تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٧
0%
مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
المحقق: حسين درگاهى
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 532
مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
المحقق: حسين درگاهى
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 532
تفسير
سُورَةِ النّحل
سورة النّحل
مكّيّة، غير ثلاث آيات في آخرها. وهي مائة [وثمان](١) وعشرون آية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
في كتاب ثواب الأعمال(٢) ، بإسناده إلى أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: من قرأ سورة النّحل في كلّ شهر، كفي المغرم في الدّنيا وسبعين نوعا من أنواع البلاء(٣) ، أهونه الجنون والجذام والبرص، وكان مسكنه في جنّة عدن وهي وسط الجنّان.
وفي مجمع البيان(٤) : أبي بن كعب عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: من قرأها، لم يحاسبه الله ـ تعالى ـ بالنّعم الّتي أنعمها عليه في دار الدّنيا(٥) . وإن مات في يوم تلاها أو ليلته، اعطي(٦) . من الأجر، كالّذي مات وأحسن الوصيّة.
( أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) قيل(٧) : كانوا يستعجلون ما أوعدهم الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ من قيام السّاعة أو إهلاك الله ـ تعالى ـ إيّاهم، كما فعل يوم بدر، استهزاء وتكذيبا، ويقولون: إن صحّ ما
__________________
(١) من أنوار التنزيل ١ / ٥٤٨.
(٢) ثواب الأعمال / ١٣٣، ح ١.
(٣) المصدر: البلا [يا].
(٤) المجمع ٣ / ٣٤٧.
(٥) المصدر: في دار الدنيا وأعطى من الأجر كالّذي كالّذي مات وأحسن الوصية وإن مات الخ.
(٦) المصدر: «كان له» بدل «أعطى».
(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٨.
يقوله(١) ، فالأصنام تشفع لنا وتخلّصنا. فنزلت.
والمعنى: أنّ الأمر الموعود به بمنزلة الآتي المتحقّق، من حيث أنّه واجب الوقوع، فلا تستعجلوا وقوعه، فإنّه لا خير لكم فيه ولا خلاص لكم عنه.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : قال: نزلت لـمّـا سألت قريش رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن ينزّل عليهم العذاب.
وفي تفسير العيّاشي(٣) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ: إنّ الله إذا أخبر(٤) أنّ شيئا كائن، فكأنّه قد كان.
وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(٥) ، بإسناده إلى ابان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ: أوّل من يبايع القائم جبرئيل، ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه. ثمّ يضع رجلا على بيت الله الحرام ورجلا على بيت المقدس، ثمّ ينادي بصوت ذلق(٦) تسمعه الخلائق:( أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) .
عن عليّ(٧) بن مهزيار(٨) ، عن القائم ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. فيه أنّه ـ عليه السّلام ـ تلا:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ،( أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ) .
فقلت: سيّدي يا ابن رسول الله، ما الأمر؟
قال: نحن أمر الله وجنوده(٩) .
وروى الشّيخ المفيد(١٠) في كتاب الغيبة، بإسناده: عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية قال: هو أمرنا، يعني: قيام قائمنا آل محمّد. أمرنا الله أن لا نستعجل به، فيؤيّده إذا أتى ثلاثة: جنود الملائكة، والمؤمنون، والرّعب.
وخروجه ـ عليه السّلام ـ، كخروج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من مكّة. وهو قوله :
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: تقول.
(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٨٢.
(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٥٤.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: إذا اجز الله.
(٥) كمال الدين / ٦٧١، ح ١٨.
(٦) المصدر: طلق. والذّلق: الفصيح.
(٧) كمال الدين / ٤٦٩ ـ ٤٧٠.
(٨) بعض نسخ المصدر: علي بن إبراهيم بن مهزيار.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ: «فلا تستعجلوه» بدل «وجنوده».
(١٠) تفسير البرهان ٢ / ٣٥٩، ذيل ح ١ عنه.
( كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ ) .
( سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (١): تبرّأ وجلّ عن أن يكون له شريك، فيدفع ما أراد بهم.
وقرأ(١) حمزة والكسّائي، بالتّاء، على وفق قوله:( فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) . والباقون، بالياء، على تلوين الخطّاب، أو على أنّ الخطّاب للمؤمنين، أو لهم ولغيرهم لما نقل: أنّه لـمّـا نزلت( أَتى أَمْرُ اللهِ ) فوثب النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ورفع النّاس رؤوسهم، فنزلت( فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) .
( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ ) قيل(٢) : بالوحي. أو القرآن، فإنّه يحيى به القلوب الميّتة بالجهل، أو يقوم في الدّين مقام الرّوح في الجسد.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) ، يعني: بالقوّة الّتي جعلها الله فيهم.
وعن أبي جعفر(٤) ـ عليه السّلام ـ يقول: بالكتاب والنّبوّة.
