شرح زيارة عاشوراء

شرح زيارة عاشوراء33%

شرح زيارة عاشوراء مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-94216-2-9
الصفحات: 118

شرح زيارة عاشوراء
  • البداية
  • السابق
  • 118 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 58063 / تحميل: 6231
الحجم الحجم الحجم
شرح زيارة عاشوراء

شرح زيارة عاشوراء

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٤٢١٦-٢-٩
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ممّا لم يكن يظنّ بالسابقين الأوّلين أن يبتلوا به على أنّ بعضهم ابتلي ببعضها بعد.

الثالث: أنّ الآية بما لها من السياق المؤيّد بإشعار المقام إنّما تنهى عن الركون إلى الّذين ظلموا فيما هم فيه ظالمون أي بناء المسلمين دينهم الحقّ أو حياتهم الدينيّة على شي‏ء من ظلمهم و هو أن يراعوا في قولهم الحقّ و عملهم الحقّ جانب ظلمهم و باطلهم حتّى يكون في ذلك إحياء للحقّ بسبب إحياء الباطل، و مآله إلى إحياء حقّ بإماتة حقّ آخر كما تقدّمت الإشارة إليه.

و أمّا الميل إلى شي‏ء من ظلمهم و إدخاله في الدين أو إجراؤه في المجتمع الإسلاميّ أو في ظرف الحياة الشخصيّة فليس من الركون إلى الظالمين بل هو دخول في زمرة الظالمين.

و قد اختلط هذا الأمر على كثير من المفسّرين فأوردوا في المقام أبحاثاً لا تمسّ الآية أدنى مسّ، و قد أغمضنا عن إيرادها و البحث في صحّتها و سقمها إيثاراً للاختصار و من أراد الوقوف عليها فليراجع تفاسيرهم.

قوله تعالى: ( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) إلخ، طرفا النهار هو الصباح و المساء و الزلف جمع زلفى كقرب جمع قربى لفظا و معنى على ما قيل، و هو وصف سادّ مسدّ موصوفه كالساعات و نحوها، و التقدير و ساعات من اللّيل أقرب من النهار.

و المعنى أقم الصلاة في الصباح و المساء و في ساعات من الليل هي أقرب من النهار، و ينطبق من الصلوات الخمس اليوميّة على صلاة الصبح و العصر و هي صلاة المساء و المغرب و العشاء الآخرة، وقتهما زلف من الليل كما قاله بعضهم، أو على الصبح و المغرب و وقتهما طرفا النهار و العشاء الآخرة و وقتها زلف من الليل كما قاله آخرون، و قيل غير ذلك.

لكنّ البحث لمّا كان فقهيّا كان المتّبع فيه ما ورد عن النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و أئمّة أهل بيته (عليه السلام) من البيان، و سيجي‏ء في البحث الروائيّ الآتي إن شاء الله تعالى.

و قوله:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) تعليل لقوله:( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ ) و

٦١

بيان أنّ الصلوات حسنات واردة على نفوس المؤمنين تذهب بآثار المعاصي و هي ما تعتريها من السيّئات، و قد تقدّم كلام في هذا الباب في مسألة الحبط في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

و قوله:( ذلِكَ ذِكْرى‏ لِلذَّاكِرِينَ ) أي هذا الّذي ذكر و هو أنّ الحسنات يذهبن السيّئات على رفعة قدرة تذكار للمتلبّسين بذكر الله تعالى من عباده.

قوله تعالى: ( وَ اصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) ثمّ أمره (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) بالصبر بعد ما أمره بالصلاة كما جمع بينهما في قوله:( وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ ) البقرة: ٤٥ و ذلك أنّ كلّا منهما في بابه من أعظم الأركان أعني الصلاة في العبادات، و الصبر في الأخلاق و قد قال تعالى في الصلاة:( وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ) العنكبوت: ٤٥ و قال في الصبر:( إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) الشورى: ٤٣.

و اجتماعهما أحسن وسيلة يستعان بها على النوائب و المكاره فالصبر يحفظ النفس عن القلق و الجزع و الانهزام، و الصلاة توجّهها إلى ناحية الربّ تعالى فتنسى ما تلقاه من المكاره، و قد تقدّم بيان في ذلك في تفسير الآية ٤٥ من سورة البقرة في الجزء الأوّل من الكتاب.

و إطلاق الأمر بالصبر يعطي أنّ المراد به الأعمّ من الصبر على العبادة و الصبر عن المعصية و الصبر عند النائبة، و على هذا يكون أمرا بالصبر على جميع ما تقدّم من الأوامر و النواهي أعني قوله:( فَاسْتَقِمْ ) ( وَ لا تَطْغَوْا ) ( وَ لا تَرْكَنُوا ) ( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ ) .

لكن إفراد الأمر و تخصيصه بالنبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) يفيد أنّه صبر في أمر يختصّ به و إلّا قيل: و( اصبروا ) جرياً على السياق، و هذا يؤيّد قول من قال: إنّ المراد اصبر على أذى قومك في طريق دعوتك إلى الله سبحانه و ظلم الظالمين منهم، و أمّا قوله:( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ ) فإنّه ليس أمراً بما يخصّه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) من الصلاة بل أمر بإقامته الصلاة بمن تبعه من المؤمنين جماعة فهو أمر لهم جميعا بالصلاة فافهم ذلك.

و قوله:( فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) تعليل للأمر بالصبر.

٦٢

قوله تعالى: ( فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ ) إلخ لو لا بمعنى هلّا و إلّا يفيد التعجيب و التوبيخ، و المعنى هلّا كان من القرون الّتي كانت من قبلكم و قد أفنيناها بالعذاب و الهلاك اُولوا بقيّة أي قوم باقون ينهون عن الفساد في الأرض ليصلحوا بذلك فيها و يحفظوا اُمّتهم من الاستئصال.

و قوله:( إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ ) استثناء من معنى النفي في الجملة السابقة فإنّ المعنى: من العجب أنّه لم يكن من القرون الماضية مع ما رأوا من آيات الله و شاهدوا من عذابه بقايا ينهون عن الفساد في الأرض إلّا قليلاً ممّن أنجينا من العذاب و الهلاك منهم فإنّهم كانوا ينهون عن الفساد.

و قوله:( وَ اتَّبَعَ الّذينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَ كانُوا مُجْرِمِينَ ) بيان حال الباقي منهم بعد الاستثناء و هم أكثرهم و عرّفهم بأنّهم الّذين ظلموا و بيّن أنّهم اتّبعوا لذائذ الدنيا الّتي اُترفوا فيها و كانوا مجرمين.

و قد تحصّل بهذا الاستثناء و هذا الباقي الّذي ذكر حالهم تقسيم الناس إلى صنفين مختلفين: الناجون بإنجاء الله و المجرمون و لذلك عقّبه بقوله:( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) .

قوله تعالى: ( وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى‏ بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ ) أي لم يكن من سنّته تعالى إهلاك القرى الّتي أهلها مصلحون لأنّ ذلك ظلم و لا يظلم ربّك أحداً فقوله:( بِظُلْمٍ ) قيد توضيحيّ لا احترازيّ، و يفيد أنّ سنّته تعالى عدم إهلاك القرى المصلحة لكونه من الظلم( وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) .

قوله تعالى: ( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ - إلى قوله -أَجْمَعِينَ ) الخلف خلاف القدّام و هو الأصل فيما اشتقّ من هذه المادّة من المشتقّات يقال: خلف أباه أي سدّ مسدّه لوقوعه بعده، و أخلف وعده أي لم يف به كأنّه جعله خلفه، و مات و خلف ابنا أي تركه خلفه، و استخلف فلانا أي طلب منه أن ينوب عنه بعد غيبته أو موته أو بنوع من العناية كاستخلاف الله

٦٣

تعالى آدم و ذرّيّته في الأرض، و خالف فلان فلانا و تخالفا إذا تفرّقا في رأي أو عمل كأنّ كلّا منهما يجعل الآخر خلفه، و تخلّف عن أمره إذا أدبر و لم يأتمر به، و اختلف القوم في كذا إذا خالف بعضهم بعضا فيه فجعله خلفه، و اختلف القوم إلى فلان إذا دخلوا عليه واحداً بعد واحد، و اختلف فلان إلى فلان إذا دخل عليه مرّات كلّ واحدة بعد اُخرى.

ثمّ الاختلاف و يقابله الاتّفاق من الاُمور الّتي لا يرتضيها الطبع السليم لما فيه من تشتيت القوى و تضعيفها و آثار اُخرى غير محمودة من نزاع و مشاجرة و جدال و قتال و شقاق كلّ ذلك يذهب بالأمن و السلام غير أنّ نوعاً منه لا مناص منه في العالم الإنسانيّ و هو الاختلاف من حيث الطبائع المنتهية إلى اختلاف البنى فإنّ التركيبات البدنيّة مختلفة في الأفراد و هو يؤدّي إلى اختلاف الاستعدادات البدنيّة و الروحيّة و بانضمام اختلاف الأجواء و الظروف إلى ذلك يظهر اختلاف السلائق و السنن و الآداب و المقاصد و الأعمال النوعيّة و الشخصيّة في المجتمعات الإنسانيّة، و قد أوضحت الأبحاث الاجتماعيّة أن لو لا ذلك لم يعش المجتمع الإنسانيّ و لا طرفة عين.

و قد ذكره الله تعالى في كتابه و نسبه إلى نفسه حيث قال:( نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ) الزخرف: ٣٢. و لم يذمّه تعالى في شي‏ء من كلامه إلّا إذا صحب هوى النفس و خالف هدى العقل.

و ليس منه الاختلاف في الدين فإنّ الله سبحانه يذكر أنّه فطر الناس على معرفته و توحيده و سوّى نفس الإنسان فألهمها فجورها و تقواها، و أنّ الدين الحنيف هو من الفطرة الّتي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، و لذلك نسب الاختلاف في الدين في مواضع من كلامه إلى بغي المختلفين فيه و ظلمهم( فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) .

و قد جمع الله الاختلافين في قوله:( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ

٦٤

مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ - و هذا هو الاختلاف الأوّل في الحياة و المعيشة - و ما اختلف فيه - و هذا هو الاختلاف الثاني في الدين -إِلَّا الّذينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الّذينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ) البقرة: ٢١٣ فهذا ما يعطيه كلامه تعالى في معنى الاختلاف.

