الجريمة الكبرى الجزء ٢

الجريمة الكبرى0%

الجريمة الكبرى مؤلف:
الناشر: المركز الوثائقي للدفاع عن المقدسات الإسلامية
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 399

  • البداية
  • السابق
  • 399 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25328 / تحميل: 5715
الحجم الحجم الحجم
الجريمة الكبرى

الجريمة الكبرى الجزء 2

مؤلف:
الناشر: المركز الوثائقي للدفاع عن المقدسات الإسلامية
العربية

ص٨٨ - ٨٩.

٣٧١- تاريخ الوهابيين، قائد البحرية العثمانية العميد أيوب صبري: ص١٧١؛ صقر الجزيرة، أحمد عبد الغفار العطار: ج١ ص٦٥.

٣٧٢- تاريخ الجبرتي، عبد الرحمن الجبرتي الحنفي: ج٣ ص٥٦٩؛ سواحل نجد (الأحساء) في الأرشيف العثماني، الدكتور زكريا قورشون والدكتور محمد موسى القريني: ص٤٠٩.

٣٧٣- تاريخ الوهابيين، قائد البحرية العثمانية العميد أيوب صبري الرومي، ترجمة عبد الناصر الجزائري: ص١٧١ - ١٧٢ و١٧٦ - ١٧٨.

٣٧٤- ابن عبد الوهاب قائد سياسي، البروفسور أمين الله شاكر القرشي: ص١٨٥ - ١٨٧.

٣٧٥- هذه هي الوهابية، محمد جواد مغنية: ص١٢٩؛ آل سعود ماضيهم ومستقبلهم، جبران شامية: ص٦٩؛ بحوث حول الملل والنحل، العلامة الشيخ جعفر السبحاني: ج٤ ص٣٧٩؛ فتنة الوهابية من كتاب الفتوحات الإسلامية، العلامة السيد أحمد زيني دحلان: ص١٨؛ تاريخ العربية السعودية من القرن الثامن عشر حتى نهاية القرن العشرين، إليكس واسيليف: ص١٨٦؛ جزيرة العرب في القرن العشرين، الوزير المفوض حافظ وهبة: ص٤١.

٣٧٦- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، الشيخ محمد بن علي الشوكاني: ص٢٩٦ - ٢٩٧؛ سواحل نجد (الأحساء) في وثائق الأرشيف العثماني، الدكتور زكريا قورشون والدكتور محمد موسى القريني: ص٤٠٩؛ عنوان المجد في تاريخ نجد، الشيخ عثمان بن بشر النجدي الحنبلي: ج١ ص٧ - ٨.

٣٧٧- موجز تاريخ الوهابي، هارفورد جونز بريدجز: ص٢٣١ - ٢٣٢؛

٢٠١

تاريخ نجد المسمّى روضة الأفكار والأفهام، الشيخ حسين بن غنام: ج١ ص٧٦ - ٧٧.

٣٧٨- تاريخ البلاد العربية السعودية، الدكتور منير العجلاني: ج٤ ص٢١.

٣٧٩- تاريخ العربية السعودية من القرن الثامن عشر حتى نهاية القرن العشرين، إليكس واسيليف: ص٤٥ و٧١؛ جزيرة العرب في القرن العشرين، الوزير المفوض حافظ وهبة: ص١١؛ آل سعود ماضيهم ومستقبلهم: جبران شامية: ص٩٣.

٣٨٠- تاريخ الوهابيين، قائد البحرية العثمانية العميد أيوب صبري الرومي: ص١٧٦- ١٧٨.

٣٨١- تاريخ الجبرتي، عجائب الآثار في الترجم والأخبار، المؤرّخ عبد الرحمن الجبرتي: ج١ ص٦٠٠؛ تاريخ البلاد العربية السعودية، الدكتور منير العجلاني: ج٤ ص٢٥٣؛ آل سعود ماضيهم ومستقبلهم، جبران شامية: ص٦٩؛ بحوث حول الملل والنحل، العلامة الشيخ جعفر السبحاني: ج١ ص٣٧٩.

٣٨٢- تاريخ الوهابيين، قائد البحرية العثمانية العميد أيوب صبري الرومي: ص١٧٦ - ١٧٨؛ هذه هي الوهابية، محمد جواد مغنية: ص١٢٩؛ جزيرة العرب في القرن العشرين، الدكتور حافظ وهبة: ص٤١.

٣٨٣- تاريخ البلاد العربية السعودية، الدكتور منير العجلاني: ج٤ ص٢٥٠ - ٢٥٣؛ تاريخ السعودية العربية، المحقق ناسي ليف: ص١٨٦ – ١٨٧.

٣٨٤- كشف الارتياب في أتباع ابن عبد الوهاب، العلامة السيد محسن الأمين العاملي: ص٤٠؛ فتتنة الوهابية، من كتاب الفتوحات الإسلامية، العلامة السيد أحمد زيني دحلان: ص١٨.

٣٨٥- رحلة من تفليس إلى إسطنبول، الكولونيل رويتر: ص٣٧ - ٣٩

٢٠٢

(تركي).

٣٨٦- حلف نجد، الدكتور حمادي الرديسي: ص١٧ - ١٩؛ جحيم الحكم السعودي ونيران الوهابية، الأستاذ خليفة سعيد الفهد: ص١٩٢ - ١٩٥.

٣٨٧- سواحل نجد (الأحساء) في الأرشيف العثناني، الدكتور زكريا قورشون، والدكتور محمد موسى القريني: ص٤٠٨ - ٤٠٩.

