تفسير نور الثقلين الجزء ٣

تفسير نور الثقلين9%

تفسير نور الثقلين مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 643

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 643 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 266612 / تحميل: 8766
الحجم الحجم الحجم
تفسير نور الثقلين

تفسير نور الثقلين الجزء ٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

فقام وسلم ثم قال: يا سلمان قم وسلم على على بامرة المؤمنين فقام وسلم، حتّى إذا خرجا وهما يقولان: لا والله لا نسلم له ما قال أبدا فانزل الله تبارك وتعالى على نبيه:( وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً ) بقولكم من الله أو من رسوله( إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ ) يكون امة هي ازكى من امة قال: قلت: جعلت فداك إنّما نقرأها( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ ) فقال: ويحك يا زيد وما أربى ان يكون والله أزكى من أئمتكم(١) إنّما يبلو كم الله به يعنى عليّا( وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها ) بعد ما سلمتم على عليٍّعليه‌السلام بامرة المؤمنين( وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) يعنى عليّا( وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) .

٢٠٨ ـ في أصول الكافي محمد بن الحسين(٢) عن محمد بن إسمعيل عن منصور بن يونس عن زيد بن الجهم الهلالي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: لما أنزلت ولاية عليّ بن أبي طالب وكان من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، سلموا على على بامرة المؤمنين فكان مما أكد الله عليهما في ذلك اليوم يا زيد قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لهما، قوما فسلما عليه بامرة المؤمنين، فقالا: أمن الله أو من رسوله يا رسول الله؟ فقال لهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من الله ومن رسوله، فأنزل اللهعزوجل :( وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ ) يعنى به قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لهما وقولهما: أمن الله أو من رسوله( وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ ) ازكى من أئمتكم» قال: قلت: جعلت فداك أئمة؟ قال: أي والله أئمة، قلت: فانا نقرء أربى؟ قال: ما أربى وأومى بيده فطرحها،( إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ ) يعنى بعلىعليه‌السلام

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المصدر «ما اربى ان يكون والله كى ازكى من أئمتكم».

(٢) كذا في النسخ وفي المصدر «محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين اه».

٨١

( وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها ) يعنى بعد مقالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عليٍّعليه‌السلام ( وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) يعنى به عليٍّعليه‌السلام ( وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) .

٢٠٩ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم قال عليّ بن إبراهيم في قوله:( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً ) فانه حدّثني أبي رفعه قال: قال أبو عبد الله: لما نزلت الولاية وكان من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بغدير خم سلموا على عليعليه‌السلام بامرة المؤمنين فقالا: من الله ومن رسوله؟ فقال لهما: نعم حقا من الله ومن رسوله، أنّه أمير المؤمنين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين يقعده الله يوم القيمة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة، ويدخل أعدائه النار، فأنزل اللهعزوجل :( وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ ) يعنى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الله ومن رسوله، ثم ضرب لهم مثلا فقال:( وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ ) .

٢١٠ ـ وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: التي نقضت غزلها امرأة من بنى تيم بن مرة يقال لها ريطة بنت كعب بن سعد بن تيم بن لوى بن غالب، كانت حمقاء تغزل الشعر، فاذا غزلته نقضته ثم عادت فغزلته، فقال الله:( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ ) قال: إنّ الله تبارك وتعالى أمر بالوفاء ونهى عن نقض العهد، فضرب لهم مثلا.

رجع إلى رواية عليّ بن إبراهيم في قوله: «ان تكون أئمة هي ازكى من أئمتكم» فقيل: يا ابن رسول الله نحن نقرأ( هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ ) قال: ويحك وما أربى وأومى بيده بطرحها( إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ ) يعنى بعلى بن أبى طالب يختبر كم( وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ* وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً ) قال على مذهب واحد وأمر واحد( وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ) قال: يعذب بنقض العهد( وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) قال: يثيب( وَلَتُسْئَلُنَ

٨٢

عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) .

قوله:( وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ ) قال هو: مثل لأمير المؤمنينعليه‌السلام ( فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها ) يعنى بعد مقالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه( وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) يعنى عن عليّ( وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) .

٢١١ ـ في تفسير العيّاشي متصلا بآخر ما سبق عنه اعنى قوله:( وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) عن عبد الرحمن بن سالم الأشل عنه قال:( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ ) قوة بعد أنكاثا» عائشة هي نكثت ايمانها.

٢١٢ ـ في مجمع البيان قال ابن عباس: أنّ رجلا من حضرموت يقال له عبدان ـ الاشرع قال: يا رسول الله ان امرء القيس الكندي جاورني في أرضى فاقتطع من أرضى(١) فذهب بها منى والقوم يعلمون أنّي لصادق لكنه أكرم عليهم منى، فسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله امرء القيس عنه فقال: لا أدرى ما يقول، فأمره أن يحلف، فقال عبدان: غنّه فاجر لا يبالي أن يحلف، فقال: إنْ لم يكن لك شهود فخذ يمينه، فلمّا قام ليحلف أنظره فانصرفا فنزل قوله:( وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ) الآيتان فلمّا قرأهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال امرء القيس: أمّا ما عندي فينفد وهو صادق فيما يقول، لقد اقتطعت أرضه ولم أدر كم هي فليأخذ من أرضى ما شاء ومثلها معها بما أكلت من ثمرها، فنزل فيه:( مَنْ عَمِلَ صالِحاً ) الآية.

٢١٣ ـ في كتاب معاني الأخبار حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن أبى عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قيل له: إنّ أبا الخطاب يذكر عنك انك قلت له: إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت، قال: لعن الله أبا الخطاب والله ما قلت هكذا، ولكني قلت له: إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت من خير يقبل منك، ان اللهعزوجل يقول:( مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ ) ويقول تبارك وتعالى:( مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ) .

٢١٤ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم قوله:( مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً )

__________________

(١) اقتطع من ماله قطعة: أخذ منه شيئا.

٨٣

قال: القنوع بما رزقه الله.

٢١٥ ـ في نهج البلاغة وسئل عن قول الله تعالى:( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ) ؟ فقال: هي القناعة.

٢١٦ ـ في مجمع البيان ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ) فيه أقوال إلى قوله: «ثانيها» انها القناعة والرضا بما قسم الله تعالى وروى ذلك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢١٧ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن علي بن الحسن بن عليّ عن عباد بن يعقوب عن عمرو بن مصعب عن فرات بن أحنف عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سمعته يقول: أوّل كل كتاب نزل من السماء( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فاذا قرأت( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فلا تبالي ألّا تستعيذ، وإذا قرأت( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ستر بك فيما بين السماء والأرض.

٢١٨ ـ في روضة الكافي خطبة طويلة لأمير المؤمنينعليه‌السلام يقول فيها: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) إلى آخر السورة.

٢١٩ ـ في عوالي اللئالى وروى عن عبد الله بن مسعود قال: قرأت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت: وأعوذ بالله السميع العليم فقال لي: يا ابن أم عبد قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأنيه جبرئيل.

٢٢٠ ـ في قرب الاسناد للحميري باسناده إلى حنان بن سدير قال: صليت خلف أبي عبد اللهعليه‌السلام المغرب قال: فتعوذ بإجهار: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بالله ان يحضرون» ثم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم.

٢٢١ ـ في تهذيب الأحكام محمد بن علي بن محبوب عن عبد الصمد بن محمد عن حنان بن سدير قال: صليت خلف أبي عبد اللهعليه‌السلام فتعوذ بإجهار، ثم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم.

٢٢٢ ـ في عيون الاخبار حديث طويل عن موسى بن جعفرعليه‌السلام وقد قال له

٨٤

هارون الرشيد: كيف قلتم: انا ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والنبي لم يعقب وانما العقب للذكر لا للأنثى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ ) الآية.

٢٢٣ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) باسناده إلى محمد بن عليّ الباقرعليه‌السلام حديث يقول فيه حاكيا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فأوحى إلى( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ: يا أيها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية.

٢٢٤ ـ في تفسير العيّاشي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل وفيه فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ ) الآية.

٢٢٥ ـ عن سماعة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله( فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ ) (١) ( بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ) قلت: كيف أقول؟ قال: تقول: أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، وقال: إنّ الرجيم أخبث الشياطين، قال: قلت له: لم سمى الرجيم؟ قال: لأنه يرجم، قلت: فانفلت منها شيء(٢) قال: لا، قلت فكيف: سمى الرجيم ولم يرجم بعد؟ قال: يكون في العلم أنّه رجيم.

٢٢٦ ـ عن الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سئلته عن التعوذ من الشيطان عند كل سورة نفتحها؟ قال: نعم، فتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وذكر ان الرجيم أخبث الشياطين، فقلت له: لم سمى الرجيم؟ قال: لأنه يرجم، فقلت: هل ينفلت شيئا إذا رجم؟ قال: لا ولكن يكون في العلم أنّه رجيم.

٢٢٧ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى عبد العظيم بن عبد الله الحسنى قال: سمعت أبا الحسن علي بن محمد العسكريعليه‌السلام يقول: معنى الرجيم أنّه مرجوم باللعن، مطرود من الخير، لا يذكره مؤمن إلّا لعنه وان في علم السابق إذا خرج القائمعليه‌السلام لا يبقى مؤمن في زمانه إلّا رجمه بالحجارة، كما كان قبل ذلك مرجوما باللعن.

٢٢٨ ـ في مصباح الشريعة قال الصادقعليه‌السلام في كلام طويل: فقارى القرآن

__________________

(١) وفي المصدر «أستعيذ بالله السميع العليم اه».

(٢) انفلت: نجا وتخلص.

٨٥

يحتاج إلى ثلثة أشياء: قلب خاشع، وبدن فارغ، وموضع خال، فاذا خشع لله قلبه فر منه الشيطان الرجيم، قال الله تعالى:( فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ) .

٢٢٣ ـ في مجمع البيان والاستعاذة عند التلاوة مستحبة غير واجبة بلا خلاف في الصلوة وخارج الصلوة.

٢٢٤ ـ في روضة الكافي علي بن محمد عن علي بن العباس عن الحسن بن عبد ـ الرحمان عن منصور بن يونس عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت له:( فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) فقال: يا أبا محمد يسلط الله من المؤمن على بدنه ولا يسلط على دينه، وقد سلط على أيوبعليه‌السلام فشوه خلقه ولم يسلط على دينه، وقد يسلط من المؤمنين على أبدانهم ولا يسلط على دينهم، قلت قولهعزوجل :( إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) قال: الذين هم بالله مشركون، يسلط على أبدانهم وعلى أديانهم.

٢٢٥ ـ في تفسير العيّاشي عن حماد بن عيسى رفعه إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن قول الله:( إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) قال ليس له أن يزيلهم عن الولاية، فاما الذنوب وأشباه ذلك فانه ينال منهم كما ينال من غيرهم.

٢٢٦ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم قوله: و( إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إنّما أَنْتَ مُفْتَرٍ ) قال: كان إذا نسخت آية قالوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت مفتر فرد الله عليهم، فقال: قل لهم يا محمّد( نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ ) يعنى جبرئيل ليثبت الله( الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ ) .

