تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٥
0%
مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 569
مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 569
فجلس.
فقال: أشيروا عليّ.
فقام عمر، فقال مثل مقالة أبي بكر.
فقال: اجلس.
ثمّ قام المقداد، فقال: يا رسول الله، إنّها قريش وخيلاؤها.
وإنّا قد آمنّا بك، وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله. ولو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا(١) وشوك الهراس(٢) ، لخضنا معك. ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى:( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ ) (٣) . ولكنّا نقول: اذهب أنت وربّك فقاتلا، إنّا معكما مقاتلون.
فجزاه النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ خيرا. ثمّ جلس.
ثمّ قال: أشيروا عليّ.
فقام سعد بن معاذ، فقال: بأبي أنت وأمّي، يا رسول الله، كأنّك أردتنا؟
قال: نعم.
قال: فلعلّك خرجت على أمر قد أمرت بغيره؟ [قال: نعم](٤) .
قال: بأبي أنت وأمّي، يا رسول الله، إنّنا قد آمنا بك وصدّقناك و(٥) شهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله. فمرنا بما شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، واترك منه ما شئت. والّذي أخذت منه أحبّ إليّ من الّذي [تركت منه](٦) . والله، لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك. [فجزاه خيرا](٧) .
ثمّ قال [سعد](٨) : بأبي أنت وأمّي، يا رسول الله، [والله](٩) ما خضت هذا الطّريق قطّ وما لي به علم. وقد خلّفنا بالمدينة قوما، ليس نحن بأشدّ جهادا لك منهم.
__________________
(١) الغضاة: شجر عظيم وخشبة من أصلب الخشب. وهو حسن النار، وجمره يبقى زمانا طويلا لا ينطفئ.
(٢) الهراس: شجر كثير الشوك طويلة. وفي المصدر: الهراش.
(٣) المائدة / ٢٤.
(٤) من المصدر.
(٥) من هنا ليس في «أ» إلى موضع سيأتي.
(٦) كذا في المصدر، وفي النسخ: تركته.
(٧) من المصدر.
(٨) من المصدر.
(٩) من المصدر.
ولو علموا أنّه الحرب، لما تخلّفوا. ولكن نعدّ لك الرّواحل، ونلقى عدوّنا. فإنّا صبر(١) عند اللّقاء، أنجاد في الحرب. وإنّا لنرجو أن يقرّ الله عينيك بنا. فإنّ يك ما تحبّ، فهو ذاك.
وإن يكن غير ذلك، قعدت على رواحلك فلحقت بقومنا.
فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أو يحدث الله غير ذلك؟ كأنّي بمصرع فلان ها هنا، وبمصرع فلان ها هنا، وبمصرع أبي جهل، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، ومنبّه ونبيه، ابني الحجّاج. فإنّ الله قد وعدني إحدى الطّائفتين، ولن يخلف الله الميعاد.
فنزل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بهذه الآية( كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ ) ـ إلى قوله ـ:( وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) . فأمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالرّحيل حتّى نزل عشاء على ماء بدر، وهي العدوة الشّامية.
وأقبلت قريش، ونزلت بالعدوة اليمانيّة. وبعثت عبيدها تستعذب من الماء، فأخذهم أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وحبسوهم.
فقالوا لهم: من أنتم؟
قالوا: نحن عبيد قريش.
قالوا: فأين العير؟
قالوا: لا علم لنا بالعير.
فأقبلوا يضربونهم. وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يصلي.
فانفتل من صلاته فقال: إن صدقوكم، ضربتموهم. وإن كذبوكم، تركتموهم. عليّ بهم.
فأتوا بهم.
فقال لهم: من أنتم؟
قالوا: يا محمّد، نحن عبيد قريش.
قال: كم القوم؟
قالوا له: لا علم لنا بعددهم.
قال: كم ينحرون في كلّ يوم جزورا.
قالوا: تسعة إلى(٢) عشرة.
__________________
(١) المصدر: نصبر.
(٢) المصدر: أو.
فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: القوم(١) تسعمائة إلى(٢) ألف. [ثمّ](٣) .
قال: فمن فيهم من بني هاشم؟
فقالوا(٤) : العباس بن عبد المطّلب، ونوفل بن الحارث، وعقيل بن أبي طالب.
فأمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بهم فحبسوا(٥) . وبلغ قريشا ذلك، فخافوا خوفا شديدا.
ولقي عتبة بن ربيعة أبا البختريّ بن هشام، فقال له: أما ترى هذا البغي، والله، ما أبصر موضع قدمي. خرجنا لنمنع عيرنا وقد أفلتت، فجئنا بغيا وعدوانا. والله، ما أفلح قوم قطّ بغوا. ولوددت أنّ ما في العير من أموال بني عبد مناف ذهب كلّه، ولم نسر هذا المسير.
فقال له أبو البختريّ: إنّك سيّد من سادات قريش. [فسر في الناس و](٦) نحمل العير الّتي أصابها محمّد وأصحابه بنخلة، ودم ابن الحضرميّ فإنّه حليفك.
فقال عتبة: أنت تشير(٧) عليّ بذلك(٨) . وما على أحد منّا خلاف إلّا ابن الحنظليّة(٩) ، يعني: أبا جهل. فسر(١٠) إليه، وأعلمه أنّي قد تحمّلت العير الّتي [قد](١١) أصابها محمّد بنخلة(١٢) ودم ابن الحضرميّ.
فقال أبو البختري: فقصدت خباءه فإذا هو قد أخرج درعا له.
فقلت له: إنّ أبا الوليد بعثني إليك برسالة.
