تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٥

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب6%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 569

  • البداية
  • السابق
  • 569 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 14472 / تحميل: 4654
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

فجلس.

فقال: أشيروا عليّ.

فقام عمر، فقال مثل مقالة أبي بكر.

فقال: اجلس.

ثمّ قام المقداد، فقال: يا رسول الله، إنّها قريش وخيلاؤها.

وإنّا قد آمنّا بك، وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله. ولو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا(١) وشوك الهراس(٢) ، لخضنا معك. ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى:( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ ) (٣) . ولكنّا نقول: اذهب أنت وربّك فقاتلا، إنّا معكما مقاتلون.

فجزاه النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ خيرا. ثمّ جلس.

ثمّ قال: أشيروا عليّ.

فقام سعد بن معاذ، فقال: بأبي أنت وأمّي، يا رسول الله، كأنّك أردتنا؟

قال: نعم.

قال: فلعلّك خرجت على أمر قد أمرت بغيره؟ [قال: نعم](٤) .

قال: بأبي أنت وأمّي، يا رسول الله، إنّنا قد آمنا بك وصدّقناك و(٥) شهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله. فمرنا بما شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، واترك منه ما شئت. والّذي أخذت منه أحبّ إليّ من الّذي [تركت منه](٦) . والله، لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك. [فجزاه خيرا](٧) .

ثمّ قال [سعد](٨) : بأبي أنت وأمّي، يا رسول الله، [والله](٩) ما خضت هذا الطّريق قطّ وما لي به علم. وقد خلّفنا بالمدينة قوما، ليس نحن بأشدّ جهادا لك منهم.

__________________

(١) الغضاة: شجر عظيم وخشبة من أصلب الخشب. وهو حسن النار، وجمره يبقى زمانا طويلا لا ينطفئ.

(٢) الهراس: شجر كثير الشوك طويلة. وفي المصدر: الهراش.

(٣) المائدة / ٢٤.

(٤) من المصدر.

(٥) من هنا ليس في «أ» إلى موضع سيأتي.

(٦) كذا في المصدر، وفي النسخ: تركته.

(٧) من المصدر.

(٨) من المصدر.

(٩) من المصدر.

٢٨١

ولو علموا أنّه الحرب، لما تخلّفوا. ولكن نعدّ لك الرّواحل، ونلقى عدوّنا. فإنّا صبر(١) عند اللّقاء، أنجاد في الحرب. وإنّا لنرجو أن يقرّ الله عينيك بنا. فإنّ يك ما تحبّ، فهو ذاك.

وإن يكن غير ذلك، قعدت على رواحلك فلحقت بقومنا.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو يحدث الله غير ذلك؟ كأنّي بمصرع فلان ها هنا، وبمصرع فلان ها هنا، وبمصرع أبي جهل، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، ومنبّه ونبيه، ابني الحجّاج. فإنّ الله قد وعدني إحدى الطّائفتين، ولن يخلف الله الميعاد.

فنزل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بهذه الآية( كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ ) ـ إلى قوله ـ:( وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) . فأمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالرّحيل حتّى نزل عشاء على ماء بدر، وهي العدوة الشّامية.

وأقبلت قريش، ونزلت بالعدوة اليمانيّة. وبعثت عبيدها تستعذب من الماء، فأخذهم أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وحبسوهم.

فقالوا لهم: من أنتم؟

قالوا: نحن عبيد قريش.

قالوا: فأين العير؟

قالوا: لا علم لنا بالعير.

فأقبلوا يضربونهم. وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يصلي.

فانفتل من صلاته فقال: إن صدقوكم، ضربتموهم. وإن كذبوكم، تركتموهم. عليّ بهم.

فأتوا بهم.

فقال لهم: من أنتم؟

قالوا: يا محمّد، نحن عبيد قريش.

قال: كم القوم؟

قالوا له: لا علم لنا بعددهم.

قال: كم ينحرون في كلّ يوم جزورا.

قالوا: تسعة إلى(٢) عشرة.

__________________

(١) المصدر: نصبر.

(٢) المصدر: أو.

٢٨٢

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: القوم(١) تسعمائة إلى(٢) ألف. [ثمّ](٣) .

قال: فمن فيهم من بني هاشم؟

فقالوا(٤) : العباس بن عبد المطّلب، ونوفل بن الحارث، وعقيل بن أبي طالب.

فأمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بهم فحبسوا(٥) . وبلغ قريشا ذلك، فخافوا خوفا شديدا.

ولقي عتبة بن ربيعة أبا البختريّ بن هشام، فقال له: أما ترى هذا البغي، والله، ما أبصر موضع قدمي. خرجنا لنمنع عيرنا وقد أفلتت، فجئنا بغيا وعدوانا. والله، ما أفلح قوم قطّ بغوا. ولوددت أنّ ما في العير من أموال بني عبد مناف ذهب كلّه، ولم نسر هذا المسير.

فقال له أبو البختريّ: إنّك سيّد من سادات قريش. [فسر في الناس و](٦) نحمل العير الّتي أصابها محمّد وأصحابه بنخلة، ودم ابن الحضرميّ فإنّه حليفك.

فقال عتبة: أنت تشير(٧) عليّ بذلك(٨) . وما على أحد منّا خلاف إلّا ابن الحنظليّة(٩) ، يعني: أبا جهل. فسر(١٠) إليه، وأعلمه أنّي قد تحمّلت العير الّتي [قد](١١) أصابها محمّد بنخلة(١٢) ودم ابن الحضرميّ.

فقال أبو البختري: فقصدت خباءه فإذا هو قد أخرج درعا له.

فقلت له: إنّ أبا الوليد بعثني إليك برسالة.

فغضب، ثمّ قال: أما وجد عتبة رسولا غيرك؟

فقلت: أما، والله، لو غيره أرسلني ما جئت. ولكن أبا الوليد سيّد العشيرة.

فغضب [أشدّ من الأولى](١٣) غضبة أخرى، فقال: تقول: سيّد العشيرة!

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر: أو.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر: قال.

(٥) المصدر: فحبسوهم.

(٦) ليس في المصدر، ر، ب.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) أي: قد فعلت، وأنت الشاهد على ذلك.

(٩) المصدر: حنظلة بدل الحنظليّة.

(١٠) كذا في المصدر، وفي النسخ: فصر.

(١١) من المصدر.

(١٢) ليس في المصدر.

(١٣) كذا في المصدر، وفي النسخ: غضبة أخرى.

٢٨٣

فقلت: أنا أقوله، وقريش كلّها تقوله. إنّه قد تحمّل العير ودم ابن الحضرميّ.

فقال: إنّ عتبة أطول النّاس لسانا، وأبلغهم في الكلام، ويتعصّب لمحمّد. فإنّه من بني عبد مناف، وابنه معه، ويريد أن يخذله(١) بين النّاس. لا، واللّات والعزّى، حتّى نقتحم عليهم بيثرب، ونأخذهم أسارى. فندخلهم مكّة، وتتسامع العرب بذلك، ولا يكون بيننا وبين متجرنا أحد نكرهه.

وبلغ أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كثرة قريش، ففزعوا فزعا شديدا وشكوا وبكوا واستغاثوا. فأنزل الله على رسوله:( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .

فلمّا أمسى(٢) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وجنّه اللّيل، ألقى الله على أصحابه النّعاس حتّى ناموا. وأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ عليهم السّماء(٣) ، وكان نزول(٤) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في موضع لا يثبت فيه القدم، فأنزل الله عليهم السّماء [ولبّد الأرض](٥) حتى تثبت الأقدام. وهو قول الله ـ تبارك وتعالى ـ:( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ) . وذلك أنّ بعض أصحاب النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ احتلم.( وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ ) .

وكان المطر على قريش، مثل العزالي(٦) . وكان على أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ رذاذا(٧) بقدر ما يلبّد الأرض. وخافت قريش خوفا شديدا، فأقبلوا يتحارسون يخافون البيات.

فبعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عمّار بن ياسر وعبد الله بن مسعود، فقال: ادخلا في القوم واتياني(٨) بأخبارهم.

__________________

(١) المصدر: يحذر (يخذل ـ خ)

(٢) المصدر: مشى.

(٣) المصدر: الماء، والسماء هنا بمعنى المطر.

(٤) المصدر: نزل.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) العزالي: جمع العزلاء: مصب الماء من الراوية. ومنه قولهم: أرخت السّماء عزاليها.

(٧) الرذاذ: المطر الضعيف.

(٨) كذا في المصدر، وفي النسخ: ائتونا.

٢٨٤

فكانا يجولان في عسكرهم. لا يرون إلّا خائفا ذعرا، إذا سمعوا(١) سهل الفرس وثبوا(٢) على جحفلته. فسمعوا منبّه بن الحجّاج يقول: لا يترك الجوع لنا مبيتا لا بدّ أن نموت أو نميتا.

قال: قد والله، كانوا شباعا، ولكنّهم من الخوف قالوا هذا.

وألقى الله في(٣) قلوبهم الرّعب، كما قال الله ـ تعالى ـ:( سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ) (٤) .

فلمّا أصبح رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. عبّأ أصحابه. وكان في عسكر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فرسان: فرس للزّبير بن العوّام، وفرس للمقداد بن أسود.

وكان في عسكره سبعون جملا يتعاقبون عليها. وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعليّ بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد الغنويّ على جمل يتعاقبون عليه، والجمل لمرثد. وكان في عسكر قريش أربعمائة فرس. فعبّأ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أصحابه بين يديه، وقال: غضّوا أبصاركم، ولا تبدأوهم بالقتال، ولا يتكلّمنّ أحد.

فلمّا نظرت قريش إلى قلة أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ، قال أبو جهل: ما هم إلّا أكلة رأس. ولو بعثنا إليهم عبيدنا، لأخذوهم أخذا باليد.

فقال عتبة بن ربيعة: أترى لهم كمينا ومددا؟

فبعثوا عمرو بن وهب الجمحيّ. وكان فارسا شجاعا. فجال بفرسه حتى طاف على(٥) عسكر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ثمّ صعد في(٦) الوادي، وصوّت. ثمّ رجع إلى قريش، فقال: ما لهم كمين ولا مدد، ولكن نواضح يثرب قد حملت الموت النّاقع. أما ترونهم خرسا لا يتكلّمون؟ يتلمّظون تلمّظ الأفاعي. ما لهم ملجأ إلّا سيوفهم. وما أراهم يولّون حتّى يقتلوا(٧) ، ولا يقتلون حتّى يقتلوا بعددهم. فارتئوا رأيكم.

فقال له أبو جهل: كذبت وجبنت، وانتفخ سحرك(٨) حين نظرت إلى سيوف

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر: وثب.

(٣) المصدر: على.

(٤) الأنفال / ١٢.