وقرأ(٥) ابن كثير وأبو عمرو: «وينزل» من أنزل.
وعن يعقوب(٦) ، مثله. وعنه: «تنزّل»، بمعنى: تتنزّل.
وقرأ(٧) أبو بكر: «تنزّل» على المضارع المبنيّ للمفعول، من التّنزيل.
( مِنْ أَمْرِهِ ) : بأمره. أو من أجله.
( عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) : أن يتّخذه رسولا.
وفي أصول الكافي(٨) : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط، عن الحسين بن أبي العلا، عن سعد الإسكاف قال: أتى رجل أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يسأله عن الرّوح: أليس هو جبرئيل؟
فقال له أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ: جبرئيل من الملائكة والرّوح غير جبرئيل [فكرّر ذلك على الرّجل.
فقال له: لقد قلت عظيما من القول، ما أحد يزعم أنّ الرّوح غير جبرئيل.](٩)
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٨.
(٢) نفس المصدر والموضع.
(٣ و ٤) تفسير القمّي ١ / ٣٨٢.
(٥ و ٦ و ٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٨.
(٨) الكافي ١ / ٢٧٤، ح ٦.
(٩) من المصدر.
فقال له أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ: إنّك ضالّ تروي عن أهل الضّلال. يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ لنبيّه:( أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ، يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ ) . والرّوح غير الملائكة ـ عليهم السّلام ـ.
وفي كتاب بصائر الدّرجات(١) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن هذه الآية.
فقال: جبرئيل الّذي نزل على الأنبياء، والرّوح يكون معهم ومع الأوصياء لا يفارقهم يفقّههم ويسدّدهم من عند الله. (الحديث).
( أَنْ أَنْذِرُوا ) : بأن أنذروا، أي: أعلموا. من أنذرته(٢) بكذا: إذا أعلمته.
( أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ) (٢): أنّ الشّأن لا إله إلّا أنا فاتّقون. أو خوّفوا أهل الكفر والمعاصي، بأنّه لا إله إلّا أنا.
قوله: «فاتّقون» رجوع إلى مخاطبتهم بما هو المقصود.
و «أن» قيل(٣) : هي مفسّرة، لأنّ الرّوح بمعنى الوحي الدّالّ على القول. أو مصدريّة في موضع الجرّ بدلا من الرّوح، أو النّصب بنزع الخافض. أو مخفّفة من الثّقيلة.
( خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (٣): منهما، أو ممّا يفتقر في وجوده أو بقائه إليهما وممّا لا يقدر على خلقهما.
( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ ) : جماد لا حسّ لها ولا حراك، سيّالة لا تحفظ الوضع والشّكل.
( فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ ) : منطيق مجادل.
( مُبِينٌ ) (٤): للحجّة. أو خصيم مكافح لخالقه قائل:( مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) .
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : قال: خلقه من قطرة ماء منتن، فيكون خصيما متكلّما بليغا.
( وَالْأَنْعامَ ) : الإبل والبقر والغنم.
وانتصابها بمضمر يفسّره:( خَلَقَها لَكُمْ ) ، أو بالعطف على «الإنسان».
و( خَلَقَها لَكُمْ ) بيان ما خلقت لأجله. وما بعده تفصيل له.
__________________
(١) بصائر الدرجات / ٤٨٣، ح ١.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٨: نذرت.
(٣) نفس المصدر والموضع.
(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٨٢.
( فِيها دِفْءٌ ) .
«الدّفء» اسم لما يدفأ به، فيقي البرد(١) ، كما أنّ الملأ اسم لما يملأ به. وهو الدّفاء من لباس معمول من صوف أو وبر.
وفي كتاب الخصال(٢) : عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال: سئل النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ: أيّ المال خير؟
قال: زرع زرعه صاحبه وأدّى حقّه يوم حصاده.
قيل: وأيّ مال بعد الزّرع خير؟
قال: رجل في غنمه(٣) قد تبع بها مواقع(٤) القطر، يقيم الصّلاة ويؤتي الزّكاة.
قيل: فأيّ المال بعد الغنم خير؟
قال: البقر تغدو بخير(٥) وتروح بخير.
قيل: فأيّ المال بعد البقر خير؟
قال: الرّاسيات(٦) في الوحل المطعمات في المحل(٧) . نعم المال النّخل. من باعه، فإنّما ثمنه بمنزلة رماد على شاهقة(٨) اشتدّت به الرّيح في يوم عاصف، إلّا أن يخلف مكانها.
قيل: يا رسول الله، فأيّ المال بعد النّخل خير؟
فسكت.
فقال له الرّجل: فأين الإبل؟
قال: فيها الشّقاء والجفاء والعناء وبعد الدار(٩) ، تغدو مدبرة [وتروح مدبرة](١٠) ، لا يأتي خيرها إلّا من جانبها الأشأم.
__________________
(١) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٥٤٩. وفي النسخ :
فيقي الحرّ والبرد.
