تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٥

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب0%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 569

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: الصفحات: 569
المشاهدات: 13928
تحميل: 3836


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 569 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 13928 / تحميل: 3836
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء 5

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في أهل الجزية، يؤخذ من أموالهم ومواشيهم شيء سوى الجزية؟

قال: لا.

( وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ) قيل(١) : إنّما قاله بعض من متقدّميهم، أو ممّن كانوا(٢) بالمدينة. وإنّما قالوا ذلك، لأنّه لم يبق فيهم بعد وقعة بخت نصر من يحفظ التّوراة. وهو لـمـّـا أحياه الله بعد مائة عام، أملى عليهم التّوراة حفظا. فتعجّبوا من ذلك، وقالوا: ما هذا إلّا لأنّه ابن الله. والدّليل على أنّ هذا القول كان فيهم، أنّ الآية قرئت عليهم فلم يكذّبوا مع تهالكهم على التّكذيب.

وقرأ عاصم والكسائيّ ويعقوب: «عزير» بالتّنوين. على أنّه عربيّ مخبر عنه «بابن» غير موصوف به. وحذفه في القراءة الأخرى إمّا لمنع صرفه للعجمة والتّعريف، أو لالتقاء السّاكنين تشبيها للنّون بحرف اللّين، أو لأنّ «الابن» وصف والخبر محذوف، مثل معبودنا أو صاحبنا. وهو مزّيف، لأنّه يؤدّي إلى تسليم النّسب وإنكار الخبر المقدّر.

( وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ) : هو ـ أيضا ـ قول بعضهم. وإنّما قالوه استحالة، لأن يفعل ما فعله من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى من لم يكن إلها.

وفي كتاب الاحتجاج(٣) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ: قال أبو محمّد العسكريّ: ـ عليه السّلام ـ: قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ: ولقد حدّثني أبي، عن جدّي، عليّ بن الحسين زين العابدين، عن الحسين بن عليّ سيد الشّهداء، عن عليّ بن أبي طالب ـ صلوات الله عليهم ـ: أنّه اجتمع يوما عند رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أهل خمسة أديان، اليهود والنّصارى والدّهريّة والثّنويّة ومشركوا العرب.

فقالت اليهود: نحن نقول: عزير ابن الله. وقد جئناك، يا محمّد، لننظر ما تقول.

فإن اتّبعتنا، فنحن أسبق إلى الصّواب منك وأفضل. وإن خالفتنا، خصمناك(٤) .

وقالت النّصارى: نحن نقول: المسيح ابن الله اتّحد به. وقد جئناك لننظر ما تقول. فإن اتّبعتنا، فنحن أسبق إلى الصّواب منك وأفضل. وإن خالفتنا، خصمناك.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤١٢.

(٢) المصدر: كان.

(٣) الاحتجاج ١ / ١٦ ـ ٢٠.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: أخصمناك.

٤٢١

ثمّ قال ـ صلّى الله عليه وآله ـ لليهود: أجئتموني لأقبل قولكم بغير حجّة؟

قالوا: لا.

قال: فما الّذي دعاكم إلى القول بأنّ عزيز ابن الله؟

قالوا: لأنّه أحيا لبني إسرائيل التّوراة بعد ما ذهبت، ولم يفعل بها هذا إلّا لأنّه ابنه.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: فكيف صار عزير ابن الله دون موسى، وهو الّذي جاءهم بالتّوراة ورأوا منه من المعجزات ما قد علمتم؟ فإن كان عزير ابن الله لما ظهر من إكرامه من إحياء التّوراة، فلقد كان موسى بالنّبوّة أحقّ وأولى. ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب له أنّه ابنه، فأضعاف هذه كرامة لموسى توجب له منزلة أجلّ من النّبوّة. لأنّكم إن كنتم إنّما تريدون بالنّبوّة الدّلالة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم هذه من ولادة الأمّهات الأولاد بوطئ آبائهم لهنّ، فقد كفرتم بالله وشبّهتموه بخلقه وأوجبتم فيه صفات المحدثين. ووجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا، وأن يكون له خالق صنعه وابتدعه.

قالوا: لسنا نعني هذا. فإنّ هذا كفر كما ذكرت. ولكنّا نعني أنّه ابنه، على معنى الكرامة وإن لم يكن هناك ولادة، كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة عن غيره: يا بنيّ، وأنّه ابني. لا على إثبات ولادته منه. ولأنّه قد يقول ذلك لمن هو أجنبيّ، لا نسب له بينه وبينه. وكذلك لـمـّـا فعل الله بعزير ما فعل، كان قد اتّخذه ابنا على الكرامة لا على الولادة.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: فهذا ما قلته لكم، أنّه إن أوجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه. فإنّ هذه المنزلة لموسى أولى. وأنّ الله يفضح كلّ مبطل بإقراره ويقلب عليه حجّته، لأنّ ما احتججتم به يؤدّيكم إلى ما هو أكبر(١) ممّا ذكرته لكم.

لأنّكم قلتم: إنّ عظيما من عظمائكم قد يقول لأجنبيّ لا نسب بينه وبينه: يا بنيّ، وهذا ابني. لا على طريق الولادة. فقد تجدون ـ أيضا ـ هذا العظيم يقول لأجنبيّ آخر: هذا أخي. ولآخر: هذا شيخي، وأبي. ولآخر: هذا سيّدي، ويا سيّدي. على سبيل الإكرام. وأنّ من زاده في الكرامة، زاده في مثل هذا القول. فإذا يجوز عندكم أن يكون

__________________

(١) المصدر: أكثر.

