الجريمة الكبرى الجزء ١

الجريمة الكبرى0%

الجريمة الكبرى مؤلف:
الناشر: المركز الوثائقي للدفاع عن المقدسات الإسلامية
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 399

الجريمة الكبرى

مؤلف: الدكتور السيد محمد رضا الهاشمي
الناشر: المركز الوثائقي للدفاع عن المقدسات الإسلامية
تصنيف:

الصفحات: 399
المشاهدات: 56616
تحميل: 5937


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 399 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 56616 / تحميل: 5937
الحجم الحجم الحجم
الجريمة الكبرى

الجريمة الكبرى الجزء 1

مؤلف:
الناشر: المركز الوثائقي للدفاع عن المقدسات الإسلامية
العربية

وقد اتحفنا رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو الشفيق على امته، ومبين الحق ومدحض الباطل، بمئات الاحاديث التي تخص الخوارج، فمرة يذكر بعضهم بالاسم والاشارة الواضحة ويعرفهم للمسلمين (١٨٦)، وتارة يذكرهم بصفاتهم وما هم عليه (١٨٧)، وفي ثالثة يصف افعالهم (١٨٨) وفي رابعة يُعدد جرائمهم (١٨٩)، وفي خامسة يتوقف عند سيماهم (١٩٠)، وفي اخرى يذكر محل سكناهم واهليهم (١٩١)، وفي اخرى يذكر منازل من يُقاتلهم ويُقتل على ايديهم(١٩٢)، وفي اخرى يدعو لمن لقيهم ان يقتلهم (١٩٣)، وأخيراً يلعنهم ويتبرأ منهم، ويؤكد صلّى الله عليه وآله:"لئِن لقيتهم لاقتلنهم قتل عاد وثمود(١٩٤)".

والحصيلة الأولى لهذا البحث هو أن أغلب قادة الخوارج وبنيّة العساكر التي شاركت بالحرب كانت نجدية بأمتياز، وفازت بالسبق عمّن سواها. والحصيلة الثانية، ما كشفت عنه المصادر التأريخية، هو الارتباط الوثيق بين مثلّث الموت، المتمثّل بمنافقين قريش، وأعمدة الأسرة الأموية ورؤساء وسادة القبائل وأعراب أرض نجد المذمومة.

ونحن نتجنب الاعادة درءاً للاطالة ومن اراد المزيد فليراجع الحقيقة الثانية تحت عنوان "نجد في القران الكريم والسنة النبوية" من هذا الكتاب، او كتب التاريخ والحديث والسيّر.

١٢١

الفتنة الرابعة: فتنة آل أمية...

لقد جعل معاوية بن ابي سفيان، الخلافة مُلكاً عضوضاً، والرياسة غصباً قيصرياً، والوراثة حكماً أموياً، وسلطنة عمياء، كما يقول البلاذري في كتابه" انساب الاشراف" (١٩٥)، فاستخلف من بعده إبنه (المنسوب اليه) يزيد، وهو شاب في مقتبل عمره، شارب للخمر، يلاعب القردة والكلاب، ماجن فاسق، قاتل للنفس المحترمة، وكان ناصبياً فظاً غليظاً جلفاً، لا يعرف من الإسلام الا اسمه ومن الدين الا رسمه، يهوی القتل والکفر والعصيان. ومثل هذا لم يكن ليصلح لخلافة المسلمين، ولا يُرجى منه الخير ولا يصدر منه إلاّ الشر، وهو اول من سنّ الملاهي في الإسلام من الخلفاء وآوى المغنيين. كما وصفه المؤرخون أمثال ابو الفرج الاصفهاني في" الاغاني" (١٩٦)، والقندوزي في" ينابيع المودة لذوي القربى" (١٩٧)، والدميري في كتابه" حياة الحيوان"(١٩٨).

وكان من أشنع افعال هذا الخليفة العاصي ان افتتح دولته وفي سنته الأولی من سلطانه ان قتل رأس الايمان وشعلة الهداية وسفينة النجاة، سبط الرسول، الامام الحسين واهل بيته واصحابه عليهم السلام، وسبي ذراري رسول الله صلّى الله عليه وآله وحرمه (١٩٩)، وكانت غالبية جيش يزيد، قادةً وجنوداً هم من نجد الملعونة، كما جاء في كتاب" تذکرةالخواص" لابن الجوزي (٢٠٠)، وكتاب" الاتحاف بحب الاشراف" للشبراوي الشافعي (٢٠١)، وسوف نتناول هذا الموضوع بشئ من التفصيل في الحقيقة الرابعة، فراجع.

وفي سنته الثانية أغار يزيد بن معاوية علی المدينة المنورة، حرم رسول الله صلّى الله عليه وآله الآمن، فندب اليه الحصين بن نمير السكوني، وحبيش بن دُلجة

١٢٢

القيني، وروح بن زنباع الحُذامي وكلهم من قادة اعراب نجد (٢٠٢)، وضمّ الى كل واحد منهم جيشاً، واستعمل عليهم جميعاً، مسلم بن عقبة بن رباح المزني من بني غطفان احدى قبائل نجد ويدعى مسفاً المرّي، وجعله امير الامراء، كما قال المحدث الذهبي في" سير اعلام النبلاء"(٢٠٣)، والبلاذري في" انساب الاشراف" (٢٠٤)، وأوصاه ان يقتل الرجال ويبيح المدينة المنورة ثلاثة ايام لجنده (٢٠٥)، فخرج مسلم بن عقبة من الشام بآلاف من الجنود، ومعه الذهب والأموال الطائلة، وتمكن ان يجمع خلال فترة قصيرة أکثر من ثلاثين الف مقاتل من قبائل نجد المذمومة واعرابها، وقاتل بهم اهل المدينة في منطقة" الحرة"، فقتلوا الالاف، وأبادوا من حضر من البدريين ورجالات قريش والصحابة والانصار بالكامل، والقراء باجمعهم (٢٠٦).

