تفسير نور الثقلين الجزء ٣

تفسير نور الثقلين9%

تفسير نور الثقلين مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 643

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 643 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 266707 / تحميل: 8766
الحجم الحجم الحجم
تفسير نور الثقلين

تفسير نور الثقلين الجزء ٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من قرء سورة الكهف في كل ليلة جمعة لم يمت إلّا شهيدا، ويبعثه الله من الشهداء، ووقف يوم القيامة مع الشهداء.

٢ ـ في الكافي الحسين بن محمد عن عبد الله بن عامر عن علي بن مهزيار عن أيوب بن نوح عن محمد بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : من قرء سورة الكهف في كل ليلة جمعة كانت كفارة ما بين الجمعة إلى الجمعة، قال: وروى غيره أيضا فيمن قرأها يوم الجمعة بعد الظهر والعصر مثل ذلك.

٣ ـ في مجمع البيان أبي بن كعب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من قرأها فهو معصوم ثمانية أيام من كل فتنة، فان خرج الدجال في الثمانية أيام عصمه الله من فتنة الدجال.

٤ ـ سمرة بن جندب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من قرء عشر آيات من سورة الكهف لم يضره فتنة الدجال، ومن قرء السورة كلها دخل الجنة.

٥ ـ وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ألآ أدلكم على سورة شيعها سبعون ألف ملك حين نزلت، ملاءت عظمتها ما بين السماء والأرض؟ قالوا: بلى، قال: سورة أصحاب الكهف من قرأها يوم الجمعة غفر الله له إلى الجمعة الاخرى وزيادة ثلثة أيام، واعطى

٢٤١

نورا يبلغ السماء ووقى فتنة الدجال.

٦ ـ وروى الواحدي باسناده عن أبي الدرداء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من حفظ عشر آيات من سورة الكهف كانت له نورا يوم القيامة.

٧ ـ وروى أيضا باسناده عن سعيد بن محمد الجرمي عن أبيه عن جده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من قرء الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى سنة من كل فتنة تكون فان خرج الدجال عصم منه.

٨ ـ في عيون الاخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من خبر الشامي وما سئل عنه أمير المؤمنينعليه‌السلام في جامع الكوفة حديث طويل وفيه وسأله كم حج آدم من حجة؟ فقال له: سبعين حجة ماشية على قدمه، وأول حجة حجها كان معه الصرد يدله على مواضع الماء، وخرج معه من الجنة وقد نهى عن أكل الصرد والخطاف، وسأله: ما باله لا يمشى؟ فقال: لأنه ناح على بيت المقدس فطاف حوله أربعين عاما يبكى عليه، ولم يزل يبكى مع آدمعليه‌السلام ، فمن هناك سكن البيوت، ومعه تسع آيات من كتاب الله تعالى مما كان آدم يقرأ بها في الجنة، وهي معه إلى يوم القيمة، ثلاث آيات من أول الكهف، وثلاث آيات من سبحان،( فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ) وثلاث آيات من يس( وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ) .

٩ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً، قَيِّماً ) قال: هذا مقدم ومؤخر، لان معناه( الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ ) قيما( وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً ) ، فقد قدم حرف، على حرف.

١٠ ـ في تفسير العيّاشي عن البرقي عمن رواه رفعه عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام ( لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ ) قال: البأس الشديد على وهو لدن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قاتل معه عدوه، فذلك قوله( لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ ) .

١١ ـ عن الحسن بن صالح قال: قال لي أبو جعفرعليه‌السلام : لا تقرأ يبشر، انما

٢٤٢

ـ البشر بشر الأديم، قال: فصليت بعد ذلك خلف الحسن فقرأ تبشر.

١٢ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم و( يُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ) قال: قالت قريش حين زعموا ان الملائكة بنات اللهعزوجل وما قالت اليهود والنصارى في قولهم عزير ابن الله والمسيح ابن الله، فرد اللهعزوجل عليهم فقال:( ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً ) .

١٣ ـ وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قولهعزوجل :( فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ ) يقول: قاتل( نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ ) .

١٤ ـ في روضة الكافي كلام لعليّ بن الحسينعليه‌السلام في الوعظ والزهد في الدنيا يقول فيهعليه‌السلام : واعلموا ان الله لم يحب زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه، ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها، وانما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملا لآخرته.

١٥ ـ في الخرائج والجرائح عن المنهال بن عمرو قال: والله أنا رأيت رأس الحسينعليه‌السلام حين حمل وأنا بدمشق، وبين يديه رجل يقرأ الكهف حتّى بلغ قوله:( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) فأنطق الله تعالى الرأس بلسان ذرب طلق قال: أعجب من أصحاب الكهف حملي وقتلى.

١٦ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب وروى أبو مخنف عن الشعبي أنّه صلب رأس الحسين بالصياف في الكوفة فتنحنح الرأس وقرء سورة الكهف إلى قوله:( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً ) وسمع أيضا يقرأ:( أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) .

١٧ ـ في أصول الكافي عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام ابن سالم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف، أسروا الايمان وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرتين.

٢٤٣

١٨ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسن بن عليّ عن درست الواسطي قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما بلغت تقية أحد تقية أصحاب الكهف، إذ كانوا يشهدون الأعياد ويشدون الزنانير(١) فأعطاهم الله أجرهم مرتين.

١٩ ـ في تفسير العيّاشي عن عبيد الله بن يحيى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه ذكر أصحاب الكهف فقال: لو كلفكم قومكم ما كلفهم قومهم؟ فقيل له: وما كلفهم قومهم؟ فقال: كلفوهم الشرك بالله العظيم فأظهر والهم الشرك، وأسروا الايمان حتّى جاءهم الفرج.

٢٠ ـ عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الايمان وأظهروا الكفر فآجرهم الله.

٢١ ـ عن محمد عن أحمد بن عليّ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله:( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) قال: هم قوم فروا وكتب ملك ذلك الزمان بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم في صحف من رصاص، فهو قوله:( أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ ) .

٢٢ ـ عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: خرج أصحاب الكهف على غير معرفة ولا ميعاد، فلما صاروا في الصحراء أخذ بعضهم على بعض العهود والمواثيق، يأخذ هذا على هذا وهذا على هذا، ثم قالوا: أظهروا أمركم فاظهروه فاذا هم على أمر واحد.

٢٣ ـ عن الكاهلي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الايمان وأظهروا الكفر، وكانوا على جهار الكفر أعظم أجرا منهم على الأسرار بالايمان.

٢٤ ـ عن سليمان بن جعفر النهدي قال: قال جعفر بن محمد: يا سليمان من الفتى؟ قال: قلت: جعلت فداك الفتى عندنا الشاب، قال لي: أما علمت ان أصحاب الكهف كانوا كلهم كهولا فسماهم الله فتية بايمانهم، يا سليمان من آمن بالله واتقى

__________________

(١) جمع الزنار.

٢٤٤

ـ هو الفتى.

٢٥ ـ في روضة الكافي عليّ بن إبراهيم رفعه قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لرجل: ما الفتى عندكم؟ فقال له: الشاب، فقال: لا، الفتى المؤمن، ان أصحاب الكهف كانوا شيوخا فسما هم اللهعزوجل فتية بايمانهم.

٢٦ ـ في من لا يحضره الفقيه وروى عن سدير الصيرفي قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : حديث بلغني عن الحسن البصري فان حقا فإنا لله وانا إليه راجعون، قال: وما هو؟ قلت: بلغني ان الحسن كان يقول: لو غلى دماغه من حر الشمس ما استظل بحائط صيرفي ولو تفرثت كبده(١) عطشا لم يستسق من دار صيرفي ماءا وهو عملي وتجارتي، وعليه نبت لحمى ودمي ومنه حجتي وعمرتي قال: فجلسعليه‌السلام ثم قال: كذب الحسن خذ سواء وأعط سواء، وإذا حضرت الصلوة فدع ما بيدك وانهض إلى الصلوة، أما علمت ان أصحاب الكهف كانوا صيارفة يعنى صيارفة الكلام، ولم يعن صيارفة الدراهم(٢) .

__________________

(١) تفرث: تفرق.

(٢) أقول: الصرف هو بيع النقود كبيع الذهب بالفضة أو الدينار بالدرهم وصيارفة جمع الصير في وهو النقاد والهاء للنسبة، ثمّ إنَّ المشهور كراهية بيع الصرف لأنه يفضي إلى المحرم أو المكروه غالبا، ولعل هذا الخبر إنّما ورد ردا على من برى إباحته متمسكا بعمل أصحاب الكهف.

وقال المجلسي (ره) بعد نقل هذا الخبر: لعله عليه‌السلام إنّما ذكر ذلك إلزاما عليهم حيث ظنوا انهم كانوا صيارفة الدراهم «انتهى» قد رواه الصدوق (ره) في الفقيه وليس فيما رواه قوله: «يعنى صيارفة كلام اه» كما ان الظاهر أنّهمن كلام الراوي أو الكليني (ره) نعم ورد في بعضها التصريح بأنهم صيارفة الكلام كما في حديث العيّاشي ثم قال الصدوق (ره) بعد نقل الحديث: يعنى صيارفة الكلام ولم يعن صيارفة الدراهم «انتهى» وذكر المجلسي (ره) في وجه حمل الصدوق (ره) الخبر على هذا المعنى وجوها يطول المقام بذكرها، وعلى الطالب أن يراجع البحار.

وعن بعض شراح الحديث: أنّ المعنى كأنَّ الامام عليه‌السلام قال لسدير: مالك ولقول*

٢٤٥

٢٧ ـ في تفسير العيّاشي عن درست عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه ذكر أصحاب الكهف فقال: كانوا صيارفة كلام، ولم يكونوا صيارفة دراهم.

٢٨ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى محمد بن إسمعيل القرشي عمن حدثه عن إسمعيل بن أعبل عن أبيه عن أبي رافع عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل قال فيه بعد ان ذكر عيسى، ثم يحيى بن زكريا، ثم العزيز ثم دانيال، ثم مكيخا ابن دانيالعليهم‌السلام وملوك زمانهم، فعند ذلك ملك سابور بن هرمز اثنين وسبعين سنة، وهو أول من عقد التاج ولبسه، وولى أمر اللهعزوجل يومئذ وهو الشواء بن مكيخا، وملك بعد أردشير أخو شابور سنتين، وفي زمانه بعث الله الفتية أصحاب الكهف والرقيم، وولى أمر الله في الأرض يومئذ دستجا بن لشوا بن مكيخا.