٤٢٢

موسى أخا لله أو شيخا أو أبا أو سيّدا. لأنّه قد زاده في الإكرام ممّا لعزير، كما أنّ من زاد رجلا في الإكرام فقال له: يا سيّدي، ويا شيخي، ويا عمّي، ويا رئيسي. على طريق الإكرام. وأنّ من زاده في الكرامة، زاده في مثل هذا القول. أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله، أو شيخا، أو عمّا، أو رئيسا، أو سيّدا، أو أميرا. لأنّه قد زاده في الإكرام على من قال له: يا شيخي، أو يا سيّدي، أو يا عمّي(١) ، أو يا رئيسي [أو يا أميري](٢)

قال: فبهت القوم وتحيّروا، وقالوا: يا محمّد، أجّلنا نتفكّر فيما قد قلته لنا.

فقال: انظروا فيه بقلوب معتقدة للإنصاف، يهدكم الله.

ثمّ أقبل ـ صلّى الله عليه وآله ـ على النّصارى، فقال: وأنتم قلتم: إنّ القديم ـ عزّ وجلّ ـ اتّحد بالمسيح(٣) ـ عليه السّلام ـ ابنه. فما الّذي أردتموه بهذا القول؟ أردتم(٤) أنّ القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الّذي هو عيسى، أو المحدث الّذي هو عيسى صار قديما لوجود(٥) القديم الّذي هو الله، أو معنى قولكم: أنّه اتّحد به أنّه اختصّه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه؟ فإنّ أردتم أنّ القديم صار محدثا، فقد أبطلتم، لأنّ القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا. وإن أردتم أنّ المحدث صار قديما، فقد أحلتم(٦) ، لأنّ المحدث ـ أيضا ـ محال أن يصير قديما. وإن أردتم أنّه اتّحد به بان اختصه واصطفاه على سائر عباده، فقد أقررتم بحدوث عيسى وبحدوث المعنى الّذي اتّحد من أجله. لأنّه إذا كان عيسى محدثا وكان الله قد اتّحد به بأن أحدث به معنى صار به أكرم الخلق عنده، فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين. وهذا خلاف ما بدأتم تقولونه.

فقالت النّصارى: يا محمّد، إنّ الله لـمـّـا أظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة(٧) ما أظهر، فقد اتّخذه ولدا على جهة الكرامة.

فقال لهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الّذي ذكرتموه.

ثمّ أعاد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذلك كلّه. فسكتوا، إلّا رجلا واحدا منهم قال

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: يا أميري.

(٢) من المصدر.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: اتّخذ المسيح.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: إن أردتم.

(٥) في المصدر: كوجود.

(٦) كذا في المصدر. وفي أو ب: أبطلتم. وفي ج: أحلهم. وفي ر: احليم.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ: القبيحة.

٤٢٣

له: يا محمّد، أو لستم تقولون: إنّ إبراهيم خليل الله؟

قال: قد قلنا ذلك.

فقال: إذا قلتم ذلك، فلم منعتمونا من أن نقول: إنّ عيسى ابن الله؟

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: إنّهما [لن يشتبها](١) . لأنّ قولنا: إنّ إبراهيم خليل الله، فإنّما هو مشتقّ من الخلّة. والخلّة إنّما معناها: الفقر والفاقة. فقد كان خليلا إلى ربّه فقيرا، وإليه منقطعا، وعن غيره متعفّفا معرضا مستغنيا. وذلك لـمـّـا أريد قذفه في النّار، فرمي به في المنجنيق، فبعث الله جبرئيل ـ عليه السّلام ـ وقال له: أدرك عبدي.

فجاءه فلقيه في الهواء، فقال: كلّفني ما بدا لك، فقد بعثني الله لنصرتك.

فقال: بل حسبي الله ونعم الوكيل، إنّي لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلّا إليه.

فسمّاه خليله، أي: فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمّن سواه.

وإذا جعل معنى ذلك من الخلّة(٢) ـ وهو أنّه قد تخلّل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره ـ كان [الخليل](٣) معناه: العالم به وبأموره. ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه. ألا ترون أنّه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله، وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله؟ وإنّ من يلده الرّجل ـ وإن أهانه وأقصاه ـ لم يخرج عن أن يكون ولده. لأنّ معنى الولادة قائم به. ثمّ [إن وجب لأنّه قال لإبراهيم: خليلي، أن تقيسوا أنتم فتقولوا بأنّ](٤) عيسى ابنه، وجب ـ أيضا ـ [كذلك أن تقولوا لموسى: إنّه ابنه. فإنّ](٥) الّذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى. فقولوا: إنّ موسى ـ أيضا ـ ابنه. وإنّه يجوز أن تقولوا على هذا المعنى: إنّه شيخه وسيّده وعمّه ورئيسه وأميره، كما ذكرته لليهود.

فقال بعضهم لبعض: وفي الكتب المنزلة، أنّ عيسى قال: أذهب إلى أبي [وأبيكم](٦) .

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فإن كنتم بذلك الكتاب تعملون، فإنّ فيه :

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: لم يشبها.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: الخلّة والعالم.

(٣) من المصدر.

(٤) من المصدر. وفي النسخ: انّ من أوجب أن يقول على قول إبراهيم خليله أن يقسوا أنتم كذلك فتقولون: إنّ.

(٥) من المصدر. وفي النسخ: قال.

(٦) من المصدر.

٤٢٤

أذهب إلى أبي وأبيكم. فقولوا: إنّ جميع الّذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء الله، كما كان عيسى ابنه، من الوجه الّذي كان عيسى ابنه. ثمّ إنّ ما(١) في هذا الكتاب يبطل(٢) عليكم هذا الّذي زعمتم أنّ عيسى من جهة الاختصاص كان ابنا له. لأنّكم قلتم: إنّما قلنا: إنّه ابنه، لأنّه اختصّه بما لم يختصّ به غيره. وأنتم تعلمون أنّ الّذي خصّ به عيسى لم يخصّ به هؤلاء القوم الّذين قال لهم عيسى: أذهب إلى أبي وأبيكم. فبطل أن يكون الاختصاص بعيسى، لأنّه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى. وأنتم إنّما حكيتم لفظة عيسى وتأوّلتموها على غير وجهها(٣) ، لأنّه إذا قال: [أذهب إلى](٤) أبي وأبيكم، فقد أراد غير ما ذهبتم إليه وتخيلتموه. وما يدريكم لعلّه عنى: أذهب إلى آدم(٥) أو إلى نوح ـ عليه السّلام ـ. لأنّ الله يرفعني إليهم ويجمعني معهم، وآدم أبي وأبيكم وكذلك نوح. بل ما أراد غير هذا.