٢٢٧ ـ وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( رُوحُ الْقُدُسِ ) قال: هو جبرئيل، والقدس الطاهر( لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا ) هم آل محمد( وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ ) .

٨٦

٢٢٨ ـ في تفسير العيّاشي عن محمد بن عرامة الصيرفي عمن أخبره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ الله تبارك وتعالى خلق روح القدس فلم يخلق خلقا أقرب إليه منها، وليست بأكرم خلقه عليه، فاذا أراد أمرا ألقاه إليها، فألقاه إلى النجوم فجرت به.

٢٢٩ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم قوله( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إليه أَعْجَمِيٌ ) وهو لسان أبي فكيهة مولى ابن الحضرمي كان أعجمى اللسان وكان قد اتبع نبي الله وآمن به، وكان من أهل الكتاب، فقالت قريش: هذا والله يعلم محمدا علمه بلسانه، يقول الله:( وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) .

٢٣٠ ـ في مجمع البيان وقال عبيد الله بن مسلم: كان غلامان في الجاهلية نصرانيان من أهل عين التمر، اسم أحدهما يسار واسم الآخر خير(١) كانا صقلبيين يقرآن كتابا لهما بلسانهم، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربما مر بهما واستمع لقرائتهما، فقالوا: إنّما يتعلم منهما.

٢٣١ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى داود بن القاسم قال: سمعت علي بن موسى الرضاعليه‌السلام يقول: من شبه الله بخلقه فهو مشرك، ومن وصفه بالمكان فهو كافر، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كاذب، ثم تلا هذه الآية( إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ ) .

٢٣٢ ـ في تفسير العيّاشي عن العباس بن هلال عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أنّه ذكر رجلا كذابا ثمّ قال: فقال الله:( إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ) .

٢٣٣ ـ عن معمر بن يحيى بن سالم قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام ، أنّ أهل الكوفة يروون عن عليٍّعليه‌السلام أنّه قال: ستدعون إلى سبى والبراءة منى، فان دعيتم إلى سبى فسبوني وان دعيتم إلى البراءة منى فلا تتبرؤا منى فانى على دين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال أبو جعفرعليه‌السلام : ما أكثر ما يكذبون عليّعليه‌السلام إنّما قال إنّكم ستدعون إلى سبي والبراءة منى، فان دعيتم إلى سبيّ فسبوني وان دعيتم إلى البراءة منى فانى على دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يقل فلا تتبرؤا منى، قال: قلت: جعلت فداك فان أراد الرجل يمضى على القتل ولا يتبرأ؟ فقال: لا والله [الا]

__________________

(١) هذا هو الظاهر الموافق للمصدر وفي بعض النسخ «حنتر».

٨٧

على الذي مضى عليه عمّار، إنّ الله يقول:( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ )

٢٣٣ ـ عن أبي بكر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال بعضنا: مد الرقاب أحب إليك أم البراءة من عليٍّ؟ فقال: الرخصة أحبّ إليَّ أما سمعت قول الله في عمّار:( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) .

٢٣٤ ـ عن عبد الله بن عجلان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته فقلت له: إنّ الضحّاك(١) قد ظهر بالكوفة ويوشك ان ندعى إلى البراءة من عليٍّ فكيف نصنع! قال: فابرء منه، قال: قلت: أي شيء أحب إليك؟ قال: أنْ يمضون على ما مضى عليه عمّار بن ياسر، أخذ بمكّة فقالوا له: إبرء من رسول الله فبرأ منه، فأنزل الله عذره( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) .

٢٣٥ ـ في أصول الكافي عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن بكر بن صالح عن القاسم ابن يزيد: قال: حدّثنا أبو عمرو الزبيري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال: فاما ما فرض الله على القلب من الايمان فالإقرار والمعرفة والعقد والرضا، والتسليم بأنْ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له إلها واحدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وان محمدا عبده ورسوله، والإقرار بما جاء به من عند الله من نبي أو كتاب، فذلك ما فرض الله على القلب من الإقرار والمعرفة وهو عمله، وهو قول اللهعزوجل :( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً ) وقال:( أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) فذلك ما فرض اللهعزوجل على القلب من الإقرار والمعرفة وهو عمله وهو رأس الايمان، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٢٣٦ ـ ابن محبوب عن خالد بن نافع البجلي عن محمد بن مروان قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إنّ رجلا أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله أوصنى فقال: لا تشرك بالله شيئا وان حرقت بالنار وعذبت، إلّا وقلبك مطمئن بالايمان، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

__________________

(١) هو ضحاك بن قيس الشيباني الخارج بالكوفة سنة ١٢٧ في خلافة مروان والمقتول بكفرثوثا سنة ١٢٨ وقيل أنّه قتل سنة ١٢٩ ورأى رأى الخوارج والحرورية.

٨٨

٢٣٧ ـ عليّ بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال: قيل لأبي عبد اللهعليه‌السلام أنّ الناس يروون أنّ عليّا قال على منبر الكوفة: أيها الناس انكم ستدعون إلى سبى فسبوني ثم تدعون إلى البرائة منى فلا تتبرؤا منى؟ فقال: ما أكثر ما يكذب الناس على عليّعليه‌السلام ثم قال: إنّما قال: إنّكم ستدعون إلى سبي فسبوني، ثم تدعون إلى البرائة مني وانى لعلى دين محمّد ولم يقل: فلا تتبرؤا منى، فقال له السائل: أرأيت ان اختار القتل دون البرائة؟ فقال: والله ما ذلك عليه وما له إلّا ما مضى عليه عمّار بن ياسر، حيث أكرهه أهل مكّة و( قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) ، فأنزل اللهعزوجل ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عندها: يا عمّار ان عادوا فعد فقد أنزل اللهعزوجل عذرك وأمرك أن تعودان عادوا.

٢٣٨ ـ على عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل عن محمد بن مروان قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما منع ميثمرحمه‌الله من التقية؟ فو الله لقد علم أنّ هذه الآية نزلت في عمار وأصحابه( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) .

٢٣٩ ـ الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن أبي داود المسترق قال: حدثني عمرو بن مروان قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : رفع عن أمتي أربع خصال: خطاؤها ونسيانها وما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا، وذلك قول اللهعزوجل :( رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ) وقوله:( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) .

٢٤٠ ـ في من لا يحضره الفقيه قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصية لابنه محمد بن الحنفية: وفرض الله على القلب وهو أمير الجوارح الذي به تعقل وتفهم وتصدر عن أمره ورأيه فقالعزوجل :( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) الآية.

٢٤١ ـ في قرب الاسناد للحميري باسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ التقية ترس المؤمن ولا ايمان لمن لا تقية له، قلت: جعلت فداك أرأيت قول الله تبارك وتعالى :

٨٩

( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) قال: وهل التقية إلّا هذا؟

٢٤٢ ـ في مجمع البيان قيل نزل قوله:( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) في جماعة أكرهوا وهم عمار وياسر أبوه وامه سمية وصهيب وبلال وخباب عذبوا وقتل أبو عمار وامه، فأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا منه، ثم أخبر بذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال قوم: كفر عمار فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : كلا ان عمارا مليء ايمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه، وجاء عمار إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يبكى فقالعليه‌السلام : ما وراك؟ قال: شر يا رسول الله ما تركت حتّى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير، فجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يمسح عينيه ويقول: إنْ عادوا لك فعدلهم بما قلت، فنزلت الآية عن ابن عباس وقتادة.

٢٤٣ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم قوله:( مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) فهو عمار بن ياسر أخذته قريش بمكة فعذبوه بالنار حتّى أعطاهم بلسانه ما أرادوا وقلبه مقر بالايمان، قوله:( وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً ) فهو عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث بن بنى لوى يقول الله:( فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الآخرة وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) . ذلك بان الله ختم على سمعهم وأبصارهم وقلوبهم و( أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخرة هُمُ الْخاسِرُونَ ) هكذا في قراءة ابن مسعود هذا كله في عبد الله بن سعد بن ابى سرح كان عاملا لعثمان بن عفان على مصر.

٢٤٤ ـ في تفسير العيّاشي عن إسحق بن عمار قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يدعو أصحابه فمن أراد به خيرا سمع وعرف ما يدعوه اليه، ومن أراد به شرا طبع على قلبه فلا يسمع ولا يعقل وهو قوله:( أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ ) .

٢٤٥ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وقال عليّ بن إبراهيم ثم قال أيضا في عمار:( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) قوله: و( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا

٩٠

يَصْنَعُونَ ) قال: نزلت في قوم كان لهم نهر يقال له البليان(١) وكانت بلادهم خصبة كثيرة الخير، وكانوا يستنجون بالعجين ويقولون هذا ألين، فكفروا بأنعم الله واستخفوا بنعمة الله، فحبس الله عليهم البليان فجدبوا حتّى أحوجهم الله إلى ما كانوا يستنجون به حتّى كانوا يتقاسمون عليه.

٢٤٦ ـ في محاسن البرقي عن أبيه عن محمد بن سنان عن أبي عيينة(٢) عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ قوما وسع الله عليهم في أرزاقهم حتّى طغوا فاستخشنوا الحجارة فعمدوا إلى النقي(٣) وصنعوا منه كهيئة الأفهار فجعلوه في مذاهبهم(٤) فأخذ هم الله بالسنين فعمدوا إلى أطعمتهم فجعلوها في الخزائن، فبعث الله على ما في الخزائن ما أفسده حتّى احتاجوا إلى ما كان يستطيبون به في مذاهبهم، فجعلوا يغسلونه ويأكلونه.

وفي حديث أبي بصير قال: نزلت فيهم هذه الآية:( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً ) إلى آخر الآية.

٢٤٧ ـ في تفسير العيّاشي عن حفص بن سالم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ قوما في بنى إسرائيل تؤتى لهم من طعامهم حتّى جعلوا منه تماثيل بمدن كانت في بلادهم يستنجون بها، فلم يزل الله بهم حتّى اضطروا إلى التماثيل يبيعونها ويأكلونها، وهو قول الله:( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ ) .

٢٤٨ ـ عن زيد الشحام عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان أبي يكره أن يمسح

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المصدر «الثرثار» مكان «البليان». في الموضعين وهو الظاهر.

(٢) كذا في النسخ وفي المصدر (باب فضل الخبز ...) «عن محمد بن سنان عن عيينة».

(٣) النقي ـ بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء ـ: الخبز المعمول من الباب الدقيق.

(٤) الأفهار جمع الفهر: الحجر ملاء الكف. والمذاهب جمع المذهب: المتوضأ وفي بعض النسخ «مناهيهم» بدل «مذاهبهم».