ولنستمع الى الزرقاني إذ يصف منطقة الحرة بقوله: انها ارض ذات حجارة سود، كأ نها احرقت بالنار، (وهي شرق المدينة المنورة) علّها تكون من تلك المناطق التي غضب الله تعالى على اهلها وانزل عليهم العذاب في مناطق قوم عاد وثمود (٢٠٧)، يعني بذلك ارض نجد الممسوخة الملعونة، ارض عاد وثمود واصحاب الايكة وغيرهم، كانت بها الواقعة بين اهلها وبين عسكر يزيد بن معاوية، وكان يربو على سبعة وعشرين الف فارس، وخمسة عشر الف راجل (٢٠٨)، جلّهم من قبائل تلك النواحي (يعني نجد)، سنة ثلاث وستين، وبلغت القتلى من وجوه الناس سبعمائة من قريش والانصار ومن الموالي وغيرهم من نساء وصبيان وعبيد عشرة الاف، وقُتل من القراء سبعمائة(٢٠٩)، فاباح مسلم بن عقبة امير جيش يزيد المدينة ثلاثة ايام يقتلون وياخذون النهب ووقعوا على النساء حتى حملت في تلك الايام اكثر من الف امراة بغير زوج، حتى بلغ الدم إلى قبر النبي صلّى الله عليه وآله،وامتلئت الروضة المباركة

١٢٣

والمسجد بالدماء، ومسح جنود يزيد دم افتضاض البنات بأوراق القرآن الكريم (٢١٠)، وافتض فيها آلاف البنات العذارى، وولدت من بنات الصحابة والتابعين من الانصار والمهاجرين، ألف عذراء كما يقول ابن واضح في"تاريخ اليعقوبي" أو عشرة آلاف عذراء كما يقول سبط ابن الجوزي، في"تذكرة الخواص"، ولا يُعرف لوليدهن من أب (٢١١)، ولم يرض مسلم ابن عقبة حتى اخذ من اهل المدينة البيعة ليزيد على انهم خول(عبيد) ليزيد، يحكم في دمائهم واموالهم واهليهم ما يشاء، وهم يطيعون يزيد في طاعة الله ومعصيته، فمن امتنع قتله، فأجابوه (٢١٢)، وأسر من نساء المدينة و بناتها ما أراد واهداهن الى رجالات نجد عرفاناً منه لطاعتهم اياه (٢١٣)، هذا ما ورد في العشرات من امهات كتب التاريخ والسير لائمة ومؤرخي ومفسري وعلماء الامة الإسلامية، منها على سبيل المثال، لا الحصر:" الکامل في التأريخ" لابن الاثير (٢١٤)،" تأريخ مدينة دمشق" لابن عساكر(٢١٥)،" تاريخ الخلفاء" للسيوطي (٢١٦)،" البداية والنهاية" لابن كثير (٢١٧)، ومسند احمد بن حنبل (٢١٨).

واختتم خلافته المشؤومة من سلطنة آل أمية، ان سيرّ جيش نجد الى مكة المكرمة لقتال عبد الله بن الزبير، وفي الطريق اصاب مسلم بن عقبة لعنة ودنا اجله، فكان يقول: اللهم اني لم اعمل قط بعد الشهادتين، عملاً أحبُ اليّ من قتلي اهل المدينة، ولا أرجی عندي في الاخرة (٢١٩). وانتقلت زمام القيادة إلى الحصين بن نمير السکوني النجدي، فوافوا الحرم وحاصروها وأشتد القتال، وضربوا الکعبة المشرفة بالمنجنيق من على جبل ابي قبيس، حتی احترقت استار الکعبة من شدة الضرب، كما جاء في کتاب" تأريخ الطبري"(٢٢٠)، وكتاب" مروج الذهب" للمسعودي (٢٢١)، وغيرهما (٢٢٢).

١٢٤

ان هذه الممارسات اللاانسانية فضلاً عن كونها غير اسلامية، حدثت على ايدي نوع من البشر لم يكونوا سوياً في خُلقهم وأخلاقهم، ولا في فطرتهم وايمانهم... ولم يمضي على رحلة الرسول الاكرم صلّى الله عليه وآله سوى عقود قليلة، انهم بقايا قوم عاد وثمود، وتركة اصحاب الاخدود والايكة... لا تحدّهم موانع الدين ولا حدود الاخلاق... انهم من اصحاب نجد الممسوخة الملعونة!.

وأثر هذه المارسات اللا انسانية هاج المسلمون واختلط الحق بالباطل، وهاموا علی وجوههم، وضعف الاعتقاد وظهرت البدع، ومات الدين، فکانت نهضة الامام الحسين ومصيبة اهل بيته واصحابه عليهم السلام،بداية حرکة الانقضاض علی سلطنة آل اُمية (٢٢٣)، وعرف المسلمون حقيقة هذه الخلافة اللامشروعة، وعلى الطرف الآخر كانت ثورة الامام الحسين عليه السلام نبراساً للحق والهداية وحركةً لأصلاح مسيرة الإسلام وحفظ قواعد الدين وإعادة النصاب الى مواضعه (٢٢٤)، وها هو اليوم نرى اعلام الدين خفاقّة وعز المسلمين ظاهراً، بفضل تلك المجاهدات العظيمة والتضحيات الجسيمة، فقبة الحسين عليه السلام شامخة تستقطب السائرين لمن اراد الهداية والايمان، وهي مناراً للثائرين وملاذاً للسالكين) ٢٢٥)، وفي المقابل، فلا قبر ليزيد وحزبه ولا ذكر لآل اُمية واعوانهم من جيوش نجد، فهم في مزبلة التاريخ. على الرغم من دفاع ابن تيمية، وابن عبد الوهاب واذناب الوهابية والسلفية عن يزيد ومعاوية واضرابهم(٢٢٦). وما ظهرت اليوم من صيحات ونعرات لهدم هذه القباب الطاهرة، ما هي الا أصداء لتلك الاوراح الشريرة والانفس النتنة التي ما انفكت في ضرب معاقل الدين واهله(٢٢٧).

