شرح زيارة عاشوراء

شرح زيارة عاشوراء33%

شرح زيارة عاشوراء مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-94216-2-9
الصفحات: 118

شرح زيارة عاشوراء
  • البداية
  • السابق
  • 118 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 58048 / تحميل: 6231
الحجم الحجم الحجم
شرح زيارة عاشوراء

شرح زيارة عاشوراء

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٤٢١٦-٢-٩
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

مبغض عليّ وآل عليّ في النار، ومحبّ عليّ وآل عليّ في الجنّة...................... ٥٩٨

الطّرفة الثالثة والثلاثون...................................................... ٦٠٣

قال عليّعليه‌السلام : غسلت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنا وحدي وهو في قميصه، فذهبت أنزع عنه القميص، فقال جبرئيل: لا تجرّد أخاك من قميصه؛ فإنّ الله لم يجرّده

........................................................................... ٦٠٣

[ قال عليّعليه‌السلام ]: فغسّلته بالروح والريحان والرحمة، والملائكة الكرام الأبرار الأخيار، تشير لي وتمسك، وأكلّم ساعة بعد ساعة، ولا أقلب منه عضوا إلاّ قلب لي

........................................................................... ٦٠٥

[ قال عليّعليه‌السلام ]: ثمّ واريته، فسمعت صارخا يصرخ من خلفي: يا آل تيم، ويا آل عدي، ويا آل أميّة( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) ، اصبروا آل محمّد تؤجروا، ولا تحزنوا فتؤزروا،( مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) ٦٠٧

ثبت مصادر التوثيقات...................................................... ٦١١

٢١

٢٢

مقدّمة المؤسسة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله المعصومين لا سيّما أوّلهم مولانا أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين وخاتمهم مولانا الإمام الثاني عشر المهديّ المنتظر عجّل الله فرجه وفرجنا بظهوره ولعنة الله على أعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.

إنّ مؤسّسة عاشوراء للتّحقيق والدراسات جعلت جزءا من نشاطها - والّذي اسندته إلى مؤسسة تاسوعاء للنشر - مهمّة تحقيق النّصوص ونشرها بالمستوى العلمي المطلوب واللاّئق بها، فإنّ هذه المؤسسة بالاضافة إلى نشاطها الواسع والمستمرّ منذ سنين في مجال التّحقيق حول الموضوعات الّتي تهمّ الأمّة الاسلامية وإعداد دراسات شاملة ومستوعبة لهذه الموضوعات التي تؤول نتائجها ومنتهياتها إلى من تخصّهم، سواء الّذين أسندوا إليها القيام بأعمال تحقيقيّة أو دراسات علميّة، أو الّذين ترتكز الاستفادة منها عندهم وتؤتى ثمارها بأيديهم.

فبالاضافة إلى مثل هذا النشاط الواسع العميق الّذي لا يقدّر قدره إلاّ المعنيّون وذوو الاختصاص، من افراد وجماعات ومؤسّسات، ارتأت أن تقوم بمهمّة أخرى وهي تحقيق النصوص والكتب التي ترى أنّ الأمّة بحاجة إليها، سواء الّذي لم ينشر

٢٣

من قبل أو الّذي نشر ولكن بصورة غير لائقة.

ونحمد الله سبحانه - وهو وليّ الحمد - أن تمّ من هذا الجانب من نشاط المؤسّسة تحقيق كتاب ( طرف من الأنباء والمناقب فى شرف سيّد الأنبياء وعترته الاطائب، وطرف من تصريحه بالوصيّة بالخلافة لعليّ ابى طالب ) للسيّد رضيّ الدين عليّ بن طاوس الحسنى الحلّي، العلاّمة والمؤلّف الشهير، ومن أنبغ اعلام سابع قرون الهجرة النّبويّة. قام بتحقيق الكتاب الاستاذ الشيخ قيس العطّار؛ وقدّم له مقدّمة وافية بالتعريف بالكتاب والمؤلف ومنهج التحقيق، نسأل له التوفيق وللمؤسّسة الهداية والتّسديد فى كافة انحاء النّشاط الّتي تقوم بها، وأن يأخذ بأيديها إلى ما يرضيه سبحانه ويرضي أولياءه المعصومين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، إنه نعم المولى ونعم النصير.

مشهد المقدّسة

١١ / ذي القعدة / ١٤٢٠

٢٨ / ١١ / ١٣٧٨

( يوم ميلاد مولانا وحامي حمانا الإمام عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام )

( مؤسسة عاشوراء للتّحقيق والدراسات )

٢٤

مقدّمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلائق أجمعين، أبي القاسم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى عترته وآل بيته الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وبعد:

فإنّ أوّل خلاف برز بشكل علنيّ بين المسلمين، هو ذلك الخلاف الّذي بدأه الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب قبيل وفاة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله والتحاقه برب العالمين، حين طلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من المسلمين أن يأتوه بدواة وقرطاس ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا، فاعترض عمر بن الخطّاب قائلا: « إن الرّجل ليهجر، حسبنا كتاب الله » وافترق المسلمون الحاضرون فرقتين، واحدة تقول بما قال عمر، وثانية تقول بضرورة تنفيذ ما طلبه النبيّ، فكثر الاختلاف واللّغط، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « قوموا عنّي لا ينبغي عندي التنازع »، حتّى قال ابن عباس: « الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ».

وليس بالخفي أنّ بوادر الخلاف وعدم الانصياع التام لأوامر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت

__________________

(١) انظر الملل والنحل ( ج ١؛ ٢٩ ) وصحيح البخاري ( ج ٦؛ ١١ / باب مرض النبي ) وصحيح مسلم ( ج ٣؛ ١٢٥٩ / كتاب الوصيّة - الحديث ٢١، ٢٢ )

٢٥

موجودة حتّى في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد أرسلصلى‌الله‌عليه‌وآله خالد بن الوليد إلى بني جذيمة داعيا ولم يبعثه مقاتلا، فوضع خالد السيف فيهم؛ انتقاما لعمّه الفاكه بن المغيرة؛ إذ كانوا قتلوه في الجاهليّة، فبرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من صنعه وأرسل عليّاعليه‌السلام فودى لهم الدماء والأموال(١) ، كما اعترض عمر على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في صلح الحديبيّة، وفي وعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ربّه بأن يدخلوا المسجد الحرام(٢) ، وأشار على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتل أسارى بدر وفيهم عمّ النبيّ وبعض أرحامه(٣) ، وأمره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كما أمر الخليفة الأوّل بقتل الرجل المارق الّذي كان يصلّي فلم يطيعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ورجعا عن قتله(٤) ، كما أنهما فرّا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر من مرّة وفي أكثر من زحف(٥) ، وكما أنّهما تخلّفا عن جيش أسامة(٦) إلى غير ذلك من مفردات خلاف الشيخين وصحابة آخرين لأوامر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولمّا زويت الخلافة عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، تبدّل مسير التاريخ الإسلاميّ، وأثّر هذا التبدّل على العقائد والفقه والتفسير والحديث وجميع العلوم الإسلاميّة، حتّى إذا تسلّم عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام أزمّة الأمور واجهته مشاكل جمّة، كان من أكبرها التحريفات والتبديلات الّتي أصيب بها الفكر الإسلامي، والمسار المعوّج

__________________

(١) انظر تاريخ ابن الاثير ( ج ٢؛ ٢٥٥، ٢٥٦ )

(٢) انظر صحيح البخاري ( ج ٦؛ ١٧٠ )، صحيح مسلم ( ج ٣؛ ١٤١١ )، فتح القدير ( ج ٥؛ ٥٥ ) وانظر الطرائف ( ج ٢؛ ٤٤٠، ٤٤١ )

(٣) انظر صحيح مسلم ( ج ٦؛ ١٥٧ )، شرح النهج ( ج ١٤؛ ١٨٣ )، السيرة الحلبية ( ج ٢؛ ١٩١ )

(٤) انظر مسند أحمد ( ج ٣؛ ١٥ )، العقد الفريد ( ج ٢؛ ٢٤٤؛ ٢٤٥ )

(٥) انظر تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ٤٧ )، كشف الغمة ( ج ١؛ ١٩٢ )، شرح النهج ( ج ١٥؛ ٢٠ ) مغازي الواقدي ( ج ١؛ ٢٩٣ )، المستدرك للحاكم ( ج ٢؛ ٣٧ ) وانظر دلائل الصدق ( ج ٢؛ ٥٥٣ ) ونفحات الجبروت للعلاّمة المعاصر الاصطهباناتي / الجلد الأول - الدليل الرابع

(٦) انظر السقيفة وفدك ( ٧٤، ٧٥ )، شرح النهج ( ج ٦؛ ٥٢ )، وانظر طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٩٠ ) و ( ج ٤؛ ٦٦ )، تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١١٣ )، الكامل لابن الاثير ( ج ٢؛ ٣١٧ )، أنساب الأشراف ( ج ١؛ ٤٧٤ )، تهذيب تاريخ دمشق ( ج ٢؛ ٣٩١ )، أسد الغابة ( ج ١؛ ٦٨ )، تاريخ أبي الفداء ( ج ١؛ ١٥٦ )، النص والاجتهاد (٣١)، عبد الله بن سبأ ( ج ١؛ ٧١ ).

٢٦

الّذي رسمته السلطات الانتفاعيّة والانتهازية، والّذي أدّى إلى شلّ الفكر القويم عند طائفة كبيرة من المسلمين.

لقد أجهدت هذه الحالة الفكريّة المشوّشة إصلاحات الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وأخذت منه مأخذا كبيرا ووقتا طويلا، فأصلحعليه‌السلام منها ما أصلحه وبقي قسط آخر منها مرتكزا في نفوس الناس كنتيجة سلبيّة من مخلّفات من سبقه من الرجال، فلم يتمكّنعليه‌السلام من تغييرها خارجا وإن أثبت بطلانها وخطأها على الصعيد الفكري.

روي عن سليم بن قيس ثمّ أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصّته وشيعته، فقال: « قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيّرين لسنّته، ولو حملت الناس على تركها وحوّلتها إلى موضعها وإلى ما كانت في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لتفرق عنّي جندي حتّى أبقى وحدي، أو قليل من شيعتي الّذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم فرددته إلى الموضع الّذي وضعه فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورددت فدك إلى ورثة فاطمةعليه‌السلام ، ورددت صاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما كان، وأمضيت قطائع أقطعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ وأعطيت كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعطي بالسويّة، ولم أجعلها دولة بين الأغنياء وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله وفرضه وحرّمت المسح على الخفّين، وحددت على النبيذ، وأمرت بإحلال المتعتين، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات وأخرجت من أدخل مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجده ممّن كان رسول الله أخرجه وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنّة، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها إذن لتفرقوا عنّي والله، لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة وأعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة، فتنادى بعض

٢٧

أهل عسكري ممّن يقاتل معي: « يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعا »، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري. ما لقيت من هذه الأمّة من الفرقة وطاعة أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار(١) ».