٩١

يده في المنديل وفيه شيء من الطعام تعظيما له إلّا أن يمصها، أو يكون إلى جانبه صبي فيمصها، قال: فانى أجد اليسير يقع من الخوان فأتفقده فيضحك الخادم، ثم قال: إنّ أهل قرية ممن كان قبلكم كان الله قد وسع عليهم حتّى طغوا، فقال بعضهم لبعض: لو عمدنا إلى شيء من هذا النقي فجعلناه نستنجي به كان ألين علينا من الحجارة قالعليه‌السلام : فلما فعلوا ذلك بعث الله على أرضهم دوابا أصغر من الجراد فلم تدع لهم شيئا خلقه الله إلّا أكلته من شجر أو غيره، فبلغ بهم الجهد إلى أن أقبلوا على الذي كانوا يستنجون به، فأكلوه وهي القرية التي قال الله تعالى:( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً ) إلى قوله:( بِما كانُوا يَصْنَعُونَ ) .

٢٤٩ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن علي بن محمد بن سعد عن محمد بن مسلم عن إسحق بن موسى قال: حدثني أخي وعمى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ثلثة مجالس يمقتها الله ويرسل نقمته على أهلها فلا تقاعدوهم ولا تجالسوهم، مجلسا فيه من يصف لسانه كذبا في فتياه، ومجلسا ذكر أعدائنا فبه جديد وذكرنا فيه رث، ومجلسا فيه من يصدعنا وأنت تعلم، قال: ثم تلا أبو عبد اللهعليه‌السلام : ثلث آيات من كتاب الله كأنما كن فيه أو قال كفه( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) ( وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ ) .

٢٥٠ ـ في كتاب التوحيد محمد بن أحمد بن الحسن بن الوليد رضى الله عنه في جامعه وحدّثنا به محمد بن الحسن الصفار عن العباس بن معروف قال حدثني عبد الرحمان بن أبى نجران عن حماد بن عثمان عن عبد الرحيم القصير قال: كتب أبو عبد اللهعليه‌السلام على يدي عبد الملك بن أعين: إذا أتى العبد بكبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى اللهعزوجل عنها كان خارجا من الايمان، وساقطا عنه اسم الايمان، وثابتا عليه اسم الإسلام، فان تاب واستغفر عاد إلى الايمان ولم يخرجه إلى الكفر والجحود والاستحلال، فاذا قال للحلال هذا حرام وللحرام هذا حلال ودان بذلك، فعندنا

٩٢

يكون خارجا من الايمان والإسلام إلى الكفر، وكان بمنزلة رجل دخل الحرم ثم دخل الكعبة فأحدث في الكعبة حدثا فاخرج عن الكعبة وعن الحرم، فضربت عنقه وصار إلى النار، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٢٥١ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم ثم قالعزوجل :( وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ ) قال: هو ما كانت اليهود تقول:( ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا ) .

٢٥٢ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى عبد الرحمن بن سمرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل يقول فيه: ومن فسر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب.

٢٥٣ ـ في الكافي عليّ بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وقال بعده وبهذا الأسناد قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: والامة واحدة فصاعدا كما قال الله سبحانه وتعالى:( إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ ) يقول: مطيعا لله، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٢٥٤ ـ في تفسير العيّاشي عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبى عبد اللهعليهما‌السلام عن قول الله:( إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً ) قال: شيء فضل الله به.

٢٥٥ ـ قال أبو بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله:( إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً ) قال: سماه الله امة.

٢٥٦ ـ يونس بن ظبيان عنه( إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً ) امة واحدة.

٢٥٧ ـ عن سماعة بن مهران قال: سمعت عبدا صالحا(١) يقول: لقد كانت الدنيا وما [كان] فيها إلّا واحد يعبد الله، ولو كان معه غيره إذا لأضافه إليه حيث يقول:( إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) فصبر بذلك ما شاء الله ثمّ إنَّ الله

__________________

(١) وفي المصدر «العبد الصالح» بدل «عبدا صالحا».

٩٣

آنسه بإسماعيل واسحق فصاروا ثلثة.

٢٥٨ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً ) وذلك أنّه على دين لم يكن عليه أحد غيره فكان امة واحدة، واما قانتا فالمطيع، واما الحنيف فالمسلم،( وَهَداهُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) قال: إلى الطريق الواضح.

٢٥٩ ـ في مصباح الشريعة قال الصادقعليه‌السلام : ولا طريق للأكياس من المؤمنين أسلم من الاقتداء، لأنه المنهج الأوضح، قال اللهعزوجل :( ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ) فلو كان لدين الله تعالى سلك أقوم من الاقتداء لندب أوليائه وأنبيائه اليه.

٢٦٠ ـ في محاسن البرقي عنه عن ابن فضال عن حماد بن عثمان عن عبد الله ابن سليمان الصيرفي قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول:( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) ثم قال: أنتم والله على دين إبراهيم ومنهاجه، وأنتم أولى الناس، أنتم على ديني ودين آبائي.

٢٦١ ـ عنه عن أبيه ومحمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى عن إسحق بن عمار عن عباد ابن زياد قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا عباد ما على ملة إبراهيم أحد غيركم.

٢٦٢ ـ في تفسير العيّاشي عن عمر بن أبي ميثم قال: سمعت الحسين بن عليّ صلوات الله عليه يقول: ما أحد على ملة إبراهيم إلّا نحن وشيعتنا وساير الناس منها براء.

٢٦٣ ـ عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ما أبقت الحنيفية شيئا حتّى أنّ منها قصُّ الشارب والأظفار، والأخذ من الشارب والختان.

٢٦٤ ـ في الكافي عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن بكر بن صالح عن القاسم بن يزيد عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : فأخبر أنّه تبارك وتعالى أول من دعا إلى نفسه ودعا إلى طاعته واتباع امره، فبدء بنفسه وقال:( وَاللهُ يَدْعُوا إلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ثم ثنى برسوله فقال:( ادْعُ إلى سَبِيلِ

٩٤

رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) يعنى بالقرآن.

٢٦٥ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال والله نحن السبيل الذي أمركم الله باتباعه. قوله:( وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) قال: بالقرآن.

٢٦٦ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) قال أبو محمد العسكريعليه‌السلام : ذكر عند الصادقعليه‌السلام الجدال في الدين وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام نهوا عنه فقال الصادقعليه‌السلام : لم ينه مطلقا ولكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن أما تسمعون قوله تعالى:( ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين، والجدال بغير التي هي أحسن محرم حرمه الله على شيعتنا، واما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما امر الله تعالى به نبيه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت، وإحياؤه له، فقال الله حاكيا عنه:( وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) فقال الله في الرد عليه: «قل ـ يا محمّد ـ( يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وستقف إنشاء الله على تتمة لهذا الكلام في العنكبوت عند قوله تعالى:( وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ ) الآية.

٢٦٧ ـ وروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: نحن المجادلون في دين الله على لسان سبعين نبيا.

٢٦٨ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم أحد: من له علم بعمى حمزة؟ فقال الحارث بن الصمت(١) : أنا أعرف موضعه فجاء حتّى وقف على حمزة، فكره أن يرجع إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيخبره، فقال رسول الله لأمير المؤمنينعليه‌السلام : يا عليُّ أطلب عمك فجاء عليٌّعليه‌السلام فوقف على حمزة فكره أن يرجع اليه، فجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى وقف عليه، فلما رأى ما فعل به بكى ثم

__________________

(١) وفي بعض الكتب «الحارث بن الصمة».

٩٥

قال: ما وقفت موقفا قطّ أغلظ عليَّ من هذا المكان، لئن أمكننى الله من قريش لأقتلنّ سبعين رجلا منهم، فنزل عليه جبرئيل فقال:( وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) فاصبر فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أصبر.

٢٦٩ ـ في تفسير العيّاشي عن الحسين بن حمزة قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: لما رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما صنع بحمزة بن عبد المطّلب قال: أللهمّ لك الحمد وإليك المشتكى، وأنّك المستعان(١) على ما أرى، ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لئن ظفرت لأمثلنّ ولأمثلنّ، قال: فأنزل الله:( وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) قال: فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أصبر، أصبر.

__________________

(١) وفي المصدر «وأنت المستعان اه».

٩٦

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال عن أبي عبد الله عليه السالم قال: من قرأ سورة بنى إسرائيل في كل ليلة جمعة لم يمت حتّى يدرك القائم ويكون من أصحابه. في مجمع البيان وتفسير العيّاشي عن الحسين بن أبي العلا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من قرأ سورة بنى إسرائيل وذكر إلى آخر ما في كتاب ثواب الأعمال.

٢ ـ في مجمع البيان أبي بن كعب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: من قرء سورة بنى إسرائيل فرق قلبه عند ذكر الوالدين أعطى في الجنة قنطارين من الأجر، والقنطار ألف أوقية ومأتا أوقية، والاوقية منها خير من الدنيا وما فيها.

٣ ـ في تفسير العيّاشي عن هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله سبحان: فقال أنفة الله(١) وفي رواية اخرى عن هشام عنه مثله.

٤ ـ عن سالم الحناط عن رجل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن المساجد التي لها الفضل؟ فقال: المسجد الحرام، ومسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قلت: والمسجد الأقصى جعلت فداك؟ فقال: ذلك في السماء إليه اسرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت: إنّ الناس يقولون إنّه بيت المقدس؟ فقال: مسجد الكوفة أفضل منه.

٥ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم حدثني خالد عن الحسن بن محبوب عن محمد ابن سيار عن أبي مالك الأزدي عن إسمعيل الجعفي قال: كنت في المسجد قاعدا وأبو جعفرعليه‌السلام في ناحية، فرفع رأسه فنظر إلى السماء مرة والى الكعبة مرة، ثم قال

__________________

(١) قال الطريحي (ره): وفي الحديث: سئلته عن سبحان الله؟ فقال: أنفة هو كقصبة أي تنزيه لله تعالى، كما أنّ سبحان تنزيه، قال بعض الشارحين: الانفة في الأصل الضرب على الأنف ليرجع ثم استعمل لتبعيد الأشياء، فيكون هنا بمعنى رفع الله عن مرتبة المخلوقين بالكلية لأنه تنزيه عن صفات الرذائل والأجسام.

٩٧

( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إلى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) وكرر ذلك ثلث مرات، ثم التفت إلى فقال: أي شيء يقولون أهل العراق في هذه الآية يا عراقي؟ قلت: يقولون: اسرى به من المسجد الحرام إلى البيت المقدس، فقال: ليس كما يقولون، ولكنه اسرى به من هذه إلى هذه وأشار بيده إلى السماء، وقال: ما بينهما حرم، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) وعن ابن عباس قال: قالت اليهود للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : موسى خير منك قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ولم؟ قالوا: لان اللهعزوجل كلمه أربعة آلاف كلمة ولم يكلمك بشيء، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك، قالوا: وما ذاك؟ قال: قولهعزوجل :( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إلى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ ) وحملت على جناح جبرئيلعليه‌السلام حتّى انتهيت إلى السماء السابعة، فجاوزت( سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى ) ، حتّى تعلقت بساق العرش فنوديت من ساق العرش:( إِنِّي أَنَا اللهُ لا إله إلّا أَنَا السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ) الرءوف الرحيم، ورأيته بقلبي وما رأيته بعيني، فهذا أفضل من ذلك، فقالت اليهود: صدقت يا محمّد وهو مكتوب في التورية، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٧ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: عرج بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مأة وعشرين مرة، ما من مرة إلّا وقد أوصى الله تعالى فيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالولاية لعليٍّ والائمّة من ولدهعليهم‌السلام أكثر مما أوصاه بالفرايض.