قال: فسكت النّصارى. وقالوا: ما رأينا كاليوم مجادلا ولا مخاصما مثلك، وسننظر في أمورنا. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. وتتمّته، وهي الرّدّ على الفرق الثّلاثة الباقية، مضى في أوّل سورة الأنعام.

وفي آخر الحديث قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ: فو الّذي بعثه بالحقّ نبيّا، ما أتت على جماعتهم إلّا ثلاثة أيّام حتّى أتوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأسلموا.

وكانوا خمسة وعشرين رجلا، من كلّ فرقة خمسة. وقالوا: ما رأينا مثل حجّتك، يا محمّد، نشهد أنّك رسول الله.

وفي عيون الأخبار(٦) ، بإسناده إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ: عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ يهوديّا سأل عليّ بن أبي طالب، فقال: أخبرني عمّا ليس عند الله، وعمّا لا يعلمه الله، وعمّا ليس لله.

فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ: أمّا ما لا يعلمه الله، فذاك قولكم، يا معشر اليهود: إنّ عزير ابن الله، والله لا يعلم له ولدا(٧) . وأمّا قولك: ما ليس عند الله، فليس عند الله ظلم

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر: مبطل.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: نعمها.

(٤) من المصدر.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: آدم أبي وأبيكم.

(٦) العيون ٢ / ٤٦.

(٧) المصدر: ابنا.

٤٢٥

للعباد. فأمّا قولك: ما ليس لله، فليس لله شريك.

فقال اليهوديّ: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : حدّثني أبي، عن إسحاق بن الهيثم، عن سعد بن طريف(٢) ، عن الأصبغ بن نباتة، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: إنّ الشّجر لم يزل حصيدا كلّه، حتّى دعي للرّحمن ولد. عزّ الرّحمن وجلّ أن يكون له ولد. [فكادت السموات يتفطّرن منه، وتنشقّ الأرض، وتخرّ الجبال هدّا](٣) . فعند ذلك اقشعرّ الشّجر وصار له شوك، حذرا أن ينزل به العذاب.

وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: اشتدّ غضب الله على اليهود حين قالوا: عزير ابن الله.

واشتدّ غضب الله على النّصارى حين قالوا: المسيح ابن الله. واشتدّ غضب الله على من أراق دمي، وآذاني في عترتي.

عن يزيد(٥) بن عبد الملك(٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: لم(٧) يغضب لله شيء كغضب الطّلح والسّدر. إنّ الطّلح كانت كالأترج(٨) ، والسّدر كالبطّيخ. فلمّا قالت اليهود:( يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ) تقبّض(٩) حملها فصغر، فصار له عجم واشتدّ العجم(١٠) . فلمّا أن قالت النّصارى:( الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ) [اذعرّتا فخرج لهما هذا الشّوك](١١) وتقبّض(١٢) حملهما، وصار النّبق(١٣) إلى هذا الحمل. وذهب حمل الطّلح فلا يحمل حتّى يقوم قائمنا.

ثمّ قال: من سقى طلحة أو سدرة، فكأنّما سقى مؤمنا من ظمأ(١٤) .

__________________

(١) تفسير القميّ ١ / ٨٥ ـ ٨٦.

(٢) المصدر: ظريف.

(٣) من المصدر.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٨٦.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: بريد.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) المصدر: لن.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ: كان كالأتروج.

(٩) المصدر: نقّصا.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ: عجز فاشتدّ العجز.

(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ: خرج لها الشّوك.

(١٢) المصدر: نقّصتا.

(١٣) المصدر: الشوك. والنبق: حمل شجر السدر.

(١٤) المصدر: ظمان.

٤٢٦

( ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ ) : إمّا تأكيد لنسبة هذا القول إليهم ونفي للتجوز عنها، أو إشعار بأنه قول مجرد عن برهان وتحقيق مماثل للمهمل الّذي يوجد في الأفواه ولا يوجد مفهومه في الأعيان.

( يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ، أي: يضاهي قولهم قول الّذين كفروا، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

( مِنْ قَبْلُ ) : من قبلهم. والمراد: قدماؤهم. على معنى أنّ الكفر قديم فيهم. أو المشركون الّذين قالوا: الملائكة بنات الله. أو اليهود، على أنّ الضّمير للنّصارى.

و «المضاهاة» المشابهة. والهمزة لغة فيه.

وقد قرأ به عاصم. ومنه قولهم: امرأة ضهياء، على فعلاء، للتي شابهت الرّجال في أنّها لا تحيض.

( قاتَلَهُمُ اللهُ ) .

قيل(١) : دعاء عليهم بالإهلاك. فإنّ من قاتله الله، هلك. أو تعجّب من شناعة قولهم.

وفي كتاب الاحتجاج(٢) للطبرسيّ ـ رحمه الله ـ: عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل، أي: لعنهم الله [أنّى يؤفكون](٣) . فسمى اللّعنة: قتالا.

( أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) (٣٠): كيف يصرفون عن الحقّ إلى الباطل.

( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) : بأن أطاعوهم في تحريم ما أحلّ الله، وتحليل ما حرّم الله.

قيل(٤) : أو بالسّجود لهم.

وفي مجمع البيان(٥) : وروي الثّعلبيّ، بإسناده: عن عدي بن حاتم قال: أتيت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وفي عنقي صليب.

فقال لي: يا عديّ، اطرح هذا الوثن من عنقك.