ولمّا آل الأمر إلى ملك بني أميّة، وعلى رأسهم معاوية، أخذ يتلاعب بالدين كيفما شاء ويوجّه الأحكام إلى أيّ وجهة أراد، فوضع في البلدان من يختلق الفضائل لمن لا فضيلة له، ومن يضع المكذوبات للنيل من عليّ وآل عليّعليه‌السلام (٢) ، فالتفّ حوله المتزلّفون والوضّاعون والكذّابون من أمثال أبي هريرة وسمرة بن جندب(٣) ، وغيرهم من الطحالب الّتي تعيش في زوايا المياه، حتّى تسنّى له أن يعلن ويجاهر بسبّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ظلما على المنابر(٤) ، مع أنّ معاوية ملعون عدلا على لسان القنابر(٥) .

ولمّا ملك العبّاسيّون كانوا أشدّ ضراوة وقساوة على الدين وعلى أهل البيت وأتباعهم، فراحوا يسعون ويجهدون إلى طمس فضائلهم وإطفاء نور الله الذّي خصّهم به، فطاردوا العلويّين والشيعة واضطهدوهم سياسيّا وفكريّا، وروّجوا للمذاهب الأخرى المضادّة لمذهب أهل البيتعليه‌السلام ، وتبنّوا الآراء الفاسدة والمنحرفة لمجابهة الحقّ، وإبعادا للمسلمين عن الالتفاف حول المنبع الثرّ والعطاء الزاخر الّذي تميّز به منهج أهل البيتعليه‌السلام .

وهكذا استمرت الحكومات، وتوالت السلطات، وتظافرت على كتم الحقّ ونشر ما يخالفه.

__________________

(١) الكافي ( ج ٨؛ ٥٨ - ٦٣ )

(٢) انظر شرح النهج ( ج ٤؛ ٦٣ ) وصرّح أنّ منهم أبا هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير.

(٣) انظر شرح النهج ( ج ٤؛ ٧٣ )، نقلا عن أبي جعفر الإسكافي

(٤) انظر شرح النهج ( ج ٤؛ ٥٦، ٥٧ )، فرحة الغري ( ٢٤، ٢٥ )

(٥) انظر الصراط المستقيم ( ج ٣؛ ٤٧، ٤٨ )

٢٨

إلاّ أنّ الجهود الخيّرة والمساعي المثمرة للأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام صمدت في وجه كلّ تلك الحملات المسعورة، فربّى الأئمّة عباقرة وجهابذة وحملة للرسالة، قارعوا الأفكار الخاطئة ونشروا وتحمّلوا أعباء الرسالة الصحيحة، فدوّنوا المؤلّفات الّتي تصحّح كلّ ما مسّته يد التحريف والتلاعب.

وكان النصيب الأوفر من الخلاف، والقسم الأضخم من النزاع، قد انصبّ على مسألة الإمامة والخلافة والوصيّة لعليّعليه‌السلام ، فدار حولها الجدل والخلاف في أوّل يوم بعد وفاة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك في سقيفة بني ساعدة، حيث احتجّ المهاجرون على الأنصار بأنّهم من قومه وعشيرته، واحتجّت الأنصار على المهاجرين بأنّهم الّذين آووا ونصروا، وأنّهم الأوّلون قدما في الإسلام، وامتدّ النزاع واشتجر بينهم، ناسين أو متناسين حقّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وأولويّته بالخلافة ولو وفق ما احتجّ به الفريقان.

وعلى كلّ حال، فقد سيطر أبو بكر بمساعدة عمر على الأمور بالقوّة والعسف، ولم يصخ سمعا لاحتجاجات عليّعليه‌السلام المحقّة، مبتدعا قولة « لا تجتمع النبوّة والخلافة في بني هاشم »(١) ، ومن ثمّ ادّعى من بعدها « نحن معاشر الأنبياء لا نورّث درهما ولا دينارا »(٢) ، وما إلى غيرها من مبتكرات الخلافة المتسلّطة.

من هنا نجد أنّ الصراع الفكري في مسألة الإمامة الّتي أخفى الظالمون معالمها قويّ جدّا، فراح رواة الشيعة وعلماؤهم يؤلّفون أخذا عن أئمّتهمعليه‌السلام في هذا المجال العقائديّ،

__________________

(١) انظر كتاب سليم بن قيس (١١٧) وفيه: ثمّ ادعى أنّه سمع نبي الله يقول: إنّ الله أخبرني أن لا يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة، فصدّقه عمر وأبو عبيدة وسالم ومعاذ. وانظر جواب علي على ذلك إذ دخل في الشورى، في كتاب سليم أيضا (١١٩)

(٢) انظر صحيح البخاري ( ج ٥؛ ١٧٧ )، صحيح مسلم ( ج ٣؛ ١٣٨٠ )، السيرة الحلبية ( ج ٣؛ ٣٨٩ ). وهذا الحديث من مخترعات أبي بكر لم يرو عن غيره. قال ابن ابي الحديد: قال النقيب أبو جعفر يحيى بن محمّد البصري: إن عليا وفاطمة والعباس ما زالوا على كلمة واحدة، يكذبون « نحن معاشر الأنبياء لا نورث » ويقولون أنّها مختلقة. انظر شرح النهج ( ج ١٦؛ ٢٨٠ )

٢٩

فدوّنوا كتبهم في الإمامة والوصيّة - منذ العصور الإسلاميّة الأولى - بشكل مرويّات عن أئمّة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخير شاهد ودليل على ذلك كتاب « سليم بن قيس الهلاليّ » الّذي يعدّ أقدم ما وصلنا في هذا المضمار، إضافة إلى كثير في كتب أصحاب الأئمّةعليه‌السلام الّتي لم يصلنا أكثرها بسبب الظلم والاضطهاد وقسوة المدرسة المقابلة الّتي تمتلك القدرة الفعليّة وتقمع المعارضين.

بسبب هذا الصراع الفكريّ والعقائديّ، كثرت التآليف في الإمامة عموما بجميع تفاصيلها ومفرداتها، وفي الوصيّة - وصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالخلافة لعليّ وأبنائه الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام - خصوصا، وهو ما يهمّنا في هذا البحث، باعتبار أنّ كتاب « الطّرف » مختصّ بوصيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام بالإمامة له ولولدهعليهم‌السلام ، وكيفيّة أخذهصلى‌الله‌عليه‌وآله البيعة لعليّعليه‌السلام ، ووصيّته له بأن يدفنه هو ولا يدفنه غيره، وما إلى ذلك من مواضيع تدور كلّها في مدار الوصيّة.

وبنظرة عجلى حول ما ألّف تحت عنوان « الوصيّة »، وجدنا الكتب التالية للمتقدّمين:

١ - « الوصيّة والإمامة » لأبي الحسن عليّ بن رئاب الكوفيّ، من أصحاب الصادق والكاظمعليهما‌السلام ، ممّا يعني أنّه كان حيّا بعد سنة ١٤٨ ه‍. ق. وهي سنة تولّي الإمام الكاظمعليه‌السلام للإمامة.

٢ - « الوصيّة والردّ على منكريها »، لشيخ متكلّمي الشيعة، أبي محمّد، هشام ابن الحكم الكوفي، المتوفّى سنة ١٩٩ ه‍.

٣ - « الوصيّة » لمحمّد بن سنان؛ أبي جعفر الزاهريّ، من ولد زاهر مولى عمرو ابن الحمق الخزاعيّ، يروي عن عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام ، توفّي سنة ٢٢٠ ه‍.

٤ - « الوصيّة » لعيسى بن المستفاد البجلي، أبي موسى الضرير، الراوي عن الكاظمعليه‌السلام ، وأبي جعفر الثاني الإمام الجوادعليه‌السلام ، توفّي سنة ٢٢٠ ه‍.

٥ - « الوصيّة » لأبي إسحاق إبراهيم بن محمّد بن سعيد الثقفي، وهو من ولد عمّ المختار الثقفيّ، توفّي سنة ٢٨٣ ه‍.

٣٠

٦ - « الوصيّة » أو « إثبات الوصيّة » للمؤرّخ الثبت العلاّمة النسّابة، عليّ بن الحسين ابن عليّ المسعوديّ الهذليّ، صاحب كتاب « مروج الذهب »، المتوفّى سنة ٣٤٦ ه‍.

٧ - « الوصيّة » لأبي العبّاس أحمد بن يحيى بن فاقة الكوفيّ، الراوي عن أبي الغنائم محمّد بن عليّ البرسيّ، المتوفى سنة ٥١٠ ه‍، يرويه عن مؤلّفه السيّد أبو الرضا فضل الله الراونديّ.

وأمّا الكتب الّتي ألّفت تحت عنوان « الإمامة » والّتي تتضمّن مرويّات وبحوث الوصيّة فهي كثيرة قديما وحديثا، ممّا يعسر إحصاؤها وعدّها جميعا، حتّى أنّ العلاّمة المتتبّع الآغا بزرك الطهرانيّ (رض) قال:

الإمامة من المسائل الكلاميّة الّتي قلّ في مؤلّفي الأصحاب من لم يكن له كلام فيها، ولو في طيّ سائر تصانيفه، أو مقالة مستقلّة، أو رسالة، أو كتاب في مجلّد، أو مجلّدات إلى العشرة فما فوقها، فأنّى لنا بإثبات الكلّ أو الجلّ(١) ...

ثمّ عدّ من كتب أصحاب الأئمّةعليهم‌السلام وسائر الرواة والكتّاب ما يقارب المائة مصنّف ومؤلّف من مؤلّفات الشيعة الإماميّة(٢) ، وهي جميعا تحتوي في مطاويها على البحوث والمرويّات المتعلّقة بالوصيّة.

وعلى كلّ حال، فإنّ كتابنا « الطّرف » له ارتباط وثيق بكتاب « الوصيّة » لعيسى بن المستفاد البجليّ، وهذا ما يقتضي أن نبحث هذه الزاوية المهمّة، ثمّ نبحث حياة السيّد عليّ بن طاوس مؤلّف « الطّرف »، ومن بعده ما يتعلّق بعيسى ابن المستفاد البجليّ.

