تفسير نور الثقلين الجزء ٣

تفسير نور الثقلين9%

تفسير نور الثقلين مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 643

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 643 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 266513 / تحميل: 8763
الحجم الحجم الحجم
تفسير نور الثقلين

تفسير نور الثقلين الجزء ٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

النفس والاجتماع.

4 - أن الكمالات التي يسعى الإنسان إلى تحصيلها لا تقتصر على كمالات عالم الدنيا، بل هي كمالات في عوالم لاحقة لهذه الدنيا؛ فهناك عوالم آتية فيها كمالات و دركات ومفاسد، وأعمال الإنسان في هذه الدنيا تهيئ الأرضية لنيل المكانة في تلك العوالم وهذا هو معنى المعاد.

فالنتيجة: أن هذا السير يقتضي وجود الهادي والمعصوم الذي يسير بالأمة نحو المعاد الحقيقي وإحراز الكمالات العالية في العوالم اللاحقة، وهذه المقدمات تثبت ضرورة تحلِّي الإمام الهادي بـ:

أ - الهداية الإيصالية، وأن يكون له تصرُّف في النفوس تصرفاُ غير إلجائي؛ أي تتكامل النفوس باختيار الإنسان.

ب - الهداية الإرائية التفصيلية.

ج - الزعامة الاعتبارية في الإنسان المجموعي، وهو المجتمع.

فهذا الدليل يثبت ضرورة الإمامة حسب تعريف العلاّمة مع التكملة التي أضفناها.

كذلك يبيِّن الدليل الارتباط بين المعاد ومعرفة الإمام، ومن هنا نفهم قوله تعالى: ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) . فالدعوة والحشر والمعاد يكون بتوسُّط الإمام؛ لأنه هو الهادي لهم نحو الكمالات التي تظهر في العوالم اللاحقة، والآثار التي تظهر في المعاد إنما هي بتوسط الإمام حيث يكون مرتبطاً بالغيب، ويعلم بلوازم الأفعال الدنيوية وحقائقها وما يضر وما ينفع.

ومن الأدلة النقلية التي تؤيد هذا الدليل، وما هو دور الإمام في المعاد،

٣٠١

قوله تعالى: ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) (1) ، وهذه الآية سوف نفرد لها بحثاً مستقلاً في المقام الثالث، إلاّ أنّا نريد أن نشير إلى أن الآية تنص على أن المؤمنين - وهم الأئمة كما في العديد من الروايات - يشاهدون حقائق أعمال العباد في الدنيا، وهذا الاطلاع اطلاع ملكوتي.

وفي روايات أخرى تشير إلى أن الأعمال إذا أُريد أن تصعد إلى السماء والعرش، فإن الصاعد بها هو الإمام، وروايات تشير إلى أن دور الإمام يكون عند قبض الروح وفي البرزخ وعقبات الانتقال من عالم إلى عالم، وروايات تشير إلى أن الإمام يُنصب له عمود من نور على كل مدينة فيطَّلع على أعمال العباد.

وفي تفسير ( وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ ) (2) يشير العلاّمة إلى أنه على الأعراف رجال مشرِفون على الناس من الأولين والآخرين يشاهدون كل ذي نفس منهم في مقامه الخاص به على اختلاف مقاماتهم ودرجاتهم ودركاتهم (3) .

تقييم الدليل الثالث:

إن هذا الدليل يثبت مقام الهداية الإيصالية والإرائية والزعامة والرئاسة التي ذكرها المتكلمون.

الدليل الرابع: معرفة النفس

ويعتمد على مقدمات:

1 - أنه من الثابت روائياً وعقلياً أن معرفة النفس من أشرف الطرق للمعرفة الربوبية؛ وذلك لأنه طريق برهاني يؤول إلى العيان الحضوري بناء على (مَن عرف

____________________

(1) التوبة 9: 105.

(2) الأعراف: 46.

(3) الميزان 8: 132.

٣٠٢

نفسه فقد عرف ربه) (أعرفكم بربه أعرفكم بنفسه).

2 - قد بيَّنَّا في زاوية التعريف العقلي لـ (ما الحقيقية) شئون النفس والرسول الباطن ودور العقل العملي والقلب، وأشرنا إلى صفات عشر لدور العقل العملي وآثار القلب وسائر القوى.

3 - بمقتضى المطابقة بين الإنسان الصغير والكبير، وأن المقصود من معرفة الرب ليس معرفة الذات الأزلية، بل معرفة أفعال الذات وعالم الخلقة الذي هو عالم ربوبية الباري للخلق، والرب هو عنوان من الصفات الفعلية للباري عزَّ وجل، بل وبمقتضى المطابقة بين الإنسان الكبير والمجموعي؛ أي المجتمع، وهو وأن كان اعتبارياً إلاّ أن هذا الاعتبار ليس ناشئاً من لا شي‏ء، بل الاعتبار - كما أشرنا إليه - يقتنص وينتزع من التكوين، وقد مثلنا أن قوى الإنسان الصغير كلها تتمثَّل في المجتمع؛ فالجيش يمثِّل القوة الغضبية، ووزارات الترفيه تمثِّل القوة الشهوية، والقوى المقنِّنة تمثِّل العقل النظري، والقوة القضائية تمثِّل الوجدان والضمير وحسب تعبير القرآن: ( النَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) ؛ فهذه هي المطابقة بين الإنسان الكبير والصغير والمجموعي.

وبمقتضى هذه المقدمات إذا كان في الإنسان الصغير توجد إمامة ذات هداية إيصالية إرائية، فنستكشف وجود ذلك في الإنسان الكبير والمجموعي، وهو دور الإمامة في المجتمع، وما ذكرنا في كيفية تصرف العقل العملي في بقية القوى ينطبق على الإمام في الإنسان المجموعي.

الدليل الخامس: برهان العناية

وهو برهان العناية، وقد تعرَّضنا له في الفصل الأول إلاّ أنّا نعيده هنا ملخَّصاً:

وهو علم الباري بالنظام الوجودي الأحسن، وعلى أكمل ما يكون عليه، وهذا

٣٠٣

العلم مستلزم لإفاضة الوجود الإمكاني الخَلقي على أحسن ما يمكن أن يكون عليه ولو بنحو الترتيب أو التدريج في العوالم كي تستقصي كل الكمالات في عالم الإمكان (وهذا التعريف مأخوذ من مدرسة الإشراق والحكمة المتعالية).

وقد أشرنا إلى أن قاعدة العناية الفلسفية هي بعينها قاعدة اللطف لدى المتكلمين؛ حيث إن الأخيرة تعني أن كل فعل موجب لقرب المكلَّف من كماله المنشود، فإن الباري يحسن ويلطف تهيئته وإيجاده ويقبح عدم إيجاده، فمن حيث اللب القاعدتان تعبِّران عن مفهوم واحد وأمر واحد، إلاّ أن الفلاسفة في منهجهم يعتمدون على العقل النظري في إثبات القاعدة. أمَّا المتكلمون، فيعتمدون على العقل العملي في إثبات القاعدة.

* أن أعلام الإمامية، واستناداً إلى الروايات المختلفة، ذهبوا إلى أن موقع الإمام في الإنسان المجموعي (موقع الرئاسة والزعامة) هو لطف؛ فلذا يحسن عن اللَّه نصبه وتعيينه. واللطف هو أكمل ما يمكن أن يكون عليه الوجود، فإذا كان أكمل ما يمكن أن يكون عليه الإنسان المجموعي هو بوجود الإمام، فبمقتضى قاعدة العناية يجب عن الحق تعالى إيجاده.

* أن الحفظ للدين و تدبير الدنيا يستلزمان أن تتوفَّر في الإمام الهداية الإيصالية والإرائية التفصيلية؛ وذلك أن الإمام لا يكون حافظاً للدين إلاّ إذا أمّنت جنبة المقام الغيبي، ويكون على اتصال بالغيب، فلا تصدر منه زلة علمية في تبيان مدارج الأحكام الشرعية، وأيضاً لأن الغاية هو تكامل الأفراد إلى الكمالات المنشودة، وهو نوع من الهداية الإيصالية.

تقييم الدليل الخامس:

إن المتكلمين اقتصروا في إثبات الإمامة في الإنسان المجموعي على قاعدة اللطف، ولم يتناولوا جانب الهداية الإيصالية مع أنها لطف أيضاً، وقد قمنا بتوسعة

٣٠٤

الدليل ليشمل هذا الجانب أيضاً؛ حيث إن العناية صفة من صفات الباري وأنه لطيف خبير ( إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) .

ملاحظة عامة:

إلى هنا نلاحظ الارتباط بين الإمامة وبقية أصول الدين؛ ففي الدليل الأول بيَّنَّا كيف الارتباط بين الإمامة والنبوة، وفي الدليل الثاني بيَّنَّا الارتباط بين الإمامة وفطرة التوحيد، وأن بوابة التوحيد هو الإمامة، وفي الدليل الثالث بيَّنَّا الارتباط بين الإمامة والمعاد ودور الإمام في عوالم ما بعد نشأة الدنيا، وفي الدليل الرابع انتقلنا من معرفة النفس إلى الإمامة، وفي الدليل الخامس ننتقل من صفات الباري وإنها تستلزم الإمامة.

وبتعبير آخر: أن هذه الأدلة ليست أدلة خطابية، بل هي برهانية عرفانية في آن واحد؛ أي أن إدراكها يحتاج إلى مقدمات فكرية من المعاني الحصولية، وإلى ذائقة قلبية كي يدرك كنه تلك الأدلة الخمسة؛ ففيها مطالب علمية ممتزجة من العلم الحصولي والعلم الحضوري، والنكتة التي أردنا الإشارة إليها أن هذه الأدلة الخمسة اللمية تدلِّل على أن أصول الدين تقود إلى الإمامة.