(٥) المصدر: إلى.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) المصدر: يقتلون.

(٨) السحر: الرئة. وانتفاخ السحر كناية عن الجبن. وفي المصدر: منخرك.

٢٨٥

أهل(١) يثرب.

وفزع أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين نظروا إلى كثرة قريش وقوّتهم. فأنزل الله على رسوله( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) (٢) . وقد علم الله أنّهم لا يجنحون ولا يجيبون إلى السّلم، وإنّما أراد بذلك ليطيّب قلوب أصحاب النّبيّ.

فبعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى قريش، فقال: يا معشر قريش، ما أحد من العرب أبغض إليّ من أن أبدأ(٣) بكم. فخلّوني والعرب. فإن أك صادقا، فأنتم أعلى بي عينا. وإن أك كاذبا، كفتكم ذؤبان العرب أمري. فارجعوا.

فقال عتبة: والله، ما أفلح قوم قطّ ردّوا هذا.

ثمّ ركب جملا له أحمر.

فنظر إليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يجول في العسكر وينهى عن القتال، فقال: إن يكن عند أحد خير، فعند صاحب الجمل الأحمر. إن يطيعوه، يرشدوا.

فأقبل عتبة يقول: يا معشر قريش، اجتمعوا واسمعوا(٤) . ثمّ خطبهم، فقال: يمن مع رحب، ورحب مع يمن. يا معشر قريش، أطيعوني اليوم وأعصوني الدّهر. وارجعوا إلى مكّة، واشربوا الخمور وعانقوا الحور. فإنّ محمّدا له إلّ وذمّة. وهو ابن عمّكم. فارجعوا، ولا تردّوا(٥) رأيي. وإنّما تطالبون بالعير الّتي أخذها محمّد بنخلة(٦) ، ودم ابن الحضرميّ، وهو حليفي وعليّ عقله.

فلمّا سمع أبو جهل ذلك، غاظه(٧) وقال: إنّ عتبة أطول النّاس لسانا، وأبلغهم في الكلام. ولئن رجعت قريش بقوله، ليكوننّ سيّد قريش آخر الدّهر.

ثمّ قال: يا عتبة، نظرت إلى سيوف بني عبد المطّلب وجبنت وانتفخ سحرك وتأمر النّاس بالرّجوع، وقد رأينا [ثأرنا](٨) بأعيننا.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) الأنفال / ٦١.

(٣) المصدر: «إليّ ممّن بدأ» بدل: «إليّ من أن أبدأ».

(٤) المصدر: استمعوا.

(٥) لا تنبذوا.

(٦) المصدر: بنخيلة.

(٧) هامش المصدر: أي أداره في فيه.

(٨) من المصدر.

٢٨٦

فنزل عتبة عن جمله وحمل على أبي جهل، وكان على فرس، فأخذ بشعره.

فقال النّاس: يقتله.

فعرقب فرسه وقال: أمثلي يجبن؟ وستعلم قريش اليوم أيّنا الأم وأجبن(١) ، وأيّنا المفسد لقومه. لا يمشي إلّا أنا وأنت إلى الموت عيانا. ثمّ قال: هذا جناي وخياره فيه وكلّ جان يده إلى فيه.

ثمّ أخذ بشعره يجرّه.

فاجتمع إليه النّاس، فقالوا: يا أبا الوليد، الله الله، لا تفتّ في أعضاد النّاس.

تنهى عن شيء وتكون أوّله.

فخلّصوا أبا جهل من يده.

فنظر عتبة إلى أخيه شيبه ونظر إلى ابنه الوليد، فقال: قم، يا بنيّ.

فقام. ثمّ لبس درعه. وطلبوا له بيضة يتسع(٢) رأسه، فلم يجدوها لعظم هامته.

فاعتمّ بعمامتين. ثمّ أخذ سيفه، وتقدّم هو وأخوه وابنه ونادى: يا محمّد، أخرج إلينا أكفاءنا من قريش.

فبرز إليه ثلاثة نفر من الأنصار، عوذ ومعوّذ(٣) وعوف من بني عفراء.

فقال عتبة: من أنتم؟ انتسبوا لنعرفكم.

فقالوا: نحن بنو عفراء، أنصار الله وأنصار رسوله.

فقالوا: ارجعوا، فإنّا لسنا إيّاكم نريد. إنّما نريد الأكفاء من قريش.

فبعث إليهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن ارجعوا، فرجعوا. وكره أن يكون أوّل الكرّة بالأنصار، فرجعوا ووقفوا موقفهم.

ثمّ نظر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب، وكان له سبعون سنة، فقال له: قم يا عبيدة.

فقام بين يديه بالسّيف.

ثمّ نظر إلى حمزة بن عبد المطّلب، فقال له: قم، يا عمّ.

__________________

(١) كذا في المصدر، وفي النسخ: الأليم والأجبن.

(٢) المصدر ور وب: تسع.

(٣) المصدر: عود ومعود.

٢٨٧

ثم نظر إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فقال له: قم، يا عليّ ـ وكان أصغر القوم(١) ـ فاطلبوا بحقّكم الّذي جعله الله لكم. فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها، تريد أن تطفى نور الله ويأبى الله إلّا أن يتمّ نوره.

ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: يا عبيدة، عليك بعتبة. وقال لحمزة: عليك بشيبة. وقال لعليّ: عليك بالوليد بن عتبة.

فمرّوا حتى انتهوا إلى القوم.

فقال عتبة: من أنتم؟ انتسبوا لنعرفكم.

فقال [عبيدة](٢) : أنا عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب.

فقال: كفو كريم. فمن هذان؟

فقال: حمزة بن عبد المطّلب، وعليّ بن أبي طالب.

فقال: كفوان كريمان. لعن الله من أوقفنا وإيّاكم هذا الموقف.

فقال شيبة لحمزة: من أنت؟

فقال: أنا حمزة بن عبد المطّلب، أسد الله وأسد رسوله.

فقال له شيبة: لقد لقيت أسد الحلفاء. فانظر كيف تكون صولتك، يا أسد الله.

فحمل عبيدة على عتبة، فضربه على رأسه ضربة فلق هامته.

وضرب عتبة عبيدة على ساقه، فقطعها وسقطا جميعا. وحمل حمزة على شيبة، فتضاربا بالسّيفين حتى انثلما. وكلّ واحد منهما يتّقي بدرقته. وحمل أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ على الوليد بن عتبة، فضربه على حبل عاتقه، فأخرج السّيف من إبطه. فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ: فأخذ يمينه المقطوعة بيساره، فضرب بها هامتي، فظننت أنّ السّماء وقعت على الأرض.

ثمّ اعتنق حمزة وشيبة، فقال المسلمون: يا عليّ، أما ترى الكلب قد بهر(٣) عمّك.

فحمل إليه عليّ ـ عليه السّلام ـ. ثمّ قال: يا عمّ، طأطئ رأسك. وكان حمزة أطول من شيبة. فأدخل حمزة رأسه في صدره، فضربه أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ على رأسه فطير(٤) نصفه. ثمّ جاء إلى عتبة وبه رمق، فأجهز عليه. وحمل عبيدة بين حمزة وعليّ حتّى

__________________

(١) المصدر: وكان أصغرهم فقال .

(٢) من المصدر.

(٣) بهر: غلب. وفي المصدر: أبهر.

(٤) إلى هنا ليس في نسخة «أ».

٢٨٨

أتيا به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فنظر إليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فاستعبر.

فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، ألست شهيدا؟

قال: بلى، أنت أوّل شهيد من أهل بيتي.

فقال: أمّا لو كان عمك حيّا، لعلم أني أولى بما قال منه.

قال: وأيّ أعمامي تعني؟

قال: أبو طالب، حيث يقول :

كذبتم وبيت الله نبرى محمدا

ولما نطاعن دونه ونناضل

ونسلمه حتى نصرّع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله: أما ترى ابنه: كاللّيث العادي بين يدي الله ورسوله، وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة؟

فقال: يا رسول الله، أسخطت عليّ في هذه الحالة؟

فقال: ما سخطت عليك، ولكن ذكرت عمي فانقبضت لذلك.

وقال أبو جهل لقريش: لا تعجلوا ولا تبطروا، كما عجل وبطر أبناء ربيعة.

عليكم بأهل يثرب، فاجزروهم جزرا. وعليكم بقريش، فخذوهم أخذا حتّى ندخلهم مكّة فنعرّفهم ضلالتهم التي كانوا عليها.

وكان فئة(١) من قريش أسلموا بمكّة فأجلسهم(٢) آباؤهم. فخرجوا مع قريش إلى بدر وهم على الشّكّ والارتياب والنّفاق، منهم قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكهة، والحارث بن ربيعة، وعليّ بن أمية بن خلف، والعاص بن المنبّه. فلمّا نظروا إلى قلة أصحاب محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ قالوا: مساكين هؤلاء، نحرهم(٣) دينهم فيقتلون الساعة. فأنزل الله على رسوله( إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (٤) .

وجاء إبليس ـ عليه اللّعنة ـ إلى قريش في صورة سراقة بن مالك، فقال لهم: «إني جار لكم»(٥) ادفعوا إليّ رايتكم. فدفعوها إليه. وجاء بشياطينه يهول بهم على

__________________

(١) المصدر: فتية.

(٢) المصدر: فاحتبسهم.

(٣) المصدر: غرّهم.

(٤) الأنفال / ٤٩.

(٥) المصدر: أنا جاركم.

٢٨٩

أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ويخيل إليهم ويفزعهم. وأقبلت قريش يقدمها إبليس معه الرّاية.

فنظر إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فقال: غضّوا أبصاركم، وعضّوا على النّواجذ، ولا تسلّوا سيفا حتّى آذن لكم. ثمّ رفع يده إلى السّماء، فقال: يا ربّ، إن تهلك هذه العصابة لم تعبد. وان شئت أن لا تعبد، لا تعبد.

ثمّ أصابه الغشي، فسرى عنه وهو يسكب العرق عن وجهه وهو يقول: هذا جبرئيل قد أتاكم في ألف من الملائكة مردفين.

قال: فنظرنا، فإذا سحابة سوداء فيها برق لائح وقد وقعت على عسكر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ. وقائل يقول: أقدم حيزوم، أقدم حيزوم(١) . وسمعنا قعقعة السّلاح من الجوّ.

ونظر إبليس إلى جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فراجع(٢) ورمى باللّواء. فأخذ منبه بن الحجاج بمجامع ثوبه، ثمّ قال: ويلك، يا سراقة، تفتّ في أعضاد النّاس.

فركله إبليس ركلة في صدره، وقال: إني بريء منكم(٣) ، إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله. وهو قول الله:( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ، فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ ) (٤) . ثمّ قال ـ عزّ وجلّ ـ:( وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ) (٥) .