٢٩ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وقوله:عزوجل :( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) يقول: قد اتيناك من الآيات ما هو أعجب منه، وهم فتية كانوا في الفترة بين عيسى بن مريمعليهما‌السلام ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واما الرقيم فهما لوحان من نحاس مرقوم مكتوب فيهما أمر الفتية وأمر إسلامهم، وما أراد منهم دقيانوس الملك، وكيف كان أمرهم وحالهم وقال عليّ بن إبراهيم فحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان سبب نزول سورة الكهف ان قريشا بعثوا ثلثة نفر إلى نجران: النضر بن الحارث بن كلدة، وعقبة بن أبي معيط، والعاص بن وائل السهمي، ليتعلموا من اليهود والنصارى مسائل يسألونها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرجوا إلى نجران إلى علماء اليهود، فسألوهم فقالوا: اسألوه عن ثلثة مسائل، فان أجابكم فيها

__________________

* الحسن البصري؟ أما علمت ان أصحاب الكهف كانوا صيارفة الكلام ونقدة الأقاويل، فانتقدوا ما قرع أسماعهم فاتبعوا الحق ورفضوا الباطل ولم يسمعوا أمانى أهل الضلال وأكاذيب رهط النفاهة، فأنت أيضا كن صيرفيا لما يبلغك من الأقاويل فانتقده آخذا بالحق رافضا للباطل وليس المراد انهم كانوا صيارفة الدراهم كما هو المتبادر إلى بعض الأوهام، لأنهم كانوا فتية من أشراف الروم مع عظم شأنهم وكبر خطرهم.

٢٤٦

على ما عندنا فهو صادق، ثم سلوه عن مسئلة واحدة، فان ادعى علمها فهو كاذب قالوا: وما هذه المسائل؟ قالوا: اسألوه عن فتية كانوا في الزمن الأول فخرجوا وغابوا وناموا كم بقوا في نومهم؟ حتّى انتبهوا، وكم كان عددهم، وأى شيء كان معهم من غيرهم وما كان قصتهم؟ واسئلوه عن موسىعليه‌السلام حين أمره اللهعزوجل أن يتبع العالم ويتعلم منه من هو، وكيف تبعه وما كان قصته معه؟ واسئلوه عن طائف طاف مغرب الشمس ومطلعها حتّى بلغ سد يأجوج ومأجوج من هو؟ وكيف كان قصته؟ ثم أملوا عليهم أخبار هذه الثلث المسائل، وقالوا لهم: إنْ أجابكم بما قد أملينا عليكم فهو صادق، وان أخبركم بخلاف ذلك فلا تصدقوه، قالوا: فما المسئلة الرابعة؟ قالوا: سلوه متى تقوم الساعة؟ فان ادعى علمها فهو كاذب، فان قيام الساعة لا يعلمها إلّا الله تبارك وتعالى. فرجعوا إلى مكة واجتمعوا إلى أبي طالب رضى الله عنه فقالوا: يا أبا طالب ان ابن أخيك يزعم ان خبر السماء يأتيه ونحن نسأله عن مسائل فان أجابنا عنها علمنا أنّه صادق وان لم يخبرنا علمنا أنّه كاذب، فقال أبو طالب: سلوه عما بدا لكم، فسألوه عن الثلث المسائل، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : غدا أخبركم ولم يستثن، فاحتبس الوحي عليه أربعين يوما، حتّى اغتم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وشك أصحابه الذين كانوا آمنوا به، وفرحت قريش واستهزؤا وآذوا وحزن أبو طالب، فلما كان بعد أربعين يوما نزل عليه سورة الكهف فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جبرئيل لقد أبطأت! فقال: انا لا نقدر ان ننزل إلّا بإذن الله تعالى، فأنزل اللهعزوجل : «أم حبست» يا محمّد( أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) ثم قصَّ قصتهم فقال:( إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إلى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً ) .

فقال الصادقعليه‌السلام :( أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا ) في زمن ملك جبار عات وكان يدعو أهل مملكته إلى عبادة الأصنام فمن لم يجبه قتله، وكانوا هؤلاء قوما مؤمنين يعبدون اللهعزوجل ، ووكل الملك بباب المدينة وكلاء ولم يدع أحدا يخرج حتى

٢٤٧

يسجد للأصنام، فخر جوا هؤلاء بعلة الصيد وذلك انهم مروا براع في طريقهم فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم وكان مع الراعي كلب، فأجابهم الكلب وخرج معهم، فقال الصادقعليه‌السلام : لا يدخل الجنة من البهائم إلّا ثلثة حمار بلعم بن باعور، وذئب يوسفعليه‌السلام وكلب أصحاب الكهف.

فخرج أصحاب الكهف من المدينة بعلة الصيد هربا من دين ذلك الملك، فلما أمسوا دخلوا إلى ذلك الكهف، والكلب معهم، فألقى اللهعزوجل عليهم النعاس، كما قال الله تبارك وتعالى:( فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ) فناموا حتّى أهلك اللهعزوجل الملك وأهل مملكته وذهب ذلك الزمان، وجاء زمان آخر وقوم آخرون ثم انتبهوا، فقال بعضهم لبعض: كم نمنا هاهنا فنظروا إلى الشمس قد ارتفعت فقالوا: نمنا يوما أو بعض يوم، ثم قالوا لواحد منهم: خذ هذه الورق وادخل في المدينة متنكرا لا يعرفوك، فاشتر لنا فإنهم ان علموا بنا وعرفونا قتلونا أو ردونا في دينهم، فجاء ذلك الرجل فرأى المدينة بخلاف الذي عهدها، وراى قوما بخلاف أولئك لم يعرفهم ولم يعرفوا لغته، ولم يعرف لغتهم، فقالوا له: من أنت ومن اين جئت فأخبرهم فخرج ملك تلك المدينة مع أصحابه والرجل معهم حتّى وقفوا على باب الكهف، فأقبلوا يتطلعون فيه فقال بعضهم: هؤلاء ثلثة ورابعهم كلبهم، وقال بعضهم: هم خمسة وسادسهم كلبهم، وقال بعضهم: هم سبعة وثامنهم كلبهم وحجبهم اللهعزوجل بحجاب من الرعب فلم يكن أحد يقدم بالدخول عليهم غير صاحبهم، فانه لما دخل عليهم وجدهم خائفين أن يكون أصحاب دقيانوس شعروا بهم، فأخبرهم صاحبهم انهم كانوا نائمين هذا الزمن الطويل، وأنهم آية للناس، فبكوا وسئلوا الله تعالى ان يعيدهم إلى مضاجعهم نائمين كما كانوا، ثم قال الملك: ينبغي ان يبنى هاهنا مسجد ونزوره فان هؤلاء قوم مؤمنون، فلهم في كل سنة نقلة نقلتان ينامون ستة أشهر على جنوبهم الأيمن وستة أشهر على جنوبهم الأيسر، والكلب معهم قد بسط ذراعيه بفناء الكهف(١) .

__________________

(١) «في كتاب سعد السعود لابن طاوس (ره) نقلا عن تفسير أبي إسحق إبراهيم بن محمّد*

٢٤٨

٣٠ ـ في مجمع البيان وقيل: أصحاب الرقيم هم النفر الثلاثة الذين دخلوا في غار، فانسد عليهم فقالوا: ليدع الله تعالى كل واحد منا بعمله حتّى يفرج الله عنا ففعلوا فنجاهم الله رواه النعمان بن بشير مرفوعا.

٣١ ـ في محاسن البرقي عنه عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن المفضل بن صالح عن جابر الجعفي يرفعه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خرج ثلثة نفر يسيحون في الأرض، فبينما هم يعبدون الله في كهف في قلة جبل حتّى بدت صخرة من أعلى الجبل حتّى التقمت باب الكهف، فقال بعضهم لبعض: عباد الله والله ما ينجيكم مما وقعتم إلّا أن تصدقوا الله، فهلم ما عملتم لله خالصا، فانما أسلمتم بالذنوب، فقال أحدهم: أللهمّ ان كنت تعلم أنّي طلبت امرأة لحسنها وجمالها فأعطيت فيها ما لا ضخما، حتّى إذا قدرت عليها وجلست منها مجلس الرجل من المرأة وذكرت النار، فقمت عنها فرقا منك، أللهمّ فارفع عنا هذه الصخرة، فانصدعت حتّى نظروا إلى الصدع ثم قال الآخر: أللهمّ ان كنت تعلم أنّي استأجرت قوما يحرثون كل رجل منهم بنصف درهم، فلما فرغوا أعطيتهم أجورهم، فقال أحدهم: قد علمت عمل اثنين والله لا آخذ إلّا درهما واحدا وترك ماله عندي فبذرت بذلك النصف الدرهم في الأرض فأخرج الله من ذلك رزقا، وجاء صاحب النصف

__________________

* القزويني باسناده إلى انس بن مالك قال: أهدى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بساط من قرية يقال لها بهندف، فقعد عليه على وأبو بكر وعمر وعثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليٍّ: يا عليُّ قل يا ريح احمل بنا، فقال عليٌّ: يا ريح احمل بنا فحمل بهم حتّى أتوا أصحاب الكهف، فسلّم أبو بكر وعمر فلم يردواعليهم‌السلام ، ثم قال عليٌّعليه‌السلام فسلم فردواعليه‌السلام ، فقال أبو بكر: يا عليُّ ما بالهم ردوا عليك ولم يردوا علينا ،؟ فقال لهم عليٌّعليه‌السلام فقالوا: انا لا نرد بعد الموت إلّا على نبي أو وصيّ نبي ثم قال عليٌّ: يا ريح حملينا لملتنا، ثم قال: يا ريح ضعينا فوضعنا، فركز برجله الأرض فتوضأ عليٌّ وتوضأنا ثم قال: يا ريح احملينا فحملتنا، فوافينا المدينة والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في صلوة الغداة وهو يقرأ:( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) فلما قضى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الصلوة قال: يا عليُّ أخبرونى عن مسيركم أم تحبون أن أخبركم؟ قالوا: بل تخبرنا يا رسول الله قال انس بن مالك: فقص القصة كأن معنا. منه عفى عنه» (عن هامش بعض النسخ)

٢٤٩

الدرهم فأراده فدفعت إليه ثمن عشرة آلاف، فان كنت تعلم إنّما فعلته مخافة منك فارفع عنا هذه الصخرة، قال: فانفرجت منهم حتّى نظر بعضهم إلى بعض، ثمّ إنَّ الآخر قال: أللهمّ ان كنت تعلم ان أبي وأمّي كانا نائمين فأتيتهما بقعب من لبن(١) فخفت ان أضعه أن تمج فيه هامة، وكرهت أن أوقظهما من نومهما، فيشق ذلك عليهما فلم أزل كذلك حتّى استيقظا وشربا، أللهمّ فان كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك فارفع عنا هذه الصخرة، فانفرج لهم حتّى سهل لهم طريقهم، ثم قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من صدق الله نجا.