الدليل السادس: الأدلة الإنْيَّة

وهو من الأدلة الإنْيَّة التي اعتمدها المتكلمون والتي تنطلق من احتياج الكل إليه وغناؤه عن الكل دليل على إمامته، وعبَّر البعض عنه: أنه اجتمعت فيهم من الفضائل كلها، فهم أحق بالأمر بحكم العقل العملي، وبتعبير ثالث: أنهم‏ عليهم‌السلام ‏المشار إليهم بأشخاصهم وأسمائهم بحسب الجرد التاريخي، وباعتراف كل الفِرق والمِلل قد فاقوا نوابغ كل صفة في كمال تلك الصفة.

٣٠٥

تفصيل ذلك:

* أن التاريخ يذكر أنهم قد وضعوا الحلول الناجعة لكثير من المعضلات الفكرية التي ابتليت بها الأمة الإسلامية؛ كما في إشكالية صفات الباري حيث قالوا: (لا تعطيل ولا تشبيه وإنما أمر بين أمرين)، فلا يجوز تعطيل الصفات والقول أننا لا ندرك شيئاً من صفاته تعالى، كما لا يجوز التشبيه والقول أننا ندركه كما ندرك المحسوسات، وكذا نفي التجسيم ولوازمه عن ذات الباري، فقد كانت الأذهان عالقة بهذا الوهم. ونفي الجبر والتفويض وإثبات الاختيار في الأفعال.

وهكذا في معالجتهم للمشاكل الفكرية التي انتقلت إلى الأمة الإسلامية من الحضارات الأخرى، فتراهم يجعلون لها الحلول بنحوٍ لا يصطدم مع الإسلام وضرورياته، وموارد هذا شتى من التوحيد وصفات الحق تعالى، والعدل والمعاد والقضاء والقدر وما ورد من الشبهات حول نبوة الأنبياء عليهم‌السلام ، وبقول ابن أبي الحديد في ذيل إحدى الخطب: (لم تنتشر المعارف الإلهية من غير هذا الرجل، ولم يكن في الصحابة من تصوُّر أو صور شيئاً طفيفاً من المعارف)، ونضيف على مقولته تلك: أن عباراتهم وحلولهم وحكمهم ظلت حتى يومنا هذا مدار بحث وتشييد؛ لأنها تفوق ما توصل إليه السابقون من الفلسفة اليونانية ويستنير بهديها المتأخرون من الفلاسفة.

* المرحوم الشاه أبادي يذكر: أنه في الصحيفة السجادية لفتات وحلول لمعضلات في عالم المعنى والعرفان، بنحو لم يكن مطروحاً في العرفان الهندي الذي هو من أقوى وأقدم المدارس العرفانية لدى البشرية، ويشير إلى أنه في الأدعية الأولى بحوث عديدة وغريبة ودقيقة في السير والسلوك أو في مقامات الهادي أو مقامات الخلقة والتكامل الإنساني، ويعبّر عن أدعيتهم عليهم‌السلام أنها بمثابة القرآن الصاعد لِمَا تحتويه من أسرار المعرف الإلهية.

٣٠٦

فمثلاً المتقدمون يجعلون الظاهر في قبال الباطن والأول في قبال الآخر، بينما الإمام عليه‌السلام جعل الذات المقدسة هو الظاهر والباطن والأول والآخر، (فهو وحدة واحدة؛ يستوي فيها الظاهر والباطن والأول والآخر)، وفي كتاب التوحيد في ما ذكره الإمام الصادق عليه‌السلام ‏تبيان لكيفية الدلالة على ذلك.

* أن خضوعهم وعبوديتهم المطلقة للَّه عزَّ وجلَّ لا تجد لها مثيلاً عند مَن عاصرهم أو تأخر عنهم.

* أن معجزة السماء الخالدة القرآن الكريم لم ولن يوجد في الساحة الإسلامية ترجمان له - بحيث يثبت للبشرية أن القران الكريم يغطي كل احتياجاتها، وأن كل تساؤل يطرح على وجه الأرض لم يتمكن أحد من الإجابة عليه - سوى الإمام، ممَّا يوضح وجود رابطة بينهم وبين القران، وهو ما سوف نثبته في المرحلة الثالثة في فقه الآيات.

* يضاف إلى تلك الأدلة مقدمة مشتركة لا بد منها؛ وذلك لأن الاقتصار عليها يثبت أن الأئمة هم أليق الناس وأفضلهم لإدارة شؤون الأمة، لكن لا يثبت بها وجود مقامات أخرى، في حين أننا يمكن أن نستفيد من تلك الأدلة لِمَا هو أوسع من ذلك بإضافة هذه المقدمة، وحاصلها:

أن توافر هذه الصفات بهذا النحو في هؤلاء الاثنى عشر إمَّا أن يكون من باب الصدفة والاتفاق أو يكون بسبب

وعلَّة.

أمَّا الأول، فباطل؛ وذلك لأن القول به هو نفي لوجود اللَّه، وذلك لأن الطفرة هي صدور شي‏ء من شي‏ء من دون سبب وعلَّة، والاتفاق عبارة أخرى عن نفي السببية، وأن حيازة هؤلاء على الريادة في الصفات الكمالية - إن كان اتفاقاً - يعني أن يد اللَّه مغلولة، وأنه ترك الخلق كما خلقهم من دون هدايتهم والاتصال بهم. فيبقى الثاني وأن وجود تلك الصفات فيهم لم يكن من باب الصدفة والاتفاق،

٣٠٧

بل إن هذا يدل على عناية إلهية وإفاضة ربانية جعلت هؤلاء متَّصفين بتلك الصفات طيلة تلك السنين المتعاقبة والتي شهدت منافسين عدة حاولوا النيل منهم بشتى الطرق والوسائل، فتوجد في البين إفاضة ربانية للكمالات العلمية والعملية، وإن الوراثة بينهم ليست وراثة نسبية، بل وراثة نورية تكوينية جعلت تلك الحقيقة الغيبية مستمرة فيهم.

وبهذه المقدمة تكون تلك الأدلة الإنْيَّة مثبتة للمقام الغيبي الذي نتوخَّاه في الإمامة والذي يكون به عِدل النبوة وسفارة إلهية.

٣٠٨

المبحث الثالث:

الإمامة في القران الكريم

إن الهدف الذي نتوخَّاه من هذه الدراسة هو فهم حقيقة الإمامة ودورها في عالم الغيب بعد أن استوفى الباحثون حقيقتها في عالم الشهادة، ونعتمد في ذلك على الآيات الكريمة التي تحمل معانٍ نورانية لنستوحي منها معاني تلك القناة المعصومة المرتبطة بالغيب.

وهاهنا ملاحظة مهمة: أنه يجب الالتفات إلى أن القرآن الكريم قد صدر من الحكيم العالم بخفايا الأمور والعارف بأساليب اللغة ومفرداتها، فالألفاظ المستخدمة في القرآن ليست قوالب لفظية شعرية وأدبية بغرض إبراز الجمال الأدبي، بل إن وراء استخدام ألفاظ دون أخرى أو صياغات معينة دون غيرها غاية وهدف ومعنى يرمي إليه القران، وعدم فهم كلام الباري بهذا النحو يكون ابتذالاً وتوهيناً للمعاني القرآنية، وتزييفاً لمعارفه، ومخالفاً لقوله تعالى: ( تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ ) ؛ فليس المراد أن القرآن فيه تبيان للحقائق التشريعية فقط، بل إن القرآن فيه بيان للحقائق التكوينية أيضاً كما يظهر من كثير من الآيات التي تذكر خلق العالم وسنن التكوين، وإن هذا القران الحامل لسبعين بطناً لا يجوز لنا أن نقف أمام ظاهره فقط، بل يجب الغوص في حقائق معانيه وما تحمله الألفاظ من معارف، بل نجد أن البعض يقدِّس القرآن ويسلّم بعظمته، لكن عندما نلاحظ فهمه لآياته نجده يبتذل

٣٠٩

معانيه ويقف عند حاق اللفظ والظاهر فقط جاهلا أن الألفاظ ليست هي الهدف والغاية، بل هي قنطرة للوصول إلى المعنى المراد، فيجب تجاوز منطق الأدب وعلومه، فتنفتح أمام الإنسان حينئذ تلك المعاني العالية الدقيقة التي تحتاج إلى موازين العقل والمنطق. وهذه نقطة نفترق بها عن العامة الذين حجبوا عن أعينهم تلك الأمور.

وقد قسَّمنا الآيات التي تتحدث عن الإمامة إلى طوائف عدة نتناولها بالتفصيل:

الطائفة الأولى: آيات استخلاف آدم

من الوقائع القرآنية العجيبة التي يحكي بها الحق تعالى بدء الخلقة وكيفية خلق آدم‏ عليه‌السلام ‏وأمر الملائكة بالسجود إليه، وهي من الآيات التي تحمل معانٍ كبيرة تدلِّلنا على موقع الإمامة في الوجود الإمكاني، ويمكن القول أنها تمثِّل البوابة لهذا البحث، والعلامة الأم لهذا الموقع الإلهي. وقد تكرَّر ذكر هذه الواقعة أو مقاطع منها في مواضع كثيرة من القرآن في السور التالية:

1 - سورة البقرة 2: 30

( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوْا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتَما وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ

٣١٠

وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) .

وهذه السورة تحوي جميع مقاطع الواقعة منذ إخبار اللَّه الملائكة بخلق آدم وحتى هبوطه إلى الأرض.

2 - سورة الكهف: 50

( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) .

3 - سورة الحجر: 28

( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ) .

4 - سورة الإسراء: 61

( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ ءَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً قَالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً ) .

5 - سورة طه: 115

( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلاَ تَضْحَى فَوَسْوَسَ إِلَّيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ... ) .

٣١١

6 - سورة الأعراف:11 - 25

( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكِةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ... )

7 - سورة ص: 71 - 75

( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ... )

وقبل الاستعراض التفصيلي لهذه الطائفة نذكر عدة ملاحظات:

1 - إن هذه الواقعة العجيبة التي يذكرها اللَّه جلّ وعلا لعباده تحتوي على معانٍ جليلة وعظيمة وتستحق وقفة مطولة.