وحمل جبرئيل على إبليس، فطلبه حتّى غاص في البحر. وقال: ربّ، أنجز لي ما وعدتني من البقاء إلى يوم القيامة(٦) .

روي في خبر: أنّ إبليس التفت إلى جبرئيل وهو في الهزيمة، فقال: يا هذا، بدا(٧) لكم فيما أعطيتمونا؟

__________________

(١) حيزوم: اسم فرس جبرئيل. أي: أقدم يا حيزوم.

(٢) المصدر: فتراجع.

(٣) ليس في المصدر: «إنّي بريء منكم».

(٤) الأنفال / ٤٨.

(٥) الأنفال / ٥٠.

(٦) المصدر: يوم الدّين.

(٧) المصدر: أبدا.

٢٩٠

فقيل لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ: أترى كان يخاف أن يقتله؟

فقال: لا ولكنّه كان يضربه ضربة يشينه منها إلى يوم القيامة.

وأنزل الله على نبيّه( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ، فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ ) (١) . قال: أطراف الأصابع. فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد أن تطفئ نور الله، ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره.

وخرج أبو جهل من بين الصّفين، فقال: أللّهمّ(٢) ، إن محمّدا قطعنا الرّحم وأتانا بما لا نعرفه، فأهنه(٣) الغداة.

فأنزل الله على رسوله( إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ، وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ، وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٤) .

ثم أخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ كفا من حصاة، فرمى به في وجوه قريش وقال: شاهت الوجوه. فبعث الله رياحا تضرب في وجوه قريش، فكانت الهزيمة. ثمّ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ: أللّهمّ، لا يغلبنّك(٥) فرعون هذه الأمة، أبو جهل بن هشام.

فقتل منهم سبعين وأسر منهم سبعين.

والتقى عمرو بن الجموح مع أبي جهل، فضرب عمرو أبا جهل على فخذه، وضرب أبو جهل عمروا على يده فأبانها من العضد فتعلّقت بجلدة. فاتكأ عمرو على يده برجله، ثمّ تراخى(٦) في السّماء حتّى انقطعت الجلدة ورمى بيده.

وقال عبد الله بن مسعود: انتهيت إلى أبي جهل وهو يتشحّط بدمه، فقلت: الحمد لله الّذي أخزاك.

فرفع رأسه، فقال: إنّما أخزى الله عبد بن أمّ عبد. لمن الدين(٧) ، ويلك؟

قلت: لله وللرّسول، وإنّي قاتلك، ووضعت رجلي على عنقه.

__________________

(١) الأنفال / ١٢.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: فأحنه، أي: أهلكه.

(٤) الأنفال / ١٩.

(٥) المصدر: لا يفلتن.

(٦) المصدر: نزا.

(٧) الدين هنا: القهر والغلبة والاستعلاء.

٢٩١

فقال: لقد(١) ارتقيت مرتقى صعبا، يا رويعي الغنم. أما إنّه ليس شيء أشدّ من قتلك إيّاي في هذا اليوم. ألّا تولّي قتلي رجلا من المطلبيين، أو رجلا من الأحلاف؟

فانقلعت(٢) بيضة كانت على رأسه، فقتلته. وأخذت رأسه وجئت به إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ. فقلت: يا رسول الله، البشرى. هذا رأس أبي جهل بن هشام.

فسجد لله شكرا.

وأسر أبو بشير الأنصاريّ العبّاس بن عبد المطّلب وعقيل بن أبي طالب، وجاء بهما إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقال له: هل أعانك عليهما أحد؟

قال: نعم، رجل عليه ثياب بيض.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذاك من الملائكة.

ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ للعبّاس: أفد نفسك وابن أخيك.

فقال: يا رسول الله، قد كنت أسلمت ولكن القوم استكرهوني.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: أعلم بإسلامك إن يكن ما تذكر حقّا، فإنّ الله يجزيك(٣) عليه. فأمّا ظاهر أمرك، فقد كنت علينا.

ثمّ قال: يا عبّاس، إنكم خاصمتم الله، فخصمكم.

ثمّ قال: أفد نفسك وابن أخيك.

وقد كان العبّاس أخذ معه أربعين أوقيّة من ذهب.

فغنمها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فلمّا قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ للعبّاس: «أفد نفسك» قال: يا رسول الله، أحسبها من فدائي.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: لا، ذاك شيء أعطانا الله منك. فأفد نفسك وابن أخيك.

فقال العبّاس: ليس لي مال غير الّذي ذهب منّي.

قال: بلى، المال الّذي خلّفته عند أمّ الفضل بمكّة. وقلت لها: إن حدث عليّ حدث، فاقسموه بينكم.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر: فاقتلعت.

(٣) المصدر: يجزك.

٢٩٢

فقال له: تتركني وأنا أسأل النّاس بكفي.

فأنزل الله على رسوله في ذلك( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) . ثمّ قال الله:( وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ ) [في علي](١) ( فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (٢) .

ثمّ قال رسول الله لعقيل: قد قتل الله، يا أبا يزيد، أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومنبّه ونبيه، ابني الحجّاج ونوفل بن خويلد. وأسر سهيل بن عمرو والنضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط وفلان وفلان.

فقال عقيل: إذا لا تنازعوا في تهامة. فإن كنت قد أثخنت القوم، وإلّا فاركب أكتافهم.

فتبسم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من قوله.

وكان القتلى ببدر سبعين، والأسرى سبعين. قتل منهم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ سبعة وعشرين، ولم يؤسر أحدا. فجمعوا الأسارى، وقرنوهم في الحبال، وساقوهم على أقدامهم، وجمعوا الغنائم. وقتل من أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ تسعة رجال، فيهم(٣) سعد بن خيثمة، وكان من النّقباء. فرحل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ونزل الأثيل عند غروب الشّمس، وهو من بدر على ستّة أميال. فنظر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى عقبة بن أبي معيط وإلى النضر بن الحارث بن كلدة، وهما في قرآن(٤) واحد.

فقال النّضر لعقبة: يا عقبة أنا وأنت مقتولان.

قال عقبة: من بني(٥) قريش؟

قال: نعم. لأنّ محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ قد نظر إلينا نظرة، رأيت فيها القتل.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: يا عليّ، عليّ بالنّضر وعقبة.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الأنفال / ٧٠ و ٧١.

(٣) المصدر: فمنهم.

(٤) المصدر: قرن. والقرن ـ محرّكة ـ الحبل يجمع به البعيران.

(٥) المصدر: بين.

٢٩٣

وكان النّضر رجلا جميلا، عليه شعر. فجاء عليّ ـ عليه السّلام ـ فأخذ بشعره فجرّه إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقال النضر: يا محمد، أسألك بالرّحم الّذي بيني وبينك إلا أجريتني، كرجل من قريش. إن قتلتهم، قتلتني. وإن فاديتهم، فاديتني. وإن أطلقتهم، أطلقتني. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: لا رحم بيني وبينك، قطع الله الرحم بالإسلام. قدّمه، يا عليّ، فاضرب عنقه.

فقال عقبة: يا محمّد، ألم تقل: لا تصبر قريش، أي: لا يقتلون صبرا؟

قال: وأنت(١) من قريش؟ إنّما أنت علج من أهل صفوريّة. لا أنت في الميلاد أكبر من أبيك الّذي تدعى له، ليس منها. قدّمه، يا عليّ، فاضرب عنقه.

فقدّمه، فضرب عنقه. فلمّا قتل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ النضر وعقبة، خافت الأنصار أن يقتل الأسارى كلّهم. فقاموا إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقالوا: يا رسول الله، قد قتلنا سبعين وأسرنا سبعين. وهم قومك وأساراك. هبهم لنا، يا رسول الله، وخذ منهم الفداء وأطلقهم. فأنزل الله عليه( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ* فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً ) (٢) . فأطلق لهم أن يأخذوا الفداء ويطلقوهم، وشرط أنّه يقتل منهم في عام قابل بعدد من يأخذون منهم الفداء. فرضوا منه بذلك. وتمام الحديث مضى في سورة آل عمران.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً ) : كثيرا. بحيث يرى لكثرتهم كأنّهم يزحفون، أي: يدبّون.

وهو مصدر زحف الصبيّ: إذا دبّ على مقعده قليلا. سمّي به. وجمع على زحوف. وانتصابه على الحال.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) ، أي: يدنوا بعضهم(٤) من بعض.

( فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) (١٥): بالانهزام، فضلا أن يكونوا مثلكم أو أقلّ

__________________

(١) المصدر.

(٢) الأنفال / ٦٧ ـ ٦٩.

(٣) تفسير القمي ١ / ٢٧٠.

(٤) المصدر: بعضكم.

٢٩٤

منكم.

والأظهر أنّها محكمة، مخصوصة بقوله:( حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ) (الآية).

ويجوز أن ينتصب «زحفا» على الحال من الفاعل والمفعول، أي: إذا لقيتموهم متزاحفين يدبّون إليكم وتدبون إليهم، فلا تنهزموا. أو من الفاعل وحده، ويكون أشعارا بما سيكون منهم يوم حنين حين تولّوا، وهم اثنا عشر ألفا.

( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ ) : يريد الكر بعد الفرّ وتغرير العدوّ، فانّه من مكائد الحرب.

( أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ ) ، أي: منحازا إلى طائفة أخرى من المسلمين على القرب، ليستعين بهم.

ومنهم من لم يعتبر القرب، لما نقل(١) ابن عمر أنّه كان في سريّة بعثهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ففرّوا إلى المدينة.

فقلت: يا رسول الله، نحن الفرّارون؟

فقال: بل أنتم العكارون، وأنا فئتكم.

وانتصاب «متحرّفا» و «متحيزا» على الحال، وإلّا لغو لا عمل لها. أو الاستثناء من المولين، أي: إلّا رجلا متحرفا أو متحيزا.

ووزن «متحيّز» «متفيعل» لا «متفعّل»، وإلا لكان متحوزا، من حاز يحوز.

( فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (١٦).

قيل: هذا إذا لم يزد العدوّ على الضعف، لقوله:( الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ ) (الآية).

وقيل(٢) : الآية مخصوصة بأهل بيته(٣) ، والحاضرين معه في الحرب.

وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن أبي أسامة، زيد الشّحام قال: قلت لأبي الحسن ـ عليه السّلام ـ: جعلت فداك، إنّهم يقولون: ما منع عليا، ان كان له حقّ، أن يقوم بحقّه؟

فقال: إنّ الله لم يكلّف هذا أحدا إلّا نبيّه ـ عليه وآله السّلام ـ قال له :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٨

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٨.

(٣) ح: بدر.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٥١، ح ٣١.

٢٩٥

( فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ) (١) . وقال لغيره:( إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ ) (٢) . فعليّ لم يجد فئة. ولو وجد فئة، لقاتل.