٣٨٨- الوهابية أهدافها ونشوؤها المشبوه، الشيخ فتحي بشار الحارس: ج١ ص١٧٨ – ١٨٢.

٣٨٩- لمع الشهاب، الشيخ حسن جمال الدين الريكي: ص١٠٨.

٣٩٠- خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام، العلامة السيد أحمد زيني دحلان: ص٢٩٧.

٣٩١- تاريخ الوهابية (الوهابيين)، قائد البحرية العثمانية العميد أيوب صبري الرومي: ص١٧٠.

٣٩٢- البداوة في المجتمع السعودي، الدكتور مانع بن زايد الفواس: ص٢١٣ - ٢١٥؛ تاريخ الوهابية (الوهابيين)، قائد البحرية العثمانية العميد أيوب صبري الرومي: ص١٧٠.

٣٩٣- ذكريات سفر الهيئة البريطانية إلى إيران، هارفورد جونز بريدجر: ص٣٠٥ و٣٩٦؛ تقارير نجد، السيد علي الموجاني: ص١٥٠.

٣٩٤- الكويت وجاراتها، هارولد ديكسون: ج١ ص١٤ و٦٧؛ عبد الله فيلبي، خيري حماد: ص٢١٥.

٣٩٥- أثر الدعوة الوهابية في الإصلاح الديني، الشيخ محمد حامد الفقي، الفقرة ٢٤٤: ج٢ ص١١٧.

٣٩٦- تأريخ آل سعود في الجزيرة وأطرافها، الدكتور مانع تيسير

٢٠٣

الدواش: ج١ ص٥٩ و٦٣.

٣٩٧- عبر الأراضي الوهابية على ظهر جمل، باركلي رونكير: ص٣١؛ من وثائق الجزيرة العربية في عهد محمد علي باشا، عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم: ج١ ص٤٧٤ - ٤٧٥.

٣٩٨- الأحوال السياسية في الفترة الأولى من حكم فيصل بن تركي بن سعود، هناء أيوب يوسف العوهلي: ص١٠؛ تاريخ البلاد العربية السعودية، الدكتور منير العجلاني: ج٤ ص٢٠ - ٢٢.

٣٩٩- نظرة على تاريخ الوهابية، الباحثة زهراء مسجد جامعي: ص٨٥.

٤٠٠- تاريخ الجبرتي، عجائب الآثار في الترجم والأخبار، عبد الرحمن الجبرتي: ج٣ ص٢٤٦؛ عنوان المجد في تاريخ نجد، الشيخ عثمان بن بشر النجدي الحنبلي: ج١ ص٤٥٢.

٤٠١- محمد علي وشبه جزيرة العرب، عبد الرحيم عبد الرحمن: ص١٦ - ١٧؛ الأحوال السياسية في القصيم، محمد السلمان: ص٧٢ - ٧٤.

٤٠٢- صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة، جعفر الخياط: ص١٥٣؛ جوانب مثيرة من تاريخ العراق المعاصر، محمد شبيب: ص٤٥ - ٤٧.

٤٠٣- عبر الأراضي الوهابية على ظهر الجمل، باركلي رونيكير ١٩١٦م، ترجمة منصور محمد الخريجي: ص٣١ - ٣٢؛ صفحات من تاريخ الجزيرة العربية، الدكتور محمد عوض الخطيب: ص٢١٠ - ٢١٤.

٤٠٤- خصائص وصفات المجتمع الوهابي السعودي، الدكتور أنور عبد الله: ص١٠ - ٢٣.

٤٠٥- الإسلام السعودي الممسوخ، الأستاذ طالب الخرسان: ص١٣ - ١٤.

٢٠٤

الحقيقة السابعة: الوهابية السلفية زيارة الأطياب وهدم القباب

لابدّ أن نستحضر ذكريات القارئ الكريم بجرائم الوهابية وبني سعود، ضدّ مراقد المسلمين ومحالّ عبادتهم في عموم بلادنا الإسلامية والعربية خلال القرنين الماضيين، وما هو حجم المصائب والبلايا التي صبوها علينا، لا لشيء سوى ذلك الحقد الأعمى، وتلك العداوة المتأصّلة لمحمد وآل محمد عليهم السلام وأصحابهم الميامين.

لا يمكن لنا بهذه العجالة وضع النقاط على الحروف، والتعريف بكل ما ساقوه من حقد دفين وعداوة كريهة وبغضاء عمياء ضد مقدّسات المسلمين ودور عبادتهم، وملاذ نائلتهم، لا فرق بين شيعي وسني، أو عربي وأعجمي. بل الهدف عندهم يصب في اتجاه واحد، وهو محو كل ما يتعلق بالطهارة والدين والتقى... أليس هؤلاء وعلى يد مؤسّس مذهبهم ابن عبد الوهاب مَن قد خرّبوا قبر زيد بن الخطاب، الأخ الأكبر للخليفة عمر بن الخطاب(١)، والذي قُتل في حرب المسلمين ضد أعراب نجد (أجداد ابن عبد الوهاب)، الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله(٢)؟! وأليس هم أنفسهم مَن خرّبوا قبر الحسين عليه السلام(٣)؟! وأليس هم مَن سولت لهم أنفسهم هدم وتخريب المقدّسات الإلهية في البقيع الغرقد(٤)؟! وأليس هم مَن تجرؤا اليوم لتخريب قبر الصحابي الجليل حجر بن عدي (رضوان الله تعالى عليه)(٥)؟!