(٢) الخصال ١ / ٢٤٥، ح ١٠٥.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: غنيمة.
(٤) المصدر: المواضع.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: «تفد وتجيء» بدل «تفد وبخير».
(٦) الراسيات: الثابتات في أماكنها لا تزول لعظمها.
(٧) المحل: الشدة والجدب وانقطاع المطر ويبس الأرض من الكلأ.
(٨) المصدر: على رأس شاهقة.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ: الواد.
(١٠) من المصدر.
عن أبي عبد الله(١) ، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ ـ عليهم السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: الغنم إذا أقبلت، أقبلت. وإذا أدبرت، أقبلت. والبقر إذا أقبلت، أقبلت. وإذا أدبرت، أدبرت. والإبل أعناق الشّياطين، إذا أقبلت، أدبرت. وإذا أدبرت، أدبرت. ولا يجيء خيرها إلّا من جانب الأشأم.
قيل: يا رسول الله، فمن يتّخذها بعد ذا؟
قال: فأين الأشقياء الفجرة؟
عن الحارث(٢) قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: عليكم بالغنم والحرث، فإنّهما يروحان بخير ويغدوان بخير. قال: فقيل له: يا رسول الله، فأين الإبل؟
قال: تلك أعناق الشّياطين، ويأتي خيرها من الجانب الأشأم.
قيل: يا رسول الله، إن سمع النّاس بذلك تركوها.
فقال إذا لا يعدمها الأشقياء الفجرة.
عن أمير المؤمنين(٣) ـ عليه السّلام ـ: أفضل ما يتّخذه الرّجل في منزله لعياله الشّاة.
فمن كان في منزله شاة، قدّست عليه الملائكة [في كلّ يوم مرّة ومن كانت عنده شاتان، قدست عليه الملائكة](٤) مرتين في كلّ يوم، وكذلك في الثّلاث. تقول: بورك فيكم.
عن الحسن بن مصعب(٥) قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ: إنّ لله ـ تعالى ـ في كلّ يوم وليلة ملكا ينادي: مهلا مهلا عباد الله عن معاصي الله، فلولا بهائم رتّع وصبية رضّع وشيوخ ركّع، لصبّ عليكم العذاب صبّا وترضّون بها رضّا.
( وَمَنافِعُ ) : نسلها ودرّها وظهورها. وإنّما عبّر عنها بالمنافع، ليتناول عوضها وللاختصار.
( وَمِنْها تَأْكُلُونَ ) (٥)، أي: تأكلون ما يؤكل منها، كاللّحوم والشّحوم والألبان.
وتقديم الظّرف، للمحافظة على رؤوس الآي. أو لأنّ الأكل منها هو المعتاد
__________________
(١) الخصال ١ / ٢٤٦، ح ١٠٦.
(٢) الخصال ١ / ٤٥، ح ٤٤.
(٣) الخصال ٢ / ٦١٧.
(٤) من المصدر.
(٥) نفس المصدر والمجلّد / ١٢٨، ح ١٣١. وفيه: الحسين بن مصعب.
والمعتمد عليه في المعاش، وأمّا الأكل من سائر الحيوانات المأكولة فعلى سبيل التّداوي أو التّفكّه.
( وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ ) : تردّونها من مراعيها إلى مراحها بالعشيّ.
( وَحِينَ تَسْرَحُونَ ) (٦): تخرجونها بالغداة إلى المراعي. فإنّ الأفنية تتزيّن بها في الوقتين، ويجلّ أهلها في أعين النّاظرين إليها.
وتقديم الإراحة، لأنّ الجمال فيها أظهر. فإنّها تقبل ملأى البطون حافلة الضّروع، ثمّ تأوى إلى الحظائر حاضرة لأهلها.
وقرئ(١) : «حينا» على أنّ «تريحون» و «تسرحون» وصفان له، بمعنى: تريحون فيه وتسرحون فيه.
( وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ ) : أحمالكم.
( إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ ) إن لم تكن الأنعام ولم تخلق، فضلا عن أن تحملوها على ظهوركم إليه.
( إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ) : إلّا بكلفة ومشقّة.
وقرئ(٢) ، بالفتح. وهو لغة فيه.
وقيل(٣) : المفتوح مصدر شقّ الأمر عليه، وأصله: الصّدع. والمكسور، بمعنى: النّصف، كأنّه ذهب نصف قوته بالتّعب.
( إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) (٧): حيث رحمكم بخلقها، لانتفاعكم وتيسير الأمر عليكم.
وفي الكافي(٤) : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى [عن عبد الله بن يحيى](٥) الكاهليّ قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول ويذكر الحجّ، فقال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: هو أحد الجهادين، هو جهاد الضّعفاء ونحن الضّعفاء. أمّا إنّه ليس شيء أفضل من الحجّ إلّا الصّلاة. وفي الحجّ هاهنا صلاة، وليس في الصّلاة قبلكم حج. لا تدع الحجّ وأنت تقدر عليه. أما ترى أنّه يشعث(٦) رأسك ،
__________________
(١ و ٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٩.
