الله عليه وآله احاديث کثيرة وخصوصا في فضل هذين اليومين وفضل صيامها. وقد روی من طريق أهل بيت عليهم السّلام احاديث کثيرة في ذم الصوم فيهما، وکانت أمية تدخر قوت سنتها في يوم عاشوراء، ولذلك روی عن الامام الرضا عليه السّلام : (من ترك السعی في حوائجه يوم عاشوراء قضي الله له حوائج الدنيا والاخرة) ومن کان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه

٢٥

ألف ألف حجة، والف عمرة والف غزوة مع رسول الله صلی الله عليه واله، وکان له ثواب مصيبة کل نبی ورسول وصديق وشهيد مات أو قتل منذ خلق الله الدنيا إلى أنْ تقوم الساعة(١) .

قال صالح بن عقبة الجهنی، وسيف بن عميرة قال علقمة بن محمد الحضرمی : فقلت لابی جعفر عليه السّلام(٢) : علّمنی دعاء أدعو به في ذلك اليوم إذا زرته من قريب، ودعاء ادعو به إذا لم ازره من قرب، واومات اليه من بعد البلاد ومن داري بالسلام(٣) .

قال : فقال(٤) : يا علقمة إذا أنت صليت الرکعتين بعد ان تومی اليه بالسّلام وقلت عند الايماء اليه بعد الرکعتين(٥) هذا القول(٦) فانک إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به من زاره(٧) من الملائکة، وکتب الله لك بها الف الف حسنة(٨) ، «ومحي عنک الف الف سيئة، ورفع لك مائة الف

__________________

وبکائه يجعل الله عز وچل يوم القيامة يوم فرحه وسروره وقرت بنا في الجنان عينه، ومن سمی يوم عاشوراء يوم برکة وادخر لمنزله شيئا لم يبارك له فيما ادخر وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد (لعنهم الله) إلى أسفل درك من النار). (راجع علل الشرائع للصدوق ج ١، ص ٢٦٦).

١ ـ مفاتيح الجنان ص ٥٥٢.

٢ ـ في بعض المصادر (قلت للباقر صلوات الله وسلامه عليه).

٣ ـ کامل الزيارات ص ١٧٦.

٤ ـ في بعض المصادر : (فقال لی).

٥ ـ في مفاتيح الجنان هکذا (فقل بعد الايماء اليه من بعد التکبير ...).

٦ ـ ای الزيارة الاتية.

٧ ـ ورد في مفاتيح الجنان (زواره).

٨ ـ في بعض المصادر (درجة).

٢٦

درجة»(١) ، وکنت ممن استشهد مع الحسين بن علي عليهم السّلام حتی تشارکهم في درجاتهم لاتعرف(٢) آل في الشهداء(٣) الذين استشهدو معه، وکتب لك ثواب(٤) کل نبی ورسول وزيارة من زار الحسين عليه السلام منذ(٥) قتل عليه السلام(٦) .

[السّلام عليك يا أبا عبد الله السّلام عليك يابن رسول الله إلى آخره]

وابن قولويه(٧) مولف الکتاب المذکور کان شيخا جليلا وثقة نبيلا تلمذ عنده شيخنا المفيد، وقد قيل في حقّه: «إنّ کل ما يوصف الناس به من جميل وفقه الا وهو فوقه»(٨) ولکن حکيم بن داود مجهول لم اقف علی حاله في الرجل(٩) ، الا أنّ في رواية مثل هذا الشيخ(١٠) عنه نوع دلالة علی حسن حاله، ومحمد بن موسی الهمدانی ضعفه القميون بالغلو(١١) ، وربما يقال : أنّه کان يضع الحديث(١٢) ،

__________________

١ ـ في بعض المصادر بين القوسين غير موجود.

٢ ـ في بعض المصادر هکذا (وما عرفت ..).

٣ ـ في بعض المصادر (زمرة الشهداء).

٤ ـ کلمة (زيارة) ساقطة.

٥ ـ في بعض المصادر هکذا (منذ يوم قتل سلام الله عليه وعلی أهل بيته).

٦ ـ کامل الزيارات ص ١٧٦.

٧ ـ هو جعفر بن محمد بن جعفر بن موسی بن قولويه، وکنيته أبو القاسم وهو استاذ الشيخ المفيد. وابن قولويه مدفون في مقبرة شيخان بقم. (راجع رجال النجاشی ص ١٢٣).

٨ ـ رجال النجاشی ص ١٢٣، الرقم ٣١٨، والخلاصة للعلامة الحلی ص ٨٨، الرقم ١٨٩.

٩ ـ مثل الطوسي في رجاله والنجاشی.

١٠ ـ اشارة إلى أبي القاسم بن قولويه صاحب کامل الزيارات.

١١ ـ راجع رجال النجاشی ص ٣٣٨، الرقم (٩٠٤). وهوابو جعفر محمد بن موسی بن عيسي الهمداني السمان. وله کتاب في الرد علی الغلاة.

ـ ١٢ هذه (القيل) منسوبةالی ابن الوليد. والنجاشي في رجاله ص ٣٣٨ اوکل الامر إلى الله تعالی، لانه اعلم.

٢٧

ومحمد بن خالد(١) لم اقف علی من وثقه ولکن قد يقال: إنّ رواية الاجلة عنه دليل الاعتماد، وسيف بن عميرة ثقة ولکن ربما يقال : انه کان واقفيا(٢) ، وصالح بن عقبة(٣) قيل : کتابه معتمد الاصحاب وقيل : انه غال کذاب، وعلقمة بن محمد لم ار من صرح بتو ثيقه. وبالجملة سند هذه الرواية ضعيف، ولکن ضعفه بالشهرة منجبر(٤) ، مع ان شيخنا الطوسي رواه أيضا في مصباحه(٥) علی ان قاعدة التسامح في ادلة السنن(٦) کفتنا مؤونة الاهتمام بتحقيق السند، وکيف کان فالمراد بهذا القول في قوله : وقلت عند الايماء اليه بعد الرکعتين هذا القول(٧) :

__________________

١ـ هو محمد بن خالد بن عمر الطيالسي التميمي، له کتاب نوادر ذکره الطوسي في رجاله ص ٣٤٣، والنجاشی ص ٣٤٠.

٢ ـ هو سيف بن عميرة النخعي الکوفي. ولم يتطرق النجاشي في رجاله علی انه واقفي بل اكتفي بانه (ثقة).

٣ ـ نفس المصدر ص ٢٠٠ رقم (٥٣٢).

٤ ـ عمل المشهور جابر لضعف السند أي ان کل خبر عمل به المشهور فهو حجة سواء کان الراوي ثقة أو غير ثقة. (راجع رجال السبحانی ص ٣٦).

٥ ـ مصابح المتهجد للشيخ الطوسي ص ٥٣٧، ط : الاعلمي.

٦ ـ هی القاعدة مستندة إلى صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام قال : (من سمع شيئا من الثواب علی شیء فصنعه کان له وان لم يکن علی مابلغه).

راجع کتاب الاصول مثل الرسائل للانصاري، والحلقات للشهيد الصدر.

٧ ـ أي السلام.

٢٨

«اَلسَّلام عليك يا أَبَا عَبدِ اللهِ»

هذه الجملة(١) تحية بأشهر أفرادها وأکملها يقصد بها الدعاء ولحقيقته القدسية المتحدة مع الجواهر الاکمل والعقل الاوّل المعبر عنه بلسان الشرع بالحقيقة المحمدية صلی الله عليه وآله بالحفظ والسّلامة والعصمة من کل ما يوجد البعد عن ساحة القربة، وهذا في الحقيقة تعليم للامة ليتوسلوا به إلى الوصول إلى هذه الدرجة علی حسب اختلاف مراتب استعدادهم للکمالات الامکانية، والا قدرة حقيقة عليه السّلام مکنونة، وجوهرة لطيفته مصونة عن کل آفة، وکذا جسمه اللطيف وجسده الشريف علی ما يرشد اليه قوله : «وعلی اجسامکم وعلی اجسادکم»(٢)

__________________

١ـ هو محمد بن خالد بن عمر الطيالسي التميمي، له کتاب نوادر ذکره الطوسي في رجاله ص ٣٤٣، والنجاشی ص ٣٤٠.

٢ ـ هو سيف بن عميرة النخعي الکوفي. ولم يتطرق النجاشي في رجاله علی انه واقفي بل اكتفي بانه (ثقة).

٣ ـ نفس المصدر ص ٢٠٠ رقم (٥٣٢).

٤ ـ عمل المشهور جابر لضعف السند أي ان کل خبر عمل به المشهور فهو حجة سواء کان الراوي ثقة أو غير ثقة. (راجع رجال السبحانی ص ٣٦).

٥ ـ مصابح المتهجد للشيخ الطوسي ص ٥٣٧، ط : الاعلمي.

٦ ـ هی القاعدة مستندة إلى صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السّلام قال : (من سمع شيئا من الثواب علی شیء فصنعه کان له وان لم يکن علی مابلغه).

راجع کتاب الاصول مثل الرسائل للانصاري، والحلقات للشهيد الصدر.

٧ ـ أي السّلام.

٢٩

لانهما ليسا کسائر الاجسام والاجساد التي تفنی وتبلی کما ورد به روايات کثيرة(١) ، وعليه فالخطب لا یختص بالحقيقة، وابو عبدالله من کناه المعروفة، والغرض من التکنية إظهار العظمة فلا يلزم ان يکون في ولده من يسمی بهذا الاسم(٢) ، وباطنا لما ظهر منه عليه السلام من شفقته علی عباد الله بشهادته المستتبعة للشفاعة.

__________________

فسلامنا علی جسد الامام وروح الامام کما تقول في الزيارة : (صلوات الله عليکم وعلی أرواحکم وعلی اجسادکم) فلولا الالخصوصية الموجودة في أبدانهم ـ أجسادهم عليهم السّلام ـ لما صار هناک معني محصل من السلام والصلوات عليها؟).