2 - إن ست سور من التي وردت فيها القصة مكِّية، وسورة واحدة مدنية؛ وهي البقرة.

3 - إن العنصر المشترك المتكرر في كل هذه الموارد السبعة هو أمر الملائكة بالسجود لآدم وامتناع إبليس عن ذلك.

4 - تمتاز سورة البقرة بورود نص الاستخلاف فيها ومناقشة الملائكة فيه، وهذا لم يتكرَّر في الموارد الأخرى.

5 - قد رتَّبنا السور المكِّية التي ورد فيها هذه القصة حسب النزول.

وسوف تكون دراسة هذه الحادثة في مقامات أربع:

أولاً: دراسة الألفاظ الواردة فيها

نبدأ بدراسة الواقعة كما وردت في سورة البقرة والتدقيق في المعاني الواردة فيها:

* الملائكة: وهو وإن كان جمع معرَّف باللام ويفيد العموم، أي جميع الملائكة، إلاّ أن بعض الروايات تشير إلى أنهم قسم من الملائكة، لا أقل أنهم من نمط جبرئيل

٣١٢

وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، لكن إدخال عنصر غيب السماوات والأرض يدل على أن الملائكة في الواقعة لم يكونوا صنفاً خاصاً منهم، بل عموم الملائكة؛ إذ أن ما غاب عنهم هو خافٍ على كل السماوات والأرض. كما أن الخطاب للملائكة بإخبارهم عن جعلٍ عام، وهو جعل الخليفة، ولم يخصص بآدم.

* في الأرض: وفيه احتمالات ثلاث:

أ - أن تكون متعلقة بـ(خليفة).

ب - أن تكون متعلقة بالضمير المستتر في (خليفة) لأنها مشتق.

جـ - أن تكون متعلقة (جاعل).

فعلى الاحتمال الأول يكون المعنى أن الخليفة مقيَّد في الأرض، فدائرة الخلافة تكون محدَّدة حينئذ بالأرض.

وعلى الاحتمال الثاني تكون دائرة الخلافة مطلقة غير محددة، والمستخلَف مقيَّد بكونه أرضياً، فهو إنسان أرضي دائرة خلافته مطلقة غير محددة فتشمل كل عالم الخلقة.

وعلى الاحتمال الثالث فحيث أن (جاعل) تتعدى إلى مفعولين؛ الأول (في الأرض) والثاني (خليفة)، فيكون المعنى إخباراً من اللَّه عزَّ وجلَّ أن الذي هو في الأرض قد جعلته خليفة على نحو (جعلت الآجر بيتا).

أمَّا الاحتمال الأول، فهو بعيد؛ حيث إن من البعيد جداً تقيُّد الخلافة في الأرض، وذلك لمجموعة من القرائن نستوحيها من الآية نفسها:

أ - أن العلم الذي يمتلكه هذا الخليفة علم خاص يفوق علم الملائكة؛ إذ أنه علم محيط بكل الأشياء حتى التي لا ترتبط بالواقع الأرضي كما سوف نتبين ذلك لاحقاً، فلو كانت خلافته محددة بالأرض فما هو الحاجة لهذا العلم؟ ثُم ما هو الداعي لإظهار تفوُّق علمه على علم الملائكة؟ بخلاف ما إذا كانت دائرة الاستخلاف

٣١٣

غير محددة بالأرض.

ب - أن إسجاد الملائكة لآدم يدل على الهيمنة التكوينية للمطاع بإذن اللَّه، وهذه الطاعة وتلك الهيمنة إنما هي وليدة العلم؛ بحيث أن الملائكة تستقي علومها منه كما سوف يأتي التدليل عليه، ومعلوم أن شؤون الملائكة ليست منحصرة بالأرض، بل بكل عالم الخلقة، فهذا يدل على أن دائرة الخلافة غير مقيدة بالأرض، بل هي تشمل كل عالم الخلقة غايتها هذا الموجود كينونة بدنه هي في الأرض.

وقد يُستَشكَل أنه لو كانت خلافته عامة لكل عالم الإمكان فكيف يجعل متأخراً عن الملائكة؛ أي كيف تتأخر خلقته عنهم؟

والجواب: أن خلقته غير متأخرة عنهم وإنما المتأخر هو وجوده الأرضي. أمَّا أصل الخلقة، فإنها لم تتأخر عنهم كما سيتضح ذلك لاحقاً.

جـ - استنكار الملائكة وتساؤلهم لم يكن دائراً حول دائرة الاستخلاف، بل حول الموجود الأرضي، فهي فهمت أن هناك ذاتاً في الأرض سوف تكون هي الخليفة، فجاء الاستنكار. وبعبارة أخرى: أن مقتضى كلامهم ( أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ... ) هو تعلق ( في الأرض ) بالجعل.

د - أن مقتضى تقدم الجار والمجرور على لفظة الخليفة، مع صلاحية تعلُّقه بالعامل المتقدم، يعيِّن تعلقه به، وخلاف ذلك يحتاج إلى قرينة.

* أمَّا بالنسبة إلى (جاعل)، فإنها تأتي بمعنيين؛ أحدهما بمعنى موجِد، وهو يتعدى إلى معمول واحد، والأخر يعني الصيرورة، وهو يتعدى إلى معمولين، والأقرب أن يكون الوارد هنا الثاني، ومعمولاه هما: (في الأرض) و(خليفة)، وهذا يؤدي نفس المعنى الذي نتوخاه؛ وهو عدم تقييد وتحديد دائرة الخلافة في الأرض.

إن أصل المعمولين مبتدأ وخبر، فلو قدَّرنا المبتدأ (خليفة) والخبر (في الأرض)، فمقتضاه أنه ليس في صدد جعل الاستخلاف، بل هو أمر مفروغ منه، وإنما هو في

٣١٤

صدد الإخبار عن الجعل الأرضي لهذا الخليفة. أمَّا لو كان العكس، فإنه يعني أن كونه في الأرض أمر مفروغ منه والجعل والإخبار عن الاستخلاف. والأول أنسب؛ وذلك لأن مسائلة الملائكة هو عن كينونته في الأرض، وعن هذا القيد الذي يظهر أنه مجهول بالنسبة إليهم.

ويحتمل أن يكون الجعل بمعنى الإيجاد فيأخذ معمولاً واحداً هو (في الأرض) وخليفة صفة له، وقد يُعترض عليه أن هذا التركيب يشبه قولك: إني جاعل في البيت مسئولاً أو إني جاعل في المؤسسة مديراً وهذا تقيد للمسؤولية والإدارة؟ والجواب: أن هنا مناسبة بين المؤسسة والإدارة والبيت والمسؤولية في حين أنها مفقودة بين الأرض والاستخلاف، كما أن القرائن التي ذكرناها سابقاً من التعليم وإلاسجاد وما يأتي من تعليم الأسماء كلِّها، تؤكد على أن الاستخلاف دائرته أوسع من الأرض، ثُم إن هذا الجعل - مضافاً إلى ظهوره في الإطلاق الزماني والتأبيد ما دام الموجود الأرضي - يبطل اعتراض الملائكة الذي يكفي في وجاهته صدقه ولو لبرهة وفترة يسيرة؛ فالتخطئة لهذا الاعتراض لابد أن تكون بنحو النفي والسلب المطلق له، وذلك بدوام وجود الخليفة ذي العلم اللَّدُني ما دام الخلق البشري على الأرض.

* خليفة : والاستخلاف الوارد في القرآن على نحوين؛ الأول: استخلاف عام لنوع البشر؛ والهدف منه إعمار الأرض والعالم الكوني، والثاني: استخلاف خاص، وهو خلافة الاصطفاء، وهي المقصودة هنا؛ وذلك لأن الحق تعالى قد ربط هذا الاستخلاف بالعلم اللدني المحيط، ومثل هذا العلم ليس لدى نوع البشر، بل لدى فئة خاصة منتخبة من البشر، ولكن هذا لا يعني الاختصاص بآدم، بل قد يعمُّ فئة من بني البشر، نعم، هو لا يعم كل البشر.

والفارق بين الاستخلاف والنيابة والوكالة، أن هذه العناوين تقتضي وجود

٣١٥

طرفين أحدهما يتولَّى عن الآخر الفعل والعمل إلاّ أن دائرة التولي إذا كانت محدودة، فتسمّى وكالة، ويتبع ذلك ضيق صلاحيات الطرف، وإذا اتسعت تسمّى نيابة وتزداد صلاحيات الطرف، وإذا اتسعت أكثر تسمى ولاية، وإذا ازداد اتساعها تسمّى خلافة؛ وهي قيام شخص مقام آخر، فيقال: خلف فلان فلانا، أي حلَّ محلَّه. غاية الأمر أنه في عالم الممكنات تكون بدلاً عن فقد، أي بعد فقد المستخلَف في ذلك المقام. أمّا عندما تكون الخلافة عن الواجب، فلا تكون عن فقد، بل بنحو الطولية. فاللَّه مالك الملك في السماوات والأرض، فهو يملك ويُقْدِر الملائكة على شي‏ء، وليس هو فاقد للقدرة، بل في عين تملُّكهم وإقدارهم يكون مالكاً وقادرا، فهذا الاستخلاف ليس هو التفويض الباطل، بل هو إقدار وتمكين من دون تجافٍ وفقد.

فالمستخلِف هو اللَّه عزَّ وجل، والخليفة يكون هو الرابطة التكوينية بين الذات الأزلية ومورد الاستخلاف، نظير الأفعال الاختيارية التي يقدم بها الفاعل المختار المخلوق فإنها إقدارٌ وتمكينٌ من مالك الملوك واستخلافٌ فيها من دون عزلة ولا انحسار لقدرة واجب الوجود.

وأخيراً فإن عنوان الخليفة غير عنوان النبوة والرسالة، بل يكون أهم شأناً منها؛ لأنه يقوم مقام اللَّه ويخلف اللَّه بخلاف العنوانين.

* ( قال: إني أعلم ما لا تعلمون ) .