قال مؤلف هذا الكتاب عفى عنه قولهعزوجل :( فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ) قد سبق له بيان في حديث علي بن إبراهيم.

٣٢ ـ في كتاب طب الأئمة عوذة للصبي إذا كثر بكائه ولمن يفزع بالليل، وللمرأة إذا سهرت من وجع( فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً ) حدّثنا أبو المغر الواسطي قال: حدّثنا محمد بن سليمان عن مروان بن الجهم عن محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام مأثورة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال ذلك.

٣٣ ـ في أصول الكافي عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن بكر بن صالح عن القاسم بن يزيد قال: حدّثنا أبو عمرو الزبيري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وذكر حديثا طويلا وفيه بعد أنْ قالعليه‌السلام : إنّ الله تبارك وتعالى فرض الايمان على جوارح ابن آدم وقسمه عليها، وفرقه فيها وبين ذلك، قلت: قد فهمت نقصان الايمان وتمامه فمن أين جاءت زيادته؟ فقال: قول اللهعزوجل :( وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إلى رِجْسِهِمْ ) وقال:( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً ) ولو كان كله واحدا لا زيادة فيه ولا نقصان، لم يكن لأحد منهم فضل على الآخر، ولاستوت النعم، ولا استوى الناس وبطل التفضيل، ولكن بتمام

__________________

(١) القعب: القدح الضخم الغليظ.

٢٥٠

الايمان دخل المؤمنون الجنة، وبالزيادة في الايمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله وبالنقصان دخل المفرطون النار.

٣٤ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قولهعزوجل :( لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً ) يعنى جورا على الله تعالى ان قلنا ان له شريكا.

٣٥ ـ في كتاب التوحيد حدّثنا علي بن عبد الله الوراق ومحمد بن عليّ السناني وعلى بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضى الله عنه قالوا حدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال: حدّثنا تميم بن بهلول عن أبيه عن جعفر بن سليمان النضري عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمدعليهم‌السلام عن قول اللهعزوجل :( مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً ) فقال: إنّ الله تبارك وتعالى يضل الظالمين يوم القيمة عن دار كرامته، ويهدى أهل الإيمان والعمل الصالح إلى جنته كما قال اللهعزوجل :( وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ ) وقال اللهعزوجل :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) .

قال مؤلف هذا الكتاب قولهعزوجل :( وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ ) وقولهعزوجل :( وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) قد سبق لهما بيان في حديث على ابن إبراهيم.

٣٦ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم حدثني أبي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أنّه قال: لا يدخل الجنة من البهائم إلّا ثلثة: حمارة بلعم، وكلب أصحاب الكهف والذئب، وكان سبب الذئب أنّه بعث ملك ظالم رجلا شرطيا ليحشر قوما من المؤمنين ويعذبهم، وكان للشرطي ابن يحبه، فجاء ذئب فأكل ابنه فحزن الشرطي عليه، فأدخل الله ذلك الذئب الجنة لما احزن الشرطي.

٣٧ ـ في تفسير العيّاشي عن محمد بن سنان البطيخي(١)

__________________

(١) وفي المصدر «عن محمد بن سنان عن البطيخي».

٢٥١

عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً ) قال: إنّ ذلك لم يعن به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما عنى به المؤمنون بعضهم لبعض لكنه حالهم التي هم عليها.

قال مؤلف هذا الكتاب عفى عنه: قولهعزوجل :( قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إلى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً ) قد سبق له بيان في حديث علي بن إبراهيم.

٣٨ ـ في محاسن البرقي عن إبراهيم بن عقبة عن محمد بن ميسر عن أبيه عن أبي جعفر أو عن أبي عبد اللهعليهما‌السلام في قول الله:( فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ) قال: أزكى طعاما التمر.

قال مؤلف هذا الكتاب عفى عنه: قولهعزوجل :( إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ) قد سبق له بيان في حديث علي بن إبراهيم.

٣٩ ـ في كتاب الاحتجاج الطبرسي (ره) عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : وقد رجع إلى الدنيا ممن مات خلق كثير، منهم أصحاب الكهف أماتهم الله ثلاثمائة عام، ثم بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث ليقطع حجتهم، وليريهم قدرته وليعلموا أنَّ البعث حقّ.

قال مؤلف هذا الكتاب عفى عنه:( لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً سَيَقُولُونَ ) ثلثة رابعهم كلبهم إلى قولهعزوجل : وثامنهم كلبهم قد سبق له بيان في حديث علي بن إبراهيم.

٤٠ ـ في روضة الواعظين للمفيدرحمه‌الله قال الصادقعليه‌السلام : يخرج مع القائمعليه‌السلام من ظهر الكعبة سبعة وعشرون رجلا، خمسة عشر من قوم موسىعليه‌السلام ، الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون وأبا دجانة الأنصاري، ومقداد ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصارا وحكاما. قال عز من قائل: فلا تمار فيهم الأمراء ظاهرا.

٤١ ـ في أصول الكافي عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن هارون بن مسلم عن مسعدة

٢٥٢

ابن صدقة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إياكم والمراء والخصومة فإنهما يمرضان القلوب على الاخوان وينبت عليهما النفاق.

٤٢ ـ وباسناده قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاث من لقى اللهعزوجل بهن دخل الجنة من أي باب شاء: من حسن خلقه وخشي الله في المغيب والمحضر، وترك المراء وان كان محقا.

٤٣ ـ وباسناده إلى عمار بن مروان قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : لا تمارين حليما ولا سفيها، فان الحليم يغلبك(١) والسفيه يؤذيك.

٤٤ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى إسمعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : انا زعيم(٢) ببيت في أعلى الجنة، وبيت في وسط الجنة، وبيت في رياض الجنة لمن ترك المراء وان كان محقا.

٤٥ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من يضمن أربعة بأربعة أبيات في الجنة: من أنفق ولم يخف فقرا، إلى قولهعليه‌السلام : وترك المراء وان كان محقا.

٤٦ ـ عن جعفر بن محمد عن أبيه،عليهما‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أربع خصال تميت القلب: الذنب على الذنب وكثرة منافثة النساء يعنى محادثتهن، ومماراة الأحمق تقول ويقول ولا يرجع إلى خير أبدا، الحديث.

٤٧ ـ في أصول الكافي عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن مرازم ابن حكيم قال مر أبو عبد اللهعليه‌السلام بكتاب في حاجة، فكتب ثم عرض عليه ولم يكن فيه استثناء، فقال: كيف رجوتم أنْ يتم هذا وليس فيه استثناء؟ انظروا كل موضع لا يكون فيه استثناء فاستثنوا فيه.

٤٨ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبي جميلة عن المفضل بن صالح عن محمد الحلبي وزرارة عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر و

__________________

(١) وفي النسخ «يقليك» ويوافقه المصدر أيضا وهو من القلى بمعنى البغض.

(٢) الزعيم: الكفيل.

٢٥٣

أبي عبد اللهعليهما‌السلام ، في قول اللهعزوجل :( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) قال: إذا حلف الرجل فنسي أنْ يستثني فليستثن.

٤٩ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد وعلى بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن أبي جعفر الأحول عن سلام بن المستنير عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَلَقَدْ عَهِدْنا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) قال: فقال: إنّ اللهعزوجل لما قال لآدم: ادخل الجنة قال له: يا آدم لا تقرب هذه الشجرة، قال: وأراه إياها؟ فقال آدم لربه: كيف أقربها وقد نهيتني عنها أنا وزوجتي؟ قال: فقال لهما: لا تقرباها يعنى لا تأكلا منها، فقال آدم وزوجته: نعم يا ربنا لم نقربها ولم نأكل منها ولم يستثنيا في قولهما نعم، فوكلهما الله في ذلك إلى أنفسهما والى ذكرهما، قال: وقد قال اللهعزوجل لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الكتاب:( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ) أنْ لا أفعله فتسبق مشية الله في أنْ لا افعله، فلا أقدر على أنْ أفعله، فلذلك قال اللهعزوجل :( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) أي استثن مشية الله في فعلك.

٥٠ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) قال: ذلك في اليمين، إذا قلت: والله لا أفعل كذا وكذا، فاذا ذكرت انك لم تستثن فقل إنشاء الله.

٥١ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمد الأشعرى عن ابن القداح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : الاستثناء في اليمين متى ما ذكر وان كان بعد أربعين صباحا، ثم تلا هذه الآية:( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) .

٥٢ ـ أحمد بن محمد عن علي بن الحسن عن علي بن أسباط عن الحسن بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) فقال: إذا حلفت على يمين ونسيت أنْ تستثنى فاستثن إذا ذكرت.

٥٣ ـ في من لا يحضره الفقيه وروى حمّاد بن عيسى عن عبد الله بن ميمون عن

٢٥٤

أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: للعبد أنْ يستثني ما بينه وبين أربعين يوما إذا نسي، إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتاه أناس من اليهود فسألوه عن أشياء، فقال لهم: تعالوا غدا أحدثكم ولم يستثن فاحتبس جبرئيلعليه‌السلام عنه أربعين يوما ثم أتاه فقال:( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) .