٨ ـ في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد الجوهري عن علي بن أبي حمزة قال: سأل أبو بصير أبا عبد اللهعليه‌السلام وانا حاضر فقال: جعلت فداك وكم عرج برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال: مرتين، فأوقفه جبرئيلعليه‌السلام موقفا فقال له: مكانك يا محمّد، فلقد وقفت موقفا ما وقفه ملك قط ولا نبي ان ربك يصلى، فقال: يا جبرئيل فكيف يصلى؟ قال: يقول

٩٨

سبوح قدوس أنا رب الملائكة والروح سبقت رحمتي غضبى، فقال: أللهمّ عفوك عفوك قال: وكان كما قال الله:( قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ) فقال له أبو بصير: جعلت فداك ما( قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ) ؟ قال: ما بين سيتها(١) إلى رأسها، فقال: كان بينهما حجاب يتلألأ يخفق(٢) ولا أعلمه إلّا وقد قال زبرجد، فنظر في مثل سمِّ الإبرة(٣) إلى ما شاء الله من نور العظمة، فقال الله تبارك وتعالى: يا محمّد، قال: لبيك ربّي قال: من لأمّتك من بعدك؟ قال الله أعلم قال: عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيّد الوصيين وقائد الغرّ المحجّلين، قال: ثم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لأبي بصير: يا أبا محمّد والله ما جاءت ولاية عليّ من الأرض، ولكن جاءت من السماء مشافهة.

٩ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى علي بن سالم عن أبيه عن ثابت بن دينار قال: سألت زين العابدين علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام عن الله جلّ جلاله هل يوصف بمكان؟ فقال: تعالى عن ذلك، قلت: فلم أسرى نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء؟ قال: ليريه ملكوت السموات وما فيها من عجائب صنعه وبدايع خلقه، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٠ ـ وباسناده إلى أبان بن عثمان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام عن جدهعليهما‌السلام حديث طويل يقول فيه: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دفع إلى عليٍّعليه‌السلام لما حضرته الوفاة القميص الذي أسرى به فيه.

١١ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى يونس بن عبد الرحمن قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام : لأى علة عرج اللهعزوجل نبيه إلى السماء ومنها إلى سدرة المنتهى ومنها إلى حجب النور وخاطبه وناجاه هناك والله لا يوصف بمكان؟ فقالعليه‌السلام : إنّ الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان ولا يجرى عليه زمان، ولكنهعزوجل أراد أن يشرف ملائكته وسكان سمواته ويكرمهم بمشاهدته ويريد من عجائب عظمته ما يخبر به

__________________

(١) بكسر المهملة قبل المثناة التحتانية المخففة: ما عطف من طرفيها.

(٢) أي يتحرك ويضطرب.

(٣) سم الإبرة: ثقبها.

٩٩

بعد هبوطه، وليس ذلك على ما يقوله المشبهون( سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) .

١٢ ـ في روضة الكافي أبان عن عبد الله بن عطاء عن أبي جعفرعليه‌السلام قال أتى جبرئيلعليه‌السلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالبراق أصغر من البغل وأكبر من الحمار، مضطرب الأذنين، عينيه في حافره وخطاه مد بصره، فاذا انتهى إلى جبل قصرت يداه وطالت رجلاه فاذا هبط طالت يداه وقصرت رجلاه، أهدب العرف الأيمن(١) له جناحان من خلفه.

١٣ ـ في عيون الاخبار باسناده قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله تعالى سخر لي البراق وهي دابة من دواب الجنة، ليست بالقصير ولا بالطويل، فلو أنّ الله تعالى اذن لها لجالت الدنيا والآخرة في جرية واحدة، وهي أحسن الدواب لونا.

١٤ ـ في تفسير العيّاشي عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: لـمّـا أسري بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أتى بالبراق ومعه جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، قال: فأمسك له واحد بالركاب، وأمسك الآخر باللجام، وسوى عليه الآخر ثيابه، فلما ركبها تضعضعت فلطمها جبرئيلعليه‌السلام فقال لها: قرى يا براق فما ركبك أحد قبله مثله، ولا يركبك أحد مثله بعده، إلّا أنّه تضعضعت عليه.

١٥ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وروى الصادق عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: بينا أنا راقد بالأبطح وعلىعليه‌السلام عن يميني وجعفر عن يساري، وحمزة بين يدي، وإذا أنا بحفيف(٢) أجنحة الملائكة وقائل يقول: إلى أيهم بعثت يا جبرئيل؟ فقال: إلى هذا وأشار إلى، وهو سيد ولد آدم وهذا وصيه ووزيره وخليفته في أمته، وهذا عمه سيد الشهداء حمزة، وهذا ابن عمه جعفر له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة مع الملائكة، دعه فلتنم عيناه ولتسمع أذناه وليعى قلبه، واضربوا له مثلا: ملك بنى دارا، واتخذ مائدة(٣) وبعث داعيا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الملك الله والدار الدنيا، والمائدة الجنة

__________________

(١) أي طويلة وكان مرسلا في جانب الأيمن.

(٢) الحفيف: الصوت.

(٣) وفي المصدر والمنقول عنه في البحار «مأدبة» مكان «مائدة» في الموضعين المأدبة: طعام صنع لدعوة أو عرس.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

صحة الجزء اللاحق وعدم وجوب استئناف الجزء السابق.

لا يقال: إنّ هذا الاستصحاب لا يثبت به عدم رافعية الأثر الموجود المشكوك رافعيته.

لأنّا نقول: هب أنّه لا يثبت به ذلك ولا يترتّب على ذلك فساد، لأنّ الغرض من إحراز ذلك ليس إلاّ صحّة اللاحق وعدم وجوب استئناف السابق، وهذا الغرض يترتّب على استصحاب عدم وجود كلي الرافع وإن لم يعلم منه حكم الفعل الموجود.

ثم إنّ ما ذكرنا بعينه جار في صورة الشك في حصول ما يعلم قاطعيته، بل فيه أظهر.

أمّا الثاني، فالكلام فيه مبنيّ على مقدّمة هي:

أنّ الأمر المتعلق بالجزء تبعاً اللازم من مطلوبية المركّب هل هو متعلّق بالجزء المقيّد بعدم لحوق ما يمنع عن حصول المركّب منه ومن سائر الاجزاء، أو متعلق بالجزء من غير تقييد، وعلى الثاني فهل يكون سقوط ذلك الأمر مراعى بعدم لحوق ما يمنع عن ذلك، أو يكون سقوطه غير منوط بشيء، غاية الأمر أنّه إذا حصل المانع عن انضمام سائر الأجزاء يعود الأمر بالجزء لأجل حصول الداعي للأمر، والظاهر هو الاحتمال الأخير لبطلان الأوّلين وعدم وجود احتمال آخر، أمّا الثاني فظاهر، وأمّا الأول فامّا بطلان الاحتمال الأوّل: فلأن منشأ الأمر بالمقدّمة ليس الاّ التوقّف، وهو لا يكون إلاّ متعلّقاً بذات الجزء المعراة عن تقييد.

لا يقال: الجزء الملحوق بالمانع لا يتوقّف عليه الكل وما لم يلحقه يتوقّف عليه، لأنّه لا يلزم من عدم الأوّل عدم المركّب ويلزم من عدم الثاني عدمه.

لأنّا نقول: الذي تتقوّم به الماهية المركّبة هو ذات الأجزاء، وأمّا عدم المانع فهو بنفسه معتبر في الماهية وتتقوّم به وكذلك عدم القاطع، غاية الأمر أنّ الأوّل يتقوّم به الماهية بنفسه والثاني تتقوّم بملزومه الذي هو الهيئة الاتّصالية أو أمر آخر، فليس ما تعلّق به الأمر المقدّمي أمراً مقيّداً، ولو كان ما ذكرته من الاعتبار موجباً للتعدّد

١٦١

والانقسام، واختصاص للأمر الغيري نفسه دون آخر، يجري ذلك في كل جزء بالنسبة إلى ما يلحقه من الأجزاء ولا تلتزم به.

وأمّا بطلان الاحتمال الثاني: فلأن الغرض من الأمر المقدّمي بأيّ مقدّمة تعلّق ليس إلاّ رفع امتناع تحقّق ذي المقدمة من جهة عدم تلك المقدمة، ولا ريب أنّ ذلك الغرض يحصل بمجرّد حصولها الجزء في الخارج، واستمراره ليس أمراً مرتّباً عليه حتى يكون غرضاً من حصوله، بل منوط بعدم ما يمنع منه حصول الماهية من الجزء الموجود وسائر الاجزاء الاخر، فارادة استمراره موجب للأمر بابقاء عدم ذلك المانع، غاية الأمر أنّه اذا حصل ذلك المانع يتجدّد معه أمر مقدّمي بذلك الجزء لحصول الداعي للأمر.

نعم لو كان الغرض من الأمر بالمقدّمة رفع الامتناع من جهة عدم تلك المقدّمة واستمرار عدم الامتناع، كان الامتثال مراعى بعدم المانع، لأنّه إتيان المأمور به على وجه يطابق غرض المولى والمطابقة لا يحصل الاّ بعدم المانع.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ ما يعتبر عدمه تارة يعتبر عدمه في المركّب لأجل أنّه يكون بنفسه من مقوّماته وأجزائه، واخرى يعتبر لأجل إخلاله بالسابق وسقوطه عن قابلية لحوق الباقي به مع وجود ذلك، وثالثة لأجل اعتبار عدمه في لحوق المتأخّر بالسابق بمعنى أنّه يسقط الباقي عن قابلية اللحوق بالسابق، وذلك كالسكوت الطويل بالنسبة إلى الأجزاء التي يعتبر فيها الموالاة.

أمّا الكلام في الصورة الاولى: فتارة في الشبهة الحكمية، واخرى في الموضوعية.

أمّا الاولى: فالظاهر أنّه يجب البناء على ما فعل من الأجزاء وإتمامه والإجتزاء به في الظاهر إلى أن ينكشف الخلاف، ولنذكر أوّلاً ما يقتضيه المانعية ثم ما يدفع به تلك المقتضيات عند الشك فيها بسبب الشك في حدوث ما يقتضيها.

فاعلم أنّ ما علم مانعيته إذا وجد في الخارج يقتضي أمرين:

الأوّل: وجوب استئناف ما فعله لأجل عروض ما يمتنع معه كون ذلك جزءً فعلياً للعبادة.

١٦٢

الثاني: عدم حصول التركّب المعتبر في مفهوم العبادة.