إن اعتراض الملائكة يدل على أنهم تصوَّروا أن الهدف من إيجاد آدم هو إعمار الأرض، ولكن الآية تبيِّن خطأهم في فهمهم، ومحط اعتراض الملائكة أن مَن يصدر منه الإفساد وسفك الدماء، أي مَن يصدر منه الزلل والخطأ لا يتساوى مع مَن يكون معصوماً عن الخطأ، فهم أحق بخلافته من هذا الموجود. وكان الجواب: أن هذا الاعتراض منشؤه الجهل؛ حيث إن العصمة العملية ليست هي فقط العاصمة عن الزلل، بل المهم هو العصمة العلمية التي تكون عاصمة حينئذ عن الزلل العملي

٣١٦

أيضاً، فالجهل العلمي هو الذي يسبب الوقوع في الأخطاء والزلل، ومن هذه الآية نعرف السر في حثِّ القرآن على طلب العلم واستخدام العقل؛ حيث غن التقدّس والتعبد غير مانع وعاصم من الوقوع في الخطأ، بل العلم التام والصحيح هو العاصم الأتم. وبذلك يمكننا القول أن سؤال الملائكة ليس اعتراضا؛ فهم مسلمون للَّه وخاضعون له إلاّ أنه سؤال استفهامي ناتج عن عدم إحاطتهم بكل شي‏ء، فتصوَّروا أنهم أكثر أهلية لهذا المقام.

* الأسماء: وهو جمع محلَّى باللام مفيد للعموم، والكلام في المراد من هذه الأسماء؛ فذهب البعض إلى أنها المعاني المختلفة، وبعض إلى أنها أسماء المعاني كلِّها، ولكن التدبر في الآيات الشريفة لا يساعد على الاقتصار على أيٍ منها؛ وذلك:

ـ أن العلم بهذه الأسماء أوجد امتيازاً لآدم على الملائكة وبه استحق الاستخلاف، وإذا كان هو ما ذكروه من المعلومات الحصولية فإن آدم بتعليمه للملائكة يصبحون في مستوى واحد، بل قد يكون تدبر اللاحق أشرف من السابق، وعليه لا موجب لاستحقاق الأفضلية لآدم على الملائكة.

ـ أن الأسماء لو كانت هي اللغات وأسماء هذه المعاني المتداولة، فإن الحاجة إليها إنما هو لانتقال المعاني والمرادات بين الناس، والملائكة ذات كمال أعلى وأشرف من ذلك، فإنها تطَّلع على النوايا من دون حاجة إلى الألفاظ، فأي كمال تحصل عليه الملائكة في إنبائها بهذه الأسماء؟!

ـ أن هذه الأسماء أرفع من أن تصل إليها الملائكة مع تنوُّع شؤونها ووظائفها؛ حيث أنها جاهلة بها، خصوصاً أن الملائكة كانت عالمة بشؤون الأرض، ولذا سألت عن هذا الموجود الأرضي، فلا يخفى عليها شأن من شؤون الأرض، فلا بد أن تكون هذه الأسماء غير أرضية.

٣١٧

ـ في الآية اللاحقة عندما عرض اللَّه (جلَّ وعلا) المسمَّيات أو الأسماء على الملائكة أشار إليها باسم الإشارة (هؤلاء) وهو يستخدم للعاقل الحي الحاضر، ولا يقال للمعدوم ولا للجماد،وكذا استعمل ضمير الجمع للعاقل (هم) في جملة (عرضهم) وفي جملة ( أنبأهم بأسمائهم، فلمَّا أنبأهم بأسمائهم ).

ـ أن تميُّز آدم عن الملائكة ظل حتى بعد إنباء الملائكة بهذه الأسماء أو بأسماء الأسماء.

ـ أن آدم لم يُعلم الملائكة بهذه الأسماء، بل أنبأهم، والإنباء غير التعليم؛ إذ أن التعليم هو العيان الحضوري، أمَّا الأنباء، فهو إخبار بالعلم الحصولي.

ـ التعبير عن هذه الأسماء أنها ( غيب السماوات والأرض ) ، فالإضافة هنا لامية وليست تبعيضية؛ أي غيب للسماوات والأرض لا أنه غيب من السماوات والأرض، أي ما وراء السماوات والأرض وأنها كانت غائبة عن الملائكة، بل خارجة عن محيط الكون.

وهذه القرائن والشواهد تدل على حقيقة واحدة:

أن هذه الأسماء لمسمَّيات ووجودات شاعرة حية عاقلة عالمة أرفع مرتبة وأشرف وجوداً من الملائكة، بل هي أشرف من آدم، لأنه بالعلم بها استحق الخلافة، فهي أشرف مقام في الخليقة.

* العلم: أن العلم الذي تعلمه آدم من قبل الحق تعالى لم يكن بالتعليم الكسبي الحصولي إنما هو بالعلم الحضوري، وهو نوع من الارتباط والرقي للروح إلى عوالم عالية حيث ترتبط الروح بتلك العوالم العلوية عياناً وحضورا، والحديث هنا ليس في مقام الرسالة والنبوة، بل في مقام الخلافة وخليفة اللَّه.

إذن فالعلم المذكور هنا هو خارج حد الملائكة؛ لذا نفي التعليم عنهم حتى بعد إنباء آدم يدل على أن هذا المقام هو غير مقام النبوة، بل هو مقام الإمامة والخلافة، كما

٣١٨

ترتَّب عليه إطواع وإتباع الملائكة له.

ثم أن هذا التعليم لآدم كان قبل دخوله الجنة وقبل نزوله للأرض كما يتَّفق عليه المفسِّرون؛ أي قبل أن يكون مقام النبوة لأدم. وقد يقال: إن إنبائه للملائكة يدل على كونه نبياً لهم، لكن هذا ليس من قبيل النبوة الاصطلاحية للأرض حيث التكليف والعمل، وإنما الإنباء هاهنا من قبيل التعليم اللدني الذي هو فوق مقام الملائكة.

ويذهب البعض إلى القول أن الخلافة التي جعلت عنواناً لهذا الموجود هي خلافة عن النسناس الأرضي، وهذا خطأ فاحش، بل بقرينة الإنباء المزبور هو مقام خلافة اللَّه عزَّ وجل، أي بمعنى الإقدار من قبله عزَّ وجل.

وممَّا يدلل على أن العلم الوارد ليس علم النبوة والرسالة أن في هذا العلم لا يحتمل واسطة ملائكية بين اللَّه وبين آدم بينما في علم النبوة يحتمل واسطة ملائكية ويمكن وقوعها.

فهذه القرائن تدل على أن هذا العلم الذي تعلمه آدم نحو من العلم الحضوري الخاص، وأنه استحق به مقام الولاية والرتبة التكوينية، وهو فوق مقام النبوة والرسالة.

* ( إن كنتم صادقين ) .

إن القرآن في حديثه عن الصدق يذكر له مراتب من مقام الصدِّيقين والصدِّيق، وهذه المراتب ليس في قبالها الكذب الاصطلاحي، بل هي مراتب اشتدادية في نفس الصدق، وقد أشرنا قبل إلى قوله تعالى: ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً ) حيث ذكرنا أن اللَّه أصدق من سيد الكائنات، وهذا لا يعني أنه كاذب - والعياذ باللَّه - فالأصدق دوام كلامه وسعته أكثر من الآخر، والأمر الذي نريد التأكيد عليه أن مراتب الصدق لا يقابلها الكذب فالآية لا تدل على كذب الملائكة، بل تشير إلى عدم واقعية ما

٣١٩

حسبوه وتوهَّموه.

وهناك روايات تبيِّن كيفية الطريق إلى أن يكون الإنسان من الصدِّيقين، وهو مقام أوسع من الصدق الخبري والمخبري، فالذي يكون أكثر علماً وأكثر إحاطة يكون أصدق من الأقل علماً؛ وذلك لأن الأول يكون علمه محيطاً والآخر أقل إحاطة فتأتي علومه غير مطابقة، فالمقصود أن المراد هنا من الصدق الإحاطة وعدمها، لا المطابقة للواقع وعدمها.

ونظير ذلك ما تصف الروايات بعض آيات القرآن أنها أصدق من آيات أخرى وأكثر إحكاماً وأكثر حقا، وهذا لا يقصد منه بطلان الآيات الأخرى، بل يقصد منه أن تلك الآيات أكثر إحاطة بالواقع فتكون أصدق وأحق وأحكم.

فالملائكة في هذه الآية يخبرون عن أحقيَّتهم وأهليَّتهم للخلافة في الأرض، حيث إنهم أنبئوا عن استحقاق ذلك لمَن تكون له العصمة العملية، لا أنهم يخبرون عن واقع، بل من باب المسائلة.

* الإنباء: بناء على ما ذكرنا سابقاً من أن استخدام الحق تعالى للألفاظ المختلفة ليس من باب التنوُّع اللفظي والنثر البلاغي، بل القرآن كتاب حقائق، وتغيُّر اللفظ من موضع إلى آخر يدل على تغاير في المعنى الحقيقي المراد للحق تعالى.

فنلاحظ هنا أن الباري تعال أسند تعبيرين لهذه الأسماء؛ أحدهما: ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ) ، والآخر: قوله للملائكة: ( أَنبِئُونِي ) ؟ وأجابت الملائكة: ( لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا ) فأمر آدم بإنبائهم باسمائهم، فالارتباط بين الحق تعالى وآدم كان بالتعليم، أمَّا عندما أخبر آدم الملائكة، فكان الارتباط بالإنباء. وهذا التغاير يدل على أن الملائكة لم ينالوا العلم الحقيقي بهذه الأسماء.

والسر في هذا التغاير هو أن التعليم عياني حضوري، والإنباء إخبار من وراء حجب الصور والمفاهيم وما شابه ذلك، فإضافة آدم مع ربه من نحو العلم

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

إذا على من يقتله دية وهو في تلك الحال.

٥٤ ـ محمد بن يحيى وغيره عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر عن إسمعيل بن عمرو عن شعيب العقرقوفي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ للرحم أربعة سبل، في أي سبيل سلك فيه الماء كان منه الولد، واحد واثنين وثلاثة وأربعة لا يكون إلى سبيل أكثر من واحد.