اسم الكتاب

لقد اختلفت النسخ الخطيّة، والمطبوعة القديمة، بل وحتّى السيّد ابن طاوس نفسه في تعيين اسم الكتاب كاملا، بحيث نجد أنّ النسخة الواحدة تذكر في بدايتها له

__________________

(١) الذريعة ( ج ٢؛ ٣٢٠ )

(٢) انظر الذريعة ( ج ٢؛ ٣٢٠ - ٣٤٣ )

٣١

اسما، ثمّ تعود في خاتمتها فتذكر اسما آخر، ويذكر له السيّد ابن طاوس في إجازته اسما، وفي كشف المحجّة اسما آخر، وهذا ما يحدو بنا أن نذكر ما اطّلعنا عليه في هذا المجال، ثمّ نرجّح اسم الكتاب في خاتمة المطاف.

إنّ النسخة « أ » صرّحت في بدايتها أنّ اسم الكتاب « طرف من الأنباء والمناقب، في شرف سيّد الأنبياء والأطائب، وطرف من تصريحه بالوصيّة والخلافة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ».

ثمّ كتب في آخرها: تمّت صورة ما وجدته من هذا الكتاب الموسوم ب « طرف الأنباء والمناقب في شرف سيّد الأنبياء والأطائب، وطرف من تصريحه وتنصيصه لخلافة عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ».

وإذا لاحظنا المطبوعة من الكتاب، والّتي طبعت في النجف الأشرف عام ١٣٦٩ ه‍. ق. عن نسخة سقيمة مغلوطة، وجدنا عنوان الكتاب في الصفحة الأولى، هكذا « الطّرف من المناقب في الذريّة الأطائب »، مع أنّ المصرّح به في آخر الكتاب هو: تمّت صورة ما وجدته من نسخة هذا الكتاب الشريف الموسوم بكتاب « طرف من الأنباء والمناقب، في شرف سيّد الأنبياء والأطائب، وطرف من تصريحه بالوصيّة والخلافة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام »، وهذا ما يعني توافق ما في بداية نسخة « أ » مع ما في آخر نسخة « ب ».

وقد أورد الآغا برزگ الطهراني « رض » في « الذريعة » اسم الكتاب مطابقا لما في بداية « أ » وآخر « ب » مع إضافة ألف ولام في بداية عنوانه، فقال: « الطّرف من الأنباء والمناقب، في شرف سيّد الأنبياء والأطائب، وطرف من تصريحه بالوصيّة والخلافة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام (١) ».

وأورد السيّد ابن طاوس اسم الكتاب في إجازته مطابقا لما في بداية « أ »

__________________

(١) الذريعة ( ج ١٥؛ ١٦١ )

٣٢

وآخر « ب » أيضا، مع إبداله الواو العاطفة - في قوله « والخلافة » - بالباء المتعلّقة بالوصيّة، فصارت « بالوصيّة بالخلافة »، وإليك نصّ عبارته: « طرف من الأنباء والمناقب، في شرف سيّد الأنبياء والأطائب، وطرف من تصريحه بالوصيّة بالخلافة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام (١) ».

وما أن تقاربت الأسماء حتّى برز اسم الكتاب بشكل آخر في « كشف المحجّة » حيث سماّه ب « طرف الأنباء والمناقب، في شرف سيّد الأنبياء وعترته الأطائب(٢) ».

وأمّا النسختان « ج » « هـ » فلم تتعرّضا للاسم أبدا، وإنّما كتب اسم كتاب « الطّرف » من مفهرسي مكتبة الآستانة الرضويّة على مشرّفها السلام.

واكتفت النسخة « د » في بدايتها، والنسخة « و » في بدايتها ونهايتها، بالتعبير بكتاب الطّرف، وهذا تساهل واضح واختصار دأب عليه الكتّاب والمؤلّفون والفضلاء في غير مقام التدقيق العلميّ.

والعجب أنّ كاتب النسخة « أ » من الفضلاء - كما ستقف على ذلك في وصف النسخ - وقد بذل جهدا عظيما في تحرّي الدقّة والضبط ومقابلة نسخته مع نسخ أخرى، ورجّح وأحسن التلفيق في أكثر الموارد، ومع هذا نراه يغفل عن اختلاف اسم الكتاب ومغايرة ما في فاتحته لما في خاتمته.

وأعجب منه ما في بداية نسخة « ب » من اقتضاب مخلّ، عمّا في آخر النسخة من اسم تفصيليّ للكتاب، ولا أدري هل أنّ طابع الكتاب تصرّف بالعنوان حتّى جعله كما مرّ عليك، أم أنّ النسخة الّتي طبع عنها كانت مبتلاة بنفس هذا الاختلاف والاقتضاب.

ومهما كان الأمر، فإنّ الطريقة العلميّة توجب علينا أن نلتزم بما هو أقرب لمراد المؤلّف « رض »، وبما أنّ عنوان الكتاب في إجازات ابن طاوس مقارب جدّا

__________________

(١) الإجازات للسيّد ابن طاوس، المطبوع في البحار ( ج ١٠٧؛ ٤٠ )

(٢) كشف المحجة (١٩٠)

٣٣

لما في بداية « أ » وآخر « ب » وما في الذريعة من جهة، ولأنّ علماءنا في إجازاتهم يتحرّون الدقّة في ضبط ما يجيزون روايته عنهم، رأينا أنّ ما في الإجازات هو أقرب لمراده « رض ».

على أنّ ما في « كشف المحجّة » أيضا لا يمكن التغاضي عنه، لأنّه في الواقع بعض العنوان الذي في الإجازات بسقوط الحرف « من »، وبذكر الموصوف لفظا، أي قوله « وعترته الأطائب »، وهذا المقدار ممّا يتساهل فيه في أسماء وعناوين الكتب، خصوصا أنّ السيّد يذكر مؤلّفاته بأسماء مختلفة متقاربة بعضها من بعض، ومن راجع مؤلّفاته عرف صحّة ما نقول، ويكفيك أن تلقي نظرة سريعة على « كشف المحجّة » و « إجازاته » و « سعد السعود » لترى تعدّد تسمياته لكتبه بعناوين وأسماء متقاربة، وسنثبت بعض ذلك في أثناء تعدادنا لمؤلّفاته ومصنّفاته، فمن هنا ساغ لنا أن نرجّح أنّ اسم الكتاب هو « طرف من الأنباء والمناقب، في شرف سيّد الأنبياء وعترته الأطائب، وطرف من تصريحه بالوصيّة بالخلافة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ».

بين الطّرف والوصيّة

إنّ « كتاب » الطّرف يحتوي على ثلاث وثلاثين طرفة، دوّنها السيّد ابن طاوس بعد ذكره لمقدّمة أوضح فيها أحقّيّة مذهب الإماميّة الاثني عشريّة على نحو الإجمال.

وكتاب « الطّرف » يعدّ بمنزلة المتمّم أو المستدرك لكتاب « الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف »، فإنّ السيّد ابن طاوس سمّى نفسه في كتاب « الطرائف » ب « عبد المحمود بن داود » تعمية وتقيّة من الخلفاء العبّاسيّين الّذين لا يحتملون سماع الحقّ، وينكلون بكلّ من يفوه به.

وفيما يتعلّق بهذه النكتة نقل عن خطّ الشهيد الثاني، أنّه قال: إنّ التسمية بعبد المحمود لأنّ كلّ العالم عباد الله المحمود، والنسبة إلى داود إشارة إلى « داود ابن الحسن المثنّى » أخ الإمام الصادقعليه‌السلام في الرضاعة، وهو المقصود بالدعاء المشهور

٣٤

بدعاء أمّ داود، وهو من جملة أجداد السيّد ابن طاوس « رض »(١) .

وقد اعتمد السيّد ابن طاوس بشكل كبير جدّا في « الطرائف » على كتب أبناء العامّة ورواتهم، وعلى ما اتّفق على نقله جميع المسلمين في كتبهم للوصول إلى الحقّ وإثبات أحقّيّة مذهب الإماميّة، وبعد باقي المذاهب عن طريق الحقّ وجادّة الصواب، وأنّ المذاهب الأربعة وأتباعها لم يلتزموا بما ورد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طرقهم وطرق غيرهم في ولاية وإمامة عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وباقي ولده من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

ونفس هذا النهج في إخفاء اسمه سلكه في كتاب « الطّرف »، فلم يصرّح باسمه بالمرّة، وإنّما قال: « تأليف بعض من أحسن الله إليه وعرّفه ما الأحوال عليه »، قال الآغا بزرك الطهرانيّ « رض »: « وما صرّح في الطّرف باسمه تقيّة »(٢) ، فهو كما كان يتّقي في عدم تصريحه باسمه في « الطرائف »، كذلك اتّقى فلم يصرّح به في « الطّرف ».

لكنّ « الطّرف » يمتاز عن « الطرائف »، بأنّه اختصّ بذكر ما ورد صريحا من طرق آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في إثبات الولاية والإمامة والوصيّة لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وما لا مجال فيه من النصوص للتأويل والتمحّل والحمل على الوجوه البعيدة والغريبة، فكأنّه « رض » أراد تتميم أو استدراك ما فات من كتاب « الطرائف ».

وقد صرّح السيّد ابن طاوس بذلك في مقدّمة « الطّرف »، قائلا: « وقد رأيت كتابا يسمّى كتاب « الطرائف في مذاهب الطوائف »، فيه شفاء لما في الصدور، وتحقيق تلك الأمور، فلينظر ما هناك من الأخبار والاعتبار، فإنّه واضح لذوي البصائر والأبصار، وإنّما نقلت هاهنا ما لم أره في ذلك الكتاب من الأخبار المحقّقة أيضا في هذا الباب »(٣) .

__________________

(١) انظر مقدّمة الطرائف (١٠)

(٢) الذريعة ( ج ١٥؛ ١٦١ )

(٣) انظر نهاية مقدّمة المؤلّف من كتاب الطّرف

٣٥

وقال في كشف المحجّة: « يتضمّن كشف ما جرت الحال عليه في تعيين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمّته من يرجعون بعد وفاته إليه، من وجوه غريبة، ورواية من يعتمد عليه(١) ».

وقال في إجازاته: « وممّا صنّفته وأوضحت فيه من السبيل بالرواية ورفع التأويل كتاب « طرف من الأنباء » وهو كتاب لطيف جليل شريف(٢) ».

