تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٦
0%
مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
المحقق: حسين درگاهى
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 472
مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
المحقق: حسين درگاهى
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 472
الشّام قد رفعت لك.
فالتفت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فإذا هو بالشّام بأبوابها وأسواقها وتجّارها.
قال: أين السّائل عن الشّام؟
فقالوا له: فلان وفلان.
فأجابهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في كلّ ما سألوه عنه، فلم يؤمن منهم إلّا قليل. وهو قول الله ـ تبارك وتعالى ـ:( وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ ) .
ثمّ قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ: نعوذ بالله أن لا نؤمن بالله ورسوله، آمنا بالله ورسوله.
( فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ ) ، مثل وقائعهم، ونزول بأس الله بهم إذ لا يستحقّون غيره. من قولهم: أيّام العرب لوقائعها.
( قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ) (١٠٢): لذلك. أو فانتظروا هلاكي إنّي معكم من المنتظرين هلاككم.
وفي تفسير العيّاشي(١) : عن محمّد بن الفضل(٢) ، عن أبي الحسن، الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن شيء في الفرج.
فقال: أو ليس تعلم أنّ انتظار الفرج من الفرج؟ إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ) .
( ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا ) : عطف على محذوف دلّ عليه( إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا ) ، كأنّه قيل: نهلك الأمم ثمّ ننجّي رسلنا ومن آمن بهم. على حكاية الحال الماضية.
( كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ) (١٠٣): كذلك الإنجاء. أو إنجاء كذلك ننجّي محمّدا وصحبه حين نهلك المشركين.
و( حَقًّا عَلَيْنا ) قيل: اعتراض. ونصبه بفعل مقدّر، أي: حقّ ذلك علينا حقّا.
وقيل(٣) : بدل من «كذلك».
__________________
(١) تفسير العيّاشي ٢ / ١٣٨، ح ٥٠.
(٢) المصدر: محمد بن الفضيل.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٩.
وفي تفسير العيّاشي(١) : عن مصقلة الطحّال، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: ما يمنعكم أن تشهدوا على من مات منكم على هذا الأمر أنّه من أهل الجنّة؟ إنّ الله يقول:( كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ) .
( قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ ) قيل(٢) : خطاب لأهل مكّة.
( إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي ) : وصحّته.
( فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ) : فهذا خلاصة ديني اعتقادا وعملا. فاعرضوها على العقل الصّرف وانظروا فيها بعين الإنصاف، لتعلموا صحّتها. وهو أنّي لا أعبد ما تخلقونه وتعبدونه، ولكن أعبد خالقكم الّذي هو يوجدكم ويتوفّاكم.
وإنّما خصّ التّوفّي بالذّكر، للتّهديد.
( وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (١٠٤): بما دلّ عليه العقل ونطق به الوحي.
وحذف الجار من «أن» يجوز أن يكون من المطّرد مع «أن». وأن يكون من غيره، كقوله :
أمرتك بالخير فافعل ما أمرت به
( وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ) : عطف على «أن أكون»، غير أنّ صلة «أن» محكيّة بصيغة الأمر. ولا فرق بينهما في الغرض، لأنّ المقصود وصلها بما يتضمّن معنى المصدر لتدلّ معه عليه. وصيغ الأفعال كلّها كذلك، سواء الخبر منها والطّلب.
والمعنى: وأمرت بالاستقامة في الدّين والاشتداد فيها بأداء الفرائض والانتهاء عن القبائح، أو في الصّلاة باستقبال القبلة.
( حَنِيفاً ) : حال من «الدّين» أو «الوجه».
( وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (١٠٥)( وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ ) : بنفسه إن دعوته أو خذلته.
( فَإِنْ فَعَلْتَ ) : فإن دعوته.
( فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ ) (١٠٦): جزاء للشّرط، وجواب لسؤال مقدّر عن تبعة
__________________
(١) تفسير العيّاشي ٢ / ١٣٨، ح ٥١.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٩.
الدّعاء.
( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ ) : وإن يصبك به.
( فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ) : إلّا الله.
( وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ ) : فلا دافع.
( لِفَضْلِهِ ) : الّذي أرادك به.
ولعلّه ذكر الإرادة مع الخير والمسّ مع الضّرّ، مع تلازم الأمرين، للتّنبيه على أنّ الخير مراد بالذّات وأنّ الضّرّ إنّما مسّهم لا بالقصد الأوّل.
ووضع الفضل موضع الضّمير، للدّلالة على أنّه متفضّل بما يريد بهم من الخير لا استحقاق لهم عليه. ولم يستثن، لأنّ مراد الله لا يمكن ردّه.
( يُصِيبُ بِهِ ) : بالخير.
( مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (١٠٧): فتعرّضوا لرحمة بالطّاعة، ولا تيأسوا من غفرانه بالمعصية.
( قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ) : رسوله أو القرآن، ولم يبق لكم عذر.
( فَمَنِ اهْتَدى ) : بالإيمان والمتابعة.
( فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ) : لانّ نفعه لها.
( وَمَنْ ضَلَ ) : بالكفر بهما.
( فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها ) : لأنّ وبال الضّلال عليها.
( وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ) (١٠٨): بحفيظ موكول إليّ أمركم، وإنّما أنا بشير ونذير.
( وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ ) : بالامتثال والتّبليغ.
( وَاصْبِرْ ) : على دعوتهم وتحمّل أذيّتهم.
( حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ ) : بالنّصرة، أو بالأمر بالقتال.
( وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ) (١٠٩): إذ لا يمكن الخطأ في حكمه، لاطّلاعه على السّرائر اطّلاعه على الظّواهر.
تفسير سورة هود
سورة هود
مكّيّة. وهي مائة وثلاث وعشرون آية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
في كتاب ثواب الأعمال(١) ، بإسناده إلى أبي محمّد، الحسن بن عليّ(٢) ـ عليهما السّلام ـ قال: من قرأ سورة هود في كلّ جمعة، بعثه الله ـ عزّ وجلّ ـ يوم القيامة في زمرة النّبيّين، ولم يعرف له خطيئة عملها يوم القيامة.
وفي مجمع البيان(٣) : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ: من قرأها، أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بنوح ـ عليه السّلام ـ وكذّب به، وهود وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم وموسى. وكان يوم القيامة من السّعداء.
وروى الثّعلبيّ(٤) ، بإسناده: عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة قال: قيل: يا رسول الله، قد أسرع إليك الشّيب.
قال: شيّبتني هود وأخواتها.
وفي كتاب الخصال(٥) : عن عكرمة، عن ابن عبّاس قال: قال أبو بكر: يا رسول الله، أسرع إليك الشّيب.
قال: شيّبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعمّ يتساءلون.
__________________
(١) ثواب الأعمال / ١٣٣.
(٢) المصدر: أبي جعفر محمد بن علي.
(٣ و ٤) المجمع ٣ / ١٤٠.
(٥) الخصال / ١٩٩، ح ١٠.
( الر كِتابٌ ) : مبتدأ وخبر. أو «كتاب» خبر مبتدأ محذوف. وسبق تأويل «الر» في أوّل سورة يونس.
( أُحْكِمَتْ آياتُهُ ) : نظّمت نظما محكما، لا يعتريه إخلال من جهة اللّفظ والمعنى.
قيل(١) : أو منعت من الفساد والنّسخ، فإنّ المراد آيات السّورة وليس فيها منسوخ.
أو أحكمت بالحجج والدّلائل. أو جعلت حكيمة، منقول(٢) من حكم بالضّمّ: إذا صار حكيما. لأنّها مشتملة على أمّهات الحكم النّظريّة والعمليّة.
( ثُمَّ فُصِّلَتْ ) : بالفوائد، من العقائد والأحكام والمواعظ والأخبار. أو بجعلها سورا. أو بالإنزال نجما نجما. أو فصّل فيها ولخّص ما يحتاج إليه.
وقرئ(٣) : «ثمّ فصلت»، أي: فرقت بين الحقّ والباطل. و( أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ) على البناء للمتكلّم. و «ثمّ» للتّفاوت في الحكم أو للتّراخي في الأخبار.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: هو القرآن.
( مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) (١): صفة أخرى للكتاب. أو خبر بعد خبر. أو صلة ل «أحكمت» أو «فصّلت». وهو تقرير لإحكامها وتفصيلها على أكمل ما ينبغي، باعتبار ما ظهر أمره وما خفي.
( أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ ) : لأن لا تعبدوا.
وقيل(٥) : «أن» مفسّرة، لأنّ في تفصيل الآيات معنى القول.
وقيل(٦) : يجوز أن يكون كلاما مبتدأ، للإغراء على التّوحيد. أو الأمر بالتّبرؤ من عبادة الغير، كأنّه قيل: ترك عبادة غير الله، بمعنى: ألزموه(٧) ، أو اتركوها(٨) تركا.
( إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ ) : من الله.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٠.
(٢) كذا في المصدر، وفي أ، ب، ر: مفعولة. وفي سائر النسخ: منقولة.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٠.
(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٢١.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٠.
(٦) نفس المصدر والموضع.
(٧) ب: الزموها.
(٨) أ، ب، ر: تركوها.
( نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ) (٢): بالعقاب على الشّرك، والثّواب على التّوحيد.
( وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ) : عطف على «ألّا تعبدوا».
( ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ) : ثمّ توسّلوا إلى مطلوبكم بالتّوبة. فإنّ المعرض عن طريق الحقّ لا بدّ له من رجوع.
وقيل(١) : استغفروا من الشّرك، ثمّ توبوا إلى الله بالطّاعة.
ويجوز أن يكون «ثمّ» لتفاوت ما بين الأمرين.
( يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً ) : يعيّشكم في أمن ودعة.
( إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) : هو آخر أعماركم المقدّرة. أو لا يهلككم بعذاب الاستئصال.
( وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ) : ويعط كلّ ذي فضل في دينه جزاء فضله في الدّنيا والآخرة. وهو وعد للموحد التّائب بخير الدّارين.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ: أنّ ذلك عليّ بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ.
ونقل ابن مردويه(٣) من العامّة(٤) ، بإسناده: عن رجاله، عن ابن عبّاس قال: قوله ـ تعالى ـ:( وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ) أنّ المعنيّ به: عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.
( وَإِنْ تَوَلَّوْا ) : وإن تتولّوا.
( فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ) (٣): يوم القيامة.
وقيل(٥) : يوم الشّدائد، وقد ابتلوا بالقحط حتّى أكلوا الجيف.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ: أنّه الدّخان والصّيحة.
وقرئ(٧) : «وإن تولّوا» من ولي.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٦١.
(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٢١.
(٣) أي: وهو من العامة.
(٤) تفسير البرهان ٢ / ٢٠٦، ح ٥ عنه.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٦١.
(٦) تفسير القمّي ١ / ٣٢١.
(٧) أنوار التنزيل ١ / ٤٦١.
( إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ ) : رجوعكم في ذلك اليوم. وهو شاذّ عن القياس.
( وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٤): فيقدر على تعذيبهم أشدّ عذاب. وكأنّه تقدير لكبر اليوم.
( أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ ) : يثنونها عن الحقّ وينحرفون عنه. أو يعطفونها على الكفر وعداوة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ. أو يولّون ظهورهم.
وقرئ(١) : «تثنوني» بالتّاء والياء، من أثنوني، وهو بناء المبالغة.
وفي الجوامع(٢) : وفي قراءة أهل البيت ـ عليهم السّلام ـ: يثنوني، على يفعول(٣) . من الثّني وهو [بناء](٤) مبالغة.
و «تثنون» من الثّن: وهو الكلأ الضّعيف. أراد به ضعف قلوبهم، أو مطاوعة صدورهم للثّني. و «نثنئنّ» من اثنأنّ، كابيأضّ، بالهمزة.
( لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ) : من الله بسرّهم، فلا يطلع رسوله والمؤمنين عليه.
قيل(٥) : أو من رسوله.
قيل(٦) : إنّها نزلت في طائفة من المشركين، قالوا: إذا أرخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وطوينا صدورنا على عداوة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ، كيف يعلم.
وقيل(٧) : نزلت في المنافقين. وفيه نظر، إذ الآية مكّيّة، والنّفاق حدث بالمدينة.
وفي روضة الكافي(٨) : ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن سدير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: أخبرني جابر بن عبد الله، أنّ المشركين كانوا إذا مرّوا برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حول البيت، طأطأ أحدهم ظهره ورأسه ـ هكذا ـ وغطّى رأسه بثوبه حتّى(٩) لا يراه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فأنزل الله الآية.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١٠) : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ: يكتمون ما في صدورهم من بغض عليّ ـ عليه السّلام ـ. قال رسول الله ـ صلّى
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٦١.
(٢) الجوامع / ٢٠١.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: يفعولي.
(٤) من المصدر.
(٥) تفسير الصافي ٢ / ٤٣١.
(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٦١.
(٧) نفس المصدر والموضع.
(٨) الكافي ٨ / ١٤٤، ح ١١٥.
(٩) ليس في المصدر.
(١٠) تفسير القمّي ١ / ٣٢١.
الله عليه وآله ـ: إنّ آية المنافق بغض عليّ ـ عليه السّلام ـ [قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ](١) فكان قوم يظهرون المودّة لعليّ ـ عليه السّلام ـ عند النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
ويسرّون(٢) بغضه.
( أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ ) : ألا حين يأوون إلى فراشهم يتغطّون(٣) ثيابهم كراهة استماع كلام الله، كقوله:( جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ ) .
وقيل(٤) : يتغطّون بثيابهم.
( يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ ) : في قلوبهم.
( وَما يُعْلِنُونَ ) : بأفواههم. يستوي في علمه سرّهم وعلتهم، فكيف يخفى عليه ما عسى يظهرونه.
( إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ) (٥): بالأسرار ذات الصّدور، أو بالقلوب وأحوالها.
( وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها ) : غذاؤها ومعاشها، لتكفّله إيّاه تفضّلا ورحمة. وإنّما أتى بلفظ الوجوب، تحقيقا لوصوله، وحملا على التّوكّل فيه.
( وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها ) : أماكنها في الحياة والممات. أو الأصلاب والأرحام. أو مساكنها من الأرض حين وجدت بالفعل، ومودعها من الموادّ والمقارّ حين كانت بعد بالقوة.
( كُلٌ ) كلّ واحد من الدّوابّ وأحوالها.
( فِي كِتابٍ مُبِينٍ ) (٦): مذكور في اللّوح المحفوظ. وكأنّه أريد بالآية: بيان كونه عالما بالمعلومات كلّها وبما بعدها بيان كونه قادرا على الممكنات بأسرها، تقريرا للتّوحيد ولما سبق من الوعد الوعيد.
وفي نهج البلاغة(٥) : قال ـ عليه السّلام ـ: قسّم أرزاقهم، وأحصى آثارهم وأعمالهم، وعدّد أنفسهم(٦) وخائنة أعينهم وما تخفي صدورهم من الضّمير، ومستقرّهم
__________________
(١) من الهامش وليس في المصدر.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: يسترون.
(٣) أ، ب، ر: يقطعون.
(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٦١، وتفسير الصافي ٢ / ٤٣١.
(٥) نهج البلاغة / ١٢٣، ضمن خطبة ٩.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: قسّم أرزاقهم، وأعمارهم، وعدّد أنفاسهم.
ومستودهم من الأرحام والظّهور، إلى أن تتناهى بهم(١) الغايات.
وفي تفسير العيّاشي(٢) : محمد بن فضيل، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: أتى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ رجل من أهل البادية.
فقال: يا رسول الله، إنّ لي بنين وبنات وإخوة وأخوات وبني بنين وبني بنات وبني إخوة وبني أخوات، والمعيشة علينا خفيفة(٣) . فإن رأيت، يا رسول الله، أن تدعو الله أن يوسّع علينا؟
قال: وبكى. فرقّ له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ(٤) وقرأ:( وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ ) . وقال و(٥) من كفل بهذه الأفواه المضمونة على الله رزقها، صبّ الله عليه الرّزق صبّا، كالماء المنهمر.
إن قليل فقليلا، وإن كثير فكثيرا.
قال: ثمّ دعا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأمّن له المسلمون.
قال: قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ: فحدّثني من رأى الرّجل في زمن عمر، فسأله عن حاله.
فقال: من أحسن من خوّله(٦) حلالا وأكثرهم مالا.
( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) ، أي: خلقهما وما فيهما، كما مرّ بيانه في الأعراف. أو ما في جهتي العلو والسّفل. وجمع السّموات دون الأرضين، لاختلاف العلويّات بالأصل والذّات دون السّفليّات.
وفي الكافي(٧) : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ خلق الدّنيا في ستّة أيّام، ثمّ اختزلها(٨) عن أيّام السّنة. فالسّنة ثلاثمائة وأربع وخمسون يوما.
وفي كتاب الاحتجاج(٩) للطّبرسيّ: عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل.
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: تناهى لهم.
(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ١٣٩ ـ ١٤٠، ح ٣.
(٣) لعلّه مصحّف «ضيّقة».
(٤) المصدر: فرقّ له المسلمون فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ:( وَما مِنْ دَابَّةٍ ) الخ.
(٥) ليس في المصدر، وب: وقال و.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: حوله. وخوّله الله المال: أعطاه إيّاه متفضّلا وملكه إيّاه.
(٧) الكافي ٤ / ٧٨، صدر ح ٢.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ: أخذتها. ( ٩) الاحتجاج ١ / ٣٧٩.
وفيه: وأمّا قوله:( إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ ) (١) فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ذكره ـ أنزل(٢) عزائم الشّرائع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة، كما( خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) . ولو شاء لخلقها في أقل من لمح البصر(٣) ، ولكنّه جعل الأناة والمداراة أمثالا(٤) لأمنائه وإيجابا للحجّة على خلقه.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : وقوله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ـ إلى قوله(٦) ـوَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) . وذلك في مبتدأ(٧) الخلق، أنّ الرّبّ ـ تبارك وتعالى ـ خلق الهواء، ثمّ خلق القلم فأمره أن يجري.
فقال: يا ربّ، بما أجري؟
فقال: بما هو كائن.