لقد تعدّدت ألوان جرائم وخيانات الوهابية السلفية وبني سعود ضد المسلمين ورموزهم على امتداد وطننا العربي والإسلامي، وكان حضورهم

٢٠٥

الضال والدموي واضحاً في باكستان وأفغانستان والجزائر، وحديثاً في مصر وسورية والعراق ولبنان، ولا نعلم غداً في أيّ مكان آخر ستكون النوبة!؟

لايمکن لنا أن نفصل بين الوهابية والكفر، أو الوهابية والجريمة المنظمة، فكلاهما وجهان لعملة واحدة، وتوأمان للسلفية في حاضر أيّامها وماضيها(٦)، فمنذ ولادة هذه الزمرة الخبيثة في أرض نجد الممسوخة، کان الضلال والفساد والإفساد والقتل والنهب والسبي والهدم، يرتبط معهم بِعُرى الحتمية وسببية الوجود، لا انفصال ولا انفصام بينهما، ولا عيش لإحد دون الآخر(٧)، وحتى يومنا هذا، فأسباب العداء وعوامل الجريمة وبواطن الشر، والتي لخّصها النبي صلّى الله عليه وآله بالقسوة وغلظة القلوب(٨)، متأصّلة في وجودهم، مشرّبة به نفوسهم، مجبولة عليها طباعهم، فلم يصدر منهم إلا الحرام والمنكر والرذيلة، ولا تفهم منهم سوى التكفير والتهويل... ولهذا لم يدعُ لهم، صلوات الله وسلامه عليه وآله، ولا لأرض نجد، بالخير والبركة، كما دعا لغيرها(٩).

لقد أشرأبّت نفوس القوم ببغض الحلال والخير والطهارة، ولم يقبلوا يوماً بذلك النبي الرؤوف، صلوات الله وسلامه عليه وآله، ولا بأهل بيته الذين أوصانا الله تعالى بهم عليهم السلام خيراً، ولا بأولئك الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، الذين ضحّوا بأنفسهم وأموالهم في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى في الأرض(١٠). والعجب الأعجب أن تزدري نفوس هؤلاء بذكر أسماء وصفات وبطولات أولئك الصفوة، حتى يصل الأمر بابن عبد الوهاب أن يقول: عند قبر الرسول صلّى الله عليه وآله، وهو يركل القبر الشريف برجله، وبعض أتباعه معه، وهو يقول: إنه طارش، وعصاي هذه خير من محمد صلّى الله عليه وآله، لأني

٢٠٦

انتفع بها في قتل الحية والعقرب ونحوهما، ومحمد صلّى الله عليه وآله، قد مات ولم يبقَ فيه نفع، إنما هو طارش(١١).

وكان ابن عبد الوهاب ينادي في صلاة الجمعة على منابر المسلمين في الدرعية: مَن توسّل بالنبي صلّى الله عليه وآله، فقد كفر، ويمنع الصلاة عليه بعد الأذان جهراً، ويتأذّى من سماعها وينهى عن الإتيان بها(١٢)، بل تمادى في غيّه وضلالته حتى قال الملعون: إن الربابة في بيت الخاطئة (يعني الزانية) أقل إثماً ممّن ينادي بالصلاة جهراً على النبي وآله صلّى الله عليه وآله، من على منابر المسلمين(١٣).

ويتلهّف الحفيد لابن عبد الوهاب، لتتواصل المسيرة في تحقيق ما عجز عن فعله الجد (الإمام)، فينتظر ذلك اليوم الذي يُهدم فيه قبر النبي صلّى الله عليه وآله(١٤). ويكمل الشيخ إبراهيم الجيهان في كتابه (تبديد الظلام وتنبيه النيام) ليقول بالحرف الواحد: إن بقاء الأبنية (القبة) على قبر النبي صلّى الله عليه وآله، مخالف لما أمر به الرسول، وإن إدخال قبره في المسجد أشد أثماً وأعظم مخالفة، وسكوت المسلمين (يعني الوهابين السلفين) على بقاء الأبنية ضمن المسجد النبوي (الشريف) لا يُصيّرها أمراً مشروعاً(١٥)!!! وهل تعلمون يا مسلمين: أن عبد العزيز بن باز، مفتي الديار (السعودية)، لم يزُر النبي صلّى الله عليه وآله، طوال حياته، ويقول ما نصه: ما دام هذا الصنم (يعني القبة الموجودة على القبر) هناك، فإنّي لا أزوره(١٦).

وارتعشت مفاصل الأمّة الإسلامية حينما دعا الضال والداعية الوهابي السلفي الدكتور (الشيخ) يوسف الأحمد لهدم الكعبة الشريفة؛ بدعوى اختلاط الرجال والنساء(١٧)، حين أداء عباداتهم الإسلامية!!! عجباً لهؤلاء الأوغاد يتجرؤون على معتقدات ومقدّسات المسلمين بهذه الوقاحة،

٢٠٧

ويستغفلون عقول المسلمين. والأعجب منه هو صمت المسلمين وحكامهم تجاه هذا المذهب السلفي الفاسد. حتى انبرى للرد عليه مستهزأ به، البروفسور ملا أصغر مسلمان صاحب، بقوله: أتمنّى من الشيخ الأحمد أن يدعو رب العالمين ليحشر الناس يوم القيامة، وقد جعل حاجزاً من الحديد الصلب بين النساء والرجال، لكي لا يكون فيه اختلاط ولا حرام(١٨).