(٤) الكافي ٤ / ٢٥٣، ح ٧.
(٥) من المصدر.
(٦) شعث رأسه: تفرّق شعره وجلده.
ويقشف(١) فيه جلدك، وتمتنع فيه من النّظر إلى النّساء. وإنّا نحن هاهنا ونحن قريب، ولنا مياه متّصلة ما نبلغ الحجّ حتّى يشقّ علينا، فكيف أنتم في بعد البلاد. وما من ملك ولا سوقة(٢) يصل إلى الحجّ، إلّا بمشقّة في تغيير مطعم أو مشرب أو ريح أو شمس لا يستطيع ردّها. وذلك قوله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ ) (الآية).
وفي كتاب علل الشّرائع(٣) : أبي ـ رحمه الله ـ قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان وفضالة، عن القاسم الكاهليّ قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يذكر الحجّ. وذكر، مثل ما نقلناه عن الكاهليّ سواء.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : وقوله:( وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ) .
قال: حين ترجع من المرعى.
قوله:( وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ) .
قال: إلى مكة والمدينة وجمع البلدان.
( وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ ) : عطف على «الأنعام».
( لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً ) : ولتتزيّنوا بها زينة.
وقيل(٥) : هي معطوفة على محلّ «لتركبوها». وتغيير النّظم لأنّ الزّينة بفعل الخالق والرّكوب ليس بفعله، ولأنّ المقصود من خلقها الرّكوب وأمّا التّزيّن بها فحاصل بالعرض.
وقرئ(٦) ، بغير واو. وعلى هذا يحتمل أن يكون علّة «لتركبوها»، أو مصدرا في موقع الحال من أحد الضّميرين، أي: متزيّنين، أو متزيّنا بها.
في تفسير العيّاشي(٧) : عن زرارة، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال: سألته عن أبوال الخيل [والبغال](٨) والحمير.
__________________
(١) القشف: رثاثة الهيئة وسوء الحال.
(٢) السوقة: الرعيّة.
(٣) العلل / ٤٥٧، ح ٢.
(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٨٢.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٩.
(٦) نفس المصدر والموضع.
(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٥٥.
(٨) من المصدر.
قال: نكرّهها(١) .
فقلت: أليس لحمها حلالا؟
فقال: أليس قد بيّن الله لكم( وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ ) . وقال: [في الخيل]( وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ ) (٢) ( وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً ) . فجعل للأكل الأنعام(٣) الّتي قصّ الله في الكتاب، وجعل للرّكوب الخيل والبغال والحمير. وليس لحومها بحرام، ولكن النّاس عافوها.
وفي الكافي(٤) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن غير واحد، عن أبان، عن زرارة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ الخيل كانت وحوشا في بلاد العرب، فصعد إبراهيم وإسماعيل ـ عليهما السّلام ـ على جبل جياد(٥) ثمّ صاحا: ألا هلا(٦) .
قال: فما بقي [فرس](٧) إلّا أعطاهما بيده، وأمكن من ناصيته.
عنه، عن(٨) عليّ بن الحكم، عن عمر بن أبان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة.
عنه(٩) ، عن ابن فضال، عن ثعلبة، عن معمّر، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: سمعته يقول: الخير كلّه معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة.
وفي كتاب علل الشّرائع(١٠) ، بإسناده إلى عبدوس بن أبي عبيدة قال: سمعت الرّضا ـ عليه السّلام ـ يقول: أوّل من ركب الخيل إسماعيل، وكانت وحشيّة لم تركب، فحشرها(١١) الله ـ عزّ وجلّ ـ على إسماعيل من جبل منى. وإنّما سمّيت الخيل: العراب، لأنّ أوّل من ركبها إسماعيل.
وبإسناده إلى محمّد بن يعقوب: عن عليّ بن محمّد بإسناده قال: قال علي ـ عليه
__________________
(١) كذا في بعض نسخ المصدر. وفي النسخ: فكرّهها.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: وقال في الخيل والبغال.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: فجعل الأكل من الأنعام.
(٤) الكافي ٥ / ٤٧، ح ١.
(٥) جياد: جبل بمكّة.
(٦) هلا، أي: اقربي.
(٧) من المصدر. (٨) الكافي ٥ / ٤٨، ح ٢.
(٩) نفس المصدر والموضع، ح ٣. (١٠) العلل ١ / ٣٩٣، ح ٥.
(١١) المصدر: لا تركب فسخرها.
السّلام ـ لبعض اليهود وقد سأله عن مسائل: أوّل من ركب الخيل قابيل يوم قتل أخاه هابيل. وأوّل من ركب البغل(١) ابن آدم ـ عليه السّلام ـ وذلك كان له ابن يقال له: معد، وكان عشوقا للدّوابّ. وأوّل من ركب الحمار حوّاء.