ثمّ خلق الظّلمة من الهواء، وخلق النّور من الهواء، [وخلق الماء من الهواء ،](٨) وخلق العرش من الهواء، وخلق العقيم(٩) من الهواء، وهو الرّيح الشّديد، وخلق النّار من الهواء، وخلق الخلق كلّهم من هذه السّتّة الّتي خلقت من الهواء. فسلّط العقيم على الماء، فضربته فأكثرت الموج والزّبد، وجعل يثور دخانه في الهواء.
فلمّا بلغ الوقت الّذي أراد، قال للزّبد: اجمد، فجمد. وقال للموج: اجمد، فجمد. فجعل الزّبد أرضا، وجعل الموج جبالا رواسي للأرض.
فلمّا أجمدها، قال للرّوح والقدرة: سوّيا عرشي إلى السّماء، فسوّيا عرشه إلى السّماء. وقال للدّخان: اجمد، فجمد. ثمّ قال له: ازفر، فزفر. فناداها والأرض جميعا( ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ، فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ ) .
فلمّا أخذ في رزق خلقه خلق السّماء وجنانها(١٠) والملائكة يوم الخميس، وخلق
__________________
(١) سبأ / ٤٦.
(٢) المصدر: نزّل.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: ولو شاء أن يخلقها في أقل من لمح البصر لخلق.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: مثالا.
(٥) تفسير القمّي ١ / ٣٢١ ـ ٣٢٢.
(٦) ليس في المصدر: إلى قوله.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ: مبدأ.
(٨) من المصدر.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ: الغيم.
(١٠) المصدر: جناتها.
الأرض يوم الأحد، وخلق دواب البرّ والبحر يوم الاثنين، وهما اليومان اللّذان يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ) (١) . وخلق الشّجر ونبات الأرض(٢) وأنهارها وما فيها والهوامّ في يوم الثّلاثاء، وخلق الجانّ، وهو أبو الجنّ يوم السّبت، وخلق الطّير في يوم الأربعاء، وخلق آدم في ستّ ساعات في يوم الجمعة. فهذه(٣) السّتّة الأيّام خلق الله السّموات والأرض وما بينهما.
وفي روضة الكافي(٤) : عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: إنّ الله خلق الخير يوم الأحد [وما كان ليخلق الشّرّ قبل الخير، وفي يوم الأحد](٥) والاثنين خلق الأرضين، وخلق أقواتها في يوم الثّلاثاء، وخلق السّموات يوم الأربعاء ويوم الخميس، وخلق أقواتها يوم الجمعة. وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) .
( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) : قبل خلقهما.
قيل(٦) : لم يكن حائل بينهما، لا أنّه كان موضوعا على متن الماء. واستدلّ به على إمكان الخلاء، وأنّ الماء أوّل حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم.
وقيل(٧) : كان الماء على متن الرّيح.
وفي كتاب التّوحيد(٨) : حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقّاق ـ رحمه الله ـ قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيّ، عن محمّد بن إسماعيل البرمكيّ قال: حدّثنا جذعان بن نصر [أبو نصر](٩) الكنديّ قال: حدّثنا سهل بن زياد الآدميّ، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله(١٠) بن كثير، عن داود الرّقّيّ قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) .
فقال لي: ما يقولون [في ذلك](١١) .
__________________
(١) فصّلت / ٩.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: والنبات والأرض.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: ففي هذه.
(٤) الكافي ٨ / ١٤٥، ح ١١٧.
(٥) من المصدر.
(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٢.
(٧) نفس المصدر والموضع.
(٨) التوحيد / ٣١٩ ـ ٣٢٠، ح ١.
(٩) من المصدر.
(١٠) بعض نسخ المصدر: عبد الرحمن.
(١١) من المصدر.
قلت: يقولون: إنّ العرش كان على الماء، والرّبّ فوقه.
فقال: كذبوا. من زعم هذا، فقد صيّر الله محمولا ووصفه بصفة المخلوقين ولزمه أنّ الشّيء الّذي يحمله أقوى منه.
قلت: بيّن لي، جعلت فداك.
فقال: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ حمّل علمه ودينه الماء قبل أن تكون سماء أو أرض أو إنس أو جنّ أو شمس أو قمر. فلمّا أراد أن يخلق الخلق، نثرهم بين يديه.
فقال لهم: من ربّكم؟
فكان أوّل من نطق رسول الله وأمير المؤمنين والأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ. فقالوا: أنت ربّنا.
فحمّلهم العلم والدّين. ثمّ قال للملائكة: هؤلاء حملة علمي وديني وأمنائي في خلقي، وهم المسئولون.
ثمّ قيل لبني آدم: أقرّوا لله بالرّبوبيّة ولهؤلاء النّفر بالطّاعة.
فقالوا: نعم، ربّنا، أقررنا.
فقال للملائكة: اشهدوا.
فقالت الملائكة: شهدنا على أن لا يقولوا( إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) (١) .