١ـ روی عن النبی صلّی الله عليه وآله : (ان الله عزّ وجل حرم لحومنا علی الارض ان تطعم منها شيئا). وروي عن الامام الصادق عليه السّلام : (ان الله عزّ وجل حرم عظامنا علی الارض وحرم لحومنا علی الدواب ان تطعم منها شيئا).

وقال الاستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي شيخ الشافعي : إنَّ الانبياء لاتبلی أجسادهم ولا تاکل الارض منهم شيئا.

(تفسير الثقلين ج ٤، ص ٤٩٤) وراجع کتاب عظمة الامام الحسين عليه السلام للفراتي ص ٨٩، ذکر تفصيلا لخصوصية أبدانهم عليه السّلام.

٢ ـ هو عبدالله الرضيع الذی ذبحه حرملة بن کاهل الاسدِي (لعنه الله) بسهم وهو في حجر أبيه الحسين عليه السّلام. وهو الذی نعاه الامام المهدي في زيارة الناحية حيث يقول عليه السّلام : (السّلام علی عبدالله الرضيع المرمي الصريع، المتشحّط دما والمصعد بدمه إلى السماء ...).

٣٠

اَلسَّلام عليك يابنَ رَسُول اللهِ

کونه ابنا للرسول مما تلقته الطائفة المحقة(١) بالقبول ؛ للآيات الکثيرة المستدل بها في اخبار کثيرة(٢) ، والاخبار الکثيرة. ففي رواية جابر عن النبی صلّی الله عليه وآله قال : ان کل بنی أُمّ ينتمون إلى أبيهم إلّا أولاد فاطمة فاني اناابوهم(٣) .

واحتاج يحيی بن يعمر العامري علی الحجاج(٤) بن يوسف الثقفي لعنه الله معروف(٥) کاحتجاج سعيد بن جبير عليه. ولا ينافي ذلك قوله تعالی : (ولا

__________________

فسلامنا علی جسد الامام وروح الامام کما تقول في الزيارة : (صلوات الله عليکم وعلی أرواحکم وعلی اجسادکم) فلولا الالخصوصية الموجودة في أبدانهم ـ أجسادهم عليهم السلام ـ لما صار هناک معني محصل من السلام والصلوات عليها؟).

ـ روی عن النبی صلی الله عليه وآله : (ان الله عزّ وجل حرم لحومنا علی الارض ان تطعم منها شيئا). وروي عن الامام الصادق عليه السلام : (ان الله عزّ وجل حرم عظامنا علی الارض وحرم لحومنا علی الدواب ان تطعم منها شيئا).

وقال الاستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي شيخ الشافعي : ان الانبياء لاتبلی أجسادهم ولا تاکل الارض منهم شيئا.

(تفسير الثقلين ج ٤، ص ٤٩٤) وراجع کتاب عظمة الامام الحسين عليه السلام للفراتي ص ٨٩، ذکر تفصيلا لخصوصية أبدانهم عليه السلام.

ـ هو عبدالله الرضيع الذی ذبحه حرملة بن کاهل الاسدِ (لعنه الله) بسهم وهو في حجر ابيه

الحسين عليه السلام. وهو الذی نعاه الامام المهدي في زيارة الناحية حيث يقول عليه السلام : (السلام علی عبدالله الرضيع المرمي الصرع، المتشحط دما والمصعد بدمه إلى السماء ...).

٣١

ينافي ذلك قوله تعالی : (ماکان محمد أبا أحد من رجالکم)(١) ، لانه عليه السلام کان من رجاله صلّی الله عليه وآله کابراهيم ولده مع أنه عليه السّلام حين نزول هذه الاية ما کان بالغا حد الرجل، والنفي مخصوص بالماضي فلا يندرج فيه الاستقبال، هذا مع اختصاص المورد بزيد بن حارثة الذي تبناه النبي صلّی الله عليه وآله(٢) وحکايته معروفة.

فالحسين عليه السّلام ابن رسول الله ظاهرا لما مضي وباطنا لوجوه لاتخفی علی أولي النهی.

ويمکن حمل قوله صلی الله عليه وآله : (هذان أي الحسن والحسين عليهم السّلام ابناي

__________________

والحسين ولدا رسول الله صلی الله عليه وآله. يقول الشعبي : أطرقت، واذا برجل کبير مقيد بالحديد والاغلال وضعوه بين يديه، فقال الحجاج للشيخ ـ يحيی بن يعمر العامري من علماء الشيعة ـ وفي رواية اخری انه سعيد بن جبير ـ : تقول : ان الحسن والحسين کانا ولدي رسول الله صلی الله عليه وآله لتاتيني بحجة من القران والّا لاضربنّ عنقك.

يقول الشعبي : نظرت إلى الشيخ واذا هو يحيی بن يعمر فحزنت له وقلت : کيف يجد حجة علی ذلك من القران؟

فقال الشيخ : (ووهبنا له إسحاق ويعقوب کلا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وايوب ويوسوف وموسی وهارون وکذلك نجزی المحسنين * وزکريا ويحيی وعيسي والياس کل من الصالحين) (سورة الانعام : ٨٤و٨٥) فقال الشيخ : کيف يليق هنا عيسي عليه السلام انه من ذرية إبراهيم ولم يکن له أب، فقال : الشيخ: إذا کان عيسي بن إبراهيم عن طريق مريم فالحسن والحسين أولی أن ينسبا إلى رسول الله صلی الله عليه وآله لانهم أقرب من عيسي إلى ابراهيم، فطرق الحجاج ثم أمر له بعشرة الاف دينار فدفعوها اليه.

١ـ سورة الاحزاب : ٤٠.

٢ـ راجع قصته في کتاب الاصابة في تمييز الصاحبة لابن حجر العسقلاني ج٢، ص٤٩٤، الرقم ٢٨٩٧، ط : الکتب العلمية بيروت.

وتفسير مجمع البيان للطبرسي ج٨، ص ٤٦٨، وتفسير شبر ص ٣٦٧.

٣٢

امامان)(١) علی ما يشملهما فانه معنی واحد کلي يندرج تحته المعنيان فيجوز استعمال اللفظ فيه ولو مجازا في باب الحقيقة والمجاز المشترک، وکذا في المجازين کما في المقام لو قلنا : بان استعمال الابن في ابن البنت بل مطلق غيرالولد للصلب تجوز، فهذا من باب سبک المجاز من المجاز، ولکن العارف الواقف علی صراط المعارف يری هدا الاستعمال من قبيل الحقيقة کما ذهب اليه السيد المرتضي من اصحابنا المحقة(٢) . وفی الکامل(٣) بعد هذه الفقرة : (السلام عليك يا خيرة الله وبن خيرة)(٤) أي من اختاره الله من خلقه(٥) .

__________________

١ـ راجع بحار الانوار ج ٤٣ و٤٤، حياة السبطين عليه السلام، وتفسير مجمع البيان للطبرسي ٨/٤٦٨.

٢ـ السيد المرتضي هو علي بن الحسين بن موسی بن محمد بن موسی بن إبراهيم بن الامام موسی الکاظم، المشهور بالمرتضي وبعلم الهدي.

قال السيد المرتضي : يستحق الخمس المنتسب إلى هاشم ولو بالام، استنادا إلى راجع (الروضة البية في شرح اللمعة الدمشقية ج١، ص٢٠٨، کتاب الخمس).

٣ـ أي في کامل الزيارات بعد فقرة (السلام عليك يابن رسول الله).

٤ـ هذه الفقرة في بعض المصادر غير موجودة مثل المصابح للطوسي.

٥ـ هم الذين اختارهم الله من العالمين واصطفاهم علی الملائکة المقربين. و (في الکافي) عن الامام الصادق عليه السلام في خطبة له يذکر فيها حال الائمة قال فيها : فلم يزل الله تبارک وتعالی یختارهم لخلقه ويرتضيهم کلما مضي منهم امام نصب لخلقة من عقبه اماما بينا وهاديا نيرا واماما قيما وحجة عالما ائمة من الله يهدون بالحق وبه يعدلون، حجج الله ودعاته ورعاته علی خلقه يدين بهديهم العباد وتستهل بنور هم البلاد

راجع الکافي ج١ کتاب الحجة، باب فضل الامام.

٣٣

السّلام عليك يابن أمير المؤمنين، وابن سيّد الوصييّن

کونه ابنا له عليه السّلام حقيقة علی الوجهين مما لا شك فيه، وقد افتخر به في رجزه المهروف عند قوله : خيرة الله من الخلق أبي ثم أمّي فانا ابن الخيرتين(١) . وأمير المؤمنين من القاب أبيه علي عليه السّلام، سمّاه الله به حين أخذ الميثاق له علی عباده، کما نطقت به روايات کثيرة : منها ما رواه الکلينی بسنده عن جابر عن الباقر عليه السّلام قال(٢) : الله سمّاه، وهکذا أنزل الله في کتابه : (واذ اخذ ربك من بنی ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم علی انفسهم ألست بربکم)(٣) وان محمّداً رسولی وان عليا أمير المؤمنين(٤) . وروی الصدوق في العلل(٥) عن الثمالي

__________________

١ـ مقتل أبي ص١٣٤، والبحار ج٤٨، ومطلعه : (خيرة الله من الخلق بعد جدي فانا ابن الخيرتين)

٢ ـ اصول الکافي ج٢، ص٤، ط : المکتبة الاسلامية.

٣ ـ سورة الاعراف اية ١٧٢ وذيل الاية : (قالوا بلی شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا کنا عم هذا غافلين).

٤ـ روی ابن شيورويه الديلمي في کتابه فردوس الأخبار ج٢ في باب الام، عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلی الله عليه وآله : لو يعلم الناس متی سمي علي أمير المؤمنين ما انکروا فضله، سمّي أمير المومنين وآدم بين الروح والجسد قال الله عزّ وجل : (وإذ أخذ ربک من بنی آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم علی انفسهم الست بربکم) قالت الملائکة : بلی فقال تبارك وتعالی : (أنا ربکم ومحمد نبيکم وعلي أميرکم).