ثمّ قال: لو كان جعفر وحمزة حيّين، إنّما هما رجلان(٣) . قال:( مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ ) . قال: متطرّفا(٤) يريد الكرة عليهم. «أو متحيزا»، يعني: متأخرا إلى أصحابه من غير هزيمة. فمن انهزم حتى يخوض(٥) صفّ أصحابه،( فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ) .

عن زرارة(٦) ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال: قلت: الزّبير شهد بدرا؟

قال: نعم، ولكنّه فرّ يوم الجمل. فإن كان قاتل المؤمنين، فقد هلك بقتاله إياهم. وان كان قاتل كفّارا،( فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ) ، حين ولّاهم دبره.

[سئل](٧) عن أبي جعفر(٨) ـ عليه السّلام ـ ما شأن أمير المؤمنين حين ركب منه ما ركب، [لم يقاتل](٩) .

فقال: للّذي(١٠) سبق في علمه أن يكون. ما كان لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أن يقاتل وليس معه إلّا ثلاثة رهط(١١) ، فكيف يقاتل؟ ألم تسمع قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً ـ إلى ـوَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) . فكيف يقاتل أمير المؤمنين بعدها، وإنّما هو يومئذ ليس معه [مؤمن](١٢) غير ثلاثة رهط.

وفي كتاب الخصال(١٣) ، في مناقب أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وتعدادها: وقال ـ عليه السّلام ـ: وأمّا الثّالثة والسّتّون، فاني لم أفرّ من الزّحف قطّ، ولم يبارزني أحد إلّا سقيت الأرض من دمه.

وفي عيون الأخبار(١٤) ، في باب ما كتب به الرضا ـ عليه السّلام ـ إلى محمد بن سنان

__________________

(١) النساء / ٨٤.

(٢) الانفال / ١٦.

(٣) للعلامة المجلسي ـ رحمه الله ـ بيان فيه. راجع البحار (ط. الكمباني) ٨ / ١٥٢.

(٤) المصدر: «متطرّدا»، أي: متباعدا.

(٥) المصدر: يجوز.

(٦) تفسير العيّاشي ٢ / ٥١، ح ٢٩.

(٧) ما بين المعقوفتين منّا.

(٨) تفسير العيّاشي ٢ / ٥١، ح ٣٠.

(٩) من المصدر.

(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ: الله من، بدل: للّذي.

(١١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: برهط. (١٢) من المصدر. (١٣) الخصال / ٥٨٠.

(١٤) العيون ٢ / ٩٢.

٢٩٦

في جواب مسائله في العلل: وحرّم الله ـ تعالى ـ الفرار من الزّحف لما فيه من الوهن في الدّين، والاستخفاف بالرّسل والائمّة العادلة ـ عليهم السّلام ـ وترك نصرتهم على الأعداء، والعقوبة لهم على انكار ما دعوا إليه من الإقرار بالرّبوبيّة وإظهار العدل، وترك الجور، وإماتته والفساد(١) ، لما في ذلك من جرأة العدو على المسلمين، وما يكون من السّبي والقتل وإبطال من دين الله ـ عزّ وجلّ ـ وغيره من الفساد.

وفي الكافي(٢) : علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي حمزة، عن عقيل الخزاعيّ، أنّ أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ كان إذا حضر الحرب، يوصي المسلمين بكلمات يقول: تعاهدوا الصّلاة ـ إلى أن قال عليه السّلام ـ: ثمّ أنّ الرعب والخوف من جهاد المستحق للجهاد والمؤازرين على الضّلال ضلال في الدين، وسلب للدّنيا مع الذّلّ والصّغار، وفيه استيجاب النّار بالفرار من الزحف عند حضرة القتال. يقول الله ـ تعالى ـ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ )

أحمد بن محمّد الكوفيّ(٣) ، عن ابن جمهور، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن مفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وعن عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ لأصحابه: إذا لقيتم عدوكم في الحرب، فأقلّوا الكلام واذكروا الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) فتسخطوا الله ـ تبارك وتعالى ـ وتستوجبوا غضبه.

محمّد بن يحيى(٤) ، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن الحسن بن صالح، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: كان يقول: من فرّ من رجلين في القتال من الزحف، فقد فرّ. ومن فرّ من ثلاثة في القتال من الزّحف، فلم يفرّ.

( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ) : بقوّتكم.

( وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ ) : بنصركم وتسليطكم عليهم، وإلقاء الرّعب في قلوبهم.

نقل(٥) : انّه لـمـّـا طلعت قريش من العقنقل، قال ـ عليه السّلام ـ: هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك. أللّهمّ، إنّي أسألك ما وعدتني.

__________________

(١) المصدر: وإماتة الفساد.

(٢) الكافي ٥ / ٣٦ و ٣٨.

(٣) الكافي ٥ / ٤٢، ح ٥.

(٤) الكافي ٥ / ٣٤، ح ١.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٨.

٢٩٧

فأتاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ وقال له: خذ قبضة من تراب، فارمهم بها.

فلمّا التقى الجمعان، تناول كفّا من الحصباء فرمى بها في وجوههم وقال: شاهت الوجوه. فلم يبق مشرك الّا شغل بعينيه. فانهزموا، وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم. ثمّ لـمـّـا انصرفوا، أقبلوا على التّفاخر. فيقول الرجل: قتلت وأسرت. فنزلت.

و «الفاء» جواب شرط محذوف، تقديره: إن فخرتم(١) بقتلهم فلم تقتلوهم، ولكن الله قتلهم.

( وَما رَمَيْتَ ) : يا محمّد، رميا توصله إلى أعينهم ولم تقدر عليه.

( إِذْ رَمَيْتَ ) : أي: أتيت بصورة الرّمي.

( وَلكِنَّ اللهَ رَمى ) ، أي: أتى بما هو غاية الرّمي، فأوصلها إلى أعينهم حتى انهزموا وتمكنتم من قطع دابرهم.

وقد عرفت أنّ اللّفظ يطلق على المسمّى، وعلى ما هو كماله، والمقصود منه.

وقيل(٢) : معناه: ما رميت بالرّعب إذ رميت بالحصباء، ولكنّ الله رمى بالرّعب في قلوبهم.

وقيل(٣) : انّه نزل في طعنة طعن بها أبي بن خلف يوم أحد، ولم يخرج منه دم، فجعل يخور حتّى مات. أو رمية سهم رماه يوم حنين نحو الحصن، فأصاب لبابة بن الحقيق(٤) على فراشه.

وفي تفسير(٥) علي بن ابراهيم، يعني: الحصى الّذي حمله رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ورمى به في وجوه قريش، وقال: شاهت الوجوه.

وفي كتاب الاحتجاج(٦) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل. وفيه قال في هذه الآية: سمّي فعل النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فعلا له. ألا ترى تأويله على غير تنزيله.

__________________

(١) المصدر: افتخرتم.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٩.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٩.

(٤) المصدر: كنانة بن أبي الحقيق.

(٥) تفسير القمي ١ / ٢٧٠ ـ ٢٧١.

(٦) الاحتجاج ١ / ٣٧٢.

٢٩٨

وفي تفسير العياشيّ(١) : عن محمّد بن كليب الأسديّ، عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله:( وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى ) .

قال: عليّ ناول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ القبضة التي رمى بها.

وفي خبر آخر(٢) عنه: أنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ ناوله قبضة من تراب، رمى بها.

عن عمرو بن أبي المقدام(٣) ، عن عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ قال: ناول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عليّ بن أبي طالب قبضة من تراب [القبضة](٤) التي رمى بها في وجوه المشركين. فقال [الله](٥) :( وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى ) .

وفي كتاب الخصال(٦) ، في مناقب أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وتعدادها. قال ـ عليه السّلام ـ: وأمّا الخامسة والثّلاثون، فإن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وجهني يوم بدر فقال: ائتني بكف حصيات مجموعة في مكان واحد. فأخذتها ثمّ شممتها، فإذا هي طيّبة تفوح منها رائحة المسك. فأتيته بها، فرمى بها وجوه المشركين. وتلك الحصيات أربع منها كن(٧) من الفردوس وحصاة من المشرق، وحصاة من المغرب، وحصاة من تحت العرش. مع كلّ حصاة مائة ألف ملك مداد لنا. لم يكرم الله ـ عزّ وجلّ ـ بهذه الفضيلة أحدا قبلنا ولا بعدنا.

( وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً ) : ولينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة، ومشاهدة الآيات.

( إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ ) : لاستغاثتهم ودعائهم.

( عَلِيمٌ ) (١٧): بنيّاتهم وأحوالهم.

( ذلِكُمْ ) : إشارة إلى البلاء الحسن أو القتل، أو الرّمي.

ومحلّه الرّفع، أي: المقصود، أو الأمر «ذلكم».

( وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ ) (١٨): معطوف عليه، أي: المقصود إيلاء المؤمنين، وتوهين كيد الكافرين وإبطال حيلهم.

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٥٢، ح ٣٢.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٥٢، ح ٣٣.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٥٢، ح ٣٤.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) من المصدر.

(٦) الخصال / ٥٧٦.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ: كان.

٢٩٩

وقرأ(١) ابن كثير ونافع وابو عمرو: «موهن» بالتّشديد. وحفص: «موهن كيد الكافرين» بالإضافة والتّخفيف.

( إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ ) قيل(٢) : خطاب لأهل مكّة على سبيل التّهكم. وذلك أنّهم حين أرادوا الخروج، تعلّقوا بأستار الكعبة وقالوا: أللّهمّ، انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين.

وفي مجمع البيان(٣) ، في حديث أبي حمزة: قال أبو جهل: أللّهمّ ربّنا، ديننا القديم ودين محمّد الحديث. فأي الدّينين كان أحبّ إليك وأرضى عندك، فانصر أهله اليوم.

وروي أنّه قال: أيّنا أهجر وأقطع للرّحم، فأهنه اليوم فأهلكه.

وقيل(٤) : خطاب للمؤمنين، وكذا القولان فيما بعده.

( وَإِنْ تَنْتَهُوا ) : عن الكفر، ومعاداة الرسول.

( فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) : لتضمنه سلامة الدّارين وخير المنزلين.

( وَإِنْ تَعُودُوا ) : لمحاربته.

( نَعُدْ ) : لنصره.

( وَلَنْ تُغْنِيَ ) : ولن تدفع.

( عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ ) : جماعتكم.

( شَيْئاً ) : من الإغناء، أو المضارّ.

( وَلَوْ كَثُرَتْ ) : فئتكم.

( وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) (١٩): بالنّصر والمعونة.

وقرأ نافع(٥) وابن عامر وحفص: «وأنّ» بالفتح. على تقدير: ولأنّ الله مع المؤمنين كان ذلك.

