تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٦
0%
مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
المحقق: حسين درگاهى
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 472
مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
المحقق: حسين درگاهى
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 472
ـ سبحانه ـ:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ ) .
وروي(١) عن أبي حمزة الثّماليّ قال: سمعت أحدهما ـ عليهما السّلام ـ يقول: إنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ قال :
سمعت حبيبي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: أرجى آية في كتاب الله:( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) ـ وقرأ الآية كلّها قال :
يا عليّ، والّذي بعثني بالحقّ(٢) بشيرا ونذيرا، إنّ أحدكم ليقوم إلى وضوئه، فتساقط عن جوارحه الذّنوب. فإذا استقبل الله بقلبه ووجهه، لم ينفتل وعليه من ذنوبه شيء، كما ولدته أمّه. فإن أصاب شيئا بين الصّلاتين، كان له مثل ذلك ـ حتّى عدّ الصّلوات الخمس ثمّ قال :
[يا عليّ ،](٣) إنّما مثل الصّلوات الخمس لأمّتي، كنهر جار على باب أحدهم. فما يظنّ أحدكم لو(٤) كان في جسده درن، ثمّ اغتسل في ذلك النّهر خمس مرّات، أكان يبقى في جسده درن!؟ فكذلك ـ والله ـ الصّلوات الخمس لأمّتي.
وفي أمالي شيخ الطّائفة(٥) بإسناده إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ: وإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يكفّر بكلّ حسنة سيّئة. قال الله ـ عزّ وجلّ ـ:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ ) .
وفي كتاب ثواب الأعمال(٦) عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لا يغرّك النّاس من نفسك. فإنّ الأمر يصل إليك من(٧) دونهم. ولا تقطع النّهار بكذا وكذا. فإنّ معك من يحفظ عليك.
ولم أر شيئا قطّ أشدّ طلبا ولا أسرع دركا من الحسنة المحدثة(٨) للذّنب القديم(٩) ولا تصغّر شيئا من الخير. [فإنّك تراه غدا حيث يسرّك. ولا تصغّر شيئا من الشّر.](١٠) فإنّك
__________________
(٩) ب: إسقاطه.
(١) نفس المصدر والموضع. وفيه: ورووا.
(٢) المصدر: في الحقّ.
(٣) من المصدر.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: أحدهم إذا.
(٥) أمالي الطوسي ١ / ٢٥.
(٦) ثواب الأعمال / ١٦٢، ح ١.
(٧) المصدر: [من].
(٨) ليس في المصدر.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ: العظيم.
(١٠) من المصدر. وفي النسخ: «ولا تحتقر سيّئة» بدل ما بين المعقوفتين.
تراه غدا حيث يسوءك. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ ) .
وفي تفسير العيّاشي(١) : عن إبراهيم الكرّخيّ قال: كنت عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ. فدخل [عليه](٢) مولى له فقال: يا فلان، متى جئت؟ فسكت. فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ :
جئت من ها هنا ومن(٣) ها هنا. انظر بما تقع(٤) به يومك. فإنّ معك ملكا موكّلا يحفظ عليك ما تعمل. فلا تحتقر(٥) سيّئة، وإن كانت صغيرة. فإنّها ستسوؤك(٦) يوما. ولا تحتقر(٧) حسنة. فإنّه ليس شيء أشدّ طلبا، ولا أسرع دركا، من الحسنة. إنّها لتدرك الذّنب العظيم القديم، فتذهب به. وقال الله في كتابه:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) . قال(٨) : صلاة اللّيل تذهب بذنوب النّهار. وقال: تذهب ما(٩) جرحتم.
عن إبراهيم بن عمر(١٠) ، رفعه إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله:( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ـ إلى: ـالسَّيِّئاتِ ) . فقال: صلاة المؤمن(١١) باللّيل تذهب(١٢) بما عمل من ذنب النّهار.
عن سماعة بن مهران(١٣) قال: سأل(١٤) أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ رجل من أهل الجبال عن رجل أصاب مالا من أعمال السّلطان، فهو يتصدّق به، ويصل قرابته، ويحجّ، [ليغفر](١٥) له ما اكتسب، وهو يقول:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) . فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ: [إنّ الخطيئة لا تكفّر الخطيئة، ولكنّ الحسنة تكفّر الخطيئة. ثمّ قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ :](١٦) إن كان خلط الحلال حراما(١٧) ، فاختلط جميعا، فلم
__________________
(١) تفسير العيّاشي ٢ / ١٦٢، ح ٧٥.
(٢) من المصدر.
(٣) ليس في ب.
(٤) المصدر: تقطع.
(٥) أ، ب: فلا تحقر.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: تسوءك.
(٧) ب: ولا تحقر.
(٨) المصدر: زيادة «قال».
(٩) المصدر: يذهب بما.
(١٠) تفسير العيّاشي ٢ / ١٦٢، ح ٧٦.
(١١) المصدر: الليل. (١٢) المصدر: يذهب.
(١٣) نفس المصدر والموضع، ح ٧٧.
(١٤) كذا في المصدر. وفي ب: سمعت. وفي سائر النسخ: سألت.
(١٥) من المصدر.
يعرف الحلال من الحرام، فلا بأس.
وعنه(١) في رواية المفضّل بن سويد أنّه قال: انظر ما أصبت(٢) ، فعد به على إخوانك. فإنّ الله ـ تعالى ـ يقول:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) .