و الّذي ذكره بقوله:( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ) يريد به رفع الاختلاف من بينهم و توحيدهم على كلمة واحدة يتّفقون فيه، و من المعلوم أنّه ناظر إلى ما ذكره تعالى في الآيات السابقة على هذه الآية من اختلافهم في أمر الدين و انقسامهم إلى طائفة أنجاهم الله و هم قليل و طائفة اُخرى و هم الّذين ظلموا.

فالمعنى أنّهم و إن اختلفوا في الدين فإنّهم لم يعجزوا الله بذلك و لو شاء الله لجعل الناس اُمّة واحدة لا يختلفون في الدين فهو نظير قوله:( وَ عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) النحل: ٩ و قوله:( أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الّذينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيع ) الرعد: ٣١.

و على هذا فقوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) إنّما يعني به الاختلاف في الدين فحسب فإنّ ذلك هو الّذي يذكر لنا أن لو شاء لرفعه من بينهم، و الكلام في تقدير: لو شاء الله لرفع الاختلاف من بينهم لكنه لم يشأ ذلك فهم مختلفون دائما.

على أنّ قوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) يصرّح أنّه رفعه عن طائفة رحمهم، و الاختلاف في غير الدين لم يرفعه الله تعالى حتّى عن الطائفة المرحومة، و إنّما رفع عنهم الاختلاف الدينيّ الّذي يذمّه و ينسبه إلى البغي بعد العلم بالحقّ.

و قوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) استثناء من قوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) أي الناس يخالف بعضهم بعضا في الحقّ أبداً إلّا الّذين رحمهم الله فإنّهم لا يختلفون في الحقّ و لا يتفرّقون عنه، و الرحمة هي الهداية الإلهيّة كما يفيده قوله:( فَهَدَى اللَّهُ الّذينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ) البقرة: ٢١٣.

فإن قلت: معنى اختلاف الناس أن يقابل بعضهم بعضا بالنفي و الإثبات

٦٥

فيصير معنى قوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) أنّهم منقسمون دائماً إلى محقّ و مبطل، و لا يصحّ حينئذ ورود الاستثناء عليه إلّا بحسب الأزمان دون الأفراد و ذلك أنّ انضمام قوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) إليه يؤوّل المعنى إلى مثل قولنا: إنّهم منقسمون دائماً إلى مبطلين و محقّين إلّا من رحم ربّك منهم فإنّهم لا ينقسمون إلى قسمين، بل يكونون محقّين فقط، و من المعلوم أنّ المستثنين منهم هم المحقّون فيرجع معنى الكلام إلى مثل قولنا: إنّ منهم مبطلين و محقّين و المحقّون محقّون لا مبطل فيهم، و هذا كلام لا فائدة فيه.

على أنّه لا معنى لاستثناء المحقّين من حكم الاختلاف أصلاً و هم من الناس المختلفين، و الاختلاف قائم بهم و بالمبطلين معا.

قلت: الاختلاف المذكور في هذه الآية و سائر الآيات المتعرّضة له الذامّة لأهله إنّما هو الاختلاف في الحقّ و مخالفة البعض للبعض في الحقّ و إن كانت توجب كون بعض منهم على الحقّ و على بصيرة من الأمر لكنّه إذا نسب إلى المجموع و هو المجتمع كان لازمه ارتياب المجتمع و تفرّقهم عن الحقّ و عدم اجتماعهم عليه و تركهم إيّاه بحياله، و مقتضاه اختفاء الحقّ عنهم و ارتيابهم فيه.

و الله سبحانه إنّما يذمّ الاختلاف من جهة لازمة هذا و هو التفرّق و الإعراض عن الحقّ و الآيات تشهد بذلك فإنّه تعالى يذمّ فيها جميع المختلفين باختلافهم لا المبطلين من بينهم فلو لا أنّ المراد بالمختلفين أهل الآراء أو الأعمال المختلفة الّتي تفرّقهم عن الحقّ لم يصحّ ذلك.

و من أحسن ما يؤيّده قوله تعالى:( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الّذي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ وَ عِيسى‏ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) الشورى: ١٣ حيث عبّر عن الاختلاف بالتفرّق، و كذا قوله:( وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) الأنعام: ١٥٣ و هذا أوضح دلالة من سابقه فإنّه يجعل أهل الحقّ الملازمين لسبيله خارجا من أهل التفرّق و الاختلاف.

٦٦

و لذلك ترى أنّه سبحانه في غالب ما يذكر اختلافهم في الكتاب يردفه بارتيابهم فيه كقوله فيما مرّ من الآيات:( وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ) آية: ١١٠ من السورة و قد كرّر هذا المعنى في مواضع من كلامه.

و قال تعالى:( عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الّذي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ) النبأ: ٣ أي يأتي فيه كلّ بقول يبعّدهم من الحقّ فيتفرّقون و قال:( إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ) الذاريات: ١٠ أي قول لا يقف على وجه و لا يبتني على علم بل الخرص و الظنّ هو الّذي أوجده فيكم.

و في هذا المعنى قوله تعالى:( يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) آل عمران: ٧١ فإنّ هذا اللبس المذموم منهم إنّما كان بإظهار قول يشبه الحقّ و ليس به و هو إلقاء التفرّق الّذي يختفي به الحقّ.

فالمراد باختلافهم إيجادهم أقوالا و آراء يتفرّقون بها عن الحقّ و يظهر بها الريب فهم لاتّباعهم أهواءهم المخالفة للحقّ يظهرون آراءهم الباطلة في صور متفرّقة تضاهي صورة الحقّ ليحجبوه عن أفهام الناس بغيا و عدوانا بعد علمهم بالحقّ فهو اختلافهم في الحقّ بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم.

و يتبيّن بما تقدّم على طوله أنّ الإشارة بقوله:( وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) إلى الرحمة المدلول عليه بقوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) و التأنيث اللفظي في لفظ الرحمة لا ينافي تذكير اسم الإشارة لأنّ المصدر جائز الوجهين، قال تعالى:( إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) الأعراف: ٥٦ و ذلك لأنّك عرفت أنّ هذا الاختلاف بغي منهم يفرّقهم عن الحقّ و يستره و يظهر الباطل و لا يجوز كون الباطل غاية حقيقيّة للحقّ تعالى في خلقه، و لا معنى لأن يوجد الله سبحانه العالم الإنسانيّ ليبغوا و يميتوا الحقّ و يحيوا الباطل فيهلكهم ثمّ يعذّبهم بنار خالدة، فالقرآن الكريم يدفع هذا بجميع بياناته.

على أنّ سياق الآيات - مع الغضّ عمّا ذكر - يدفع ذلك فإنّها في مقام بيان

٦٧

أنّ الله تعالى يدعو الناس برأفته و رحمته إلى ما فيه خيرهم و سعادتهم من غير أن يريد بهم ظلما و لا شرّا، و لكنّهم بظلمهم و اختلافهم في الحقّ يستنكفون عن دعوته، و يكذّبون بآياته، و يعبدون غيره، و يفسدون في الأرض فيستحقّون العذاب، و ما كان ربّك ليهلك القرى بظلم و أهلها مصلحون، و لا أن يخلقهم ليبغوا و يفسدوا فيهلكهم فالّذي منه هو الرحمة و الهداية، و الّذي من بغيهم و اختلافهم و ظلمهم يرجع إليهم أنفسهم، و هذا هو الّذي يعطيه سياق الآيات.

و كون الرحمة أعني الهداية غاية مقصودة في الخلقة إنّما هو لاتّصالها بما هو الغاية الأخيرة و هو السعادة كما في قوله حكاية عن أهل الجنّة:( وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الّذي هَدانا لِهذا ) الأعراف: ٤٣ و هذا نظير عدّ العبادة غاية لها لاتّصالها بالسعادة في قوله:( وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات: ٥٦.

و قوله:( وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ ) أي حقّت كلمته تعالى و أخذت مصداقها منهم بما ظلموا و اختلفوا في الحقّ من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم، و الكلمة هي قوله:( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ ) إلخ.

و الآية نظيره قوله:( وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ ) الم السجدة: ١٣ و الأصل في هذه الكلمة ما ألقاه الله تعالى إلى إبليس لعنه الله إذ قال:( فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ) ص: ٨٥ و الآيات متّحدة المضمون يفسّر بعضها بعضا.

هذه جملة ما يعطيه التدبّر في معنى الآيتين و قد تلخّص بذلك:

أوّلا أنّ المراد بقوله:( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ) توحيدهم برفع التفرّق و الخلاف من بينهم و قيل: إنّ المراد هو الإلجاء إلى الإسلام و رفع الاختيار لكنّه ينافي التكليف و لذلك لم يفعل و نسب إلى قتادة، و قيل: المعنى لو شاء لجمعكم في الجنّة لكنّه أراد بكم أعلى الدرجتين لتدخلوه بالاكتساب ثوابا لأعمالكم، و نسب إلى أبي مسلم. و أنت خبير بأنّ سياق الآيات لا يساعد على شي‏ء

٦٨

من المعنيين.

و ثانياً: أنّ المراد بقوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) دوامهم على الاختلاف في الدين و معناه التفرّق عن الحقّ و ستره بتصويره في صور متفرّقة باطلة تشبه الحقّ. و قال بعضهم: هو الاختلاف في الأرزاق و الأحوال و بالجملة الاختلاف غير الدينيّ و نسب إلى الحسن. و قد عرفت أنّه أجنبيّ من سياق الآيات السابقة. و قال آخرون: إنّ معنى( مُخْتَلِفِينَ ) يخلف بعضهم بعضا في تقليد أسلافهم و تعاطي باطلهم، و هو كسابقه أجنبيّ من مساق الآيات و فيها قوله:( وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ) الآية.

و ثالثاً: أنّ المراد بقوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ ) إلّا من هداه الله من المؤمنين.

و رابعاً: أنّ الإشارة بقوله:( وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) إلى الرحمة و هي الغاية الّتي أرادها الله من خلقه ليسعدوا بذلك سعادتهم. و ذكر بعضهم. أنّ المعنى خلقهم للاختلاف و نسب إلى الحسن و عطاء. و قد عرفت أنّه سخيف رديّ جدّاً نعم لو جاز عود ضمير( خلقهم ) إلى الباقي من الناس بعد الاستثناء جاز عدّ الاختلاف غاية لخلقهم و كانت الآية قريبة المضمون من قوله:( وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ ) الآية الأعراف: ١٧٩.

و ذكر آخرون: أنّ الإشارة إلى مجموع ما يدلّ عليه الكلام من مشيّته تعالى في خلقهم مستعدّين للاختلاف و التفرّق في علومهم و معارفهم و آرائهم و شعورهم و ما يتبع ذلك من إرادتهم و اختيارهم في أعمالهم و من ذلك الدين و الإيمان و الطاعة و العصيان، و بالجملة الغاية هو مطلق الاختلاف أعمّ ممّا في الدين أو في غيره.