ولذلك نرى أنّ النسخ الخطّيّة، تشير إلى أنّه « تكملة الطرائف »، بل ووضعت النسخة « أ » ملحقة بكتاب « الطرائف »، وأشير إلى أنّ « الطّرف » تكملة « للطرائف » وتتمّة له، ولهذا قال الآغا بزرك الطهرانيّ « رض »: « والطّرف استدراك للطرائف »(٣) .

ولو لا أنّ السيّد ابن طاوس كان يصرّح بأسماء كتبه ومؤلّفاته وتفاصيل حياته في مطاوي كتبه، لالتبس علينا أمر « الطرائف » و « الطّرف » واسم مؤلّفهما، لكنّ تصريحه في « إجازاته » و « كشف المحجّة » بنسبة الكتابين إليه، ونسبة جميع العلماء هذين الكتابين له، رفع الالتباس ولم يبق أدنى شكّ في أنّهما من مؤلّفات السيّد ابن طاوس « رض ».

والواقع أنّ الغالبيّة العظمى من محتويات كتاب « الطّرف » مأخوذة من كتاب « الوصيّة » لعيسى بن المستفاد البجلي، فإنّ السيّد ابن طاوس أورد ثلاثا وثلاثين طرفة في كتابه، منقولة عن عيسى بن المستفاد، باستثناء:

١ - الطّرفة الثانية، فإنّه رواها عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

٢ - الطّرفة السابعة، فإنّه رواها عن عيسى بن المستفاد، ثمّ روى مضمونها بروايتين أخريين.

__________________

(١) كشف المحجّة (١٩٥)

(٢) إجازات السيّد ابن طاوس المطبوعة في البحار ( ج ١٠٧؛ ٤٠ ) وانظر الذريعة ( ج ١٥؛ ١٦١ )

(٣) الذريعة ( ج ١٥؛ ١٦٢ )

٣٦

٣ - الطّرفة الثامنة، فإنّه رواها عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجذ، أنّ رجلا قال لعليّعليه‌السلام : ...

٤ - الطّرفة التاسعة، فإنّه رواها عن الصادق، عن أبيهعليهما‌السلام .

٥ - الطرفتين الخامسة عشر والسادسة عشر، فإنّه رواهما عن كتاب « خصائص الأئمّة » للشريف الرضيّ « رض »، لكنّهما أيضا ينتهيان إلى عيسى بن المستفاد، عن الإمام الكاظمعليه‌السلام ، فإنّ سندهما هو: حدّثني هارون بن موسى، حدّثني أحمد بن محمّد بن عمّار العجليّ الكوفي، حدّثني عيسى الضرير، عن الكاظمعليه‌السلام .

٦ - الطّرفة الخامسة والعشرين، فإنّه رواها عن عيسى، عن الكاظم، عن أبيهعليهما‌السلام ، ثمّ نقل روايتها بألفاظ أخرى عن محمّد بن جرير الطبريّ في كتابه « مناقب أهل البيت » بهذا السند: أبو جعفر، حدّثنا يوسف بن عليّ البلخيّ، قال: حدّثني أبو سعيد الآدميّ بالري، قال: حدّثني عبد الكريم بن هلال، عن الحسين بن موسى بن جعفر، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جدّهعليه‌السلام .

فإذا تأمّلنا في هذه المستثنيات، وجدنا أنّ الطّرفة السابعة مروية عن عيسى أيضا، وإن عضّدها بروايتين أخريين، وأنّ الطرفتين الخامسة عشر والسادسة عشر وإن رواهما عن الشريف الرضيّ « رض » في كتاب « خصائص الأئمّة » إلاّ أنّ سندهما ينتهي أيضا إلى عيسى بن المستفاد، عن الكاظمعليه‌السلام ، ويظهر أنّه نقلهما عن الشريف الرضيّ « رض » إشارة إلى اعتماد الرضيّ على كتاب « الوصيّة »، وزيادة في توثيق المطلب المروي.

وأمّا الطّرفة الخامسة والعشرون، فإنّه أيضا صرّح بروايته لها عن عيسى، عن الكاظمعليه‌السلام ، ومن ثمّ عضّدها بما رواه أبو جعفر الطبريّ بنفس المعنى وبإسناد آخر - ليس فيه عيسى بن المستفاد - ينتهي إلى الإمام الكاظمعليه‌السلام ، وذلك توثيقا لصحّة ما رواه عيسى في كتاب الوصيّة.

يبقى أنّ الطّرفة التاسعة أسندت إلى الإمام الصادقعليه‌السلام مباشرة، ولم ينقلها

٣٧

عن الكاظمعليه‌السلام ، عن أبيه الصادقعليه‌السلام ، وهذا ما يشعر أنّ الرواية مرويّة بطريق ليس فيه عيسى بن المستفاد، أو أنّ فيه عيسى فيلزم كونه من أصحاب الصادقعليه‌السلام أيضا، مع أنّ الرجاليّين لم يصرّحوا إلاّ بروايته عن الإمام الكاظمعليه‌السلام وإدراكه للجوادعليه‌السلام ، وإن ذهب بعض الرجاليين خطأ إلى أنّه ممّن روى عن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام كما سيأتي.

لكنّ الحقيقة هي أنّ هذه الطّرفة مرويّة أيضا عن الكاظم، عن أبيه الصادقعليهما‌السلام ، لأنّ العلاّمة البياضيّ صرّح بأنّ إسناد هذه الطّرفة هو نفس إسناد الطّرف السابقة، فإنّه بعد أن قال: « ما أسند عيسى بن المستفاد في كتاب الوصيّة إلى الكاظم إلى الصادقعليهما‌السلام (١) »، قال في بداية الطّرفة التاسعة: « بالإسناد المتقدّم »(٢) ، وهذا صريح بأنّ هذه الطّرفة مرويّة أيضا عن عيسى في كتاب « الوصيّة »، وكذلك نقل هذه الطّرفة العلاّمة المجلسيّ مصدّرا إيّاها بقوله: « وبهذا الإسناد، عن الكاظم، عن أبيهعليهما‌السلام قال »(٣) ، ممّا يدلّ صراحة على أنّها مرويّة عن عيسى في كتاب الوصيّة، إلاّ أنّ التساهل في ذكر اسم الإمام المروي عنه مباشرة في متن النسخ سبّب ما قد يتوهّم من أنّ عيسى رواها عن الصادقعليه‌السلام مباشرة، أو أنّه ليس براو لهذه الطّرفة.

وعلى هذا، فتبقى الطرفتان الثانية والثامنة فقط من كتاب « الطّرف » ليستا ممّا روي في كتاب الوصيّة لابن المستفاد، وتبقى إحدى وثلاثون طرفة الأخرى كلّها عن كتاب « الوصيّة » لعيسى بن المستفاد.

وقد تنبّه العلاّمة البياضيّ إلى كون كتاب « الطّرف » أو غالبيّته العظمى هو ما في كتاب « الوصيّة » لابن المستفاد، فقال: « فصل نذكر فيه شيئا ممّا نقله ابن طاوس

__________________

(١) الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٨٩ )

(٢) الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٩٠ )

(٣) بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٧٨ )

٣٨

من الطّرف »(١) ، ثمّ قال: « ما أسند عيسى بن المستفاد في كتاب « الوصيّة » إلى الكاظم، إلى الصادقعليهما‌السلام »(٢) .

ونقل المجلسيّ كثيرا من الطّرف، فقال: « كتاب « الطّرف » للسيّد عليّ بن طاوس نقلا من كتاب « الوصيّة » للشيخ عيسى بن المستفاد الضرير، عن موسى ابن جعفر، عن أبيهعليهما‌السلام (٣) »، وقال في نهاية ما أخرجه منه: « انتهى ما أخرجناه من كتاب « الطّرف » ممّا أخرجه من كتاب « الوصيّة » لعيسى بن المستفاد، وكتاب « خصائص الأئمّة » للسيّد الرضيّ وعيسى وكتابه مذكوران في كتب الرجال »(٤) .

وقال الآغا بزرك الطهرانيّ (رض) في معرض كلامه عن كتاب الطّرف: « وفيه ثلاث وثلاثون طرفة، في كلّ طرفة حديث واحد، وأكثرها من كتاب عيسى بن المستفاد يعني كتاب « الوصيّة » كما عبّر به النجاشيّ »(٥) .

إنّ ما نقله لنا السيّد ابن طاوس في كتابه هذا على صغر حجمه، يعدّ كنزا نفيسا من كنوز مرويّات الإمامة والوصيّة - ولو لا ما نقله عنه لضاعت مرويّاته فيما ضاع في تراث المسلمين لأسباب شتّى، لكنّنا لا ندري هل أنّ السيّد ابن طاوس نقل كلّ ما في كتاب « الوصيّة » أم انتخب منه ما أراد فقط؟ - لأنّ ظاهر القرائن تدلّ على أنّ كتاب « الوصيّة » كان موجودا عند السيّد ابن طاوس « رض »، ولذا قال الآغا بزرك « رض »: « وقد أكثر النقل عنه ابن طاوس المتوفّى سنة ٦٦٤ ه‍ في « طرف من الأنباء »، فيظهر وجوده عنده في التاريخ المذكور »(٦) .

__________________

(١) الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٨٨ )

(٢) الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٨٩ )

(٣) بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٧٦ )

(٤) بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٩٥ ) وقال في مرآة العقول ( ج ٣؛ ١٩٣ ) « وأورد أكثر الكتاب السيّد ابن طاوس في كتاب الطّرف من الأنباء ».

(٥) الذريعة ( ج ١٥؛ ١٦١ )

(٦) الذريعة ( ج ٢٥؛ ١٠٣ )

٣٩

وإذا صحّ هذا الاستظهار، فمن الراجح جدّا أنّ كتاب « الوصيّة » فقد فيما فقد من تراث إسلامي في حملات التتر الهمجيّة على بغداد، وحرقهم لمكتباتها، وإلقائهم لكتبها في دجلة حتّى صار ماء دجلة أسود، وحتّى عبرت الدوابّ والخيل عليها، وكان من جملة ما فقد مكتبة ابن طاوس الضخمة، والّتي جعل لها فهرستا مفصلا سماّه « الإبانة في معرفة أسماء كتب الخزانة »، وقد كانت تضمّ في سنة ٦٥٠ ه‍، ألفا وخمسمائة كتابا(١) .