قال المفضّل: كنت خليفة أخي على الدّيوان. قال: وقد قلت: جعلت فداك، قد ترى مكاني من هؤلاء القوم. فما ترى لي؟ قال: لو لم تكن كنت(٣) .
عن المفضّل بن مزيد(٤) الكاتب(٥) قال: دخل عليّ أبو عبد الله(٦) ـ عليه السّلام ـ وقد أمرت أن أخرج لبني هاشم جوائز. فلم أعلم إلّا وهو على رأسي وأنا مستخل(٧) فوثبت إليه. فسألني عمّا أمر لهم. فناولته الكتاب. فقال: ما أرى(٨) لإسماعيل ها هنا شيئا؟ فقلت: هذا الّذي خرج إلينا. ثمّ قلت له: جعلت فداك، قد ترى مكاني من هؤلاء القوم. فقال لي: انظر ما أصبت، فعد به على إخوانك(٩) . فإنّ الله يقول:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) .
[وقرأ(١٠) ابن خرّاش(١١) عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال:( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) ](١٢) قال: صلاة اللّيل يكفّر ما عمل من ذنوب النّهار.
( ذلِكَ ) :
قيل(١٣) : إشارة إلى قوله: «فاستقم» وما بعده.
وقيل(١٤) : إلى القرآن.
( ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ ) (١١٤): عظة للمتّعظين.
__________________
(١٦) من المصدر.
(١٧) كذا في المصدر. وفي النسخ: مع الحرام حلالا.
(١) تفسير العيّاشي ٢ / ١٦٣، ح ٧٨.
(٢) المصدر: زيادة «به».
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: لم يكن كنت.
(٤) كذا في المصدر وجامع الرواة ٢ / ٢٦١. وفي النسخ: يزيد.
(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ١٦٤، ح ٧٩.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: دخلت على أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ.
(٧) المصدر: مستجل.
(٨) ب: لا أدري.
(٩) بعض نسخ المصدر: أصحابك.
(١٠) تفسير العيّاشي ٢ / ١٦٤ صدر ح ٨١.
(١١) كذا في نور الثقلين ٢ / ٤٠٣، ح ٢٤٥. وفي المصدر: ابن خرّاس.
(١٢) من المصدر.
(١٣ و ١٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٤.
( وَاصْبِرْ ) على الطّاعات وعن المعاصي.
( فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) (١١٥) :
عدل عن المضمر، لأنّه كالبرهان على المقصود، ودليل على أنّ الصّلاة والصبر إحسان وإيماء بأنّه لا يعتدّ بهما دون إخلاص.
( فَلَوْ لا كانَ ) : فهلا كان( مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ ) :
المراد: أولو بقيّة من الرّأي والعقل. أو: أولو فضل. وإنّما سمّي «بقيّة» لأنّ الرّجل يستبقي أفضل ما يخرجه. ومنه يقال: فلان من(١) بقيّة القوم، أي: من خيارهم. وقولهم: في الزّوايا خبايا، وفي الرّجال بقايا.
ويجوز أن يكون مصدرا، كالتّقيّة. أي: ذوو إبقاء على أنفسهم وصيانة لها من العذاب. ويؤيّده أنّه قرئ(٢) : «بقية» وهي المرّة مصدر بقاه يبقه إذا راقبه.
( إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ ) : لكن قليلا ممّن أنجيناهم، لأنّهم كانوا كذلك.
ولا يصحّ اتّصاله إلّا إذا جعل استثناء من النّفي اللّازم للتّحضيض. والمعنى: ليس من القرون من قبلهم أولو بقيّة ينهون عن الفساد إلّا قليلا ـ إلى آخره.
( وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ ) : ما أنعموا فيه من الشّهوات، واهتمّوا بتحصيل أسبابها، وأعرضوا عمّا وراء ذلك.
( وَكانُوا مُجْرِمِينَ ) (١١٦): كافرين.
كأنّه أراد أن يبيّن ما كان السّبب لاستئصال الأمم السّالفة. وهو فشوّ الظّلم فيهم، واتّباعهم للهوى، وترك النّهي عن المنكرات، مع الكفر.
وقوله: «واتّبع» عطف على مضمر دلّ عليه الكلام، إذ المعنى: فلم ينهوا عن الفساد واتّبع الّذين ظلموا. «وكانوا مجرمين» عطف على «اتّبع» أو اعتراض.
وقرئ(٣) : «أتبع»، أي: وأتبعوا جزاء ما أترفوا. فيكون الواو للحال. ويجوز أن يفسّر به المشهورة. ويعضده تقدّم الإنجاء.
( وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ ) :
__________________
(١) ليس في ب.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٤.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٥.
قيل(١) : بشرك.
( وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ ) (١١٧) فيما بينهم، لا يضمّون إلى شركهم فسادا، ولا تباغيا.
وذلك لفرط رحمته ومسامحته في حقوقه. ومن ذلك قيل: الملك يبقى مع الكفر، ولا يبقى مع الظّلم.
وفي مجمع البيان(٢) ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ [أنّه قال](٣) :( وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ ) ينصف بعضهم من بعض(٤) .
( وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ) : مسلمين كلّهم.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : أي: على مذهب واحد.
( وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) (١١٨): بعضهم على الحقّ، وبعضهم على الباطل، لا تكاد تجد اثنين يتّفقان مطلقا.
( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) : إلّا أناسا(٦) هداهم الله من فضله، فاتّفقوا على ما هو أصول دين الحقّ والعمدة فيه.
( وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) :
قيل(٧) : إن كان الضّمير للنّاس، فالإشارة إلى الاختلاف، واللّام للعاقبة. أو إليه وإلى الرّحمة. وإن كان ل «من»، فإلى الرّحمة.
وفي كتاب علل الشّرائع(٨) : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان قال :
سئل أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ـ إلى قوله: ـوَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) فقال: كانوا أمّة واحدة. فبعث الله النّبيّين، ليتّخذ عليهم الحجّة.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٥.
(٢) المجمع ٣ / ٢٠٢.
(٣) من المصدر.
(٤) المصدر: «بعضها بعضهم» بدل «بعضهم من بعض».
(٥) تفسير القمّي ١ / ٣٣٨.
(٦) أ، ب، ر: ما.
(٧) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٥.
(٨) العلل ١ / ١٢٠، ح ٢.
وفي روضة الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان قال :
سئل أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ تبارك وتعالى ـ:( وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً [وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) . فقال: كانوا أمّة واحدة.](٢) فبعث الله النّبيّين، ليتّخذ عليهم الحجّة.
وفي أصول الكافي(٣) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبيدة الحذّاء قال :
سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن الاستطاعة وقول النّاس. فقال(٤) وتلا هذه الآية:( وَلا يَزالُونَ ـ إلى قوله: ـخَلَقَهُمْ ) (٥) : يا أبا عبيدة، النّاس مختلفون في إصابة القول، وكلّهم هالك.
قال: قلت: قوله:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) . قال: هم شيعتنا. ولرحمته خلقهم. وهو قوله:( وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) . يقول: لطاعة الإمام، الرّحمة الّتي يقول(٦) :( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) . يقول: علم الإمام، ووسع علمه الّذي هو من علمه كلّ شيء. [هم شيعتنا](٧) .
وفي كتاب التّوحيد(٨) ، بإسناده إلى عليّ بن سالم(٩) ، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ـ إلى قوله: ـخَلَقَهُمْ ) قال: خلقهم ليفعلوا ما يستوجبوا به رحمة الله، فيرحمهم.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١٠) : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال [في قوله](١١) :( لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) في الدّين( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ [وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) ](١٢) ويعني: آل محمّد وأتباعهم. يقول الله:( وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) ، يعني: أهل رحمة(١٣)
__________________
(١) الكافي ٨ / ٣٧٩، ح ٥٧٣.
(٢) من المصدر.
(٣) الكافي ١ / ٤٢٩، صدر ح ٨٣.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: بها.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: زيادة «قال».
(٦) الأعراف / ١٥٦.
(٧) من المصدر.
(٨) التوحيد / ٤٠٣، ح ١٠.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ: إبراهيم.
(١٠) تفسير القمّي ١ / ٣٣٨.
(١١) من المصدر.
(١٢) ليس في المصدر.
لا يختلفون في الدّين.
وفي كتاب الاحتجاج(١) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال: لـمّا خطب أبو بكر قام [إليه](٢) أبيّ بن كعب، فقال: يا معاشر المهاجرين الّذين ـ إلى قوله: ـ ويا معاشر الأنصار ـ إلى قوله: ـ
ثم أخبرنا باختلافكم [فقال](٣) :( وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) ، أي: للرّحمة. وهم آل محمّد.
والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وفي تفسير العيّاشي(٤) : عن عبد الله بن غالب، عن أبيه، عن رجل قال: سألت عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ عن قول الله:( وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) . [قال: عنى بذلك من خالفنا من هذه الأمّة. وكلّهم يخالف بعضهم بعضا في دينهم. وأمّا قوله :](٥) ( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) . قال(٦) : فأولئك أولياؤنا من المؤمنين. ولذلك خلقهم من الطّينة الطيّبة(٧) . أما تسمع لقول إبراهيم(٨) :( رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ ) . قال: إيّانا عنى وأولياءه [شيعته](٩) وشيعة وصيّه. قال(١٠) .( وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ ) . قال: عنى بذلك ـ [والله](١١) ـ من جحد وصيّه، ولم يتّبعه من أمّته. وكذلك ـ والله ـ حال هذه الأمّة.
عن سعيد بن المسيّب(١٢) ، عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ في قوله:( وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) : فأولئك هم أولياؤنا من المؤمنين. ولذلك خلقهم من الطّينة الطيّبة(١٣) ـ إلى آخر ما سبق ـ.
يعقوب بن سعيد(١٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله(١٥)
__________________
(١٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: رحمته.
(١) الاحتجاج ١ / ١١٣ ـ ١١٤ بتلخيص يسير.
(٢ و ٣) من المصدر.
(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ١٦٤، ح ٨٢.
(٥) من المصدر.
(٦) ليس في المصدر.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ: طيّبا.
(٨) البقرة / ١٢٦.
(٩) من المصدر.
(١٠) البقرة / ١٢٦.
(١١) من المصدر مع المعقوفتين.
(١٢) تفسير العيّاشي ٢ / ١٦٤ ـ ١٦٥، ح ٨٤.
(١٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: طيّبا.
(١٤) تفسير العيّاشي ٢ / ١٦٤، ح ٨٣.
ـ عزّ وجلّ ـ:( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) . قال: خلقهم للعبادة. قال: قلت: وقوله:( وَلا يَزالُونَ ـ إلى قوله: ـوَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) . فقال: نزلت هذه بعد تلك.
( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ) : وعيده، أو قوله للملائكة.
( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) ، أي: من عصاتهما( أَجْمَعِينَ (١١٩) ) ، أي: منهما أجمعين، لا من أحدهما.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : وهم الّذين سبق لهم الشّقاء، فحقّ عليهم القول أنّهم للنّار خلقوا. وهم الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك أنّهم لا يؤمنون.
( وَكُلًّا ) : وكلّ نبأ( نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ) : نخبرك به.
( ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ ) :
بيان لكلّ، أو بدل منه. وفائدته التّنبيه على المقصود من الاقتصاص، وهو زيادة يقينه وطمأنينة قلبه، وثبات نفسه على أداء الرّسالة واحتمال أذى الكفّار. أو مفعول، و «كلا» منصوب على المصدر. بمعنى: كلّ نوع من أنواع الاقتصاص نقصّ عليك ما نثبّت به فؤادك من أنباء الرّسل.
( وَجاءَكَ فِي هذِهِ ) السّورة أو الأنباء المقتصّة عليك( الْحَقُ ) : ما هو حقّ.
( وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ) (١٢٠) :
إشارة إلى سائر فوائده العامّة.
( وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ ) : على حالكم.
( إِنَّا عامِلُونَ ) (١٢١) على حالنا.
( وَانْتَظِرُوا ) بنا الدّوائر.
( إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ) (١٢٢) أن ينزل بكم نحو ما نزل على أمثالكم.
( وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) : خاصّة، لا يخفى عليه خافية ممّا فيهما.
وفي مجمع البيان(٢) : وقد وجدت بعض المشايخ ـ ممّن يتّسم بالعدوان(٣) والتّشنيع ـ قد ظلم الشّيعة الإماميّة في هذا الموضع من تفسيره، فقال: هذا يدلّ على أنّ الله ـ سبحانه ـ يختصّ(٤) بعلم الغيب، خلافا لما يقوله الرّافضة إنّ الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ يعلمون الغيب.
__________________
(١٥) الذاريات / ٥٦.
(١) تفسير القمّي ١ / ٣٣٨.
(٢) المجمع ٣ / ٢٠٥.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: بالعذل.
ولا شكّ أنّه عنى بذلك من يقول بإمامة الأئمّة(١) الاثني عشر، ويدين بأنّهم أفضل الأنام بعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فإنّ هذا دأبه(٢) وديدنه(٣) فيهم(٤) . يشنع في مواضع كثيرة من كتابه عليهم، وينسب القبائح والفضائح إليهم. ولا نعلم أنّ(٥) أحدا منهم استجاز الوصف بعلم الغيب لأحد من الخلق. وإنّما يستحقّ الوصف بذلك من يعلم جميع المعلومات لا بعلم مستفاد. وهذه صفة القديم ـ سبحانه ـ العالم لذاته لا يشركه فيها(٦) أحد من المخلوقين. ومن اعتقد أنّ غير الله ـ سبحانه ـ يشركه في هذه الصّفة، فهو خارج عن ملّة الإسلام.
فأمّا ما نقل عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ ورواه عنه الخاصّ والعامّ، من الأخبار بالغائبات في خطب الملاحم وغيرها، مثل قوله ـ يومئ إلى صاحب الزّنج(٧) ـ: «كأنّي به ـ يا أحنف ـ وقد سار بالجيش الّذي ليس له غبار ولا لجب، ولا قعقعة لجم(٨) ، ولا صهيل خيل. يثيرون الأرض بأقدامهم، كأنّها أقدام النّعام». وقوله يشير إلى مروان بن الحكم: «أما إنّ له إمرة كلعقة(٩) الكلب أنفه. وهو أبو الأكبش الأربعة(١٠) . وستلقى الأمّة منه ومن
__________________
(٤) المصدر: يختص.
(١) ليس في المصدر.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: رأيه.
(٣) كذا في المصدر ور. وفي النسخ: دينه.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: فبهم.
(٥) ليس في المصدر.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: لا يشرك فيه.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ: الذبح.
وصاحب الزنج هو رجل ظهر في فرات البصرة سنة ٢٥٥ ه، وزعم أنّه عليّ بن محمّد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.
قال ابن أبي الحديد: وأكثر الناس يقدحون في نسبه، وخصوصا الطالبيّين. وجمهور النّسابين اتّفقوا على أنّه من عبد القيس ـ إلى أن قال ـ: وذكر المسعوديّ في كتابه المسمّى بمروج الذهب أنّ أفعال عليّ بن محمّد صاحب الزّنج تدلّ على أنّه لم يكن طالبيّا. انتهى.
والزّنج اللّذين أشار إليهم كانوا عبيدا لدهاقين البصرة وبناتها، ولم يكونوا ذوي زوجات وأولاد، بل كانوا على هيئة الشّطار عزّابا، فلا نادبة لهم.
(٨) اللّجب: الصّوت. والقعقعة: تحريك الشّيء اليابس مع صوت. واللّجم: جمع اللّجام.
(٩) الإمرة: الولاية. ولعق الشّيء لعقة: لحسه، أي: أكله بلسانه. وأراد ـ عليه السّلام ـ بهذا القول قصر مدة ملكه، وكذلك كانت مدّة خلافة مروان فإنّه ولي تسعة أشهر.
(١٠) الأكبش الأربعة بنو عبد الملك، الوليد
ولده موتا أحمر».