و نسب إلى ابن عبّاس بناء على ما روي عنه أنّه قال: خلقهم فريقين فريقا يرحم فلا يختلف، و فريقا لا يرحم فيختلف، و إلى مالك بن أنس إذ قال في معنى الآية: خلقهم ليكون فريق في الجنّة و فريق في السعير، و قد عرفت ما فيه من وجوه السخافة فلا نطيل بالإعادة.

و خامساً: أنّ المراد بتمام الكلمة هو تحقّقها و أخذها مصداقها.

٦٩

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ إِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ ) الآية قال: قال (عليه السلام): في القيامة.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم و أبوالشيخ عن الحسن قال: لمّا نزلت هذه الآية:( فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ مَنْ تابَ مَعَكَ ) قال: شمّروا شمّروا فما رؤي ضاحكا.

و في المجمع في قوله تعالى:( فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ) الآية قال ابن عبّاس: ما نزل على رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) آية كانت أشدّ عليه و لا أشقّ من هذه الآية، و لذلك‏ قال لأصحابه حين قالوا له: أسرع إليك الشيب يا رسول الله. شيّبتني هود و الواقعة.

أقول: و الحديث مشهور في بعض الألفاظ شيّبتني هود و أخواتها، و عدم اشتمال الواقعة على ما يناظر قوله:( فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ) الآية يبعّد أن تكون إليه الإشارة في الحديث، و المشترك فيه بين السورتين حديث القيامة و الله أعلم.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ لا تَرْكَنُوا ) الآية قال: قال (عليه السلام): ركون مودّة و نصيحة و طاعة.

أقول: و رواه أيضاً في المجمع، مرسلا عنهم (عليه السلام).

و في تفسير العيّاشيّ، عن عثمان بن عيسى عن رجل عن أبي عبدالله (عليه السلام):( وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الّذينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) قال: أمّا إنّه لم يجعلها خلودا و لكن( فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) فلا تركنوا إليهم.

أقول: أي و لكن قال: تمسّكم النار فجعله مسّاً.

و فيه عن جرير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) و طرفاه المغرب و الغداة( وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) و هي صلاة العشاء الآخرة.

و في التهذيب، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): في حديث في الصلوات

٧٠

الخمس اليوميّة: و قال تعالى في ذلك( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) و هي صلاة العشاء الآخرة.

أقول: الحديث لا يخلو من ظهور في تفسير طرفي النهار بما قبل الظهر و ما بعدها ليشمل أوقات الخمس.

و في المعاني، بإسناده عن إبراهيم بن عمر عمّن حدّثه عن أبي عبدالله (عليه السلام): في قول الله عزّوجلّ:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) قال: صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب النهار:.

أقول: و الحديث مرويّ في الكافي، و تفسير العيّاشيّ، و أمالي المفيد، و أمالي الشيخ.

و في المجمع، عن الواحديّ بإسناده عن حمّاد بن سلمة عن عليّ بن زيد عن أبي عثمان قال: كنت مع سلمان تحت شجرة فأخذ غصنا يابساً منها فهزّه حتّى تحاتّ ورقه ثمّ قال: يا أباعثمان ألا تسألني لم أفعل هذا؟ قلت: و لم تفعله؟ قال: هكذا فعله رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و أنا معه تحت شجرة فأخذ منها غصنا يابسا فهزّه حتّى تحاتّ ورقه، ثمّ قال: ألا تسألني يا سلمان لم أفعل هذا؟ قلت: و لم فعلته؟ قال: إنّ المسلم إذا توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ صلّى الصلوات الخمس تحاتت خطاياه كما تحاتّ هذا الورق. ثمّ قرأ هذه الآية: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ إلى آخرها.

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، عن الطيالسيّ و أحمد و الدارميّ و ابن جرير و الطبرانيّ و البغوي في معجمه، و ابن مردويه غير مسلسل.

و فيه، عنه بإسناده عن الحارث عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: كنّا مع رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) في المسجد ننتظر الصلاة فقام رجل فقال: يا رسول الله إنّي أصبت ذنبا، فأعرض عنه فلمّا قضى النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) الصلاة قام الرجل فأعاد القول فقال النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): أ ليس قد صلّيت معنا هذه الصلاة و أحسنت لها الطهور؟ قال: بلى. قال: فإنّها كفّارة ذنبك.

أقول: و الرواية مرويّة بطرق كثيرة عن ابن مسعود و أبي أمامة و معاذ بن

٧١

جبل و ابن عبّاس و بريدة و واثلة بن الأسقع و أنس و غيرهم و في سرد القصّة اختلاف مّا في ألفاظهم، و رواه الترمذيّ و غيره عن أبي اليسر و هو صاحب القصّة.

و في تفسير العيّاشيّ، عن أبي حمزة الثماليّ قال: سمعت أحدهما (عليهما السلام) يقول: إنّ عليّا (عليه السلام) أقبل على الناس فقال: أيّ آية في كتاب الله أرجى عندكم؟ فقال بعضهم:( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) قال: حسنة و ليست إيّاها. فقال بعضهم:( يا عِبادِيَ الّذينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) قال: حسنة و ليست إيّاها. و قال بعضهم:( وَ الّذينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ) قال: حسنة و ليست إيّاها.

قال: ثمّ أحجم الناس فقال: ما لكم يا معشر المسلمين؟ قالوا: لا و الله ما عندنا شي‏ء. قال: سمعت رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) يقول: أرجى آية في كتاب الله:( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) و قرأ الآية كلّها، و قال: يا عليّ و الّذي بعثني بالحقّ بشيرا و نذيرا إنّ أحدكم ليقوم إلى وضوئه فتساقط من جوارحه الذنوب فإذا استقبل بوجهه و قلبه لم ينفتل عن صلاته و عليه من ذنوبه شي‏ء كما ولدته اُمّه فإذا أصاب شيئاً بين الصلاتين كان له مثل ذلك حتّى عدّ الصلوات الخمس.

ثمّ قال: يا عليّ إنّما منزلة الصلوات الخمس لاُمّتي كنهر جار على باب أحدكم فما ظنّ أحدكم لو كان في جسده درن ثمّ اغتسل في ذلك النهر خمس مرّات في اليوم؟ أ كان يبقى في جسده درن؟ فكذلك و الله الصلوات الخمس لاُمّتي.

أقول: و قد روي المثل المذكور في آخر الحديث من طرق أهل السنّة عن عدّة من الصحابة كأبي هريرة و أنس و جابر و أبي سعيد الخدريّ عنه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم).

و فيه، عن إبراهيم الكرخي قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) فدخل عليه رجل من أهل المدينة فقال له أبو عبدالله (عليه السلام): يا فلان من أين جئت؟ قال: و لم يقل في جوابه، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): جئت من هنا و هاهنا. انظر بما تقطع به يومك فإنّ معك ملكا موكّلا يحفظ و يكتب ما تعمل فلا تحتقر سيّئة و إن كانت صغيرة فإنّها ستسوؤك يوما، و لا تحتقر حسنة فإنّه ليس شي‏ء أشدّ طلبا من الحسنة

٧٢

إنّها تدرك الذنب العظيم القديم فتحذفه و تسقطه و تذهب به بعدك، و ذلك قول الله( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى‏ لِلذَّاكِرِينَ )

و فيه، عن سماعة بن مهران قال: سأل أباعبدالله (عليه السلام) رجل من أهل الجبال عن رجل أصاب مالاً من أعمال السلطان فهو يتصدّق منه و يصل قرابته و يحجّ ليغفر له ما اكتسب، و هو يقول:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) . فقال أبوعبدالله (عليه السلام): إنّ الخطيئة لا تكفّر الخطيئة و لكن الحسنة تكفّر الخطيئة.

ثمّ قال أبوعبدالله (عليه السلام): إن خلط الحلال حراما فاختلطا جميعا فلم يعرف الحلال من الحرام فلا بأس.

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و الطبرانيّ عن أبي أمامة قال: قال رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): ما من امرء مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيقوم فيتوضّأ فيحسن الوضوء و يصلّي فيحسن الصلاة إلّا غفرت له ما بينها و بين الصلاة الّتي كانت قبلها من ذنوبه.

أقول: و الروايات في هذا الباب كثيرة من أراد استقصاءها فليراجع جوامع الحديث.

و فيه، أخرج الطبرانيّ و أبوالشيخ و ابن مردويه و الديلميّ عن جرير قال: سمعت رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) يسأل عن تفسير هذه الآية:( وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى‏ بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ ) فقال رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): و أهلها ينصف بعضهم بعضا.

و في الكافي، بإسناده عن عبدالله بن سنان قال: سئل أبوعبدالله (عليه السلام) عن قول الله تعالى:( وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) فقال: كانوا اُمّة واحدة فبعث الله النبيّين ليتّخذ عليهم الحجّة.

أقول: و رواه الصدوق في المعاني، عنه (عليه السلام) مثله.

و في المعاني، بإسناده عن أبي بصير قال: سألت أباعبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزّوجلّ:( وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) قال: خلقهم ليأمرهم بالعبادة، قال: و سألته عن قوله عزّوجلّ:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) قال: خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم.

٧٣

و في تفسير القمّيّ عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) يعني آل محمد و أتباعهم يقول الله:( وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) يعني أهل الرحمة لا يختلفون في الدين.

و في تفسير العيّاشيّ، عن يعقوب بن سعيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله:( وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) قال: خلقهم للعبادة. قال: قلت: قوله:( وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) قال: نزلت هذه بعد تلك.

أقول: يشير إلى كون الآية الثانية أعني قوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) لكونها خاصّة ناسخة للآية الاُولى العامّة، و قد تقدّم في الكلام على النسخ أنّه في عرفهم (عليه السلام) أعمّ ممّا اصطلح عليه علماء الاُصول، و الآيات الخاصّة التكوينيّة ظاهرة في حكمها على الآيات العامّة فإنّ العوامل و الأسباب الخاصّة أنفذ حكما من العامّة فافهمه.