وللفائدة راجع تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ج٢، ص٥١، وخصائص الوحي المبين لابن البطريق الحلي ص ٢٥٩. ط : ايران.

٥ ـ علل الشرائع للشيخ الصدوق ج١، ص١٩١، ط : الأعلمي، ومختصر البصائر الدرجات

٣٤

عنه عليه السلام أنه بعد أن سئل عن علة التسمية واختصاصها به قال : لانه ميرة العلم يمتار منه ولا يمتار منه

وفي کثیر من الأخبار انه لا يسمي(١) به غير بعده ولم يسم به أحد قبله، وفي بعضها لا يتسمی به أحد غيره إلا مفتر کذاب(٢) ، وفي بعضها الا کان منکوحاً(٣) وإن لم يکن به ابتلي به وهو قول الله في کتابه :

(إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً ...)(٤) .

وروی في معاني الأخبار(٥) عن الحسن البصري أنه قال : صعد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام منبر الکوفة فقال : أيها الناس انسبوني فمن عرفني فلينسبني وإلا فأنسب نفسي، أنا زيد بن عبد مناف بن عامر بن عمرو بن

__________________

لحسن بن سليمان الحلي ص ٦٧.

(عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالی قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام : يابن رسول الله لم سمي علي عليه السلام أمير المؤمنين وهو اسم ما سمي به أحد قبله ولا يحل لأحد بعده؟ قال : لأنه ميرة العلم يمتار منه ولا يمتار من أحد غيره).

١ـ أي لايجوز لأحد غير الإمام علي عليه السلام أن يلق علی نفسه لقب أمير المومنين، لأنه من خصائصه عليه السلام.

٢ ـ راجع بحار الأنوار ج ٣٨، ص ٢٥٣.

٣ ـ روی العياشي في تفسيره، وفي صحيفة الأبرار ج١، ص ٢٦٦ : (عن أبي عبدالله عليه السلام قال : دخل رجل علی أبي عبدالله عليه السلام فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين سماه به ولم يسم به أحد غيره إلا منکوحاً وإن لم يکن به ابتلي به وهو قول الله في کتابه (إن يدعون من دونه إلا إناثاً ...).

٤ ـ سورة النساء : ١١٧.

٥ ـ معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص ١٢٠، ط : الأعلمي.

٣٥

المغيرة بن زيد بن کلاب. فقام اليه ابن الکواء(١) فقال : يا هذا ما نعرف لك نسبا غير انّك علي بن أبي طالب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن کلاب. فقال عليه السلام له : يا لکع(٢) ان أبي سماني زيدا باسم جده قصي، وان اسم أبي عبد مناف فغلبت الکنية علی الاسم، وان اسم عبد المطلب عامر فغلب اللقب علی الاسم، واسم هاشم عمرو فغلب اللقب علی الاسم، واسم عبد مناف المغيرة فغلب اللقب علی الاسم، (وان اسم قصي زيد فسمته العرب مجمعا لجمعه اياها من البلد الاقصي إلى مکة فغلب اللقب علی الاسم)(٣) .(٤) وانما کان عليه السلام سيد الوصيين کما کان محمد صلی الله عليه وآله سيد النبيين صلی الله عليه واله، لان الله فضلهما علی سائر الانبياء، والاوصياء في مقام الرسالة والولاية المطلقتين فما من نبي ولا ولي الا وهو تحت لوائهما، فمحمد صلی الله عليه وآله سيد المرسلين وعلي عليه السلام سيد الوصيين وقد افتخر بتلک السيادة کما وردت الرواية(٥) . والمراد بالسيد الاشرف، وربما يراد

__________________

١ـ هو عبدالله بن الکواء وهو من الخوارج الملعونين.

٢ ـ لکع ـ بضم اللام وفتح الکاف ـ يعني العبد اللئيم، کما ورد في معاني الأخبار ص ٣٢٥، ط الاعلمي، عن جعفر بن محمد، عن ابيه، عن ابائه عليهم السلام قال : رسول الله صلی الله عليه وآله : ياتي علی الناس زمان يکون اسعد الناس بالدنيا لکع ابن لکع خير الناس يومئذ مؤمن بين کريمين).

٣ ـ داخل القوسين غير موجود في متن النسخة الخطية وانما کان في هامشا. وهذا الهامش ليس من الشارح وانما من أحد أحفاده کما صرح في إحدي تهميشاته.

٤ ـ تقدم مصدر الرواية.

٥ ـ مختصر بصائر الدرجات ص٣٣، ص٣٤، ط ايران، والاحتجاج للطبرسي ج١، ص٧٧، ص ٨٢.

٣٦

به المفترض الطاعة کما رواه الصدوق(١) عن عائشة قالت : کنت عند النبي صلی الله عليه وآله فاقبل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : هذا سيد العرب، قلت : وما السيد؟ قال صلی الله عليه وآله : من افترضت طاعته کما افترضت طاعتي(٢) .

ولا ينافي مفهوم هذا الحديث الدال علی انه ليس غير العرب. حديث الغدير المعروف(٣) لا ختصاص افتراض الطاعة في حال حياة النبي صلّی الله عليه وآله به اصالة، وحديث الغدير نصب لعلي عليه السّلام بعد الوفاة وهو عليه السّلام کان منصوبا عن النبي صلی صلّی الله عليه وآله علی العرب خاصة(٤) في حال حياته فکان مفترض الطاعة لهم حينئذ بالنيابة فتدبر.

__________________

قال عليه السّلام بعد خطبة طويلة : (أنا قسيم النار وانا خازن الجنان وصاحب الاعراف وانا أمير المؤمنين ويعسوب المتقين واية السابقين ولسان الناطقين وخاتم الوصيين ...).

١ـ هو محمد بن علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمي المعروف بالصدوق. ولد (بقم) في حدود سنة (٣٠٦هـ).

٢ـ اخرجها الشيخ الصدوق في کتاب معاني الأخبار ص١٠٣، ط : الاعلمي.

٣ـ ونص حديث الغدير : (من کنت مولاه فهذا علي مولاه أللهمَّ وآل من والاه وعاد من عاداه).

«تاريخ اليعقوبي ج٢، ص١١١، وموسوعة الغدير للعلامة الاميني».

٤ـ ان عليا عليه السّلام نصب من قبل الرسول الله صلّی الله علی وآله خليفة ويدل عليه حديث المنزلة وهو : (... اما ترضي ان تکون مني بمنزلة هارون من موسی غير انه لانبي بعدي).

ويدل عليه حديث الدار لما نزلت اية (وانذر عشيرتک الاقربين) الشعراء : ١٤. وکثير من الادلة التي تدل علی أنه عليه السّلام منصوب من قبل رسول الله صلی الله عليه وآله وللزيادة راجع (أسنی المطالب للشافعي ص٥٤ واثبات الوصية للشوکاني، ومطالب السؤول ...).

٣٧

السلام عليك يابن فاطمة سيدة نساء العالمين

لو لوحظ في الزهراء معني الوصفية فالجر علی الوصفية والا بان جعل لقبا کما يظهر من جملة من الأخبار فعلی الاضافة لکونهما مفردين، ولعل الاول اظهر(١) نظرا إلى النظائر کالمصطفی، والمرتضي، والمجتبی، والسجاد، والباقر وغيرهما من القاب الائمة عليهم السّلام.

نعم، في بعض الأخبار انه سئل الصادق عليه السلام عن فاطمة لم سميت زهراء؟ فقال : لانها کانت إذا قامت في محرابها زهرَ نورها لاهل السماء کما يزهر نور الکواکب لاهل الارض(٢) .

__________________

١ـ هو لحاظ الوصفية في (الزهراء) فتکون مجرورة تبعا للموصوف (فاطمة).

٢ـ هذه الرواية اخراجها الصدوق في علل الشرائع ج١، ص٢١٤ عن الامام الصادق عليه السلام.

وفي بعض الأخبار سميت فاطمة عليها السلام بالزهراء لانها کانت تزهر لامير المؤمنين عليه السّلام في النهار ثلاث مرات بالنور، کان يزهر نور وجهها فيعلمون ان الذي راوه من نور فاطمة.

فاذا نصف النهار وترتبت للصلاة زهر وجهها عليها السّلام بالصفرة حجرات الناس فتصفر ثيابهم والوانهم فياتون النبي صلی الله عليه وآله فيسالونه عما راوا فيرسلهم إلى فاطمة عليها السلام فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها عليها السلام بالصفرة فيعلمون ان الذي راوا کان من نور وجهها.

٣٨

ولکن يحتمل أن يراد بالتسمية مطلق الوصف کمافي حديث تسميتها بالمحدثة(١) . وفاطمة من الفطم وهو القطع، سميت بهذا الاسم، لان الله فطم من أحبها من النار کما في جملة من الروايات(٢) ، أو لانه فطمها بالعلم، وعن الطمث کما في بعضها(٣) . أو عن الشر کما في رواية يونس بن ظبيان، وفيها لفاطمة تسعة اسماء عند الله : فاطمة، والصديقة، والمبارکة، والطاهرة، والزکية ،

__________________

فاذا کان آخر النهار وغربت الشمس احمر وجه فاطمة فاشرق وجهها بالحمرة فرحا وشکرا الله عزّ وجل فکان يدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمر حيطانهم فيعجبون من ذلك وياتون النبي صلی الله عليه وآله ويسالونه عن ذلك فيرسلهم إلى منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبح لله وتمجده ونور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون ان الذي راوا کان من نور وجه فاطمة عليها السلام فلم يزل ذلك النور في وجهها حتی ولد الحسين عليه السلام فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الائمة منا أهل البيت امام بعد امام).

١ـ روی الصدوق في علل الشرائع ج١، ص٢١٦، عن أبي عبدالله عليه السلام يقول : إنّما سميت فاطمة عليها السلام محدثة، لان الملائکة کانت تهبط من السماء فتناديها کما تنادي مريم بنت عمران فتقول : يا فاطمة إنّ الله إصطفاک وطهرک واصطفاک علی نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي وارکعي مع الراکعين، فتحدثهم ويحدثونها، فقالت لهم ذات ليلة : أليست المفضلُة علی نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا : إنّ مريم کانت سيدة نساء الاولين والاخرين.