وفي كتاب الخصال(٢) : عن امّ الدرداء، عن أبي الدردا، قال(٣) : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: من أصبح معافي في جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه، فكأنّما حيزت له الدّنيا. يا بن آدم، يكفيك من الدّنيا ما سدّ جوعتك ووارى عورتك. فإن يكن بيت يكنّك، فذاك. وإن يكن دابّة تركبها، فبخ بخ فلق الخبز وماء الجرّ(٤) ، وما بعد ذلك حساب عليك أو عذاب.
عن نافع بن عبد الحارث(٥) قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: من سعادة المسلم سعة المسكن والجار الصّالح والمركب الهنيء.
عن أبي عبد الله(٦) ـ عليه السّلام ـ قال: سمعت أبي يحدّث، عن أبيه، عن جدّه قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: خمس لا أدعهنّ حتّى الممات: ركوب الحمار مردوفا(٧) . (الحديث).
وعن الإمام الباقر(٨) ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: خمس لست بتاركهنّ حتّى الممات: ركوب الحمار مردوفا(٩) . (الحديث).
عن يعقوب بن سالم(١٠) ، رفع الحديث إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: لا يرتدف(١١) ثلاثة على دابّة، فإنّ أحدهم ملعون، وهو المقدّم.
عن الحسين بن زيد(١٢) ، قال: بلغني أنّ الله ـ تعالى ـ خلق الخيل من أربعة أشياء :
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: الخيل.
(٢) الخصال ١ / ١٦١، ح ٢١١.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: عن امّ الدرداء، قالت.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: «فالخير وما الخير» بدل «فلق الخبز وماء الجرّ».
(٥) الخصال ١ / ١٨٣، ح ٢٥٢.
(٦) نفس المصدر والمجلّد / ٢٧١، ح ١٢. بتلخيص وحذف.
(٧) بعض نسخ المصدر: مؤكفا. وبعضها الآخر: مردفا.
(٨) الخصال ١ / ٢٧١، ح ١٣.
(٩) المصدر: مؤكفا.
(١٠) نفس المصدر والمجلّد / ٩٨، ح ٤٨.
(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ: لا يردف. (١٢) نفس المصدر والمجلّد / ٢٦٠، ح ١٣٧.
من البحر الأعظم المحدق بالدّنيا، ومن النّار، ومن دموع ملك يقال له: إبراهيم، ومن بئر طيبة.
( وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ ) (٨).
وقيل(١) : لـمّـا فصّل(٢) الحيوانات الّتي يحتاج إليها غالبا احتياجا ضروريّا أو غير ضروريّ، أجمل غيرها. ويجوز أن يكون إخبارا بأنّ له من الخلائق ما لا علم لنا به، وأن يراد به ما خلق في الجنّة والنّار ممّا لم يخطر على قلب بشر.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) : قال: العجائب الّتي خلقها في البرّ والبحر.
( وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) : بيان مستقيم الطّريق الموصل إلى الحقّ. أو إقامة السّبيل وتعديلها، رحمة وفضلا. أو عليه قصد السّبيل الّذي يصل إليه من يسلكه لا محالة.
يقال: سبيل قصد وقاصد، أي: مستقيم، كأنّه يقصد الوجه الّذي يقصده السّالك لا يميل عنه.
والمراد بالسّبيل: الجنس، ولذلك أضاف إليه القصد. وقال:( وَمِنْها جائِرٌ ) : مائل عن القصد، أو عن الله ـ تعالى ـ.
وتغيير الأسلوب لأنّه ليس بحقّ على الله ـ تعالى ـ أن يبيّن طريق الضّلالة، أو لأنّ المقصود بيان سبيله. وتقسيم السّبيل إلى القصد والجائر، إنّما جاء بالعرض.
وقرئ(٤) : «ومنكم جائر»، أي: عن القصد.
( وَلَوْ شاءَ ) : الله.
( لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) (٩)، أي: ولو شاء هدايتكم أجمعين لهداكم إلى قصد السّبيل هداية مستلزمة للاهتداء.
( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ) : من السّحاب، أو من جانب السّماء.
( ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ ) : ما تشربونه.
و «لكم» صلة «أنزل». أو خبر «شراب»، و «من» تبعيضيّة متعلّقة به.
وتقديمها يوهم حصر المشروب فيه ولا بأس به، لأنّ مياه العيون والآبار منه لقوله :
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٩.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: فصلت.
(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٨٢.
(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٥٠.
( فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ ) وقوله:( فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ) .
( وَمِنْهُ شَجَرٌ ) : ومنه يكون شجر.
قيل(١) : يعني: الشّجر الّذي ترعاه المواشي.