٧٤

( سورة هود الآيات ١٢٠ - ١٢٣)

وَكُلّاً نَقُصّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرّسُلِ مَا نُثَبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى‏ لِلْمُؤْمِنِينَ( ١٢٠) وَقُل لِلّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى‏ مَكَانَتِكُمْ إِنّا عَامِلُونَ( ١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ( ١٢٢) وَللّهِ‏ِ غَيْبُ السّماوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبّكَ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ( ١٢٣)

( بيان‏)

الآيات تلخّص للنبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) القول في غرض السورة المسرودة له آياتها، و تنبّؤه أنّ السورة تبيّن له حقّ القول في المبدأ و المعاد و سنّة الله الجارية في عباده فهي بالنسبة إلى النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) تعليم للحقّ، و بالنسبة إلى المؤمنين موعظة و ذكرى، و بالنسبة إلى الكافرين المستنكفين عن الإيمان قطع خصام، فقل لهم آخر ما تحاجّهم: اعملوا بما ترون و نحن عاملون بما نراه، و ننتظر جميعا صدق ما قصّ الله علينا من سنّته الجارية في خلقه من إسعاد المصلحين و إشقاء المفسدين، و تختم بأمره (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) بعبادته و التوكّل عليه لأنّ الأمر كلّه إليه.

قوله تعالى: ( وَ كُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ ) إلى آخر الآية أي و كلّ القصص نقصّ عليك تفصيلاً أو إجمالاً، و قوله:( مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ) بيان لما اُضيف إليه كلّ، و قوله:( ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ ) عطف بيان للأنباء اُشير به إلى فائدة القصص بالنسبة إليه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و هو تثبيت فؤاده و حسم مادّة القلق و الاضطراب منه.

٧٥

و المعنى نقصّ عليك أنباء الرسل لنثبّت به فؤادك و نربط جأشك في ما أنت عليه من سلوك سبيل الدعوة إلى الحقّ، و النهضة على قطع منابت الفساد، و المحنة من أذى قومك.

ثمّ ذكر تعالى من فائدة السورة ما يعمّه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و قومه مؤمنين و كافرين فقال فيما يرجع إلى النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) من فائدة نزول السورة:( وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ ) و الإشارة إلى السورة أو إلى الآيات النازلة فيها أو الإنباء على وجه، و مجي‏ء الحقّ فيها هو ما بيّن الله تعالى في ضمن القصص و قبلها و بعدها من حقائق المعارف في المبدأ و المعاد و سنّته تعالى الجارية في خلقه بإرسال الرسل و نشر الدعوة ثمّ إسعاد المؤمنين في الدنيا بالنجاة، و في الآخرة بالجنّة، و إشقاء الظالمين بالأخذ في الدنيا و العذاب الخالد في الآخرة.

و قال فيما يرجع إلى المؤمنين:( وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرى‏ لِلْمُؤْمِنِينَ ) فإنّ فيما ذكر فيها من حقائق المعارف تذكرة للمؤمنين يذكرون بها ما نسوه من علوم الفطرة في المبدأ و المعاد و ما يرتبط بهما، و فيما ذكر فيها من القصص و العبر موعظة يتّعظون بها.

قوله تعالى: ( وَ قُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى‏ مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ وَ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ) و هذا فيما يرجع إلى غير المؤمنين يأمر نبيّه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) أن يختم الحجاج معهم و يقطع خصامهم بعد ما تلا القصص عليهم بهذه الجمل فيقول لهم: أمّا إذا لم تؤمنوا و لم تنقطعوا عن الشرك و الفساد بما ألقيت إليكم من التذكرة و العبر و لم تصدّقوا بما قصّه الله من أنباء الاُمم و أخبر به من سنّته الجارية فيهم فاعملوا على ما أنتم عليه من المكانة و المنزلة، و بما تحسبونه خيراً لكم إنّا عاملون، و انتظروا ما سيستقبلكم من عاقبة عملكم إنّا منتظرون فسوف تعرفون صدق النبإ الإلهيّ و كذبه.

و هذا قطع للخصام و نوع تهديد أورده الله في القصص الماضية قصّة نوح و هود و صالح (عليه السلام)، و في قصّة شعيب (عليه السلام) حاكيا عنه:( وَ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى‏

٧٦

مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ مَنْ هُوَ كاذِبٌ وَ ارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ) آية : ٩٣ من السورة.

قوله تعالى: ( وَ لِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ) لمّا كان أمره تعالى نبيّه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) أن يأمرهم بالعمل بما تهوى أنفسهم و الانتظار، و إخبارهم بأنّه و من آمن معه عاملون و منتظرون، في معنى أمره و من تبعه بالعمل و الانتظار عقّبه بهاتين الجملتين ليكون على طيب من النفس و ثبات من القلب من أنّ الدائرة ستكون له عليهم.

و المعنى فاعمل و انتظر أنت و من تبعك فغيب السماوات و الأرض الّذي يتضمّن عاقبة أمرك و أمرهم إنّما يملكه ربّك الّذي هو الله سبحانه دون آلهتهم الّتي يشركون بها و دون الأسباب الّتي يتوكّلون عليها حتّى يديروا الدائرة لأنفسهم و يحوّلوا العاقبة إلى ما ينفعهم، و إلى ربّك الّذي هو الله يرجع الأمر كلّه فيظهر من غيبه عاقبة الأمر على ما شاءه و أخبر به، فالدائرة لك عليهم، و هذا من عجيب البيان.

و من هنا يظهر وجه تبديل قوله:( رَبُّكَ ) المكرّر في هذه الآيات بلفظ الجلالة( الله ) لأنّ فيه من الإشعار بالإحاطة بكلّ ما دقّ و جلّ ما ليس في غيره، و المقام يقتضي الاعتماد و الالتجاء إلى ملجاء لا يقهره قاهر و لا يغلب عليه غالب، و هو الله سبحانه و لذلك ترى أنّه يعود بعد انقضاء هذه الجمل إلى ما كان يكرّره من صفة الربّ، و هو قوله:( وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) .

قوله تعالى: ( فَاعْبُدْهُ وَ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ ) الظاهر أنّه تفريع لقوله:( وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ) أي إذا كان الأمر كلّه مرجوعا إليه تعالى فلا يملك غيره شيئاً و لا يستقلّ بشي‏ء فاعبده سبحانه و اتّخذه وكيلا في جميع الاُمور و لا تتوكّل على شي‏ء من الأسباب دونه لأنّها أسباب بتسبيبه غير مستقلّة دونه، فمن الجهل الاعتماد على شي‏ء منها. و ما ربّك بغافل عمّا تعملون فلا يجوز التساهل في عبادته و التوكّل عليه.

٧٧

( سورة يوسف مكّيّة و هي مائة و إحدى عشرة آية)

( سورة يوسف الآيات ١ - ٣)

.بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ( ١) إِنّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ( ٢) نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنْتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ( ٣)

( بيان‏)

غرض السورة بيان ولاية الله لعبده الّذي أخلص إيمانه له تعالى إخلاصا و امتلأ بمحبّته تعالى لا يبتغي له بدلا و لم يلو إلى غيره تعالى من شي‏ء، و أنّ الله تعالى يتولّى هو أمره فيربّيه أحسن تربية فيورده مورد القرب و يسقيه فيرويه من مشرعة الزلفى فيخلصه لنفسه و يحييه حياة إلهيّة و إن كانت الأسباب الظاهرة أجمعت على هلاكه، و يرفعه و إن توفّرت الحوادث على ضعته، و يعزّه و إن دعت النوائب و رزايا الدهر إلى ذلّته و حطّ قدره.

و قد بيّن تعالى ذلك بسرد قصّة يوسف الصدّيق (عليه السلام) - و لم يرد في سور القرآن الكريم تفصيل قصّة من القصص باستقصائها من أوّلها إلى آخرها غير قصّته (عليه السلام) - و قد خصّت السورة بها من غير شركة مّا من غيرها.

فقد كان (عليه السلام) عبداً مخلصا في عبوديّته فأخلصه الله لنفسه و أعزّه بعزّته و

٧٨

قد تجمّعت الأسباب على إذلاله و ضعته فكلّما ألقته في إحدى المهالك أحياه الله تعالى من نفس السبيل الّتي كانت تسوقه إلى الهلاكة: حسده إخوته فألقوه في غيابة الجبّ ثمّ شروه بثمن بخس دراهم معدودة فذهب به ذلك إلى مصر و أدخله في بيت الملك و العزّة، راودته الّتي هو في بيتها عن نفسه و اتّهمته عند العزيز و لم تلبث دون أن اعترفت عند النسوة ببراءته ثمّ اتّهمته و أدخلته السجن فكان ذلك سبب قربه عند الملك، و كان قميصه الملطّخ بالدم الّذي جاؤا به إلى أبيه يعقوب أوّل يوم هو السبب الوحيد في ذهاب بصره فصار قميصه بعينه و قد أرسله بيد إخوته من مصر إلى أبيه آخر يوم هو السبب في عود بصره إليه، و على هذا القياس.

و بالجملة كلّما نازعه شي‏ء من الأسباب المخالفة أو اعترضه في طريق كماله جعل الله تعالى ذلك هو السبب في رشد أمره و نجاح طلبته، و لم يزل سبحانه يحوّله من حال إلى حال حتّى آتاه الحكم و الملك و اجتباه و علّمه من تأويل الأحاديث و أتمّ نعمته عليه كما وعده أبوه.

و قد بدأ الله سبحانه قصّته بذكر رؤيا رآها في بادئ الأمر و هو صبيّ في حجر أبيه و الرؤيا من المبشّرات ثمّ حقّق بشارته و أتمّ كلمته فيه بما خصّه به من التربية الإلهيّة، و هذا هو شأنه تعالى في أوليائه كما قال تعالى:( أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ الّذينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى‏ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) يونس: ٦٤.

و في قوله تعالى بعد ذكر رؤيا يوسف و تعبير أبيه (عليه السلام) لها:( لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ ) إشعار بأنّه كان هناك قوم سألوا النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) عمّا يرجع إلى هذه القصّة، و هو يؤيّد ما ورد أنّ قوما من اليهود بعثوا مشركي مكّة أن يسألوا النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) عن سبب انتقال بني إسرائيل إلى مصر و قد كان يعقوب (عليه السلام) ساكنا في أرض الشام فنزلت السورة.

و على هذا فالغرض بيان قصته (عليه السلام) و قصّة آل يعقوب، و قد استخرج تعالى ببيانه ما هو الغرض العالي منها و هو طور ولاية الله لعباده المخلصين كما هو اللائح من

٧٩

مفتتح السورة و مختتمها، و السورة مكّيّة على ما يدلّ عليه سياق آياتها، و ما ورد في بعض الروايات عن ابن عبّاس أنّ أربعاً من آياتها مدنيّة، و هي الآيات الثلاث الّتي في أوّلها، و قوله( لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ ) مدفوع بما تشتمل عليه من السياق الواحد.