فغضب، ثمّ قال: أما وجد عتبة رسولا غيرك؟
فقلت: أما، والله، لو غيره أرسلني ما جئت. ولكن أبا الوليد سيّد العشيرة.
فغضب [أشدّ من الأولى](١٣) غضبة أخرى، فقال: تقول: سيّد العشيرة!
__________________
(١) ليس في المصدر.
(٢) المصدر: أو.
(٣) من المصدر.
(٤) المصدر: قال.
(٥) المصدر: فحبسوهم.
(٦) ليس في المصدر، ر، ب.
(٧) ليس في المصدر.
(٨) أي: قد فعلت، وأنت الشاهد على ذلك.
(٩) المصدر: حنظلة بدل الحنظليّة.
(١٠) كذا في المصدر، وفي النسخ: فصر.
(١١) من المصدر.
(١٢) ليس في المصدر.
(١٣) كذا في المصدر، وفي النسخ: غضبة أخرى.
فقلت: أنا أقوله، وقريش كلّها تقوله. إنّه قد تحمّل العير ودم ابن الحضرميّ.
فقال: إنّ عتبة أطول النّاس لسانا، وأبلغهم في الكلام، ويتعصّب لمحمّد. فإنّه من بني عبد مناف، وابنه معه، ويريد أن يخذله(١) بين النّاس. لا، واللّات والعزّى، حتّى نقتحم عليهم بيثرب، ونأخذهم أسارى. فندخلهم مكّة، وتتسامع العرب بذلك، ولا يكون بيننا وبين متجرنا أحد نكرهه.
وبلغ أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كثرة قريش، ففزعوا فزعا شديدا وشكوا وبكوا واستغاثوا. فأنزل الله على رسوله:( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .
فلمّا أمسى(٢) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وجنّه اللّيل، ألقى الله على أصحابه النّعاس حتّى ناموا. وأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ عليهم السّماء(٣) ، وكان نزول(٤) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في موضع لا يثبت فيه القدم، فأنزل الله عليهم السّماء [ولبّد الأرض](٥) حتى تثبت الأقدام. وهو قول الله ـ تبارك وتعالى ـ:( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ) . وذلك أنّ بعض أصحاب النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ احتلم.( وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ ) .
وكان المطر على قريش، مثل العزالي(٦) . وكان على أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ رذاذا(٧) بقدر ما يلبّد الأرض. وخافت قريش خوفا شديدا، فأقبلوا يتحارسون يخافون البيات.
فبعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عمّار بن ياسر وعبد الله بن مسعود، فقال: ادخلا في القوم واتياني(٨) بأخبارهم.
__________________
(١) المصدر: يحذر (يخذل ـ خ)
(٢) المصدر: مشى.
(٣) المصدر: الماء، والسماء هنا بمعنى المطر.
(٤) المصدر: نزل.
(٥) ليس في المصدر.
(٦) العزالي: جمع العزلاء: مصب الماء من الراوية. ومنه قولهم: أرخت السّماء عزاليها.
(٧) الرذاذ: المطر الضعيف.
(٨) كذا في المصدر، وفي النسخ: ائتونا.
فكانا يجولان في عسكرهم. لا يرون إلّا خائفا ذعرا، إذا سمعوا(١) سهل الفرس وثبوا(٢) على جحفلته. فسمعوا منبّه بن الحجّاج يقول: لا يترك الجوع لنا مبيتا لا بدّ أن نموت أو نميتا.
قال: قد والله، كانوا شباعا، ولكنّهم من الخوف قالوا هذا.
وألقى الله في(٣) قلوبهم الرّعب، كما قال الله ـ تعالى ـ:( سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ) (٤) .
فلمّا أصبح رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. عبّأ أصحابه. وكان في عسكر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فرسان: فرس للزّبير بن العوّام، وفرس للمقداد بن أسود.
وكان في عسكره سبعون جملا يتعاقبون عليها. وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعليّ بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد الغنويّ على جمل يتعاقبون عليه، والجمل لمرثد. وكان في عسكر قريش أربعمائة فرس. فعبّأ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أصحابه بين يديه، وقال: غضّوا أبصاركم، ولا تبدأوهم بالقتال، ولا يتكلّمنّ أحد.
فلمّا نظرت قريش إلى قلة أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ، قال أبو جهل: ما هم إلّا أكلة رأس. ولو بعثنا إليهم عبيدنا، لأخذوهم أخذا باليد.
فقال عتبة بن ربيعة: أترى لهم كمينا ومددا؟
فبعثوا عمرو بن وهب الجمحيّ. وكان فارسا شجاعا. فجال بفرسه حتى طاف على(٥) عسكر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ثمّ صعد في(٦) الوادي، وصوّت. ثمّ رجع إلى قريش، فقال: ما لهم كمين ولا مدد، ولكن نواضح يثرب قد حملت الموت النّاقع. أما ترونهم خرسا لا يتكلّمون؟ يتلمّظون تلمّظ الأفاعي. ما لهم ملجأ إلّا سيوفهم. وما أراهم يولّون حتّى يقتلوا(٧) ، ولا يقتلون حتّى يقتلوا بعددهم. فارتئوا رأيكم.
فقال له أبو جهل: كذبت وجبنت، وانتفخ سحرك(٨) حين نظرت إلى سيوف
__________________
(١) ليس في المصدر.
(٢) المصدر: وثب.
(٣) المصدر: على.
(٤) الأنفال / ١٢.
(٥) المصدر: إلى.
(٦) ليس في المصدر.
(٧) المصدر: يقتلون.
(٨) السحر: الرئة. وانتفاخ السحر كناية عن الجبن. وفي المصدر: منخرك.