وبسبب هذين الأمرين يمتنع إتيان باقي الأجزاء أيضاً وامتثال الأوامر المتعلّقة بها، إذا كان بين الأجزاء ترتيب، فانّ الواجب الغيري حينئذٍ ليست ذلك الجزء، بل هو ذلك مقيّداً بسبق ما يعتبر سبقه عليه، والمفروض أنّه لم يحصل، مثلاً لو فرضنا أنّ زيادة التكبير مانعة وفعلها يحدث بسبب ذلك أمراً باعادة التكبير بقصد الدخول في الصلاة ويجب عليه تركها بعده ولا يقدر ما لم يستأنف التكبير ولم يترك الزيادة على امتثال الأمر الغيري المتعلّق بالقراءة وغيرها من الأجزاء، لأنّ المأمور به بالأمر الغيري ليس مطلق القراءة بل هو القراءة بعد التكبير وترك الزيادة.

إذا عرفت ذلك فنقول: إذا شك في مانعية شيء صدر منه يكون شكّه في ذلك موجباً للشك في وجوب استئناف ما سبق، وللشك في إتيان جميع ما يعتبر في المركّب لو أتى بباقي الأجزاء، وللشك في اتيان باقي الأجزاء على وجه يطابق الأوامر المتعلقة، فإذا دلّ الدليل الشرعي - مثل استصحاب عدم فعل ما يعتبر تركه في المأمور به - على أنّ ترك ما يكون مانعاً حاصل بحكم الشارع، يكون مقتضى ذلك وجوب البناء على عدم حدوث أمر ممّا سبق فعله، وسقوط العقاب على ترك المركّب المستند إلى ترك ذلك الجزء المأتي به، وفعل ما يجب تركه إذا أتى بباقي الأجزاء، والإكتفاء باتيانه في هذه الحالة باقي الاجزاء التي يعتبر في سقوط الأمر المتعلّق بها، وعدم العقاب على ترك المركّب المستند إلى تركها ايجادها في حال سبق فعل الجزء السابق وترك المانع، فاذا حصل للمكلّف الأمن من العقاب من جميع هذه الوجوه بواسطة ذلك الدليل يكون آمناً من العقاب على مخالفة الأمر النفسي المتعلّق بالمركّب فلا موجب للاستئناف وترك مشكوك المانعية وعدم دلالة الأصل المذكور على حصول الامتثال للأمر النفسي، وعدم مانعيّة الموجود بعد الأمن من العقاب على المخالفة لو كان ما أتى به غير مطابق للأمر النفسي لا يضرّ بحال المكلف، لأنّ وجوب إحرازه - حيث يحكم به العقل - انّما هو لأجل توقّف الفرار عن العقاب على الاحراز وهو غير متوقّف على ذلك كما عرفت.

١٦٣

والحاصل: أنّ الذي يجب على المكلّف إتيان الجزء السابق على وجه يصلح لأن يلحق به باقي الأجزاء وترك المانع الذي اعتبر في المأمور به واتيان الاجزاء الباقية على وجه يطابق الأوامر المتعلقة بها فاحراز ترك المانع واجب لكونه موجباً لليقين ببقاء قابلية ما سبق عليه، ولكونه في نفسه مطلوباً غيريّاً ولكون تحققه من شرائط صحة الاجزاء اللاحقة حقيقة واصالة الترك دليل لثبوت شرائط الأجزاء اللاحقة شرعاً ولثبوت جزء العبادة وهو الترك ودليل لبقاء القابلية في الاجزاء السابقة كما ان استصحاب الطهارة موجب لثبوت شرط الصلاة وهي الطهارة فالمكلف إذا أتى بباقي الاجزاء يكون شرعاً، آتياً جميع ما يعتبر في المأمور به.

وأمّا الثانية: - أي الشبهة الموضوعية - فالحكم يختلف باختلاف كيفية عدم المانع في المركّب، فانّه قد يكون عدمه من حالات المصلّي مثل لبس المصلّي جلد ما لا يؤكل لحمه في حال الصلاة، وقد يكون من حالات بعض ما على المصلّي مثل طهارة اللباس وعدم كونه جلد ما لا يؤكل لحمه، وقد يكون من إعتبارات نفس الفعل بحيث يكون المطلوب الفعل الواقع في غير ما لا يؤكل لحمه، وقد يكون نفس الترك من الأجزاء مثل عدم التكتّف، وعدم قول آمين في أثناء الصلاة، فإن كان من اعتبارات المصلّي: يكون جريان الأصل وعدمه تابعاً لليقين السابق المتعلق بحال المصلّي فيقال عند الشك في لبس ما يكون لبسه مانعاً: انّ المصلّي لم يكن لابساً في الزمان السابق والأصل عدمه، ونظيره استصحاب طهارة المصلّي من الحدث، وإن كان من اعتبارات ما عليه ينبع حال ذلك، فإذا شكّ في طهارة الثوب أو وقوع ما يمنع كونه عليه أنّ الأصل طهارته، والأصل عدم وقوع ذلك عليه إذا كان مسبوقاً بالطهارة وعدم الوقوع.

ومن هنا علم أنّه إذا شك في أصل اللباس من حيث كونه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه لم يجر الأصل لعدم وجود الحالة السابقة، وكذلك الأمر عند الشك في كونه حريراً إذا قلنا: إنّ مانعية الحرير من اعتبارات اللباس، وإن كان من اعتبارات الفعل لم يجر فيه الأصل، لأنّه ليس هناك حالة سابقة للفعل الخاص من

١٦٤

حيث وقوعه في غير ما لا يؤكل لحمه، وإن كان نفس الترك من الامور المعتبرة في العبادة - نظير ترك التأمين والتكتّف - فبالأصل يحرز عدمه.

ثم اعلم أنّه إذا كان الشك في المانعية راجعاً إلى الشك في كون اعتبار عدم الشيء من خصوصيات وقوع الفعل، كما إذا شككنا في أنّ المأمور به هل هو الصلاة الواقعة في غير ما لا يؤكل لحمه أو مطلق الصلاة في أيّ شيء وقع فلا يخفى أنّ أصالة عدم المانع لا يجري هنا أيضاً وإنّما المجدي في المقام هو أصالة البراءة عن القيد الزائد بناءً على إعتبارها في الأجزاء العقلية التي لا يكون الشك في جزئيتها راجعاً إلى الشك في كون المأمور به الأقل في الخارج أو الأكثر في الخارج وقد مرّ الكلام فيه.

فان قلت: أيّ فرق بين ما يكون عدمه مستقلاً من الأجزاء، وما يكون عدمه من إعتبارات وقوع الفعل، فانّه كما يكون المطلوب في الثاني الفعل الخاص وهو الواقع مثلاً في غير ما لا يؤكل لحمه، كذلك يكون المطلوب في الأوّل الأجزاء المقرونة بعدم ذلك، فكما أنّ الأصل لا يفيد في الثاني كذلك لا يفيد في الأوّل.

قلت: بينهما فرق واضح، فانّ العدم إذا كان في نفسه مطلوباً لا يكون المطلوب إلاّ أفعالاً وتروكاً والأوّل يحرز بالوجدان والثانية بالأصل وليس المطلوب حينئذٍ الأجزاء المقرونة بالترك، بل المطلوب مجموع امور أحدها الترك، أمّا إذا كان من إعتبارات نفس الفعل كان المطلوب أمراً وجودياً خاصاً وهو الفعل المقرون بكذا، واستصحاب الترك لا يثبت به اقتران الفعل بالترك الذي هو من خصوصيات المأمور به، وانما لم نتكلّم في ذلك في الشبهة الحكمية، لأنّ الشك من هذه الحيثية راجع إلى الشك في كون المأمور به الأمر المقيّد فيكون راجعاً إلى الشك في الشرطية وقد مرّ تفصيله.

وأمّا الكلام في الصورة الثانية: فالظاهر أنّه كالاولى إلاّ أنّ بينهما فرقاً من حيث إنّه لا يحتاج هنا إلى أصلين: أحدهما أصالة عدم حدوث أمر جديد بالأجزاء السابقة، والآخر أصالة عدم وجود ذلك المانع، بل الأوّل مغن عن الثاني، لأنّه

١٦٥

لا يكون الشك في وجود المانع حينئذٍ الاّ سبباً للشك في حدوث الأمر الجديد، إذ المفروض أن ترك ذلك المانع ليس مطلوبيته الاّ لأجل اقتضاء وجوده فساد الأجزاء السابقة، وليس هو في نفسه من مقوّمات المأمور به، والظاهر أن القواطع كلّها من هذا القبيل، فإذا أثبتنا عدم وجود الأمر الجديد بالاصل، يحصل بالاتيان بسائر الاجزاء براءة الذمة عن المأتي به.

فإن قلت: إنّ الواجب في مقام الامتثال إحراز حصول المأمور به في الخارج، والأصل المذكور وهو بضميمة الأصل الآخر في الصورة الاولى لا يثبت به عنوان المأمور به.

قلت: قد مرّ جوابه فانّ الحاكم بوجوب الامتثال ليس إلاّ العقل، وهو لا يحكم إلاّ بوجوب فعل يسقط به العقاب، وأمّا الصورة الثانية فالظاهر أنّه لا مجرى للأصل فيه، لأنّ أصالة عدم وجود المانع لا يثبت كون ما يأتي به من الأجزاء مرتبطة بالأجزاء السابقة.

ثمّ انّه قد يستدلّ لصحّة العبادة عند الشك في المانعية: بقوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم)(١) فانّ حرمة الابطال هو ايجاب المضيّ وهو ملازم للصحّة، للاجماع على أنّ ما يجب المضي فيه يكون صحيحاً إلاّ الصوم والحج.

وتحقيق الكلام في الآية: أنّ الابطال هو التأثير في عروض وصف البطلان على العمل بعد أن لم يكن كذلك، كما في الاكرام، والاقامة، والاغناء، فانّ معناها: جعل الشخص مكرماً وقائماً، وغنياً بعد أن لم يكن كذلك، ولا ريب أنّ هذا المعنى يقتضي سبق اتّصاف العمل بعدم البطلان وهو ملازم للصحّة، ومعنى الآية ان حمل الابطال فيها على هذا المعنى جعل العمل لغواً بعد أن كان ذا أثر فهو راجع إلى النهي عن الأعمال الموجبة لحبط العمل.

ويؤيّده: نفيه بقوله تعالى: (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن)(٢) بقرينة قوله تعالى:

____________________

(١) محمّد: ٣٣.

(٢) البقرة: ٢٦٤.

١٦٦

(ثم لا يتّبعون ما أنفقوا منّاً ولا أذى)(١) .

ويحتمل أن يكون المراد من الابطال: ايجاد العمل باطلاً نظير قولهم ضيّق فم الركيّة أي أوجده ضيّقاً، فمعنى الآية طلب ترك إتيان العمل باطلاً، ولا يرتبط بالمقام سواء كان النهي إرشادياً أم لا كما لو حمل على المعنى الأول.