وقيل(٦) : الآية خطاب للمؤمنين. والمعنى: إن تستنصروا، فقد جاءكم النصر.

وإن تنتهوا عن التّكاسل في القتال والرغبة عمّا يستأثره الرّسول،( فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) . «وإن تعودوا إليه، نعد» عليكم بالإنكار أو تهييج العدوّ. «ولن تغني» حينئذ كثرتكم، إذا لم

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٩.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٥٣١.

(٤) تفسير الصافي ٢ / ٢٨٨.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٩.

(٦) نفس المصدر، والموضع.

٣٠٠

يكن الله معكم بالنّصر. فإنه مع الكاملين في إيمانهم. ويؤيّد ذلك:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ ) : ولا تتولوا عن الرّسول. فإنّ المراد من الآية: الأمر بطاعته والنهي عن الإعراض عنه.

وذكر طاعة الله، للتّوطئة، والتّنبيه على أنّ طاعة الله هي طاعة الرّسول لقوله:( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) .

وقيل: الضّمير للجهاد، أو للأمر الّذي دلّ عليه الطّاعة.

( وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) (٢٠): القرآن والمواعظ، سماع فهم وتصديق.

( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا ) ، كالكفرة والمنافقين، الّذين ادّعوا السّماع.

( وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ) (٢١): ينتفعون به، فكأنّهم لا يسمعون رأسا.

( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ ) : شرّ ما يدبّ على الأرض، أو شرّ البهائم.

( الصُّمُ ) : عن الحقّ.

( الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ) (٢٢): إيّاه. عدّهم من البهائم، ثمّ جعلهم شرّها لإبطالهم ما امتازوا به وفضّلوا لأجله.

( وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً ) : سعادة كتبت لهم، أو انتفاعا بالآيات.

( لَأَسْمَعَهُمْ ) : سماع تفهم.

( وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ ) : وقد علم أن لا خير فيهم.

( لَتَوَلَّوْا ) : ولم ينتفعوا به، وارتدّوا بعد التصديق والقبول.

( وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) (٢٣): لعنادهم.

وقيل(١) : كانوا يقولون للنبيّ: أحي لنا قصيا. فإنّه كان شيخا مباركا، حتى يشهد لك ونؤمن بك.

والمعنى: لأسمعهم كلام قصيّ.

وفي مجمع البيان(٢) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ: نزلت في بني عبد الدار. لم يكن أسلم منهم غير مصعب بن عمير، وحليف لهم يقال له: سويط(٣) .

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ) : بالطّاعة.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٠.

(٢) مجمع البيان ٢ / ٥٣٢.

(٣) المصدر: سويبط.

٣٠١

( إِذا دَعاكُمْ ) .

وحدّ الضّمير فيه لما سبق. ولأنّ دعوة الله تسمع من الرّسول.

نقل(١) : أنّه ـ عليه السّلام ـ مرّ على أبي وهو يصلي. فدعاه، فعجل في صلاته ثمّ جاء.

فقال: ما منعك عن إجابتي؟

قال: كنت أصلي.

قال: ألم تخبر فيما أوحى الله إليّ( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ) ؟

( لِما يُحْيِيكُمْ ) .

قيل(٢) : من العلوم الدّينية. فإنّها حياة القلب، والجهل موته. قال: لا تعجبنّ الجهول حلّته فذاك ميت وثوبه كفن.

أو ممّا يورثكم الحياة الأبديّة في النّعيم الدائم، من العقائد والأعمال. أو من الجهاد، فإنّه سبب بقائكم. إذ لو تركوه، لغلبهم العدوّ وقتلهم. أو الشّهادة لقوله ـ تعالى ـ:( بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) (٣) .

وفي روضة الكافي(٤) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد جميعا، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن عبد الله بن مسكان، عن زيد بن الوليد الخثعميّ، عن أبي الربيع الشاميّ قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن هذه الآية.

قال: نزلت في ولاية عليّ ـ عليه السّلام ـ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : قال: «الحياة» الجنة.

حدثنا أحمد بن محمّد، عن جعفر بن عبد الله، عن كثير بن عيّاش، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول في هذه الآية: ولاية عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ فإنّ اتباعكم إيّاه وولايته، أجمع لأمركم وأبقى للعدل فيكم.

وفي شرح الآيات الباهرة(٦) ، تأويله أورد من طريق العامّة نقله ابن مردويه، عن

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٠.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) آل عمران / ١٦٩.

(٤) الكافي ٨ / ٢٤٨، ح ٣٤٩.

(٥) تفسير القمي ١ / ٢٧١.

(٦) تأويل الآيات الباهرة / ٧١.

٣٠٢

رجاله مرفوعا إلى الإمام محمّد بن عليّ الباقر ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال في قوله ـ تعالى ـ:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ ) .

قال: إلى ولاية عليّ بن أبي طالب.

( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) .

قيل(١) : تمثيل لغاية قربه ـ تعالى ـ من العبد، كقوله( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (٢) . وتنبيه على أنه ـ تعالى ـ مطلع على مكنونات القلوب ما عسى يغفل عنه صاحبها. أو حثّ على المبادرة إلى إخلاص القلوب وتصفيتها، قبل أن يحول الله بينه وبين قلبه بالموت أو غيره. أو تصوير وتخييل لتملّكه على العبد قلبه، فيفسخ عزائمه ويغيّر مقاصده، ويحول بينه وبين الكفر إن أراد سعادته، وبينه وبين الإيمان إن قضى شقاوته.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) ، أي: يحول بينه وبين ما يريد.

وفيه(٤) ، بالسّند السّابق: عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول: يحول بين المؤمن ومعصيته أن تقوده إلى النّار. وبين الكافر وبين طاعته أن يستكمل به الإيمان. قال واعلموا أنّ الأعمال بخواتيمها.

وفي كتاب التّوحيد(٥) : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفار وسعد بن عبد الله جميعا قالا: حدّثنا أيّوب بن نوح، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية قال: يحول بينه وبين أن يعلم أن الباطل حقّ.

وفي مجمع البيان(٦) : وروى يونس [بن عمّار](٧) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ معناه: لا يستيقن القلب، أنّ الحقّ باطل أبدا. ولا يستيقن القلب، أنّ الباطل حقّ أبدا.

وفي تفسير العيّاشيّ: عن حمزة بن الطّيار، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: هو

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٠.

(٢) ق / ١٦.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٢٧١.

(٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) التوحيد / ٣٨٥، ح ٦.

(٦) مجمع البيان ٢ / ٥٣٤.

(٧) من المصدر.

٣٠٣

أن يشتهي الشيء بسمعه وبصره ولسانه ويده. أما أنّه لا يغشى شيئا منها. وان كان غشي شيئا مما يشتهي، فانه لا يأتيه إلّا وقلبه منكر لا يقبل الذي يأتي، يعرف أنّ الحق ليس فيه.

وعن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: هذا الشيء يشتبه الرّجل بقلبه وسمعه وبصره لا تتوق نفسه إلى غير ذلك، فقد حيل بينه وبين قلبه إلّا ذلك الشيء.

( وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) (٢٤): فيجازيكم بأعمالكم.

( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) : اتّقوا ذنبا يعمّكم أثره كإقرار المنكر بين أظهركم، والمداهنة في الأمر بالمعروف، وافتراق الكلمة، وظهور البدع والتّكاسل في الجهاد.

على أن قوله: «لا تصيبنّ» إمّا جواب الأمر على معنى: إن أصابتكم لا تصب الظّالمين منكم. وفيه أنّ جواب الشّرط متردد، فلا يليق به النّون المؤكّدة. لكنّه لما تضمّن معنى النهي، ساغ فيه، كقوله:( ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ ) .

وإمّا صفة «لفتنة» و «لا» للنفي. وفيه شذوذ، لأن النّون لا تدخل المنفي في غير القسم. أو للنهي على إرادة القول، كقوله: حتى إذا جنّ الظّلام واختلط جاءوا بمذق هل رأيت الذّئب قط.

وإمّا جواب قسم محذوف، كقراءة من قرأ: «لتصيبن»، وإن اختلفا في المعنى.

ويحتمل أن يكون نهيا بعد الأمر باتّقاء الذّنب عن التّعرض للظّلم، فإنّ وباله يصيب الظالم خاصّة ويعود عليه.

و «من» في «منكم» على الوجه الأول، للتّبعيض. وعلى الأخيرتين للتّبيين.

وفائدته التّنبيه، على أنّ الظّلم منكم أقبح من غيركم.

وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن عبد الرّحمن بن سالم، عن الصادق ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية قال: أصابت الناس فتنة بعد ما قبض الله نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ، حتّى تركوا عليّا وبايعوا غيره. وهي الفتنة الّتي فتنوا بها. وقد أمرهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ باتّباع عليّ والأوصياء من آل محمّد ـ عليهم السّلام ـ.

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٥٣، ح ٤٠.

٣٠٤

عن إسماعيل السريّ(١) ، عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ(٢) في هذه الآية قال أخبرت، أنهم أصحاب الجمل.

وفي مجمع البيان(٣) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وأبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّهما قرءا: «لتصيبنّ».

وعن ابن عبّاس:(٤) : أنّهما لـمـّـا نزلت، قال [واتقوا فتنة](٥) ، قال النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ: من ظلم عليّا مقعدي هذا بعد وفاتي، فكأنّما جحد نبوتي ونبوّة الأنبياء قبلي.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : نزلت في طلحة والزبير لـمـّـا حاربوا(٧) أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وظلموه.

وفي شرح الآيات الباهرة(٨) :

وذكر أبو عليّ الطبرسيّ، عن السّيد أبي طالب الهرويّ، بإسناده: عن علقمة وعن الأسود قالا: أتينا أبا أيّوب الأنصاريّ فأخبرنا، إن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال لعمّار: إنّه سيكون من بعدي هنات، حتى يختلف السيف فيما بينهم، وحتّى يقتل بعضهم [بعضا، وحتّى يبرأ بعضهم](٩) من بعض. فإذا رأيت ذلك، فعليك بهذا الأصلع عن يميني، عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ فإن سلك الناس كلّهم واديا وسلك عليّ واديا، فاسلك وادي عليّ وخلّ النّاس، يا عمّار. إنّ عليّ لا يردّك عن هدى، ولا يدلّك على ردى. يا عمّار، طاعة عليّ طاعتي، وطاعتي طاعة الله.

وذكر صاحب كتاب نهج الإيمان(١٠) قال: قال: ذكر أبو عبد الله، محمّد بن علي [بن] السراج في كتابه في تأويل هذه الآية. حديث يرفعه، بإسناده إلى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: يا ابن مسعود، إنه قد نزلت في عليّ آية( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) . وأنا مستودعها، ومسلم لك الظّلمة فكن لما أقول واعيا، وعني مؤديا. من ظلم عليّا مجلسي هذا، كان كمن جحد نبوتي ونبوة الأنبياء

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٥٣، ح ٤١.