٥٤ ـ في تهذيب الأحكام باسناده إلى علي بن حديد عن مرازم قال: دخل أبو عبد اللهعليه‌السلام يوما إلى منزل معتب وهو يريد العمرة، فتناول لوحا فيه تسمية أرزاق العيال وما يخرج لهم، فاذا فيه لفلان وفلان وفلان وليس فيه استثناء، فقال: من كتب هذا الكتاب ولم يستثن فيه كيف ظن أنّه يتم؟ ثم دعا بالدواة فقال: الحق فيه إنشاء الله، فالحق فيه في كل اسم إنشاء الله.

٥٥ ـ في تفسير العيّاشي عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد اللهعليه‌السلام عن أبيه عن عليّ ابن أبي طالب صلوات الله عليهم قال: إذا حلف الرجل بالله فله ثنيا(١) إلى أربعين يوما، وذلك أنّ قوما من اليهود سئلوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن شيء فقال: ائتوني(٢) غدا ولم يستثن حتّى أخبركم فاحتبس عنه جبرئيلعليه‌السلام أربعين يوما، ثم أتى وقال:( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) .

٥٦ ـ عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام ذكر أنّ آدم لما أسكنه الله الجنة فقال له: يا آدم لا تقرب هذه الشجرة فقال: نعم ولم يستثن فأمر الله نبيه فقال:( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) ولو بعد سنة.

٥٧ ـ وفي رواية عبد الله بن ميمون عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله:( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) أنْ تقول إلّا من بعد الأربعين فللعبد الاستثناء في اليمين ما بينه وبين أربعين يوما إذا نسي.

٥٨ ـ عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام في قول الله:( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) فقال: إذا حلف الرجل فنسي أنْ يستثني فليستثن إذا ذكر.

__________________

(١) الثنيا ـ بالضم مع القصر ـ: الاسم من الاستثناء، وفي المصدر «ثنياها».

(٢) وفي بعض النسخ «ألقونى» مكان «ائتوني».

٢٥٥

٥٩ ـ عن حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله:( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) فقال: أنْ تستثنى ثمّ ذكرت بعد فاستثن حين تذكر.

قال مؤلف هذا الكتاب عفى عنه وقد سبق لهذه الآية بيان في حديث على ابن إبراهيم.

٦٠ ـ في مجمع البيان وقوله:( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) فيه وجهان أحدهما إنّه كلام متصل بما قبله، ثمّ اختلف في ذلك فقيل: معناه( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) الاستثناء ثم تذكرت فقل إنْ شاء الله، وان كان بعد يوم أو شهر أو سنة عن ابن عباس وقد روى ذلك عن أئمتناعليهم‌السلام، ويمكن أنْ يكون الوجه فيه أنّه إذا استثنى بعد النسيان فانه يحصل ثواب المستثنى من غير أنْ يؤثر الاستثناء بعد انفصال الكلام في الكلام وابطال الحنث وسقوط الكفارة في اليمين، وهو الأشبه بمراد ابن عباس في قوله.

٦١ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : وقد رجع إلى الدنيا ممن مات خلق كثير منهم أصحاب الكهف، أماتهم الله ثلاثمائة عام وتسعة، وبعثهم في زمان قوم أنكروا البعث ليقطع حجتهم وليريهم قدرته وليعلموا أنّ البعث حقّ.

٦٢ ـ في مجمع البيان وروى أنّ يهوديا سئل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام عن مدّة لبثهم فأخبر بما في القرآن، فقال: انا نجد في كتابنا ثلاثماة فقالعليه‌السلام : ذاك بسنى الشمس وهذا بسنى القمر.

٦٣ ـ في كتاب طب الائمة باسناده إلى سالم بن محمد قال: شكوت إلى الصادقعليه‌السلام وجع الساقين، وانه قد أقعدنى عن أمر ربي وأسبابي، فقال: عوذها، قلت: بماذا يا بن رسول الله؟ قال: بهذه الآية سبع مرات فانك تعافى بإذن الله،( وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ) قال: فعوذتها سبعا كما أمرني، فرفع الوجع عنى رفعا حتّى لم أحس بعد ذلك بشيء منه.

٢٥٦

٦٣ ـ في كتاب الخصال عن محمد بن مسلم رفعه إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: قال عثمان بن عفان: يا رسول الله ما تفسير أبجد؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تعلموا تفسير ابجد فان فيه الأعاجيب كلها وهل للعالم جهل تفسيره فقال: يا رسول الله ما تفسير أبجد؟ قال: ما الالف فآلاء الله إلى قولهعليه‌السلام : واما كلمن فالكاف كلام الله( لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ) .

٦٤ ـ عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذررحمه‌الله قال: أوصانى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بسبع أوصاف بحب المساكين والدنو منهم، وأوصاني أنْ أقول الحق وان كان مرا الحديث.

٦٥ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم واما قولهعزوجل ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) فهذه نزلت في سلمان الفارسي رضى الله عنه، كان عليه كساء يكون فيه طعامه وهو دثاره ورداؤه، وكان كساء من صوف، فدخل عيينة بن حصين على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان (ره) عنده فتأذى عيينة بريح كساء سلمان، وقد كان عرق فيه وكان يوما شديد الحر، فعرق في الكساء فقال: يا رسول الله إذا نحن دخلنا عليك فاخرج هذا واصرفه من عندك، فاذا نحن خرجنا فادخل من شئت فأنزل اللهعزوجل :( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا ) وهو عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر الفزاري.

٦٦ ـ في مجمع البيان عند قوله:( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ) إلى قوله: أليس الله بأعلم بالشاكرين عن ابن مسعود حديث طويل وهناك: وقال سلمان وخباب: فينا نزلت هذه الآية، جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصين الفزاري وذووهم من المؤلفة، فوجدوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قاعدا مع بلال وصهيب وعثمان وخباب في ناس من ضعفاء المؤمنين، فحقروهم فقالوا: يا رسول الله لو نحيت هؤلاء عنك حتّى نخلو بك؟ إلى قوله: فكنا نقعد معه فاذا أراد أنْ يقوم قام وتركنا فانزل اللهعزوجل :( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ) الآية قال: فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقعد معنا ويدنو حتّى كادت ركبتنا تمس ركبته فاذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتّى يقوم.

٢٥٧

٦٧ ـ وفيه هنا نزلت الآية في سلمان وأبي ذر وصهيب وخباب وغيرهم من فقراء أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك أنّ المؤلفة قلوبهم جاؤا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عيينة بن حصين والأقرع بن حابس وذووهم فقالوا: يا رسول الله إنْ جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء وروائح صنانهم(١) ـ وكانت عليهم جبات الصوف ـ جلسنا نحن إليك وأخذنا عنك فلا يمنعنا من الدخول عليك إلّا هؤلاء، فلما نزلت الآية قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يلتمسهم، فأصابهم في مؤخر المسجد يذكرون اللهعزوجل فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتّى أمرنى أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي، معكم المحيي ومعكم الممات.

٦٨ ـ في تفسير العيّاشي عن زرارة وحمران عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام في قوله:( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ ) قال: إنّما عنى بها الصلوة.

٦٩ ـ عن عاصم الكورى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول في قول الله:( فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ) قال: وعيد.

٧٠ ـ في أصول الكافي ـ أحمد بن عبد العظيم عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: نزل جبرئيلعليه‌السلام بهذه الآية هكذا:( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ) ولاية عليّعليه‌السلام ( فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ) آل محمد نارا».

٧١ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : نزلت هذه الآية هكذا:( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ) يعنى ولاية عليّ( فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ) آل محمّدعليه‌السلام حقهم( ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ ) قال: المهل الذي يبقى في أصل الزيت المغلى،( يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً ) .

٧٢ ـ في تهذيب الأحكام ابن أبي عمير عن بشير عن ابن أبي يعفور قال: كنت

__________________

(١) الصنان: نتن الإبط.

٢٥٨

عند أبي عبد اللهعليه‌السلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له: أصلحك الله إنّه ربما أصاب الرجل منا الضيق والشدة، فيدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسناة يصلحها(١) فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما أحب أنّي عقدت لهم عقدة، أو وكيت لهم وكاء وان لي ما بين لابتيها(٢) لا ولا مَدّة بقلم، إنّ أعوان الظلمة يوم القيمة في سرادق من نار حتّى يحكم الله بين العباد.

٧٣ ـ محمد بن يعقوب عن الحسين بن الحسن الهاشمي عن صالح بن أبي حماد عن محمد بن خالد عن زياد بن سلمة قال: دخلت على أبي الحسن موسىعليه‌السلام فقال لي: يا زياد انك تعمل عمل السلطان؟ قال: قلت: أجل، قال لي: ولم؟ قلت: أنا رجل لي مروة، وعلى عيال، وليس وراء ظهري شيء، فقال لي: يا زياد لئن أسقط من حالق(٣) فأتقطع قطعة قطعة أحب إليَّ من أنْ أتولى لأحد منهم عملا، وأطأ بساط رجل منهم إلّا لماذا؟ قلت: لا أدرى، قال: إلّا لتفريج كربة عن مؤمن، أو فكّ أسره، أو قضاء دينه، يا زياد إنّ أهون ما يصنع اللهعزوجل بمن تولى لهم عملا أنْ يضرب عليه سرادق من نار إلى أنْ يفرغ اللهعزوجل من حساب الخلايق.

٧٤ ـ في تفسير العيّاشي عن سعد بن طريف عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: الظلم ثلثة: ظلم لا يغفره الله، وظلم يغفره الله، وظلم لا يدعه، فالظلم الذي لا يغفره الله الشرك، واما الظلم الذي يغفره فظلم الرجل نفسه، واما الظلم الذي لا يدعه فالذنب بين العباد.

٧٥ ـ في مجمع البيان «كالمهل» قيل العكر الزيت إذا قرب إليه سقطت فروة رأسه(٤) روى ذلك مرفوعا.

__________________

(١) كرى الأرض: حفرها. والمسناة: العرم وهو ما يبنى في وجه السيل.

(٢) وكى القربة: شدها بالوكاء وهو رباط القربة. واللابة: الحرة وهي ارض ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار، وقولهعليه‌السلام «لابتيها» أي لابتي المدينة، لأنها ما بين حرتين عظميتين تكتنفانها.

(٣) الحالق: الجبل المنيف العالي، لا يكون إلّا مع عدم نبات كأنه حلق.

(٤) فروة الرأس: جلده.