ويحتمل أن يكون المراد قطع العمل، ويمكن إرجاعه إلى الوجه الأوّل - بناءً على أنّ المراد من العمل الأعم من الواجبات الغيرية والنفسية - ولا ريب أنّ الاحتمال الأوّل هو المتعيّن لما عرفت من أنّه المعنى الحقيقي للابطال، وقد استعمل فيه في الآية الاخرى، ولأنّه المناسب للآيات المتقدّمة على هذه الآية وهي قوله تعالى: (يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول)(٢) لأن إتيان العمل باطلاً مخالفة للّه والرسول فالأمر بالاطاعة يغني عن النهي عن ذلك، مضافاً إلى ما ورد من تفسير الآية ما يطابق المعنى الأوّل.

فحصل أنّ الاستدلال بها - مع قطع النظر عمّا يأتي الاشارة إليه - إنّما يمكن إذا اريد به المعنى الثالث، وقد عرفت أنّ الظاهر منها هو المعنى الأوّل.

الاّ أن يقال: إنّ المعنى الثالث راجع إلى المعنى الأوّل، لكنه يبعد دعوى ظهور الآية فيما يكون فيه جهة مطلوبية ذاتية إلاّ أنّ كون قطع العمل بعد فعل ما يشك في مانعيته ابطالاً محلّ شك، لأنّ المشكوك لو كان مانعاً لا يكون القطع بعد فعله ابطالاً وهو ظاهر.

ومن هنا ظهر حال استصحاب حرمة القطع، واستصحاب وجوب الاتمام، لأنّه يكون الشك في المانعية موجباً للشك في كون النقض إبطالاً وفي القدرة على الابطال ومعه يكون موضوع المستصحب وهو الوجوب مشكوك البقاء وكون إلحاق الباقي اتماماً، لأنّ كون المأتي به اتماماً مبني على عدم كون ما يشك في مانعيته

____________________

(١) البقرة: ٢٦٢.

(٢) النساء: ٥٩.

١٦٧

معتبراً في المأمور بوجه من الوجوه.

الاّ أن يقال: إنّا نستصحب القدرة على الاتمام وكون اتيان باقي الاجزاء قبل حدوث ذلك إتماماً.

ويرد على الأوّل أنّ استصحاب القدرة انّما يثبت به شرط وجوب واقعاً وهو القدرة وثبت به موضع الوجوب الواقعي ولكن ترتيب آثار بقاء القدرة الذي هو راجع إلى ايجاب الاتمام ظاهراً موقوف على القدرة على الاتمام وهو لا يثبت بهذا الاستصحاب، لأنّ الاستصحاب لا يثبت به شرائط نفسه، وأمّا إستصحاب كون الأجزاء اللاحقة اتماماً فان كان جارياً، يغني عن استصحاب القدرة.

ولكنّه يرد عليه أنّ كون فعل هذه الأجزاء الباقية إتماماً من غير اعتبار مسبوقيتها بالترك في حصول الاتمام بها مشكوك حتى في حال سبقها بترك مشكوك المانعية فلعلّ موضوع الاتمام هو الجزء المسبوق بترك المشكوك مانعيته.

والحاصل: إن كون الجزء المسبوق بترك مشكوك مانعيته اتمام يقيني: لأنّه إمّا أن يكون اتماماً مع المقيّد أو مطلقاً وعلى أيّ الأمرين يكون ما به الاتمام موجوداً في ذلك العنوان، لكنّه لا يكون فعل هذه الأجزاء مصداقاً لذلك العنوان، وأمّا كون الجزء إتماماً من غير اعتبار سبق ترك مشكوك المانعية في الاتّصاف بذلك حتى في حال السبق فاتّصاف الأجزاء المطلقة القدر المشترك بين المسبوق بالترك وغير المسبوق به بالاتمام مشكوك، فكيف يستصحب الاتمام فتأمّل.

وممّا ذكرنا علم أنّ الأمر لو دار بين رفع اليد عمّا يكون مشغولاً به والاستئناف وبين الاتمام والاعادة، كان الأوّل هو المتعيّن، لأنّه مع القدرة على مراعاة الجزم المعتبر في تحقّق الامتثال حيث يقدر عليه يأتي بالمأمور به على وجه لا يحصل معه مراعاة الجزم واشتمال فعله على هذا الوجه على مراعاة الاحتياط من جهة احتمال كون القطع ابطالاً محرّماً لا يسوغ ترك الاحتياط من تلك الجهة، مع كونه إمّا واجباً، أو أهم من ذلك.

اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّ فعل المبطل عقيب ما يشك في مانعيته وقبل إتيان باقي

١٦٨

الأجزاء يكون حراماً فيكون الاتمام في الظاهر واجباً والاعادة واجبة، لعدم القطع بحصول المأمور به لا واقعاً ولا ظاهراً، وحينئذٍ يكون طريق إمتثال الأمر منحصراً في الاتمام والاعادة، أمّا حرمة فعل المنافي فهي إمّا لإستصحاب الحرمة، لأنّه كان قبل وجود مشكوك المانعية حراماً، أو لأجل أنّها من أحكام الكون في العبادة وهو مستصحب، لأنّ المكلّف كان في العبادة قبل فعل مشكوك المانعية، وبعد فعله يشك في أنّه خرج بسببه عن العبادة أو هو باق فيها فيستصحب الكون في العبادة.

ويرد على الوجه الأوّل: أنّ الذي كان موصوفاً بالحرمة ليس هو فعل ذات المنافي، بل هو إخراج الجزء القابل للحوق الباقي عن قابلية لحوق الباقي به وكون فعل المنافي إخراجاً للقابل عن القابلية مشكوك، لاحتمال خروجه عن القابلية قبل فعل ذلك.

اللهمّ إلاّ أن يستصحب القابلية وحينئذٍ فلا حاجة إلى إستصحاب الحرمة، ولا يجب الاعادة ايضاً إذا لم يكن المانع المشكوك على تقدير مانعيته مخرجاً للأجزاء اللاحقة عن قابلية اللحوق بما سبق وقد مرّ بيانه.

واعلم أنّ ما ذكرنا كلّه انّما كان في الزيادة عمداً، وأمّا الزيادة سهواً فيما يقدح زيادته عمداً فالكلام فيه هو الكلام في النقص سهواً، فانّه يرجع إلى الاخلال بالشرط سهواً، وقد مرّ أنّ الشيخرحمه‌الله بنى على أنّ مقتضى الأصل فيه هو البطلان(١) ، وقد مرّ ضعفه وأنّه يمكن القول فيه بالصحّة.

وقد ظهر من جميع ما ذكرناه في الزيادة والنقيصة: أنّ مقتضى الأصل في الزيادة - سهواً كان أو عمداً - عدم البطلان.

وأمّا من بنى فيه على أصالة البطلان فيلزمه القول بأصالة البطلان في الزيادة السهوية إن ثبت أنّ الزيادة العمدية مفسدة، وليس له الخروج عن هذه القاعدة الاّ بالنص بالبطلان.

____________________

(١) فرائد الاصول: ص ٤٩٤.

١٦٩

وقد عرفت أيضاً: أنّ الأصل في كل جزء شك في كونه ركناً عدم الركنية، سواء كان المراد من الركن ما يبطل بنقيصته سهواً العبادة، أو كان المراد ما يبطل بنقيصته سهواً وبزيادته عمداً أو سهواً.

نعم من بنى على أنّ النقيصة السهوية، الأصل فيها بالبطلان دون الزيادة يلزمه التفصيل في الشك في الركنية فيقول: إنّ الاصل هو الركنية إن كان المراد التفسير الأول، وعدمها إن كان هو الثاني.

والشيخ في الرسالة: حكى عدم الفصل في الصلاة بين الاخلال سهواً، وبين الزيادة عمداً وسهواً فقال - بناءً على مذهبه -: إنّ أصالة البراءة الحاكمة بعدم البأس بالزيادة، معارضة - بضميمة عدم القول بالفصل - بأصالة الاشتغال الحاكمة ببطلان العبادة بالنقص سهواً، وحينئذٍ فان جوّزنا الفصل في الحكم الظاهري الذي يقتضيه الاصول العملية فيما لا فصل فيه من حيث الحكم الواقعي فيعمل بكل واحد من الأصلين، وإلاّ فاللازم ترجيح قاعدة الاشتغال على البراءة كما لا يخفى(١) .

وأورد عليه: بأنّ التعارض ليس بين الأصلين، بل التعارض بين الاطلاق الآمر القاضي بعدم كفاية الناقص، وبين أصالة البراءة الحاكمة بعدم بطلان ما اشتمل عليه الزيادة - بضميمة عدم القول بالفصل - وذلك لأنّ عدم كفاية ما نقص بعض أجزائه سهواً من مقتضيات إطلاق الأمر المقتضي لكون الواجب في حالتي الذكر والنسيان أمراً واحداً وهو التام الاجزاء، فالمعارضة حقيقة يكون بينهما ومع تسليم أنّ المعارضة بين الأصلين، فلا وجه لتقديم قاعدة الاشتغال.

وربّما يجاب: بأنّ مقتضى الاطلاق هو كون الواجب في الحالتين واحداً، وأمّا عدم سقوط الأمر بما لا يكون مأموراً به فليس من مقتضيات الاطلاق، والمفروض أنّه مقتضى نظر صاحب الرسالة - حيث بنى على عدم معقولية اختلاف الواجب بالنسبة إلى الذاكر والناسي - هو كون الناقص مسقطاً عن الواجب لا مأموراً به

____________________

(١) فرائد الاصول: ص ٤٩٤.

١٧٠

واقعاً، ووجه تقديم الاشتغال: أنّه لا يوجب قاعدة قبح التكليف بلا بيان - بضميمة عدم القول بالفصل - الأمن من العقاب في المورد الذي - لولا عدم القول بالفصل - حكم فيه بالاحتياط.

واعلم أنّ الأخبار في باب الزيادة كثيرة لا بأس بالاشارة اليها وإلى ما يستفاد منها وطريق الجمع بينها.

فمنها: ما يدلّ بظاهره على أنّ مطلق الزيادة مبطلة، كقولهعليه‌السلام : من زاد في الصلاة فعليه الاعادة(١) .

وقولهعليه‌السلام فيمن أتمّ في السفر أنّه يعيده قالعليه‌السلام : لأنّه زاد في فرض اللّه(٢) بناءً على أنّ الرواية أعم من السهو والعمد، وأنّ المراد من فرض اللّه هو الصلاة.

وما ورد في الطواف من أنّه كالصلاة في أنّ الزيادة مبطلة(٣) .

ومنها: ما يدلّ على أنّ الزيادة السهوية مبطلة، كقولهعليه‌السلام : وإذا استيقن أنّه زاد في المكتوبة فليستقبل صلاته(٤) .

ومنها: ما يدلّ على أنّ الزيادة مطلقاً غير مبطلة، كقولهعليه‌السلام : تسجد سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة يدخل عليك(٥) .

