تفسير نور الثقلين الجزء ٤

تفسير نور الثقلين9%

تفسير نور الثقلين مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 652

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 652 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 298864 / تحميل: 6095
الحجم الحجم الحجم
تفسير نور الثقلين

تفسير نور الثقلين الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

نهاية كما يعقل من صفة المخلوقين ، ولكن قديم أول ، وآخر لم يزل ، ولا يزال بلا بدء ، ولا نهاية لا يقع عليه الحدوث ، ولا يحول من حال الى حال خالق كل شيء»(١) .

ومن الغريب أن يكون النداء بهذه الفقرات بحرف (يا) مع أنها موضوعة في المصطلح النحوي لنداء البعيد فكيف يلتئم هذا مع إخباره سبحانه عن قربه من العبد بقوله :

( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (٢) .

والجواب عن ذلك : بأن الداعي وجد نفسه بعيداً عن ربه نظراً لجرائمه العديدة لذلك استعمل في النداء ما يدل على البعد من حروف النداء إعترافاً منه بتقصيره

٢ ـ اَللّـهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تَهْتِكُ الْعِصَمَ. اَللّـهُمَّ اغْفِـرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ النِّقَمَ. اَللّهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُغَيِّـرُ النِّعَمَ. اَللّـهُمَّ اغْفِرْ لي الذُّنُوبَ الَّتي تَحْبِسُ الدُّعاء. اَللّـهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ الْبَلاءَ. اَللّهُمَّ اغْفِرْ لي كُلَّ ذَنْب اَذْنَبْتُهُ ، وَكُلَّ خَطيئَة اَخْطَأتُها. اَللّهُمَّ اِنّي اَتَقَرَّبُ اِلَيْكَ بِذِكْرِكَ ، وَاَسْتَشْفِعُ بِكَ اِلى نَفْسِكَ ، وَأَسْأَلُكَ بِجُودِكَ اَنْ تُدْنِيَني مِنْ قُرْبِكَ وَاَنْ تُوزِعَني شُكْرَكَ ، وَاَنْ تُلْهِمَني ذِكْرَكَ.

__________________

(١) أصول الكافي : كتاب التوحيد / باب معاني الأسماء واشتقاقاتها / حديث (٦).

(٢) سورة ق : آية (١٦).

١٢١

في هذا الفصل من الدعاء نلمح من بين فقراته المواضيع التالية :

١ ـ يوجه الدعاء الداعي بعد القسم على الله بصفاته ، وأسمائه أن ينسق طلبه ، ويحدده على نحو الأهم ، فالأهم ، ولذلك وقبل كل شيء يرى ضرورة تقدمه بطلب غفران الذنوب ، والتجاوز عن معاصيه.

٢ ـ أن الذنوب كما لها مخلفات أخروية من إستحقاق كذلك لها آثار وضعية تتحقق في هذه الدنيا من تعجيل بلاء ، أو تغير نعمة ، أو حبس دعاء ، وهكذا.

٣ ـ التدرج الدعائي في الطلب من الأقل الى الأكثر ، فبينما نرى الداعي يبدأ بطلب المغفرة للذنوب التي تغير النعم مثلاً ، أو غيرها من الذنوب التي تسبب بعض الأمور الخارجية نرى الداعي يترقى ليطلب من ربه أن يغفر له كل ذنب أذنبه ، وكل خطيئة صدرت منه.

وهذا ما نستوضحه عند شرحنا لفقرات الدعاء بالخصوص ، وأن هذا الأسلوب له أثره الخاص في جلب رضا الخالق ، والوصول من وراء ذلك الى الغاية المنشودة له من العفو عما صدر منه مطلقاً.

٤ ـ موضوع الشفاعة : حيث يتقدم الداعي بجعل وبسيط بينه ، وبين خالقه ليتشفع له في تحصيل ما يريده منه ، وتحقيق ما يطلبه منه.

ومن الإِجمال في عرض هذه المطالب المذكورة الى التفصيل :

١٢٢

«اللهم إغفر لي الذنوب التي تهتك العصم»

غفر الشيء : ستره ، والذنوب : جمع ذنب وهو الجرم ، والإِثم.

والعصم : من العصمة ، وهي المنعة. وإعتصمت بالله اذا إمتنعت بلطفه عن المعصية وعصمة الله عبده إذا منعه مما يوبقه(١) .

وفي الحديث : «ما إعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي إلا قطعت أسباب السماوات من بين يديه وأسخت الأرض من تحته»(٢) .

وقد يدرج الداعي من أول الدعاء يتوسل الى ربه ، ويقسم عليه برحمته ، وبقوته ، وهكذا بصفاته ، وأسمائه ، ولكن من هذه الفقرة من دعائه بدء ببيان المقسم ، وهو الشيء الذي كان التوسل ، والقسم لأجله. لذلك يبدو لنا واضحاً التناسق والإِرتباط بين فقرات الدعاء السابقة ، وما بدأ به من الفقرات الآتية «اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم».