وقيل(٢) : كلّ ما ينبت على الأرض شجر. قال :
نعلفها اللّحم إذا عزّ الشّجر |
والخيل في إطعامها اللّحم ضرر |
( فِيهِ تُسِيمُونَ ) (١٠): ترعون. من سامت الماشية، وأسامها صاحبها.
وأصلها: السّومة، وهي العلامة. لأنّها تؤثر بالرّعي علامات.
( يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ ) وقرأ(٣) أبو بكر، بالنّون، على التّفخيم.
( وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ ) : وبعض كلّها، إذ لم ينبت في الأرض كلّ ما يمكن من الثّمرات.
قيل(٤) : ولعلّ تقديم ما يسام فيه على ما يؤكل منه، لأنّه سيصير غذاء حيوانيّا هو أشرف الأغذية. ومن هذا تقديم الزّرع، والتّصريح بالأجناس الثّلاثة، وترتيبها.
( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (١١): على وجود الصّانع وحكمته. فإنّ من تأمّل أنّ الحبّة تقع في الأرض، وتصل إليها نداوة تنفذ فيها فينشقّ أعلاها ويخرج منها ساق الشّجر، وينشقّ أسفلها فيخرج منها عروقها، ثمّ تنمو ويخرج منها الأوراق والأزهار والأكمام والثّمار، ويشتمل كلّ منها على الأجسام المختلفة الأشكال والطّبائع(٥) مع اتّحاد الموادّ ونسبة الطّبائع السّفليّة والتّأثيرات الفلكيّة إلى الكلّ، علم أنّ ذلك ليس إلّا بفعل فاعل مختار مقدّس عن منازعة الأضداد والأنداد.
( وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ ) : بأن هيّأها لمنافعكم.
( مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ ) : حال من الجميع، أي: نفعكم بها كونها مسخّرات لله خلقها لله ودبّرها كيف شاء. أو لما خلقن له بإيجاده وتقديره، أو لحكمه. وفيه إيذان بالجواب عمّا عسى أن يقال: إنّ المؤثّر في تكوين النّبات حركات الكواكب وأوضاعها ،
__________________
(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٥٠.
(٣ و ٤) نفس المصدر والموضع.
(٥) المصدر: أجسام مختلفة الأشكال والطباع.
فإنّ ذلك إن سلم فلا ريب في أنّها أيضا ممكنة الذّات والصّفات واقعة على بعض الوجوه المحتملة، فلا بدّ لها من موجد مخصّص مختار واجب الوجود دفعا للدّور والتسلسل.
أو مصدر ميميّ، جمع لاختلاف الأنواع(١) .
وقرأ(٢) حفص:( وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ ) على الابتداء والخبر، فيكون تعميما للحكم بعد تخصيصه. ورفع ابن عامر( الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ) أيضا.
( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (١٢): جمع الآية وذكر العقل، لأنّها تدلّ أنواعا من الدّلالة ظاهرة(٣) لذوي العقول السّليمة غير محوجة إلى استيفاء(٤) وفكر، كأحوال النّبات.
( وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ ) : عطف على «اللّيل»، أي: وسخر لكم ما خلق لكم فيها من حيوان ونبات.
( مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ) : أصنافه، فإنّها تتخالف باللّون غالبا.
( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ) (١٣): أنّ اختلافها في الطّبائع والهيئات والمناظر ليس إلّا بصنع صانع حكيم.
( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ ) : جعله بحيث تتمكّنون من الانتفاع به بالرّكوب والاصطياد والغوص.
( لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا ) : هو السّمك.
ووصفه بالطّراوة، لأنّه أرطب اللّحوم فيسرع إليه الفساد فيسارع إلى أكله، ولإظهار قدرته في خلقه عذبا طريّا في ماء زعاق.
( وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها ) ، كاللّؤلؤ والمرجان.
( وَتَرَى الْفُلْكَ ) : السّفن.
( مَواخِرَ فِيهِ ) : جواري فيه، تشقّه بحيزومها. من المخر، وهو شقّ الماء.
وقيل(٥) : صوت جري الفلك.
( وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ) : من سعة رزقه بركوبها للتّجارة.
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: النوع.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٥٠.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: الظاهرة.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: استئناف.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٥١.
( وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (١٤)، أي: تعرفون نعم الله، فتقومون بحقّها.
( وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ ) : جبالا ثوابت.
( أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ) : كراهة أن تميل بكم وتضطرب.
قيل: وذلك، لأنّ الأرض قبل أن تخلق فيها الجبال كانت كرة خفيفة بسيطة الطّبع، وكان من حقّها أن تتحرّك بالاستدارة، كالأفلاك أو أن تتحرّك بأدنى سبب للتّحريك. فلمّا خلقت الجبال على وجهها، تفاوتت جوانبها وتوجّهت الجبال بثقلها نحو المركز فصارت، كالأوتاد الّتي تمنعها عن الحركة.