أهل(١) يثرب.
وفزع أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين نظروا إلى كثرة قريش وقوّتهم. فأنزل الله على رسوله( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) (٢) . وقد علم الله أنّهم لا يجنحون ولا يجيبون إلى السّلم، وإنّما أراد بذلك ليطيّب قلوب أصحاب النّبيّ.
فبعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى قريش، فقال: يا معشر قريش، ما أحد من العرب أبغض إليّ من أن أبدأ(٣) بكم. فخلّوني والعرب. فإن أك صادقا، فأنتم أعلى بي عينا. وإن أك كاذبا، كفتكم ذؤبان العرب أمري. فارجعوا.
فقال عتبة: والله، ما أفلح قوم قطّ ردّوا هذا.
ثمّ ركب جملا له أحمر.
فنظر إليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يجول في العسكر وينهى عن القتال، فقال: إن يكن عند أحد خير، فعند صاحب الجمل الأحمر. إن يطيعوه، يرشدوا.
فأقبل عتبة يقول: يا معشر قريش، اجتمعوا واسمعوا(٤) . ثمّ خطبهم، فقال: يمن مع رحب، ورحب مع يمن. يا معشر قريش، أطيعوني اليوم وأعصوني الدّهر. وارجعوا إلى مكّة، واشربوا الخمور وعانقوا الحور. فإنّ محمّدا له إلّ وذمّة. وهو ابن عمّكم. فارجعوا، ولا تردّوا(٥) رأيي. وإنّما تطالبون بالعير الّتي أخذها محمّد بنخلة(٦) ، ودم ابن الحضرميّ، وهو حليفي وعليّ عقله.
فلمّا سمع أبو جهل ذلك، غاظه(٧) وقال: إنّ عتبة أطول النّاس لسانا، وأبلغهم في الكلام. ولئن رجعت قريش بقوله، ليكوننّ سيّد قريش آخر الدّهر.
ثمّ قال: يا عتبة، نظرت إلى سيوف بني عبد المطّلب وجبنت وانتفخ سحرك وتأمر النّاس بالرّجوع، وقد رأينا [ثأرنا](٨) بأعيننا.
__________________
(١) ليس في المصدر.
(٢) الأنفال / ٦١.
(٣) المصدر: «إليّ ممّن بدأ» بدل: «إليّ من أن أبدأ».
(٤) المصدر: استمعوا.
(٥) لا تنبذوا.
(٦) المصدر: بنخيلة.
(٧) هامش المصدر: أي أداره في فيه.
(٨) من المصدر.
فنزل عتبة عن جمله وحمل على أبي جهل، وكان على فرس، فأخذ بشعره.
فقال النّاس: يقتله.
فعرقب فرسه وقال: أمثلي يجبن؟ وستعلم قريش اليوم أيّنا الأم وأجبن(١) ، وأيّنا المفسد لقومه. لا يمشي إلّا أنا وأنت إلى الموت عيانا. ثمّ قال: هذا جناي وخياره فيه وكلّ جان يده إلى فيه.
ثمّ أخذ بشعره يجرّه.
فاجتمع إليه النّاس، فقالوا: يا أبا الوليد، الله الله، لا تفتّ في أعضاد النّاس.
تنهى عن شيء وتكون أوّله.
فخلّصوا أبا جهل من يده.
فنظر عتبة إلى أخيه شيبه ونظر إلى ابنه الوليد، فقال: قم، يا بنيّ.
فقام. ثمّ لبس درعه. وطلبوا له بيضة يتسع(٢) رأسه، فلم يجدوها لعظم هامته.
فاعتمّ بعمامتين. ثمّ أخذ سيفه، وتقدّم هو وأخوه وابنه ونادى: يا محمّد، أخرج إلينا أكفاءنا من قريش.
فبرز إليه ثلاثة نفر من الأنصار، عوذ ومعوّذ(٣) وعوف من بني عفراء.
فقال عتبة: من أنتم؟ انتسبوا لنعرفكم.
فقالوا: نحن بنو عفراء، أنصار الله وأنصار رسوله.
فقالوا: ارجعوا، فإنّا لسنا إيّاكم نريد. إنّما نريد الأكفاء من قريش.
فبعث إليهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن ارجعوا، فرجعوا. وكره أن يكون أوّل الكرّة بالأنصار، فرجعوا ووقفوا موقفهم.
ثمّ نظر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب، وكان له سبعون سنة، فقال له: قم يا عبيدة.
فقام بين يديه بالسّيف.
ثمّ نظر إلى حمزة بن عبد المطّلب، فقال له: قم، يا عمّ.
__________________
(١) كذا في المصدر، وفي النسخ: الأليم والأجبن.
(٢) المصدر ور وب: تسع.
(٣) المصدر: عود ومعود.
ثم نظر إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فقال له: قم، يا عليّ ـ وكان أصغر القوم(١) ـ فاطلبوا بحقّكم الّذي جعله الله لكم. فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها، تريد أن تطفى نور الله ويأبى الله إلّا أن يتمّ نوره.
ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: يا عبيدة، عليك بعتبة. وقال لحمزة: عليك بشيبة. وقال لعليّ: عليك بالوليد بن عتبة.
فمرّوا حتى انتهوا إلى القوم.
فقال عتبة: من أنتم؟ انتسبوا لنعرفكم.
فقال [عبيدة](٢) : أنا عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب.
فقال: كفو كريم. فمن هذان؟
فقال: حمزة بن عبد المطّلب، وعليّ بن أبي طالب.
فقال: كفوان كريمان. لعن الله من أوقفنا وإيّاكم هذا الموقف.