ومنها: ما يدلّ على أنّ زيادة غير الأركان لا تكون مبطلة، كقولهعليه‌السلام : « لا تعاد الصلاة الاّ من خمسة »(٦) . بناءً على أنّ لا تعاد شاملة للزيادة إمّا بأن يكون المعنى: لا تعاد الصلاة من طرف شيء ممّا يعتبر في الصلاة زيادة ونقيصة الاّ من

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ١٩ من أبواب الخلل ح ٢ ج ٥ ص ٣٣٢ وفيه « في صلاته ».

(٢) وسائل الشيعة: ب ١٧ من أبواب الخلل ح ٨ ج ٥ ص ٥٣٢.

(٣) وسائل الشيعة: ب ١٢ من أبواب السعي ح ٢ ج ٩ ص ٥٢٧.

(٤) وسائل الشيعة: ب ١٩ من أبواب الخلل ح ١ ج ٥ ص ٣٣٢.

(٥) وسائل الشيعة: ب ٣٢ من أبواب الخلل ح ٣ ج ٥ ص ٣٤٦.

(٦) وسائل الشيعة: ب ١ من أبواب أفعال الصلاة ح ١٤ ج ٤ ص ٦٨٣.

١٧١

خمسة، وعدم تصوّر الزيادة في بعض الخمسة مع تصوّره في الركوع والسجود لا يضرّ بحمله على الأعم من الزيادة والنقيصة، أو يكون المعنى « لا تعاد الصلاة من جهة نقص شيء » ويكون الشيء أعم من التروك المعتبرة في الصلاة، والفرق بين الوجهين: أنّ الأوّل يقتضي بطلان زيادة الركوع والسجود دون الثاني كما لا يخفى.

وكقولهعليه‌السلام في عدم ابطال زيادة غير الركن وابطال زيادته، « لأنّه زاد في فرض اللّه »(١) بناءً على أنّ المراد من فرض اللّه هو الركوع أو الركعة بقرينة ما ورد: من أنّ بعض أجزاء الصلاة فرض اللّه وبعضها سنّة(٢) .

وجه الدلالة على أنّ زيادة غير الركن غير مبطلة: أنّ تعليل الاعادة بزيادة الركن - مع كون زيادة غير الركن حاصلة قبلها - موجب لعدم كون السابق موجباً للبطلان، والاّ كان العلّة هو السابق ولم يكن اللاحق مع صلوحه للعلّية أيضاً علّة، لأنّ المترتّبين الصالح كلّ منهما للعلّية يكون إستناد المعلول بالسابق وإلاّ لزم خروج العلة التامّة عن كونها علّة تامّة، أو تحصيل الحاصل وكلاهما محال.

إذا عرفت ذلك فنقول: قولهعليه‌السلام لا تعاد الخ، حاكم على سائر الأخبار الدالّة على أنّ مطلق الزيادة مبطلة مثل قولهعليه‌السلام : « من زاد » وقولهعليه‌السلام : « لانه زاد في فرض اللّه » ، إلاّ أن يقال: إنّ قوله : « من زاد » ليس في مقام بيان اشتراط عدم الزيادة ليكون لا تعاد لكون معناه لا تعاد ممّا يعتبر في الصلاة حاكماً عليه، بل المقصود رفع ما لعلّه يتوّهم من أنّ الزيادة على تقدير الابطال لا يوجب الاعادة، وحينئذٍ يكون معارضاً لقوله لا تعاد، إلاّ أنّ الظاهر خلاف ذلك خصوصاً مع كون الزيادة من قبيل الموانع التي يكون بيان مانعيتها غالباً بالأمر بالاعادة إذا حصلت.

مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ شمول « لا تعاد » للزيادة السهوية في غير الأركان

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ١٧ من أبواب صلاة المسافر ح ٨ ج ٥ ص ٥٣٢.

(٢) وسائل الشيعة: ب ١ من أبواب القبلة ح ١ ج ٣ ص ٢١٤ نقلاً بالمعنى.

١٧٢

بعد خروج الأركان عنها بالاستثناء أظهر من شمول « من زاد » لها، أو يقال: إنّ « لا تعاد » أقلّ فرداً من قوله « من زاد » وإن كانت النسبة بينهما عموماً من وجه، من حيث عموم « من زاد » للعمد والسهو والأركان وغيرها، وعموم « لا تعاد » للزيادة والنقيصة، لأنّ لا تعاد شامل للزيادة والنقيصة السهويتين في غير الأركان وقولهعليه‌السلام « من زاد » يشمل الزيادة العمدية في غير الأركان وكذلك السهوية في غير الأركان وهذان القسمان يقابلان ما يشمله قوله « لا تعاد » ويشمله ايضاً قوله « من زاد » على زيادة الأركان عمداً وسهواً فتخصيصه بـ « لا تعاد » أولى من العكس، لأنّ « لا تعاد » أقلّ فرداً، وكذلك تخصيص بقولهعليه‌السلام « لا تعاد » قولهعليه‌السلام : « لكلّ زيادة ونقيصة تدخل عليك » بغير الأركان باعتبار ذيل لا تعاد وهو قوله الاّ من خمسة لانه اخص من قوله لكل زيادة وهو بعد اختصاصه بغير الأركان تخصيص قولهعليه‌السلام : « من استيقن أنّه زاد » بغير الأركان.

فان قلت: النسبة بين قولهعليه‌السلام : « لكل زيادة ونقيصة » وقوله: « من استيقن » ليست إلاّ التباين، إذ ليس الأوّل عامّاً واحداً، بل قوله: « لكل زيادة » عام وقوله: « ونقيصة » عام آخر، وملاحظة النسبة أوّلاً بين ذيل « لا تعاد » مع قوله « لكل زيادة » وتخصيص الثاني بالأوّل وإن جعل الثاني أخص من قوله « من استيقن » إلاّ أنّ باب التعارض لا يقتضي بأن يخصّص « من استيقن » بقوله: « لكل زيادة »، لأنّه لا يكون لقوله « لكل زيادة » بعد التخصيص ظهور في الباقي ظهوراً منعقداً بعد التخصيص، بل شموله للباقي انّما يكون بالظهور الأوّل الذي قبل التخصيص، وتلك الدلالة لا تقتضي تقديم الثاني على الأوّل، ولهذا من قال في قول القائل: أكرم العلماء ولا تكرم النحويّين ولا تكرم فسّاق العلماء، يخصص أكرم العلماء بقوله لا تكرم الفسّاق فرجع النسبة بين قوله: اكرم العلماء ولا تكرم النحوييّن عموماً من وجه، ردّ قوله بأنّ أكرم العلماء لا يكون له ظهور في الباقي ناشئاً من غير ما نشأ منه الظهور الأوّل.

قلت: إن صحّ التمثيل، وصح ما ذكرت من أنّه لا ينعقد لقوله « من زاد » ظهور

١٧٣

في الباقي إلاّ أنّه بعد التخصيص يكون أظهر في شمول ما عدا الأركان من شمول « من استيقن » لما عدا الأركان فتخصيص من استيقن به أولى من العكس.

ولكن لقائل أن يقول: إنّ قوله « من زاد » معناه: من زاد زيادة غير مبطلة فعليه كذا، وليس المقصود من الرواية: بيان عدم الابطال، بل المقصود: بيان حكم موضوع الزيادة الغير المبطلة، وحينئذٍ فلا معارضة بين ذلك، وبين قوله « من استيقن ».

هذا ولكن في سند « من استيقن » ضعف يغني عن التعرّض بعلاج معارضاته، فلم يبق في المقام معارضة إلاّ بين « لا تعاد » وما دلّ على مبطلية مطلق الزيادة، وقد مرّ حكومته عليها.

فظهر أنّ مقتضى الروايات كون الزيادة العمدية مبطلة والسهوية غير مبطلة.

مسألة

إذا ثبت جزئية شيء أو شرطيّته فهل يقتضي الأصل الجزئية والشرطية المطلقتين حتى إذا تعذّر الجزء أو الشرط سقط الواجب، أو لا يقتضي إلاّ اعتبارهما في حال التمكّن فلو تعذّر لم يسقط المقدور من المشروط والمركّب؟ قولان:

القول الأوّل: أصالة البراءة من الفاقد، ولا يعارضها إستصحاب وجوب الباقي، لأنّ وجوبه كان مقدّمياً لوجوب المجموع الساقط وجوبه يقيناً لتعذّر بعضه فما نشأ منه أيضاً ساقط، وانّما الشك في الوجوب النفسي الحادث بعد التعذّر على تقدير ثبوته واقعاً.

نعم إن ثبت إطلاق يقتضي بقاء وجوب الباقي بعد تعذّر ذلك الشرط أو الجزء، ثم ثبت الوجوب لم يبق مجرى للأصل المذكور، كما لو فرض أنّ الأمر أوّلاً تعلّق بالباقي على نحو الاطلاق وثبت تقييده ذلك الاطلاق في حال التمكّن من ذلك الشرط أو الجزء، ومن هذا القبيل الأوامر المتعلّقة بالصلاة عند من يقول: بكونها اسماً للأعم من الصحيح والفاسد بالنسبة إلى الاجزاء الغير المقوّمة.

١٧٤

ولكن هذا الكلام يتمّ إذا لم يكن للقيد إطلاق يقتضي الجزئية على نحو الاطلاق، فانّه يقدّم حينئذٍ على إطلاق الآمر بالباقي، وذلك نظير الأجزاء والشرائط الثابتة بالأوامر الغيرية.

فان قلت: كيف يتعقّل إطلاق لمثل هذه الأوامر في بيان الجزئية مع أنّ ثبوت مدلولها وهو الوجوب مقيّد بحال الامكان؟ مثلاً لو قال: صلّ ثم قال: إقرأ فاتحة الكتاب وعلمنا: أنّ الوجوب المتعلّق بالقراءة غيريّ، لا يمكن بذلك الأمر إثبات إطلاق الجزئية مع تقيّده بحكم العقل بحال الامكان.

قلت: تقييد الأمر المطلق بالجزء بالامكان ليس تقييداً مولوياً، بل هو تقييد عقلي من قبيل المانع عن ثبوت الحكم، وهو لا ينافي وجود المقتضي لبقاء الحكم ونقول يفهم من إطلاق الأمر بالقراءة وعدم تقييده لفظاً بحال التمكّن أنّ جزئية هذه للصلاة ليس في حال دون حال، بل ماهية الصلاة دائماً لا تكون خالية منها باطلاقه يقتضي الجزئية على نحو العموم.

وتوضيحه: أنّ التقييد بالامكان راجع إلى معذورية المكلّف، وهو يجامع وجود المقتضي لثبوت الحكم وعدمه وهذا التقييد اذا ثبت عقلاً لا يعارض بعد كونه مجامعاً لثبوت المقتضي وعدمه ما دلّ على ثبوت المقتضي لثبوت الحكم وفي حال عدم الامكان، وإن لم يكن فعلياً لمانع التعذّر، وإطلاق الأمر بالجزئي لفظاً يقتضي أن يكون المقتضي لثبوت الجزئية والوجوب الغيري ثابتاً حتى حال التعذّر، لأنّ بيان انحصار المقتضي بحال التمكّن من القيد لا يكون عرفاً إلاّ بالتقييد بالامكان، فعدم التقييد بالامكان مع إحراز كون الاطلاق وارداً في مقام البيان دليل على أنّ المقتضي لا يكون مخصوصاً بحال التمكّن، فلا يكون الجزئية مخصوصة بحال التمكّن، والتقييد العقلي كما عرفت لا يعارض هذا الاطلاق.