(٢) المصدر: عن البهي .

(٣) مجمع البيان ٢ / ٥٣٢.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٥٣٤ ـ ٥٣٥.

(٥) من المصدر.

(٦) تفسير القمي ١ / ٢٧١.

(٧) المصدر: حاربا.

(٨) تأويل الآيات الباهرة / ٧٢.

(٩) ليس في المصدر. (١٠) نفس المصدر والموضع.

٣٠٥

من قبلي.

فقال له الرّاوي: يا أبا عبد الرّحمن، أسمعت هذا من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ؟

قال: نعم.

فقلت له: فكنت(١) للظّالمين [ظهيرا](٢) ؟

قال: لا جرم، حلّت بي عقوبة على أن(٣) لم أستأذن إمامي، كما استأذن جندب وعمار وسلمان. وأنا أستغفر الله وأتوب إليه.

وفي أصول الكافي(٤) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ: عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ حديث طويل وفيه: ثمّ قال في بعض كتابه:( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) في إنّا أنزلناه في ليلة القدر(٥) . ويقول: إنّ محمّدا حين يموت يقول أهل الخلاف لأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ: مضت ليلة القدر مع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فهذه فتنة أصابتهم خاصة.

( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥)وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ) قيل(٦) : أرض مكّة، يستضعفكم قريش. والخطاب للمهاجرين. وقيل: للعرب كافة، فإنّهم كانوا أذلاء في أيدي فارس والرّوم.

( تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ ) : كفّار قريش، أو من عداهم. فانّهم جميعا معادين مضادّين لهم.

( فَآواكُمْ ) : إلى المدينة. أو جعل لكم مأوى تتحصّنون به عن أعدائكم.

( وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ ) : على الكفار، أو بمظاهره الأنصار، أو بإمداد الملائكة يوم بدر.

( وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ) : من المغانم.

__________________

(١) المصدر: فكيف وكنت.

(٢) من المصدر.

(٣) المصدر: «عملي اني» بدل: «على أن».

(٤) الكافي ١ / ٢٤٨ و ٢٤٩، ضمن ح ٤.

(٥) الحديث في «باب شأن( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) وتفسيرها» من كتاب أصول الكافي (الحديث ٤)، يعني: هذه الآية نزلت في إنّا أنزلناه في ليلة القدر. وتفسيره يعرف من كلامه ـ عليه السّلام ـ.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٩١.

٣٠٦

( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (٢٦): هذه النّعم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : نزلت في قريش خاصة.

وفي كشف المحجة(٢) لابن طاوس: عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه: فأمّا الآيات التي في قريش، فهي قوله: «واذكروا ـ إلى قوله ـ لعلّكم تشكرون».

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ ) : بتعطيل الفرائض والسّنن. أو بأن تضمروا خلاف ما تظهرون. أو بالغلول في المغانم.

وأصل الخون: النّقص، كما أن أصل الوفاء: التّمام. واستعماله في ضد الأمانة، لتضمنه إيّاه.

( وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ ) : فيما بينكم.

وهو مجزوم بالعطف، على الأوّل. أو منصوب على الجواب، بالواو.

( وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (٢٧): أنّكم تخونون. أو أنتم علماء، تميّزون الحسن من القبيح.

وفي مجمع البيان(٣) : عن الباقر والصّادق ـ عليهما السّلام ـ: نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاريّ. وذلك أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حاصر يهود بني قريظة(٤) إحدى وعشرين ليلة. فسألوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الصّلح على ما صالح عليه إخوانهم من بني النّضير، على أن يسيروا إلى إخوانهم إلى أذرعات وأريحا من أرض الشّام. فأبى أن يعطيهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. إلّا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ.

فقالوا: أرسل إلينا أبا لبابة.

وكان مناصحا لهم، لأنّ عياله وماله وولده كانت عندهم فبعثه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأتاهم.

فقالوا: ما ترى، يا أبا لبابة، أننزل على حكم سعد بن معاذ؟

فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه: إنّه الذّبح، فلا تفعلوا.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٢٧١.

(٢) كشف المحجّة / ١٧٥.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٥٣٥ ـ ٥٣٦.

(٤) المصدر: يهود قريظة.

٣٠٧

فأتاه جبرائيل ـ عليه السّلام ـ فأخبره بذلك.

قال أبو لبابة: فو الله، ما زالت قدماي من مكانهما حتّى عرفت أني قد خنت الله ورسوله.

فنزلت الآية فيه. فلمّا نزلت، شدّ نفسه على سارية من سواري المسجد وقال والله، لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله عليّ.

فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاما ولا شرابا، حتى خرّ مغشيا عليه. ثمّ تاب الله عليه.

فقيل له: يا أبا لبابة، قد تيب عليك.

فقال: لا والله، لا أحلّ نفسي حتّى يكون رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ هو الّذي يحلّني.

فجاءه، فحلّه بيده.

ثمّ قال أبو لبابة: إنّ من تمام توبتي أن أهجر دار قومي الّتي أصبت فيها الذّنب وأن أنخلع من مالي.

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ: يجزيك الثّلث أن تصدّق به.

وفي الكافي(١) : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل وقع لي عنده مال، وكابرني عليه وحلف. ثمّ وقع له عندي مال، فآخذه مكان مالي الّذي أخذ وأجحده وأحلف عليه، كما صنع؟

فقال: إن خانك، فلا تخنه، ولا تدخل فيما عبته عليه.

عليّ بن إبراهيم(٢) : عن أبيه ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم عن عبد الحميد، عن معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ: الرّجل يكون لي عليه الحقّ، فيجحدنيه. ثمّ يستودعني مالا، ألي أن آخذ مالي عنده؟

قال: لا، هذه خيانة.

__________________

(١) الكافي ٥ / ٩٨، ح ١.

(٢) الكافي ٥ / ٩٨، ح ٢.

٣٠٨

عدّة من أصحابنا(١) ، عن أحمد بن محمّد وسهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرميّ قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ: رجل كان له على رجل مال، فجحده إيّاه وذهب به. ثمّ صار بعد ذلك للرّجل الّذي ذهب بماله مال قبله، أيأخذه منه مكان ماله الذي ذهب به منه ذلك الرّجل؟

قال: نعم، ولكن لهذا كلام. يقول: أللّهمّ، إنّي آخذ هذا المال مكان مالي الّذي أخذه مني، وإني لم آخذها ما أخذت منه خيانة ولا ظلما.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) . وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ ـ:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) : وأما خيانة الأمانة، فكلّ إنسان مأمون على ما افترض الله ـ عزّ وجلّ ـ عليه.

قال(٣) : نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر. فلفظ الآية عام، ومعناها خاصّ.

قال: ونزلت في غزوة بني قريظة في سنة خمس من الهجرة، وقد كتبت في هذه الصورة(٤) مع أخبار بدر. وكانت على رأس ستة عشر شهرا من مقدم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ المدينة. ونزلت مع الآية التي في سورة التّوبة قوله:( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ) التي نزلت في أبي لبابة.

قال: فهذا الدّليل على أنّ التأليف على خلاف ما أنزل الله على نبيّه.

ثم ذكر هذه القصة هناك، كما يأتي.

( وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ) : لأنّهم سبب الوقوع في الإثم والعقاب. أو محنة من الله، ليبلوكم فيه. فلا يحملنّكم حبّهم على الخيانة، كأبي لبابة.

( وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) (٢٨): لمن آثر رضا الله عليهم، وراعى حدوده فيهم. فأنيطوا هممكم بما يؤديكم إليه.

وفي مجمع البيان(٥) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ: لا يقولنّ أحدكم: أللّهمّ إني أعوذ بك من الفتنة. لأنه ليس أحد إلّا وهو مشتمل على فتنة. ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلات الفتن. فإنّ الله ـ سبحانه ـ يقول:( وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ) .

__________________

(١) الكافي ٥ / ٩٨، ح ٣.

(٢) تفسير القمي ١ / ٢٧٢.

(٣) تفسير القمي ١ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤.

(٤) المصدر: السورة.

(٥) مجمع البيان ٢ / ٥٣٦.

٣٠٩

وفي كتاب المناقب(١) لابن شهر آشوب: وروى يحيى بن أبي كثير وسفيان بن عيينة، بإسنادهما، أنّه سمع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بكاء الحسن والحسين وهم على المنبر، فقام فزعا. ثمّ قال: أيّها النّاس، ما الوليد(٢) إلّا فتنة. لقد قمت إليهم وحقّا(٣) ما معي عقلي.

وفي رواية بريدة(٤) : وما أعقل.

عن عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي يقول: كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يخطب على المنبر. فجاء(٥) الحسن والحسين، وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران.

فنزل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من المنبر، فحملهما ووضعهما على يديه ثمّ قال: صدق الله:( أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ) .

(إلى آخر كلامه).

وفي خبر آخر: أولادنا أكبادنا يمشون على الأرض.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً ) : هداية في قلوبكم، تفرقون بها بين الحقّ والباطل. أو نصرا، يفرق بين المحقّ والمبطل بإعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين. أو مخرجا من الشّبهات. أو نجاة عمّا تحذرون في الدّارين. أو ظهورا يشهر أمركم ويثبت نعتكم، من قولهم: بتّ أفعل كذا حتّى سطح الفرقان، أي: الصّبح.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) ، يعني: العلم الّذي تفرقون به بين الحقّ والباطل.

( وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ) : ويسترها.

( وَيَغْفِرْ لَكُمْ ) : ذنوبكم، بالتّجاوز والعفو عنها.

وقيل(٧) : «السّيّئات» الصّغائر. و «الذّنوب» الكبائر.

وقيل(٨) : المراد: ما تقدّم وما تأخّر. لأنّها في أهل بدر، وقد غفرهما(٩) الله لهم.( وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) (٢٩): تنبيه على أنّ ما وعده لهم من التّقوى، تفضّل منه وإحسان. وأنّه ليس ممّا يوجبه تقواهم عليه، كالسّيد إذا وعد عبده إنعاما على

__________________

(١) المناقب ٣ / ٣٨٥.

(٢) المصدر: الولد.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) كذا في المصدر، وفي النسخ: فأتى.

(٦) تفسير القمي ١ / ٢٧٢.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٣٩١.

(٨) نفس المصدر.

(٩) كذا في المصدر، وفي النسخ: غفرها.

٣١٠

عمل.

( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) : تذكار لـمـّـا مكر قريش به حين كان بمكّة، ليشكر نعمة الله في خلاصه من مكرهم واستيلائه عليهم.

والمعنى: واذكر إذ يمكرون بك.

( لِيُثْبِتُوكَ ) : بالوثاق والحبس. أو الإثخان بالجرح، من قولهم: ضربه حتّى أثبته، ولا حراك به ولا براح.