١٢٥

الفتنة الخامسة: فتنة الزنج والقرامطة...

وعاد اعراب نجد للثورة مرة أخرى فى العصر العباسى بعد أن ملّوا من الإغارة الروتينية على الحجاج، ووجدوا الغطاء الدينى فى دعوة المغامر يحيى بن عمر المهلبي التميمي النجدي (٢٥٥ - ٢٧٩) هجرية (٢٢٨) فأتبعوه، والتفوا حوله، واخذوا من مدينة" هجر" النجدية، وما حولها من مناطة سكن قبائل بني تميم وبني اسد، مركزا لدولتهم الخبيثة (٢٢٩) وذلك في عام ٢٥٥ هـ، وما كانت الا فترة قصيرة حتى استفحل امرهم والتفت حولهم اعراب نجد، واستعدت للجهاد تحت رايتهم. وهبّت القبائل والعربان، كالعادة للخروج من مناطق سكناهم ونفوذهم ليبثوا الفتن والدمار والذبح والفساد خارج اراضيهم (٢٣٠)، فحاولوا السيطرة على البحرين سنة ٢٥٩هـ (٢٣١)، فلم يفلحوا، واعادوا الكرة مرات اخرى.

واشتد امر يحيى بن عمر المهلبي التميمي، حتى صار قائداً دينياً، فأدعى انه ياتيه الوحي وانتحل النبوة، وانه يعرف الغيب،وأمر ان تجبى اليه الخراج، على طريقة أسلافه أمثال مسيلمة وطليحة والاشعث وغيرهم (٢٣٢). ولقد كان شديد القساوة مع اعدائه وعامل الاسرى بالرق والعبودية وبمنتهى الشدة والفضاعة، وكانت له ميولاً خارجية، شديداً في مذهبه المعوج، ولون رايته حمراء كراية الخوارج (٢٣٣).

تحرك مع قواته نحو العراق وأستقطب كثيراً من اولئك العبيد والزنج الذين كانوا قد وقعوا في الاسر من البلاد البعيدة والمجاورة، آبان الفتوحات الإسلامية، ووجهوا كثيراً من الظلم والتعسف، وعانوا الامرّينً من حياة الرق والذل، حيث الصراع الطبقي والاجتماعي والتمايز الحياتي على أشدّ صوره بين الخليفة وبطانته واعوانه وقادة جيوشه، وبين عامة الشعب المعدم الفقير (٢٣٤).

١٢٦

وادعى ان الله ارسله لتحرير العبيد والزنج وانقاذهم مما كانوا يعانون منه، هذا ما جاء في كتاب" أحوال البلاد الإسلامية"، لول ديورانث (٢٣٥)، فعُرفت حركته خطاً متعمداً، باسم هؤلاء الفقراء الذين كانت غالبيتهم من الرقيق الزنج، فسموها زوراً وبهتاناً" بثورة الزنج".

واستمرت جرائم المهلبي التميمي لعقود ثلاث، ركزوا في هجماتهم على العراق وشيعته وخيراته ومدنه المهمة واطرافها، وقد خربوا جنوب العراق طوال خمس عشرة سنة ٢٥٦ - ٢٧٠ هـ (٢٣٦)، واستولوا على مدينة الأبلة وهيت حتى وصلوا الى النعمانية جنوب بغداد، وهددوا مركز الدولة العباسية، لسنوات عجاف (٢٣٧).

فمثلاً في العام (٢٥٧- ٢٥٨ هـ)، هجم زعيم الزنج على البصرة بعد أن أعطى أهلها الأمان، ولكنه نكث بعهده فقتل وذبح اكثر من ثلاثمائة ألف من رجالها وأهلها، وسبى من نساءهم وأطفالهم عشرات الالوف وأحرق مسجدها الجامع (٢٣٨)، وكان من بين سباياه نساء من الأشراف العلويات، وقد فرقهن على عسكره من الاعراب النجديين، حتى انه بيع الشريفة منهن فى معسكره بدرهمين وثلاثة (٢٣٩)، وحين استجارت به إحداهن ليعتقها أو ينقذها من ظلم سيدها الزنجى قال لها: هو مولاك وأولى بك من غيره. كان هذا وصف الطبري لهذه الحركة النجدية المشؤومة (٢٤٠)، وكذلك المسعودي (٢٤١).

لقد اهلكوا الحرث والنسل واذاقوا الناس الويلات والبلايا، وصارت افعالهم الشنيعة سبباً في غضب الناس عليهم، الى أن تم اخماد حركتهم بصعوبة بالغة وقُتل يحيى بن عمر التميمي وأغلب قادة جيشه، بواسطة جيوش الخلافة الفاطمية وانضمام قبائل العراق واليمن والبحرين الشيعية اليهم (٢٤٢)، وانتهت حركتهم المشؤمة بهروب مريدي المهلبي التميمي الى نجد ورجوعهم

١٢٧

الى اوطانهم، واخمدت الفتنة (٢٤٣)، واخيراً يجدر الاشارة الى ان المهلبي التميمي كانت له صلات وتعاون كبير مع حمدان بن الاشعث وابي سعيد الجنابي، الذين بدأوا للتو في عصيانهم الجديد تحت اسم القرامطة (٢٤٤).