إن الوهابية فئة قليلة بالنسبة إلى سائر المسلمين، ولم تظهر إلا قريباً من قرنين وما تفوّه ببدعها أحد من المسلمين، كما يقول العلامة البلاغي في كتابه (أربع رسائل في الرد على الوهابية)(١٩)، والظاهر أن ابن الزبير وزياد ابن أبيه والحجّاج، أشرف من هذا الملعون (ابن عبد الوهاب)، فأولئك سنّوا الخطبة البتراء، وحذفوا اسم الآل من ذكر الصلوات(٢٠)... وهذا يتأذى من سماع ذكر الصلاة على النبي نفسه صلّى الله عليه وآله(٢١).

إنّ لسان المرء مقياس عقله، وما يكتبه هو حصيلة فكره، خذ مثلاً كتاب (التوحيد الذي هو حق الله على العبيد)، فالكتاب مملوء بالمغالطات الفكرية والمنطقية، فتراه يستشهد بشيء ويبني على غير الذي استشهد به، ناهيك عن أن الكتاب قد حمل بين طيّاته العشرات من الأحاديث الضعيفة، بل الأحاديث الموضوعة الكاذبة... حتى أنّ الرجل لم يخَف من الله تعالى، ليضيف من جيبه ما يحلو له، ثمّ ينسب بعد ذلك الحديث الذي وضعه إلى مصادر ليست موجودة إطلاقاً. ومَن أراد الاطّلاع على ذلك فليقرأ كتاب (من فضائح كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب) للعلامة السيد حسن بن علي السقاف العلوي الهاشمي(٢٢).

لقد قام الوهابيون السلفيون في عام ١٢٢٢هـ / ١٨٠٧م، بعدما فتحوا مكة المكرمة واحتلوها، بإنزال الراية التي كانت في وسط الكعبة وعليها مكتوب

٢٠٨

(لا إله إلا الله محمد رسول الله) وأبدلوها براية سوداء ولأول مرة، مكتوب عليها (لا إله إلا الله سعود خليفة الله)(٢٣). ونادى المنادي من الوهابيين السلفيين بعد انقضاء الحج لذلك العام، في مكة المكرمة وضواحيها: أن لا يأتي إلى الحج بعد هذا العام من المسلمين ما هو ليس على مذهبهم، عملاً بالآية الكريمة: ( يَا أَيُهَا الَذِينَ آمَنُوا إِنَمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ) (سورة التوبة، الآية ٢٨)(٢٤).

والكل سمع بـ(الدكتور الشيخ) ابن عثيمين، وهو ينادي من على منابر المسلمين، ويفتي بجواز إقامة أسبوع كامل تخليداً لذكرى ابن عبد الوهاب(٢٥)، لكنه يقول خاطباً في مكة المكرمة: إن المحتفل بمولد النبي صلّى الله عليه وآله يُعتبر ضالا ً صاحب بدعة، يستحق عليها الخلود في النار، وهو مهدور النفس والعرض والمال(٢٦).

إّننا لا نأمن من شر هؤلاء، وما قد أضمروا للمسلمين من شرور ومآس، وماذا تكون عليه آخر مخططات الامبريالية والصهيونية، التي تُمرّر بواسطة هؤلاء الخوارج، وإذا لا سمح الله تعالى، أن قويت شوكتهم، وظهرت بدعتهم؛ فسوف لا يبقى لهذا الدين من أثر ولا للإسلام من قوة وعزة، سوى عبادة جوفاء، ولحى طويلة، وثياب قصيرة، وسكين للذبح، وفتوى للاغتصاب، ونزعة عارمة للّواط والنهب والسلب(٢٧)، هذا في جانب المسلمين، أمّا ما يخص الكافرين والمشركين، فلتنم عيونهم قريرة رغدة، لأن الله تعالى ورسوله الأمين صلّى الله عليه وآله قد أوصى بهم خيراً!!(٢٨).

صورة بالغة في الأسى والأسف، تحكي قصة زوال تاريخ، اكتظت صفحاته بأشرف وأقدس الذكريات لخير أمة أخرجت للناس، وحلول

٢٠٩

أخرى لا تنتمي إلى التربة التي احتضنت صفوة الخلق، وشهدت أحلى صور الإنسانية والشموخ. وفيما يزحف الحجر المستورد من الخارج الكافر كيما يشكل المشهد الجديد في المدينتين المقدّستين (مكة المكرمة والمدينة المنورة)(٢٩)، تعمل آلة الدمار بكل شراسة على هدم بقية آثار لنا، تركتها أجيال يتقدمهم النبي وآله عليهم السلام، وجيل من الصحابة الأوائل، وتتلوهم أجيال من القادة والزعماء والعلماء والوجهاء، الذين وضعوا بصمات لافتة في سجلّنا التراثي وذاكرتنا التاريخية المفعمة بكل أشكال العز والفخر(٣٠). كل شيء بات تحت طائل الاندثار في الديار المقدسة، حيث تتسلّل أذرع الحقد لطمس كل ما له صلة بديننا، وجهادنا، ومفاخرنا، ورموزنا وذكرياتنا... بل تتجاوز الأمور ليصل الحقد الوهابي السلفي ليشمل تربتنا، وصخرنا، ومناخنا، ومياهنا، وشمسنا، بمعنى آخر: طمس ما هو في تاريخنا التليد من آثار الرجال العظام، وعبقات الدين المجيد(٣١).