٢ ـ روی الصدوق في العلل ج١، ص ٢١١، عن أبي هريرة قال : (انما سميت فاطمة، لان الله تعالی فطم من احبها من النار).

وفی بعض الروايات الله فطمها وذريتها من النار، وفي بعض فطم الخلق عن معرفتها.

٣ ـ روی الصدوق عن أبي جعفر عليه السلام قال : اما ولدت فاطمة عليها السلام اوحي الله عزّ وجل إلى ملک فانطق به لسان محمد فسماها فاطمة، ثم قال : اني فطمتک بالعلم وفطمتک عن الطمث، ثم قال أبو جعفر عليه السلام : والله لقد فطمها الله تبارک وتعالی بالعلم وعن الطمث بالميثاق.

٣٩

والرضية، والمرضية، والمحدثة والزهراء(١) .

والمراد بکونها سيدة نساء العالمين کونها أشرف من جميع نساء العالمين من الاولين والاخرين لا نساء عالمها واهل زمانها کما کانت مريم(٢) . وبه وقع التصريح في رواية المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام المروية في المعاني(٣) . وفي هذه النسبة أيضا فخر ظاهر وشرف باهر للحسين عليه السلام؛ وقد افتخر بها في مواطن عديدة(٤) . کيف لا وفاطمة بنت رسول الله صلی الله عليه وآله ولها من الفضل ما لا

__________________

١ـ روی الصدوق في نفس المصدر عن الحسن بن عبدالله بن يونس بن ظبيان، قال : أبو عبدالله عليه السلام لفاطمة عليها السلام تسعة اسماء عند الله عزّ وجل : فاطمة والصديقة والمبارکة والطاهر والزکية والراضية والمرضية والمحدثة والزهراء ثم قال : لولا ان أمير المؤمنين عليه السلام تزوجها ما کان لها کفؤ إلى يوم القيامة علی وجه الارض، آدم فمن دونه.

٢ ـ روی العلامة المتقي الهندي في کنز العمال عن رسول الله قال : (يا فاطمة اما ترضين ان تکونی سيدة العالمين وسيدة نساء المؤمنين وسيدة نساء هذه الامة) ج١٢ ح٣٤٢٣٢.

٣ ـ روی الشيخ الصدوق في معاني الأخبار ص ١٠٧، ط : الاعلمي : (عن المفضل بن عمر قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : اخبرني عن قول رسول الله صلی الله عليه وآله في فاطمة انها سيدة نساء العالمين) اهي سيدة نساء عالمها؟ فقال : ذاك لمريم کانت سيدة نساء عالمها، وفاطمة سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين).

وللمزيد راجع کتاب بحارالانوار، ج٤٣ حياة الزهراء عليها السلام، ط : دار احياء التراث العربي.

٤ ـ افتخر الامام الحسين بنسبه الطاهر في ارجوزته التي رواها أبو مخنف في مقتله ص ١٣٤ حيث قال عليه السلام :

«والدي شمس وامی قمر

فانا الکوکب وابن الفرقدين

فضة قد صفيت من ذهب

فانا الفضة وابن الذهبين

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ثالثها: الخضوع للمخلوق والتذلل له بأمر من اللّه و إرشاده، كما في الخضوع للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لاَوصيائه الطاهرين عليهم السَّلام بل الخضوع لكلّموَمن ، أو كلّما له إضافة إلى اللّه توجب له المنزلة و الحرمة، كالمسجد الحرام، و القرآن والحجر الاَسود وما سواها من الشعائر الاِلهية. و هذا القسم من الخضوع محبوب للّه فقد قال تعالى:( فَسَوفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُوَْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرينَ ) (المائدة|٥٤).

بل هو لدى الحقيقة خضوع للّه، و إظهار للعبودية له فمن اعتقد بالوحدانية الخالصة للّه، و اعتقد أنّ الاِحياء والاِماتة والخلق والرزق والقبض والبسط والمغفرة و العقوبة كلّها بيده، ثمّاعتقد بأنّالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أوصياءه الكرام عليهم السَّلام( عِبادٌ مُكْرَمُونَ* لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَولِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (الاَنبياء|٢٦ـ٢٧) فعظّمهم و خضع لهم ، تجليلاً لشأنهم و تعظيماً لمقامهم، لم يخرج بذلك عن حدّالاِيمان، ولم يعبد غير اللّه.

ولقد علم كلّمسلم أنّرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقبّل الحجر الاَسود، و يستلمه بيده إجلالاً لشأنه و تعظيماًلاَمره.(١)

السوَال الرابع : دواعي العبادة للّه سبحانه

العبادة فعل اختياري للاِنسان لابدّ لصدوره من الاِنسان من داعٍ وباعثٍ فما هو الداعي الصحيح لها؟

الجواب: العبادة فعل اختياري للاِنسان لابدّ من وجود داع إليه و يمكن أن يكون الباعث أحد الاَُمور الثلاثة التالية:

١و٢ـ الطمع في إنعامه و الخوف من عقابه

وهذا هو الداعي العام في غالب الناس وقد أُشير إليهما في مجموعة منالآيات:

قال سبحانه:( تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبُّهُمْ خَوفاً وَطَمعاً ) (السجدة|١٦) وقال عزّمن قائل:( وَادْعُوهُ خَوفاً وَطَمعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنينَ ) (الاَعراف|٥٦).

____________

(١) السيد الخوئي: البيان: ٤٦٨ـ ٤٦٩.

٦١

وقال عزّ من قائل:( أُولئِك الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً ) (الاِسراء|٥٧).

ومع هذه النصوص الرائعة الصريحة في تجويز عبادة اللّه بهذين الداعيين، نرى أنّ بعض المتكلّمين يرفضون هذا النوع من الداعي، و يُصرّون على لزوم خلوص العبادة من أيّ داع نفساني من غير فرق بين الطمع في رحمته، أو الخوف من ناره و يبطلون العبادة إذا كانت ناشئة عن هذين المبدئين.

لا شكّ أنّ العبادة لاَجل كمال المعبود وجماله من أفضل العبادات، و لكنّها غاية لا يصل إليها إلاّ من ارتاض في ميدان العبادة حتى ينسى نفسه ولا يرى إلاّمعبوده، و أين تلك الاَُمنية من متناول أغلبية الناس الذين تهمهم أنفسهم لاغير، و إن أطاعوه فلاَجل الخوف.

وإليك حديثين رائعين عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام :

قال أمير الموَمنينعليه‌السلام : إنّقوماً عبدوا اللّه رغبة فتلك عبادة التجار، و إنّ قوماً عبدوا اللّه رهبة فتلك عبادة العبيد، و إنّ قوماً عبدوا اللّه شكراً فتلك عبادة الاَحرار.(١)

وقال الاِمام الصادقعليه‌السلام : العبادة ثلاثة، قوم عبدوا اللّه عزّو جلّ خوفاً فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا اللّه تبارك و تعالى طلب الثواب فتلك عبادة الاَُجراء، و قوم عبدوا اللّه عزّ وجلّ حبّاً له فتلك عبادة الاَحرار، وهي أفضل العبادة.(٢)

٣ـ كونه سبحانه أهلاً للعبادة

أن يعبد اللّه بما أنّه أهل لاَن يُعبد، لكونه جامعاً لصفات الكمال و الجمال، و هذا النوع من الداعي يختص بالمخلصين من عباده الّذين لا يرون لاَنفسهم إنّية، و لا لذواتهم أمام خالقهم شخصية، إندكت أنفسهم في ذات اللّه فلا ينظرون إلى شيء إلاّ و يرون اللّه قبله و معه و بعده، فهم المخلَصون الّذين لا يطمع الشيطان في إغوائهم قال سبحانه حاكياً عن إبليس:( وَ لاَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعينَ* إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (الحجر|١٩ـ٤٠) قال سيد الموحدين عليعليه‌السلام :«ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك و لكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتُك.(٣)

____________

(١) نهج البلاغة، قسم الحكم برقم ٢٣٧.

(٢) الحر العاملي: وسائل الشيعة ج١|٤٤، ب ٨ من أبواب المقدمة ، الحديث ٨.

(٣) المجلسي: مرآة العقول ، ج٨، ص٨٩: باب النيّة.

٦٢

خاتمة المطاف

الفوضى في التطبيق بين الاِمام و المأموم

لقد ترك الاِهمال في تفسير العبادة تفسيراً منطقياً، فوضى كبيرة في مقام التطبيق بين الاِمام و المأموم فنرى أنّإمام الحنابلة أحمد بن حنبل (١٦٤ـ ٢٤١هـ) صدر عن فطرة سليمة في تفسير العبادة ، وأفتى بجواز مسِّ منبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتبرّك به و بقبره و تقبيلهما عند ما سأله ولده عبد اللّه بن أحمد، و قال: سألته عن الرجل يمسُّ منبرَ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و يتبرّك بمسِّه، و يُقَبّله، ويفعل بالقبر مثل ذلك، يريد بذلك التقرّب إلى اللّه عزّ وجلّ؟ فقال: «لا بأس بذلك».(١)

هذه هي فتوى الاِمام ـ الذي يفتخر بمنهجه أحمد بن تيمية، وبعده محمّد بن عبد الوهاب ـ و لم ير بأساً بذلك، لما عرفت من أنّ العبادة ليست مجرّد الخضوع، فلا يكون مجرّد التوجّه إلى الاَجسام و الجمادات عبادة، بل هي عبارة عن الخضوع نحو الشيء، باعتبار أنّه إله أو ربّ، أو بيده مصير الخاضع في عاجله و آجله، وأمّا مسّ المنبر أو القبر و تقبيلهما لغاية التكريم و التعظيم لنبيّ التوحيد، فلايوصف بالعبادة و لايتجاوز التبرّك به في المقام عن تبرّك يعقوب بقميص ابنه يوسف، و لم يخطر بخلد أحد من المسلمين إلى اليوم الذي جاء فيه ابن تيمية بالبدع الجديدة، أنّها عبادة لصاحب القميص و المنبر و القبر أو لنفس تلك الاَشياء.