ومكتبته وفهرستها « الخزانة » من المفقودات اليوم، لكنّه أشار في مواضع مختلفة من كتاب « المحجّة » إلى أنّ فيها أكثر من سبعين مجلّدا في الدعوات، وأنّ فيها كتبا جليلة في تفسير القرآن، والأنساب، والنبوّة والإمامة، والزهد، وتواريخ الخلفاء والملوك وغيرهم، وفي الطبّ والنجوم، واللّغة والأشعار، والكيمياء والطّلسمات والعوذ والرقى والرمل، وفيها كتب كثيرة في كلّ فنّ من الفنون(٢) .

فمن الراجح إذن أنّ كتاب « الوصيّة » كان من جملة كتبه، وأنّه فقد فيما فقد منها ومن غيرها من مكتبات بغداد، أمّ الدنيا وعاصمتها آنذاك، ولكن هل نقله لنا السيّد ابن طاوس كلّه، أو نقل بعضه؟!

ربّما تكون إجابة هذا السؤال عسيرة جدّا وضربا من الحدس والتخمين، لكنّ المقطوع به عندنا، أنّ السيّد ابن طاوس لم ينقل لنا صدر الطّرفة الرابعة عشر، والّتي نقلها الكلينيّ (رض) في الكافي وعنه المجلسيّ في البحار، بسند الكلينيّ إلى عيسى بن المستفاد، عن الكاظم، عن الصادق ٨، وهذا ما يجعلنا نميل إلى أنّ السيّد ابن طاوس لم ينقل كلّ ما في « الوصيّة »، وإنّما نقل ما اختاره منه، وأضاف إليه بعض مرويّات من طرق أخرى، وعضّد بعض طرفه بطرق وأسانيد أخرى، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.

__________________

(١) انظر الذريعة ( ج ١؛ ٥٨ )

(٢) انظر مقدّمة كتاب اليقين ( ٧٩ - ٨٠ )

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

نبيه؟ قال : يا روح الله وکلمته قد کان والله ما قلته فاسأل الله أن يذهب به عني فدعا له عيسی عليه السلام فتفضل الله عليه وصار فيط أهل بيته، کذلک نحن أهل البيت لا يقبل الله عمل عبد وهو يشک في ولايتنا(١) .

وجری في ظلمه أي استمر، وفي الکامل(٢) وأجری ظلمه، والمراد بالمؤسس هو يزيد بن معاوية(٣) خاصة أو من سبقه ممن ابتدأ بغصب الخلافة عن أهل بيت النبوة.

__________________

١ ـ راجع البحار ج ٢٧، ص ١٩١، ح ٤٨، وأمالي المفيد ص ٢، ح٢، وروی مثله الشيخ الصدوق في العلل ج٢، ص٣٣٢، باب النوادر.

وروي في کتاب صحيفة الأبرار ص ٧٠ قال صلی الله عليه وآله : (انظر إلى علِي بن أبي طالب عبادة وذکره عبادة ولا يقبل إيمان عبد إلا بولايته والبراءة من أعدائه).

ونقلا عن الخوارزمي قال : إن الرسول صلی الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام : يا علي لو عاش عبد عمر نوح تعبد فيه، وأنفق في سبيل الله ذهبا بقدر جبل آحد، وحج بيت الله ألف مرة، وقتل مظلوما بين الصفا والمروة، ولم يقبل ولايتک فلن يشم رائحة الجنة).

وإلی هذا المعنی أشار العارف الکبير نصير الدين الطوسي في شعره المعروف :

لو انّ عبدا بالصالحات غدا

وود ّکلّ نبي مرسل ووليّ

وصام ماصام صوّاما بلا ضجر

وقام ما قدم قواما بلا ملل

وحجّ ما حجّ من فرض ومن سنن

وطاف ما طاف حاف غير منتعل

وطار في الجوّ لا ياوی إلى أحد

وغاص في البحر مامونا من البلل

يکسو اليتامی من الديباج کلّهم

ويطعم الجائعين البر بالعسل

وعاش في الناس الافا مؤلفة

عار من الذنب معصوما من الزلل

ما کان في الحشر عندالله منتفعا

الاّ بحب أمير المؤمنين عليّ

٢ ـ کامل الزيارات لابن قولويه ص ١٧٧، ط : النجف.

٣ ـ هو يزيد بن معاوية، وينسب معاوية إلى اربعة رجال عمر بن مسافر، وعمارة بن الوليد، والعباس بن عبد المطلب، ورجل اسود يدعی الصباح، وکانت هند جدة يزيد مغرمة بحب

٨١

فاسل الله الذي اکرمني بمعرفتکم، ومعرفة أوليائکم ،

ورزقني البراءة من أعدائکم، ان يجعلني معکم في الدنيا والآخرة ،

المراد بمعرفتهم ان يعرف بالدليل، ويعتقد بالاعتقاد الجازم الذي لا يزول بالتشکيک (انهم أهل بيت النبوة وموضوع الرسالة ومختلف الملائکة ومهبط الوحي ومعدن الرحمة وخزان العلم ومنتهی العلم واصول الکرم واولياء النعم وعناصر الابرار ودعائم الاخيار إلى آخر ما ذکر في الجامعة)(١) .

وحاصله : انهم عليهم السلام أفضل الخلق بعد محمد صلی الله عليه وآله الذي لا أفضل منه في عالم الامکان، وبمعرفة اوليائهم ان يعرف ويعتقد کذلک انهم هم الفرقة الناجية(٢) ، وانهم خاصة أهل الجنة، وانهم هم المفلحون الفائزون يوم القيامة(٣) ،

__________________

السود، وما نسب معاوية أحد ممن يعرف حالها إلى أبي سفيان، لانها وضعته بعد زواجها منه بثلاثة اشهر.

وهند هذه هي التي اکلت کبد الحمزة عم الرسول صلی الله عليه واله.

وام يزيد هي ميسون بنت عبد الرحمن بن بجدل الکلبي، مکنت عبدا لابيها من نفسها، وحملت بيزيد.

وجده أبو سفيان اعدی اعداء الله ورسوله، وهو الذي قاد الحرب ضد الاسلام والقران في بدر واحد والاحزاب. (راجع ربيع الابرار للزمخشري)

١ ـ هذا مقطع من الزيارة الجامعة، وللفائدة راجع شروحها.

٢ ـ راجع کتاب الفرقة الناجية لسلطان الواعظين، ترجمة وتحقيق فاضل الفراتي.

٣ ـ اشارة إلى الاية القرانية في النبية(٧) قوله تعالی : (ان الذين امنوا وعملوا الصالحات اولئک هم خير البرية) وبخصوص هذه الاية راجع تفسير الدر المنثور للسيوطي ج٦، ص ٣٧٩.

٨٢

وان محبتهم محبة الله وعداوتهم عداوة الله(١) . وفي حديث جابر عن الباقر عليه السلام قال : يا جابر عليك بالبيان والمعاني، قال : فقلت : ومالبيان وما المعاني؟ قال : قال علي عليه السلام : اما البيان فهو ان تعرف أن الله ليس کمثله شیء فتعبده ولا تشرک به شيئا، وأما المعاني فنحن معانيه ونحن جنبه ويده ولسانه وأمره وحکمه وعلمه وحقه إذا شئنا شاء الله، ويريد الله ما نريد، إلى أنْ قال : يا جابر أو تدري ما المعرفة؟ المعرفة إثبات التوحيد أوّلا ثم معرفة المعاني ثانيا ثم معرفة الأبواب ثالثا ثم معرفة الإمام رابعا ثم معرفة الأرکان خامسا ثم معرفة النقباء سادسا ثم معرفة النجباء سابعا(٢) .

ويجعله معهم في الدنيا توفيقه لمتابعتهم حذو النعل بالنعل کما هو مقام الشيعة الکامل، وفي الآخرة حشره معهم في درجتهم کما ورد في الروايات الکثيرة(٣) .

__________________

١ ـ إشارة إلى الحديث الشريف : (يا علي حربک حربي وحرب علي حرب الله).

٢ ـ البحار ج٢٦، ص١٣، والقطرة ج، مناقب الإمام الباقر عليه السلام ص٣٢٨، وعيون المعجزات ص٧٨ ولهذه الرواية ذيل طويل.

٣ ـ راجع البحار ج٢٧، ص١٠٠، ط : طهران.

٨٣

وأن يثبت لي عندکم قدم صدق في الدنيا والآخرة ،

وأساله أن يبلغني المقام المحمود لکم عند الله ،

وأن يرزقني طلب ثاري مع امام مهدي ظاهر ناطق منکم ،

الايمان النافع هو ما يموت عليه المرء ولذا لا ينجي المرتد ولا يفلح الا مع التوبظ مطلقا أو فط الجملة، فالثبات علی الايمان هو المطلوب لا مجرده. نعم، قد يقال: إنّ الايمان إذا حصل بحقيقته فلا زوال له، الارتداد کاشف عن عدم تحققه أوّلا وما ظهر ليس الا صورة من الايمان لا حقيقة لها، ولکن الحق خلافه کما قرر في محله، ولبعض الاصحاب في هذه المسالة رسالة مفردة فمن اراد التفصيل فليرجع اليها. والتثبيت : الادامة علی الحالة السابقة وعدم الازاغة، وفي الدعاء : (اللهم ثبتنا علی دينک ودين نبيك ولاتزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا ...)(١) وفي الجامعة(٢) : (فثبتني الله أبدا ما حييث علی موالاتکم ومحبتکم ودينکم، وقفني لطاعتکم، ورزقني شفاعتکم، وجعلني من خيار مواليکم). وقدم صدق بالاضافة کلسان صدق هوالاثرة الحسنة، والقدم هو السابقة في الامر(٣) يقال : له قدم في الهجرة أي سابقة، والاضافة محتملة لتقدير من أو في. وامراد بها المحبة الخالصة، والطاعة التي لا يشوبها عصيان، کما ان المراد بلسان الصدق هو الذکر الحسن والثناء الجميل، وتخصيص التثبيت بالدنيا لکونها محل التغير والتبدل، والمراد بالمقام المحمود الشفاعة الخاصة بهم(٤) ، وفي اضافة الثار الی

__________________ ـ

١ ـ راجع دعاء يوم الجمعة من ادعية الاسبوع.

٢ ـ الزيارة الجامعة المروية عن الامام الهادي عليه السلام وهذا مقطع منها.

٣ ـ راجع المصباح المنير للفيومي ص ٤٩٣.

٤ ـ راجع تفسير القمي ج١، ص ٤١٥، ط : الاعلمي، تفسير سورة الاسراء.