وما نقل من هذا الفنّ عن أئمّة الهدى من أولاده ـ عليهم السّلام ـ مثل ما قاله أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ: لعبد الله بن الحسن ـ وقد اجتمع(١) هو وجماعة من العلوّيّة والعبّاسيّة ليبايعوا ابنه محمّدا ـ: «والله ما هي إليك، ولا إلى(٢) ابنيك، ولكنّها لهم ـ وأشار إلى العبّاسيّة ـ وأنّ ابنيك لمقتولان» ثمّ قام(٣) وتوكّأ على يد عبد العزيز بن عمران الزّهريّ فقال له: «أرأيت صاحب الرّداء الأصفر؟». يعني أبا جعفر المنصور. قال: نعم. فقال: «إنّا والله(٤) نجده يقتله» فكان كما قال(٥) .
قال(٦) : ومثل قول الرضا: «بورك(٧) قبر(٨) بطوس، وقبران ببغداد». فقيل له: قد(٩) عرفنا واحدا، فما(١٠) الآخر؟ قال: «ستعرفونه». ثمّ قال: «قبري وقبر هارون هكذا» ـ وضمّ أصبعيه(١١) ـ. وقوله في القصّة المشهورة لأبي حبيب النباجي(١٢) ـ وقد ناوله قبضة من
__________________
وسليمان ويزيد وهشام.
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: أجمع.
(٢) ليس في ب.
(٣) المصدر: نهض.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: قال والله إنّا.
(٥) أ، ب: كان.
(٦) نفس المصدر والموضع.
(٧) ب: بورك بورك.
(٨) ب: قبري.
(٩) ليس في ب.
(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ: فمن.
(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ: إصبعه.
(١٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: الناجي.
ونباج ـ ككتاب ـ: قرية بالبادية. كما قاله الفيروزآبادي.
وقصّة أبي حبيب، على ما ذكره الصدوق (ره) في كتاب عيون الأخبار، في باب دلالات الرضا ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: رأيت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في المنام، وقد وافى البناج، ونزل بها في المسجد الذي ينزله الحاجّ في كل سنة، وكأنّي مضيت إليه، وسلّمت عليه، ووقفت بين يديه، ووجدت عنده طبقا من خوص ـ وهو ورق النخل ـ نخل المدينة، فيه تمر صيحانيّ.
فكأنّه قبض قبضة من ذلك التمر، فناولني منه. فعددته، فكان ثمان عشرة تمرة. فتأوّلت أني أعيش بعدد كل تمرة سنة.
فلمّا كان بعد عشرين يوما، كنت في أرض تعمر بين يدي للزراعة، حتّى جاءني من أخبرني بقدوم أبي الحسن الرضا ـ عليه السّلام ـ من المدينة، ونزوله ذلك المسجد. ورأيت الناس يسعون إليه.
التّمر ـ: «لو زادك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لزدناك». وقوله في حديث علي بن أحمد الوشّاء ـ حين قدم مرو(١) من الكوفة ـ: «معك حلّة في السّفط(٢) الفلانيّ، دفعتها إليك ابنتك وقالت(٣) : اشتر لي بثمنها فيروزجا» ـ والحديث مشهور ـ.
إلى غير ذلك ممّا روي عنهم ـ عليهم السّلام ـ، فإنّ جميع ذلك متلقّى عن الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ ممّا أطلعه الله ـ تعالى ـ عليه. فلا معنى لنسبة(٤) من روى عنهم ـ عليهم السّلام ـ هذه الأخبار المشهورة إلى أنّه يعتقد كونهم عالمين للغيب. وهل هذا إلّا سبب قبيح وتضليل(٥) ، بل تكفير!؟ و(٦) لا يرتضيه من هو بالمذهب خبير. والله يحكم [بينه و](٧) بينهم. وإليه المصير.
وأقول: بعض ذلك متلقّى عن الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ وبعضه بتحديث الملك. وكلاهما إلقاء من الله ـ تعالى ـ للغيب إليهم. ولا ينافي ذلك اختصاص الغيب بالله ـ تعالى ـ. إذ معناه: لا يعلمه غيره إلّا بإلقائه ـ تعالى ـ بأحد الطّريقين المذكورين.
( وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ) فيرجع لا محالة أمرك وأمرهم إليه.
( فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ) ، فإنّه كافيك.
وفي تقديم الأمر بالعبادة على التّوكّل، تنبيه على أنّه إنّما ينفع العابد.
( وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (١٢٣) أنت وهم، فيجازي كلا ما يستحقّه.
وقرأ(٨) نافع وحفص وابن عامر(٩) بالياء هنا وفي آخر النّمل.
__________________
فمضيت نحوه. فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت فيه النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وتحته حصير مثل ما كان تحته، وبين يديه طبق خوص فيه تمر صيحانيّ. فسلّمت عليه. فردّ السلام عليّ، واستدناني، فناولني قبضة من ذلك التمر.
فعددته. فإذا عدده مثل ذلك التمر الّذي ناولني رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فقلت له: زدني منه يا ابن رسول الله! فقال: لو زادك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لزدناك.
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: مروان.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: السّقط. والسفط: الوعاء الذي يعبّأ فيه الطيب وما أشبهه من أدوات النساء.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: وقالت لي.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: لنسبته.
(٥) المصدر: زيادة «لهم».
(٦) ليس في المصدر.
(٧) من المصدر.
(٨) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٥.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ: ابن عمرو.