٥٥ ـ أحمد بن محمد رفعه عن محمد بن حمران عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ اللهعزوجل خلق للرحم أربعة أوعية، فما كان في الاول فللأب، وما كان في الثاني فللأم، وما كان في الثالث فللعمومة، وما كان في الرابع فللخئولة.

٥٦ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى:( ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ ) فهو نفخ الروح فيه.

٥٧ ـ في تهذيب الأحكام محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن موسى الوراق عن يونس بن عبد الرحمن عن أبي جرير القمى قال: سألت العبد الصالحعليه‌السلام عن النطفة ما فيها من الدية وما في العلقة وما في المضغة المخلقة وما يقر في الأرحام؟ قال: إنّه يخلق في بطن امه خلقا بعد خلق يكون نطفة أربعين يوما، ثم يكون علقة أربعين يوما، ثم مضغة أربعين يوما، ففي النطفة أربعون دينارا، وفي العلقة ستون دينارا، وفي المضغة ثمانون دينارا، فاذا كسي العظام لحما ففيه مأة دينار، قال اللهعزوجل :( ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) فان كان ذكرا ففيه الدية، وان كان أنثى ففيها ديتها.

٥٨ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام حديث طويل وفيه: قلت: جعلت فداك وغير الخالق الجليل خالق؟ قال: إنّ الله تبارك وتعالى يقول:( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) فقد أخبر أن في عباده خالقين وغير خالقين، منهم عيسى بن مريم صلى الله عليه خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله فنفخ فيه فصار طائرا بإذن الله والسامري أخرج لهم عجلا جسدا له خوار.

٥٤١

٥٩ ـ في كتاب الخصال عن زيد بن وهب قال سئل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام عن قدرة اللهعزوجل فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنّ لله تبارك وتعالى ملائكة لو ان ملكا منهم هبط إلى الأرض ما وسعته لعظم خلقته وكثرة أجنحته، ومنهم من لو كلفت الجن والانس أن يصفوه ما وصفوه لبعد ما بين مفاصله وحسن تركيب صورته، وكيف يوصف من ملائكته من سبعمائة عام ما بين منكبيه وشحمة أذنيه، ومنهم من يسد الأفق بجناح من أجنحته دون عظم بدنه، ومنهم من السموات إلى حجزته، ومنهم من لو القى في نقرة إبهامه جميع المياه لوسعتها، ومنهم من لو ألقيت السفن في دموع عينيه لجرت دهر الداهرين،( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) . وفي كتاب التوحيد مثله ٦٠ ـ وفي كتاب الخصال أيضا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: خمسة خلقوا ناريين الطويل الذاهب، والقصير القمى(١) والأزرق بخضرة، والزائد والناقص.

٦١ ـ في مجمع البيان وروى ان عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلما بلغ إلى قوله «خلقا آخر» خطر بباله( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) فلما املاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك قال عبد الله: إنْ كان محمّد نبيّا يوحى إليه فأنا نبيّ يوحى إليَّ، فلحق بمكّة مرتدا، ولو صح هذا فانّ هذا القدر لا يكون معجزا، ولا يمتنع ان يتّفق ذلك من الواحد منا لكن هذا الشقيّ إنّما اشتبه عليه أو شبه على نفسه لما كان في صدره من الكفر والحسد للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله «انتهى».

٦٢ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ) فهي الأنهار والعيون والآبار(٢) .

٦٣ ـ في الكافي عنه عن أحمد بن محمد عن العباس بن معروف عن النوفلي

__________________

(١) القمى ـ بضم القاف وفتح الميم ـ: السمن، وفي المصدر «العمى» بالعين وليس له معنى يناسب لمقام.

(٢) الآبار جمع البئر.

٥٤٢

عن اليعقوبي عن عيسى بن عبد الله عن سليمان بن جعفر قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام في قول ـ اللهعزوجل :( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ ) قال: يعنى ماء العتيق.

٦٤ ـ في مجمع البيان روى مقاتل عن عكرمة عن ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إنّ الله تعالى انزل من الجنة خمسة أنهار، سيحون وهو نهر الهند، وجيحون وهو نهر بلخ، ودجلة والفرات وهما نهرا العراق، والنيل وهو نهر مصر، أنزلها الله من عين واحدة، وأجراها في الأرض، وجعل فيها منافع للناس في أصناف معايشهم، فذلك قوله:( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ ) الاية.

٦٥ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وقولهعزوجل :( وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ ) للاكلين قال: شجرة الزيتون وهو مثل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمير المؤمنين صلوات الله عليه، فالطور الجبل وسينا الشجرة.

٦٦ ـ في مجمع البيان ( تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ ) وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: الزيت شجرة مباركة، فائتدموا منه وادهنوا.

٦٧ ـ في تهذيب الأحكام باسناده إلى الثمالي عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه كان في وصية أمير المؤمنينعليه‌السلام ان أخرجونى إلى الظهر، فاذا تصوبت أقدامكم واستقبلتكم ريح فادفنوني، فهو أول طور سينا، ففعلوا ذلك.

٦٨ ـ وباسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل يقول فيه وقد ذكر أمير المؤمنينعليه‌السلام والغري وهي قطعة من الجبل الذي كلم الله عليه موسى تكليما، وقدس عليه عيسى تقديسا، واتخذ عليه إبراهيم خليلا، واتخذ محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله حبيبا وجعله للنبيين مسكنا، فو الله ما سكن بعد أبويه الطيبين آدم ونوح أكرم من أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٦٩ ـ في جوامع الجامع ( فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ ) الآية روى أنّه قيل لنوحعليه‌السلام : إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت ومن معك في السفينة: فلما

٥٤٣

نبع الماء من التنور أخبرته امرأته فركب.

٧٠ ـ في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن إسمعيل بن مهران عن سيف بن عميرة عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكرا؟ قال: نعم قلت: ما هو؟ قال: يحمد الله على كل نعمة عليه في أهل ومال، وان كان فيما أنعم الله عليه في ماله حق اداه ومنه قوله تعالى( أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٧١ ـ في من لا يحضره الفقيه قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليٍّعليه‌السلام : يا عليُّ إذا نزلت منزلا فقل: أللهمّ( أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ) ، ترزق خيره ويدفع عنك شره.

٧٢ ـ في كتاب الخصال فيما علم أمير المؤمنينعليه‌السلام أصحابه من الاربعمأة باب فيما يصلح للمسلم في دينه ودنياه: وإذا نزلتم منزلا فقولوا: أللهمّ أنزلنا( مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ) .

٧٣ ـ في نهج البلاغة أيها الناس ان الله قد أعاذكم من أن يجور عليكم ولم يعذبكم من أن يبتليكم، وقد قال جل من قائل: إنّ في ذلك لآيات وان كنا لمبتلين.

٧٤ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله: فجعلناهم غثاء الغثاء اليابس الهامد من نبات الأرض(١) .

٧٥ ـ وقال عليّ بن إبراهيمرحمه‌الله في قولهعزوجل :( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ) إلى قوله ومعين قال: الربوة الحيرة، وذات قرار ومعين الكوفة.

٧٦ ـ في مجمع البيان ( وَآوَيْناهُما إلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ ) وقيل: حيرة الكوفة وسوادها. والقرار مسجد الكوفة والمعين الفرات عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام . وفي جوامع الجامع مثله.

٧٧ ـ وفي مجمع البيان( يا أيها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ ) وروى عن النبي

__________________

(١) الهامد: اليابس من النبات والشجر.

٥٤٤

صلى‌الله‌عليه‌وآله إن ّ الله طيب لا يقبل إلّا طيبا، وأنّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال:( يا أيها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ ) وقال:( يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ) .

٧٧ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم امة واحدة قال: على مذهب واحد.

٧٨ ـ وقولهعزوجل :( كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) قال: كل من اختار لنفسه دينا فهو فرح به.

٧٩ ـ في نهج البلاغة فلو رخص الله في الكبر لأحد لرخص لأنبيائه ورسله، ولكنه سبحانه كره لهم التكابر ورضى لهم التواضع، فالصقوا بالأرض خدودهم، وعفروا في التراب وجوههم، وخفضوا أجنحتهم للمؤمنين، فكونوا قوما مستضعفين قد اختبرهم الله بالمخمصة، وابتلاهم بالمجهدة، وامتحنهم بالمخاوف ومحصهم بالمكاره، فلا تعتبروا الرضا والسخط بالمال والولد جهلا بمواقع الفتنة والاختبار في موضع الغنا والإقتار، فقد قال سبحانه:( أَيَحْسَبُونَ إنّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ ) فان الله سبحانه يختبر عباده المستكبرين في أنفسهم بأوليائه المستضعفين في أعينهم.

٨٠ ـ في مجمع البيان ( أَيَحْسَبُونَ إنّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ ) وروى السكوني عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله تعالى يقول: يحزن عبدي المؤمن إذا قترت عليه شيئا من الدنيا، وذلك أقرب له منى، ويفرح إذا بسطت له الدنيا، وذلك أبعد له منى، ثم تلا هذه الآية إلى قوله: «بل لا يشعرون» ثم قال: إنّ ذلك فتنة لهم.

٨١ ـ في أصول الكافي عليّ بن إبراهيم عن أبيه وعلى بن محمد القاساني جميعا عن القاسم بن محمد عن سليمان المنقري عن حفص بن غياث قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إنْ قدرت أن لا تعرف فافعل، وما عليك ان لا يثنى عليك الناس، وما عليك ان تكون مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند الله، ثم قال :

٥٤٥

انى(١) عليّ بن أبي طالب لا خير في العيش إلّا لرجلين، رجل يزداد كل يوم خيرا، ورجل يتدارك منيته بالتوبة، وأنى له بالتوبة، والله لو سجد حتّى ينقطع عنقه ما قبل الله تبارك وتعالى منه إلّا بولايتنا أهل البيت، ألآ ومن عرف حقنا ورجا الثواب فينا ورضى بقوته نصف مد في كل يوم وما ستر عورته وما أكن رأسه وهم والله في ذلك خائفون وجلون ودوا أنّه حظّهم من الدنيا، وكذلك وصفهم اللهعزوجل فقال:( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ ) ثم قال: ما الذي آتوا، أتوا والله مع الطاعة والمحبة والولاية وهم في ذلك خائفون، ليس خوفهم خوف شك ولكنهم خافوا أن يكونوا مقصرين في محبتنا وطاعتنا.