قوله تعالى: ( الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ ) الإشارة بلفظ البعيد للتعظيم و التفخيم، و الظاهر أن يكون المراد بالكتاب المبين هذا القرآن المتلوّ و هو مبين واضح في نفسه و مبين موضح لغيره ما ضمّنه الله تعالى من المعارف الإلهيّة و حقائق المبدأ و المعاد.

و قد وصف الكتاب في الآية بالمبين لا كما في قوله في أوّل سورة يونس:( تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ) لكون هذه السورة نازلة في شأن قصّة آل يعقوب و بيانها، و من المحتمل أن يكون المراد بالكتاب المبين اللوح المحفوظ.

قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) الضمير للكتاب بما أنّه مشتمل على الآيات الإلهيّة و المعارف الحقيقيّة، و إنزاله قرآناً عربيّاً هو إلباسه في مرحلة الإنزال لباس القراءة و العربيّة، و جعله لفظاً متلوّاً مطابقاً لما يتداوله العرب من اللغة كما قال تعالى في موضع آخر( إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) الزخرف: ٤.

و قوله:( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) من قبيل توسعة الخطاب و تعميمه فإنّ السورة مفتتحة بخطاب النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم):( تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ ) ، و على ذلك يجري بعد كما في قوله:( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ) إلخ.

فمعنى الآية - والله أعلم - إنّا جعلنا هذا الكتاب المشتمل على الآيات في مرحلة النزول ملبسا بلباس اللفظ العربيّ محلّى بحليته ليقع في معرض التعقّل منك و من قومك أو اُمّتك، و لو لم يقلب في وحيه في قالب اللفظ المقروّ أو لم يجعل عربيّا مبينا لم يعقل قومك ما فيه من أسرار الآيات بل اختصّ فهمه بك لاختصاصك بوحيه و تعليمه.

٨٠

نبيه؟ قال : يا روح الله وکلمته قد کان والله ما قلته فاسأل الله أن يذهب به عني فدعا له عيسی عليه السلام فتفضل الله عليه وصار فيط أهل بيته، کذلک نحن أهل البيت لا يقبل الله عمل عبد وهو يشک في ولايتنا(١) .

وجری في ظلمه أي استمر، وفي الکامل(٢) وأجری ظلمه، والمراد بالمؤسس هو يزيد بن معاوية(٣) خاصة أو من سبقه ممن ابتدأ بغصب الخلافة عن أهل بيت النبوة.

__________________

١ ـ راجع البحار ج ٢٧، ص ١٩١، ح ٤٨، وأمالي المفيد ص ٢، ح٢، وروی مثله الشيخ الصدوق في العلل ج٢، ص٣٣٢، باب النوادر.

وروي في کتاب صحيفة الأبرار ص ٧٠ قال صلی الله عليه وآله : (انظر إلى علِي بن أبي طالب عبادة وذکره عبادة ولا يقبل إيمان عبد إلا بولايته والبراءة من أعدائه).

ونقلا عن الخوارزمي قال : إن الرسول صلی الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام : يا علي لو عاش عبد عمر نوح تعبد فيه، وأنفق في سبيل الله ذهبا بقدر جبل آحد، وحج بيت الله ألف مرة، وقتل مظلوما بين الصفا والمروة، ولم يقبل ولايتک فلن يشم رائحة الجنة).

وإلی هذا المعنی أشار العارف الکبير نصير الدين الطوسي في شعره المعروف :

لو انّ عبدا بالصالحات غدا

وود ّکلّ نبي مرسل ووليّ

وصام ماصام صوّاما بلا ضجر

وقام ما قدم قواما بلا ملل

وحجّ ما حجّ من فرض ومن سنن

وطاف ما طاف حاف غير منتعل

وطار في الجوّ لا ياوی إلى أحد

وغاص في البحر مامونا من البلل

يکسو اليتامی من الديباج کلّهم

ويطعم الجائعين البر بالعسل

وعاش في الناس الافا مؤلفة

عار من الذنب معصوما من الزلل

ما کان في الحشر عندالله منتفعا

الاّ بحب أمير المؤمنين عليّ

٢ ـ کامل الزيارات لابن قولويه ص ١٧٧، ط : النجف.

٣ ـ هو يزيد بن معاوية، وينسب معاوية إلى اربعة رجال عمر بن مسافر، وعمارة بن الوليد، والعباس بن عبد المطلب، ورجل اسود يدعی الصباح، وکانت هند جدة يزيد مغرمة بحب

٨١

فاسل الله الذي اکرمني بمعرفتکم، ومعرفة أوليائکم ،

ورزقني البراءة من أعدائکم، ان يجعلني معکم في الدنيا والآخرة ،

المراد بمعرفتهم ان يعرف بالدليل، ويعتقد بالاعتقاد الجازم الذي لا يزول بالتشکيک (انهم أهل بيت النبوة وموضوع الرسالة ومختلف الملائکة ومهبط الوحي ومعدن الرحمة وخزان العلم ومنتهی العلم واصول الکرم واولياء النعم وعناصر الابرار ودعائم الاخيار إلى آخر ما ذکر في الجامعة)(١) .

وحاصله : انهم عليهم السلام أفضل الخلق بعد محمد صلی الله عليه وآله الذي لا أفضل منه في عالم الامکان، وبمعرفة اوليائهم ان يعرف ويعتقد کذلک انهم هم الفرقة الناجية(٢) ، وانهم خاصة أهل الجنة، وانهم هم المفلحون الفائزون يوم القيامة(٣) ،

__________________

السود، وما نسب معاوية أحد ممن يعرف حالها إلى أبي سفيان، لانها وضعته بعد زواجها منه بثلاثة اشهر.

وهند هذه هي التي اکلت کبد الحمزة عم الرسول صلی الله عليه واله.

وام يزيد هي ميسون بنت عبد الرحمن بن بجدل الکلبي، مکنت عبدا لابيها من نفسها، وحملت بيزيد.

وجده أبو سفيان اعدی اعداء الله ورسوله، وهو الذي قاد الحرب ضد الاسلام والقران في بدر واحد والاحزاب. (راجع ربيع الابرار للزمخشري)

١ ـ هذا مقطع من الزيارة الجامعة، وللفائدة راجع شروحها.

٢ ـ راجع کتاب الفرقة الناجية لسلطان الواعظين، ترجمة وتحقيق فاضل الفراتي.

٣ ـ اشارة إلى الاية القرانية في النبية(٧) قوله تعالی : (ان الذين امنوا وعملوا الصالحات اولئک هم خير البرية) وبخصوص هذه الاية راجع تفسير الدر المنثور للسيوطي ج٦، ص ٣٧٩.

٨٢

وان محبتهم محبة الله وعداوتهم عداوة الله(١) . وفي حديث جابر عن الباقر عليه السلام قال : يا جابر عليك بالبيان والمعاني، قال : فقلت : ومالبيان وما المعاني؟ قال : قال علي عليه السلام : اما البيان فهو ان تعرف أن الله ليس کمثله شیء فتعبده ولا تشرک به شيئا، وأما المعاني فنحن معانيه ونحن جنبه ويده ولسانه وأمره وحکمه وعلمه وحقه إذا شئنا شاء الله، ويريد الله ما نريد، إلى أنْ قال : يا جابر أو تدري ما المعرفة؟ المعرفة إثبات التوحيد أوّلا ثم معرفة المعاني ثانيا ثم معرفة الأبواب ثالثا ثم معرفة الإمام رابعا ثم معرفة الأرکان خامسا ثم معرفة النقباء سادسا ثم معرفة النجباء سابعا(٢) .

ويجعله معهم في الدنيا توفيقه لمتابعتهم حذو النعل بالنعل کما هو مقام الشيعة الکامل، وفي الآخرة حشره معهم في درجتهم کما ورد في الروايات الکثيرة(٣) .

__________________

١ ـ إشارة إلى الحديث الشريف : (يا علي حربک حربي وحرب علي حرب الله).

٢ ـ البحار ج٢٦، ص١٣، والقطرة ج، مناقب الإمام الباقر عليه السلام ص٣٢٨، وعيون المعجزات ص٧٨ ولهذه الرواية ذيل طويل.

٣ ـ راجع البحار ج٢٧، ص١٠٠، ط : طهران.

٨٣

وأن يثبت لي عندکم قدم صدق في الدنيا والآخرة ،

وأساله أن يبلغني المقام المحمود لکم عند الله ،

وأن يرزقني طلب ثاري مع امام مهدي ظاهر ناطق منکم ،

الايمان النافع هو ما يموت عليه المرء ولذا لا ينجي المرتد ولا يفلح الا مع التوبظ مطلقا أو فط الجملة، فالثبات علی الايمان هو المطلوب لا مجرده. نعم، قد يقال: إنّ الايمان إذا حصل بحقيقته فلا زوال له، الارتداد کاشف عن عدم تحققه أوّلا وما ظهر ليس الا صورة من الايمان لا حقيقة لها، ولکن الحق خلافه کما قرر في محله، ولبعض الاصحاب في هذه المسالة رسالة مفردة فمن اراد التفصيل فليرجع اليها. والتثبيت : الادامة علی الحالة السابقة وعدم الازاغة، وفي الدعاء : (اللهم ثبتنا علی دينک ودين نبيك ولاتزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا ...)(١) وفي الجامعة(٢) : (فثبتني الله أبدا ما حييث علی موالاتکم ومحبتکم ودينکم، وقفني لطاعتکم، ورزقني شفاعتکم، وجعلني من خيار مواليکم). وقدم صدق بالاضافة کلسان صدق هوالاثرة الحسنة، والقدم هو السابقة في الامر(٣) يقال : له قدم في الهجرة أي سابقة، والاضافة محتملة لتقدير من أو في. وامراد بها المحبة الخالصة، والطاعة التي لا يشوبها عصيان، کما ان المراد بلسان الصدق هو الذکر الحسن والثناء الجميل، وتخصيص التثبيت بالدنيا لکونها محل التغير والتبدل، والمراد بالمقام المحمود الشفاعة الخاصة بهم(٤) ، وفي اضافة الثار الی

__________________ ـ

١ ـ راجع دعاء يوم الجمعة من ادعية الاسبوع.

٢ ـ الزيارة الجامعة المروية عن الامام الهادي عليه السلام وهذا مقطع منها.

٣ ـ راجع المصباح المنير للفيومي ص ٤٩٣.

٤ ـ راجع تفسير القمي ج١، ص ٤١٥، ط : الاعلمي، تفسير سورة الاسراء.