ان التاريخ عندنا مزوّر كالسياسية، فلقد سمى كثير من المؤرخين تلك الحركات التي هاجمت العراق واهله، بانها حركات شيعية او تبنت افكاراً شيعية أو علوية أو مهدوية (٢٤٥). فهل العلوي يقتل الشيعة ويستبيح اعراضهم؟، وهل الذي يعتقد بالمهدي من ولد فاطمة عليهم السلام، يكون قاتلاً فتاكاً خارجياً؟!. ولم يكتفوا بذلك حتى سمّوا ثورة الاعراب وهمجية ابناء نجد في حركتهم تحت قيادة يحيى بن عمر المهلبي التميمي النجدي، زوراً بانها حركة الزنج والعبيد، فهل مدينة" هجر" التي خرج منها هؤلاء الوحوش كانت أرضاً زنجيّة؟! ام ان قبائل تميم وأسد وغطفان، كانوا زنوجاً في الاصل؟!، حتى يُساعدوا اخوانهم الزنج في جنوب العراق؟! (٢٤٦). هذا السوال يطرحه الدكتور شابان في كتابه" تاريخ الإسلام" (٢٤٧)، وتظهر الشواهد تلو الأخرى لتجيب على تساؤلات الدكتور شابان: مفادها ان حركة المهلبي التميمي، هي جزء لا ينفك من تاريخ نجد وحركاتها المتتالية المتسلسلة في الثورة على كل ما هو حضارة وقيم ودين ومدنيّة (٢٤٨). نكتفي بهذا القدر في شرح وقائع هذه الفتنة النجدية المشؤمة. وننتقل الى شرح وقائع اخرى.

ومن ارض نجد المذمومة هذه خرجت أيضاً أعراب البوادي وفسقة العرب في سنة ٢٧٠ للهجرة المباركة (٢٧٠ - ٣٢٣ هـ)، بقيادة حمدان بن الاشعث وابوسعيد الجنابي(القرمطي)، وهما من قبائل هوازن النجدية، كما يقول المؤرخ الهوازني الشهير ابن العديم في كتابه" بغية الطلب في تاريخ حلب"(٢٤٩)، بافكار غريبة واهواء باطلة وعقائد منحرفة (٢٥٠)، وقويت

١٢٨

شوكتهم وتآلبت معهم قبائل نجد كبني تميم وبني حنظلة وبني هلال وبني سليم وبني معقل وبني كلب وفزارة واشجع،وبني قيس وكلب وصبّة والخريس ونبهان، وعموم هوازن وربيعة وغيرهما لنصرتهم. كما يقول ابن الاثير في كتابه" اللباب في تهذيب الانساب" (٢٥١)، وعبد الرحمن الانبودي في كتاب" السيرة الهلالية" (٢٥٢).

ولما اشتدت شوكتهم اتخذوا من" اليمامة وهجر" مركزاً لهم. فأول ظهور لفتنة القرامطة كانت من اليمامة قصبة نجد (مدينة الرياض) حالياً(٢٥٣). وقد أظهر البدع وأدعى النبوة لنفسه، وقال اني بعثت بالراحة (ترك العبادات) والاستباحة (ترك المحظورات) (٢٥٤)، وقال بعدم وجوب الصلاة والصيام والزكاة والحج (٢٥٥)، ووضع عنهم كل خشوع وورع وتقى واباح لهم الأموال والفروج، بل الادهى انه حرّف لهم آيات القران الكريم واحاديث الرسول الاكرم صلّى الله عليه وآله، كما يقول الدواداري في كتابه" كنز الدرر"(٢٥٦).

وبدأوا حركتهم بالتسلط على الناس بالقتل والسلب دون تفريق بين صغير وكبير، حتى وصل بهم الأمر إلى قتل النساء والصبيان، وبقر بطون الحوامل(٢٥٧). وقد استغلوا ضعف الخلافة العباسية، وانشغال سلاطينها باللهو والمجون والظلم، فأرادوا توسيع رقعة دولتهم، فهجموا على البحرين وعمان في سنة ٢٨٦ هجرية (٢٥٨)، وأنشأوا مركزاً بالسواد في العراق، وأغاروا على البصرة والكوفة سنتي ٢٧٨ و ٣١٣ هجرية (٢٥٩)، وهزموا جيش الخليفة العباسي مرات ومرات (٢٦٠)، ثم أنشأوا مركزاً آخر في سوريا واقتحموا دمشق في سنة ٢٩٠ و ٣٢٦ هجرية، كما جاء على لسان ابن الاثير في كتابه" الكامل في التاريخ" (٢٦١).

١٢٩

وفي سنة ٣٠٧ هجرية، هجموا مرة اخرى على البصرة على البصرة، واكثروا فيها القتل والفساد وحملوا معهم من نساء المسلمين وذراريهم ما لايعد ولا يحصى كثرة، كما يقول ابن كثير في كتابه" البداية والنهاية" (٢٦٢)، واقتحموا الانبار سنة ٣١٥ هـ، وساروا الى الرحبة والرّقة ورأس العين وهيت سنة ٣١٦ هجرية (٢٦٣)، ثم هجموا على مكة المكرمة وضواحيها سنة ٣١٧ هـ (٢٦٤) والدولة العباسية، وكما يحلو للبعض ان يصفها بالخلافة العباسية، في شغل شاغل عن المسلمين وما يرتبط بحياتهم اليومية، وخصوصا اذا كانوا من الشيعة والموالين لآل البيت عليهم السلام (٢٦٥)، وقد ظهرت بطانات للخليفة المسلم!!!، واحتشدت من حوله طبقات استقراطية ونفعية كمثله وأشد منه، لا يعرفون من الإسلام شيئاً إلاّ ما تنتفخ معه جيوبهم او بطونهم، أما المجون واللهو والغلمان والجواري والسحر والشعوذة، فهي والله أسوء مما كانت عليه الروم أو ملوك فارس، او أمراء التتر (٢٦٦).