٨٢ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم ثم ذكرعزوجل من يريد بهم الخير فقال:( إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ) إلى قوله:( يُؤْتُونَ ما آتَوْا ) قال: من العبادة والطاعة.

٨٣ ـ في روضة الكافي وهيب عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن قول اللهعزوجل :( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قال: هي شفاعتهم ورجاؤهم يخافون أن ترد عليهم أعمالهم ان لم يطيعوا الله عز ذكره ويرجون ان يقبل منهم.

٨٤ ـ في مجمع البيان ( وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : معناه خائفة ان لا يقبل منهم وفي رواية اخرى أتى وهو خائف راج.

٨٥ ـ في محاسن البرقي عنه عن الحسن بن علي بن فضال عن أبي جميلة عن محمد الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله:( الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ ) قال: يعملون ما عملوا وهم يعلمون انهم يثابون عليه.

٨٦ ـ وروى عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: يعملون ويعلمون انهم سيثابون عليه.

٨٧ ـ عنه عن أبيه عن ابن سنان عن ابن بكير عن زرارة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: لو ان العباد وصفوا الحق وعملوا به ولم تعقد قلوبهم على أنّه الحق

__________________

(١) كذا في النسخ ولم أظفر على الحديث في مظانه في كتاب الكافي.

٥٤٦

ما انتفعوا.

٨٨ ـ في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن علي بن حديد عن منصور بن يونس عن حارث بن المغيرة أو أبيه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له: ما كان في وصية لقمان؟ قال: كان فيها الأعاجيب وكان أعجب ما كان فيها ان قال: خف الله جل وعز خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك، وارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك.

٨٩ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن النعمان عن حمزة بن حمران قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إنّ مما حفظ من خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: الآ ان المؤمن يعمل بين مخافتين، بين أجل قد مضى لا يدرى ما الله صانع فيه وبين أجل قد بقي لا يدرى ما اللهعزوجل قاض فيه. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٩٠ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ ) يقول: هو عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه لم يسبقه أحد.

٩١ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب في مناقب زين العابدينعليه‌السلام وكان إذا دخل شهر رمضان يكتب على غلمانه ذنوبهم حتّى إذا كان آخر ليلة دعاهم ثم أظهر الكتاب وقال: يا فلان فعلت كذا وكذا ولم أؤد بك؟ فيقرون اجمع فيقوم وسطهم ويقول لهم: ارفعوا أصواتكم وقولوا: يا عليّ بن الحسين ربك قد أحصى عليك ما عملت كما أحصيت علينا ولديه كتاب ينطق بالحق لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها فاذكر ذل مقامك بين يدي ربك الذي لا يظلم مثقال ذرة وكفى بالله شهيدا، فاعف واصفح يعف عنك المليك لقوله تعالى:( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ ) ويبكى وينوح.

٩٢ ـ في جوامع الجامع ( حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ ) والعذاب قتلهم يوم بدر، أو الجوع حين دعا عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: أللهمّ اشدد ووطأتك على مضر

٥٤٧

واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف(١) فابتلاهم الله بالقحط حتّى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحترقة والقد(٢) والأولاد. وفي مجمع البيان ذكر نحو الثاني ونقله قولا عن الضحاك.

٩٣ ـ وفي جوامع الجامع ـ أم جاء هم ما لم يأت آبائهم الأولين حيث خافوا الله فآمنوا به وأطاعوه، وآباءهم إسمعيل وأعقابه وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين، ولا تسبوا الحارث بن كعب ولا أسد بن خزيمة ولا تميم بن مر فإنهم كانوا على الإسلام، وما شككتم فيه من شيء فلا تشكوا في ان تبعا كان مسلما.

٩٤ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم ـ ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن قال: الحق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام .

٩٥ ـ وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) يقول: أم تسألهم أجرا فأجر ربك خير وقوله:( وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) قال: إلى ولاية أمير المؤمنين.

٩٦ ـ في أمالي شيخ الطائفة قدس‌سره باسناده إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل يقول فيهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليٍّعليه‌السلام ، من أحبّك لدينك وأخذ بسبيلك فهو ممن هدى إلى صراط مستقيم، ومن رغب عن هواك وأبغضك وانجلاك لقى الله يوم القيامة لا خلاق له.

٩٧ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم قال:( وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ ) قال: عن الامام لحادون.

__________________

(١) قال الجزري: الوطأة في الأصل: الدوس بالقدم، فسمى به لغزو والقتل، لان من يطأ الشيء برجله فقد استقصى في إهلاكه واهانته ومنه الحديث أللهمّ اشدد ووطأتك على مضر أي خذهم أخذا شديدا، وقال: السنة: الجدب.

(٢) القد: الإناء من جلد. والنعل لم يجرد من الشعر. وفي بعضي النسخ «القدر» لكن المختار هو الموافق للمصدر أيضا.

٥٤٨

٩٨ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن محمد بن جمهور عن عبد الله بن عبد الرحمن عن الهيثم بن واقد عن صفوان قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إنّ الله تبارك وتعالى لو شاء لعرف العباد نفسه، ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله والوجه الذي يؤتى منه، فمن عدل عن ولايتنا أو فضل علينا غيرنا فإنهم( عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٩٩ ـ في روضة الكافي خطبة مسندة لأمير المؤمنينعليه‌السلام : وهي خطبة الوسيلة يقول فيهاعليه‌السلام وقد ذكر الاشقيين: يقول لقرينه إذا التقيا:( يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ) فيجيبه الأشقى على رثوثة:( يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً ) فأنا الذكر الذي عنه ضل، والسبيل الذي عنه مال، والايمان الذي به كفر، والقرآن الذي إياه هجر، والدين الذي به كذب، والصراط الذي عنه نكب.

١٠٠ ـ في جوامع الجامع ـ( وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) ولما أسلم ثمامة بن أثال الحنفي ولحق باليمامة ومنع الميرة من أهل مكة وأخذهم الله بالسنين حتّى أكلوا العلهز وهو دم القراد مع الصوف، جاء أبو سفيان بن حرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له: أنشدك الله والرحم، ألست تزعم انك بعثت رحمة للعالمين؟ فقال: بلى، فقال له: قتلت الاباء بالسيف والأبناء بالجوع.

١٠١ ـ في أصول الكافي عليّ بن إبراهيم عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل ،( فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ ) فقال: الاستكانة هو الخضوع، والتضرع هو رفع اليدين والتضرع بهما.

١٠٢ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ ) قال: الاستكانة هي الخضوع، والتضرع رفع اليدين والتضرع بهما.

٥٤٩

١٠٣ ـ في مجمع البيان وروى عن مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : رفع الأيدي من الاستكانة، قلت: وما الاستكانة؟ قال: إلّا تقرء هذه الاية:( فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ ) أورده الثعلبي والواحدي في تفسيريهما.

١٠٤ ـ وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : الاستكانة الدعاء، والتضرع رفع اليدين في الصلوة.

١٠٥ ـ( حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ ) وذلك حين دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم فقال: أللهمّ اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف فجاعوا حتّى أكلوا العلهز وهو الوبر بالدم، وقال أبو جعفرعليه‌السلام : هو في الرجعة. قال عز من قائل: و( هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ ) الآية.

١٠٦ ـ في نهج البلاغة قالعليه‌السلام : اعجبوا لهذا الإنسان ينظر بشحم ويتكلم بلحم ويسمع بعظم ويتنفس من خرم(١) .

١٠٧ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم ثم رد اللهعزوجل على الثنوية الذين قالوا بالهين فقال:( مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ) قال: لو كانا الهين كما زعمتم لطلب كل واحد منهما العلو، وإذا شاء واحد أن يخلق إنسانا شاء الاخر أن يخالفه فيخلق بهيمة، فيكون الخلق منهما على مشيتهما واختلاف ارادتهما إنسانا وبهيمة في حالة واحدة، فهذا من أعظم المحال غير موجود، وإذا بطل هذا ولم يكن بينهما اختلاف بطل الاثنان، وكان واحدا، فهذا التدبير واتصاله وقوام بعضه ببعض يدل على صانع واحد، وهو قول اللهعزوجل :( مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ) وقوله:( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) .

١٠٨ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن

__________________

(١) الخرم: الثقب والشق.

٥٥٠

عليه‌السلام حديث طويل وفي آخره قلت: جعلت فداك بقيت مسئلة قال: هات لله أبوك، قلت: يعلم القديم الشيء الذي لم يكن ان لو كان كيف كان يكون؟ قال: ويحك ان مسائلك لصعبة، أما سمعت الله يقول:( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) وقوله:( وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ) وقال يحكى قول أهل النار:( أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ) وقال:( وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ) فقد علم الشيء الذي لم يكن ان لو كان كيف كان يكون.

١٠٩ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى ثعلبة بن ميمون عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ) فقال: عالم الغيب ما لم يكن، والشهادة ما قد كان.

١١٠ ـ في مجمع البيان وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني باسناده عن أبي صالح عن ابن عباس وجابر بن عبد الله انهما سمعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في حجة الوداع وهو بمنى: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، وايم الله لئن فعلتموها لتعرفني في كتيبة يضاربونكم قال: فغمز من خلفه منكبه الأيسر فالتفت فقال: أو على فنزل:( قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ) الآيات.