هنالك صورتان تفاجئان الزائر للمدينتين المقدستين؛ الأولى: تتمثّل في ارتفاع المبانى وناطحات السحاب التي تكفّلت ببنائها شركات أجنبية كافرة وبوجوه عربية أو إسلامية، وأموال من بيت مال المسلمين ليس لها عدّ ولا حصر، لتصبح مبانٍ تتربّص بالبيت العتيق(٣٢)، وتحيط به من كل جانب، لتحجب عنه حتى الشمس والهواء، فضلاً عن القداسة والروحانية والتواضع... وفي الجانب الآخر تدمير ممنهج لبيوت النبي وأهل بيته عليهم السلام،

٢١٠

وبيوت صحابته وآثار جهادههم، حتى يصل الحقد الوهابي السلفي ليشمل بيوت الله عز وجل في أقدس بقاع الأرض(٣٣).

فمنذ عقود طويلة من الزمن، والجرافات التي تهدم آثار الإسلام في مكة المكرمة والمدينة المنورة، بمثابة رجع صدى لصرير جرافات العدو الإسرائيلي وهي تهدم الآثار والمقدّسات، حتى وصلت لهدم بيوت السكان الأصليين وإزالة قراهم، وهي تمد ذراعها التدميرية لتخترق المساكن من سقوفها وتهدها على رؤوس أصحابها، أو تضعهم في قائمة المشردين، حينما يكون أحد أفرادها ثائراً أو مقاتلاً أو حتى شهيداً، وهي أيضاً تزيل الآثار الدينية المحيطة بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة، وكل ما يمت للموحدين بصلة، كما يُنقل عن الدكتور محمد قستي(٣٤).

إنّ ثمّة شبهاً واضحاً بين الجرّافات الإسرائيلية ونظيراتها السعودية، فالوظيفة واحدة، والغاية أيضاً واحدة، فهدم المقدسات دالة على تلك الجرافات المجنونة، التي تقتلع كل ما هو راسخ في تربة الآباء والأجداد، وبقع مشى عليها الأنبياء والصالحون، تختفي فجأة فتحيل الوجود التراثي الممتد في عمق الأرض إلى مجرد غبار يتطاير وأحجار تتبعثر، لا تلبث أن تتكوم في شاحنات أعدت لنقلها بعيداً، تمهيداً لغيابها النهائي عن الأنظار(٣٥). ويا ليت الأمر ينتهي بهذه الفاجعة الأليمة، ولتبقى الأرض شاهدة على ما كانت عليه، بل العدو اليهودي في فلسطين أو الوهابي السلفي في الأراضي المقدسة يفرض عليك ثقافة القبول بما يقدمه إليك من

٢١١

بناء جديد، من الإسمنت والحجر والزخرفة ما يفرض على الأجيال القادمة أن تنسى جذورها وتاريخها التليد(٣٦)، فلا يبقى منه إلا ذكريات في صدور الرجال وعقولهم ممّن حولوا أنفسهم إلى صندوق أسرار متنقل، وحراس على ذاكرة الأمّة، يخافون أن يتخطفهم الموت من بيننا، فتضيع آثار ليس هناك دليل على أماكنها سوى هؤلاء الرجال الأوفياء، الذين يفترسهم الألم وهم يشهدون عملية محو منظمة لتراث أمة بأسرها(٣٧).

ما فتئ المتشدّدون الوهابيون يعقدون النوايا ويحيكون الخطط القديمة المتجددة، لهدم القبة النبوية الشريفة، وإزالة المرقد النبوي من داخل المسجد، إنه مخطط شغل ذهن الوهابيين منذ أن أعملوا آلات الهدم في الآثار الإسلامية بعد اجتياح المدينتين المقدستين عام ١٨٠٣م حتى اليوم، كما يقول الدكتور سليم المنصوري في كتابه (الوهابية ومؤسسها من منظار إسلامي)(٣٨)، فإن ثمة نية مبيتة لهدم قبر الرسول صلّى الله عليه وآله، مخطط يبدأ بهدم القبة النبوية الشريفة وإخراج قبر المصطفى صلّى الله عليه وآله من المسجد وتحطيم ضريحه ومنع الناس من زيارة قبره الشريف. نية أعلن عنها الوهابيون صراحة ووقف عليها كثير من المطّلعين على وقائع الغزو الوهابي للحجاز، كما جاء في كتاب (اليهودية ديانة أم سياسة) للدكتور ربيع الدين أحمد غلوم(٣٩)، وكذلك فقد ذكر الجبرتي في تاريخه أنهم حاولوا أن يهدموا قبة النبي صلّى الله عليه وآله، غير أن الضغوطات التي لقوها من قبل المسلمين حالت دون تنفيذ بني سعود هذا الإجراء الغاشم(٤٠).

٢١٢

وكتب دوايت دونادلسون في سنة ١٩٣٣: كان علماء الدين الوهابيون توّاقين إلى تهديم القبة التي على مسجد الرسول صلّى الله عليه وآله، وإعادة بناء الحرم الشريف من دون إدخال القبر فيه، لكن ابن سعود استعمل دهاءه السياسي للحيلولة دون ذلك لئلا يثير عليه عداء العالم الإسلامي كله، وبذلك سلم قبر الرسول صلّى الله عليه وآله من العبث، ولكن حماسة الوهابيين الدينية سُمِح لها بأن تمارس ما تريده من العنف في تخريب الأضرحة والقبور الموجودة في البقيع وأماكن أخرى(٤١).