وقرئ(١) : «ليثبّتوك» بالتّشديد. و «ليبيّتوك»، من البيات. و «ليقيّدوك».

( أَوْ يَقْتُلُوكَ ) : بسيوفهم.

( أَوْ يُخْرِجُوكَ ) : من مكّة.

( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ ) : بردّ مكرهم عليهم. أو بمجازاتهم عليه. أو بمعاملة الماكرين معهم، بأن أخرجهم إلى بدر وقلّل المسلمين في أعينهم حتّى حملوا عليهم فقتلوا.

( وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ) (٣٠): إذ لا يؤبه بمكرهم دون مكره.

وإسناد أمثال هذا، إنّما يحسن للمزاوجة. ولا يجوز إطلاقها ابتداء، لما فيه من إيهام الذّمّ.

في أمالي(٢) شيخ الطّائفة ـ قدّس سرّه ـ، بإسناده إلى جابر بن عبد الله بن حزام الأنصاريّ ـ رحمه الله ـ قال: تمثّل إبليس ـ لعنه الله ـ في أربع صور.

ـ إلى قوله ـ: وتصوّر يوم اجتماع قريش في دار النّدوة في صورة شيخ من أهل نجد. وأشار عليهم في النّبيّ ـ عليه السّلام ـ بما أشار. فأنزل الله ـ تعالى ـ:( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ ) (الآية).

وفي تفسير العيّاشي(٣) : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أحدهما ـ عليهما السلام ـ: أنّ قريشا اجتمعت فخرجت من كل بطن أناسا. ثمّ انطلقوا إلى دار الندوة ليشاوروا فيما يصنعون برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فإذا هم بشيخ قائم على الباب.

فإذا ذهبوا إليه ليدخلوا، قال: أدخلوني معكم.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٢.

(٢) أمالي الطوسي ١ / ١٨٠ ـ ١٨١.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٥٣ ـ ٥٤، ح ٤٢.

٣١١

قالوا: ومن أنت، يا شيخ؟

قال: أنا شيخ من مصر(١) ، ولي رأي أشير به عليكم.

فدخلوا وجلسوا وتشاوروا، وهو جالس. وأجمعوا أمرهم على أن يخرجوه.

قال: ليس هذا بكم برأي. إن أخرجتموه، جلب عليكم النّاس فقاتلوكم.

قالوا: صدقت، ما هذا برأي.

ثمّ تشاوروا، وأجمعوا أمرهم على أن يوثقوه.

قال: هذا ليس برأي. إن فعلتم هذا، ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ رجل حلو اللّسان، أفسد عليكم أبناءكم وخدمكم. وممّا(٢) ينفع أحدكم إذا فارقه أخوه وابنه وامرأته.

ثمّ تشاوروا، فأجمعوا أمرهم على أن يقتلوه. يخرجون من كلّ بطن منهم بشاهر، فيضربونه بأسيافهم جميعا عند الكعبة.

ثمّ قرأ هذه الآية:( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ ) . (الآية).

عن زرارة وحمران(٣) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ [وأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ](٤) قوله:( وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ) .

قال: إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قد كان لقي من قومه بلاء شديدا. حتى أتوه ذات يوم، وهو ساجد، حتى طرحوا(٥) عليه رحم شاة. فأتته ابنته، وهو ساجد لم يرفع رأسه، فرفعته عنه ومسحته. ثمّ أراه الله بعد ذلك الّذي يحبّ. إنه كان ببدر وليس معه غير فارس واحد، ثمّ كان معه يوم الفتح اثنا عشر ألفا، حتى جعل أبو سفيان والمشركون يستغيثون(٦) . ثمّ لقي أمير المؤمنين من الشّدة والبلاء والتّظاهر عليه، ولم يكن معه أحد من قومه بمنزلته. أما حمزة فقتل يوم أحد، وأما جعفر فقتل يوم مؤنة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٧) ، في هذه الآية: أنّها نزلت بمكة قبل الهجرة. وكان سبب نزولها، أنّه لما أظهر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الدعوة بمكّة، قدمت عليه

__________________

(١) المصدر: بني مضر.

(٢) المصدر: ما.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٥٤، ح ٤٣.

(٤) من المصدر.

(٥) هكذا في المصدر، وفي النسخ: طردوا.

(٦) هكذا في المصدر، وفي النسخ: يستعينون.

(٧) تفسير القمي ١ / ٢٧٢ ـ ٢٧٦.

٣١٢

الأوس والخروج.

فقال لهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: تمنعوني وتكونون لي جارا(١) حتى أتلو عليكم كتاب ربي، وثوابكم على الله الجنّة؟

فقالوا: نعم، خذ لربّك ولنفسك ما شئت.

وقال لهم: موعدكم العقبة في الليلة الوسطى من ليالي التّشريق.

فحجّوا ورجعوا إلى منى. وكان فيهم ممّن قد حجّ كثيرا.

فلمّا كان اليوم الثاني من أيّام التشريق، فقال لهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: إذا كان اللّيل، فاحضروا دار عبد المطلب على العقبة. ولا تنبّهوا نائما. ولينسل واحد فواحد.

فجاء سبعون رجلا من الأوس والخزرج، فدخلوا الدّار.

فقال لهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: تمنعوني وتجيروني حتى أتلو عليكم كتاب ربي، وثوابكم على الله الجنّة؟

فقال سعد بن زرارة والبراء من معرور وعبد الله بن حزام: نعم، يا رسول الله اشترط لربّك ولنفسك ما شئت.

فقال: أمّا ما أشترط لربي، فأن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا. وأشترط لنفسي أن تمنعوني ممّا تمنعون أنفسكم، وتمنعوا أهلي مما تمنعون أهليكم(٢) وأولادكم.

فقالوا: فما لنا على ذلك؟

قال: الجنة في الآخرة، وتملكون العرب، وتدين لكم العجم في الدنيا. وتكونون ملوكا في الجنّة.

فقالوا: قد رضينا.

فقال: أخرجوا إليّ منكم اثنى عشر نقيبا، يكونون شهداء عليكم بذلك، كما أخذ موسى من بني إسرائيل اثنى عشر نقيبا.

فأشار عليهم جبرئيل ـ عليه السّلام ـ.

فقال: هذا نقيب وهذا نقيب وهذا نقيب، تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس. فمن الخزرج، سعد بن زرارة والبراء بن معرور. وعبد الله بن حزام، ـ وهو

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: حبارا.

(٢) المصدر: أهاليكم.

٣١٣

أبو جابر بن عبد الله ـ ورافع بن مالك، وسعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، وعبد الله بن رواحة، وسعد بن الرّبيع، وعبادة بن الصامت. ومن الأوس، أبو الهيثم بن التّيهان، وهو من اليمن، وأسد بن حصين، وسعد بن خيثمة.

فلمّا اجتمعوا وبايعوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ صاح إبليس: يا معشر قريش والعرب، هذا محمّد والصباة من أهل يثرب على جمرة العقبة يبايعونه على حربكم.

فأسمع أهل منى. وهاجت قريش، فأقبلوا بالسّلاح. وسمع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ النّداء.

فقالوا للأنصار: تفرّقوا.

فقالوا: يا رسول الله، إن أمرتنا أن نميل عليهم بأسيافنا فعلنا.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: لم أؤمر بذلك، ولم يأذن الله لي في محاربتهم.

قالوا: فتخرج معنا؟

قال: أنتظر أمر الله.

فجاءت قريش على بكرة أبيها، قد أخذوا السّلاح. وخرج حمزة وأمير المؤمنين ـ عليهما السّلام ـ [ومعهما السيوف](١) ، فوقفنا على العقبة.

فلمّا نظرت قريش إليهما، قالوا: ما هذا الّذي اجتمعتم له؟

فقال حمزة: ما اجتمعنا، وما ها هنا أحد. والله، لا يجوز هذه العقبة أحد إلّا ضربته بسيفي.

فرجعوا إلى مكّة، وقالوا: لا نأمن من أن يفسد أمرنا، ويدخل واحد من مشايخ قريش في دين محمّد.

فاجتمعوا في الندوة. وكان لا يدخل دار الندوة، إلا من أتى عليه أربعون سنة.

فدخلوا أربعين رجلا من مشايخ قريش.

وجاء إبليس في صورة شيخ كبير، فقال له البواب، من أنت؟

فقال: أنا شيخ من أهل نجد، لا يعدمكم مني رأي صائب(٢) . إني حدث بلغني اجتماعكم في أمر هذا الرّجل، فجئت لأشير عليكم.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ: تناسب.

٣١٤

فقال: ادخل.

فدخل إبليس.

فلمّا أخذوا مجلسهم، قال أبو جهل: يا معشر قريش: إنّه لم يكن أحد من العرب أعزّ منّا. نحن أهل الله، وتغدوا إلينا العرب في السّنة مرّتين ويكرموننا ونحن في حرم الله، لا يطمع فينا طامع. فلم نزل كذلك، حتّى نشأ فينا محمّد بن عبد الله. فكنّا نسمّيه الأمين، لصلاحه وسكونه وصدق لهجته، حتّى إذا بلغ ما بلغ وأكرمناه، ادّعى أنّه رسول الله. وأنّ أخبار السّماء تأتيه. فسفّه أحلامنا، وسبّ آلهتنا، وأفسد شبابنا، وفرّق جماعتنا، وزعم أنّه من مات من أسلافنا ففي النّار. فلم يرد علينا شيء أعظم من هذا، وقد رأيت فيه رأيا. وما رأيت؟

قال: رأيت أن ندسّ إليه رجلا منّا ليقتله. فإن طلبت بنو هاشم بدمه، أعطيناهم عشر ديات. فقال الخبيث: هذا رأي خبيث.

قالوا: وكيف ذلك؟

قال: لأنّ قاتل محمّد مقتول لا محالة. فمن هذا الّذي يبذل نفسه للقتل منكم؟

فإنّه إذا قتل محمّد، تعصّبت(١) بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة. وأنّ بني هاشم لا ترضى أن يمشي قاتل محمّد على الأرض، فتقع بينكم الحروب في حرمكم وتتفانوا به.

فقال آخر منهم: فعندي رأي آخر.

قال: وما هو؟

نبيّته(٢) في بيت ونلقي إليه قوته، حتّى يأتيه ريب المنون فيموت، كما مات زهير والنّابعة وامرؤ القيس.

فقال إبليس: هذا أخبث من الآخر.

قالوا: وكيف ذلك؟

قال: لإنّ بني هاشم لا ترضى بذلك. فإذا جاء موسم من مواسم العرب، استعانوا(٣) بهم واجتمعوا عليكم فأخرجوه.

وقال آخر منهم: لا، ولكنّا نخرجه من بلادنا ونتفرّغ نحن لعبادة آلهتنا.