فقال شيبة لحمزة: من أنت؟
فقال: أنا حمزة بن عبد المطّلب، أسد الله وأسد رسوله.
فقال له شيبة: لقد لقيت أسد الحلفاء. فانظر كيف تكون صولتك، يا أسد الله.
فحمل عبيدة على عتبة، فضربه على رأسه ضربة فلق هامته.
وضرب عتبة عبيدة على ساقه، فقطعها وسقطا جميعا. وحمل حمزة على شيبة، فتضاربا بالسّيفين حتى انثلما. وكلّ واحد منهما يتّقي بدرقته. وحمل أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ على الوليد بن عتبة، فضربه على حبل عاتقه، فأخرج السّيف من إبطه. فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ: فأخذ يمينه المقطوعة بيساره، فضرب بها هامتي، فظننت أنّ السّماء وقعت على الأرض.
ثمّ اعتنق حمزة وشيبة، فقال المسلمون: يا عليّ، أما ترى الكلب قد بهر(٣) عمّك.
فحمل إليه عليّ ـ عليه السّلام ـ. ثمّ قال: يا عمّ، طأطئ رأسك. وكان حمزة أطول من شيبة. فأدخل حمزة رأسه في صدره، فضربه أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ على رأسه فطير(٤) نصفه. ثمّ جاء إلى عتبة وبه رمق، فأجهز عليه. وحمل عبيدة بين حمزة وعليّ حتّى
__________________
(١) المصدر: وكان أصغرهم فقال .
(٢) من المصدر.
(٣) بهر: غلب. وفي المصدر: أبهر.
(٤) إلى هنا ليس في نسخة «أ».
أتيا به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فنظر إليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فاستعبر.
فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، ألست شهيدا؟
قال: بلى، أنت أوّل شهيد من أهل بيتي.
فقال: أمّا لو كان عمك حيّا، لعلم أني أولى بما قال منه.
قال: وأيّ أعمامي تعني؟
قال: أبو طالب، حيث يقول :
كذبتم وبيت الله نبرى محمدا |
ولما نطاعن دونه ونناضل |
|
ونسلمه حتى نصرّع حوله |
ونذهل عن أبنائنا والحلائل |
فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله: أما ترى ابنه: كاللّيث العادي بين يدي الله ورسوله، وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة؟
فقال: يا رسول الله، أسخطت عليّ في هذه الحالة؟
فقال: ما سخطت عليك، ولكن ذكرت عمي فانقبضت لذلك.
وقال أبو جهل لقريش: لا تعجلوا ولا تبطروا، كما عجل وبطر أبناء ربيعة.
عليكم بأهل يثرب، فاجزروهم جزرا. وعليكم بقريش، فخذوهم أخذا حتّى ندخلهم مكّة فنعرّفهم ضلالتهم التي كانوا عليها.
وكان فئة(١) من قريش أسلموا بمكّة فأجلسهم(٢) آباؤهم. فخرجوا مع قريش إلى بدر وهم على الشّكّ والارتياب والنّفاق، منهم قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكهة، والحارث بن ربيعة، وعليّ بن أمية بن خلف، والعاص بن المنبّه. فلمّا نظروا إلى قلة أصحاب محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ قالوا: مساكين هؤلاء، نحرهم(٣) دينهم فيقتلون الساعة. فأنزل الله على رسوله( إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (٤) .
وجاء إبليس ـ عليه اللّعنة ـ إلى قريش في صورة سراقة بن مالك، فقال لهم: «إني جار لكم»(٥) ادفعوا إليّ رايتكم. فدفعوها إليه. وجاء بشياطينه يهول بهم على
__________________
(١) المصدر: فتية.
(٢) المصدر: فاحتبسهم.
(٣) المصدر: غرّهم.
(٤) الأنفال / ٤٩.
(٥) المصدر: أنا جاركم.
أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ويخيل إليهم ويفزعهم. وأقبلت قريش يقدمها إبليس معه الرّاية.
فنظر إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فقال: غضّوا أبصاركم، وعضّوا على النّواجذ، ولا تسلّوا سيفا حتّى آذن لكم. ثمّ رفع يده إلى السّماء، فقال: يا ربّ، إن تهلك هذه العصابة لم تعبد. وان شئت أن لا تعبد، لا تعبد.
ثمّ أصابه الغشي، فسرى عنه وهو يسكب العرق عن وجهه وهو يقول: هذا جبرئيل قد أتاكم في ألف من الملائكة مردفين.
قال: فنظرنا، فإذا سحابة سوداء فيها برق لائح وقد وقعت على عسكر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ. وقائل يقول: أقدم حيزوم، أقدم حيزوم(١) . وسمعنا قعقعة السّلاح من الجوّ.
ونظر إبليس إلى جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فراجع(٢) ورمى باللّواء. فأخذ منبه بن الحجاج بمجامع ثوبه، ثمّ قال: ويلك، يا سراقة، تفتّ في أعضاد النّاس.
فركله إبليس ركلة في صدره، وقال: إني بريء منكم(٣) ، إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله. وهو قول الله:( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ، فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ ) (٤) . ثمّ قال ـ عزّ وجلّ ـ:( وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ) (٥) .
وحمل جبرئيل على إبليس، فطلبه حتّى غاص في البحر. وقال: ربّ، أنجز لي ما وعدتني من البقاء إلى يوم القيامة(٦) .
روي في خبر: أنّ إبليس التفت إلى جبرئيل وهو في الهزيمة، فقال: يا هذا، بدا(٧) لكم فيما أعطيتمونا؟
__________________
(١) حيزوم: اسم فرس جبرئيل. أي: أقدم يا حيزوم.