بل يمكن أن يقال: إنّ التقييد هنا ليس الاّ تقييداً واحداً متعلقاً بالأمر بذي المقدّمة والتقييدات المتصورة في الأوامر الغيرية الحاصلة منه كلّها تابعة لتقييد ذلك الأمر النفسي المتعلّق بذي المقدمة فتأمّل.

١٧٥

فتلّخص ممّا ذكرنا أنّه إذا لم يكن إطلاق يقتضي الوجوب بعد تعذّر الجزء أو الشرط، كان الأصل سليماً عن المعارض، ومن هذا القبيل ما لو ثبت أجزاء المركّب بالأوامر الغيرية، فانّ الكل المركّب منها سقط بسقوط البعض فيسقط تلك الأوامر، وليس لها إطلاق بالنسبة إلى حال تعذّر بعض الأجزاء، لأنّ الوجوب الغيري بوجوب الكل المركّب ممّا تعذّر بعضه لا يعقل بقاؤه حال تعذّر ذلك البعض، لسقوط الأمر بذي المقدّمة أعني ذلك الكل المركّب كما هو واضح.

والقول الثاني: الاستصحاب ويقرّر بوجوه أربعة:

الأوّل: أن يستصحب الوجوب الكلّي المتعلّق بالباقي الذي هو قدر مشترك بين الوجوب الغيري السابق أعني الموجود حال تمكّن الجزء أو الشرط، والوجوب النفسي الثابت له حال التعذّر إن كان ثابتاً في الواقع، وصحّة هذا الاستصحاب مبتنية على صحة استصحاب الكلي إذا كان الشك في بقائه ناشئاً من الشك في قيام فرد آخر من الكلي مقام الفرد الذي كان الكلي موجوداً في ضمنه وقد تحقّق ارتفاعه، كالشك في وجود حيوان ناطق في الدار بعد اليقين بأنّ زيداً خرج منه، للشك في أنّه دخل عمرو في الدار مقارناً لخروج زيد أم لا؟ وليس هذا من قبيل إستصحاب السواد الموجود في ضمن السواد الشديد بعد القطع بزوال الشدّة والشك في تبدّله بالفرد الآخر وهو السواد الضعيف أو إنعدامه رأساً ممّا يكون الفرد الباقي عين الفرد المتقدم يقيناً بحسب العرف، كما لا يخفى.

هذا كلّه مع أنّه يمكن أن يقال: أنّ الوجوب الكلّي القدر المشترك بين الوجوب النفسي والغيري لا أثر له هنا، وثبوته في الظاهر أيضاً لا يترتّب على مخالفته عقاب فيما نحن فيه، لأنّ الوجوب المردّد بين النفسي والغيري لا يترتّب عليه العقاب إذا كان هناك وجوب نفسي آخر يتردّد هذا الوجوب بين النفسية والغيرية لأجل التوصّل إلى متعلّق ذلك الوجوب الآخر.

والقول بانّه يحكم بعد ثبوت القدر المشترك بأنّه نفسي لانتفاء الغيرية قطعاً.

يدفعه أنّ ذلك مبنيّ على صحّة الاصول المثبتة.

١٧٦

الثاني: أن نستصحب الوجوب المطلق من غير نظر إلى الغيرية والنفسية بدعوى أنّ الثابت حال الشك - على تقدير ثبوته - عين الذي كان ثابتاً حال اليقين بالثبوت، بناءً على عدم تمايز الوجوب الغيري والنفسي عند العرف وكونهما شيئاً واحداً عندهم.

الثالث: أن نستصحب الوجوب النفسي - بناءً على أنّ الذي كان واجباً عين الباقي عرفاً - نظير استصحاب الكريّة بالنسبة إلى الماء الذي علم كثرته وشك في بقاء الكثرة بعد إنعدام بعض أجزائه.

الرابع: أن نستصحب الوجوب النفسي المردّد بين تعلّقه سابقاً بالمركّب على أن يكون المقصود جزءً له مطلقاً فيسقط بتعذّره، وبين تعلّقه به على أن يكون الجزء جزءً اعتبارياً يبقى التكليف بعد تعذّره، فانّ الأصل بقاء هذا الوجوب فيثبت به تعلّقه بالمركّب على الوجه الثاني، وهذا نظير إجراء استصحاب وجود الكر في هذا الاناء لاثبات كرية الباقي.

ويمكن أن يقال: إنّ ما نحن فيه ليس من قبيل استصحاب الكر، لأنّ المستصحب في مسألة الكر هو الكر الشخصي الموجود سابقاً، والوجوب النفسي المستصحب هنا ليس عين الوجوب النفسي السابق إلاّ إذا فرض كون المستصحب أمراً كلّيّاً، وهو القدر المشترك بين النفسيّين وهو لا يصح الاّ بالمسامحة التي سبقت الاشارة إليها في التقرير الثالث.

والحاصل: أنّ الوجوب النفسي هنا ليس أمراً واحداً مردّداً بين القابل للبقاء الذي كان في السابق موجوداً وبين ما لم يقبل البقاء، بل الموجود في الحال الثانية على تقدير وجوده غير الموجود أوّلاً.

إلاّ أن يقال: إنّ المقتضي لطلب المركّب من الباقي والجزء الذي تعذّر حصوله حال إمكانه عين المقتضي لطلب الباقي حال تعذر الجزء الآخر وبهذا اللحاظ يكون وجوب الباقي عين الوجوب السابق.

هذا ولكن صحّة هذا الاستصحاب - على تقدير اجرائه في الوجوب الشخصي -

١٧٧

موقوف على صحّة الاصول المثبتة.

ويدلّ على القول الثاني أيضاً قولهعليه‌السلام : إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم(١) بناءً على أنّ المراد الشيء المركّب لا الكلي ولا العام الاصولي، فإنّ إرادة الكلي مخالف للظاهر، لأنّ الظاهر من كلمة « من » أنّه للتبعيض، وإذا اريد من الشيء الكلي لا يصحّ التبعيض، لأنّ الفرد ليس بعض الكلي فيحتاج إلى مسامحة وهي أن يكون التبعيض بملاحظة أنّ الفرد بعض الأفراد ويكون المراد من قوله: « فأتوا منه » فأتوا من أفراده، وكذلك إرادة العام أيضاً خلاف الظاهر، لأنّ الأمر حينئدٍ ليس بشيء واحد، بل امر بأشياء هي الاكرامات المتعلقة بالعلماء فتأمّل واحتمال كون « من » بمعنى الباء مخالف للظاهر كاحتمال كونها بيانية، بل الثاني مشكل جّداً.

ويدلّ عليه أيضاً قولهعليه‌السلام : « ما لا يدرك كله الخ »(٢) .

وقد يورد عليه بأنّه يحتمل كون لفظ الكل للعموم الافرادي، لعدم ثبوت كونه حقيقة في الكل المجموعي ولا مشتركاً معنوياً بينه وبين الافرادي، فلعلّه مشترك لفظي أو حقيقة خاصة في الافرادي، فيدلّ على أنّ الحكم الثابت لموضوع العام بالعموم الافرادي إذا لم يكن الاتيان به إلاّ على وجه العموم لا يترك موافقته فيما أمكن من الأفراد.

ويجاب عنه: بأنّ كون لفظ الكل للعموم الافرادي لا وجه، لأنّ المراد بالموصول: هو فعل المكلّف، وكلّه عبارة عن مجموعه.

نعم لو قام قرينة على إرادة المتعدّد من الموصول بان اريد ان الافعال التي لا يدرك كلها كاكرام زيد واكرام عمرو وغيرهما لا يترك كلها، كان لما احتمله وجه لكن لفظ كل حينئذٍ أيضاً مجموعي لا افرادي، إذ لو حمل على الافرادي كان

____________________

(١) عوالي اللئالي: ج ٤ ص ٥٨ ح ٢٠٦.

(٢) عوالي اللئالي: ج ٤ ص ٥٨ ح ٢٠٧.

١٧٨

المراد ما لا يدرك شيء منها لا يترك شيء منها ولا معنى له، وفي كلامه الأخير نظر، لأنّ كون كل افرادياً أو مجموعياً لا مدخل له في ذلك، بل المناط كون العموم مسلوباً أو السلب عاماً.

والحاصل: أنّ ما لا يدرك كلّه قد يكون معناه: ما لا يدرك شيء منه، وقد يكون ما لا يدرك جميعه، وعلى الثاني لا يلزم أن يكون الكل مجموعياً، بل اللازم توجّه النفي إلى العموم المستفاد من الكل.

والحاصل: أنّ قولنا ليس كل انسان حيوان مع أنّ النفي غير عام ويكون متوجهاً إلى العموم لا يكون كل فيه مجموعياً بل هو افرادي، ولذلك أخذه المنطقيون سور القضية ومعنى القضية على تقدير أن لا يكون النفي عاماً إن قدّرنا الكل مجموعياً: أنّ ما لا يدرك مجموعة لا يترك مجموعة، وإن قدّرنا إفرادياً: ما لا يدرك كل واحد من افراده.

١٧٩

القول في كيفية معذورية الجاهل في مسألة القصر والاتمام والجهر وأخيه

وقد فصّلها الشيخرحمه‌الله في الرسالة(١) فلنوضح كلامه.

قوله: إما بدعوى كون القصر مثلاً واجباً على المسافر العالم، وكذا الجهر والاخفات الخ.

وفيه: انه مع استلزامه التصويب والدور المانعان عن تخصيص الأحكام الواقعية بالعالمين لا يدفع الاشكال، إذ لا وجه لعقاب الجاهل على مخالفة الحكم المختص بالعالم كما هو المفروض.

قوله: وإمّا بمعنى معذوريته فيه الخ. الظاهر أنّ المراد منه المعذورية الشرعية.

وحاصله: توقّف تنجّز التكليف بالواقع المجهول على حصول العلم اتّفاقاً، لا على إمكان تحصيل العلم وهذا كسابقه في عدم دفع الاشكال، ضرورة أنّه مع المعذورية الشرعية لا وجه لعقاب الجاهل.

وفيه إشكال آخر وهو أنّ عدم تنجّز التكليف الواقعي لا يستلزم إجزاء المأمور به ظاهراً عنه وسقوطه بامتثال التكليف الظاهري، هذا مع أنّ ظاهر العبارة حيث ادرج هذا الجواب في القسم الأوّل من أقسام الأجوبة: أن يكون الأمر متعلّقاً بما حكم باسقاطه، مع أنّه لا يعقل تعلّق الأمر به من حيث كونه جاهلاً ولو فرضنا إمكان تعلّق الأمر فلا أمر أيضاً، فانّ المخاطب بالاتمام هو الحاضر. اللهم الاّ أن

____________________

(١) فرائد الاصول: ص ٥٢٣.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643