ان هذه الفئة الضالة الحاقدة على شعائر الدين والمسلمين حملت حقداً خاصاً ضد الشيعة ومدنهم (٢٦٧)، وقد اغاروا على قوافل الحجاج العراقيين وعرضوهم على السيف في السنوات ٣٥١، ٣٥٦، ٣٦٣، ٣٧٥ و ٣٨٤ للهجرة المباركة، وقطعوا طريق الحج ومنعوا حجاج بيت الله الحرام من اداء مناسكهم(٢٦٨)، وقد دام ملكهم أكثر من قرنٍ من الزمان.

وفي سنة ٣١٧ هـ، هجموا علی مکه المکرمة فوافوا الحجاج في يوم التروية بقيادة عدو الله أبو طاهر سليمان بن ابي سعيد القرمطي الهوازني النجدي، فقتل الحجيج في المسجد الحرام قتلا ذريعاً حتى تجاوز عدد القتلى الثلاثين الفاً، وطرح القتلى في بئر زمزم (٢٦٩)، وسبوا النساء والاطفال واخذوا

١٣٠

الامتعة والأموال، وفتحوا الكعبة الشريفة واقتلعوا جميع ما فيها من الذهب والفضة والمحاريب المذهبة واقتلعوا بابي الكعبة واخذوا ما عليها من صفائح الذهب (٢٧٠). وضرب الحجر الأسود بدبوس فكسره، ولم يکتفوا بذلك، حتی اقتلعوه من مکانه، وهم يقولون: اين الطير الابابيل؟ اين الحجارة من سجيل؟ (٢٧١)، واقاموا بها أحد عشر يوماً، واخذوه معهم ليبنوا لهم کعبة في اليمامة قصبة نجد، عند غطغط الهجر (موضع مدينة الرياض اليوم)، دائري الشكل يُسمى" الكُعيبة" (٢٧٢)، وأبقوا الحجر عندهملأكثر من عشرين عاماً. كما يرويه السيوطي في كتابه" تاريخ الخلفاء" (٢٧٣)، وابن الاثير في كتابه" الكامل في التاريخ" (٢٧٤)، والمؤرخ احمد حسين في كتابه" موسوعة تاريخ مصر" (٢٧٥)، علّ المسلمين يحجون اليه.

وكان المسلمون يحجون الى البيت الحرام ولم يجدوا الحجر في موضعه، هذا ما اورده الدكتور عبد العزيز الدوري في كتابه" تاريخ العراق الاقتصادي في القرن الرابع الهجري" (٢٧٦)، ولم تهتم الخلافة العباسية بالأمر، وكأن الموضوع خارج عن مسؤولياتهم الخطيرة وشأنهم العاجي (٢٧٧)، واكتفى الخليفة المقتدر بالله بارسال رسالة الى ابي طاهر يعاتبه فيها ويتوعده (٢٧٨)، فردّ عليه ابو طاهر القرمطي بما يدلّ على عدم اكتراثه به (٢٧٩). حتى أعاده الخليفة المهدي العلوي الفاطمي كما قال السيوطي في كتابه" تاريخ الخلفاء" (٢٨٠)، الى موضعه السابق في الكعبة الشريفة، وكذلك بمؤازة قبائل الشيعة ودويلاتها المنتشرة آنذاك على طول البلاد الإسلامية وعرضها.

١٣١

ومن فضائع ما قام به وحوش اعراب نجد في مكة المكرمة، هو انه صعد القرمطي على باب الكعبة وهو يقول (٢٨١):

أنا بالله وبالله أنـا

يخلق الخلق وأفنيهم أنا

ولم يفلح أبو طاهر القرمطي بعدها و تقطع جسده بالجدري، كما يذكره ابن خلدون في تاريخه (٢٨٢)، والمؤرخ السيوطي في كتابه" تاريخ الخلفاء"(٢٨٣) عند ذكر حوادث سنة ٣١٧ هـ، وغيرهما من المؤرخين في كُتب التاريخ.

يذكر الطبري في تاريخه (٢٨٤)، ان اعراب نجد الذين هجموا على الكعبة المباركة ونهبوا كسوتها وما في المسجد الحرام من ذهب وفضة وهدايا ونذورات، هم انفسهم من قبائل تميم وأسد وغطفان، الذين هجموا على البصرة، في مرات عديدة (٢٨٥).

وتعطي الدكتورة فائزة اسماعيل اكبر، بعداً اكبر للقضية حيث تؤكد في مقالتها" ثورة الزنج... هل هي ثورة عبيد؟" (٢٨٦)، عن الدور اليهودي وحضوره الفعال في عموم حركة القرامطة، مع مساعدات بالمال والسلاح من نصارى نجد، في هجومهم على البصرة بشكل خاص، وهذا المفهوم لم يغب عن قلم المؤرخ الحاذق ابن العديم في كتابه" بغية الطلب في تاريخ حلب"، ليقول: ان القرمطي كان يهودياً من اهالي نجد، وانه دعيّ (ابن حرام) (٢٨٧). ويذهب الدكتور محمود شاكر في كتابه" التاريخ الإسلامي"، مستنداً على قول المؤرخين ابن كثير والذهبي وناصر خسرو، بان الوجود والتخطيط اليهودي كان حاضراً في كل تحركات وسكنات القرامطة (٢٨٨).

لقد حاول الكثير من المؤرخين واصحاب السير والرجال، ممن يضمرون العداوة والبغضاء للآل النبي (عليهم) وشيعتهم المستضعفين وعلماءهم الابرار،

١٣٢

ان يلصقوا كل ما عملته ايدي قومهم وما اكتسبوه من كفر ونفاق وظلم وعهر وغصب واغتصاب، بالشيعة والتشيع (٢٨٩).