قال: فطرحته. ثمّ أتيت إليه وهو يقرأ من سورة براءة هذه الآية :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤١٢.

(٢) الاحتجاج ١ / ٣٧٢.

(٣) من المصدر.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤١٢.

(٥) المجمع ٢ / ٢٣ ـ ٢٤.

٤٢٧

( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً ) حتى فرغ منها. فقلت: إنّا لسنا نعبدهم! قال: أليس يحرّمون ما أحلّ الله، فتحرّمونه. ويحلّون ما حرّم الله، فتستحلّونه؟

قال: فقلت: بلى.

قال: فتلك عبادتهم.

وفي أصول الكافي(١) : عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، [عن أبيه](٢) عن عبد الله بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن هذه الآية.

فقال: أما، والله، ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم. ولو دعوهم [إلى عبادة أنفسهم](٣) ، لما أجابوهم. ولكن أحلّوا لهم حراما، وحرّموا عليهم حلالا. فعبدوهم من حيث لا يشعرون.

عليّ بن محمّد(٤) ، عن صالح بن أبي حمّاد وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: من أطاع رجلا في معصية الله(٥) ، فقد عبده.

وفي تفسير العيّاشيّ(٦) : عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية قال: أمّا، والله، ما صاموا لهم ولا صلّوا. ولكنّهم أحلّوا لهم حراما وحرّموا عليهم حلالا، فاتبعوهم.

وقال(٧) في خبر آخر، عنه: ولكنّهم أطاعوهم في معصية الله.

عن جابر(٨) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن هذه الآية.

قال: أما إنّهم لم يتّخذوهم آلهة، إلّا أنّهم أحلوا حراما(٩) فأخذوا به، وحرّموا حلالا(١٠) فأخذوا به. فكانوا أربابا لهم من دون الله.

( وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ) : بأن جعلوه ابنا لله.

__________________

(١) الكافي ١ / ٥٣.

(١ و ٣) ـ ليس في المصدر.

(٤) الكافي ٢ / ٣٩٨.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) تفسير العيّاشي ٢ / ٨٦.

(١ و ٨) ـ نفس المصدر والموضع.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ: هو حلالا.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ: حراما.

٤٢٨

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية: أمّا المسيح، فعصوه، وعظّموه في أنفسهم حتّى زعموا أنّه إله وأنّه ابن الله. وطائفة منهم قالوا: ثالث ثلاثة. وطائفة منهم قالوا: هو الله.

وأما أحبارهم ورهبانهم، فإنّهم أطاعوهم وأخذوا بقولهم، واتبعوا ما أمروهم به، ودانوا(٢) بما دعوهم إليه، فاتّخذوهم أربابا بطاعتهم لهم، وتركهم أمر الله وكتبه ورسله، فنبذوه(٣) وراء ظهورهم. وما أمرهم به الأحبار والرّهبان اتبعوه وأطاعوهم، وعصوا الله ورسوله. وإنما ذكر هذا في كتابنا، لكي نتّعظ بهم. فعيّر الله ـ تبارك وتعالى ـ بني إسرائيل بما صنعوا. بقوله(٤) :( وَما أُمِرُوا ) ، أي: وما أمر المتّخذون، أربابا. فيكون، كالدّليل على بطلان الاتخاذ.

( إِلَّا لِيَعْبُدُوا ) : ليطيعوا.

( إِلهاً واحِداً ) : وهو الله ـ تعالى ـ. وأمّا طاعة الرّسل وسائر من أمر الله بطاعته، فهي في الحقيقة طاعة الله.

( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) : صفة ثانية. أو استئناف مقرر للتّوحيد.

( سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (٣١): تنزيله له عن أن يكون له شريك.

( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا ) : يخمدوا.

( نُورَ اللهِ ) : حجته الدّالّة على وحدانيته وتقدسه عن الولد. أو القرآن. أو نبوة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

( بِأَفْواهِهِمْ ) : بشركهم، أو تكذيبهم.

( وَيَأْبَى اللهُ ) : لا يرضى.

( إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ) : بإعلاء التّوحيد وإعزاز الإسلام.

وقيل(٥) : إنّه تمثيل لحالهم في طلبهم إبطال نبوّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالتكذيب، بحال من يطلب إطفاء نور عظيم منبثّ في الآفاق يريد الله أن يزيده بنفخه.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩.

(٢) المصدر: دانوا بهم.

(٣) أوب: فنبذوهم.

(٤) جعل المصنف نصّ الآية ضمن تفسيره.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤١٣.

٤٢٩

وانّما صح الاستثناء المفرغ والفعل موجب، لانّه في معنى النّفي.

( وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) (٣٢): محذوف الجواب، لدلالة ما قبله عليه.

وفي كتاب الاحتجاج(١) للطبرسيّ ـ رحمه الله ـ: عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية: يعني: أنّهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله، ليلبسوا على الخليفة. فأعمى الله قلوبهم، حتّى تركوا فيه ما دلّ على ما أحدثوه [وحرّفوا منه](٢) .

وفيه(٣) : عنه ـ عليه السّلام ـ: وجعل أهل الكتاب المقيمين به والعالمين بظاهره وباطنه من شجرة،( أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ. تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها ) ، أي: يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت، وجعل أعدائها أهل الشّجرة الملعونة الّذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم. فأبى الله إلّا أن يتمّ نوره.

وفي كتاب الغيبة(٤) لشيخ الطائفة ـ قدس سرّه ـ: وروى محمّد بن أحمد بن يحيى، عن بعض أصحابنا، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن سنان قال: ذكر عليّ بن أبي حمزة عند الرّضا ـ عليه السّلام ـ فلعنه.

ثمّ قال: إنّ عليّ بن أبي حمزة أراد أن لا يعبد الله في سمائه وأرضه.( وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ... وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) ولو كره اللّعين المشرك.

قلت: المشرك.