٢٥٩

٧٦ ـ وفيه عند قوله:( فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ ) وقد روى أنّ الله تعالى يجوعهم حتّى ينسوا عذاب النار من شدة الجوع، فيصرخون إلى مالك، فيحملهم إلى تلك الشجرة وفيهم أبو جهل، فيأكلون منها فتغلى بطونهم، فيسقون شربة من الماء الحار الذي بلغ نهايته في الحرارة فاذا قربوها من وجوههم شوت وجوههم، فذلك قوله: يشوى الوجوه.

٧٧ ـ وروى أبو أمامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله:( وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ ) قال: يقرب إليه فيتكرهه فاذا ادنى منه شوى وجهه ووقع فروة رأسه، فاذا شرب قطع أمعاءه حتّى يخرج من دبره، يقول اللهعزوجل :( وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ ) ويقول:( وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ) .

٧٨ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن القاسم بن عروة عن عبد الله بن بكير عن زرارة قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ) قال: تبدل خبزة يأكل الناس منها حتّى يفرغوا من الحساب، فقال له قائل: انهم لفي شغل يومئذ عن الأكل والشرب؟ فقال له: إنّ ابن آدم خلق أجوف لا بد له من طعام وشراب، أهم أشد شغلا أم في النار؟ فقد استغاثوا واللهعزوجل يقول:( وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ ) .

٧٩ ـ في تفسير العيّاشي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله: «يوم تبدل غير الأرض» قال تبدل خبزة نقية يأكل الناس منها حتّى يفرغ من الحساب، فقال له القائل: انهم يؤمئذ في شغل عن الاكل والشرب؟ فقال له: إنّ ابن آدم خلق أجوف لا بد له من الطعام والشراب أهم أشد شغلا أم هم في النار فقد استغاثوا( وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ ) .

٨٠ ـ عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّهعليهم‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام إنّ أهل النار لما غلى الزقوم والضريع في بطونهم كغلي الحميم سألوا الشراب، فأتوا بشراب غسّاق و( صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِ

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

ومن كان دوره التبليغ ، والتبليغ فقط لأنّ الله سبحانه يقول :( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا
بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ
* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) (1) .

فليس من حقّه أن يكون له أيّ دور سوى تبليغ ما أمره الله به ، وقد مرّ
التصريح منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك حين أعترض عليه جلف جاف في أمر بيعة الغدير
لعليّ عليه‌السلام : منك أو من الله؟ فأجاب قائلاً : الله الّذي لا إله إلّا هو. من الله.

وحيث أنّ بيعة الغدير وكتابة الكتاب لو تمت ، كلتاهما كانت لبيعة
عليّ عليه‌السلام وخلافته ، وهما من واد واحد ، وفي الأولى كان عبداً مأموراً فكذلك هو
في الثانية كان عبداً مأموراً ، وأيضاً ليس من حقّ أيّ أحد أن يعترض عليه في
تنفيذ أمره.

وإذا لم نقل بهذا فما هو إلّا الإختيار ، وإنّما أراد عليّاً من نفسه لعواطف
شخصية ـ والعياذ بالله ـ فلننظر لماذا تلك العواطف؟

هل كانت نسبية ، فهو قريبه وابن عمه؟ وهذا غير مقبول ولا معقول ، لأن
للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مِنَ العمومة وأبناء العمومة غير عليّ ، وفيهم من هو أكبر سناً من عليّ ،
وليس فيهم من تحقد عليه قريش كما كانت تحقد على عليّ لأنّه قتل
صناديدهم ووترهم في الله. فلماذا لم يشر إلى أيّ واحد من أولئك الأحياء
فيؤهله لأي قيادة أو إمارة أو ولاية لا تصريحاً ولا تلميحاً.

إذن ليست رابطة النسب وحدها هي المرجّح لعليّ دون غيره ، وليس
لقاعدة النسب أيّ دور في الترشيح.

ثمّ هل كانت رابطة المصاهرة لأنّه كان صهراً له على أبنته؟ وهذا أيضاً غير
مقبول ولا معقول إذ لم تكن رابطة المصاهرة تكفي للترشيح ، على أنّها ليست
أقوى من رابطة القربى.

_______________________

(1)الحاقة / 44 ـ 46.

٤٠١

وقد كان للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصهاراً غير عليّ ، وهم أقدم مصاهرة منه ، وتجمعه
وإياهم قربى نسب من بُعد ، كما في عثمان وهو من بني عبد مناف. فلماذا لم
يحض عثمان بشرف ذلك الإختيار؟

إذن ليس تعيين عليّعليه‌السلام للخلافة دون غيره على حساب القربى النسبية
وحدها ، ولا عليها وعلى رابطة المصاهرة. ولابدّ أن يكون ليس للأختيار
الشخصي من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تعيينه أيّ دور ، وإنّما هو أمر من الله تعالى ، ودوره هو
التبليغ فقط ، للمؤهلات الّتي كانت في عليّ عليه‌السلام ولم توجد في غيره.

( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ
مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا
) (1) .

النتائج :

لقد تبين بوضوح على الأسئلة المتشابكة على النحو التالي :

1ـماذا أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب في الكتاب؟ الجواب : أراد أن يكتب كتاباً
يعيّن فيه وليّ الأمر بعده.

2ـمن أراد أن يكتب أسمه في الكتاب؟ الجواب : أراد أن يكتب اسم عليّ
في ذلك الكتاب.

3ـلماذا أراد أن يكتب له ذلك الكتاب؟ الجواب : لأنّه رأى ضغائن قوم
خشي عليه منهم.

4ـلماذا أراد عليّاًعليه‌السلام دون غيره؟ الجواب : لأن الله تعالى أمره بذلك.

_______________________

(1)الأحزاب / 36.

٤٠٢

من هم المعارضة؟

إذا رجعنا نستقريء صور الحديث نجد تعتيماً متعمداً على أسماء
المعارضة سوى اسم عمر بطلها المقدام صاحب الكلمة النافذة ، كالسهم في قلب
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى (غمّ) أغمي عليه. وباختصار نجد : في الصورتين : (1 ، 2)
المرويتين عن عليّ عليه‌السلام وابن عباس ، فقام بعضهم ليأتي به فمنعه رجل من
قريش(؟)وقال : « انّ رسول الله يهجر ».

وفي الصورتين(3 ، 4) المرويتين عن عمر : « فكرهنا ذلك أشد
الكراهية » (؟).

وفي الصورة(5)المروية عن جابر : فكان في البيت لغط وكلام وتكلم
عمر ...

وفي الصورة(6)فأختلف من في البيت وأختصموا فمن قائل يقول : القول
ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن قائل يقول : القول ما قال عمر.

وفي الصورة(7)فقال بعض أصحابه : « انّه يهجر » ، قال :ـوأبى أن يسمي
الرجل ـ فجئنا بعد ذلك ، فأبى رسول الله أن يكتبه لنا.

وفي الصورة(8)فقال بعض من كان عنده : « إنّ نبيّ الله ليهجر ».

وفي الصورة(9)برواية البخاري : فتنازعوا فقالوا : « هجر رسول الله ».

وبروايته الأخرى عن سفيان فقالوا : « ما له أهجر » استفهموه.

وبرواية الطبري فقالوا : « ما شأنه أهجر » استفهموه.

وفي الصورة(10)برواية البلاذري ، فقال : « أتراه يهجر » ، وتكلموا ولغطوا.

وبرواية ابن سعد ، فقالوا : « إنّما يهجر رسول الله ».

٤٠٣

وفي الصورة (11) فقال بعض من كان عنده : « انّ نبيّ الله ليهجر ».

وفي الصورة (12) فقال عمر : « قد غلبه الوجع » فاختلف أهل البيت
فأختصموا فمنهم من يقول يكتب لكم ومنهم من يقول ما قال عمر فلمّا
كثر اللغط والاختلاف ، وغمّوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (قوموا عني).

وفي الصورة (14) فأقبل القوم في لغطهم.

وفي الصورة (15) فأخذ من عنده من الناس في لغط.

وفي الصورة (17) فلغطوا فقال : قوموا.

وفي الصورة (18) فتنازعوا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال رجل من القوم : انّ
الرجل ليهجر ، فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمر بإخراجه وإخراج صاحبه.

وفي الصورة (19) فقال المعذول : انّ النبيّ يهجر كما يهجر المريض ،
فغضب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فأخرجوه فأخرجناه.

وفي الصورة (20) فمنعه رجل

وفي الصورة (21) فدعا العباس بصحيفة ودواة ، وقال بعض من حضر : « انّ
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يهجر ».

وفي الصورة (22) فقالوا : « ما شأنه أهجر ».

وفي الصورة (24) إنّ قوما قالوا عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك اليوم : « ما شأنه
هجر ». رواه ابن حزم.

وفي الصورة (25) فتنازعوا فقال بعضهم : ما له أهجر استعيدوه ، فقال عمر
قد غلبه الوجع. كما في رواية المقريزي.

٤٠٤

هذه حصيلة ما ورد في صور الحديث الّذي تكثّرت وتكسّرت ، حتى
يصعب على الرائي فيها تجميع أجزائها بصورة واحدة. وهذا ما يدل على مدى
التضبيب الّذي لفّ الهالة لتمييع الحالة ، وتضييع القالة. ولكن لم يخف وجه
الكراهية الّتي أبدتها المعارضة بشدة ، فهم الّذين نابذوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ بدء
دعوته وحتى ساعة وفاته وما بينهما من مواقف ، وما بالهم نسوا أنّ الخير كان
ويكون فيما كانوا يكرهون.

( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (1) .

وبعد هذا هل يصح أن يقول علماء التبرير أخيرهم العقاد وليس آخرهم ،
إنّ النبيّ كان يحبّ أن يحبّ الناس عليّاً ، فهو يحبّه ويمهدّ له وينظر إلى غده
ثمّ يقول : وليس من الممكن وليس من الممكن ولابدّ لنا الآن من النظر في
حال عمر وماذا أراد بقوله؟

ماذا قال عمر؟

ليس من شك فيما قال عمر ، إذ نسب قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الهجر : إنّ النبيّ
يهجر ، إنّما يهجر رسول الله.