٨٤

ضمير النفس اشارة إلى أنْ کل مؤمن ولي هذا الدم فهو ثاره الذي يطلبه فلا ينافي ذلك اضافته إلى ضمير الخطاب(١) لاختلاف الحيثية، والظاهر : خلاف المستور، ويحتمل ان يکون بمعنی الغالب يقال ظهر عليه إذا غلب عليه.

__________________

١ ـ هذه اشارة إلى اختلاف النسخ، لان في بعض ماصادر الزيارة مثل کامل الزياراة مثل کامل الزيارت بدل (ثاري) (ثارکم).

٨٥

وأسال الله بحقّکم، وبالشّان الذی لکم عنده ان يعطينطي

بمصابي بکم أفضل ما يعطي مصابا بمصيبة(١) ، مصيبة ما اعظمها

وأعظم رزيتها في الاسلام، وفي جميع السماوات والارض.

حقّهم أعظم الحقوق وشأنهم أعلی الشؤون، فالسؤال بهما اقرن بالاجابة، ويستفاد من حديث سلمان وغيره انه لا يرد دعاء إذا سئل فيه بهم عليهم السلام(٢) ، والمصائب الاول مصدر ميمي بمعنی المصيبة والثاني بمعنی من اصابته المصيبة وقد تقرر في محله ان زنة المصدر الميمي من المزيد علی زنة اسم المفعول منه، ومصيبة الثاني اما بدل(٣) أو عطف بيان أو توکيد لمصابي، فالاعراب الکسر وکذالو جعلناه تابعا للاول، ويحتمل النصب علی المفعولية لفعل محذوف(٤) . وفي الکامل(٥) بعد قوله بمصيبته «اقول : انا الله وانا اليه راجعون مصيبة ما اعظمها» والاخبار الواردة في عظم اجر المصائب اکثر من ان تحصي.

__________________

١ ـ في بعض النسخ (بمصيبه) بدون هاء الضمير.

٢ ـ ذکر العلامة المجلسي في زالبحار ج١٠، ص ٩٢، ط : بيروت، عن الامام علي عليه السلام قال : (صلوا علی محمد وآل محمد فان الله عزّ وجل يقبل دعائکم عند ذکر محمد ...).

واخرج الديلمي عن مسند أحمد ج٦، ص ٣٢٣، ان النبي صلی الله عليه وآله قال : (الدعاء محجوب حتی يصلی علی محمد واهل بيته).

٣ ـ بدل من المصيبة الاولی، والبدل يتبع المبدل منه بالاعراب.

٤ ـ ويحتمل ان يکون حکمها النصب علی انها مفعول به لفعل محذوف تقديره (اقول).

٥ ـ کامل الزيارات ص ١٧٧، ط : النجف.

٨٦

قال الباقر عليه السلام : (ان الله إذا احب عبدا اغته بالبلاء غتا وشجه بالبلاء شجا فاذا دعاه قال : لبيک عبدي لئن عجلت لك ما سألت اني علی ذلك لقادر، ولئن اخرت لك فما ادخرت لك خيرلک)(١) .

وقال الصادق عليه السلام : (لو يعلم المؤمن ما له من الاجر في المصائب لتمنی انه قرض بالمقاريض)(٢) .

وفي روايظ النخعي عن الصادق عليه السّلام قال : (من اصيب بمصيبة فليذکر مصابه بالنبي صلی الله وعليه وآله فانه من اعظم المصائب)(٣) .

وفي رواية انه قال : لما اصيب أمير المؤمنين عليه السلام نعی الحسن إلى الحسين وهو بالمدائن فلما قرا الکتاب قال : يالها من مصيبة ما اعظمها مع ان رسول الله صلی الله وعليه وآله قال : من اصيب منکم بمصيبة فليذکر مصابه بي فانه لن يصاب بمصيبة اعظم منها وصدق رسول الله صلی الله وعليه وآله(٤) فتدبر. فان مصيبة الحسين عليه السلام من جملة مصائب النبي صلی الله وعليه واله، وکذا مصائب غيره من الائمة عليهم السلام، فمصيبة النبي صلی الله عليه وآله اعظم المصائب، ولا ينافيه ان مصيبة الحسين عليه السلام اعظمها.

وقوله : ما اعضمها وصف لمصيبة علی تقدير مقول في حقها فان فعل التعجب انشاء، والجملة الانشائية لا تقع صفة کما لا تقع خبرا علی المشهور بين النحاة(٥) نظرا إلى أنْ الخبر ما يحتمل الصدق والکذب، والانشاء لايکون ثابتا في نفسه

__________________ ـ

١ ـ راجع اصول الکافي ج ٢، ص ١٩٧، ح ٧.

٢ ـ نفس المصدر ص ١٩٨، ح ١٥.

٣ ـ راجع وسائل الشيعة للحر العاملي ج٦، ص ٣١٤.

٤ ـ اصول الکافي ج٣، ص ٢٢٠.

٥ ـ راجع قطر الندي، وکتاب شرح ابن عقيل، والنحو الوافي.

٨٧

فلا يثبت لغيره.

وفي الوجهين نظر فان الحد المذکور حد للمقابل للانشاء لا لخبر المبتدا والغرض من الکلام الطلبي وهو ثابت في نفسه وغير الثابت هو المطلوب. نعم، هذا الطلب قائم بالمتکلم وليس من احوال المبتدا وانما المقصود من ذکر الخبر بيان حال من احوال المبتدا ليکون جزء متما للفائدة.

قال بعض المحققين قدس سره : فاذا قلت : زيد اضربه فطلب الضرب صفة قائمة بالمتکلم وليس حالا من احوال زيد الا باعتبار تعلقه به أو کونه مقولا في حقه أو استحقاقه ان اضربه زيد مطلوب ضربه أو تقول في حقه ذلك وهو جيد متين کما لا يخفی.

٨٨

أللّهم اجعلني في مقامي هذا ممن تناله منك صلوات ورحمة

ومغفرة. أللهمَّ اجعل محياي محيا محمّد وآل محمّد ،

ومماتي ممات محمّد وآل محمّد.

مقامي أي لزيارة الحسين. تناله من النيل وهو الاصابة(١) . يقال : نال خيرا إذا اصابه، والامر منه نل بفتح النون کما في المجمع(٢) ، لا من النوال وهو الاجر والحظ ومنه النوال للعطاء(٣) والفعل منه نال ينول والامر نل بضم النون.

ممن تناله أي من الذين يستحقون ذلك بالمحبة والمعرفة بحقهم فان زائري الحسين العارفين بحقّه تنالهم من الصلوات والرحمة والمغفرة ما لا يحصي، کما لا يخفی علی من تتبع الأخبار الواردة في باب زيارته(٤) ، ففي جملة منها : ان من زار الحسين عليه السلام کان کمن زار الله فوق عرشه(٥) . وفي بعضها کتبه الله في عليين(٦) . وفي بعضها : غفر الله له جميع ذنوبه ولو کانت مثل زبد

__________________ ـ

١ ـ راجع لسان العرب والصحاح.

٢ ـ مجمع البحرين للطريحي.

٣ ـ راجع المصباح المنير للفيومي ص ٦٣١.

٤ ـ راجع کامل الزيارات لابن قولويه، وکتاب البحار وکتاب نور العين في المشي إلى زيارة الحسين عليه السلام للاصطهباني.

٥ ـ راجع البحار ج ٠١ ونور العين في المشي إلى زيارة الحسين عليه السلام : عن الحسين بن محمد القمي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : (من زار قبر أبي عبدالله عليه السلام بشط الفرات کان کمن زار الله فوق عرشه).

٦ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٤٧، ط : النجف، عن عيينة بياع القصب عن أبي عبدالله عليه السلام قال :

(من اتی قبرالحسين عليه السلام عارفا بحقه کتبه الله في اعلی عليين).

٨٩

البحر، فاستکثروا من زيارته یغفرالله لکم ذنوبکم(١) . وفي بعضها : اعقته الله من النار(٢) ، وامنه يوم الفزع الاکبر(٣) ، ولم يسال الله حاجة من حوائج الدنيا والآخرة الا اعطاه(٤) ، وفي بعضها : انه أفضل ما يکون من الاعمال(٥) ، وفي بعضها : ان زوار الحسين يدخلون الجنة قبل الناس باربعين عاما وسائر الناس في الحساب(٦) ، وفي بعضها : ما من أحد يوم القيامة الاوهو يتمنی انه من زوار

__________________

١ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٣٨، منها : عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيی عن ابن مسکان عن أبي عبدالله عليه السلام قال : (من اتی قبرالحسين عليه السلام عارفا بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تاخر).

٢ ـ راجع نور العين، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه ـ في حديث ـ ان رسول الله صلی الله وعليه بکی بکاء شديدا فلم يساله أحد منا احلالا واعظاماله، فقال له الحسين : لم بکيت؟ فقال : يا ابة فما لمن زار قبورنا علی تشتتها؟ فقال : يا بنی اولئک طوائف من امتي يزورونکم فيلتمسون بذلك البرکة وتلقاه الملائکة بالبشارة يقال له : لا تخف ولا تحزن هذا يومک الذي فيه فوزک.

٣ ـ راجع البحار ج١٠١، عن زرارة قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : ما تقول فيمن زار اباک علی خوف؟ قال : يؤمنه الله يوم الفزع الاکبر وتلقاه الملائکة بالبشارة ويقال له : لا تخف ولا تحزن هذا يومک الذي فيه فوزک.

٤ ـ راجع نورالعين ص ١٤٩، عن علي بن الحسين عليهم السلام قال : یغفر الله له ـ لزائر الحسين عليه السلام ـ ذنوبه ويقضي حوائجه، ثم قال : تقضي له الف حاجة ؛ ستمائة حاجة للاخرة واربعنائة للدنيا.

٥ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٤٦، ط : النجف، عن أبي خديجة عن أبي عبدالله قال : سالته عن زيارة قبر الحسين عليه السلام، قال : (افضل ما يکون من الاعمال).

٦ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٣٧، عن زرارة قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : ان لزوار

٩٠

الحسين بن علي عليهم السلام لما يري لما يصنع بزوار الحسين عليه السلام من کرامتهم علی الله(١) .

والتنکير في الالفاظ الثلاثة(٢) للتعظيم، أو التکثير، أو النوعية، والفرق بينها ان الصلوات تختص بمن لا ذنب له والمغفرة بمن له ذنب والرحمة تشملها(٣) فليتامل.