وما نحن فيه، فقد ذكرنا آنفاً، القرامطة واصولها النجدية وقبائلها الاعرابية البدوية (٢٩٠)، كبني هلال وعامر بن صعصعة وبني كلب وعتيبة ومطير وغطفان وهوازن وغيرهم (٢٩١)، والتي لاتمت الى الشيعة والتشيع بصلة، لكننا نقف امام هذا الكم الهائل من التهم والافتراء، بان القرامطة هم من الشيعة، او من الاسماعيلية، او انهم من الفاطميين، او فقل من الباطنيين، او من غيرهم. وان دولتهم قد بدأت من البحرين، او القطيف والاحساء من بلاد الحجاز، او من العراق كالبصرة، او من ايران كالاهواز، ولا يستحي الكاذبون حتى أدعّوا ان القرامطة هم من الكوفة عاصمة التشيع آنذاك، بل ينسبوهم الى نسل علي وفاطمة عليهما السلام (٢٩٢).

والعجب الاعجب ان بعض اصحاب الشهادات العلمية (من المعاصرين)، يأخذون تلك الاقاويل والتهم بمحمل الصدق بدون تمحيص وبحث ودليل، فيتبعون اؤلئك القدامى حذو النعل بالنعل (٢٩٣)، إنْ أحسنا الظن بهم، وإن لم تكن عندهم من سؤة اؤلئك الماضيين في خباثة نفوسهم وعداوتهم لكل ما هو شيعي طاهر.

لقد تضاربت الاراء والنظريات حول عقائد القرامطة بشكل كبير جداً، لا تتناسب مع وسعة دولتهم، ومدة حكومتهم، وعظمة جرائمهم، حيث حازوا على عموم نجد أولاً، ثم امتدوا صوب البحرين والاحساء والقطيف واليمن وعمان والشام وجنوب العراق (٢٩٤)، فكانت آثارهم كثيرة ومتناثرة، وعلائم ملكهم وشواهد مجازرهم حاضرة وباقية، لكن المشفقين على أقوام القرامطة

١٣٣

واصولهم النسبية (النجدية كما قلنا سابقاً)، قد لّفقوا وكل حسب قدراته وعقله وبراعته ما يناسب المقام في تبرئة القرامطة من الانتساب الى غير الشيعة، لان ما عملوه يسوّد وجه الأرض جميعاً، ويبيض وجه ابليس اللعين، فقالوا ان القرامطة يدينون بدين التشيع والولاء لآل محمد عليهم السلام، وحينما لم تفلح الكذبة قالوا انهم اخذوا دينهم من المجوسية، وقال آخر من الزداشتية، وانبرى اخر ليقول انهم من عبدة الجاموس، وجاء آخر ليقول انهم يدينون بالمهدوية، وحينما عجزوا عن الافتراء قالوا انهم باطنييون، لا نعلم منهم شيئاً (٢٩٥).

وعجز مع اؤلئك المؤرخين والدجالين القدامى، اصحاب الفكر والبحث العلمي من المعاصرين، ليقولوا انهم لم يصلوا الى حقيقة الامر!!! في تمحيص ما وصل اليهم حول القرامطة، من جرائمهم النكراء الى معتقداتهم العمياء، حتى انبرى الدكتور رضا العطار ليكتب في بحوثه حول القرامطة تحت عنوان " هل القرامطة كانوا مسلمين"؟.

ان الوجود السياسي للقرامطة لم يُظهر اية علامات واضحة وصريحة وحقيقية عن انتماء القرامطة لاي دين او مذهب او سلوك، فلم تكن غزواتهم وحروبهم فتوحات اسلامية او عربية، او انها كانت من اجل نشر الدعوة الإسلامية (٢٩٦)، او حتى انهم لم يرفعوا شعاراً دينياً يتحركون تحت ظلاله ومسمياته، كالخوارج مثلاً، مع كون انهم من نفس المنطقة والقبائل والطبائع والتقاليد!.

لقد أنصف المؤرخ الدكتور محمد سعيد المسلم في كتابه" ساحل الذهب الاسود" (٢٩٧)، لينقل عن المؤرخ الشهير المسعودي والذي عاصر دولة القرامطة وحركاتهم وجرائمهم، ليقول بالحرف الواحد: اني لا أعرف من

١٣٤

مذهبهم شئ، ولم يكن لهم علماء او فقهاء يرون للناس ما آمنوا به (ولو كان لبان). ويكمل الدكتور احمد الخطيب القول في كتابه" الحركات الباطنية في العالم الإسلامي": بان القرامطة ليسوا من الإسلام في شئ، وكان جلّ اهتمامهم في محاربة الإسلام وارتكاب الكبائر، هتك الاعراض، سفك الدماء، السطو على الاملاك، إرواء احقادهم الدفينة ضد الإسلام، اشباع غرائزهم الحيوانية، ورغبة من زعمائهم في السيطرة والتسلط والتشفي­واشباع­كمائن نفوسهم الشريرة(٢٩٨). نعم ما حصلنا عليه من تاريخ القرامطة بالعد والعدد، انهم اباحوا كل ما هو حرام، وحرّموا كل ما هو حلال، فقد استحلوا الفروج والأموال وسفك الدماء، ونكاح الامهات والاخوات والعمّات وذوات المحارم واباحوا اللواط، وسبيّ العلويات والمؤمنات (٢٩٩).

ان هذه الاوصاف القليلة العدد، الكبيرة الدلالة تشير بوضوح الى فئة واحدة، كانت لها سابقاً نفس هذه المميزات في فتنة الردة وفتنة الخوارج وحكومة الامويين مثلاً، وليست حركة ابن عبد الوهاب ومشتقاته كالوهابيين والسلفيين والقاعدة والنصرة ببعيد العهد منا، حتى اننا لانفهم منهم على اي دين يدينون.