قال: نعم، والله، وان رغم أنفه. كذلك هو في كتاب الله:( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ ) . وقد جرت فيه وفي أمثاله، أنّه أراد أن يطفئ نور الله.

بإسناده(٥) إلى الصّادق ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ وقد ذكر شقّ فرعون بطون الحوامل في طلب موسى ـ عليه السّلام ـ: كذلك بنو اميّة وبنو العبّاس لـمـّـا أن وقفوا أن زوال ملك(٦) الأمراء والجبابرة منهم على يدي القائم ـ عليه السّلام ـ، [منّا](٧) ناصبونا العداوة(٨) ووضعوا سيوفهم في قتل أهل بيت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وإبادة نسله، طمعا منهم في الوصول إلى قتل القائم ـ عليه السّلام ـ. فأبى الله أن يكشف

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ٣٧١.

(٢) المصدر: فيه.

(٣) الاحتجاج ١ / ٣٧٦.

(٤) الغيبة / ٤٦.

(٥) الغيبة / ١٠٦.

(٦) المصدر: مملكة.

(٧) من المصدر.

(٨) المصدر: العداوة.

٤٣٠

أمره لواحد من الظّلمة( إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) .

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(١) ، مثله سواء.

وفي تفسير العيّاشيّ(٢) : عن أحمد بن محمّد قال: وقف عليّ أبو الحسن الثّاني ـ عليه السّلام ـ في بني زريق، فقال لي وهو رافع صوته(٣) : يا أحمد.

قلت: لبيك.

قال: إنّه لـمـّـا قبض رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ جهد النّاس على إطفاء نور الله. فأبى الله إلّا أن يتمّ نوره بأمير المؤمنين.

وفي قرب الإسناد(٤) للحميريّ: معاوية بن حكيم، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: وعدنا أبو الحسن الرضا ـ عليه السّلام ـ [ليلة](٥) إلى مسجد دار معاوية. فجاء، فسلّم.

فقال: إنّ النّاس قد جهدوا على إطفاء نور الله حين قبض الله ـ تبارك وتعالى ـ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وأبى الله إلّا أن يتمّ نوره. وقد جهد عليّ بن أبي حمزة على إطفاء نور الله حين قبض(٦) أبو الحسن [الأوّل](٧) ، فأبى الله إلّا أن يتمّ نوره. وقد هداكم الله [إلى من](٨) جهله النّاس، فاحمدوا الله على ما منّ عليكم به.

( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) قيل(٩) : كالبيان لقوله:( وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ) . ولذلك كرّر( وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (٣٣). غير أنّه وضع «المشركون» موضع «الكافرون» للدّلالة على أنّهم ضمّوا الكفر بالرّسول إلى الشّرك بالله.

والضّمير في «ليظهره» للدّين الحقّ، أو للرّسول.

واللّام في «الدّين» للجنس، أي: على سائر الأديان فينسخها، أو على أهلها فيخذلهم.

__________________

(١) كمال الدّين / ٣٥٤.

(٢) تفسير العيّاشي ١ / ٣٧٢.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: حبوته.

(٤) قرب الإسناد / ١٥١.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر: مضى.

(٧) من المصدر.

(٨) المصدر: إليّ الأمر.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٤١٣.

٤٣١

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(١) ، بإسناده إلى أبي بصير قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية. فقال: والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتّى يخرج القائم ـ عليه السّلام ـ فإذا خرج القائم، لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلّا كره خروجه. حتّى لو كان كافر أو مشرك في بطن صخرة، لقالت: يا مؤمن، في بطني كافر فاكسرني وأقتله.

وبإسناده(٢) إلى [عبد الرحمن بن](٣) سليط قال: قال الحسين بن عليّ بن أبي طالب ـ عليهما السّلام ـ: منّا اثنا عشرة مهديا. أوّلهم أمير المؤمنين، عليّ بن أبي طالب، وآخرهم التّاسع من ولدي. وهو القائم بالحقّ، يحيى الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به الدّين الحقّ( [عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ](٤) وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) .

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وبإسناده(٥) إلى محمّد بن مسلم الثقفي قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ ـ عليهما السلام ـ يقول: القائم منّا منصور بالرّعب، مؤيّد بالنّصر، تطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله ـ عزّ وجلّ ـ به دينه على الدّين كله( وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) . فلا يبقى في الأرض خراب، إلّا عمر. ولا ينزل روح الله، عيسى بن مريم ـ عليه السّلام ـ. فيصلي خلفه.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي أصول الكافي(٦) : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي ـ عليه السّلام ـ قال: قلت:( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ ) .

قال: هو الّذي أرسله(٧) بالولاية لوصيّه. والولاية هي دين الحقّ.

قلت:( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) .

قال: يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم. قال: يقول الله: «والله متمّ [نوره](٨) ولاية القائم.( وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) (٩) بولاية عليّ.

__________________

(١) كمال الدّين / ٦٧٠.

(٢) كمال الدّين / ٣١٧.

(١ و ٤) ـ من المصدر.

(٥) كمال الدين / ٣٣١.

(٦) الكافي ١ / ٤٣٢.

(٧) المصدر: أمر رسوله.

(٨) من المصدر.

(٩) الصف / ٩.

٤٣٢

قلت: هذا تنزيل؟

قال: نعم. أمّا هذا الحرف فتنزيل، وأما غيره فتأويل. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب الاحتجاج(١) للطبرسيّ ـ رحمه الله ـ: عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه: وغاب صاحب هذا الأمر بإيضاح العذر له في ذلك، لاشتمال الفتنة على القلوب، حتّى يكون أقرب النّاس إليه أشدّهم عداوة له. وعند ذلك يؤيّده الله بجنود لم تروها، ويظهر دين نبيه ـ صلّى الله عليه وآله ـ [على يديه](٢) ( عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) .