و لمّا كانت فتوى الاِمام ثقيلة على محقّق الكتاب، أو من علق عليه لاَنّها تتناقض مع ما عليه الوهابية و تبطل أحلام ابن تيمية، و من لفَّ لفَّه، حاول ذلك الكاتب أن يوفّق بين جواب الاِمام و ما عليه الوهابية في العصر الحاضر، فقال: «أمّا مسّمنبر النبيّ فقد أثبت الاِمام ابن تيمية في الجواب الباهر (ص ٤١) فعله عن ابن عمر دون غيره من الصحابة، روى أبوبكر بن أبي شيبة في المصنف (٤|١٢١) عن زيد بن الحباب قال: حدّثني أبو مودود قال: حدّثني يزيد بن عبد الملك بن قسيط قال: رأيت نفراً من أصحاب النبيّإذا خلا لهم المسجد قاموا إلى زمانة المنبر القرعاء فمسحوها، ودعوا قال: و رأيت يزيد يفعل ذلك.

____________

(١) أحمد بن حنبل، العلل و معرفة الرجال ٢: ٤٩٢، برقم :٣٢٤٣، تحقيق الدكتور وصي اللّه عباس، ط بيروت ١٤٠٨.

٦٣

وهذا لما كان منبره الذي لامس جسمه الشريف، أمّا الآن بعد ما تغيّر لايقال بمشروعية مسحه تبركاً به».

ويلاحظ على هذا الكلام: بعد وجود التناقض بين ما نقل عن ابن تيمية من تخصيص المسّ بمنبر النبيّبابن عمر، و ما نقله عن المصنف لابن أبي شيبة من مسح نفر من أصحاب النبيّ زمانة المنبر:

أوّلاً: لو كان جواز المسّ مختصّاً بالمنبر الذي لامسه جسم النبي الشريف دون ما لم يلامسه كان على الاِمام المفتي أن يذكر القيدَ، ولا يُطلق كلامَه، حتى ولو افترضنا أنّالمنبر الموجود في المسجد النبوي في عصره كان نفسَ المنبر الذي لامسَه جسمُ النبيّ الاَكرم، و هذا لا يغيب عن ذهن المفتي، إذ لو كان تقبيل أحد المنبرين نفس التوحيد، و تقبيل المنبر الآخر عينَ الشرك، لما جاز للمفتي أن يُغفل التقسيم و التصنيف.

وثانياً: أنّ ما يفسده هذا التحليل أكثر ممّا يصلحه، وذلك لاَنّ معناه أنّلجسمه الشريف تأثيراً على المنبر و من تبرّك به، و هذا يناقض التوحيد الربوبي من أنّه لا موَثّر في الكون إلاّاللّه سبحانه، فكيف يعترف الوهابي بأنّ لجمسه الشريف في الجسم الجامد تأثيراً و أنّه يجوز للمسلمين أن يتبرّكوا به عبر القرون.

ثمّ إنّ المعلّق استثنى مسح قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتبرك به، ومنعهما و قال في وجهه:

«وأمّا جواز مسّ قبر النبيّ و التبرّك به فهذا القول غريب جدّاً لم أر أحداً نقله عن الاِمام، وقال ابن تيمية في الجواب الباهر لزوار المقابر (ص ٣١): اتّفق الاَئمّة على أنّه لا يمسّ قبر النبيّ و لا يقبله، وهذا كلّه محافظة على التوحيد، فإنّ من أُصول الشرك باللّه اتّخاذ القبور مساجد».(١)

لكن يلاحظ عليه: كيف يقول: لم أجد أحداً نقله عن الاِمام، أو ليس ولده أبو عبد اللّه راويةَ أبيه و وعاء علمه و هو يروي هذه الفتوى و ثقة عند الحنابلة.

____________

(١) تعليقة المحقّق، نفس الصفحة.

٦٤

وأمّا التفريق بين مسّ المنبر والقبر بجعل الاَوّل نفس التوحيد، و الثاني أساس الشرك، فمن غرائب الاَُمور، لاَنّ الاَمرين يشتركان في التوجّه إلى غير اللّه سبحانه، فلو كان هذا محور الشرك، فالموضوعان سيّان، و إن فرّق بينهما بأنّ الماسّ، ينتفع بالاَوّل دون الثاني لعدم مسّ جسده بالثاني فلازمه كون الاَوّل نافعاً والثاني أمراً باطلاً دون أن يكون شركاً على أنّ تجويز الاَوّل يرجع إلى القول بأنّ لبدنه تأثيراً فيما يقصد لاَجله التبرّك و هو عين الشرك عند القوم فما هذا التناقض في المنهج يا ترى. و لو رجع المحقّق إلى الصحاح و المسانيد وكتب السيرة والتاريخ، لوقف على أنّ التبرّك بالقبر و مسّه، كان أمراً رائجاً بين المسلمين في عصر الصحابة و التابعين، و لاَجل إيقاف القارىَ على صحّة ما نقول نذكر نموذجين من ذلك:

١ـ إنّ فاطمة الزهراءعليها‌السلام سيدة نساء العالمين بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حضرت عند قبر أبيها و أخذت قبضة من تراب القبر تشمّه و تبكي و تقول:

ما ذا على من شـمّتربة أحمد

ألاّيشـمّ مدى الزمان غوالـياً

صُبَّتْ عليَّ مصـائب لو أنّها

صُبَّتْ على الاَيّام صِرنَ ليالياً (١)

إنّ هذا التصرّف من السيدة الزهراء المعصومةعليها‌السلام يدل على جواز التبرّك بقبر رسول اللّه و تربته الطاهرة.

٢ـ إنّ بلالاً ـ موَّذّن رسول اللّه ـ أقام في الشام في عهد عمر بن الخطاب فرأى في منامه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو يقول: «ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آنَ لك أن تزورني يا بلال؟».

فانتبه حزيناً وَجِلاً خائفاً، فركب راحلته و قصد المدينة فأتى قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجعل يبكي عنده و يمرغ وجهه عليه، فأقبل الحسن و الحسينعليهما‌السلام فجعل يضمّهما و يقبّلهما... إلى آخر الخبر.(٢)

____________

(١) لقد ذكر هذه القضية جمع كثير من الموَرخين، منهم السمهودي في وفاء الوفا ٢:٤٤٤ ـ و الخالدي في صلح الاخوان: ٥٧، و غيرهما.

(٢) ابن ا لاَثير : أُسد الغابة١: ٢٨، و غيره من المصادر.

٦٥

والحقّ انّ الاِختلاف بين السلف الصالح، و الخلف!! غير مختص بهذا المورد بل هناك موارد كان السلف يراها نفس التوحيد، و يراها الوهابيون عين الشرك و إن كنت في شكّ فلاحظ ما يلي:

١ـ قال ابن حبّان : «في شأن الاِمام عليّ بن موسى الرضا عليمها السَّلام : «قد زرته مراراً ، و ماحلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات اللّه على جدّه و عليه، و دعوت اللّه ازالتها عني إلاّ استجيب و زالت عني تلك الشدة، و هذا شيء جرّبته مراراً فوجدته كذلك.(١)

٢ـ نقل ابن حجر العسقلاني عن الحاكم النيسابوري أنّه قال: «سمعت أبا بكر محمد بن الموَمل بن الحسن بن عيسى يقول: خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة، وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مشايخنا وهم إذ ذاكمتوافرون إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام بطوس قال: فرأيت من تعظيمه يعني ابن خزيمة لتلك البقعة تواضعه لها و تضرعه عندها ما تحيرنا». (٢)

٣ـ وقال أحمد بن يحيى ألونشريسى المتوفى بفاس عام٩١٤ في كتابه القيم: «المعيار المعرب» سئل سيدي قاسم العقباني عمّن جرت عادته بزيارة قبر الصالحين فيدعو هناك و يتوسل بالنبيّعليه‌السلام وبغيره من الاَنبياء صلوات اللّه على جميعهم، و يتوسل بالاَولياء والصالحين و يتوسل بفضل ذلك الولي الّذي يكون عند قبره على التعيين، فهل يسوغ له هذا و يتوسل إلى اللّه في حوائجه بالولي على التعيين؟ وهل يجوز التوسل بعمّ نبيّنا أم لا؟

____________

(١) ابن حبان: كتاب الثقات، ج٨، ص ٤٥٧.

(٢) ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج٧| ٣٨٨.

٦٦

فأجاب يجوز التوسل إلى مولانا العظيم الكريم بأحبائه من النبيين و الصديقين والشهداء والصالحين. وقد توسل عمر بالعباس رضي اللّه عنهما، و كان ذلك بمشهد عظيم من الصحابة والتابعين، و قَبِلَ مولانا وسيلتهم و قضى حاجتهم و سقاهم. ومازال هذا يتكرر في الّذين يُقتدى بهم فلا ينكرونه، وما زالت تظهر العجائب في هذه التوسلات بهوَلاء السادات نفعنا اللّه بهم و أفاض علينا من بركاتهم. و ورد في بعض الاَخبار انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علّم بعض الناس الدعاء فقال في أوّله قل: اللّهمّ انّي أُقسم عليك بنبيّك محمّد نبيّ الرحمة. فقال الاِمام الاَوحد عزّ الدين بن عبد السّلام: هذا الخبر إن صحّ يحتمل أن يكون مقصوراً على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لانّه سيّد ولد آدم، ولا يُقسم على اللّه تعالى بغيره من الاَنبياء والملائكة والاَولياء، لانّهم ليسوا في درجته ، وأن يكون هذا إنّما خصّ به نبيّنا على علوّ درجته و مرتبته انتهى.(١)

ترى انّ السلف الصالح يتلقى هذه الاَُمور، بفطرتهم السليمة أُموراً مشروعة، غيرمخالفة للتوحيد، بينما الوهابيين يدّعون انّهذه الاَُمور، تنافي التوحيد و تقارن الشرك، من دون أن يقيموا دليلاً على مخالفتها للتوحيد، إلاّ الاعتماد على أقوال ابن تيمية و آرائه مكان الاعتماد على الكتاب والسنّة و سيرة السلف الصالح، فهم مقلده أقوال الرجال، و قدسيطرت على عقولهم، مكان استنطاق الذكر الحكيم والسنة النبوية.