أن خروج القرامطة من هذه المنطقة (نجد) دون غيرها، إنما يدل على كفر هؤلاء الاعراب وفسقهم والجهل المطبق على أهلها وحماقتهم ودناءة أنفسهم وتهيؤهم للفتن، فيسهل عليهم تنفيذ كل حرام ومنكر دون وازع او خوف من الله تعالى، وفعلا كان الأمر هكذا، فقد سرقوا كل ما کان في البيت الحرام من المحاريب الفضية والذهبية، وجرّدوا الكعبة الشريفة مما عليها من الکسوة، وقلعوا باب البيت العتيق، وسلبوا الناس أموالهم وأمتعتهم،

١٣٥

وطرحوا القتلی في بئر زمزم. وأسروا الآف من النساء والاطفال واخذوهم معهم، ­كما يقول الاستاذ عبد الله ابو عزة في كتابه" القرامطة وقبائل اعراب البادية"(٣٠٠).

ولم يأب احد مهرّجي الوهابية (امين الريحاني)، احد الروابط بين بريطانيا والعرش الوهابي (السعودي السلفي) من الاعتراف بالقرامطة وابي طاهر الغطغط في كونه من نجد، وما فعلوه هؤلاء بالإسلام والمسلمين (٣٠١).

إن النار المستعرة التي أضرمتها القرامطة في قلوب المسلمين، وانتهكت بها حرمات الله تعالى على الأرض، قد حفّزت الشيعة وقبائلها ودويلاتها(٣٠٢)، ومؤازرة الجيوش الفاطمية بقيادة الخليفة المهدي الفاطمي(٣٠٣)، بل تذكر المصادر المتعددة التاريخية بان الشيعة من الدولة الحمدانية والدولة العيونية وقبائل الاحساء واليمن والبصرة وضواحيها حتى الكوفة، قد تآلبوا معاً لمقع وقلع هؤلاء الكفرة القرامطة من الوجود وتطهير البلاد منهم (٣٠٤). والخلافة العباسية وحكومتها البهية، لاهية في مجونها واختلافاتها واهوائها (٣٠٥).

لقد افتخرت الشيعة على طول خطها الإسلامي الاصيل في الوقوف امام الخطوط المنحرفة والتيارات الضالة التي أُبتلي به الإسلام والمسلمون، تأسياً بأئمتهم الهداة عليهم السلام، بسلاحي العلم والعمل، وما ذكرنا من هذه الفتن التي ظهرت من ارض نجد المنحوسة المنكوسة، قد تحطمت آمالها، وخمدت نيرانها، وانطفأت شراراتها على أيدي أفضل الناس ايماناً واقربهم زلفى لرب العالمين.

١٣٦

وشهادة للتاريخ، وتعبداً لرب الكائنات فلولا الائمة الاطهار من آل محمد عليهم السلام وشيعتهم الاخيار لما بقي" من القران إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه" (٣٠٦).

ففتنة الردة ما كادت لتموت وتندحر لولا جهاد وحذاقة وسياسة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وصحبه الميامين. وهو القائل (صادقاً)، لولا اني فعلت ذلك (جهاد اصحاب الردة) لباد الإسلام (٣٠٧).

وفتنة الخوارج هذه الفئة الضالة. المضلة، تصدى لها ابو الحسن عليه السلام وشيعة العراق، لإطفاء وهجها وكشف عوراتها وزيف ادعاءاتها وكذب مظاهر ايمانها. حتى أماط اللثام عن وجهها الخبيث، وهو القائل (صادقاً)، أنا فقأت عين الفتنة، ولم يكن يجرأ عليها أحد غيري (٣٠٨).

وفتنة آل أُمية، هذه الشجرة الملعونة في الإسلام، ما انقطع أصلها ومات جذرها وأنكشف زيف دينها، لولا جهاد الامام الحسن، وشهادة الامام الحسين عليهما السلام، وشيعتهم الابرار، وهو القائل (صادقاً)، اني ما خرجت إلاّ لطلب الاصلاح في أُمة جدي رسول الله صلّى الله عليه وآله (٣٠٩).

وفتنة القرامطة، أكلت الاخضر واليابس، وهدّت اركان الدين، ونشرت الرعب والفساد والعهر في كل مكان وصلت اليه (٣١٠). فانتفضت دويلات الشيعة وقبائلها، مرة واحدة، بعد ما ذاقت الامرّين منهم، فقد ثار ابو بهلول العوام بن محمد بن يوسف (ابن الزجاج) في مناطق الخليج، واخذ جزيرة أوال (٣١١)، سنة ٤٥٠ هـ، وطرد القرامطة منها، وبدأ بتطهير المناطق المحيطة بها من دنس اولئك الكفرة الارجاس من قبائل نجد، كما ثار يحيى بن العياش زعيم بن محارب بن عبدالقيس سنة ٤٦٠ هـ في القطيف وانهى سلطة القرامطة

١٣٧

فيها واستولى عليها (٣١٢)، إلا ان اخطر قوة واجهت القرامطة في البحرين هي قوة عبد الله بن علي العيوني، حيث استطاع بمساعة القبائل العربية الحجازية واليمنية وبمساعدة ملكشاه السلطان السلجوقي ان يحتل الاحساء بعدما انتصر على القرامطة في موقعة" الخندق" سنة ٤٦٩ هـ، وعن هذه الوقعة يقول المؤرخ الخطيب،تعد موقعة الخندق من المواقع الحاسمة في التاريخ لانها قضت على دولة القرامطة نهائيا، بعد ان ظلوا زهاء القرنين مصدر الرعب والكفر والفجور والفساد (٣١٣).

وكذلك فقد انطلقت قبائل الشيعة في الشامات وحولها، تطارد القرامطة اينما كانوا، فقد طارد الحسين بن حمدان الحمداني القرامطة اينما حلّوا وحيثما وجدوا واوقع بهم الهزائم الشنعاء التي لم يذوقوها من قبل وطاردهم في الشام وقتل زعيمهم صاحب" الشامة" الذي كان قد جبى الخراج من دمشق ولقب بأمير المؤمنين، واستمر في ملاحقتهم حتى الاردن، وما كادوا يشعرون به حتى فرّوا الى جهة السماوة (٣١٤)، فلاحقهم حتى هناك واخمد انفاسهم الشريرة.