(٢) المصدر: فتراجع.
(٣) ليس في المصدر: «إنّي بريء منكم».
(٤) الأنفال / ٤٨.
(٥) الأنفال / ٥٠.
(٦) المصدر: يوم الدّين.
(٧) المصدر: أبدا.
فقيل لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ: أترى كان يخاف أن يقتله؟
فقال: لا ولكنّه كان يضربه ضربة يشينه منها إلى يوم القيامة.
وأنزل الله على نبيّه( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ، فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ ) (١) . قال: أطراف الأصابع. فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد أن تطفئ نور الله، ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره.
وخرج أبو جهل من بين الصّفين، فقال: أللّهمّ(٢) ، إن محمّدا قطعنا الرّحم وأتانا بما لا نعرفه، فأهنه(٣) الغداة.
فأنزل الله على رسوله( إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ، وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ، وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٤) .
ثم أخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ كفا من حصاة، فرمى به في وجوه قريش وقال: شاهت الوجوه. فبعث الله رياحا تضرب في وجوه قريش، فكانت الهزيمة. ثمّ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ: أللّهمّ، لا يغلبنّك(٥) فرعون هذه الأمة، أبو جهل بن هشام.
فقتل منهم سبعين وأسر منهم سبعين.
والتقى عمرو بن الجموح مع أبي جهل، فضرب عمرو أبا جهل على فخذه، وضرب أبو جهل عمروا على يده فأبانها من العضد فتعلّقت بجلدة. فاتكأ عمرو على يده برجله، ثمّ تراخى(٦) في السّماء حتّى انقطعت الجلدة ورمى بيده.
وقال عبد الله بن مسعود: انتهيت إلى أبي جهل وهو يتشحّط بدمه، فقلت: الحمد لله الّذي أخزاك.
فرفع رأسه، فقال: إنّما أخزى الله عبد بن أمّ عبد. لمن الدين(٧) ، ويلك؟
قلت: لله وللرّسول، وإنّي قاتلك، ووضعت رجلي على عنقه.
__________________
(١) الأنفال / ١٢.
(٢) ليس في المصدر.
(٣) المصدر: فأحنه، أي: أهلكه.
(٤) الأنفال / ١٩.
(٥) المصدر: لا يفلتن.
(٦) المصدر: نزا.
(٧) الدين هنا: القهر والغلبة والاستعلاء.
فقال: لقد(١) ارتقيت مرتقى صعبا، يا رويعي الغنم. أما إنّه ليس شيء أشدّ من قتلك إيّاي في هذا اليوم. ألّا تولّي قتلي رجلا من المطلبيين، أو رجلا من الأحلاف؟
فانقلعت(٢) بيضة كانت على رأسه، فقتلته. وأخذت رأسه وجئت به إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ. فقلت: يا رسول الله، البشرى. هذا رأس أبي جهل بن هشام.
فسجد لله شكرا.
وأسر أبو بشير الأنصاريّ العبّاس بن عبد المطّلب وعقيل بن أبي طالب، وجاء بهما إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
فقال له: هل أعانك عليهما أحد؟
قال: نعم، رجل عليه ثياب بيض.
فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذاك من الملائكة.
ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ للعبّاس: أفد نفسك وابن أخيك.
فقال: يا رسول الله، قد كنت أسلمت ولكن القوم استكرهوني.
فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: أعلم بإسلامك إن يكن ما تذكر حقّا، فإنّ الله يجزيك(٣) عليه. فأمّا ظاهر أمرك، فقد كنت علينا.
ثمّ قال: يا عبّاس، إنكم خاصمتم الله، فخصمكم.
ثمّ قال: أفد نفسك وابن أخيك.
وقد كان العبّاس أخذ معه أربعين أوقيّة من ذهب.
فغنمها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فلمّا قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ للعبّاس: «أفد نفسك» قال: يا رسول الله، أحسبها من فدائي.
فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: لا، ذاك شيء أعطانا الله منك. فأفد نفسك وابن أخيك.
فقال العبّاس: ليس لي مال غير الّذي ذهب منّي.
قال: بلى، المال الّذي خلّفته عند أمّ الفضل بمكّة. وقلت لها: إن حدث عليّ حدث، فاقسموه بينكم.
__________________
(١) ليس في المصدر.
(٢) المصدر: فاقتلعت.
(٣) المصدر: يجزك.
فقال له: تتركني وأنا أسأل النّاس بكفي.
فأنزل الله على رسوله في ذلك( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) . ثمّ قال الله:( وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ ) [في علي](١) ( فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (٢) .
ثمّ قال رسول الله لعقيل: قد قتل الله، يا أبا يزيد، أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومنبّه ونبيه، ابني الحجّاج ونوفل بن خويلد. وأسر سهيل بن عمرو والنضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط وفلان وفلان.
فقال عقيل: إذا لا تنازعوا في تهامة. فإن كنت قد أثخنت القوم، وإلّا فاركب أكتافهم.
فتبسم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من قوله.
وكان القتلى ببدر سبعين، والأسرى سبعين. قتل منهم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ سبعة وعشرين، ولم يؤسر أحدا. فجمعوا الأسارى، وقرنوهم في الحبال، وساقوهم على أقدامهم، وجمعوا الغنائم. وقتل من أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ تسعة رجال، فيهم(٣) سعد بن خيثمة، وكان من النّقباء. فرحل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ونزل الأثيل عند غروب الشّمس، وهو من بدر على ستّة أميال. فنظر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى عقبة بن أبي معيط وإلى النضر بن الحارث بن كلدة، وهما في قرآن(٤) واحد.