غيري جنى وأنا المعاقب فيكم

أنّ موقف الكاتب أبي الاَعلى المودودي من الوهابية موقف الدعم والتأييد و قد صب نزعاته في كتابه «المصطلحات الاَربعة» فقد ألف ذلك الكتاب لغاية دعم المبادىَ الوهابية تحت غطاء تفسير المصطلحات الاَربعة و مع ذلك كلّه فقد صدرت منه عن «لاوعى» كلمة حق لو كان سائراً على ضوئها لاصاب الحقيقة قال: «و صفوة القول أنّ التصور الذي لاَجله يدعو الاِنسان الاِله و يستغيثه و يتضرع إليه هو لا جرم تصور كونه مالكاً للسلطة المهيمنة على قوانين الطبيعية و للقوى الخارجة عن دائرة نفوذ قوانين الطبيعة».

____________

(١) المعيار المعرب عن فتاوى علماء افريقية والاَندلس والمغرب، ج١|٣١٧ـ ٣٢٢.

٦٧

هذا كلامه و هو تعبير عن عقائد الوثنيين الذين لايصدرون في توسلاتهم و استغاثاتهم إلاّ عن هذا المبدء و أين ذلك من توسل المسلمين الذي يتوسلون بالنبي و آله ، لاَجل أنّهم عباد صالحون« لا يعصون اللّه في ما أمرهم و هم بأمره يعملون» فالحافز على التوسل والاستغاثة ليس إلاّذلك لا انّهم أصحاب السلطة على قوانين الطبيعة مع الاعتراف بانّهم عباد لا يملكون لاَنفسهم موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

تصور خاطىَ:

انّ الكاتب مع أنّه نطق بالحقّ و الحقّ ينطق به المنصف والعنود، أراد اضفاء الشرك على التوسلات الدارجة بين المسلمين فذكر انّ السبب لها ليس إلاّاعتقاد المتوسل أنّللنبي مثلاً نوعاً من أنواع السلطة على نظام هذا العالم.

وكذلك من يخاف أحداً يرى انّ سخطه يجرّ عليه الضرر و مرضاته تجلب له المنفعة فلا يكون مصدر اعتقاده ذلك و عمله إلاّما يكون في ذهنه من تصوّر أنّ له نوعاً من السلطة على هذا الكون فلا يبعثه عليه إلاّاعتقاده فيه انّ له شركاً في ناحية من نواحي السلطة الاَُلوهية.(١)

أنّ ما ذكره من مبدأ التوسل و انّه الاعتقاد بأنّ للمتوسل به نوعاً من السلطة على هذا الكون، إنّما ينطبق على توسل المشركين بأصنامهم و أوثانهم فقد كانو معتقدين بمالكيتها لبعض الشوَون الاِلهية و لا أقلّسلطنتها على الغفران والشفاعة النافذة و أين ذلك من توسل المسلمين بأحباء اللّه بما انّهم عباده الصالحون لو دَعوا لاجيبوا بتفضل منه سبحانه لا الزاماً و ايجابا ـ والدليل على ذلك انّه سبحانه دعى في غير واحدة من الآيات إلى التوسل بالنّبي فقال سبحانه:( وَ لَو اَنّهم إذْ ظَلَموا أنفُسَهم جاوَُكَ فَاسْتغفَروا اللّهَ وَ اسْتَغفَرَ لَهُمُ الرَّسُول لَوَجَدوا اللّهَ تَواباً رَحِيماً ) (النساء|٦٤) حتى انّه سبحانه ذمّ المنافقين لاَجل اعراضهم عن النبي و عدم طلبهم استغفاره قال سبحانه:( وإذا قِيل لَهُمْ تَعالَوا يَسْتَغفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللّه لَووا رُوَسهم وَ رأيتَهُمْ يَسُدّونَ و هُم مُسْتكبِرون ) (المنافقون|٥).

____________

(١) المودودي: المصطلحات الاَربعة|١٨ـ١٩.

٦٨

و من يتوسل من المسلمين بعد رحيل نبيهم الاَكرم فإنّما يتوسل بنفس ذلك الملاك الموجود في زمن حياته لا بملاك انّه مسيطر على العالم، و اختصاص الآية ـ على زعمهم ـ بحياة النبيّ لا يضر بالاستدلال، لانّالهدف هو انّالداعي للتوسل في كلتا الفترتين أمر و احد سواء اختصت الآية بفترة الحياة أم لا.

انّ الكاتب المودودي أخذ البرىء بجرم المعتدى فنسب عقيدة الوثنيّين إلى المسلمين و جعل الدعوتين من باب واحد و صادرتين من منشأ فارد و ليس هذا إلاّ قضاءً بالباطل و لا تزر وازرة وزر أُخرى.

الفصل الرابع : في حصر الاستعانة في اللّه

إنّ التوسل بالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و إن كان استعانة به لكنّه لاينافي حصر الاِستعانة باللّه تبارك وتعالى وذلك أنّ المسلمين في أقطار العالم يَحصرون الاستعانة في اللّه سبحانه و مع ذلك يستعينون بالاَسباب العادية، جرياً على القاعدة السائدة بين العقلاء، ولا يرونه مخالفاً للحصر، كما أنّ المتوسّلين بأرواح الاَنبياء يستعينون بهم في مشاهدهم و مزاراتهم ولايرونه معارضاً لحصر الاستعانة باللّه سبحانه، و ذلك لاَنّ الاستعانة بغير اللّه يمكن أن تتحقق بصورتين:

١ـ أن نستعين بعامل ـ سواء أكان طبيعياً أم غير طبيعي ـ مع الاعتقاد بأنّ عمله مستند إلى اللّه، بمعنى أنه قادر على أن يعين العباد و يزيل مشاكلهم بقدرته المكتسبة من اللّه و إذنه.

وهذا النوع من الاستعانة ـ في الحقيقة ـ لا ينفك في الواقع عن الاستعانة باللّه ذاته، لاَنّه ينطوي على الاعتراف بأنّه هو الذي منح تلك العوامل، ذلك الاَثر، وأذن لها، و إن شاء سلبها وجرّدها منه.

فإذا استعان الزارع بعوامل طبيعية كالشمس و الماء وحرث الاَرض، فقد استعان باللّه ـ في الحقيقة ـ لاَنّه تعالى هو الّذي منح هذه العوامل: القدرة على إنماء ما أودع في بطن الاَرض من بذر و من ثمّ إنباته و الوصول به إلى حدّ الكمال.

٢ـ أن يستعين بإنسان حىّ او ميّت أو عامل طبيعي مع الاعتقاد بأنّه مستقلّفي وجوده، أو في فعله عن اللّه، فلا شكّ أنّ ذلك الاعتقاد شرك و الاستعانة به عبادة.

٦٩

فإذا استعان زارع بالعوامل المذكورة و هو يعتقد بأنّها مستقلّة في تأثيرها أو أنّها مستقلّة في وجودها ومادتها كما في فعلها وقدرتها، فالاعتقاد شرك والطلب عبادة للمستعان به.

وبذلك يظهر أنّ الاستعانة المنحصرة في اللّه المنصوص عليها في قوله تعالى:"و إيّاكَ نَسْتَعينُ" هي الاستعانة بالمعونة المستقلّة النابعة من ذات المستعان به، غير المتوقّفة على شيء، فهذا هو المنحصر في اللّه تعالى، وأمّا الاستعانة بالاِنسان الذي لا يقوم بشيء إلاّ بحول اللّه و قوّته و إذنه و مشيئته، فهي غير منحصرة باللّه سبحانه، بل إنّ الحياة قائمة على هذا الاَساس ، فإنّالحياة البشرية مليئة بالاستعانة بالاَسباب التي توَثّر و تعمل بإذن اللّه تعالى.

وعلى ذلك لا مانع من حصر الاستعانة في اللّه سبحانه بمعنى، و تجويز الاِستعانة بغيره بمعنى آخر و كم له نظير في الكتاب العزيز.

و لاِيقاف القارىَ على هذه الحقيقة نلفت نظره إلى آيات تحصر جملة من الاَفعال الكونية في اللّه تارة، مع أنّها تنسب نفس الاَفعال في آيات أُخرى إلى غير اللّه أيضاً، و ما هذا إلاّ لعدم التنافي بين النسبتين لاختلاف نوعيّتهما فهي محصورة في اللّه سبحانه مع قيد الاستقلال، و تنسب إلى غير اللّه مع قيد التبعية و العرضية.

الآيات التي تنسب الظواهر الكونية إلى اللّه و إلى غيره:

١ـ يقول سبحانه:( و إذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) (الشعراء|٨٠). بينما يقول سبحانه فيه (أي في العسل):( شِفاءٌ لِلنّاسِ ) (النحل|٦٩).

٢ـ يقول سبحانه:( إِنَّ اللّهَ هُوَ الرَّزّاقُ ) (الذاريات|٥٨) بينما يقول تعالى:( وَارْزُقُ وهُمْ فِيها ) (النساء|٥).

٣ـ يقول سبحانه:( ءَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ ) (الواقعة|٦٤). بينما يقول سبحانه:( يُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغيظَ بِهِمُ الكُفّارَ ) (الفتح|٢٩).

٤ـ يقول تعالى:( وَ اللّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ ) (النساء|٨١). بينما يقول سبحانه:( بَلى وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) (الزخرف|٨٠).

٥ـ يقول تعالى:( ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الاََمْرَ ) (يونس|٣). بينما يقول سبحانه:( فَالمُدَبِّراتِ أَمْراً ) (النازعات|٥).