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن أبي المقدام، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية: يكون أن لا يبقى أحد إلّا أقرّ بمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وفي مجمع البيان(٤) : قال المقداد بن الأسود: سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر، إلّا أدخله الله كلمة الإسلام.

إمّا بعزّ عزيز، أو بذلّ ذليل. إمّا يعز بهم فيجعلهم الله من أهله، فيعزّوا به، وإمّا يذلّهم، فيدينون له.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ ) : ليأخذونها بالرشى في الأموال. سمّى أخذ المال أكلا، لأنه الغرض الأعظم منه.

( وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) : دينه.

( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ ) : يجوز أن يراد به الكثير من الأحبار والرّهبان، فيكون مبالغة في وصفهم بالحرص على المال والضّنّ به. وأن يراد المسلمون الّذين يجمعون المال ويقتنونه، ولا يؤدون حقّه. ويكون اقترانه بالمرتشين من أهل الكتاب، للتغليظ قيد الكنز بعدم الإنفاق، لئلّا يعمّ من جمع للإنفاق وبعد إخراج الحقوق.

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ٣٨٢.

(٢) من المصدر.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٨٧.

(٤) المجمع ٣ / ٢٥.

٤٣٣

( فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) (٣٤): هو الكيّ بهما.

( يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ ) ، أي: يوم القيامة توقد النّار ذات حمى شديد عليها.

وأصله: تحمى بالنّار، فجعل الإحماء للنّار مبالغة فيه. ثمّ حذفت النّار وأسند الفعل إلى الجارّ والمجرور، تنبيها على المقصود. فانتقل من صيغة التأنيث إلى صيغة التّذكير. وانّما قال: «عليها» والمذكور شيئان، لأنّ المراد بهما دراهم ودنانير كثيرة.

وكذا قوله: «ولا ينفقونها».

وقيل(١) : الضّمير فيهما للكنوز، أو للأموال. فإن الحكم عامّ، وتخصيصهما بالذّكر، لأنّهما قانون التّمول. أو للفضة، وتخصيصها لقربها ودلالة حكمها على أنّ الذّهب أولى بهذا الحكم.

( فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ) .

قيل(٢) : لأن جمعهم وإمساكهم [إيّاه](٣) ، كان لطلب الوجاهة بالغنى والتنعم(٤) بالمطاعم الشّهيّة والملابس البهية. أو لأنهم ازورّوا عن السّائل وأعرضوا عنه وولّوه ظهورهم. أو لأنّها أشرف الأعضاء الظّاهرة، فانّها المشتملة على الأعضاء الرّئيسية، التي هي الدماغ والقلب والكبد. أو لأنّها أصول الجهات الأربع، التي هي مقاديم البدن ومآخيره وجنباه(٥) .

( هذا ما كَنَزْتُمْ ) : على إرادة القول.

( لِأَنْفُسِكُمْ ) : لمنفعتها. وكان عين مضرتها، وسبب تعذيبها.

( فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ) (٣٥)، أي: وبال كنزكم، أو ما تكنزونه.

وقرئ: «تكنزون»، بضمّ النّون.

في الكافي(٦) : محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن معاذ بن كثير قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: موسع على شيعتنا أن ينفقوا ممّا في أيديهم بالمعروف. فإذا قام قائمنا، حرم على كلّ ذي كنز كنزه حتّى يأتيه به فيستعين به

__________________

(١ و ٢) ـ أنوار التنزيل ١ / ٤١٤.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: المتنعم.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: مؤخره وجنبتاه.

(٦) الكافي ٤ / ٦١.

٤٣٤

على عدوّه. وهو قول الله ـ تعالى ـ:( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ـ إلى قوله ـفَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) .

وفي أمالي(١) شيخ الطائفة ـ قدس سره ـ بإسناده: لما نزلت هذه الآية، قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: كل مال تؤدى زكاته، فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين. وكل مال لا تؤدّى زكاته، فهو كنز وان كان فوق الأرض.

وفي مجمع البيان(٢) : وروي عن عليّ ـ عليه السّلام ـ: ما زاد على أربعة آلاف، فهو كنز أدّى زكاته أو لم يؤدها. وما دونها فهي نفقة.

قيل(٣) : لعلّ التوفيق بين هذه الأخبار، أن يقال بجواز الجمع لغرض صحيح إلى ألفي درهم أو إلى أربعة آلاف، بعد إخراج الحقوق. ومن جملة الحقوق حقّ الإمام ـ عليه السّلام ـ إذا كان ظاهرا، وهو ما زاد على ما يكفّ صاحبه.

وروى(٤) سالم بن أبي جعدان، عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: لـمـّـا نزلت هذه الآية، قال: تبا للذّهب، تبّا للفضّة ـ يكررها ثلاثا ـ. فشقّ ذلك على أصحابه.

فسأله عمر، فقال: يا رسول الله، أيّ المال نتّخذ؟

فقال: لسانا ذاكرا، وقلبا شاكرا، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على دينه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) ، حديث طويل. وفيه: نظر عثمان بن عفّان إلى كعب الأحبار، فقال له: يا أبا إسحاق، ما تقول في رجل أدّى زكاة ماله المفروضة، هل يجب عليه فيما بعد ذلك شيء(٦) ؟

فقال: لا، ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ما وجب عليه شيء.

فرفع أبو ذرّ ـ رضي الله عنه ـ عصاه فضرب بها رأس كعب. ثمّ قال له: يا ابن اليهوديّة الكافرة، ما أنت والنّظر في أحكام المسلمين. قول الله أصدق من قولك حيث قال:( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ ) (الآية).

وفي رواية أبي الجارود(٧) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله :

__________________

(١) الأمالي ٢ / ١٣٣.

(٢) المجمع ٣ / ٢٦.

(٣) تفسير الصافي ٢ / ٣٤١.

(٤) مجمع البيان ٣ / ٤٦.

(٥) تفسير القمي ١ / ٥٢.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: فيء.