وفي هذا الصدد نذكر قول الشيخ حمد بن عبد الخالق العواد، وهو خطيب وهابي سلفي في الحرم النبوي الشريف، يتحدث بحرقة وحسرة: كان علينا أن نمنع الناس عن هذا المكان، ولكن ماذا نصنع وقد غلبنا على أمرنا(٤٢).

إذن، هكذا يعبّر الوهابيون عن تقديرهم لرسول الله صلّى الله عليه وآله، ولا ندري ماذا يضمر الوهابيون لقبري إسماعيل وأمه هاجر صلّى الله عليه وآله، وهما في قلب المسجد الحرام وفي جوار الكعبة الشريفة، فهل المخطط الوهابي سيطال الكعبة أيضاً؟! وهل تبقى صلاة ودعاء المسلمين عند الكعبة الشريفة شركاً وكفراً، ما دام هذان القبران داخل المسجد الحرام؟!

من المثير للغرابة والدهشة، إن بني سعود جهدوا في حفظ بعض الآثار غير الإسلامية، في منطقة نجد، ومنها حصن كعب بن الأشرف، رأس اليهود، والتي كانت المكائد والمخططات ضد رسول الله صلّى الله عليه وآله وضد

٢١٣

المسلمين، تدار من داخل هذا الحصن(٤٣)... حيث قام بنو سعود بحماية وحفظ هذا الحصن ونصبوا جنب هذا الحصن قطعة كتب عليها: تحذير منطقة آثار يحظر التعدي عليها... تحت طائلة العقوبات الواردة بنظام الآثار بالمرسوم الملكي رقم و/٢٦، بتاريخ ١٢/٦/١٣٩٢هـ(٤٤).

وفي الوقت الذي يطلق بنو سعود أيدي أنصارهم من الوهابيين السلفيين لتهديم جميع الآثار الإسلامية على طول الجزيرة العربية وعرضها، يقوم برصد مبالغ طائلة لحفظ آثار أسرة بني سعود، فقد أنشأوا لهذا الغرض مؤسسة ضخمة تحت اسم (دارة الملك عبدالعزيز)، لحفظ آثاره الشخصية كسيوفه وخواتمه وساعته وأسلحته التي استخدمها وسيارته الخاصة وسرير نومه وحتى ألبسته، وقد أنشأت هذه المؤسسة بقرار ملكي صادر في ٥ /٨ /١٣٩٢هـ. وجاء في المادة الثالثة لنظام إنشائها ما يلي. تقوم الدائرة تحقيقاً لأغراضها بالأمور التالية: إنشاء قاعة تذكارية تضم كل ما يصور حياة الملك عبد العزيز وآثار الدولة السعودية منذ نشأتها(٤٥). وقد رصد لهذه المؤسسة ميزانية ضخمة. ويوجد مقر كبير لها ومجلة باسمها (مجلة الدارة)، كما يقام مهرجان سنوي باسمه لمدة أسبوع تحت إشراف المؤسسة، وأيضاً فقد أنفقت الحكومة السعودية مبلغ ١٢ مليون ريال سعودي لصيانة قلعة واحدة في مدينة الدرعية، كان لها دور في قيام الدولة السعودية الثالثة(٤٦).

أمّا آثار الإسلام والرسالة في ربوع المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، فلم يبقَ منهما الآن حسب المعماريين الحجازيين سوى (٥%) خمسة بالمائة(٤٧)، فقد أزالت الجرافات الوهابية السعودية أغلب

٢١٤

الآثار الإسلامية... وأصبحت هناك مهمة أخرى قديمة تتجدد بمرور الأيّام، وهي هدم القبة النبوية وإزالة القبر الشريف من المسجد النبوي.

وآخر ما صدر عن المتزمّتين في هذا الشأن، قد بسطه الكاتب عبد الله الشريف في مقالة له بعنوان (المسجد النبوي ووهم الوضع الخطأ!) والذي نشرته صحيفة المدينة في ٢٥/ أغسطس/٢٠١٣م، حيث يعقد الكاتب في مقالته مناظرة مع أولئك الذين ما زالوا مسكونين بوهم عقدي، ويقول معتبراً أن إدخال حجرات أزواج النبي صلّى الله عليه وآله داخل المسجد النبوي الشريف خطأ، وأن وجود القبر الذي هو في إحداها، بدعة اجترحها الأولون، وزعم أن مَن توافَر آنذاك في المدينة من فقهاء التابعين إنما سكتوا دفعاً للفتنة، وهو يطالب ولاة أمر هذه البلاد، بأن يصححوا وضعاً اعتبره خطأ منذ البداية، فيخرجوا القبر من المسجد، ودعا لهم أن يوفقوا إلى ذلك، لتغيير وضع الحرم النبوي الشريف، الذي ظل عليه ما يقارب ثلاثة عشر قرناً ونصف القرن، خاصة وأن الشيخ المتحدث زاد حديثًا عما أسماه بدعة القبة الخضراء، ونادى بتصحيح كل هذه الأخطاء المزعومة(٤٨).