٨٤

ضمير النفس اشارة إلى أنْ کل مؤمن ولي هذا الدم فهو ثاره الذي يطلبه فلا ينافي ذلك اضافته إلى ضمير الخطاب(١) لاختلاف الحيثية، والظاهر : خلاف المستور، ويحتمل ان يکون بمعنی الغالب يقال ظهر عليه إذا غلب عليه.

__________________

١ ـ هذه اشارة إلى اختلاف النسخ، لان في بعض ماصادر الزيارة مثل کامل الزياراة مثل کامل الزيارت بدل (ثاري) (ثارکم).

٨٥

وأسال الله بحقّکم، وبالشّان الذی لکم عنده ان يعطينطي

بمصابي بکم أفضل ما يعطي مصابا بمصيبة(١) ، مصيبة ما اعظمها

وأعظم رزيتها في الاسلام، وفي جميع السماوات والارض.

حقّهم أعظم الحقوق وشأنهم أعلی الشؤون، فالسؤال بهما اقرن بالاجابة، ويستفاد من حديث سلمان وغيره انه لا يرد دعاء إذا سئل فيه بهم عليهم السلام(٢) ، والمصائب الاول مصدر ميمي بمعنی المصيبة والثاني بمعنی من اصابته المصيبة وقد تقرر في محله ان زنة المصدر الميمي من المزيد علی زنة اسم المفعول منه، ومصيبة الثاني اما بدل(٣) أو عطف بيان أو توکيد لمصابي، فالاعراب الکسر وکذالو جعلناه تابعا للاول، ويحتمل النصب علی المفعولية لفعل محذوف(٤) . وفي الکامل(٥) بعد قوله بمصيبته «اقول : انا الله وانا اليه راجعون مصيبة ما اعظمها» والاخبار الواردة في عظم اجر المصائب اکثر من ان تحصي.

__________________

١ ـ في بعض النسخ (بمصيبه) بدون هاء الضمير.

٢ ـ ذکر العلامة المجلسي في زالبحار ج١٠، ص ٩٢، ط : بيروت، عن الامام علي عليه السلام قال : (صلوا علی محمد وآل محمد فان الله عزّ وجل يقبل دعائکم عند ذکر محمد ...).

واخرج الديلمي عن مسند أحمد ج٦، ص ٣٢٣، ان النبي صلی الله عليه وآله قال : (الدعاء محجوب حتی يصلی علی محمد واهل بيته).

٣ ـ بدل من المصيبة الاولی، والبدل يتبع المبدل منه بالاعراب.

٤ ـ ويحتمل ان يکون حکمها النصب علی انها مفعول به لفعل محذوف تقديره (اقول).

٥ ـ کامل الزيارات ص ١٧٧، ط : النجف.

٨٦

قال الباقر عليه السلام : (ان الله إذا احب عبدا اغته بالبلاء غتا وشجه بالبلاء شجا فاذا دعاه قال : لبيک عبدي لئن عجلت لك ما سألت اني علی ذلك لقادر، ولئن اخرت لك فما ادخرت لك خيرلک)(١) .

وقال الصادق عليه السلام : (لو يعلم المؤمن ما له من الاجر في المصائب لتمنی انه قرض بالمقاريض)(٢) .

وفي روايظ النخعي عن الصادق عليه السّلام قال : (من اصيب بمصيبة فليذکر مصابه بالنبي صلی الله وعليه وآله فانه من اعظم المصائب)(٣) .

وفي رواية انه قال : لما اصيب أمير المؤمنين عليه السلام نعی الحسن إلى الحسين وهو بالمدائن فلما قرا الکتاب قال : يالها من مصيبة ما اعظمها مع ان رسول الله صلی الله وعليه وآله قال : من اصيب منکم بمصيبة فليذکر مصابه بي فانه لن يصاب بمصيبة اعظم منها وصدق رسول الله صلی الله وعليه وآله(٤) فتدبر. فان مصيبة الحسين عليه السلام من جملة مصائب النبي صلی الله وعليه واله، وکذا مصائب غيره من الائمة عليهم السلام، فمصيبة النبي صلی الله عليه وآله اعظم المصائب، ولا ينافيه ان مصيبة الحسين عليه السلام اعظمها.

وقوله : ما اعضمها وصف لمصيبة علی تقدير مقول في حقها فان فعل التعجب انشاء، والجملة الانشائية لا تقع صفة کما لا تقع خبرا علی المشهور بين النحاة(٥) نظرا إلى أنْ الخبر ما يحتمل الصدق والکذب، والانشاء لايکون ثابتا في نفسه

__________________ ـ

١ ـ راجع اصول الکافي ج ٢، ص ١٩٧، ح ٧.

٢ ـ نفس المصدر ص ١٩٨، ح ١٥.

٣ ـ راجع وسائل الشيعة للحر العاملي ج٦، ص ٣١٤.

٤ ـ اصول الکافي ج٣، ص ٢٢٠.

٥ ـ راجع قطر الندي، وکتاب شرح ابن عقيل، والنحو الوافي.

٨٧

فلا يثبت لغيره.

وفي الوجهين نظر فان الحد المذکور حد للمقابل للانشاء لا لخبر المبتدا والغرض من الکلام الطلبي وهو ثابت في نفسه وغير الثابت هو المطلوب. نعم، هذا الطلب قائم بالمتکلم وليس من احوال المبتدا وانما المقصود من ذکر الخبر بيان حال من احوال المبتدا ليکون جزء متما للفائدة.

قال بعض المحققين قدس سره : فاذا قلت : زيد اضربه فطلب الضرب صفة قائمة بالمتکلم وليس حالا من احوال زيد الا باعتبار تعلقه به أو کونه مقولا في حقه أو استحقاقه ان اضربه زيد مطلوب ضربه أو تقول في حقه ذلك وهو جيد متين کما لا يخفی.

٨٨

أللّهم اجعلني في مقامي هذا ممن تناله منك صلوات ورحمة

ومغفرة. أللهمَّ اجعل محياي محيا محمّد وآل محمّد ،

ومماتي ممات محمّد وآل محمّد.

مقامي أي لزيارة الحسين. تناله من النيل وهو الاصابة(١) . يقال : نال خيرا إذا اصابه، والامر منه نل بفتح النون کما في المجمع(٢) ، لا من النوال وهو الاجر والحظ ومنه النوال للعطاء(٣) والفعل منه نال ينول والامر نل بضم النون.

ممن تناله أي من الذين يستحقون ذلك بالمحبة والمعرفة بحقهم فان زائري الحسين العارفين بحقّه تنالهم من الصلوات والرحمة والمغفرة ما لا يحصي، کما لا يخفی علی من تتبع الأخبار الواردة في باب زيارته(٤) ، ففي جملة منها : ان من زار الحسين عليه السلام کان کمن زار الله فوق عرشه(٥) . وفي بعضها کتبه الله في عليين(٦) . وفي بعضها : غفر الله له جميع ذنوبه ولو کانت مثل زبد

__________________ ـ

١ ـ راجع لسان العرب والصحاح.

٢ ـ مجمع البحرين للطريحي.

٣ ـ راجع المصباح المنير للفيومي ص ٦٣١.

٤ ـ راجع کامل الزيارات لابن قولويه، وکتاب البحار وکتاب نور العين في المشي إلى زيارة الحسين عليه السلام للاصطهباني.

٥ ـ راجع البحار ج ٠١ ونور العين في المشي إلى زيارة الحسين عليه السلام : عن الحسين بن محمد القمي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : (من زار قبر أبي عبدالله عليه السلام بشط الفرات کان کمن زار الله فوق عرشه).

٦ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٤٧، ط : النجف، عن عيينة بياع القصب عن أبي عبدالله عليه السلام قال :

(من اتی قبرالحسين عليه السلام عارفا بحقه کتبه الله في اعلی عليين).

٨٩

البحر، فاستکثروا من زيارته یغفرالله لکم ذنوبکم(١) . وفي بعضها : اعقته الله من النار(٢) ، وامنه يوم الفزع الاکبر(٣) ، ولم يسال الله حاجة من حوائج الدنيا والآخرة الا اعطاه(٤) ، وفي بعضها : انه أفضل ما يکون من الاعمال(٥) ، وفي بعضها : ان زوار الحسين يدخلون الجنة قبل الناس باربعين عاما وسائر الناس في الحساب(٦) ، وفي بعضها : ما من أحد يوم القيامة الاوهو يتمنی انه من زوار

__________________

١ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٣٨، منها : عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيی عن ابن مسکان عن أبي عبدالله عليه السلام قال : (من اتی قبرالحسين عليه السلام عارفا بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تاخر).

٢ ـ راجع نور العين، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه ـ في حديث ـ ان رسول الله صلی الله وعليه بکی بکاء شديدا فلم يساله أحد منا احلالا واعظاماله، فقال له الحسين : لم بکيت؟ فقال : يا ابة فما لمن زار قبورنا علی تشتتها؟ فقال : يا بنی اولئک طوائف من امتي يزورونکم فيلتمسون بذلك البرکة وتلقاه الملائکة بالبشارة يقال له : لا تخف ولا تحزن هذا يومک الذي فيه فوزک.

٣ ـ راجع البحار ج١٠١، عن زرارة قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : ما تقول فيمن زار اباک علی خوف؟ قال : يؤمنه الله يوم الفزع الاکبر وتلقاه الملائکة بالبشارة ويقال له : لا تخف ولا تحزن هذا يومک الذي فيه فوزک.

٤ ـ راجع نورالعين ص ١٤٩، عن علي بن الحسين عليهم السلام قال : یغفر الله له ـ لزائر الحسين عليه السلام ـ ذنوبه ويقضي حوائجه، ثم قال : تقضي له الف حاجة ؛ ستمائة حاجة للاخرة واربعنائة للدنيا.

٥ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٤٦، ط : النجف، عن أبي خديجة عن أبي عبدالله قال : سالته عن زيارة قبر الحسين عليه السلام، قال : (افضل ما يکون من الاعمال).

٦ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٣٧، عن زرارة قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : ان لزوار

٩٠

الحسين بن علي عليهم السلام لما يري لما يصنع بزوار الحسين عليه السلام من کرامتهم علی الله(١) .

والتنکير في الالفاظ الثلاثة(٢) للتعظيم، أو التکثير، أو النوعية، والفرق بينها ان الصلوات تختص بمن لا ذنب له والمغفرة بمن له ذنب والرحمة تشملها(٣) فليتامل.