إنّ(٢) ولايتنا مؤكّدة عليهم في الميثاق.
وعلى هذا الخبر، المراد بالعرش: العلم، كما سبق ـ أيضا ـ في الأخبار الاخر.
ومعنى( كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) : أنّ علمه التّفصيليّ الّذي هو عين الموجودات كان منحصرا في الماء. فلا يلزم إمكان الخلاء، ولا مح(٣) آخر.
وفي أصول الكافي(٤) : محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن داود الرّقّيّ قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) .
فقال: ما يقولون؟
__________________
(١) الأعراف / ١٧٣.
(٢) المصدر: «يا داود» بدل «إنّ».
(٣) كذا في النسخ. ويمكن أن يكون «محلّ».
(٤) الكافي ١ / ١٣٢ ـ ١٣٣، صدر ح ٧.
قلت: يقولون: إنّ العرش كان على الماء، والرّب فوقه.
فقال: كذبوا. من زعم هذا، فقد صيّر الله محمولا ووصفه بصفة المخلوقين(١) ولزمه أنّ الشّيء الّذي يحمله أقوى منه.
قلت: بيّن لي، جعلت فداك.
فقال: إنّ الله حمّل دينه وعلمه على(٢) الماء قبل أن يكون سماء أو أرض أو جن أو إنس أو شمس أو قمر.
محمّد بن يحيى(٣) ، عن عبد الله بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن سدير الصّيرفيّ قال: سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) (٤) .
قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ ابتدع الأشياء كلّها بعلمه على غير مثال كان قبله. فابتدع السّموات والأرضين، ولم يكن قبلهنّ سموات ولا أرضون. أما تسمع لقوله ـ تعالى ـ:( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) . والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وفي الكافي(٥) : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن محمّد بن عمران العجليّ قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ: أيّ شيء كان موضع البيت حيث كان الماء في قول الله ـ تعالى ـ:( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) ؟
قال: كان مهاة بيضاء، يعني: درّة.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : حدّثني أبي، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرميّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: خرج هشام بن عبد الملك حاجّا ومعه الأبرش الكلبيّ، فلقيا أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ في المسجد الحرام.
فقال هشام للأبرش: تعرف هذا؟
قال: لا.
قال: هذا الّذي تزعم الشّيعة أنّه وصيّ إمام لكثرة(٧) علمه.
__________________
(١) المصدر: المخلوق.
(٢) ليس في المصدر.
(٣) الكافي ١ / ٢٥٦، صدر ح ٢.
(٤) الأنعام / ١٠١.
(٥) الكافي ٤ / ١٨٨، ح ١.
(٦) تفسير القمّي ٢ / ٦٩ ـ ٧٠.
فقال الأبرش: لأسألنّه عن مسألة(١) لا يجيبني فيها إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ.
فقال هشام: وددت أنّك فعلت ذلك.
فلقي الأبرش أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ. فقال: يا أبا عبد الله، أخبرني عن قول الله:( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما ) (٢) . فبما كان رتقهما، وبما كان فتقهما؟
فقال أبو عبد الله: يا أبرش، هو كما وصف نفسه( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) والماء على الهواء، والهواء لا يحدّ ولم يكن يومئذ خلق غيرهما، والماء عذب فرات. فلمّا أراد أن يخلق الأرض أمر الرّياح فضربت الماء حتّى صار موجا، ثمّ أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت، ثمّ جعله جبلا من زبد، ثمّ دحى الأرض من تحته فقال الله ـ تبارك وتعالى ـ:( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً ) (٣) ، ثمّ مكث الرّبّ ـ تبارك وتعالى ـ ما شاء. فلمّا أراد أن يخلق السّماء، أمر الرّياح، فضربت البحور حتّى أزبدت بها. فخرج من ذلك الموج والزّبد من وسطه دخان ساطع من غير نار، فخلق منه السّماء وجعل فيها البروج والنّجوم ومنازل الشّمس والقمر وأجراها في الفلك. وكانت السّماء خضراء على لون الماء الأخضر، وكانت الأرض غبراء على لون الماء العذب. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. وستقف عليه بتمامه عند قوله ـ تعالى ـ:( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (الآية) إن شاء الله.
حدّثني أبي(٤) ، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ، عن الطّفيل(٥) ، عن أبي جعفر، عن أبيه، عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ أنّه قال: وقد أرسل إليه ابن عبّاس يسأل عن مسائل: وأمّا ما سأل عنه من العرش ممّ خلقه الله؟ فإنّ الله خلقه أرباعا لم يخلق قبله إلّا ثلاثة أشياء: الهواء والقلم والنّور. ثمّ خلقه الله ألوانا مختلفة(٦) . والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
حدّثني أبي(٧) ، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن النّعمان الأحول، عن سلام
__________________
(٧) المصدر: «نبيّ من كثرة» بدل «وصيّ الامام لكثرة».