فقال النّضر لعقبة: يا عقبة أنا وأنت مقتولان.
قال عقبة: من بني(٥) قريش؟
قال: نعم. لأنّ محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ قد نظر إلينا نظرة، رأيت فيها القتل.
فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: يا عليّ، عليّ بالنّضر وعقبة.
__________________
(١) من المصدر.
(٢) الأنفال / ٧٠ و ٧١.
(٣) المصدر: فمنهم.
(٤) المصدر: قرن. والقرن ـ محرّكة ـ الحبل يجمع به البعيران.
(٥) المصدر: بين.
وكان النّضر رجلا جميلا، عليه شعر. فجاء عليّ ـ عليه السّلام ـ فأخذ بشعره فجرّه إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
فقال النضر: يا محمد، أسألك بالرّحم الّذي بيني وبينك إلا أجريتني، كرجل من قريش. إن قتلتهم، قتلتني. وإن فاديتهم، فاديتني. وإن أطلقتهم، أطلقتني. فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: لا رحم بيني وبينك، قطع الله الرحم بالإسلام. قدّمه، يا عليّ، فاضرب عنقه.
فقال عقبة: يا محمّد، ألم تقل: لا تصبر قريش، أي: لا يقتلون صبرا؟
قال: وأنت(١) من قريش؟ إنّما أنت علج من أهل صفوريّة. لا أنت في الميلاد أكبر من أبيك الّذي تدعى له، ليس منها. قدّمه، يا عليّ، فاضرب عنقه.
فقدّمه، فضرب عنقه. فلمّا قتل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ النضر وعقبة، خافت الأنصار أن يقتل الأسارى كلّهم. فقاموا إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقالوا: يا رسول الله، قد قتلنا سبعين وأسرنا سبعين. وهم قومك وأساراك. هبهم لنا، يا رسول الله، وخذ منهم الفداء وأطلقهم. فأنزل الله عليه( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ* فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً ) (٢) . فأطلق لهم أن يأخذوا الفداء ويطلقوهم، وشرط أنّه يقتل منهم في عام قابل بعدد من يأخذون منهم الفداء. فرضوا منه بذلك. وتمام الحديث مضى في سورة آل عمران.
( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً ) : كثيرا. بحيث يرى لكثرتهم كأنّهم يزحفون، أي: يدبّون.
وهو مصدر زحف الصبيّ: إذا دبّ على مقعده قليلا. سمّي به. وجمع على زحوف. وانتصابه على الحال.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) ، أي: يدنوا بعضهم(٤) من بعض.
( فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) (١٥): بالانهزام، فضلا أن يكونوا مثلكم أو أقلّ
__________________
(١) المصدر.
(٢) الأنفال / ٦٧ ـ ٦٩.
(٣) تفسير القمي ١ / ٢٧٠.
(٤) المصدر: بعضكم.
منكم.
والأظهر أنّها محكمة، مخصوصة بقوله:( حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ) (الآية).
ويجوز أن ينتصب «زحفا» على الحال من الفاعل والمفعول، أي: إذا لقيتموهم متزاحفين يدبّون إليكم وتدبون إليهم، فلا تنهزموا. أو من الفاعل وحده، ويكون أشعارا بما سيكون منهم يوم حنين حين تولّوا، وهم اثنا عشر ألفا.
( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ ) : يريد الكر بعد الفرّ وتغرير العدوّ، فانّه من مكائد الحرب.
( أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ ) ، أي: منحازا إلى طائفة أخرى من المسلمين على القرب، ليستعين بهم.
ومنهم من لم يعتبر القرب، لما نقل(١) ابن عمر أنّه كان في سريّة بعثهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ففرّوا إلى المدينة.
فقلت: يا رسول الله، نحن الفرّارون؟
فقال: بل أنتم العكارون، وأنا فئتكم.
وانتصاب «متحرّفا» و «متحيزا» على الحال، وإلّا لغو لا عمل لها. أو الاستثناء من المولين، أي: إلّا رجلا متحرفا أو متحيزا.
ووزن «متحيّز» «متفيعل» لا «متفعّل»، وإلا لكان متحوزا، من حاز يحوز.
( فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (١٦).
قيل: هذا إذا لم يزد العدوّ على الضعف، لقوله:( الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ ) (الآية).
وقيل(٢) : الآية مخصوصة بأهل بيته(٣) ، والحاضرين معه في الحرب.
وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن أبي أسامة، زيد الشّحام قال: قلت لأبي الحسن ـ عليه السّلام ـ: جعلت فداك، إنّهم يقولون: ما منع عليا، ان كان له حقّ، أن يقوم بحقّه؟
فقال: إنّ الله لم يكلّف هذا أحدا إلّا نبيّه ـ عليه وآله السّلام ـ قال له :
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٨
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٨.
(٣) ح: بدر.
(٤) تفسير العياشي ٢ / ٥١، ح ٣١.
( فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ) (١) . وقال لغيره:( إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ ) (٢) . فعليّ لم يجد فئة. ولو وجد فئة، لقاتل.
ثمّ قال: لو كان جعفر وحمزة حيّين، إنّما هما رجلان(٣) . قال:( مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ ) . قال: متطرّفا(٤) يريد الكرة عليهم. «أو متحيزا»، يعني: متأخرا إلى أصحابه من غير هزيمة. فمن انهزم حتى يخوض(٥) صفّ أصحابه،( فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ) .