١١١ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: بعث أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى بشر بن عطارد التيمي في كلام بلغه فمر به رسول أمير المؤمنينعليه‌السلام في بنى أسد وأخذه، فقام إليه نعيم بن دجاجة الأسدي فأفلته(١) فبعث إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام فأتوه به وأمر به أن يضرب فقال نعيم: أما والله ان المقام معك لذل وان فراقك لكفر؟ قال: فلما سمع ذلك منه قال له: قد عفونا عنك ان اللهعزوجل يقول:( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ) اما قولك: إنّ المقام معك لذل فسيئة اكتسبتها، واما قولك: وان فراقك لكفر فحسنة اكتسبتها فهذه بهذه فأمر ان يخلى عنه.

١١٢ ـ في محاسن البرقي عنه عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عمن أخبره

__________________

(١) أي خلصه من يده.

٥٥١

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله تعالى:( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ) قال: التي هي أحسن التقية،( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) .

١١٣ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وقوله: و( قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ ) قال: ما يقع في قلبك من وسوسة الشياطين.

١١٤ ـ في كتاب ثواب الأعمال وذكر أحمد بن أبي عبد الله ان في رواية أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: من منع الزكاة سأل الرجعة عند الموت، وهو قول اللهعزوجل :( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ) .

١١٥ ـ في الكافي يونس عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم، وهو قوله تعالى:( رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ) .

١١٦ ـ أحمد بن محمد عن علي بن الحسين عن وهيب بن حفص عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: من منع الزكاة سأل الرجعة عند الموت، وهو قول الله تعالى:( رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ) .

١١٧ ـ في من لا يحضره الفقيه في وصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليٍّعليه‌السلام : يا عليُّ تارك الزكاة يسأل الرجعة إلى الدنيا، وذلك قول اللهعزوجل :( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ) لآية.

١١٨ ـ في أمالي الصدوق رحمه‌الله عن الصادقعليه‌السلام حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام : إذا مات الكافر شيّعه سبعون ألفا من الزبانيّة إلى قبره، وأنّه ليناشد حامليه بصوت يسمعه كل شيء إلّا الثقلان ويقول:( لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) ويقول:( رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ) فتجيبه الزبانية( كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها )

١١٩ ـ في مجمع البيان وروى العيّاشي باسناده عن الفتح بن يزيد الجرجاني قال قلت لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام : جعلت فداك يعرف القديم سبحانه الشيء الذي لم

٥٥٢

يكن أنْ لو كان كيف كان يكون؟ قال: ويحك إنّ مسألتك لصعبة، أما قرأت قولهعزوجل إلى قوله: وقال ـ يحكى قول الأشقياء ـ:( رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها ) فقد علم الشيء الذي لم يكن أنْ لو كان كيف كان يكون.

١٢٠ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم قولهعزوجل :( وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) قال: البرزخ هو امر بين أمرين وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والاخرة وهو قول الصادقعليه‌السلام : والله ما أخاف عليكم إلّا البرزخ، واما إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم.

١٢١ ـ وقال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام : إنّ القبر إمّا روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.

١٢٢ ـ وفيه أيضا وقوله:( وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) فقال الصادقعليه‌السلام : البرزخ القبر وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والاخرة، والدليل على ذلك قول العالمعليه‌السلام : والله ما نخاف عليكم إلّا البرزخ.

١٢٣ ـ في كتاب الخصال عن الزهري قال قال علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام : أشد ساعات ابن آدم ثلاث ساعات: الساعة التي يعاين فيها ملك الموت، والساعة التي يقوم فيها من قبره، والساعة التي يقوم فيها بين يدي الله، فاما إلى الجنة واما إلى النار، ثم قال: إنْ نجوت يا ابن آدم عند الموت فأنت أنت والا هلكت، وان نجوت يا بن آدم حين توضع في قبرك فأنت أنت والا هلكت، وان نجوت حين تحمل الناس على الصراط فأنت أنت والا هلكت، وان نجوت يا ابن آدم حين تقوم لرب العالمين فأنت أنت والا هلكت، ثم تلا:( وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) وقال: هو القبر، وان لهم فيها لمعيشة ضنكا، والله ان القبر لروضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.

١٢٤ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن

٥٥٣

محمد عن عبد الرحمان بن حماد عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّي سمعتك وأنت تقول: كل شيعتنا في الجنة على ما كان فيهم؟ قال: صدقتك كلهم والله في الجنة، قال: قلت: جعلت فداك ان الذنوب كثيرة كبار؟ فقال: اما في القيامة فكلكم في الجنة بشفاعة النبي المطاع أو وصيّ النبي، ولكني والله أتخوف عليكم في البرزخ، قلت: وما البرزخ؟ فقال: القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة.

١٢٥ ـ في نهج البلاغة قالعليه‌السلام : سلكوا في بطون البرزخ سبيلا سلطت الأرض عليهم فيه، فأكلت لحومهم وشربت من دمائهم فأصبحوا في فجوات قبورهم جمادا لا ينمون وضمارا لا يوجدون، لا يفزعهم ورود الأهوال ولا يحزنهم تنكر الأحوال، ولا يحفلون بالرواجف، ولا يأذنون للقواصف، غيبا لا ينتظرون، وشهودا لا يحضرون وانما كانوا جميعا فتشتتوا، وآلافا فافترقوا، وما عن طول عهدهم ولا بعد محلهم عميت أخبارهم وصمت ديارهم، ولكنهم سقوا كأسا بدلتهم بالنطق خرسا وبالسمع صمما، وبالحركات سكونا فكأنهم في ارتجال الصفة صرعى سبات، جيران لا يتآنسون وأحباء لا يتزاورون، بليت بينهم عرى التعارف، وانقطعت منهم أسباب الإخاء فكلهم وحيد وهم جميع، وبجانب الهجر وهم أخلاء لا يتعارفون لليل صباحا ولا لنهار مساء أي الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا شاهدوا من أخطار دارهم أفظع مما خافوا ورأوا من آياتها أعظم مما قد روا، فكلا الغايتين مدت لهم إلى مباءة، فأتت مبالغ الخوف والرجاء فلو كانوا ينطقون بها لعيوا بصفة ما شاهدوا وما عاينوا(١)

__________________

(١) قولهعليه‌السلام : «في فجوات» هي جمع فجوة: وهي الفرجة المتسعة بين الشيئين. «وجمادا لا ينمون» قال الشارح المغزلى أي خرجوا عن صورة الحيوانية إلى صورة الجماد الذي لا ينمى ولا يزيد، ويروى لا ينمون بتشديد الميم من النميمة وهي الهمس والحركة ومنه قولهم اسكت الله نامته في قوله من شدد ولم يهمز «وضمارا» يقال لكل ما لا يرجى من الدين والوعد، وكل ما لا تكون منه على ثقة ضمار «لا يحفلون بالرواجف» أي لا يكترثون بالزلازل «ولا يأذنون للقواصف» أي لا يسمعون الأصوات الشديدة، أذنت لكذا أي سمعته، وجمع لغائب

٥٥٤

١٢٦ ـ في الكافي عليّ بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن خالد بن عمارة عن أبي بصير: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا حيل بينه(١) وبين الكلام أتاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن شاء الله(٢) فجلس رسول الله عن يمينه والاخر عن يساره، فيقول له رسول الله: اما ما كنت ترجو فهو ذا أمامك، وأما ما كنت تخاف منه فقد أمنت منه، ثم يفتح له بابا إلى الجنة فيقول: هذا منزلك من الجنة، فان شئت رددناك إلى الدنيا ولك فيها ذهب وفضة، فيقول: لا حجة لي في الدنيا، فعند ذلك بيض لونه ويرشح جبينه وتقلص شفتاه(٣) وتنتشر منخراه وتدمع عينه اليسرى، فأى هذه العلامات رأيت فاكتف بها فاذا خرجت النفس من الجسد فيعرض عليها كما يعرض عليه وهي في الجسد، فتختار الآخرة فيغسله فيمن يغسله، ويقلبه فيمن يقلبه فاذا أدرج في أكفانه ووضع على سريره خرجت روحه تمشي بين أيدى القوم قدما، تلقاه أرواح المؤمنين يسلمون عليه ويبشرونه بما أعد الله له جل ثناؤه من النعيم، فاذا وضع في قبره رد إليه الروح إلى وركيه(٤) ثم يسأل عما يعلم، فاذا جاء بما يعلم فتح له ذلك الباب الذي أراه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيدخل عليه من نورها وبردها وطيب ريحها، قال: قلت: جعلت فداك فأين ضغطة القبر؟ فقال: هيهات ما على المؤمنين شيء والله ان هذه الأرض لتفتخر على هذه فتقول وطأ على ظهري مؤمن ولم يطأ على ظهرك مؤمن، وتقول له الأرض: والله لقد كنت أحبك وأنت تمشي على ظهري، فاما إذا وليتك فستعلم ماذا أصنع بك فتفسح له مد بصره

__________________

غيب وغيب وكلاهما مروي هاهنا، وآلاف جمع ألف، ككفار جمع كافر. وقولهعليه‌السلام : «فكأنهم في ارتجال الصفة» أي إذا وصفهم الواصف مرتجلا غير مترو في الصفة ولا متهيئ، للقول والسبات: النوم والمباءة: المنزل.

(١) أي المحتضر.

(٢) كنى بمن شاء الله عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وانما لم يصرح به كتمانا على المخالفين المنكرين.

(٣) قلص الشفتين: انزوائهما.

(٤) الورك ـ ككتف ـ: ما فوق الفخذ كالكتف فوق العضد.

٥٥٥

١٢٧ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن عبد العزيز العبدي عن ابن أبي يعفور قال: كان خطاب الجهني خليطا لنا وكان شديد النصب لال محمد وكان يصحب نجدة الحروري(١) قال: فدخلت عليه أعوده للخلطة والتقية، فاذا هو مغمى عليه في حد الموت، فسمعته يقول: ما لي ولك يا عليُّعليه‌السلام ؟! فأخبرت بذلك أبا عبد اللهعليه‌السلام ، فقال أبو عبد الله: رآه ورب الكعبة رآه ورب الكعبة.