(٧) نفس المصدر ١ / ٢٨٩.

٤٣٥

( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ ) (الآية) فإن(١) الله حرّم كنز الذّهب والفضّة، وأمر بإنفاقه في سبيل الله. وقوله:( يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى ) (الآية). قال: كان أبو ذرّ الغفاريّ يغدو كلّ يوم، وهو بالشّام، فينادي بأعلى صوته: بشر أهل الكنوز بكيّ في الجباه وكيّ بالجنوب وكيّ بالظّهور أبدا، حتّى يتردد(٢) الحرّ في أجوافهم.

وفي من لا يحضره الفقيه(٣) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل، يذكر فيه الكبائر. وفيه منع(٤) الزّكاة المفروضة، لأن الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى ) (الآية).

وفي كتاب الخصال(٥) : عن الحارث قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم، وهما مهلكاكم.

عن محمّد بن أحمد بن يحيى(٦) بن عمران، رفع الحديث قال: الذهب والفضّة حجران ممسوخان. فمن أحبّهما، كان معهما.

( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ ) : إنّ مبلغ عددها.

( عِنْدَ اللهِ ) : معمول «عدّة». لأنّها مصدر.

( اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ ) : في اللّوح المحفوظ، أو في حكمه. وهو صفة «لاثناعشر». وقوله:( يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) : متعلّق بما فيه من معنى الثّبوت. أو بالكتاب، ان جعل مصدرا.

والمعنى أنّ هذا الأمر ثابت في نفس الأمر منذ خلق الله الأجرام والأزمنة.

( مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ) : يحرم فيها القتال. واحد فرد، وهو رجب. وثلاثة سرد، ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم.

( ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) ، أي: تحريم الأشهر الأربعة هو الدين القويم، دين إبراهيم وإسماعيل ـ عليهما السّلام ـ. والعرب ورثوه منهما.

( فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ) : بهتك حرمتها، وارتكاب حرامها.

وفي الكافي(٧) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن عمرو

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: قال.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: تبرد.

(٣) الفقيه ٣ / ٣٦٩.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: موضع.

(١ و ٦) ـ الخصال / ٤٣.

(٧) الكافي ٤ / ٦٥ ـ ٦٦.

٤٣٦

الشّاميّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال:( إِنَّ [عِدَّةَ ](١) الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) . فغرّة الشّهور(٢) شهر الله ـ عزّ ذكره ـ. وهو شهر رمضان. [قلب شهر رمضان](٣) ليلة القدر. ونزل القرآن في أوّل ليلة من شهر رمضان، فاستقبل الشّهر بالقرآن.

عليّ بن إبراهيم(٤) ، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن عمرو بن أذينة، عن زرارة قال: كنت قاعدا إلى جنب أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ وهو محتب مستقبل القبلة.

فقال أما إنّ النظر إليها عبادة.

فجاءه رجل من بجيلة، يقال له: عاصم بن عمر. فقال لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ: إنّ كعب الأحبار كان يقول: إنّ الكعبة تسجد لبيت المقدس في كلّ غداة.

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ: فما تقول فيما قال كعب؟ أصدق؟

قلت: أقول: القول ما قال كعب.

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ: كذبت وكذب كعب الأحبار معك. وغضب.

قال زرارة: ما رأيته استقبل أحدا يقول: كذبت، غيره.

ثمّ قال: ما خلق الله بقعة في الأرض أحبّ إليه منها ـ ثمّ أومأ بيده نحو الكعبة ـ ولا أكرم على الله ـ تعالى ـ منها بها(٥) حرم الله الأشهر الحرم في كتابه( يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) . ثلاثة متوالية للحجّ: شوّال، وذو القعدة، وذو الحجّة. وشهر مفرد للعمرة، رجب.

وفي تفسير العيّاشيّ(٦) : عن أبي خالد الواسطيّ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: حدثني أبي(٧) ، عليّ بن الحسين، عن أمير المؤمنين، أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لـمـّـا ثقل في مرضه، قال: أيّها النّاس، إن السّنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم.

ثمّ قال بيده: رجب مفرد، وذو القعدة وذو الحجة والمحرّم ثلاث متواليات. ألا

__________________

(١ و ٣) ـ من المصدر.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: الشهر.

(٤) الكافي ٤ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: ما.

(٦) تفسير العيّاشي ٢ / ٨٨.

(٧) المصدر: أبي عن.

٤٣٧

وهذا الشّهر المفروض رمضان، فصوموا للرّؤية(١) وأفطروا للرؤية(٢) . فإذا خفي الشّهر، فأتموا العدّة شعبان ثلاثين وصوموا الواحد والثّلاثين.

وقال بيده: الواحد والاثنين والثّلاثة.

ثمّ ثنّى إبهامه، ثمّ قال: إنّها شهر كذا وشهر كذا.

وفي كتاب الخصال(٣) : عن محمّد بن أبي عمير، يرفعه إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) .

قال: المحرّم، وصفر، وربيع الأول، وربيع الآخر، وجمادي الأول، وجمادي الآخرة، ورجب، وشعبان، ورمضان، وشوّال، وذو القعدة، وذو الحجّة. منها أربعة حرم، عشرون من ذي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل، وعشر من ربيع الآخر.

عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ: إنّ الله ـ تعالى ـ خلق الشّهور اثني عشر شهرا، وهي ثلاثمائة وستّون يوما، فحجز(٤) منها ستّة أيّام خلق فيها السّموات والأرض. فمن ثمّ تقاصرت الشّهور.