وليس من شك في أنّ علماء التبرير أضفوا على جفاء هذه الكلمة ، نسيجاً
أوهى من نسيج العنكبوت ، وألقوا ظلالاًـوضَلالاًـمن التشكيك في تحوير ما
قال لسماجته ، وقد مرّ في صور الحديث ما طرأ على الكلمة من تحريف شائن ،
كما مرّ في أقوال علماء التبرير مقالة متهالك مائن ، في تصريف الكلمة على
وجوهها غير الصرفية ، فقالوا يهجر إلى ليهجر ، إلى أهجر إلى هَجر هَجَر
_______________________

(1)النجم / 3 ـ 4.

٤٠٥

وأستنبطوا لكلٍ وجهاً في القراءة ، حتى جعلوها من الإنشاء إلى الاخبار ثمّ عادوا
إلى الإستفهام في مقام الإنكار وهو تشريق وتغريب ، وتصعيد بلا تصويب ، وإذ
لم يجدوا مناصاً في إنكارها ، جعلوها فضيلة لعمر بعد أن كانت وصمة عليه.
فقالوا إنّما قال ذلك إنكاراً على من تخلف عن أمتثال أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا التفسير
يأباه عليهم حتى عمر.

ومهما يكن فإنّ الصحيح عندي أنّه قال : « انّ الرجل ليهجر » كما رواها
الغزالي (1) ، وإن ورد أيضاً : « انّه يهجر » كما في الصورة الحادية عشرة من صور
الحديث ، وقد مرّت نقلاً عن ابن سعد في الطبقات (2) ، ونقلها البيهقي مسنداً(3) ،
وذكرناها عن المستخرج للإسماعيلي ، نقلاً عن الملا عليّ القارئ في شرح
الشفاء (4) ، وفي طبقات ابن سعد أيضاً ، ومسند أحمد(5) ، وكتاب السنّة للخلال
المتوفى سنة 311 (6) ، ومعجم الطبراني الكبير(7) ، وغيرها : « فقالوا : إنّما يهجر رسول
الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، وفي لفظ الطبري : « انّ رسول الله يهجر »(8) ، وفي تاريخ ابن خلدون :
« فتنازعوا وقال بعضهم : انّه يهجر ، وقال بعضهم : أهجر؟ يستفهم » (9) .

_______________________

(1)سرّ العالمين / 9 ط مصر سنة 1314 ه‍. ولا يضرنا التشكيك في نسبة الكتاب إلى
الغزالي بعد أن نسبه إليه سبط ابن الجوزي الحنبلي في تذكرة الخواص.

(2)طبقات ابن سعد 2 ق 2 / 36.

(3)سنن البيهقي 3 / 435 ط بيروت سنة 1411 (باب كتابة العلم في الألواح والأكتاف).

(4)شرح الشفاء لملا علي القارئ 2 / 353 ط استنابول سنة 1316 ، ونسيم الرياض للخفاجي
4 / 279 ط أفست دار الكتاب العربي بيروت.

(5)مسند أحمد 5 / 355.

(6)كتاب السنّة 1 / 271 ط الرياض.

(7)معجم الطبراني الكبير 11 / 445 ط الموصل.

(8)تاريخ الطبري 3 / 193ط دار المعارف.

(9)تاريخ ابن خلدون 1 / 849 ط دار الكتب اللبناني.

٤٠٦

وجاء في حديث سليم بن قيس الهلالي عن ابن عباس : « فقال رجل منهم :
انّ رسول الله يهجر » (1) ، وغير هؤلاء.

ويدلنا على نسبة عمر الهجر إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تلجلج بعضهم عند ذكر كلمته
فيقول : « قال كلمة معناها إنّ الوجع غلب عليه » ، وهذا ما صنعه ابن أبي الحديد
وسائر من استهجن الكلمة من علماء التبرير لما فيها من مساس بقداسة الرسول
وقدسية رسالته. فحذفوها وأثبتوا البديل عنها : « قد غلب عليه الوجع ».

والآن ليفكر القارئ في أمر عمر أيّ شيء كان يدعوه لتلك المقالة النابية
والكلمة القارصة؟ وماذا عليه لو كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتب ذلك الكتاب ليعصم عمر
وغير عمر من الأمة من الضلالة إلى الأبد؟

وهل كان عمر يحب أن يبقى الناس في طخياء الضلالة يعمهون؟ فليقل
علماء التبرير ما عندهم؟ وهل كان عمر يعتقد في نفسه « إنّ النبيّ يهجر »؟
وكذلك فليقولوا ما شاؤا في ذلك ، وقد مرّ بعض ما عندهم من تخليط.

أم كان عمر يريد أمراً آخر من وراء كلمته ، فلم يرَ لديه أبلغ ممّا قاله ليبلغ
مراده؟ وهذا ما نراه ولا نتجنّى عليه ، فقد كان هو أيضاً يراه ، وقد صرّح بذلك ، ومرّت
بعض تصريحاته في التعقيب على ما قاله علماء التبرير (عمريون أكثر من عمر) فراجع
حيث علم أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد أن يكتب الكتاب باسم عليّ فمنع من ذلك.

فمنها قوله : « ولقد أرادـرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـأن يصرّح بأسمهـيعني عليّاًـ
فمنعت من ذلك اشفاقاً وحيطة على الإسلام »؟!

ومنها قوله : « لقد كان من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذرواً من قول لا يثبت حجة ولا
يقطع عذراً ».

_______________________

(1)وسيأتي الحديث بتمامه.

٤٠٧

ومنها قوله : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد ذلك وأراد الله غيره ، فنفذ مراد الله ولم
ينفذ مراد رسوله ، أو كلّ ما أراد رسول الله كان »؟!

ومنها قوله : « فكرهنا ذلك أشد الكراهية » (؟)

ولماذا يا أبا حفص؟ ولا نحتاج إلى الجواب ، ما دمت أنت القائل لابن
عباس : « إنّ قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة ». ولماذا أيضاً؟
وأنت تعلم أنّ عليّاً كان أحق بها من غيره ، وأنت الّذي أعترفت بذلك وقلت لابن
عباس : « أما والله يا بني عبد المطلب لقد كان عليّ فيكم أولى بهذا الأمر مني
ومن أبي بكر ».

وهذه الأقوال جميعها قد مرّت مسندة إلى مصادر موثوقة فراجع (عمريون
أكثر من عمر).

من أين علم عمر مراد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

والآن لنبحث من أين علم عمر أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يكتب الكتاب باسم
عليّ عليه‌السلام ، وهو لم يذكره باسمه كما في الحديث ، ولم يكتب بعد كتابه ليعلم
بذلك عمر ، فمن أين علم بذلك فقال « انّه ليهجر »؟

لقد علم ذلك من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لن تضلوا بعده ـ بعدي ـ أبداً).

وهذه الكلمة لم ترد في شيء من الأحاديث النبوية إلّا في بضعة أحاديث
كلّها توحي بفضل عليّ منفرداً أو مجتمعاً مع أهل بيته خاصة ، وهم فاطمة
والحسن والحسين الّذين هم قرناء الكتاب ، كما في حديث الثقلين والتمسك
بهما عاصم من الضلالة.

٤٠٨

وإلى القارئ تلكم الأحاديث الّتي وردت فيها جملة : (لن تضلوا) ، وهي
دالة على انّ التمسك بعليّ وأهل بيته أمان من الضلالة ، ولم ترد في حقّ أيّ
إنسان سواهم :

أوّلاً : حديث الثقلين وهو من الأحاديث المتواترة رواه أكثر من أربعين
صحابياً في ستة مواطن ، وأخرجت أحاديثهم المصادر الكثيرة وقد نافت على
المائة (1) . ولفظه كما في أكثر من موطن قاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ذلك : (أيّها الناس
إنّي تركت فيكم الثقلين لن تضلوا ما تمسكتم بهماـالأكبر كتاب الله ، والأصغر
عترتي أهل بيتيـوإنّ اللطيف الخبير عهد إليَّ أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ
الحوض كهاتينـأشار بالسبابتينـولا أنّ أحدهما أقدم من الآخر ، فتمسكوا
بهما ، لن تضلوا ولا تقدّموا منهما ولا تخلفوا عنهما ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم
منكم).

وهذا ما قاله في حجة الوداع في يوم عرفة وفي مسجد الخيف بمنى وفي
غدير خم ، سوى ما قاله قبل ذلك في يوم فتح الطائف عام ثمان من الهجرة ،
وسوى ما قاله بعد حجة الوداع وآخر مرة في هجرته وعلى منبره يوم قبض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقد كان أبو بكر يقول : « عليّ عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » كما أخرج ذلك عنه
السيوطي في جمع الجوامع وعنه المتقي الهندي في كنز العمال (2) .

ثانياً : ما رواه الحسن بن عليّ وعائشة وأنس وجابر مرفوعاً قال : « ادعوا إليَّ
سيّد العربـيعني عليّ بن أبي طالبـفقالت عائشة : ألستَ سيّد العرب؟ فقال :
(أنا سيّد ولد آدم وعليّ سيّد العرب) ، فلمّا جاء أرسل إلى الأنصار فأتوه فقال
_______________________

(1)اُنظر كتاب عليّ إمام البررة 1 / 292 ـ 318 ط دار الهادي.

(2)كنز العمال 15 / 101 ط الثانية حيدر آباد.

٤٠٩

لهم : (يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به (لن تضلوا) بعده أبداً)؟
قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : (هذا عليّ فأحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي ، فان
جبرئيل أمرني بالذي قلت لكم من الله عزوجل ) »(1) .

ثالثاً : ما روته أم سلمة قالت : « خرج رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم
إلى صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته فقال : (ألا لا يحلّ هذا المسجد
لجنب ولا لحائض إلّا لرسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، ألا قد بيّنت
لكم الأسماء أن لا تضلوا) » (2) .

رابعاً : ما رواه زيد بن أرقم قال : « كنا جلوساً عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (ألا
أدلكم على من لو أسترشدتموه (لن تضلوا) ولن تهلكوا)؟ قالوا : بلى يا رسول الله
قال : (هو هذا وأشار إلى عليّ بن أبي طالب) ثمّ قال : (وآخوه ووازروه وصدّقوه
وانصحوه فإنّ جبرئيل أخبرني بما قلت لكم) » (3) .