ثمّ إذا ما انتقلنا إلى موضوع آخر، طبّلت له أبواق الوهابية السلفية، وفعلت الجرائم البشعة والموبقات المنكرة، بحجة أن الناس قد أشركوا برب العالمين، وكفروا بوحدانيته!!! لأنهم استشفعوا بهذا النبي أو ذاك الولي، وقدموا النذور له، وهي بحق لا تستحق الرد، ولا تربوا إلى مقام العلم... لأنه ليس في المسلمين، ما يقصد ذلك ولو بنسبة ضئيلة، لأنه لا يفيد

٢١٥

مع هؤلاء الجواب الصحيح والاحتجاج العلمي، بل هؤلاء الوحوش لا ينتظرون الجواب والرد، بقدر ما يريدون أن ينفذوا العقوبة والحد، فهم مولعون بهذا الموضوع، ولا يخصهم أكَفَر الناس بالله أم عبدوه ووحدوه، ولنا في جواب الشيخ سليمان بن عبد الوهاب رداً على أخيه الفاجر الفاسق، خير ختام، حيث يقول في كتابه (الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية): كما أن النذر لأهل القبور، والذبح لغير الله تعالى، وسؤال غير الله تعالى، قد تكون عند طوائف من المسلمين من المحرمات، ولم يقل أحد من الطوائف أن فاعله كافر أو مرتد، وليس من المكفرات. فإن التمسّح بالقبور والتبرّك بها، عَدّتها بعض الطوائف من المكروهات وآخرون من المحرمات، لكن لم يقل أحد أن فاعلها مشرك كافر، خارج عن الدين. في حين أن الإمامية وأغلب المسلمين يؤمنون: أن النذر لله، والذبح لله، والتمسح لقرب ذلك العبد من الله، فأين الشرك الأصغر فيه دون الشرك الأكبر، إن ما تدعوه هو تقويل وتدليس(٤٩).

كانت هذه نفثة ألَمْ... ولحظة عذاب يعيشها كل مسلم غيور... ولنعُد إلى صُلب الموضوع، ونقول: إذا كانت الكعبة المشرفة هي الأثر الديني الكبير المركزي في العقيدة الإسلامية السمحاء على امتداد تأريخها التليد، بوصفها بيت الله الحرام، فإن كل أثر ديني أو دنيوي يدور في فلكها يصبح بدوره ممجداً ومكرماً لدى أتباع الرسالة المحمدية. كما يكتب الباحث المصري الدكتور فكري عبد المطلب في مقالته (آل سعود والسلفيون الوهابيون يمحون تراث النبوة والإسلام)(٥٠). وسواء كان هذا الأثر متصلاً بسيرة

٢١٦

الأنبياء والأوصياء السابقين، أو بسيرة نبينا الكريم وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين وصحبهم الميامين، أو كان الأمر متعلقاً بعمل يرمز لجهاد الموحدين، أو صرحاً شامخاً للتذكير بوقائع تاريخية مرتبطة ببزوغ هذا الدين الحنيف وأهله(٥١).

وبناء عليه، فلم تتعرض الكعبة الشريفة وقبر الرسول وآله الطيبين صلوات الله عليهم وصحبهم المنتجبين، لأيّ أذى أو انتهاك صارخ طوال عهود الدول المتعاقبة والأنظمة المختلفة، حتى نصل إلى الدولة العثمانية(٥٢). باستثناء تلك الغارات والهجمات التي نفّذتها قوى شريرة نجدية بدعم سياسي ومالي أموي، وهو ما حدث في عهد يزيد بن معاوية، من استباحة للمدينة المنورة وقتل أهلها وانتهاك أعراض بناتها من المهاجرين والأنصار(٥٣). ثمّ ضرب الكعبة الشريفة بالمنجنيق وحرق أستار الكعبة(٥٤)، أو في العهد العباسي على أيدي القرامطة النجديين، الذين هدموا الكعبة وقتلوا عشرات الآلاف من الحجاج فيها وسرقوا الحجر الأسود وأخذوه معهم وبنوا كعبة جديدة في منطقة (هجر) النجدية لمدة ٢٢ عاماً(٥٥)، حتى أرجعته الدولة الفاطمية إلى مكانه(٥٦).

فهي إذن حالات شاذّة، وزيغ نجدي أموي عباسي، ذو دوافع دينية وسياسية سلطوية، أرادوا بالإسلام والمسلمين شراً، وكانوا بالحقيقة في أفكارهم وبدعهم يمثلون السلف (الصالح) للوهابية السلفية، وبُناة هذه الحركة الهدامة في بدن الأمّة الإسلامية، لكن الله تعالى كفى شرهم، وسرعان ما تبادر المسلمون لإصلاح ما فسد، وترميم ما قد خربته أيديهم الآثمة.

٢١٧

ودون ذلك، ظل هذا الأثر العظيم (الكعبة المشرفة) وتلكم الآثار المتناثرة هنا وهناك موضع رعاية وإجلال لدى المسلمين على مختلف نحلهم ومشاربهم، وعلى طول الطريق. تُشد إليها الرحال، ويُذكر في آنائها اسم الله بالتهليل والتسبيح، فتهدأ معها النفوس، وتطمئنّ بجوارها القلوب، وتُطلب عندها الحاجات من الرب الكريم(٥٧). ومثل هذا الأمر ينطبق إذا ما نظرنا نحو الشامات، فنجد المسجد الأقصى وقبة الصخرة في القدس الشريف ليست ببعيدة عن مشاعر المسلمين وإجلالهم، حتى قدموا أنفسهم قرباناً، للدفاع عنها ضد أطماع المحتل الكافر. وإذا ما ذهبت إلى باكستان وأفغانستان والصين في أقصى شرق بلادنا الإسلامية، أو حططت الرحال في مصر والمغرب العربي، لتجد العشرات من المراقد والبقاع المتبركة والمساجد العامرة بذكر الله تعالى، وفي جنبها قبر لولي من أولياء الله، أو أثر لحادث يرتبط بالدين وأهله(٥٨).