١٢٨ ـ عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : أرأيت الميت إذا مات لم يجعل معه الجريدة؟ قال: تجافى عنه العذاب والحساب ما دام العود رطبا قال: والعذاب كله في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل القبر ويرجع القوم، وانما جعلت السعفتان(٢) لذلك فلا يصيبه عذاب ولا حساب بعد جفوفهما ان شاء الله.

١٢٩ ـ محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن عبد الرحمان بن أبي هاشم عن سالم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ما من موضع قبر إلّا وهو ينطق كل يوم ثلاث مرات: أنا بيت التراب، انا بيت البلى، انا بيت الدود، قال: فاذا دخله عبد مؤمن قال: مرحبا وأهلا، أما والله لقد كنت أحبك وأنت تمشي على ظهري فكيف إذا دخلت بطني فسترى ذلك؟ قال فيفسح له مد البصر ويفتح له باب يرى مقعده من الجنة، قال: ويخرج من ذلك رجل لم تر عيناه شيئا أحسن منه، فيقول: يا عبد الله ما رأيت شيئا قط أحسن منك؟ فيقول: انا رأيك الحسن الذي كنت عليه وعملك الصالح الذي كنت تعمله، قال: ثم تؤخذ روحه فيوضع في الجنة حيث رأى منزله، ثم يقال له: نم قرير العين فلا يزال نفحة من الجنة تصيب جسده، ويجد لذتها وطيبها حتّى يبعث. قال: وإذا دخل الكافر قالت له: لا مرحبا بك ولا أهلا، اما والله لقد كنت أبغضك وأنت تمشي على ظهري فكيف إذا دخلت بطني سترى ذلك، قال: فتضم

__________________

(١) الحرورية: طائفة من الخوارج منسوبة إلى حروراء وهي قرية بالكوفة رئيسهم نجدة.

(٢) السعفة: الجريدة من البخل.

٥٥٦

عليه فتجعله رميما ويعاد كما كان، ويفتح له باب إلى النار فيرى مقعده من النار، ثم قال: ثم إنّه يخرج منه رجل أقبح من رأي قط قال: فيقول له: يا عبد الله من أنت ما رأيت شيئا أقبح منك؟ قال: فيقول: أنا عملك السيئ الذي كنت تعمله ورأيك الخبيث، قال: ثم تؤخذ روحه فتوضع حيث راى مقعده من النار، ثم لم تزل نفخة من النار تصيب جسده فيجد ألمها وحرها في جسده إلى يوم يبعث، ويسلط الله على روحه تسعة وتسعين تنينا تنهشه(١) ليس فيها تنين ينفخ على وجه الأرض فتنبت شيئا.

١٣٠ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن عليّ عن غالب بن عثمان عن بشير الدهان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ للقبر كلاما كل يوم يقول: انا بيت الغربة أنا بيت الوحشة، انا بيت الدود، انا القبر، أنا روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.

١٣١ ـ علي بن محمد عن علي بن الحسن عن حسين بن راشد عن المرتجل بن معمر عن ذريح المحاربي عن عبادة الأسدي عن حبة العرني قال: خرجت مع أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الظهر(٢) فوقف بواد السلام كأنه مخاطب لا قوام، فقمت لقيامه حتّى أعييت ثم جلست حتّى مللت، ثم قمت حتّى نالني مثل ما نالني اولا، ثم جلست حتّى مللت ثم قمت وجمعت ردائي، فقلت: يا أمير المؤمنين إنّي قد أشفقت عليك من طول القيام فراحة ساعة؟ ثم طرحت الرداء ليجلس عليه فقال لي: يا حبة ان هو إلّا محادثة مؤمن أو مؤانسة، قال: قلت: يا أمير المؤمنين وانهم لكذلك؟ قال: نعم ولو كشف لك لرأيتهم حلقا حلقا محتبين(٣) يتحادثون، فقلت: أجسام أم أرواح؟ فقال: أرواح، وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلّا قيل لروحه: ألحقي بوادي السلام وانها لبقعة من جنة عدن.

__________________

(١) التنين، الحية العظيمة.

(٢) أي إلى ظهر الكوفة.

(٣) من احتبى بالثوب: اشتمل به. وقيل: جمع بين ظهر. وساقيه بعمامة ونحوها ليستند، إذ لم يكن للعرب في البوادي جدران تستند إليها في مجالسها.

٥٥٧

١٣٢ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن عليّ عن أحمد بن عمر رفعه إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت له: إنّ أخي ببغداد وأخاف أن يموت بها؟ فقال: ما يبالي حيث ما مات، اما أنّه لا يبقى مؤمن في شرق الأرض وغربها إلّا حشر الله روحه إلى وادي السلام، قلت له: وأين وادي السلام؟ قال: ظهر الكوفة، أما أنّي كأنّي بهم حلق حلق قعود يتحدّثون.

١٣٣ ـ عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن أبي ولاد الحنّاط عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت له: جعلت فداك يروون ان أرواح المؤمنين في حواصل طيور(١) خضر حول العرش، فقال: لا، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير، لكن في أبدان كأبدانهم.

١٣٤ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن عبد الرحمان بن أبي نجران عن مثنى الحناط عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إنّ أرواح المؤمنين لفي شجرة من الجنة يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها، ويقولون: ربنا أقم الساعة لنا وأنجز لنا ما وعدتنا وألحق آخرنا بأولنا.

١٣٥ ـ سهل بن زياد عن إسمعيل بن مهران عن درست بن أبي منصور عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ الأرواح في صفة الأجساد في شجرة في الجنة، تتعارف وتتسائل، فاذا قدمت الروح على الأرواح تقول: دعوها فانها قد أقبلت من هول عظيم، ثم يسألونها: ما فعل فلان وما فعل فلان؟ فان قالت لهم: تركته حيا ارتجوه، وان قالت لهم: قد هلك قالوا: قد هوى هوى(٢) .

١٣٦ ـ عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمد بن عثمان عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن أرواح المؤمنين؟ فقال: في حجرات في الجنة يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها، ويقولون: ربنا أقم لنا الساعة و

__________________

(١) الحواصل جمع الحوصلة وهي من الطير بمنزلة المعدة للإنسان.

(٢) قال المجلسي (ره): أي سقط إلى دركات الجحيم، إذ لو كان من السعداء لكان يلحق بنا.

٥٥٨

أنجز لنا ما وعدتنا والحق آخرنا بأولنا.

١٣٧ ـ على عن أبيه عن محسن بن أحمد عن محمد بن حماد عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا مات الميت اجتمعوا عنده يسألونه عمن مضى وعمن بقي فان كان مات ولم يرد عليهم قالوا: قد هوى هوى، ويقول بعضهم لبعض: دعوه حتّى يسكن مما مر عليه من الموت.

١٣٨ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن القاسم بن محمد عن الحسين بن أحمد عن يونس بن ظبيان قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال: ما يقول الناس في أرواح المؤمنين؟ فقلت: يقولون: تكون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : سبحان الله المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير، يا يونس إذا كان ذلك أتاه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى وفاطمة والحسن والحسين والملائكة المقربونعليهم‌السلام فاذا قبضه اللهعزوجل صير تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون، فاذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا.

١٣٩ ـ محمد عن أحمد عن الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن عن زرعة عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : انا نتحدث عن أرواح المؤمنين انها في حواصل طيور خضر ترعى في الجنة وتأوى إلى قناديل تحت العرش؟ فقال: لا، اذن ما هي في حواصل طير. قلت: فأين هي؟ قال: في روضة كهيئة الأجساد في الجنة.

١٤٠ ـ على عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمد بن عثمان عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن أرواح المشركين فقال: في النار يعذبون يقولون: ربنا لا تقم لنا الساعة ولا تنجز لنا ما وعدتنا ولا تلحق آخرنا بأولنا.

١٤١ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن عبد الرحمان بن أبي نجران عن مثنى عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ أرواح الكفار في نار جهنم يعرضون عليها يقولون: ربنا لا تقم لنا الساعة ولا تنجز لنا ما وعدتنا ولا تلحق آخرنا بأولنا.

٥٥٩

١٤٢ ـ محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بإسناد له قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : شر بئر في النار برهوت الذي فيه أرواح الكفار.

١٤٣ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وعلى بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن جعفر بن محمد الأشعري عن القداح عن أبي عبد الله عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : شر ماء على وجه الأرض ماء برهوت، وهو الذي بحضرموت ترده هام الكفار.(١)

١٤٤ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّما يسأل في قبره من محض الايمان محضا أو محض الكفر محضا، وما سوى ذلك فيلهى عنه.(٢)

١٤٥ ـ أبو على الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن الحجال عن ثعلبة عن أبي بكر الحضرمي قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : لا يسأل في القبر إلّا من محضَّ الايمان محضا أو محض الكفر محضا، والآخرون يلهون عنهم.

١٤٦ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن بريد بن معاوية عن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : لا يسأل في القبر إلّا من محضَّ الايمان محضا أو محضَّ الكفر محضا.

١٤٧ ـ عن أحمد بن محمد عن الحسين عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن

__________________

(١) هام جمع هامة وهي الصدى ورئيس القوم، والصدى الرجل اللطيف الجسد، والجسد من الأدمي بعد موته، وطائر يخرج من رأس المقتول إذا بلى بزعم الجاهلية، وكانوا يزعمون ان عظام الميت تصير هامة فتطير على قبره والمراد بالهامة هنا أرواح الكفار وأبدانهم المثالية، قاله المحدث الكاشاني (ره)

(٢) قولهعليه‌السلام «محض الايمان ..» محض على صبغة الفعل أي أخلص وقولهعليه‌السلام : «فيلهى» ليس على معناه الحقيقي بل هو كناية عن عدم التعرض لهم في سئوال ما دون الايمان والكفر، كذا في هامش المصدر.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643