وفي بعض الأخبار : من اتی قبر الحسين عليه السلام ماشيا کتب الله له بکل خطوة الف حسنة ومحا عنه الف سيئة ورفع له الف درجة(٤) .

قوله (محياي محيی ..) أي حياتي مثل مماتهم في استحقاق الصلاة والرحمة والفوز بالسعادات الدائمة.

قال الطريحي(٥) : قوله محياي ومماتي لله : قد يفسران بالخيرات التي تقع في حال الحياة منجزة والتي تصل إلى الغير بعد الموت کالوصية للفقراء بشيء، أو معناه ان الذي اتيته في حياتي واموت عليه من الايمان والعمل الصالح لله خالصا.

__________________ ـ

الحسين بن علي عليهم السلام يوم القيامة فضلا علی الناس، قلت : وما فضلهم؟ قال : يدخلون الجنة قبل الناس باربعين عاما وسائر الناس في الحساب والموقف.

١ ـ راجع کتاب نور العين وکامل الزيارات، عن عبدالله الطحان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته وهو يقول : مامن أحد يوم القيامة الا وهو يتمنی انه من زوار الحسين لمل يری مما يصنع بزوار الحسين عليه السلام من کرامتهم علی الله تعالی.

٢ ـ وهي (صلوات ورحمة ومغفرة).

٣ ـ يعني ان الرحمة اعم من الصلاة والمغفرة لانها تشمل المذنب وغيره.

٤ ـ راجع ثواب الاعمال للصدوق، وکامل الزيارات.

٥ ـ في کتابه مجمع البحرين.

٩١

وفي رواية عن النبي صلی الله وعليه وآله قال : (من سره ان يحيی حياتي ويموت مماتي ويدخل جنة عدن قضب غرسه ربي بيده فليتول عليا والاوصياء من بعده وليسلم لفضلهم فانهم الهداة المرضيون)(١) .

فهما(٢) مصدارن ميميان ويحتمل کونهما اسمي زمان أي اجعلني بحيث احيی في زمان حياتهم وهو زمان الرجعة(٣) واموت في زکمان مماتهم أي عند رفعهم إلى السماء بعد انقضاء الدنيا، فليتامل.

__________________ ـ

١ ـ واخرج القندوزي بلفظ آخر ينابيع المودة ص ١٥١، الباب ٤٣ : (قال رسول الله صلی الله وعليه وآله : «من سره ان يحيی حياتي ويموت مماتي ويسکن جنات عدن التي غرس فيها قضيبا ربي، فليوال عليا وليوال وليه، وليقتد بالئمة من ولده من بعده، فانهم فانهم عترتي خلقوا من طينتي، وزرقوا فهما وعلما، وويل للمکذبين بفضلهم من امتي، القاطعين فيهم صلتي، لا انالهم الله شفاعتي».

٢ ـ محياي ومماتي.

٣ ـ لقد تقدمت الاشارة إلى الايات والروايات التي علی الرجعة.

٩٢

اللهم ان هلاا يوم تبركت به بنو امية وابن أكلة اكباد ،

اللعين ابن اللعين، علی لسانك ولسان نبيك صلّی الله عليه وآله

في کل موطن وموقف وقف فيه نبيّك صلّی الله عليه وآله.

إنَّ هذا أي هذا اليوم المسمّي بعاشوراء يوم تبرکوا به لمکان قتل الحسين عليه السّلام، وفي الکامل(١) : (أللّهم إنّ هذا يوم تنزل فيه اللعنة علی آل زياد وآل أميّة وابن آکلة الاکباد الخ).

فيا عجبا کيف تبرکوا بهذا اليوم وهو يوم مصيبة وحزن، وقد قتلوا فيه سبط الرسول، وسبوا نسائه، وانتهبوا ثقله. وکانت أهل الجاهلية فيما مضي يحرمون فيه الظلم والقتال؟

قال الرضا عليه السلام : (من ترک السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضي الله له حوائج الدنيا والاخرة، ومن کان يوم عاشوراء يوم مصيبة وحزنه بکائه جعل الله يوم القيامة يوم فرحه وسروره ف وقرت بنا في الجنان عينه، ومن سمی يوم عاشوراء يوم برکة وادخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك له فيما ادخر، وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد لعنه الله(٢) إلى اسفل درک من النار)(٣) .

وفي رواية عبدالله بن الفضل قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : يابن رسول الله کيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغم وجزع وبکاء دون اليوم الذي قبض فيه

__________________

١ ـ کامل الزيارات ص ١٧٨، ط : النجف.

٢ ـ في الاصل (لعنهم الله).

٣ ـ نقل هذه الرواية صاحب مفاتيح الجنان في مفاتيحه ص ٣٧٤ عن کامل الزيارات.

٩٣

رسول الله صلی الله عليه واله، واليوم الذي ماتت فيه فاطمة واليوم الذي قتل أمير المؤمنين عليه السلام واليوم الذي قتل فيه الحسن بالسم؟ فقال : ان يوم قتل الحسين عليه السلام اعظم مصيبة من جميع سائر الايام(١) ، وذلک ان أصحاب الکساء الذين هم کانوا اکرم الخلق علی الله کانوا خمسة فلما مضي عنهم النبي صلی الله عليه وآله بقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين فکان فيهم للناس عزاء وسلوة، فلما مضي الحسن کان للناس في الحسين عزاء وسلوة، فلما قتل الحسين عليه السلام لم يکن بقي من أصحاب الکساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة فکان ذهابه کذهاب جميعهم کما کان بقائه کبقاء جميعهم، فلذلک صار يومه اعظم الايام مصيبة. إلى أنْ قال : قال عبدالله بن الفضل، فقلت له : يابن رسول الله صلی الله عليه وآله فکيف سمت العامة يوم العاشوراء يوم برکة؟ فبکی ثم قال : لما قتل الحسين عليه السلام تقرب الناس بالشام إلى يزيد فوضعوا له الاخبار، واخذوا عليها الجوائز من الاموال فکان مما وضعوا له امر هذا اليوم وانه يوم برکة ليعدل الناس فيه من الجزع والبکاء والمصيبة والحزن إلى الفرح والسرور والتبرک(٢) ، حکم الله بيننا وبينهم)(٣) .

وآکلة الاکباد هي هند ام معاوية ارادت ان تاکل کبد حمزة عم الرسول صلی الله عليه وله

__________________

١ ـ ويدل علی هذا قول الامام الصادق عليه السلام : (لايوم کيومک يا با عبدالله).

وقول الامام رضا عليه السلام : (فعلی مثل الحسين فليبک الباکون ان يوم الحسين اقرح جفوننا واذل عزيزنا بارض کرب وبلاء).

٢ ـ اشار إلى هذا المعنی أحد اشعراء بقوله :

(کانت ماتم بالعراق تعدها

امية بالشام من اعيادها)

٣ ـ اخرج هذه الرواية الشيخ الاجل الصدوق في علله ج ١ ص ٢٦٤، ط : الاعملي.

٩٤

وحکايتها المعروفة(١) ، والمراد بابنها في هذه الفقرة يزيد بن معاوية لا معاوية، لانه لم يکن حيا في هذه الوقعة(٢) ، واللعين الاول وصف ليزيد، والثاني لابيه معاوية أو أبي سفيان وکانا ملعونين علی لسان النبي صلی الله عليه وآله(٣) ف کما کان يزيد لعينا لاهل السماوات والارض. ومن کلام الحسن عليه السلام في مجلس معاوية، وانتم في رهط قريب من عدة اولئک لعنوا علی لسان رسول الله صلی الله عليه واله، فاشهد لکم واشهد عليکم انکم لعناء الله علی لسان نبيه صلی الله عليه وآله کلکم(٤) . وانشدکم بالله هل تعلمون ان رسو الله بعث إليك لتکتب (له)(٥) لبني خزيمة؟

__________________

١ ـ راجع السيرة الحلبية ج٢، ص ٢٤٤، (لما جاءت هند بنت عتبة إلى مصرع حمزة فمثلت به وحدعت انفه وقطعت اذنيه ومذاکيره، ثم جعلت ذلك کالسوار في يديها وقلائد في عنقها، وانها يقرت بطن حمزة واستخرجت کبده فلاکتها، فلم تستطع ان تسيغها فقال النبي زصلی الله عليه وآله لما بلغه اخرجها کبد حمزة : هل اکلت منه شيئا؟ قالوا : لا، قال صلی الله عليه وآله : ان الله قد حرم علی النار ان تذوق من لحم حمزة شيئا ابدا.

وقال الامام الصادق عيله السلام : أبي الله ان يدخل شيئا من بدن حمزة النار.

٢ ـ وهي معرکة الطف الخالدة التي وقعت في عام (٦١هـ) بين الحق المتجسد بالامام الحسين عليه السلام، والباطل الکفر المتجسد بيزيد واعوانه الظلمة.

٣ ـ ذکر ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج ج٤، ص ٧٩، ط : دار احياء الکتاب العربي : (روی شيخنا أبو عبد الله البصري المتکلم عن نصره بن عاصم الليثي عن أبيه قال : اتيت مسجد رسول الله صلی الله عليه وآله والناس يقولون : نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله فقلت : ما هذا؟ قالوا : معاوية قام الساعة فاخذ بيد أبي سفيان فخرجنا من المسجد فقال رسول الله صلی الله عليه وآله : لعن الله التابع والمتبوع رب يوم لامتي من معاوية ذي الاستاه.

وقال : روی العلاء بن حريز القشيري ان رسول الله صلی اله عليه وآله قال لمعاوية : لتتخذن يا معاوية البدعة سنة والقبح حسنا اکلک کثير وظلمک عظيم

٤ ـ في المصدر : کلکم أهل البيت.

٥ ـ بين القوسين في المصدر غير موجود.

٩٥

(١) إلى أنْ قال : انشدکم الله هل تعلمون ان ما اقول حق(٢) انّك يا معاوية کنت تسوق بابيك علی جمل احمر، ويقوده أخوك هذا القاعد، وهذا يوم الاحزاب، فلعن رسول الله القائد والراکب والسائق فکان أبوك الراکب وأنت يا ازرق السائق واخوك هذا القاعد القائد. ثم (قال)(٣) : انشدکم بالله هل تعلمون ان رسول الله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن؟

أوّلهن : حين خرج من مکة إلى مدينة، وأبو سفيان جاء من الشام فوقع فيه أبو سفيان فسبه وأوعده وهمّ أنْ يبطش به، ثمّ صرفه الله(٤) عنه.

والثاني : يوم العير حيث طردها أبو سفيان ليحرزها من رسول الله.