وفي شرح الآيات الباهرة(٥) ، ذكر(٦) الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ في كتاب الغيبة [قال](٧) حدّثنا عليّ بن الحسين قال: حدّثنا محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عليّ، عن إبراهيم بن محمّد، عن محمّد بن عيسى، عن عبد الرّزاق، عن محمّد بن سنان، عن فضّال بن سنان(٨) ، عن أبي حمزة الثّماليّ قال: كنت عند أبي جعفر، محمّد بن عليّ الباقر ـ عليه السّلام ـ ذات يوم. فلمّا تفرّق من كان عنده، قال: يا أبا حمزة، من المحتوم الّذي حتمه الله قيام قائمنا. فمن شكّ فيما أقول، لقى الله وهو كافر به وله جاحد.

ثمّ قال: بأبي وأمي، المسمّى باسمي، المكنّى بكنيتي، السّابع من ولدي. يأتي فيملأ الأرض عدلا وقسطا، كما ملئت جورا وظلما. يا أبا حمزة، من أدركه فيسلّم ما سلّم لمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعليّ، فقد وجبت له الجنة. ومن لم يسلّم، فقد حرّم الله عليه

__________________

(١ و ٢) ـ المصدر: لرؤية.

(٣) الخصال / ٤٨٧ ـ ٤٨٨، ح ٦٤.

(٤) المصدر: فحجر.

(٥) تأويل الآيات الباهرة ١ / ٢٠٢ ـ ٢٠٦.

(٦) المصدر: تأويله ما ذكره بدل ذكر.

(٧) من المصدر.

(٨) المصدر: «فضيل الرسان» بدل «فضّال بن سنان».

٤٣٨

الجنّة ومأواه النّار وبئس مثوى الظّالمين. وأوضح من هذا، بحمد الله وأنور وأبين وأزهر لمن هداه وأحسن إليه، قول الله في محكم كتابه:( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ) .

ومعرفة الشّهور، المحرّم وصفر وربيع وما بعده. والحرم منها، رجب وذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم. وذلك لا يكون دينا قيّما. لأنّ اليهود والنّصارى والمجوس وسائر الملل والنّاس جميعا من الموافقين والمخالفين يعرفون هذه الشّهور ويعدونها بأسمائها، وليس هو كذلك. وإنّما عنى بهم: الأئمة القوّامين بدّين الله. والحرم منها أمير المؤمنين عليّ الّذى اشتقّ الله ـ سبحانه ـ له اسما من أسمائه العلى(١) ، كما اشتق لمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ اسما من أسمائه(٢) المحمود. وثلاثة من ولده أسماؤهم [عليّ وهم](٣) عليّ بن الحسين وعليّ بن موسى وعليّ بن محمد. فصار لهذا الاسم المشتق من أسماء الله ـ عزّ وجلّ ـ حرمة به، يعني: أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ.

وقال أيضا ـ رحمه الله ـ: أخبرنا سلامة بن محمّد قال: حدّثنا أبو الحسن، عليّ بن معمر(٤) قال: حدّثنا حمزة بن القاسم، عن جعفر بن محمّد، عن عبيد بن كثير، عن أحمد بن موسى، عن داود بن كثير الرّقيّ قال: دخلت على أبي عبد الله، جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ [بالمدينة](٥) .

فقال: ما الّذي أبطأك عنّا، يا داود؟

قلت: حاجة لي عرضت بالكوفة.

فقال: من خلّفت بها؟

قلت: جعلت فداك، خلّفت بها عمّك زيدا. تركته راكبا على فرس، متقلدا مصحفا، ينادي بعلو صوته سلوني قبل أن تفقدوني، فبين جوانحي علم جمّ. قد عرفت الناسخ والمنسوخ والمثاني والقرآن [ضرابه علم جم](٦) العظيم. وإني العلم بين الله وبينكم.

__________________

(١) المصدر: اسمه العلي.

(٢) المصدر: اسمه.

(٣) من المصدر.

(٤) بعض نسخ المصدر: عمر

(٥) من المصدر.

(٦) ليس في المصدر.

٤٣٩

فقال: يا داود، لقد ذهبت بك(١) لمذاهب.

ثمّ نادى: يا سماعة بن مهران، ائتني بسلّة الرّطب.

فأتاه بسلّة فيها رطب. فتناول رطبة وأكلها، واستخرج النّواة من فيه، وغرسها في الأرض. ففلقت، ونبتت، وأطلعت، وأعذفت(٢) . فضرب بيده إلى بسرة(٣) من عذق منها، فشقّها واستخرج منها رقا أبيض، [ففضّه](٤) ودفعه إليّ.

وقال: اقرأه.

فقرأته، وإذا فيه مكتوب سطران، الأوّل: لا إله إلا الله، محمّد رسول الله.

والثاني:( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) . أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، الحسن بن عليّ، الحسين بن عليّ، عليّ بن الحسين، محمّد بن عليّ، جعفر بن محمّد، موسى بن جعفر، عليّ بن موسى، محمّد بن عليّ، عليّ بن محمد، الحسن بن علي، الخلف الحجّة ـ عليهم السّلام ـ.

ثم قال: يا داود، أتدري متى كتب هذا في هذا؟

قلت: الله ورسوله وأنتم أعلم.

قال: قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام.

وفي هذا المعنى ما رواه المقلد بن غالب الحسني ـ رحمه الله ـ عن رجاله، بإسناد متصل إلى عبد الله بن سنان الأسدي، عن جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ قال: قال أبي، يعني: محمّد الباقر ـ عليه السّلام ـ لجابر بن عبد الله: لي إليك حاجة. أخلو [بك فيها](٥) .

فلمّا خلا به، قال: يا جابر، أخبرني عن اللّوح الّذي رأيته عند أمي، فاطمة.

فقال: أشهد بالله، لقد دخلت على سيدتي، فاطمة، لاهنئها(٦) بولدها(٧) الحسين(٨) . فإذا بيدها لوح أخضر، من زمرّدة خضراء، في كتابة أنور من الشّمس وأطيب

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: تلك.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: أعزقت.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: شيء.

(٤) من المصدر.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: فيه.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: لأهنا.

(٧) ب: بولديها.

(٨) أ، ب: الحسنين.

٤٤٠