وفي بعض الأخبار : من اتی قبر الحسين عليه السلام ماشيا کتب الله له بکل خطوة الف حسنة ومحا عنه الف سيئة ورفع له الف درجة(٤) .

قوله (محياي محيی ..) أي حياتي مثل مماتهم في استحقاق الصلاة والرحمة والفوز بالسعادات الدائمة.

قال الطريحي(٥) : قوله محياي ومماتي لله : قد يفسران بالخيرات التي تقع في حال الحياة منجزة والتي تصل إلى الغير بعد الموت کالوصية للفقراء بشيء، أو معناه ان الذي اتيته في حياتي واموت عليه من الايمان والعمل الصالح لله خالصا.

__________________ ـ

الحسين بن علي عليهم السلام يوم القيامة فضلا علی الناس، قلت : وما فضلهم؟ قال : يدخلون الجنة قبل الناس باربعين عاما وسائر الناس في الحساب والموقف.

١ ـ راجع کتاب نور العين وکامل الزيارات، عن عبدالله الطحان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته وهو يقول : مامن أحد يوم القيامة الا وهو يتمنی انه من زوار الحسين لمل يری مما يصنع بزوار الحسين عليه السلام من کرامتهم علی الله تعالی.

٢ ـ وهي (صلوات ورحمة ومغفرة).

٣ ـ يعني ان الرحمة اعم من الصلاة والمغفرة لانها تشمل المذنب وغيره.

٤ ـ راجع ثواب الاعمال للصدوق، وکامل الزيارات.

٥ ـ في کتابه مجمع البحرين.

٩١

وفي رواية عن النبي صلی الله وعليه وآله قال : (من سره ان يحيی حياتي ويموت مماتي ويدخل جنة عدن قضب غرسه ربي بيده فليتول عليا والاوصياء من بعده وليسلم لفضلهم فانهم الهداة المرضيون)(١) .

فهما(٢) مصدارن ميميان ويحتمل کونهما اسمي زمان أي اجعلني بحيث احيی في زمان حياتهم وهو زمان الرجعة(٣) واموت في زکمان مماتهم أي عند رفعهم إلى السماء بعد انقضاء الدنيا، فليتامل.

__________________ ـ

١ ـ واخرج القندوزي بلفظ آخر ينابيع المودة ص ١٥١، الباب ٤٣ : (قال رسول الله صلی الله وعليه وآله : «من سره ان يحيی حياتي ويموت مماتي ويسکن جنات عدن التي غرس فيها قضيبا ربي، فليوال عليا وليوال وليه، وليقتد بالئمة من ولده من بعده، فانهم فانهم عترتي خلقوا من طينتي، وزرقوا فهما وعلما، وويل للمکذبين بفضلهم من امتي، القاطعين فيهم صلتي، لا انالهم الله شفاعتي».

٢ ـ محياي ومماتي.

٣ ـ لقد تقدمت الاشارة إلى الايات والروايات التي علی الرجعة.

٩٢

اللهم ان هلاا يوم تبركت به بنو امية وابن أكلة اكباد ،

اللعين ابن اللعين، علی لسانك ولسان نبيك صلّی الله عليه وآله

في کل موطن وموقف وقف فيه نبيّك صلّی الله عليه وآله.

إنَّ هذا أي هذا اليوم المسمّي بعاشوراء يوم تبرکوا به لمکان قتل الحسين عليه السّلام، وفي الکامل(١) : (أللّهم إنّ هذا يوم تنزل فيه اللعنة علی آل زياد وآل أميّة وابن آکلة الاکباد الخ).

فيا عجبا کيف تبرکوا بهذا اليوم وهو يوم مصيبة وحزن، وقد قتلوا فيه سبط الرسول، وسبوا نسائه، وانتهبوا ثقله. وکانت أهل الجاهلية فيما مضي يحرمون فيه الظلم والقتال؟

قال الرضا عليه السلام : (من ترک السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضي الله له حوائج الدنيا والاخرة، ومن کان يوم عاشوراء يوم مصيبة وحزنه بکائه جعل الله يوم القيامة يوم فرحه وسروره ف وقرت بنا في الجنان عينه، ومن سمی يوم عاشوراء يوم برکة وادخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك له فيما ادخر، وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد لعنه الله(٢) إلى اسفل درک من النار)(٣) .

وفي رواية عبدالله بن الفضل قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : يابن رسول الله کيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغم وجزع وبکاء دون اليوم الذي قبض فيه

__________________

١ ـ کامل الزيارات ص ١٧٨، ط : النجف.

٢ ـ في الاصل (لعنهم الله).

٣ ـ نقل هذه الرواية صاحب مفاتيح الجنان في مفاتيحه ص ٣٧٤ عن کامل الزيارات.

٩٣

رسول الله صلی الله عليه واله، واليوم الذي ماتت فيه فاطمة واليوم الذي قتل أمير المؤمنين عليه السلام واليوم الذي قتل فيه الحسن بالسم؟ فقال : ان يوم قتل الحسين عليه السلام اعظم مصيبة من جميع سائر الايام(١) ، وذلک ان أصحاب الکساء الذين هم کانوا اکرم الخلق علی الله کانوا خمسة فلما مضي عنهم النبي صلی الله عليه وآله بقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين فکان فيهم للناس عزاء وسلوة، فلما مضي الحسن کان للناس في الحسين عزاء وسلوة، فلما قتل الحسين عليه السلام لم يکن بقي من أصحاب الکساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة فکان ذهابه کذهاب جميعهم کما کان بقائه کبقاء جميعهم، فلذلک صار يومه اعظم الايام مصيبة. إلى أنْ قال : قال عبدالله بن الفضل، فقلت له : يابن رسول الله صلی الله عليه وآله فکيف سمت العامة يوم العاشوراء يوم برکة؟ فبکی ثم قال : لما قتل الحسين عليه السلام تقرب الناس بالشام إلى يزيد فوضعوا له الاخبار، واخذوا عليها الجوائز من الاموال فکان مما وضعوا له امر هذا اليوم وانه يوم برکة ليعدل الناس فيه من الجزع والبکاء والمصيبة والحزن إلى الفرح والسرور والتبرک(٢) ، حکم الله بيننا وبينهم)(٣) .

وآکلة الاکباد هي هند ام معاوية ارادت ان تاکل کبد حمزة عم الرسول صلی الله عليه وله

__________________

١ ـ ويدل علی هذا قول الامام الصادق عليه السلام : (لايوم کيومک يا با عبدالله).

وقول الامام رضا عليه السلام : (فعلی مثل الحسين فليبک الباکون ان يوم الحسين اقرح جفوننا واذل عزيزنا بارض کرب وبلاء).

٢ ـ اشار إلى هذا المعنی أحد اشعراء بقوله :

(کانت ماتم بالعراق تعدها

امية بالشام من اعيادها)

٣ ـ اخرج هذه الرواية الشيخ الاجل الصدوق في علله ج ١ ص ٢٦٤، ط : الاعملي.

٩٤

وحکايتها المعروفة(١) ، والمراد بابنها في هذه الفقرة يزيد بن معاوية لا معاوية، لانه لم يکن حيا في هذه الوقعة(٢) ، واللعين الاول وصف ليزيد، والثاني لابيه معاوية أو أبي سفيان وکانا ملعونين علی لسان النبي صلی الله عليه وآله(٣) ف کما کان يزيد لعينا لاهل السماوات والارض. ومن کلام الحسن عليه السلام في مجلس معاوية، وانتم في رهط قريب من عدة اولئک لعنوا علی لسان رسول الله صلی الله عليه واله، فاشهد لکم واشهد عليکم انکم لعناء الله علی لسان نبيه صلی الله عليه وآله کلکم(٤) . وانشدکم بالله هل تعلمون ان رسو الله بعث إليك لتکتب (له)(٥) لبني خزيمة؟

__________________

١ ـ راجع السيرة الحلبية ج٢، ص ٢٤٤، (لما جاءت هند بنت عتبة إلى مصرع حمزة فمثلت به وحدعت انفه وقطعت اذنيه ومذاکيره، ثم جعلت ذلك کالسوار في يديها وقلائد في عنقها، وانها يقرت بطن حمزة واستخرجت کبده فلاکتها، فلم تستطع ان تسيغها فقال النبي زصلی الله عليه وآله لما بلغه اخرجها کبد حمزة : هل اکلت منه شيئا؟ قالوا : لا، قال صلی الله عليه وآله : ان الله قد حرم علی النار ان تذوق من لحم حمزة شيئا ابدا.

وقال الامام الصادق عيله السلام : أبي الله ان يدخل شيئا من بدن حمزة النار.

٢ ـ وهي معرکة الطف الخالدة التي وقعت في عام (٦١هـ) بين الحق المتجسد بالامام الحسين عليه السلام، والباطل الکفر المتجسد بيزيد واعوانه الظلمة.

٣ ـ ذکر ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج ج٤، ص ٧٩، ط : دار احياء الکتاب العربي : (روی شيخنا أبو عبد الله البصري المتکلم عن نصره بن عاصم الليثي عن أبيه قال : اتيت مسجد رسول الله صلی الله عليه وآله والناس يقولون : نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله فقلت : ما هذا؟ قالوا : معاوية قام الساعة فاخذ بيد أبي سفيان فخرجنا من المسجد فقال رسول الله صلی الله عليه وآله : لعن الله التابع والمتبوع رب يوم لامتي من معاوية ذي الاستاه.

وقال : روی العلاء بن حريز القشيري ان رسول الله صلی اله عليه وآله قال لمعاوية : لتتخذن يا معاوية البدعة سنة والقبح حسنا اکلک کثير وظلمک عظيم

٤ ـ في المصدر : کلکم أهل البيت.

٥ ـ بين القوسين في المصدر غير موجود.

٩٥

(١) إلى أنْ قال : انشدکم الله هل تعلمون ان ما اقول حق(٢) انّك يا معاوية کنت تسوق بابيك علی جمل احمر، ويقوده أخوك هذا القاعد، وهذا يوم الاحزاب، فلعن رسول الله القائد والراکب والسائق فکان أبوك الراکب وأنت يا ازرق السائق واخوك هذا القاعد القائد. ثم (قال)(٣) : انشدکم بالله هل تعلمون ان رسول الله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن؟

أوّلهن : حين خرج من مکة إلى مدينة، وأبو سفيان جاء من الشام فوقع فيه أبو سفيان فسبه وأوعده وهمّ أنْ يبطش به، ثمّ صرفه الله(٤) عنه.

والثاني : يوم العير حيث طردها أبو سفيان ليحرزها من رسول الله.