تفسير
سورة يوسف
سورة يوسف
مكّيّة.
وقال المعدل(١) ، عن ابن عبّاس: غير أربع آيات نزلن بالمدينة، ثلاث من أوّلها، والرّابعة:( لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ ) (٢) .
وهي مائة وإحدى عشرة آية بالإجماع.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
في كتاب ثواب الأعمال(٣) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: «من قرأ سورة يوسف في كلّ يوم، أو في كلّ ليلة، بعثه الله يوم القيامة وجماله مثل جمال يوسف. ولا يصيبه فزع يوم القيامة. وكان من خيار عباد الله الصّالحين.
وقال: إنّها كانت في التّوراة مكتوبة.
وفي الكافي(٤) : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن عمّه يعقوب بن سالم، رفعه قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ: لا تعلّموا نساءكم سورة يوسف، ولا تقرئوهنّ إيّاها، فإنّ فيها الفتن. وعلّموهنّ سورة النور، فإن فيها المواعظ.
وفي مجمع البيان(٥) : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه(٦) قال :
__________________
(١) مجمع البيان ٣ / ٢٠٦.
(٢) ثواب الأعمال / ١٣٣، ح ١.
(٣) يوسف / ٧.
(٤) الكافي ٥ / ٥١٦، ح ٢.
(٥) المجمع ٣ / ٢٠٦.
(٦) ليس في المصدر.
علّموا أرقّاءكم سورة يوسف. فإنّه أيّما مسلم قرأها(١) ، وعلّمها أهله وما ملكت يمينه، هوّن الله ـ تعالى ـ عليه سكرات الموت، وأعطاه القوّة أن لا يحسد مسلما(٢) .
وروى إسماعيل بن أبي زياد(٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن أبيه، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ :
لا تنزلوا نساءكم الغرف. ولا تعلّموهنّ الكتابة. ولا تعلّموهنّ سورة يوسف. وعلّموهنّ الغزل(٤) وسورة النّور.
وفي كتاب الخصال(٥) ، عن جابر بن يزيد الجعفيّ قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر ـ عليه السّلام ـ يقول: ليس على النّساء أذان ـ إلى أن قال: ـ ويكره لهنّ تعلّم سورة يوسف.
وفي تفسير العيّاشي(٦) ، عن مسعدة بن صدقة قال: قال جعفر بن محمّد ـ عليه السّلام ـ: قال والدي ـ عليه السّلام ـ :
والله، إنّي لأصانع بعض ولدي، وأجلسه على فخذي، وأكثر له المحبة(٧) ، وأكثر له الشّكر، وإنّ الحقّ لغيره(٨) من ولدي، ولكن محافظة(٩) عليه منه، ومن غيره، [لئلّا](١٠) يصنعوا به ما فعل بيوسف إخوته.
وما أنزل الله سورة يوسف، إلّا أمثالا، لكي لا يحسد بعضنا بعضا، كما حسد يوسف(١١) ، وبغوا عليه. فجعلها حجّة [وحجّة](١٢) على من تولّانا، ودان بحبّنا(١٣) ، وجحد أعداءنا، أعني(١٤) من نصب لنا الحرب والعداوة.
__________________
(١) المصدر: تلاها.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: «الدرجة» بدل «القوّة ان لا يحسد مسلما».
(٣) المجمع ٣ / ٢٠٦.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: المغزل.
(٥) الخصال ٢ / ٥٨٥ ـ ٥٨٦، صدر وقطعة من ح ١٢.
(٦) تفسير العيّاشي ٢ / ١٦٦، ح ٢.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ: أنكر له المخ.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ: إسحاق كغيره.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ: مخافة.
(١٠) من المصدر.
(١١) المصدر: بيوسف وإخوته. والأظهر: يوسف إخوته.
(١٢) ليس في المصدر.
(١٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: محبّينا.
(١٤) المصدر: على.
( الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ ) (١) :
«تلك» إشارة إلى آيات السّورة. وهي المراد ب «الكتاب». أي: تلك الآيات، آيات السّورة الظّاهر أمرها في الإعجاز. أو الواضحة معانيها والمبيّنة لمن تدبّرها أنّها من عند الله، أو لليهود ما سألوا. إذ نقل أنّ علماءهم قالوا لكبراء المشركين: سلوا محمّدا لم انتقل آل(١) يعقوب من الشّام إلى مصر، وعن قصّة يوسف. فنزلت.
( إِنَّا أَنْزَلْناهُ ) ، أي: الكتاب.
( قُرْآناً عَرَبِيًّا ) :
سمّي البعض قرآنا، لأنّه في الأصل اسم الجنس يقع على الكلّ والبعض، وصار علما للكلّ بالغلبة.
ونصبه على الحال، وهو في نفسه إمّا توطئة للحال الّتي هي «عربيّا»، أو حال لأنّه مصدر بمعنى مفعول. و «عربيّا» صفة له. أو حال من الضّمير فيه. أو حال بعد حال.
( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (٢) :
علّة لإنزاله بهذه الصّفة. أي: أنزلناه مجموعا، أو مقروء بلغتكم، كي تفهموه، وتحيطوا بمعانيه، وتستعملوا فيه عقولكم، فتعلموا أنّ اقتصاصه كذلك ـ ممّن لم يتعلّم القصص ـ معجز لا يتصوّر إلّا بإيحاء.
وفي كتاب الخصال(٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ: تعلّموا العربيّة. فإنّها كلام الله الّذي تكلّم به خلقه.
( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ) : أحسن الاقتصاص، لأنّه اقتصّ على أبدع الأساليب. أو: أحسن ما يقصّ، لاشتماله على العجائب والحكم والآيات والعبر.
القصّ(٣) فعل بمعنى مفعول، كالنّقض والسّلب. واشتقاقه من: قصّ أثره: إذا تبعه.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) خطبة له ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وفيها: وأحسن القصص هذا القرآن.
__________________
(١) ليس في أ، ب.
(٢) الخصال ١ / ٢٥٨، ح ١٣٤.
(٣) يوجد في أ، ب.
(٤) تفسير القميّ ١ / ٢٩١.
وفي روضة الكافي(١) خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. وفيها: ثمّ إنّ أحسن القصص وأبلغ الموعظة وأنفع التّذكر، كتاب الله ـ عزّ ذكره ـ.
وفي الكافي(٢) خطبة مسندة إلى أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ. وفيها: وانّ كتاب الله أصدق الحديث، وأحسن القصص.
( بِما أَوْحَيْنا ) بإيحائنا( إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ ) ، يعني: السّورة.
ويجوز أن يجعل «هذا» مفعول «نقصّ»، على أنّ «أحسن» نصب على المصدر.
( وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ ) (٣) عن هذه القصّة، لم تخطر ببالك، ولم تقرع سمعك قطّ.
وهو تعليل لكونه موحى.
«وإن» هي المخفّفة من الثّقيلة. واللّام هي الفارقة.
( إِذْ قالَ يُوسُفُ ) :
بدل من( أَحْسَنَ الْقَصَصِ ) إن جعل مفعولا بدل الاشتمال. أو منصوب بإضمار اذكر.
و «يوسف» عبريّ. ولو كان عربيّا لصرف.
وقرئ(٣) بفتح السّين وكسرها، على التّلعّب به، لا على أنّه مضارع بني للمفعول أو الفاعل من «آسف». لأنّ المشهورة شهدت بعجمته.
( لِأَبِيهِ ) : يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) ، عن الباقر ـ عليه السّلام ـ: وكان يعقوب إسرائيل الله ـ أي: خالص الله ـ ابن إسحاق نبيّ الله ابن إبراهيم خليل الله.
وفي الحديث النّبويّ(٥) : الكريم ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
( يا أَبَتِ ) :
أصله: يا أبي. فعوض(٦) عن الياء تاء التّأنيث، لتناسبهما في الزّيادة. ولذلك قلبها(٧)
__________________
(١) الكافي ٨ / ١٧٥، ضمن ح ١٩٤.
(٢) الكافي ٣ / ٤٢٣.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٦.
(٤) تفسير القميّ ١ / ٣٤٠.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٦.
(٦) أ، ب، ر: «تعوض» بدل «فعوض».
هاء في الوقف ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب. وكسرها لأنّها عوض حرف تناسبها. وفتحها(١) ابن عامر في كل القرآن، لأنّها حركة أصلها. أو لأنّه كان «يا أبتا» فحذف الألف وبقي الفتحة. وإنّما جاز «يا أبتا»، ولم يجز «يا أبتي»، لأنّه جمع بين العوض والمعوّض.
وقرئ(٢) بالضّمّ، إجراء لها مجرى الأسماء المؤنّثة بالتّاء، من غير اعتبار التّعويض. وإنّما لم تسكّن كأصلها، لأنّها حرف صحيح منزل منزلة الاسم، فيجب تحريكها، ككاف الخطاب.
( إِنِّي رَأَيْتُ ) :
من الرّؤيا، لا من الرّؤية، لقوله:( لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ ) وقوله( هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ ) .
( أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ) :
في كتاب الخصال(٣) ، عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ في قوله ـ تعالى ـ حكاية عن يوسف:( إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ ) فقال في تسمية النّجوم: وهو الطّارق، وحوبان(٤) ، والذّيّال، و(٥) ذو الكتفين(٦) ، وقابس، ووثّاب، وعمودان(٧) ، وفيلق، ومصبح، والصّدوح(٨) ، وذو القروع(٩) ، والضّياء، والنّور، يعني: الشمس والقمر. وكلّ هذه الكواكب محيطة بالسّماء.
وعن جابر عن عبد الله(١٠) قال: أتى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ رجل من اليهود يقال له بشّان(١١) اليهوديّ. فقال: يا محمّد، أخبرني عن الكواكب الّتي رآها يوسف أنّها ساجدة له، فما(١٢) أسماؤها؟ فلم يجبه نبيّ الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يومئذ في شيء.
قال: فنزل(١٣) جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فأخبر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ بأسمائها.
__________________
(٧) و (١) نفس المصدر والموضع.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٦.
(٣) الخصال ٢ / ٤٥٤، ح ١.
(٤) المصدر: جربان. وفي نور الثقلين ٢ / ٤٠٩، ح ١١: خوبان.
(٥) ليس في أ، ب، ر.
(٦) المصدر: «ذو الكنفان وذو القرع» بدل «ذو الكتفين». ( ٧) نور الثقلين ٢ / ٤٠٩، ح ١١. ( ٨) المصدر: الضروح. ونور الثقلين: الصدع. ( ٩) ليس في المصدر: ذو القروع. ( ١٠) الخصال ٢ / ٤٥٤ ـ ٤٥٥، ح ٢. ( ١١) المصدر: بستان.