عن زرارة(٦) ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال: قلت: الزّبير شهد بدرا؟
قال: نعم، ولكنّه فرّ يوم الجمل. فإن كان قاتل المؤمنين، فقد هلك بقتاله إياهم. وان كان قاتل كفّارا،( فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ) ، حين ولّاهم دبره.
[سئل](٧) عن أبي جعفر(٨) ـ عليه السّلام ـ ما شأن أمير المؤمنين حين ركب منه ما ركب، [لم يقاتل](٩) .
فقال: للّذي(١٠) سبق في علمه أن يكون. ما كان لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أن يقاتل وليس معه إلّا ثلاثة رهط(١١) ، فكيف يقاتل؟ ألم تسمع قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً ـ إلى ـوَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) . فكيف يقاتل أمير المؤمنين بعدها، وإنّما هو يومئذ ليس معه [مؤمن](١٢) غير ثلاثة رهط.
وفي كتاب الخصال(١٣) ، في مناقب أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وتعدادها: وقال ـ عليه السّلام ـ: وأمّا الثّالثة والسّتّون، فاني لم أفرّ من الزّحف قطّ، ولم يبارزني أحد إلّا سقيت الأرض من دمه.
وفي عيون الأخبار(١٤) ، في باب ما كتب به الرضا ـ عليه السّلام ـ إلى محمد بن سنان
__________________
(١) النساء / ٨٤.
(٢) الانفال / ١٦.
(٣) للعلامة المجلسي ـ رحمه الله ـ بيان فيه. راجع البحار (ط. الكمباني) ٨ / ١٥٢.
(٤) المصدر: «متطرّدا»، أي: متباعدا.
(٥) المصدر: يجوز.
(٦) تفسير العيّاشي ٢ / ٥١، ح ٢٩.
(٧) ما بين المعقوفتين منّا.
(٨) تفسير العيّاشي ٢ / ٥١، ح ٣٠.
(٩) من المصدر.
(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ: الله من، بدل: للّذي.
(١١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: برهط. (١٢) من المصدر. (١٣) الخصال / ٥٨٠.
(١٤) العيون ٢ / ٩٢.
في جواب مسائله في العلل: وحرّم الله ـ تعالى ـ الفرار من الزّحف لما فيه من الوهن في الدّين، والاستخفاف بالرّسل والائمّة العادلة ـ عليهم السّلام ـ وترك نصرتهم على الأعداء، والعقوبة لهم على انكار ما دعوا إليه من الإقرار بالرّبوبيّة وإظهار العدل، وترك الجور، وإماتته والفساد(١) ، لما في ذلك من جرأة العدو على المسلمين، وما يكون من السّبي والقتل وإبطال من دين الله ـ عزّ وجلّ ـ وغيره من الفساد.
وفي الكافي(٢) : علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي حمزة، عن عقيل الخزاعيّ، أنّ أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ كان إذا حضر الحرب، يوصي المسلمين بكلمات يقول: تعاهدوا الصّلاة ـ إلى أن قال عليه السّلام ـ: ثمّ أنّ الرعب والخوف من جهاد المستحق للجهاد والمؤازرين على الضّلال ضلال في الدين، وسلب للدّنيا مع الذّلّ والصّغار، وفيه استيجاب النّار بالفرار من الزحف عند حضرة القتال. يقول الله ـ تعالى ـ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ )
أحمد بن محمّد الكوفيّ(٣) ، عن ابن جمهور، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن مفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وعن عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ لأصحابه: إذا لقيتم عدوكم في الحرب، فأقلّوا الكلام واذكروا الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) فتسخطوا الله ـ تبارك وتعالى ـ وتستوجبوا غضبه.
محمّد بن يحيى(٤) ، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن الحسن بن صالح، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: كان يقول: من فرّ من رجلين في القتال من الزحف، فقد فرّ. ومن فرّ من ثلاثة في القتال من الزّحف، فلم يفرّ.
( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ) : بقوّتكم.
( وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ ) : بنصركم وتسليطكم عليهم، وإلقاء الرّعب في قلوبهم.
نقل(٥) : انّه لـمـّـا طلعت قريش من العقنقل، قال ـ عليه السّلام ـ: هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك. أللّهمّ، إنّي أسألك ما وعدتني.
__________________
(١) المصدر: وإماتة الفساد.
(٢) الكافي ٥ / ٣٦ و ٣٨.
(٣) الكافي ٥ / ٤٢، ح ٥.
(٤) الكافي ٥ / ٣٤، ح ١.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٨.
فأتاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ وقال له: خذ قبضة من تراب، فارمهم بها.
فلمّا التقى الجمعان، تناول كفّا من الحصباء فرمى بها في وجوههم وقال: شاهت الوجوه. فلم يبق مشرك الّا شغل بعينيه. فانهزموا، وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم. ثمّ لـمـّـا انصرفوا، أقبلوا على التّفاخر. فيقول الرجل: قتلت وأسرت. فنزلت.
و «الفاء» جواب شرط محذوف، تقديره: إن فخرتم(١) بقتلهم فلم تقتلوهم، ولكن الله قتلهم.
( وَما رَمَيْتَ ) : يا محمّد، رميا توصله إلى أعينهم ولم تقدر عليه.
( إِذْ رَمَيْتَ ) : أي: أتيت بصورة الرّمي.
( وَلكِنَّ اللهَ رَمى ) ، أي: أتى بما هو غاية الرّمي، فأوصلها إلى أعينهم حتى انهزموا وتمكنتم من قطع دابرهم.
وقد عرفت أنّ اللّفظ يطلق على المسمّى، وعلى ما هو كماله، والمقصود منه.