(١) المصدر: مسائل.
(٢) الأنبياء / ٣٠.
(٣) آل عمران / ٩٦.
(٤) تفسير القمّي ٢ / ٢٣ ـ ٢٤.
(٥) المصدر: أبي الطفيل.
(٦) المصدر: ثمّ خلقه من ألوان أنوار مختلفة.
(٧) تفسير القمّي ٢ / ٢٥٢ والحديث عن علي بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ.
بن المستنير(١) ، عن ثوير(٢) بن أبي فاختة، وذكر حديثا طويلا ستقف عليه إذا لزم إن شاء الله ـ تعالى ـ. وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ:( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ) ، يعني: بأرض لم تكسب عليها الذّنوب، بارزة ليس عليها جبال ولا نبات، كما دحاها أوّل مرّة. ويعيد عرشه على الماء، كما كان أوّل مرّة، مستقلّا بعظمته وقدرته.
( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) : متعلّق ب «خلق»، أي: خلق ذلك، كخلق من خلق، ليعاملكم معاملة المبتلي لأحوالكم كيف تعملون. فإنّ جملة ذلك أسباب وموادّ لوجودكم ومعاشكم وما تحتاج إليه أعمالكم، ودلائل وأمارات تستدلّون بها وتستنبطون منها.
وإنّما جاز تعليق فعل البلوى، لما فيه من معنى العلم من حيث أنّه طريق إليه، كالنّظر والاستماع.
وإنّما ذكر صيغة التّفضيل والاختبار الشّامل، لفرق المكلّفين باعتبار الحسن والقبح، للتّحريض على أحاسن المحاسن والتّحضيض على التّرقّي دائما من مراتب العمل والعلم. فإنّ المراد بالعمل ما يعمّ عمل القلب والجوارح.
وفي أصول الكافي(٣) : عليّ بن إبراهيم، [عن أبيه](٤) عن القاسم بن محمّد، عن المنقريّ، عن سفيان بن عيينة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) .
قال: ليس معنى: أكثركم(٥) عملا، ولكن أصوبكم عملا. وإنّما الإصابة خشية الله والنّيّة الصّادقة. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وروى العامّة(٦) : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ: أيّكم أحسن عقلا(٧) ، وأورع عن محارم الله، وأسرع في طاعة الله.
__________________
(١) كذا في المصدر، وجامع الرواة ١ / ٣٧٠. وفي النسخ: سالم بن المستنير.
(٢) كذا في المصدر، وجامع الرواة ١ / ١٤١. وفي النسخ: ثور.
(٣) الكافي ٢ / ١٦، صدر ح ٤.
(٤) من المصدر.
(٥) المصدر: «يعني: أكثر» بدل «معنى: أكثركم».
(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٢.
(٧) ب: عملا.
وفي نهج البلاغة(١) : قال ـ عليه السّلام ـ: ألا إنّ الله قد كشف الخلق كشفة، لا أنّه جهل ما أخفوه من [مصون](٢) أسرارهم و(٣) مكنون ضمائرهم «ولكن ليبلوهم أيّهم أحسن عملا». فيكون الثّواب جزاء، والعقاب بواء(٤) .
وفي كتاب الاحتجاج(٥) للطّبرسيّ: عن [الحسن بن](٦) عليّ بن محمّد العسكريّ ـ عليه السّلام ـ أنّ أبا الحسن، موسى بن جعفر ـ عليهما السّلام ـ قال: إنّ الله خلق الخلق فعلم ما هم إليه صائرون، فأمرهم(٧) ونهاهم. فما أمرهم به من شيء، فقد جعل لهم السّبيل إلى الأخذ به. وما نهاهم عنه من شيء، فقد جعل لهم السّبيل إلى تركه. ولا يكونون آخذين ولا تاريكن إلّا بأذنه. [وما جبر الله أحدا من خلقه على معصية(٨) ، بل اختبرهم بالبلوى، كما قال:( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) .
قوله ـ عليه السّلام ـ: ولا يكونون آخذين ولا تاركين، إلّا بإذنه](٩) أي: إلّا(١٠) بتخليته(١١) .
( وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ) (٧)، أي: ما البعث، أو القول به، أو القرآن المتضمّن لذكره إلّا، كالسّحر في الخديعة والبطلان.
وقرأ(١٢) حمزة والكسائيّ: «إلّا ساحر». على أنّ الإشارة إلى القائل.