وعلى نفس المنوال اوقع الامير ابو العلا سعيد بن حمدان، والد الشاعر الامير الفارس (ابو فراس الحمداني)، الهزائم تلو الهزائم بالقرامطة من قبائل نجد واكثر فيهم القتل والتشريد، وخصوصا في معركة التي دارت رحاها بموضع في نجد يُقال" سرح" وانزل بهم هزيمة نكراء (٣١٥).

وحينما وصل الدور للدولة العيونية (الشيعية)، فقد شددوا الحملات والضربات بالقرامطة الكفرة، حتى قضوا عليهم نهائياً في عقر دارهم ومعقل عاصمتهم المشؤمة (مدينة هجر وهي الرياض حالياً)، وبمساعدة جيوش ودعم الفاطميون من شمال افريقيا، والسلاجقة في العراق، فقد لاحق فلولهم من قبائل

١٣٨

تميم وهوازن وأشجع وغطفان الى أعماق صحراء نجد ومرتفعات الحجاز، كما أشار اليه الدكتور ابراهيم الحفظي، في كتابه" تاريخ عسير" (٣١٦).

ونكتفي هنا بهذا العرض السريع حول حركة الزنج والقرامطة التي ظهرت على مسرح التاريخ قبل ظهور الوهابية السلفية بمدة ٩٢٧ عاماً، وهم يحملون افكاراً وعصبيات اعرابية صحراوية ولا يعرفون سوى القتل والذبح والاغتصاب ونقض العهود والمواثيق، واهلاك الحرث والزرع، إذ ساموا المسلمين خلال سيطرتهم على البلاد الإسلامية الشقاء والدمار، أشد مما قام به اجدادهم القرامطة واليزيديين والخوارج وحتى المرتدين من اعراب نجد، وكانوا طيلة هذه المدة حملة لواء الفسق والفجور والكفر في الامصار (٣١٧).

أنهم ارادوا للاسلام ان يندثر، و للمسلمين ان يموتوا، فهدموا اعلی معاقل الدين، وافضل رمزٍ للمسلمين (كالوهابية السلفية اليوم)، لکن الله تعالی کان لهم بالمرصاد. فأبادهم وأعز دينه، حيث تحرکت حجافل جيوش الفاطميين بقيادة الخليفة (المعتز بالله) من شمال آفريقيا نحو الحجاز (٣١٨)، لقتال هؤلاء الاشرار وعبدة الشيطان، اجداد ابن عبد الوهاب، فاجتمعت القلوب والابدان من قبائل الشيعة ودويلاتها ضد هؤلاء المجرمين الكفرة من اعراب نجد، وافتخرت الشيعة على من سواها حيث اعادت الحجر الاسعد (الاسود) الی محله في الكعبة الشريفة في يوم عيد الاضحی (٣١٩)، فأبادوا جمعهم وشتتوا شملهم وأسروا الكثير من القرامطة النجديين وفرّقوا شملهم بين البلدان حتى نفوهم الى شمال افريقيا والسودان والشامات وغيرهن (٣٢٠). وليتهم لم يعملوا ذلك ويفعلوا هذا الخطأ الفضيع، حيث أخرجوا هذه الاباليس والشياطين ليعيشوا خارج نجد، لكن بروح وخصائص وصفات ورذائل وكفر

١٣٩

ومجون نجد، واذا ما رأينا اليوم من نماذج بشرية تنبش القبور وتبقر البطون وتأكل قلوب الادميين، وتذبح على الهوية والاسم، وتشنق الطفل البريْ، وتمارس العهر والمجون، وتنكح المحارم، وتفعل اللواط، وتستبيح الحرمات تحت مسميات نكاح الجهاد والنصرة، فأعلموا ان هؤلاء من نسل نجد واعرابها وقبائلها، وان كانوا اليوم ينتمون الى اوطانٍ كمصر او الجزائر او الشام او العراق او عرب افغانستان وغيرهم.

وهنا نکتة لطيفة وظريفة، نود إلفات نظر القاریْ الکريم اليها... نعلم ان الحجر الاسعد لا يستقر في مکانه عند الكعبة الشريفة، إلاّ ان يضعه نبيّ او وصيّ نبيّ في موضعه. والقصة معروفة مع النبي الاکرم صلّى الله عليه وآله في أيام الجاهلية الأولى (٣٢١) عند تجديد بناء الكعبة الشريفة، وهکذا الامر حدث في مثل هذا اليوم، وقد حاول عدد من الاشراف واُمراء مکة المكرمة ان يضعوا الحجر الاسود في مکانه، إلا انه کلما عمد انسان لوضعه، أضطرب الحجر ولم يستقم في موضعه، وبقي الناس حياری، الی ان أقبل غلام اسمر اللون، حسن الوجه، فأنفرج له الناس سماطين، فتناول الحجر ووضعه مکانه، فأستقام، کأنه لم يزل عنه، وعلت عند ذلك اصوات الناس بالتکبير والتهليل (٣٢٢)، وانصرف الغلام خارجاً من الحرم المقدس إنّه الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشريف. وهذا الامر حدث من قبل مع جدّ هذا الغلام وهو الامام زين العابدين عليهما السلام، حينما خرّب الحجاج الكعبة الشريفة وضربها بالمنجنيق، ثم اعاد ابن الزبير عمارة الکعبة الشريفة، واراد ان يرجع الحجر الاسود الی موضعه، فلم يستقم وبقي مضطرباً، وبقي الناس اياماً ينتظرون، حتی التمسوا من الامام السجاد عليه السلام، فتناوله الامام بيديه المباركتين ووضعه في مکانه، فاستقر وثبت وعلت اصوات الناس بالتكبير والتهليل(٣٢٣).

١٤٠