والثالث : يوم احد، يوم قال رسول الله : (الله مولانا ولا مولی لکم)، وقال أبو سفيان : (لنا العزی ولا عزی لکم)، فلعنه الله وملائکته ورسوله والمؤمنون أجمعون.

والرابع : يوم حنين، يوم جاء أبو سفيان يجمع قريش وهوازن إلى آخر الحديث وهو طويل(٥) .

__________________ ـ

١ ـ «بني خزيمة، حين ااصابهم خالد بن الوليد، فانصرف اليه الرسول فقال : هو ياکل، فاعاد الرسول إليك ثلاث مرات، کل ذلك يتصرف الرسول ويقول هو ياکل، فقال رسول الله : «اللهم لاتشبع بطنه، فهي والله في نهمتک واکلک إلى يوم القيامة».

٢ ـ في المصدر : (انما اقول حقا ...).

٣ ـ بين القوسين في المصدر غير موجود.

٤ ـ في المصدر (الله عزّ وجل عنه).

٥ ـ (وجاء عيينة بغطفان واليهود فردهم الله عزّ وجل بغيظهم لم ينالوا خيرا هذا قول الله عزّ وجل له في سورتين في کلتيهما يسمي أبا سفيان واصحابه کفارا، وأنت يا معاوية يومئذ

٩٦

أللّهم العن ابا سفيان، ومعاوية بن أبي سفيان(١) ، ويزيد بن

معاوية، عليهم منك(٢) اللعنة أبد الآبدين

الاخبار في فضل اللعن علی اعداء آل الرسول سيما قتلة ذريته متواترة : ففي رواية الريان بن شبيب عن الرضا عليه السلام : (يابن شبيب ان سرک ان تسکن الغرف المبنية في الجنة فالعن قتلة الحسين)(٣) .

__________________

مشرک علی راي ابيک بمکة، وعلي يومئذ مع رسول الله وعلی رايه ودينه.

والخامس : قول الله عزّ وجل : (والهدي معکوفا ان يبلغ محله) وصددت أنت وابوک ومشرکوا قريش، رسول الله صلی الله عليه وآله فلعنه الله لعنة شملته وذريته إلى يوم القيامة.

والسادس : يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش، وجاء عيينة بن حصن ابن بدر بغطفان، فلعن ورسول الله القادة والاتباع والساقة إلى يوم القيامة فقيل : يارسول الله اما في الاتباع مؤمن؟ فقال : لا تصيب اللعنة مؤمنا من الاتباع، واما القادة فليس فيهم مؤمن ولا مجيب ولاناج.

والسابع : يوم الثنية، يوم شد علی رسول الله اثني عشر رجلا، سبعة منهم من بني امية، وخمسة من سائر قريش، فلعن الله تبارک وتعالی وروسله من حل الثنية غير النبي وسائقه وقائده. (راجع الاستيعاب بذيل الاصابة ج٤، ص ٨٧).

١ ـ في کامل الزيارات (وعلی يزيد بن معاوية).

٢ ـ (عليهم منک) هذه غير موجودة في کامل الزيارت.

٣ ـ وهذا نص الرواية عن البحار ج ٤٤، ص ٢٨٥ :

عن الريان بن شبيب قال : دخلت علی الرضا عليه السلام في اول يوم من المحرم فقال لي : ياابن شبيب اصائم انت؟ فقلت : لا، فقال : ان هذا اليوم الذي دعا فيه زکريا ربه عزّ وجل فقال : (رب هب لی من لدنک ذرية طيبة انّك سميع الدعاء) فاستجب الله له وامر الملائکة فنادت زکريا وهو قائم يصلي في المحراب ان الله يبشرک بيحيی فمن صام هذا اليوم ثم دعا

٩٧

وفي رواية الفضل عنه عليه السّلام : (من نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذکر الحسين عليه السلام وليلعن يزيد وآل يزيد، يمحو الله بذلك ذنوبه ولو کانت کعدد النجوم)(١) .

وفي الرواية عن النبي صلی الله عليه وآله قال : (الا ولعن الله قتلة الحسين عليه السّلام ومحبيهم وناصريهم والساکتين عن لعنهم من غير تقية تستکهم)(٢) .

__________________

الله عزّ وجل استجاب الله له کما استجاب لزکريا عليه السلام، ثم قال : يا ابن شبيب ان المحرم هو الشهر الذي کان أهل الجاهلية فيما مضي يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته فما عرفت هذه الامة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها، لقد قتلوافي هذا الشهر ذريته وسبوا نساءه وانتهبوا ثقله فلا غفرالله لهم ذللک ابدا، ياابن شبيب ان کنت باکين لشيء فابک للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام فانه ذبح کما يذبح الکبش وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الارض شبيهون ولقد بکت السماوات سبع والارضون لقتله ولقد نزل إلى الارض من الملائکة اربعة الاف لنصره فوجدوه قد قتل فهم عند قبره شعث غبر إلى أنْ يقوم القائم فيکونون من أنصاره وشعارهم يا لثارات الحسين، ياابن شبيب لقد حدثني أبي عن أبيه عن جده انه لما قتل جدي الحسين امطرت السماء دما وترابا احمر، يا ابن شبيب ان بکيت علی الحسين حتی تصير دموعک علی خديک غفرالله لك کل ذنب عليك فزر الحسين عليه السلام، ياابن شبيب ان سرک ان تسکن الغرف المبنية في الجنة مع النبي صلی الله عليه وآله فلعن قتلة الحسين، ياابن شبيب ان سرک ان يکون لك من الثواب مثل مثل ما لمن استشهد مع الحسين فقل متی ما ذکرته : ياليتني کنت معهم فافوز فوزا عظيما، ياابن شبيب ان سرک ان تکون معنا في الدرجات العلی من الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا وعليک بولايتنا فلو ان رجلا تولی حجرا لحشره الله معه يوم القيامة).

١ ـ راجع البحار ج ٤٤، ص ٢٩٩ الرواية ٢ ـ الباب ٣٦

٢ ـ البحار ج ٤٤، ص ٣٠٤، الرواية ١٧ ـ الباب ٣٦، واليک نص الرواية :

٩٨

وهذا يوم فرحت به آل زياد وآل مروان بقتلهم الحسين

صلوات الله عليه ،

ونسخة الکامل(١) خالية عن هذه الفرقة ولکنها موجودة في اثر الکتب، وحکايات فرحهم بقتل الحسين عليه السلام سيما حين ورود أهل بيته الکوفة مشهورة مسطورة في کتب المقاتل(٢) . لعنهم الله فقد حمدوا الله وشکروه علی قتله بقولهم لأهل البيت عليهم السلام : الحمد لله الذي قتلکم وأهلککم وأراح البلاد من رجالکم وأمکن أمير المؤمنين يزيد منکم : وقال ابن زياد لزينب عليها السلام : الحمد لله الذي فضحکم وأکذب أحدوثتکم، وقال لما صعد المنبر : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين وأشياعه وقتل الکذاب ابن الکذاب(٣) .

__________________

قال رسول الله صلی الله عليه وآله : لما نزلت : (واذا اخذنا ميثاقکم لا تسفکون) الاية في اليهود أي الذين نقضوا عهد الله وکذبوا رسل الله وقتلوا اولياء الله، افلا انبئکم بمن يضاهيهم من يهود هذه الامة؟ قالوا : بلی يا رسول الله، قال : قوم من امتي ينتحلون انهم من أهل ملتي يقتلون افاضل ذريتي واطائب ارومتي يبدلون شريعتي وسنتي ويقتلون ولدي الحسن والحسين کما قتل اسلاف اليهود زکريا ويحيی، الا وان الله يلعنهم وکما لعنهم ويبعث علی بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف اوليائه إلى نار جهنم، الا لعن الله قتلة الحسين عليهم السلام ومحبيهم وناصريهم والساکتين عن لعنهم من غير تقية يسکتهم الا وصلی الله علی الباکين علی الحسين رحمة وشفقة والاعنين لاعدائهم والممتلئين عليهم غيظا وحنقا، الا وان الراضين بقتل الحسين شرکاء قتلته، الا وان قتلته واعوانهم واشياعهم والمقتدين بهم براء من دين الله.

١ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٧٨، ط : النجف.

٢ ـ راجع الدمعة الساکبة ومقتل المقرمص ٣١٠، واللهوف ص ٨١.

٣ ـ اللهوف لابن طاووس ص ٢٠١ ـ ٢٠٣، مقتل المقرم ص ٣٢٤ ـ ٣٢٧.

٩٩

أللّهم فضاعف عليهم اللعن منك والعذاب الاليم.

أللّهم اني اتقرب إليك في هذا اليوم، وفي موقفي هذا ،

وأيّام حياتي، بالبراءة منهم، واللعنة عليهم، وبالموالاة

لنبيّك وآل نبيّك عليه وعليهم السّلام.

وفي الکامل(١) : (أللّهم فضاعف عليهم اللعنة أبدا بقتلهم(٢) الحسين اني اتقرب إليك في هذا اليوم في موقفي هذا وأيّام حياتي بالبراءة منهم وباللعن عليهم وبالموالاة لنبيك واهل بيت نبيك صلی الله عليه ...).

دعا عليهم بمضاعفة اللعن والعذاب ليکون عذابهم مثل عذاب جميع أهل النار، لما روي عن النبي صلّی الله عليه وآله انه قال : (إنَّ قاتل الحسين بن علي عليه السّلام في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا، وقد شد يداه ورجلاه بسلاسل من نار منکس في النار حتی يقع في قعر جهنم وله ريح يتعوّذ أهل النار إلى ربهم من شدة نتنه، وهو فيها خالد ذائق العذاب الاليم مع جميع من شايع علی قتله، کلّما نضجت جلودهم بدّل الله عليهم الجلود حتّی يذوقوا العذاب الاليم، لا يفتر عنهم ساعة ويسقون من حميم جهنّم، فالويل لهم لهم عذاب النار)(٣) .

وفي رواية عنه صلّی الله عليه وآله قال : (إنَّ في النار منزلة لم يکن يستحقها أحد من الناس إلّا بقتل الحسين بن علي ويحيی بن زکريا)(٤) .

__________________

١ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٧٨.

٢ ـ في الاصل (لقتلهم).

٣ ـ راجع البحار ج ٤٥، ص ٣١٤، الرواية ١٤، الباب ٤٦.

٣ ـ اخرجها المجلسي في البحار ج ٤٤، ص ٣٠١، باب ٣٦، ط : طهران.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118