(١٢) المصدر: «ما» بدل «له فما».
قال: فبعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى بشّان(١) . فلمّا أن جاءه، قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ: هل أنت تسلم(٢) إن أخبرتك بأسمائها؟ قال: نعم.
فقال له النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ: حوبان(٣) ، والطّارق، والذّيّال، وذو الكتفين(٤) ، وقابس، ووثّاب، وعمودان(٥) ، والفيلق، والمصبح(٦) ، والصّدوح، وذو القروع(٧) ، والضّياء، والنّور. رآها في أفق السّماء ساجدة له. فلمّا قصّها يوسف ـ عليه السّلام ـ على يعقوب ـ عليه السّلام ـ قال يعقوب: هذا أمر مشتّت(٨) يجمعه الله ـ عزّ وجلّ ـ من(٩) بعد.
فقال بشّان(١٠) : والله إنّ هذه لأسماؤها. ثمّ أسلم(١١) .
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١٢) : في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: تأويل هذه الرّؤيا أنّه سيملك مصر، ويدخل عليه أبواه وإخوته. أمّا الشمس، فأمّ يوسف «راحيل». والقمر يعقوب. وأمّا الأحد عشر كوكبا، فإخوته. فلمّا دخلوا عليه، سجدوا شكرا لله وحده، حين نظروا إليه. وكان ذلك السّجود لله ـ تعالى ـ.
وفي رواية(١٣) أنّ الّتي سجدت له مع أبيه خالته لا أمّه.
( رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ ) (٤) :
استئناف لبيان حالهم الّتي رآهم عليها. فلا تكرير. وإنّما أجريت مجرى العقلاء، لوصفها بصفاتهم.
( قالَ يا بُنَيَ ) : تصغير ابن، للشّفقة، أو لصغر السّنّ، لأنّه كان ابن تسع سنين(١٤) .
__________________
(١٣) المصدر: «ونزل» بدل «قال فنزل».
(١) المصدر: بستان.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: مسلم.
(٣) المصدر: جربان. وفي نور الثقلين ٢ / ٤٠٩، ح ١٢: خوبان.
(٤) المصدر: ذو الكنفان.
(٥) نور الثقلين: عموران.
(٦) نور الثقلين: الصبيح.
(٧) المصدر: الضروح وذو القرع.
(٨) المصدر: المتشتت.
(٩) ليس في المصدر.
(١٠) المصدر: بستان.
(١١) ليس في المصدر: ثمّ أسلم.
(١٢) تفسير القميّ ١ / ٣٣٩.
(١٣) تفسير العيّاشي ٢ / ١٩٧، ح ٨٣.
(١٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٧: اثنتي عشرة سنة.
( لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً ) : فيحتالوا لإهلاكك حيلة.
فهم يعقوب ـ عليه السّلام ـ من رؤياه أنّ الله يصطفيه لرسالته، ويفوّقه على إخوته، فخاف عليه حسدهم وبغيهم.
قيل(١) : الرّؤيا كالرّؤية، غير أنّها مختصّة بما يكون في النّوم. ففرّق بينهما بحرف التّأنيث، كالقربة والقربى. وهي: انطباع الصّورة المنحدرة من أفق المتخيلّة إلى الحسّ المشترك. والصّادقة منها يكون باتّصال النّفس بالملكوت، لما بينهما من التّناسب، عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ، فتتصوّر بما فيها ممّا يليق بها من المعاني الحاصلة هناك. ثمّ إنّ المتخيّلة تحاكيه بصورة تناسبه، فترسلها إلى الحسّ المشترك، فتصير مشاهدة. ثمّ إن كانت شديدة المناسبة، لذلك المعنى، بحيث لا يكون التّفاوت إلّا بالكلّيّة والجزئيّة، استغنت الرّؤيا عن التّعبير، وإلّا احتاجت إليه.
وإنّما عدّي كاد باللّام ـ وهو متعدّ بنفسه ـ لتضمينه معنى فعل يعدّى به، تأكيدا. ولذلك أكّد بالمصدر، وعلّله بقوله :
( إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) (٥): ظاهر العداوة، لما فعل بآدم وحوّاء. فلا يألوا جهدا في تسويلهم وإثارة الحسد فيهم، حتّى يحملهم على الكيد.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : حدّثني أبي، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ: [أنّه كان من خبر يوسف أنّه](٣) كان له أحد عشر أخا. وكان له من أمّه أخ واحد يسمّى «بنيامين». وكان يعقوب إسرائيل الله ـ أي: خالص الله ـ ابن إسحاق نبيّ الله ابن إبراهيم خليل الله. فرأى يوسف هذه الرّؤيا وله تسع سنين. فقصّها على أبيه. فقال يعقوب:( يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ ) (الآية).
واعلم أنّ(٤) ما دلّ عليه هذا الحديث من كون يوسف وبنيامين من أمّ واحدة، هو المشهور رواه العيّاشي وغيره(٥) ، إلّا أنّ العيّاشي(٦) روى رواية أخرى بأنّه ابن خالته. وفي
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٧.
(٢) تفسير القميّ ١ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠.
(٣) من المصدر.
(٤) ليس في أ، ر.
(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ١٨٤، ضمن ح ٤٥، وتفسير القمّي ١ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠، وأمالي الصدوق / ٢٠٦، ضمن ح ٧.
(٦) تفسير العيّاشي ٢ / ١٩٧، ذيل ح ٨٤.