خامساً : وثمة حديثـرواه ابن حجر في الصواعق(4) ـجاء فيه التصريح
باسم عليّ عقب ذكر حديث الثقلين فاقرأ ذلك : « إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالـفي مرض موتهـ
(أيّها الناس يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي وقد قدّمت إليكم القول
_______________________

(1)أخرجه أبو نعيم في الحلية 1 / 63 وقال رواه أبو بشر عن سعيد بن جبير عن عائشة ، نحوه
في السؤدد مختصراً ، والطبراني في معجمه الكبير 3 / 88 ، والهيثمي في مجمع الزوائد
9 / 131 ، والمحب الطبراني في الرياض النضرة 2 / 177 ، وفي الذخائر / 70 ، والسيوطي في
جمع الجوامع كما في ترتيبه ، كنز العمال 2 / 216 و 5 / 126 ، وغيرهم وكلهم عن عائشة.

(2)أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7 / 65 ، والسيوطي في اللئالي المصنوعة 1 / 183 ط
مصر الاُولى نقلاً عن سنن البيهقيـوعلى القارئ المقارنة ليجد كيف تلاعبت الأهواء
بالسيوطي فحرّف وغيّر.

(3)أخرجه ابن المغازلي المالكي في المناقب / 245.

(4)الصواعق المحرقة / 75 ط الميمنية 1312.

٤١٠

معذرة إليكم ، ألا وإني مخلّف فيكم كتاب ربيعزوجل وعترتي أهل بيتي ثمّ أخذ
بيد عليّ فرفعها فقال : هذا عليّ مع القرآن ، والقرآن مع عليّ ، لا يفترقان حتى يردا
عليَّ الحوض ، فاسألوهما ما خلّفت فيهما) ».

سادساً : ما رواه ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لن تضلوا ولن
تهلكوا وأنتم في موالاة عليّ ، وإن خالفتموه فقد ضلّت بكم الطرق والأهواء في
الغيّ فاتقوا الله ، فإنّ ذمة الله عليّ بن أبي طالب) » (1) .

وأحسب انّ هذا هو تتمة ما مرّ قبله ، ومهما يكن فهذه جملة أحاديث
وردت فيها صيغة (لن تضلوا) (أن لا تضلوا) وكلها في أهل البيت عليهم‌السلام منها
ما يخصّ عليّاً بمفرده ، ومنها ما يعمّه وبقية أهل بيته ، فهل من المعقول والمقبول
دعوى انّ عمر لم يسمعها؟ ليس من الممكن أن لا يكون عمر سمعها من
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو ممّن سمعها منه كلّها أو بعضها ، وحيث لم يرد في مورد جملة
(لن تضلوا) إلّا وهي توحي بذكر عليّ وأهل بيته عليهم‌السلام ، فلذلك لمّا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :
(ائتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتاباً لن تضلوا) ، أستشعر عمر من ذلك ما هو
إلّا التصريح باسم عليّ في ذلك الكتاب ، فتلك حجة مكتوبة ليس من السهل
عليه ولا على غيره إنكارها. وذلك هو ما اعترف به لابن عباس بعد ذلك ،
فلم يجد سلاحاً أقوى عنده يشهره في وجه الشرعية في ذلك الوقت غير كلمة
« انّ النبيّ ليهجر » وبذلك نسفٌ للمحاولة الفعلية ولجميع المحاولات
اللاحقة الّتي ربّما يفاجأ بها. وهذا معنى كلماته الّتي مرّت على القارئ في
تعترافاته الخطيرة ، فراجع.

_______________________

(1)أنظر ينابيع المودة للقندوزي 2 / 280.

٤١١

فنسبة الهجر إلى النبيّ المعصوم إقدامٌ جريء ، مع إساءة أدب مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
ومساس بشخصه الكريم ، وأجرأ من ذلك دعواه في كلمته الأخرى « وعندكم
القرآن حسبنا كتاب الله » ، ولنستذكر ما مرّ من أقوال علماء التبرير الّذين رأوا في
هذه الكلمة دليلاً على فقاهة عمر بل وأفقهيته على ابن عباس ، حيث اكتفى
بالقرآن ولم يكتف ابن عباس به (؟!) وهذا ما مرّ عن ابن بطال والنووي وغيرهما
فراجع. فقد بيّنا هناك من هو الأفقه منهما بحجج لا يقوى زوامل الأسفار على
حملها فضلاً عن ردّها.

والآن فلنعد إلى تفسير كلمته « حسبنا كتاب الله » وما تعنيه من دلالة
ظاهرة وما تخفي من معنى أشتملت عليه ، وماذا أراد عمر بقوله : « وعندكم
القرآن حسبنا كتاب الله » :

ماذا أراد عمر بقوله : « حسبنا كتاب الله »؟

ليس في قوله : « حسبنا » أيّ غموض لغوي ، ولا أشتراك لفظي ، ومعناه كفانا ،
و (حَسبَ) اسم معنى لا اسم فعل ، بدليل زيادة الباء عليه في قولهم بحسبك درهم ،
وهكذا قول الداعي حسبي الله ، أي كفاني دون غيره ، كما يصح أن يقول (بحسبي)
أي كفاني ، هذا من ناحية المعنى في اللغة العربية. إذن ماذا أراد عمر غير ذلك؟
وهل وراء ذلك مراد لعمر؟ نعم إنّه الكناية عن الاستغناء بالقرآن دون عديله ، وما
عسى ذلك الرفض إلّا لمن عيّنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الثقلين ، وهم العترة ،
الّذين هم الثقل الأصغر ، وهو الآخر الّذي يأباه عمر فاستبعده جاهداً ، وفرض
الاستغناء بالقرآن وحده فقال : « وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ». وذلك ما دلّ
عليه معنى (حسبنا) أي كفانا ، وإن قيل ما الدليل على انّ ذلك مراد عمر؟

٤١٢

فإنّا نقول : دليلنا على ذلك اعترافاته السابقة بأنّه فهم ذلك فقال : « حسبنا...
الخ ».

ولولا أن يكون ذلك مراد عمر لما كان معنى لقوله : « حسبنا كتاب الله »
ولا معنى لقوله : « وعندكم القرآن » ، واحتمال أنّه أراد الاستغناء بالقرآن وحده
لأنّه فيه تبيان كلّ شيء ، لقوله تعالى : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (1) كما
قاله علماء التبرير فليس ذلك بصحيح ولا يمكن أن يُصحَح له ، لأن القرآن وحده
لا يغني ما لم يكن معه مَن يعلم تأويله قال تعالى : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
) (2) ، والله سبحانه يقول :( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ
) (3) ، وقد ورد عن الإمام عليّعليه‌السلام قوله في تفسير هذه الآية فقال : (نحن
أهل الذكر) ولا شك أنّ عليّاً عليه‌السلام كان منهم بل ومن أفاضلهم ، كيف لا وهو
الّذي دعا له الرسول بأن يكون الأذن الواعية ، وفيه نزل قوله تعالى : ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ
وَاعِيَةٌ
) (4) ، وهذا هو الّذي أدركه عمر وفهمه ، لذلك استبعد الضميمة عن القرآن ،
فرفضها ومنع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتابة الكتاب الّذي لن تضل أمته من بعده ما إن
تمسكوا به.

وفي حديث الثقلين دلالة واضحة أنّ التمسك بهما معاًـالقرآن والعترةـهو
السبيل العاصم من الضلالة. وليس التمسك بأحدهما دون الآخر بعاصم وحده.

_______________________

(1)الأنعام / 38.

(2)آل عمران / 7.

(3)النحل / 43.

(4)شواهد التنزيل للحسكاني 2 / 272 ، وحلية الأولياء 1 / 67 ، وفرائد السمطين للحمويني ،
وكنز العمال 15 / 157 ط الثانية ، ومناقب ابن المغازلي الحديث / 366 ، وسمط النجوم
العوالي 2 / 504 ، وتفسير الطبري 29 / 55 ، وتفسير الدر المنثور للسيوطي في تفسير الآية
نقلاً عن ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه.

٤١٣

ونحن إذا استذكرنا ما مرّ آنفاً من انّ عمر كان جاداً في دفع عليّ عما أراده
الله تعالى له على لسان نبيّه ، ولمّا كان عليّ عليه‌السلام هو واحد من العترة بل هو
سيدهم ، أدركنا المعنى الحقيقي لكلمة عمر : « حسبنا كتاب الله » وهي تعني
التفكيك بين القرآن والعترة عند التمسك بهما. والرد الحاسم على استبعاد العترة
من أهلية التمسك بها ، لذلك ارتكب ما ارتكب ممّا لا يجوز لمثله أن يفعله ، وقال
ما قال ممّا ليس من حقّه أن يقوله. ولكنه اليقظ الحذر والمتمرّس على الخلاف
على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشواهد ذلك يكفي منها يوم صلح الحديبية ، ويوم الصلاة على
ابن أبيّ. وغير ذلك.

فأي مانع له الآن أن يعلن الخلاف ، ويقول ما لا يحل له ولأي مسلم أن
يقوله فينسب الهجر إلى النبيّ المعصوم. ما دام هو بذلك يرفض قرناء الكتاب ،
وكان من الطبيعي لمثله ، وهو يريد ذلك أن يقول للحاضرين : « وعندكم
القرآن »ـيعني لا حاجة لنا بالعترة الّتي يدعونا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى التمسك
بالكتاب وبها كما في حديث الثقلين ـ.

ولندع هذا الجانب التفسيري لكلمته ، ولنعد إلى الجانب اللفظي لها.
ولنستغفل عقولنا ثانية ، وكأننا نبحث عن حاقّ المعنى لقوله. فماذا كان يعني
بكلمته : « حسبنا كتاب الله »؟ أو ليس معنى ذلك هو رفض السنّة؟ الّتي هي تلو
الكتاب؟ أفهل كان يرى حقاً عدم حجية السنّة؟

نعم كان وكان ، ولسنا نحمّله إلّا تبعة أفعاله ، لأنّه ممّن أمر في أيامه
بتحريقها ومحوها (1) . وما دام ليس من حقنا أن نحمّله خشية الإتهام بأنا لسنا معه
_______________________

(1)الجامع لأحكام القرآن 17 / 5 و 14 / 108 ، وشواهد التنزيل 1 / 334 ـ 337.

٤١٤

على رأي فلنترك الحديث لأئمّة عمريّين لا يشك في ولائهم لعمر ، مثل الإمام
الشافعي وابن حزم ، والبيهقي ، والسيوطي.