والثالث : يوم احد، يوم قال رسول الله : (الله مولانا ولا مولی لکم)، وقال أبو سفيان : (لنا العزی ولا عزی لکم)، فلعنه الله وملائکته ورسوله والمؤمنون أجمعون.

والرابع : يوم حنين، يوم جاء أبو سفيان يجمع قريش وهوازن إلى آخر الحديث وهو طويل(٥) .

__________________ ـ

١ ـ «بني خزيمة، حين ااصابهم خالد بن الوليد، فانصرف اليه الرسول فقال : هو ياکل، فاعاد الرسول إليك ثلاث مرات، کل ذلك يتصرف الرسول ويقول هو ياکل، فقال رسول الله : «اللهم لاتشبع بطنه، فهي والله في نهمتک واکلک إلى يوم القيامة».

٢ ـ في المصدر : (انما اقول حقا ...).

٣ ـ بين القوسين في المصدر غير موجود.

٤ ـ في المصدر (الله عزّ وجل عنه).

٥ ـ (وجاء عيينة بغطفان واليهود فردهم الله عزّ وجل بغيظهم لم ينالوا خيرا هذا قول الله عزّ وجل له في سورتين في کلتيهما يسمي أبا سفيان واصحابه کفارا، وأنت يا معاوية يومئذ

٩٦

أللّهم العن ابا سفيان، ومعاوية بن أبي سفيان(١) ، ويزيد بن

معاوية، عليهم منك(٢) اللعنة أبد الآبدين

الاخبار في فضل اللعن علی اعداء آل الرسول سيما قتلة ذريته متواترة : ففي رواية الريان بن شبيب عن الرضا عليه السلام : (يابن شبيب ان سرک ان تسکن الغرف المبنية في الجنة فالعن قتلة الحسين)(٣) .

__________________

مشرک علی راي ابيک بمکة، وعلي يومئذ مع رسول الله وعلی رايه ودينه.

والخامس : قول الله عزّ وجل : (والهدي معکوفا ان يبلغ محله) وصددت أنت وابوک ومشرکوا قريش، رسول الله صلی الله عليه وآله فلعنه الله لعنة شملته وذريته إلى يوم القيامة.

والسادس : يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش، وجاء عيينة بن حصن ابن بدر بغطفان، فلعن ورسول الله القادة والاتباع والساقة إلى يوم القيامة فقيل : يارسول الله اما في الاتباع مؤمن؟ فقال : لا تصيب اللعنة مؤمنا من الاتباع، واما القادة فليس فيهم مؤمن ولا مجيب ولاناج.

والسابع : يوم الثنية، يوم شد علی رسول الله اثني عشر رجلا، سبعة منهم من بني امية، وخمسة من سائر قريش، فلعن الله تبارک وتعالی وروسله من حل الثنية غير النبي وسائقه وقائده. (راجع الاستيعاب بذيل الاصابة ج٤، ص ٨٧).

١ ـ في کامل الزيارات (وعلی يزيد بن معاوية).

٢ ـ (عليهم منک) هذه غير موجودة في کامل الزيارت.

٣ ـ وهذا نص الرواية عن البحار ج ٤٤، ص ٢٨٥ :

عن الريان بن شبيب قال : دخلت علی الرضا عليه السلام في اول يوم من المحرم فقال لي : ياابن شبيب اصائم انت؟ فقلت : لا، فقال : ان هذا اليوم الذي دعا فيه زکريا ربه عزّ وجل فقال : (رب هب لی من لدنک ذرية طيبة انّك سميع الدعاء) فاستجب الله له وامر الملائکة فنادت زکريا وهو قائم يصلي في المحراب ان الله يبشرک بيحيی فمن صام هذا اليوم ثم دعا

٩٧

وفي رواية الفضل عنه عليه السّلام : (من نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذکر الحسين عليه السلام وليلعن يزيد وآل يزيد، يمحو الله بذلك ذنوبه ولو کانت کعدد النجوم)(١) .

وفي الرواية عن النبي صلی الله عليه وآله قال : (الا ولعن الله قتلة الحسين عليه السّلام ومحبيهم وناصريهم والساکتين عن لعنهم من غير تقية تستکهم)(٢) .

__________________

الله عزّ وجل استجاب الله له کما استجاب لزکريا عليه السلام، ثم قال : يا ابن شبيب ان المحرم هو الشهر الذي کان أهل الجاهلية فيما مضي يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته فما عرفت هذه الامة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها، لقد قتلوافي هذا الشهر ذريته وسبوا نساءه وانتهبوا ثقله فلا غفرالله لهم ذللک ابدا، ياابن شبيب ان کنت باکين لشيء فابک للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام فانه ذبح کما يذبح الکبش وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الارض شبيهون ولقد بکت السماوات سبع والارضون لقتله ولقد نزل إلى الارض من الملائکة اربعة الاف لنصره فوجدوه قد قتل فهم عند قبره شعث غبر إلى أنْ يقوم القائم فيکونون من أنصاره وشعارهم يا لثارات الحسين، ياابن شبيب لقد حدثني أبي عن أبيه عن جده انه لما قتل جدي الحسين امطرت السماء دما وترابا احمر، يا ابن شبيب ان بکيت علی الحسين حتی تصير دموعک علی خديک غفرالله لك کل ذنب عليك فزر الحسين عليه السلام، ياابن شبيب ان سرک ان تسکن الغرف المبنية في الجنة مع النبي صلی الله عليه وآله فلعن قتلة الحسين، ياابن شبيب ان سرک ان يکون لك من الثواب مثل مثل ما لمن استشهد مع الحسين فقل متی ما ذکرته : ياليتني کنت معهم فافوز فوزا عظيما، ياابن شبيب ان سرک ان تکون معنا في الدرجات العلی من الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا وعليک بولايتنا فلو ان رجلا تولی حجرا لحشره الله معه يوم القيامة).

١ ـ راجع البحار ج ٤٤، ص ٢٩٩ الرواية ٢ ـ الباب ٣٦

٢ ـ البحار ج ٤٤، ص ٣٠٤، الرواية ١٧ ـ الباب ٣٦، واليک نص الرواية :

٩٨

وهذا يوم فرحت به آل زياد وآل مروان بقتلهم الحسين

صلوات الله عليه ،

ونسخة الکامل(١) خالية عن هذه الفرقة ولکنها موجودة في اثر الکتب، وحکايات فرحهم بقتل الحسين عليه السلام سيما حين ورود أهل بيته الکوفة مشهورة مسطورة في کتب المقاتل(٢) . لعنهم الله فقد حمدوا الله وشکروه علی قتله بقولهم لأهل البيت عليهم السلام : الحمد لله الذي قتلکم وأهلککم وأراح البلاد من رجالکم وأمکن أمير المؤمنين يزيد منکم : وقال ابن زياد لزينب عليها السلام : الحمد لله الذي فضحکم وأکذب أحدوثتکم، وقال لما صعد المنبر : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين وأشياعه وقتل الکذاب ابن الکذاب(٣) .

__________________

قال رسول الله صلی الله عليه وآله : لما نزلت : (واذا اخذنا ميثاقکم لا تسفکون) الاية في اليهود أي الذين نقضوا عهد الله وکذبوا رسل الله وقتلوا اولياء الله، افلا انبئکم بمن يضاهيهم من يهود هذه الامة؟ قالوا : بلی يا رسول الله، قال : قوم من امتي ينتحلون انهم من أهل ملتي يقتلون افاضل ذريتي واطائب ارومتي يبدلون شريعتي وسنتي ويقتلون ولدي الحسن والحسين کما قتل اسلاف اليهود زکريا ويحيی، الا وان الله يلعنهم وکما لعنهم ويبعث علی بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف اوليائه إلى نار جهنم، الا لعن الله قتلة الحسين عليهم السلام ومحبيهم وناصريهم والساکتين عن لعنهم من غير تقية يسکتهم الا وصلی الله علی الباکين علی الحسين رحمة وشفقة والاعنين لاعدائهم والممتلئين عليهم غيظا وحنقا، الا وان الراضين بقتل الحسين شرکاء قتلته، الا وان قتلته واعوانهم واشياعهم والمقتدين بهم براء من دين الله.

١ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٧٨، ط : النجف.

٢ ـ راجع الدمعة الساکبة ومقتل المقرمص ٣١٠، واللهوف ص ٨١.

٣ ـ اللهوف لابن طاووس ص ٢٠١ ـ ٢٠٣، مقتل المقرم ص ٣٢٤ ـ ٣٢٧.

٩٩

أللّهم فضاعف عليهم اللعن منك والعذاب الاليم.

أللّهم اني اتقرب إليك في هذا اليوم، وفي موقفي هذا ،

وأيّام حياتي، بالبراءة منهم، واللعنة عليهم، وبالموالاة

لنبيّك وآل نبيّك عليه وعليهم السّلام.

وفي الکامل(١) : (أللّهم فضاعف عليهم اللعنة أبدا بقتلهم(٢) الحسين اني اتقرب إليك في هذا اليوم في موقفي هذا وأيّام حياتي بالبراءة منهم وباللعن عليهم وبالموالاة لنبيك واهل بيت نبيك صلی الله عليه ...).

دعا عليهم بمضاعفة اللعن والعذاب ليکون عذابهم مثل عذاب جميع أهل النار، لما روي عن النبي صلّی الله عليه وآله انه قال : (إنَّ قاتل الحسين بن علي عليه السّلام في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا، وقد شد يداه ورجلاه بسلاسل من نار منکس في النار حتی يقع في قعر جهنم وله ريح يتعوّذ أهل النار إلى ربهم من شدة نتنه، وهو فيها خالد ذائق العذاب الاليم مع جميع من شايع علی قتله، کلّما نضجت جلودهم بدّل الله عليهم الجلود حتّی يذوقوا العذاب الاليم، لا يفتر عنهم ساعة ويسقون من حميم جهنّم، فالويل لهم لهم عذاب النار)(٣) .

وفي رواية عنه صلّی الله عليه وآله قال : (إنَّ في النار منزلة لم يکن يستحقها أحد من الناس إلّا بقتل الحسين بن علي ويحيی بن زکريا)(٤) .

__________________

١ ـ راجع کامل الزيارات ص ١٧٨.

٢ ـ في الاصل (لقتلهم).

٣ ـ راجع البحار ج ٤٥، ص ٣١٤، الرواية ١٤، الباب ٤٦.

٣ ـ اخرجها المجلسي في البحار ج ٤٤، ص ٣٠١، باب ٣٦، ط : طهران.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118