٧٠

٦ـ يقول سبحانه:( اللّهُ يَتَوفَّى الاََنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) (الزمر|٤٢). بينما يقول تعالى:( الَّذِينَ تَتَوفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبينَ ) (النحل|٣٢).

إلى غير ذلك من الآيات التي تنسب الظواهر الكونية تارة إلى اللّه تعالى، و أخرى إلى غيره.

والحل أن يقال: إنّالمحصور باللّه تعالى هو انتساب هذه الاَُمور على نحو الاستقلال، وأمّا المنسوب إلى غيره فهو على نحو التبعية، و بإذنه تعالى، ولا تعارض بين النسبتين ولا بين الاعتقاد بكليهما.

فمن اعتقد بأنّ هذه الظواهر الكونية مستندة إلى غير اللّه على وجه التبعية لا الاستقلال لم يكن مخطئاً ولا مشركاً، و كذا من استعان بالنبيّ أو الاِمام على هذا الوجه.

هذا مضافاً إلى أنّه تعالى الّذي يعلّمنا أن نستعين به فنقول:( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعينُ ) و يحثُّنا في آية أُخرى على الاستعانة بالصبر والصلاة فيقول:( وَاسْتَعِينُوا بالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) (البقرة|٤٥) و ليس الصبر والصلاة إلاّ فعل الاِنسان نفسه.

حصيلة البحث:

إنّ الآيات الواردة حول الاستعانة على صنفين:

الصنف الاَوّل: يحصر الاستعانة في اللّه فقط و يعتبره الناصر والمعين الوحيد دون سواه.

والصنف الثاني: يدعونا إلى سلسلة من الاَُمور المعيّنة (غير اللّه) و يعتبرها ناصرة و معينة، إلى جانب اللّه.

أقول: اتّضح من البيان السابق وجه الجمع بين هذين النوعين من الآيات، و تبيّن أنّه لا تعارض بين الصنفين مطلقاً، إلاّ أنّفريقاًنجدهم يتمسّكون بالصنف الاَوّل من الآيات فيخطِّئون أيّ نوع من الاستعانة بغير اللّه، ثم يضطرّون إلى إخراج (الاستعانة بالقدرة الاِنسانية و الاَسباب المادية) من عموم تلك الآيات الحاصرة للاستعانة باللّه بنحو التخصيص ، بمعنى أنّهم يقولون:

إنّ الاستعانة لا تجوز إلاّباللّه في الموارد التي أذن اللّه بها، وأجاز أن يستعان فيها بغيره، فتكون الاستعانة بالقدرة الاِنسانية والعوامل الطبيعية ـ مع أنّها استعانة بغير اللّه ـ جائزة و مشروعة على وجه التخصيص. و لكن هذا ممّا لايرتضيه الموحّد.

في حين أنّ هدف الآيات هو غير هذا تماماً، فإنّ مجموع الآيات يدعو إلى أمر واحد و هو : عدم جواز الاستعانة بغير اللّه مطلقاً، وأنّ الاستعانة بالعوامل الاَُخرى يجب أن تكون بنحو لا يتنافى مع حصر الاستعانة في اللّه بل تكون بحيث تعدّ استعانة باللّه لا استعانة بغيره.

٧١

وبتعبير آخر: إنّالآيات تريد أن تقول بأنّالمعين و الناصر الوحيد والذي يستمدّ منه كلّمعين و ناصر، قدرته و تأثيره، ليس إلاّاللّه سبحانه، و لكنّه ـ مع ذلك ـ أقام هذا الكون على سلسلة من الاَسباب و العلل التي تعمل بقدرته و أمر باستمداد الفرع من الاَصل، و لذلك تكون الاستعانة به كالاستعانة باللّه، ذلك لاَنّ الاستعانة بالفرع استعانة بالاَصل.

و إليك فيما يلي إشارة إلى بعض الآيات من الصنفين:

( وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ الْعَزيزِ الْحَكيمِ ) (آل عمران|١٢٦).

( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعينُ ) (الحمد|٥).

( وَ مَا النَّصْرُ إِلاّمِنْ عِنْدِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكيمٌ ) (الاَنفال|١٠).

هذه الآيات نماذج من الصنف الاَوّل و إليك فيما يأتي نماذج من النصف الآخر الذي يدعونا إلى الاستعانة بغير اللّه من العوامل والاَسباب.

( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) (البقرة|٤٥).

( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ) (المائدة|٢).

( ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعينُونِي بِقُوَّةٍ ) (الكهف|٩٥).

( وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ) (الاَنفال|٧٢).

و مفتاح حلّالتعارض بين هذين الصنفين من الآيات هو ما ذكرناه وملخّصه:

إنّ في الكون موَثراً تاماً، و مستقلاً واحداً، غير معتمد على غيره لا في وجوده و لا في فعله و هو اللّه سبحانه:

وأمّا العوامل الاَُخر فجميعها مفتقرة ـ في وجودها وفعلها ـ إليه و هي توَدي ما توَدي بإذنه و مشيئته و قدرته، ولو لم يعط سبحانه تلك العوامل ما أعطاها من القدرة و لم تجر مشيئته على الاستعانة بها لما، كانت لها أيّة قدرة على شيء.

٧٢

فالمعين الحقيقي في كلّالمراحل ـ على هذا النحو تماماً ـ هو اللّه فلا يمكن الاستعانة بأحد باعتباره معيناً مستقلاً. و لهذه الجهة حصر هنا الاستعانة في اللّه وحده، و لكن هذا لا يمنع بتاتاً من الاستعانة بغير اللّه باعتباره غير مستقلّ (أي باعتباره معيناً بالاعتماد على القدرة الاِلهية) و معلوم أنّ استعانة ـ كهذه ـ لا تنافي حصر الاستعانة في اللّه سبحانه لسببين:

أوّلاً: لاَنّ الاستعانة المخصوصة باللّه هي غير الاستعانة بالعوامل الاَُخرى، فالاستعانة المخصوصة باللّه هي: (ما تكون باعتقاد أنّه قادر على إعانتنا بالذات، و بدون الاعتماد على غيره، في حين أنّ الاستعانة بغير اللّه سبحانه على نحو آخر، أي مع الاعتقاد بأنّالمستعان قادر على الاِعانة مستنداً على القدرة الاِلهية، لا بالذات، و بنحو الاستقلال، فإذا كانت الاستعانة ـ على النحو الاَوّل ـ خاصّة باللّه تعالى فإنّ ذلك لا يدل على أنّالاستعانة بصورتها الثانية مخصوصة به أيضاً.

ثانياً: إنّاستعانة ـ كهذه ـ غير منفكّة عن الاستعانة باللّه بل هي عين الاستعانة به تعالى ، و ليس في نظر الموحّد (الذي يرى أنّ الكون كلّه مستند إليه و الكلّ قائم به) مناص من هذا.

وأخيراً نذكّر القارىَ الكريم بأنّموَلّف المنار حيث إنّه لم يتصوّر للاستعانة بالاَرواح إلاّصورة واحدة لذلك اعتبرها ملازمة للشرك فقال:

«ومن هنا تعلمون: إنّالذين يستعينون بأصحاب الاَضرحة و القبور على قضاء حوائجهم و تيسير أُمورهم و شفاء أمراضهم ونماء حرثهم و زرعهم، وهلاك أعدائهم وغير ذلك من المصالح هم عن صراط التوحيد ناكبون، و عن ذكر اللّه معرضون».(١)

يلاحظ عليه: بأنّ الاستعانة بغير اللّه (كالاستعانة بالعوامل الطبيعية) على صورتين:

إحداهما عين التوحيد، و الاَُخرى موجبة للشرك، إحداهما مذكّرة باللّه، و الاَُخرى مبعدة عن اللّه.

إنّ حدّ التوحيد والشرك ليس هو كون الاَسباب ظاهرية أو غير ظاهرية و إنّما هو استقلال المعين وعدم استقلاله، و بعبارة أُخرى المقياس، هو الغنى والفقر، و الاَصالة وعدم الاَصالة.

____________

(١) المنار ١:٥٩.

٧٣

إنّ الاستعانة بالعوامل غير المستقلّة المستندة إلى اللّه، التي لا تعمل و لاتوَثر إلاّبإذنه تعالى غير موجبة للغفلة عن اللّه، بل هي خير موجّه إلى اللّه، ومذكّربه، إذ معناها : انقطاع كلّالاَسباب وانتهاء كلّالعلل إليه.

و مع هذا كيف يقول صاحب المنار: «أُولئك عن ذكر اللّه معرضون» و لو كان هذا النوع من الاستعانة موجباً لنسيان اللّه والغفلة عنه للزم أن تكون الاستعانة بالاَسباب المادية الطبيعية هي أيضاً موجبة للغفلة عنه.

على أنّالاَعجب من ذلك رأي شيخ الاَزهر الشيخ محمود شلتوت الذي نقل ـ في هذا المجال ـ نصّكلمات عبده دون زيادة و نقصان، و ختم المسألة بذلك، وأخذ بالحصر في "إِيّاكَ نَسْتَعين " غافلاً عن حقيقة الآية و عن الآيات الاَُخرى المتعرّضة لمسألة الاستعانة.(١)

إجابة على سوَال

إذا كانت الاستعانة بالغير على النحو الذي بيّناه جائزة فهي تستلزم نداء أولياء اللّه و الاستغاثة بهم في الشدائد و المكاره، وهي غير جائزة و ذلك لاَنّ نداء غير اللّه في المصائب و الحوائج تشريك الغير مع اللّه، يقول سبحانه:( وَ أَنَّ الْمَساجِدَ للّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً ) (الجن|١٨) و يقول تعالى:( وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَ لا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ) (الاَعراف|١٩٧) و يقول عزّمن قائل :( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ) (فاطر|١٣). إلى غير ذلك من الآيات التي تخص الدعاء باللّه و لاتسيغ دعوة غيره.

____________

(١) راجع تفسير شلتوت: ٣٦ـ٣٩.