__________________

(١) المصدر: تغضب.

(٢) المصدر: نثبته.

(٣) المصدر: استغاثوا.

٣١٥

فقال إبليس: هذا أخبث من الرّأيين المتقدّمين.

قالوا: وكيف ذلك؟

قال: لأنّكم تعمدون إلى أصبح النّاس وجها وأنطق النّاس لسانا وأفصحهم لهجة، فتحملونه إلى بوادي(١) العرب فيخدعهم ويستجرّهم(٢) بلسانه. فلا يفجأكم إلّا وقد ملأها عليكم خيلا ورجالا(٣) .

فبقوا حائرين. ثمّ قالوا لإبليس: فما الرأي فيه، يا شيخ؟

قال: ما فيه إلّا رأي واحد.

قالوا: وما هو؟

قال: يجتمع من كلّ بطن من بطون قريش واحد، ويكون معهم من بني هاشم رجل، فيأخذون سكينة أو حديدة أو سيفا، فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة، حتى يتفرّق دمه في قريش كلّها. فلا يستطيع بنو هاشم أن يطلبوا بدمه، وقد شاركوا فيه.

فإن سألوكم أن تعطوا الدّية، فأعطوهم ثلاث ديات.

فقالوا: نعم، وعشر ديات.

ثمّ قالوا: الرأي، رأي الشّيخ النجديّ.

فاجتمعوا، ودخل معهم في ذلك أبو لهب، عمّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

ونزل جبرئيل على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأخبره، أنّ قريشا قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك. وأنزل الله عليه في ذلك( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ، وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ) .

واجتمعت قريش أن يدخلوا عليه ليلا فيقتلوه. وخرجوا إلى المسجد يصفرون ويصفّقون، ويطوفون بالبيت. فأنزل الله( وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً ) (٤) . «فالمكاء»، التصفير. و «التّصدية» صفق اليدين. وهذه الآية معطوفة على قوله:( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) . وقد كتب بعد آيات كثيرة.

فلما أمسى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ جاءت قريش ليدخلوا عليه.

فقال أبو لهب: لا أدعكم أن تدخلوا عليه اللّيل. فإنّ في الدار صبيانا ونساء، ولا

__________________

(١) المصدر: وادي.

(٢) المصدر: يسحرهم.

(٣) المصدر: رجلا.

(٤) الأنفال / ٣٥.

٣١٦

نأمن أن تقع بهم يد خاطئة. فنحرسه اللّيلة، فإذا أصبحنا دخلنا عليه.

فناموا حول حجرة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وأمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يفرش له، فراش(١) .

فقال لعليّ بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ: أفدني نفسك.

قال: نعم، يا رسول الله.

قال: يا عليّ، نم على فراشي والتحف ببردتي.

فنام على فراش رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ والتحف ببردته. وجاء جبرئيل، فأخذ بيد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأخرجه على قريش، وهم نيام. وهو يقرأ عليهم:( وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) (٢) .

وقال له جبرئيل: خذ على طريق ثور. وهو جبل على طريق منى، له سنام، كسنان ثور.

فدخل الغار وكان من أمره ما كان. فلما أصبحت قريش، وأتوا(٣) إلى الحجرة وقصدوا الفراش.

فوثب عليّ في وجوههم، فقال: ما شأنكم؟

قالوا له: أين محمّد؟

قال: أجعلتموني عليه رقيبا، ألستم قلتم: نخرجه من بلادنا؟ فقد خرج عنكم.

فأقبلوا يضربون أبا لهب ويقولون: أنت تخدعنا منذ الليلة.

فتفرّقوا في الجبال. وكان فيهم رجل من خزاعة يقال له: أبو كرز. يقفو الآثار.

فقالوا له: يا أبا كرز، اليوم اليوم.

فوقف بهم على باب حجرة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال: هذه قدم محمد، والله، إنّها لأخت القدم التي في المقام.

وكان أبو بكر استقبل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فردّه معه.

وقال أبو كرز: وهذه قدم ابن أبي قحافة، أو أبيه. ثمّ قال: وها هنا عبر ابن أبي قحافة.

فما زال يقفو بهم، حتّى أوقفهم على باب الغار. ثمّ قال: ما جاوزا هذا

__________________

(١) المصدر: ففرش له.

(٢) يس / ٩.

(٣) ح: وثبوا.

٣١٧

المكان. إمّا أن يكونوا صعدوا إلى السّماء، أو أدخلوا تحت الأرض.

فبعث الله العنكبوت، فنسجت على باب الغار. وجاء فارس من الملائكة حتى وقف على باب الغار، ثمّ قال: ما في الغار أحد(١) .

فتفرقوا في الشّعاب، وصرفهم الله عن رسوله. ثمّ أذن لنبيّه في الهجرة.

( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا ) : وهو قول النضر بن الحارث بن كلدة يوم بدر. وإسناده إلى الجميع إسناد ما فعله رئيس القوم إليهم، فإنّه كان قاصّهم. أو قول الّذين ائتمروا في أمره ـ عليه السّلام ـ. وهذه غاية مكابرتهم وفرط عنادهم. إذ لو استطاعوا ذلك، فما منعهم أن يشاءوا وقد تحداهم وقرّعهم بالعجز عشر سنين ثمّ قارعهم بالسّيف. فلم يعارضوا سوره مع أنفتهم وفرط استنكافهم أن يغلبوا، خصوصا في باب البيان.

( إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) (٣١): ما سطّره الأوّلون من القصص.

قيل(٢) : قاله النّضر ـ أيضا ـ. وذلك أنّه جاء بحديث رستم وإسفنديار من بلاد فارس، وزعم أنّ هذا هو مثل ذاك.

( وَإِذْ قالُوا أللّهمّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) (٣٢).

قيل(٣) : هذا ـ أيضا ـ من كلام ذلك القائل أبلغ في الجحود.

ونقل(٤) : أنّه لـمـّـا قال النّضر:( إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) ، قال له النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ: ويلك، إنّه كلام الله.

فقال ذلك.

والمعنى: ان كان القرآن حقّا منزلا، فأمطر الحجارة علينا عقوبة على إنكاره. أو ائتنا بعذاب أليم سواء.

والمراد به: التّهكّم، وإظهار اليقين، والجزم التّامّ على كونه باطلا.

وقرئ(٥) : «الحقّ» بالرفع، على أنّ «هو» مبتدأ غير فصل. وفائدة التعريف فيه ،

__________________

(١) المصدر: واحد.

(٢) تفسير الصافي ٢ / ٢٩٧.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٢ ـ ٣٩٣.

(٤) نفس المصدر، والموضع.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٢.

٣١٨

الدّلالة على أنّ المعلّق به كونه حقّا بالوجه الّذي يدّعيه النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وهو تنزيله لا الحقّ مطلقا، لتجويزهم(١) أن يكون مطابقا للواقع غير منزل، كأساطير الأوّلين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : قاله أبو جهل.

وفي روضة الكافي(٣) : عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير قال: بينا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [ذات يوم](٤) جالسا، وذكر كلاما طويلا في فضل عليّ ـ عليه السّلام ـ.

إلى أن قال: فغضب الحارث بن عمرو الفهريّ، فقال:( إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) إنّ بني هاشم يتوارثون هرقل بعد هرقل «فأرسل علينا حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم».

فأنزل الله عليه مقالة الحارث.

وفي تفسير مجمع البيان(٥) ، بإسناده إلى سفيان بن عيينة: عن جعفر بن محمّد الصّادق، عن آبائه ـ عليهم السلام ـ قال: لـمـّـا نصب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عليّا ـ عليه السّلام ـ يوم غدير خمّ فقال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» طار ذلك في البلاد.

فقدم على النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ النّعمان بن الحارث الفهريّ، فقال: أمرتنا من الله أن نشهد لا إله الّا الله وأنّك رسول الله، وأمرتنا بالجهاد والحجّ والصّوم والصلاة والزكاة، فقبلناها. ثم لم ترض حتى نصّبت هذا الغلام فقلت: «من كنت مولاه فعليّ مولاه»، فهذا شيء منك أو أمر من عند الله؟

فقال: والله الذي لا إله إلّا هو، إنّ هذا من عند الله.

فولّى النّعمان بن الحارث وهو يقول: «اللهم» (الآية). فرماه الله بحجر على رأسه، فقتله.

( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (٣٣): بيان لما كان الموجب لإمهالهم، والتّوقّف لإجابة دعائهم.

و «اللّام» لتأكيد النفي، والدلالة على أنّ تعذيبهم عذاب استئصال والنبيّ بين

__________________

(١) المصدر: ينجويزهم.

(٢) تفسير القمي ١ / ٢٧٧. بتصرف.

(٣) الكافي ٨ / ٥٧، ح ١٨.

(٤) من المصدر.

(٥) مجمع البيان ٥ / ٣٥٢.

٣١٩

أظهرهم خارج عن عادته غير مستقيم في قصائه.

والمراد بالاستغفار، إمّا استغفار من بقي فيهم من المؤمنين. أو قولهم: أللّهمّ غفرانك. أو فرضه على معنى: لو استغفروا لم يعذّبوا، كقوله:( وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ ) .

وفي روضة الكافي(١) : عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن أبي حمزة وغير واحد، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: إنّ لكم في حياتي خيرا وفي مماتي خيرا.

قال: فقيل: يا رسول الله، أما حياتك فقد علمنا فما لنا في وفاتك؟

فقال: أما في حياتي، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( ما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) . وأمّا في مماتي، فتعرض عليّ أعمالكم فأستغفر لكم.

وفي نهج البلاغة(٢) : وحكى أبو جعفر محمد بن عليّ الباقر ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال: كان في الأرض أمانان من عذاب الله ـ سبحانه ـ. فرفع أحداهما، فدونكم الآخر فتمسّكوا به. أمّا الأمان الّذى رفع، فهو رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأما الأمان الباقي، فالاستغفار. قال الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ) (الآية).

وفي من لا يحضره الفقيه(٣) : وقال النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ: حياتي خير لكم، ومماتي خير لكم.

فقالوا: يا رسول الله، وكيف ذاك؟

فقال: أمّا حياتي، فإن الله يقول:( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) .

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب ثواب الأعمال(٤) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: [مقامي فيكم و](٥) الاستغفار لكم حصن حصين من العذاب. فمضى اكبر الحصنين، وبقي الاستغفار. فأكثروا منه، فانّه ممحاة للذنوب. قال الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ) (الآية).

__________________

(١) الكافي ٨ / ٢٥٤، ح ٣٦١.

(٢) نهج البلاغة / ٤٨٣، حكمة ٨٨.

(٣) الفقيه ١ / ١٢١، ح ٥٨٢.

(٤) ثواب الأعمال / ١٩٧، ح ٣.

(٥) من المصدر.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569