إن تلك الكعبة المشرفة والآثار الإسلامية، حفرت أثراً عميقاً في الوجدان والواقع الإسلامي، يندر مقارنته بسواه من الآثار والقداسة عند أغلب الأمم والبلاد، حتى في الأديان السماوية الأخرى. ولِمَ لا وقد كرم الله تعالى بيته العتيق ودعا إلى حفظ حرمته، وأنزله مع بيوت الرسول وآله عليهم السلام، لتكون موضع تقديس وعز، ومحط نزول الوحي والملائكة. بالإضافة إلى أماكن أخرى كانت محال حوادث وذكريات لا تعاد مطلقاً في تأريخ هذه الأمّة الموحدة، كموضع ولادة الرسول الأمين، وبيت خديجة، ومحل ولادة فاطمة سيدة النساء صلوات الله عليهم أجمعين، وهكذا أماكن أخرى ضمت أجساد أولئك الطاهرين ذوي النفُوس الزكية، والتي لم تزل محط هبوط ملائكة الله تعالى.

٢١٨

إنه لأمر محزن أن يطمس اثنا عشر قرناً من الحضارة والعلم والإيمان، ويرتد بالأمّة إلى سابق عهودها الجاهلية الأولى... لكن هذه المرة بين الفئة الوهابية السلفية، التي حاولت جاهدة أن تعوض الفضاء الإسلامي المتعدد المذاهب والمشارب والأفكار، ليصير الأمر إلى أحادية مذهبية وهابية سلفية متجبرة تعادي كل مَن لا يواليها، بعد أن جردته من الانتساب إلى أصل الدين، الذي جردته هو الآخر، بدوره من آثاره وشخوصه وقدسيته ومعالمه(٥٩).

لقد حفظت الأمّة الإسلامية على مدى عهودها المختلفة وحتى عشية قيام الدولة الوهابيةالسعودية (السلفية الأولى) عام ١١٥٩هـ/١٧٤٥م(٦٠)، كل أثر وموقع لسيرة النبي وآله عليهم السلام وصحبه الميامين، لأكثر من ألف ومائتين عام، تتناقله الأجيال بعد الأجيال، تحرسها بقلوبها وتحفظها بوجودها ووجدانها، وترى فيها الكرامات والخيرات.

وقد أرخ المؤرّخون والرحالة وكثير من العلماء، أبرز تلك المدونات التأريخية والأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وما حولهما، ورسموا بعض الخرائط التفصيلية، وحتى ذكر بعضهم الكتابات من الآيات والأشعار والعبر المذكورة عند القبور والآثار وسجلوا أسماء وتواريخ وفاتهم(٦١).

وقد نُثقل على القارئ الكريم، بذكر المؤلّفات الماضية التي أصبحت من التراث القديم، والمطبوع على الطريقة الحجرية، أو المكتوب على الجلد، ومكانها في المتاحف والمكتبات المركزية لكثير من الدول والجامعات العالمية. لهذا نقتصر بذكر بعض من المصادر التي يمكن الحصول عليها بسهولة من المكتبات العامة. ويُعد كتاب (الشرف الأعلى)

٢١٩

للمؤرّخ المكي جمال الدين الشيبي، الذي وضعه في القرن الخامس عشر الميلادي(٦٢)، والكاتب الشهير تقي الدين الفاسي في تأريخه (العقد الثمين)(٦٣)، والمؤرّخ أحمد بن عمر الزيلعي(٦٤) وغيرهم، قد دونوا الكثير من تلكم الآثار والأماكن المقدسة والكنوز الفريدة المهداة إلى تلك البقاع الطاهرة، للفترة التي سبقت عبث ونهب بني سعود والوهابية السلفية بها(٦٥).

وللاطّلاع والتنويه فقد فعل الوهابيون السلفيون وبنو سعود سوءتهم الأولى ضد محال الله تعالى في الأرض ومنائر الإسلام ورموزه في مكة المكرمة والمدينة المنورة وضواحيهما، ما بين الأعوام ١٢١٨ - ١٢٢٥هـ/ ١٨٠٣ - ١٨١٠م، أثناء ما يسمى بدولتهم السعودية الأولى(٦٦). وكانت جريمتهم الثانية في بداية حكم دولتهم السعودية الثالثة في الأعوام ١٣٢٥ - ١٣٣٤هـ / ١٩١٧ - ١٩٢٦م(٦٧).

نذكر هنا - على سبيل المثال لا الحصر - بعض أهم الأماكن والمواقع المتفق عليها بين المسلمين، وكانت محط رحالهم وزيارتهم وتبركهم، وتعرضت لهجوم قوى الشر والظلام... ففي مكة المكرمة كانت ما يلي:

١- هدم البيت الذي ولد فيه النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله، وهو نفسه كان بيت أبيه عبد الله عليه السلام، والتي أخذها من أبيه عبد المطلب، بعد ما قسم حقه بين أولاده، ودفع إليهم ذلك في حياته، حين كف بصره عليه السلام. كما يقول الأزرقي في (أخبار مكة وما جاء فيه من آثار)، والبنتانوني في (الرحلة الحجازية) وآخرون(٦٨). وقد وصف المؤرّخ تقي الدين الفاسي في كتابه (شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام) في رائعة أدبية موضع هذا البيت المقدس وهندسته من الداخل والأقسام المتعددة فيه(٦٩). ويسمى تأريخياً بدار (أبو

٢٢٠