٧٤

و قد طرح هذا السوَال الشيخ الصنعاني حيث قال: وقد سمّى اللّه الدعاء عبادة بقوله:( أُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي ) (غافر|٦٠)فمن هتف باسم نبيّ أو صالح بشيء فقد دعا النبي و الصالح، و الدعاء عبادة بل مخّها فقد عبد غير اللّه و صار مشركاً.(١)

الجواب:

إنّ النقطة الحاسمة في الموضوع تكمن في تفسير الدعاء وهل أنّ كلّ دعاء عبادة و النسبة بينهما هي التساوي؟ حتى يصح لنا أن نقول كلّ دعاء عبادة، وكلّ عبادة دعاء، أو أنّ الدعاء أعمّ من العبادة و أنّقسماً من الدعاء عبادة و قسماًمنه ليس كذلك؟ و الكتاب العزيز يوافق الثاني لا الاَوّل، وإليك التوضيح:

لقد استعمل القرآن لفظ الدعاء في مواضع عديدة ولا يصحّ وضع لفظ العبادة مكانه، يقول سبحانه حاكياً عن نوح:( رَبِّ إِنِّي دَعَوتُ قَوْمِي لَيْلاً وَ نَهاراً ) (نوح|٥) وقال سبحانه حاكياً عن لسان إبليس في خطابه للمذنبين يوم القيامة:( وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّأَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ) (إبراهيم|٢٢) إلى غيرهما من الآيات التي ورد فيها لفظ الدعاء، أفيصح القول بأنّنوحاً دعا قومه أي عبدهم، أو أنّ الشيطان دعا المذنبين أي عبدهم؟ كلّذلك يحفزنا إلى أن نقف في تفسير الدعاء وقفة تمعّن حتى نميّز الدعاء الذي هو عبادة عمّا ليس كذلك.

والاِمعان فيما تقدّم في تفسير العبادة يميِّز بين القسمين فلو كان الداعي و المستعين بالغير معتقداً بأُلوهية المستعان ولو أُلوهية صغيرة كان دعاوَه عبادة و لاَجل ذلك كان دعاء عبدة الاَصنام عبادة لاعتقادهم بأُلوهيتها، قال سبحانه:( فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الّتي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ ) (هود|١٠١).

____________

(١) الصنعاني، تنزيه الاعتقاد كما في كشف الارتياب:٢٨٤.

٧٥

و ما ورد من الآيات في السوَال كلّها من هذا القبيل فانّها وردت في حقّ المشركين القائلين بأُلوهية أصنامهم و أوثانهم باعتقاد استقلالهم في التصرف والشفاعة و تفويض الاَُمور إليهم و لو في بعض الشوَون. ففي هذا المجال يعود كلّدعاء عبادة، و يفسر الدعاء في الآيات الماضية والتالية بالعبادة، قال تعالى:

( إِنَّ الّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ ) (الاَعراف|١٩٤).( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْويلاً * أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ) (الاِسراء|٥٦ـ ٥٧).( وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لايَنْفَعُكَ وَ لا يَضُرُّكَ ) (يونس|١٠٦). "إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ ) (فاطر|١٤). و ما ورد في الاَثر من أنّ الدعاء مُخّ العبادة، أُريد منه دعاء اللّه أو دعاء الآلهة لا مطلق الدعاء و إن كان المدعوّ غير إله لا حقيقة أو اعتقاداً.

وفي روايات أئمّة أهل البيت إلماع إلى ذلك، يقول الاِمام زين العابدين في ضمن دعائه:«...فسمّيت دعاءك عبادة و تركه استكباراً و توعّدت على تركه دخول جهنّم داخرين» (١) و هو يشير في كلامه هذا إلى قوله سبحانه:( وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الّذينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرينَ ) (غافر٦٠)

هذا هو الدعاء المساوي للعبادة و هناك قسم آخر منه لا صلة بينه و بين العبادة و هو فيما إذا دعا شخصاًبما أنّه إنسان وعبد من عباد اللّه غير أنّه قادر على إنجاز طلبه بإقدار منه تعالى و إذن منه، فليس مثل هذه الدعوة عبادة بل سنّة من السنن الاِلهية في الكون، هذا هو ذو القرنين يواجه قوماً مضطهدين يطلبون منه أن يجعل بينهم و بين يأجوج و مأجوج سداً فعند ذلك يخاطبهم ذو القرنين بقوله:( ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعينُوني بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً ) (الكهف|٩٥) وها هو الذي كان من شيعة موسى يستغيث به ، يقول سبحانه:( فَاسْتَغاثَهُ الّذي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ ) (القصص|١٥)

____________

(١) الصحيفة السجادية، دعاوَه برقم ٤٥.

٧٦

و هذا هو النبيّ الاَكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو قومه للذبّ عن الاِسلام في غزوة أُحد و قد تولّوا عنه، قال سبحانه:( إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخراكُمْ ) (آل عمران|١٥٣) فهذا النوع من الدعاء قامت عليه الحياة البشرية، فليس هو عبادة و إنّما هو توسل بالاَسباب، فإن كان السبب قادراًعلى إنجاز المطلوب كان الدعاء أمراً عقلائياًو إلاّ يكون لغواً وعبثاً.

ثمّ إنّ القائلين بأنّ دعاء الصالحين عبادة، عند مواجهتهم لهذا القسم من الآيات و ما تقتضيه الحياة الاجتماعية، يتشبثون بكلّطحلب حتى ينجيهم من الغرق و يقولون إنّ هذه الآيات تعود إلى الاَحياء و لا صلة لها بدعاء الاَموات، فكون القسم الاَوّل جائزاً و أنّه غير عبادة؛ لا يلازم جواز القسم الثاني و كونه غير عبادة.

ولكن عزب عن هوَلاء إنّ الحياة و الموت ليسا حدين للتوحيد و الشرك و لا ملاكين لهما، بل هما حدّان لكون الدعاء مفيداًأو لا، و بتعبير آخر ملاكان للجدوائية و عدمها.

فلو كان الصالح المدعو غير قادر لاَجل موته مثلاً تكون الدعوة أمراً غير مفيد لا عبادة له، و من الغريب أن يكون طلب شيء من الحيّ نفس التوحيد و من الميت نفس الشرك.

كلّ ذلك يوقفنا على أنّ القوم لم يدرسوا ملاكات التوحيد و الشرك بل لم يدرسوا الآيات الواردة في النهي عن دعاء غيره، فأخذوا بحرفية الآيات من دون تدبّر مع أنّه سبحانه يقول:( كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الاََلْباب ) (ص ٢٩).

ثمّ إنّ الكلام في أنّدعاء الصالحين بعد انتقالهم إلى رحمة اللّه مفيد أو لا، يتطلب مجالاً آخراً و سوف نستوفي الكلام عنه في رسالة خاصة حول وجود الصلة بين الحياتين : المادّية و البرزخيّة بإذن منه سبحانه.

جعفر السبحاني

تحريراً في ٢٧ صفر المظفر ١٤١٦هـ

٧٧

الفهرست

الفصل الاَوّل : الاِله في اللغة و القرآن الكريم. ٤

الاِله في اللغة ٤

مفهوم الاِله في القرآن. ٨

الفصل الثاني : الربّ في اللغة و الذكر الحكيم. ١١

خاتمة المطاف.. ٢٠

الاَُولى: التوحيد في الذات.. ٢٠

الثانية: التوحيد في الخالقية ٢١

الثالثة: التوحيد في الربوبية و التدبير. ٢٢

الرابعة: التوحيد في التشريع و التقنين. ٢٢

الخامسة: التوحيد في الطاعة ٢٤

السادسة: التوحيد في الحاكمية ٢٤

السابعة: التوحيد في العبادة ٢٥

الفصل الثالث : في تحديد مفهوم العبادة ٢٦

العبادة في المعاجم و التفاسير. ٢٧

توجيه غير سديد. ٣٢

١ـ نظرية صاحب المنار في تفسير العبادة ٣٢

٢ـ نظرية الشيخ شلتوت، زعيم الاَزهر ٣٣

٣ـ تعريف ابن تيمية ٣٣

عبادة ٣٤

عقيدة المشركين في آلهتهم. ٣٦

حكم التاريخ في عقيدة المشركين. ٣٦

يقول الآلوسي عند البحث عن عبادة الشمس: ٣٨

قضاء الكتاب في عقيدة المشركين. ٣٩

٧٨

التعريف المنطقي لمفهوم العبادة ٤٢

الاَوّل: التمعن في عبادة الموحّدين و المشركين. ٤٣

الثانية: الاِمعان في الآيات الداعية إلى عبادة اللّه، الناهية عن عبادة الغير. ٤٤

التعاريف الثلاثة للعبادة ٤٧

ثمرات البحث.. ٤٧

١ـ التوسل بالاَنبياء والاَولياء في قضاء الحوائج. ٤٨

٢ـ طلب الشفاعة من الصالحين. ٤٨

٣ـ التعظيم لاَولياء اللّه و قبورهم و تخليد ذكرياتهم. ٤٩

٤ـ الاستعانة بالاَولياء: ٤٩

أسئلة و أجوبة ٥٠

السوَال الاَوّل : هل هناك من يفسّر العبادة على غرار ما مضى؟ ٥٠

السوَال الثاني : ما هوالمراد من العبادة في هذه الآيات؟ ٥٧

السوَال الثالث : ما هو حكم إطاعة غير اللّه و الخضوع له ؟ ٥٩

السوَال الرابع : دواعي العبادة للّه سبحانه ٦١

١و٢ـ الطمع في إنعامه و الخوف من عقابه ٦١

٣ـ كونه سبحانه أهلاً للعبادة ٦٢

الفوضى في التطبيق بين الاِمام و المأموم ٦٣

غيري جنى وأنا المعاقب فيكم. ٦٧

الفصل الرابع : في حصر الاستعانة في اللّه ٦٩

الآيات التي تنسب الظواهر الكونية إلى اللّه و إلى غيره: ٧٠

إنّ الآيات الواردة حول الاستعانة على صنفين: ٧١

إجابة على سوَال. ٧٤

٧٩

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118