وقرئ(١٣) : «أنّكم» بالفتح. على تضمّن «قلت» معنى: ذكرت. أو «أنّ» بمعنى: علّ، أي: ولئن قلت علّكم مبعوثون، بمعنى: توقعوا بعثكم ولا تبتّوا بإنكاره، لعدّوه من قبيل ما لا حقيقة له مبالغة في إنكاره.
( وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ ) : الموعود.
__________________
(١) نهج البلاغة / ٢٠٠ ـ ٢٠١، ضمن خطبة ١٤٤.
(٢) من المصدر.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: «في» بدل «و».
(٤) البواء: المكافاة.
(٥) الاحتجاج ٢ / ١٥٨.
(٦) من المصدر.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ: ممّا أمرهم.
(٨) المصدر: معصيته.
(٩) ليس في ب.
(١٠) ليس في المصدر.
(١١) بتخليته وعلمه.
(١٢ و ١٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٢.
( إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ ) : إلى جماعة من الأوقات قليلة.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ: يعني به: الوقت.
( لَيَقُولُنَ ) : استهزاء.
( ما يَحْبِسُهُ ) : ما يمنعه من الوقوع.
( أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ ) .
قيل(٢) : كيوم بدر.
( لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ ) : ليس العذاب مدفوعا عنهم.
و «يوم» منصوب بخبر ليس مقدّما عليه. وهو دليل على جواز تقديم خبرها عليها.
( وَحاقَ بِهِمْ ) : وأحاط بهم. وضع الماضي موضع المستقبل، تحقيقا ومبالغة في التّهديد.
( ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ) (٨)، أي: العذاب الّذي كانوا به يستعجلون. فوضع «يستهزئون» موضع «يستعجلون»، لأنّ استعجالهم كان استهزاء.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) ، يعني: إن متّعناهم في هذه الدّنيا إلى خروج القائم ـ عليه السّلام ـ فنردّهم ونعذّبهم.( لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ ) ، أي: ليقولون لا يقوم القائم ولا يخرج على حدّ الاستهزاء.
أخبرنا أحمد بن إدريس(٤) قال: حدّثنا أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف عن(٥) حسّان، عن هشام بن عمّار، عن أبيه، وكان من أصحاب عليّ ـ عليه السّلام ـ. [عن علي ـ عليه السّلام ـ](٦) في قوله:( وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ ) .
[قال :](٧) الأمة المعدودة أصحاب القائم ـ صلوات الله عليه ـ الثّلاثمائة والبضعة عشر.
__________________
(١) تفسير القمّي ١ / ٣٢٣. والظاهر أنّه توضيح من نفس علي بن إبراهيم.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٢.
(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٢٢.
(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٢٣.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: بن.
(٦) من المصدر.
(٧) من المصدر.
وفي تفسير العيّاشي(١) : عن الحسين، عن الخرّاز، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ:( وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ ) . [قال: هو القائم وأصحابه.
عن أبان بن مسافر(٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ: في قول الله( وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ ) ](٣) ، يعني: عدّة، كعدّة بدر.( لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ ) . قال: العذاب.
عن عبد الأعلى الحلبيّ(٤) قال: قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ: أصحاب القائم الثّلاثمائة والبضعة عشر رجلا، هم والله الأمّة المعدودة، الّتي قال الله في كتابه. وتلا هذه الآية.
قال: يجتمعون، والله(٥) ، في ساعة واحدة قزعا(٦) ، كقزع الخريف.
وفي روضة الكافي(٧) ، وفي مجمع البيان: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي خالد، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ تعالى ـ:( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ) (٨) .
قال: «الخيرات» الولاية.
وقوله ـ تبارك وتعالى ـ:( أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ) ، يعني: أصحاب القائم الثّلاثمائة والبضعة عشر رجلا.
قال: وهم، والله، الأمّة المعدودة.
قال: يجتمعون، والله، في ساعة واحدة قزعا، كقزع الخريف.
( وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ) : ولئن أعطيناه نعمة بحيث يجد لذّتها.
( ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ ) : ثمّ سلبنا تلك النّعمة منه.
( إِنَّهُ لَيَؤُسٌ ) : قطوع رجاءه من فضل الله، لقلّة صبره وعدم ثقته بالله.
__________________
(١) تفسير العيّاشي ٢ / ١٤١، ح ٩.
(٢) نفس المصدر والمجلّد / ١٤٠، ح ٧.
(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ، ب، ر.
(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ١٤٠، ح ٨.
(٥) المصدر: «له» بدل «والله».
(٦) القزع ـ محرّكة ـ: قطع من السحاب متفرقة صغار.
(٧) الكافي ٨ / ٣١٣، ح ٤٨٧، والمجمع ٣ / ١٤٤ ولا يوجد فيه الّا ذيل الحديث مرسلا.
(٨) البقرة / ١٤٨.