وقيل(١) : لـمّـا خلق الله الأرض جعلت تمور، فقالت الملائكة: ما هي بمقرّ أحد على ظهرها. فأصبحت وقد أرسيت بالجبال.
وفي كتاب معاني الأخبار(٢) ، بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثوريّ: عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ: وأمّا «ق» فهو الجبل المحيط بالأرض وخضرة السّماء منه، وبه يمسك الله الأرض أن تميد بأهلها.
وفي أصول الكافي(٣) : أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ و(٤) محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: كان أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ باب الله الّذي لا يؤتى إلّا منه، وسبيله الّذي من سلك بغيره هلك. وكذلك يجري الأئمّة الهدى واحدا بعد واحد، جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بأهلها.
الحسين بن محمّد الأشعريّ(٥) ، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور القمّيّ، عن محمّد بن سنان قال: حدّثنا المفضّل قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول.
وذكر، كالحديث السّابق.
عليّ بن محمّد(٦) ومحمّد بن الحسين(٧) ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد، شباب الصّيرفي قال: حدّثنا سعيد الأعرج، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ. ثمّ ذكر مثله
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٥١.
(٢) المعاني / ٢٢ ـ ٢٣، ضمن ح ١.
(٣) الكافي ١ / ١٩٦، ح ١.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: بن.
(٥) الكافي ١ / ١٩٧، ذيل ح ١.
(٦) نفس المصدر والموضع، ح ٢.
(٧) المصدر: الحسن.
ـ أيضا ـ.
محمّد بن يحيى(١) وأحمد بن محمّد جميعا، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن حسّان قال: حدّثني أبو عبد الله الرّياحيّ، عن أبي الصّامت الحلوانيّ(٢) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ. ثمّ ذكر مثله ـ أيضا ـ بتغيير يسير.
وهذه الأحاديث الأربعة طويلة أخذت منها موضع الحاجة.
وفي كتاب الخصال(٣) : عن الصّادق، عن أبيه، عن جدّه(٤) ـ عليهم السّلام ـ: أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: [ما خلق الله ـ عزّ وجلّ ـ خلقا إلّا وقد أمّر عليه اخر يغلبه وذلك](٥) إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لـمّـا خلق البحار فخرت وزخرت وقالت: أيّ شيء يغلبني؟ فخلق الله الفلك فأدارها به وذلّلها. ثمّ أنّ الأرض فخرت وقالت: أيّ شيء يغلبني؟ فخلق الله الجبال فأثبتها في ظهرها أوتادا منعها من أن تميد بأهلها، وذلّت(٦) الأرض واستقرّت.
وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(٧) ، بإسناده إلى أبي هراسة: عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: لو أنّ الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها، كما يموج البحر بأهله.
وبإسناده(٨) إلى إبراهيم بن أبي محمود قال: قال الرّضا ـ عليه السّلام ـ ولا تخلو الأرض من قائم منّا ظاهر أو خاف(٩) . ولو خلت يوما بغير حجّة لماجت بأهلها، كما يموج البحر بأهله.
وبإسناده(١٠) له آخر إلى أبي هراسة: عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: لو أنّ الإمام رفع من الأرض لماجت بأهلها، كما يموج البحر بأهله.
وبإسناده(١١) إلى سليمان بن مهران الأعمش: عن الصّادق، جعفر بن محمّد، عن
__________________
(١) الكافي ١ / ١٩٧، ح ٣.
(٢) كذا في المصدر وجامع الرواة ٢ / ٣٩٤. وفي النسخ: أبي الصلت الحلوائيّ.
(٣) الخصال ١ / ٤٤٢، صدر ح ٣٤.
(٤) ليس في المصدر: عن جدّه.
(٥) من المصدر.
(٦) المصدر: منعها أن تميد بما عليها، فذلّت.
(٧) كمال الدين ١ / ٢٠٢، ح ٣.
(٨) كمال الدين ١ / ٢٠٢، ح ٦.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ: خفيّ.
(١٠) نفس المصدر والمجلّد / ٢٠٣، ح ٩.
(١١) كمال الدين ١ / ٢٠٧، ح ٢٢.
أبيه، محمّد بن عليّ، عن أبيه، عليّ بن الحسين ـ عليهم السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه: وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها(١) .
وبإسناده(٢) إلى الحسين بن عليّ بن أبي حمزة الثّماليّ: عن أبيه، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ، جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ: وبهم يمسك الله ـ عزّ وجلّ ـ السّماء أن تقع على الأرض إلّا بأذنه، وبهم يحفظ الأرض أن تميد بأهلها.
ويروى(٣) في الأخبار الصّحيحة عن أئمّتنا ـ عليهم السّلام ـ: أنّ من رأى رسول الله أو واحدا من الأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ قد دخل مدينة أو قرية في منامه، فإنّه أمن لأهل تلك المدينة أو القرية ممّا يخافون ويحذرون، وبلوغ لما يأملون ويرجون.