فلنقرأ ما يقول كلّ واحد في عدم الإستغناء بالكتاب وحده ولابدّ من السنّة
معه ، وهم غير متهمين فيما يقولونه في إدانة من قال بالإستغناء بالكتاب وحده
حتى ولو كان عمر :

1 ـ ماذا قال الشافعي؟

قال الإمام الشافعي في الرسالة ونقله عنه البيهقي في المدخل(1) : « قد
وضع الله رسوله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم من دينه وفرضه وكتابه الموضع
الّذي أبان جلّ ثناؤه أنّه جعله علماً لدينه بما أفترض من طاعته ، وحرّم من
معصيته وأبان من فضيلته ، بما قرن بين الإيمان به مع الإيمان به فقال تبارك
وتعالى : ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ) (2) وقال :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ
) (3) فجعل كمال ابتداء الإيمان الّذي ما سواه تبع له الإيمان بالله ثمّ
برسوله معه.

قال الشافعي : وفرض الله على الناس إتباع وحيه وسنن رسوله فقال في
كتابه : ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو
عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
) (4) .

_______________________

(1)نقل كلامه بنصه السيوطي في رسالته مفتاح الجنة في الأحتجاج بالسنّة / 3ـ4 ضمن
مجموعة الرسائل المنيرية أواخر المجلد الثاني.

(2)الأعراف / 158.

(3)النور / 62.

(4)آل عمران / 164.

٤١٥

قال الشافعي : فذكر الله الكتاب والقرآن ، وذكر الحكمة فسمعت من
أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة سنّة رسول الله صلّى الله عليه
(وآله)وسلّم. وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
) (1) ـثمّ ساق
الكلام إلى أن قال : فأعلمهم أنّ طاعة رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم
طاعته فقال : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا
يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
) (2) .

واحتج أيضاً في فرض اتباع أمره بقوله :( لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ
كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
) (3) وقوله :( وَمَا
آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا
) (4) وغيرها من الآيات الّتي دلت
على اتباع أمره ولزوم طاعته فلا يسع أحد رد أمره لفرض الله طاعة نبيه ».

2 ـ ماذا قال ابن حزم؟

قال ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام : « لاتعارض بين شيء من
نصوص القرآن ونصوص كلام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما نقل من أفعاله فقال سبحانه خبراً
عن رسوله : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (5) ، وقوله تعالى :
_______________________

(1)النساء / 59.

(2)النساء / 65.

(3)النور / 63.

(4)الحشر / 7.

(5)النجم / 3 ـ 4.

٤١٦

( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (1) ، وقوله :( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ
لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا
) (2) . فأخبرعزوجل انّ كلام نبيّه وحي من عنده كالقرآن
في أنّه وحي ...اه‍ » (3) .

3 ـ ماذا قال البيهقي؟

وقال البيهقي بعد احكامه هذا الفصل : « ولولا ثبوت الحجة بالسنّة لما قال
صلّى الله عليه(وآله)وسلّم في خطبته بعد تعليم من شهده أمر دينهم (ألا فليبلغ
الشاهد منكم الغائب فربّ حامل مبلّغ أوعى من سامع) ثمّ أورد حديث : (نضّر
الله امرؤاً سمع منا حديثاً فأدّاه كما سمعه ، فربّ مبلّغ أوعى من سامع) ». وهذا
الحديث متواتر كما سأبينه.

قال الشافعي : « فلمّا ندب رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم إلى استماع
مقالته وحفظها وأدائها ، دلّ على أنّه لا يأمر أن يؤدّى عنه إلّا ما تقوم به الحجة
على من أدي إليه ، لأنّه إنّما يؤديَ عنه حلال يؤتى ، وحرام يجتنب ، وحدّ يقام ،
ومال يؤخذ ويعطى ، ونصيحة في دين ودنيا ».

ثمّ أورد البيهقي من حديث أبي رافع قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا ألفين
أحدكم متكئاً على أريكته يأتي الأمر من أمري ممّا أمرتُ به أو نَهيتُ عنه
فيقول : لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) » (4) .

_______________________

(1)الأحزاب / 21.

(2)النساء / 82.

(3)الإحكام في اُصول الأحكام 1 / 174.

(4)رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجة ، والحاكم ، والبيهقي في دلائل النبوة ، وإسناده
صحيح ، وقال الترمذي حسن صحيح ، مشكاة المصابيح 1 / 57.

٤١٧

وأخرج البيهقي بسنده عن شبيب بن أبى فضالة المكي : « انّ عمران بن
حصين رضي‌الله‌عنه ذكر الشفاعة فقال رجل من القوم : يا أبا نجيد إنكم تحدثونا بأحاديث
لم نجد لها أصلاً في القرآن؟ فغضب عمران وقال لرجل قرأت القرآن؟ قال :
نعم ، فهل وجدت فيه صلاة العشاء أربعاً ووجدت المغرب ثلاثاً ، والغداة ركعتين ،
والظهر أربعاً ، والعصر أربعاً؟ قال : لا ، قال : فعن من أخذتم ذلك؟ ألستم عنا
أخذتموه وأخذناه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أوجدتم فيه من كلّ أربعين شاة شاة ، وفى كلّ كذا بعير كذا ، وفي كلّ
كذا درهماً كذا؟ قال : لا ، قال فعن من أخذتم ذلك؟ ألستم عنا أخذتموه وأخذناه
عن النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم.

وقال : أوجدتم في القرأن :( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (1) ، أو وجدتم فيه
فطوفوا سبعاً ، واركعوا خلف المقام؟ أو وجدتم في القرآن : لاجلب ولاجنب
ولا شغار في الإسلام؟

أما سمعتم الله يقول في كتابه :( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
فَانتَهُوا
) (2) ؟

قال عمران : فقد أخذنا عن رسول الله صلّىاللهعليهوآلهوسلّمأشياء ليس
لكم بها علم » (3) .

وأخرج البيهقي والحاكم عن الحسن قال : « بينما عمران بن الحصين
يحدث عن سنّة رسول الله إذ قال له رجل يا أبا نجيد حدّثنا بالقرآن ، فقال له
_______________________

(1)الحج / 29.

(2)الحشر / 7.

(3)مفتاح الجنّة في الإحتجاج بالسنّّة للسيوطي / 5 ضمن مجموعة الرسائل المنيريه
المجلد الثاني.

٤١٨

عمران أنت وأصحابك تقرؤن القرأن!؟ اكنت تحدّثني عن الصلاة وما فيها
وحدودها؟

أكنت تحدّثني عن الزكاة في الذهب والإبل والبقر وأصناف المال؟ ولكن
قد شهدتُ وغبتَ أنتَ ، ثمّ قال : فرضَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الزكاة كذا وكذا ، فقال
الرجل : أحييني أحياك الله.

قال الحسن فما ماتَ ذلك الرجل حتى صار من فقهاء المسلمين »(1) .

4 ـ ماذا قال السيوطي؟

قال في ديباجة كتابه : « اعلموا يرحمكم الله انّ من العلم كهيئة الدواء ، ومن
الآراء كهيئة الخلاء ، لاتذكر إلّا عند داعية الضرورة ، وان ممّا فاح ريحه في هذا
الزمان. وكان دارساً بحمد الله تعالى منذ أزمان ، وهو انّ قائلاً رافضياً(؟)زنديقاً أكثر
في كلامه : انّ السنّة النبوية والأحاديث المرويةـزادها الله علواً وشرفاًـلايحتج بها ،
وأنّ الحجة في القرآن خاصة ، وأورد على ذلك حديث : ماجاءكم عني من حديث
فاعرضوه على القرآن ، فإن وجدتم له أصلاً فخذوا به وإلّا فردّوه. هكذا سمعت هذا
الكلام بجملة منه وسمعه منه خلائق غيري فاعلموا رحمكم الله من أنكر كون
حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول حجة ، كفر وخرج
عن دائرة الإسلام وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة ...

وأصل هذا الرأي الفاسد أنّ الزنادقة وطائفة من غلاة الرافضة ذهبوا إلى
إنكار الاحتجاج بالسنّة والاقتصار على القرآن » (2) إلى آخر كلامه.

_______________________

(1)مفتاح الجنة في الإحتجاج بالسنّّة للسيوطي / 23 ضمن مجموعة الرسائل المنيريه
المجلد الثاني.

(2)نفس المصدر / 2.

٤١٩

ونحن لانريد مناقشته في حكمه الكلي على الكبرى فهو عين الصواب ،
ولكن هلّم الخطب في تطبيق الحكم على الصغرى في المقام.

ويجب أن لايُستغفَل القارئ بما قاله السيوطي الّذي شنّها حرباً شعواء على
ذلك الرافضي المجهول الهوية. كما يجب أن لانظلمه مادامت حجته صحيحة
كما حكاها عنه السيوطي نفسه.

فإنّ الّذي زعمه السيوطي في حكاية قوله : « هو إهمال السنّة بالمرة فلا
يحتج بها ». بينما الّذي حكاه من فحوى دليله هو وجوب عرض السنّة على
الكتاب ، والأخذ بها ما دامت غير مخالفة له. وأين هذا من عدم حجيتها
والاكتفاء بالقرآن؟.

وإذا صحّ ماذكره السيوطي عنه من الدليل يكون الرافضي المجهول الهوية
على حق في كلامه ، لأنّ الحديث الّذي يخالف القرآن زخرف وباطل ويضرب
به عرض الجدار. وهذا هو المنطق الصحيح والسليم الّذي يقطع جهيزة كلّ
الوضاعين والمدلّسين الّذين كذبوا في الحديث ونسبوه زوراً إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو
منه ومنهم بريء.

وأين هذا ماشهّر به السيوطي بقوله : « إنكار الاحتجاج بالسنّة والاقتصار
على القرآن »؟ وهل من الإنصاف أن يرمي بالزندقة لأنّه يقول إنّ السنّة ليست
ناسخة للقرآن ولا قاضية عليه ، ولأنّ السنّة الصحيحة هي الّتي لاتخالف القرآن!

ثمّ ما رأي السيوطي في قول عمر : « حسبنا كتاب الله وعندكم القرآن »
أليس ذلك نبذه للسنّة نبذ الحصاة وراء ظهره؟

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643