وقيل(٢) : معناه: ما رميت بالرّعب إذ رميت بالحصباء، ولكنّ الله رمى بالرّعب في قلوبهم.
وقيل(٣) : انّه نزل في طعنة طعن بها أبي بن خلف يوم أحد، ولم يخرج منه دم، فجعل يخور حتّى مات. أو رمية سهم رماه يوم حنين نحو الحصن، فأصاب لبابة بن الحقيق(٤) على فراشه.
وفي تفسير(٥) علي بن ابراهيم، يعني: الحصى الّذي حمله رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ورمى به في وجوه قريش، وقال: شاهت الوجوه.
وفي كتاب الاحتجاج(٦) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل. وفيه قال في هذه الآية: سمّي فعل النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فعلا له. ألا ترى تأويله على غير تنزيله.
__________________
(١) المصدر: افتخرتم.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٩.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٩.
(٤) المصدر: كنانة بن أبي الحقيق.
(٥) تفسير القمي ١ / ٢٧٠ ـ ٢٧١.
(٦) الاحتجاج ١ / ٣٧٢.
وفي تفسير العياشيّ(١) : عن محمّد بن كليب الأسديّ، عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله:( وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى ) .
قال: عليّ ناول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ القبضة التي رمى بها.
وفي خبر آخر(٢) عنه: أنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ ناوله قبضة من تراب، رمى بها.
عن عمرو بن أبي المقدام(٣) ، عن عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ قال: ناول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عليّ بن أبي طالب قبضة من تراب [القبضة](٤) التي رمى بها في وجوه المشركين. فقال [الله](٥) :( وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى ) .
وفي كتاب الخصال(٦) ، في مناقب أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وتعدادها. قال ـ عليه السّلام ـ: وأمّا الخامسة والثّلاثون، فإن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وجهني يوم بدر فقال: ائتني بكف حصيات مجموعة في مكان واحد. فأخذتها ثمّ شممتها، فإذا هي طيّبة تفوح منها رائحة المسك. فأتيته بها، فرمى بها وجوه المشركين. وتلك الحصيات أربع منها كن(٧) من الفردوس وحصاة من المشرق، وحصاة من المغرب، وحصاة من تحت العرش. مع كلّ حصاة مائة ألف ملك مداد لنا. لم يكرم الله ـ عزّ وجلّ ـ بهذه الفضيلة أحدا قبلنا ولا بعدنا.
( وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً ) : ولينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة، ومشاهدة الآيات.
( إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ ) : لاستغاثتهم ودعائهم.
( عَلِيمٌ ) (١٧): بنيّاتهم وأحوالهم.
( ذلِكُمْ ) : إشارة إلى البلاء الحسن أو القتل، أو الرّمي.
ومحلّه الرّفع، أي: المقصود، أو الأمر «ذلكم».
( وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ ) (١٨): معطوف عليه، أي: المقصود إيلاء المؤمنين، وتوهين كيد الكافرين وإبطال حيلهم.
__________________
(١) تفسير العياشي ٢ / ٥٢، ح ٣٢.
(٢) تفسير العياشي ٢ / ٥٢، ح ٣٣.
(٣) تفسير العياشي ٢ / ٥٢، ح ٣٤.
(٤) ليس في المصدر.
(٥) من المصدر.
(٦) الخصال / ٥٧٦.
(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ: كان.
وقرأ(١) ابن كثير ونافع وابو عمرو: «موهن» بالتّشديد. وحفص: «موهن كيد الكافرين» بالإضافة والتّخفيف.
( إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ ) قيل(٢) : خطاب لأهل مكّة على سبيل التّهكم. وذلك أنّهم حين أرادوا الخروج، تعلّقوا بأستار الكعبة وقالوا: أللّهمّ، انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين.
وفي مجمع البيان(٣) ، في حديث أبي حمزة: قال أبو جهل: أللّهمّ ربّنا، ديننا القديم ودين محمّد الحديث. فأي الدّينين كان أحبّ إليك وأرضى عندك، فانصر أهله اليوم.
وروي أنّه قال: أيّنا أهجر وأقطع للرّحم، فأهنه اليوم فأهلكه.
وقيل(٤) : خطاب للمؤمنين، وكذا القولان فيما بعده.
( وَإِنْ تَنْتَهُوا ) : عن الكفر، ومعاداة الرسول.
( فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) : لتضمنه سلامة الدّارين وخير المنزلين.
( وَإِنْ تَعُودُوا ) : لمحاربته.
( نَعُدْ ) : لنصره.
( وَلَنْ تُغْنِيَ ) : ولن تدفع.
( عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ ) : جماعتكم.
( شَيْئاً ) : من الإغناء، أو المضارّ.
( وَلَوْ كَثُرَتْ ) : فئتكم.
( وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) (١٩): بالنّصر والمعونة.
وقرأ نافع(٥) وابن عامر وحفص: «وأنّ» بالفتح. على تقدير: ولأنّ الله مع المؤمنين كان ذلك.
وقيل(٦) : الآية خطاب للمؤمنين. والمعنى: إن تستنصروا، فقد جاءكم النصر.
وإن تنتهوا عن التّكاسل في القتال والرغبة عمّا يستأثره الرّسول،( فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) . «وإن تعودوا إليه، نعد» عليكم بالإنكار أو تهييج العدوّ. «ولن تغني» حينئذ كثرتكم، إذا لم
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٩.
(٢) نفس المصدر والموضع.
(٣) مجمع البيان ٢ / ٥٣١.
(٤) تفسير الصافي ٢ / ٢٨٨.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٩.
(٦) نفس المصدر، والموضع.