( وَأَنْهاراً ) : وجعل فيها أنهارا. لأنّ «ألقى» فيه معناه.
( وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (١٥): لمقاصدكم، أو إلى معرفة الله ـ تعالى ـ.
( وَعَلاماتٍ ) : معالم يستدلّ بها السّابلة، من جبل ومنهل وريح ونحوها.
( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (١٦): باللّيل في البراري والبحار. والمراد بالنّجم: الجنس. ويدلّ عليه قراءة: «وبالنّجم» بضمّتين، وضمّة وسكون على الجمع.
وقيل(٤) : الثّريّا، والفرقدان، وبنات نّعش، والجدي.
قيل(٥) : ولعلّ الضّمير لقريش، لأنّهم كانوا كثير الأسفار للتّجارة مشهورين بالاهتداء في مسايرهم بالنّجوم.
وإخراج الكلام عن سنن الخطاب وتقديم النّجم وإقحام الضّمير، للتّخصيص، كأنّه قيل: وبالنّجم هؤلاء خصوصا يهتدون. فالاعتبار بذلك والشّكر عليه ألزم لهم وأوجب عليهم.
وفي أصول الكافي(٦) : الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلّى بن محمّد، عن أبي داود المسترق قال: حدّثنا داود الجصّاص قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول:( وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) .
__________________
(١) بعض نسخ المصدر: أن تمور بأهلها.
(٢) نفس المصدر والمجلّد / ٢٥٩، ذيل ح ٣.
(٣) كمال الدين ١ / ٢١٠.
(٤ و ٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٥١.
(٦) الكافي ١ / ٢٠٦، ح ١.
قال: النجم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. و «العلامات» الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.
الحسين بن محمّد(١) ، عن معلى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أسباط بن سالم قال: سأل الهيثم أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ وأنا عنده عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) .
[فقال: رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ النّجم. و «العلامات» الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.
الحسين بن محمّد(٢) ، عن معلى بن محمد عن الوشاء قال: سألت الرّضا ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) ](٣) .
قال: نحن العلامات، والنّجم رسول الله.
وفي كتاب المناقب(٤) لابن شهر آشوب: داود الجصّاص، عن الصّادق. والوشّاء عن الرّضا ـ عليهما السّلام ـ: «النّجم» رسول الله. و «العلامات» الأئمّة.
عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ: قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ ـ عليه السّلام ـ: أنت نجم بني هاشم.
وعنه(٥) قال ـ عليه السّلام ـ: أنت أحد العلامات.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : حدّثني أبي، عن النّضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن معلى بن خنيس، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: «النّجم» رسول الله. و «العلامات» الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.
حدّثني(٧) أبي، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له:( وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ ) .
قال: «النّجم» رسول الله. وقد سمّاه الله ـ عزّ وجلّ ـ في غير موضع، فقال:( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) . وقال:( وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) . فالعلامات الأوصياء ،
__________________
(١) الكافي ١ / ٢٠٧، ح ٢.
(٢) نفس المصدر والموضع، ح ٣.
(٣) من المصدر.
(٤) المناقب ٤ / ١٧٨.
(٥) نفس المصدر والموضع.
(٦) تفسير القمّي ١ / ٣٨٣.
(٧) تفسير القمّي ٢ / ٣٤٣.
والنّجم رسول الله.
والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وفي مجمع البيان(١) : وروى أبو الجارود، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ(٢) : إنّ الله جعل النّجوم أمانا لأهل السّماء، وجعل أهل بيتي أمانا لأهل الأرض.
وفي أمالي شيخ الطّائفة(٣) ـ قدّس سرّه ـ بإسناده إلى أبي بصير: عن أبي عبد الله، جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ:( وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) .
قال: «النّجم» رسول الله.
و «العلامات» الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.
وفي تفسير العيّاشي(٤) : عن المفضّل بن صالح، عن بعض أصحابه، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قوله:( وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) .
قال: هو أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.
عن محمّد بن الفضيل(٥) ، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ تعالى ـ:( وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) .
قال: نحن العلامات. والنجم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
[عن إسماعيل بن أبي زياد(٦) ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ :](٧) ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) . قال: هو الجدي. لأنّه نجم لا يزول، وعليه بناء القبلة، وبه يهتدون أهل البرّ والبحر.
[عن إسماعيل بن أبي زياد(٨) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله:( وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) .
__________________
(١) المجمع ٣ / ٣٥٤.
(٢) المصدر: وقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ نحن العلامات والنجم رسول الله وقال» بدل «وروى قال رسول الله صلّى الله عليه وآله».
(٣) أمالي الطوسي ١ / ١٦٤.
(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٥٥، ح ٧.
(٥) نفس المصدر والموضع، ح ١٠.
(٦) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٥٦، ح ١٢.
(٧) من المصدر.
(٨) نفس المصدر والموضع، ح ١٣.