وقد تضمنت هذه الجملة التماس العبد من ربه غفران الذنوب التي تهتك العصم أي الذنوب التي تكون سبباً في زوال مناعة العبد من الوقوع في الموبقات ، والرذائل.

إن التعبير الدعائي بالذنوب اليت تهتك العصم يعطينا فكرة واضحة عن لطف الله في منح الإِنسان المناعتين المعنوية ، والجسمية

__________________

(١) أقرب الموارد : مادة (عصم).

(٢) مجمع البحرين مادة (عصم).

١٢٣

فالبدن الصحيح له المناعة الكافية عن تلقي الأمراض التي تخز به وتكون سبباً في علته ، أو هلاكه ، ومتى حافظ الإِنسان على الارشادات الصحية كانت مناعته البدنية كافية لصد الأمراض. أما لو خالف ، وأهمل صحته ، فان ذلك معناه عدم مقاومة الجسم لصد أي مرض ، وهجومها عليه ونتيجة ضعف المناعة ، وانعدامها.

وهذا الإِنسان نفسه كما أودعه الله في أصل تكوينه المناعة الجسمية كذلك أودعه المناعة من الوقوع في الموبقات ، والرذائل ، والتي تكون سبباً في هلاكه أخروياً من لطف الله ، وجنته ومن ثم دخوله النار.

هذه المناعة أودعها الله عباده بمنحهم جوهرة العقل ، وهداهم النجدين(١) حيث أبان لهم طريق الخير كما أوضح لهم طريق الشر فإن أعمل الإِنسان عقله ، وامتثل أوامر ربه ، واجتنب نواهيه كان ذلك الإِنسان معصوماً ، وممنوعاً من الوقوع في كل ما يوصله الى العقاب الأخروي.

أما لو خالف ما يمليه العقل عليه من التزام طريق الهداية ، وركب هواه ، وارتكب الذنوب فإن هذا الإِنسان تنعدم عنده المناعة من الوقوع في الرذائل وطبيعي أن تكون نتيجة هذا الإِنسان اليأس ، وانه :( خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ) (٢) .

أما الذنوب التي تهتك ال عصم ، وتكون سبباً في زوال المناعة المعنوية ، فهي كما عن الإِمام الصادق «عليه السلام» :

__________________

(١) كما جاء في الآية الكريمة( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) البلد آية (١٠).

(٢) سورة الحج : آية (١١).

١٢٤

«شرب الخمر واللعب ، والقمار ، وفعل ما يضحك الناس من المزاح ، واللهو ، وذكر عيوب الناس ، ومجالسة أهل الريب»(١) .

ولا بد لنا من التنبيه ونحن أمام هذه الفقرات التي بدأ الداعي فيها طلب غفران الذنوب التي تهتك العصم ، أو تنزل النقم ، أو تغير النعم وغيرها مما سيأتي ذكرها ، فإن الأخبار الكريمة ذكرت تلك الذنوب وعددتها ولكنها ليست أسباباً حقيقية في إيجاد مسبباتها من هتك العصم ، أو إنزال النقم ، بل في الحقيقة إنها مقتضيات لحصول تلك الأمور ـ وعلى سبيل المثال ـ فإن اللعب بالقمار يكون مقتضٍ لزوال مناعة الإِنسان من وقوعه في المحرمات ، والموبقات ، ولكن ـ في نفس الوقت ـ قد لا تترتب على هذا المقتضي النتائج التي ذكرت لها اذا حصل المانع من التأثير ، والمغفرة تأتي في مقدمة ما يمنع من تأثير هذه المقتضيات ، وهكذا الصدقة ، وما شاكل مما يقف في طريق تأثير المقتضي ، وترتيب آثاره.

«اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم»

والنقم : جمع نقمة ، وهي العقوبة. وكما التمس الداعي في الفقرة السابقة أن يغفر الله له الذنوب التي تهتك العصم كذلك تضرع اليه أن يغفر له الذنوب التي تنزل العقوبة بحسب طبعها الأولي الاقتضائي.

أما تلك الذنوب فهي : كما جاء عن الإِمام الصادق «عليه السلام».

__________________ ـ

(١) مجمع البحرين : مادة (عصم).

١٢٥

«نقض العهد ، وظهور الفاحشة ، وشيوع الكذب ، والحكم بغير ما أنزل الله ، ومنع الزكاة ، وتطفيف الكيل قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمس بخمس قالوا : يا رسول الله ما خمس بخمس؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : ما نقض قوم العهد إلا وسلط الله عليهم عدوهم ، وما ظهرت عنهم الفاحشة إلا وقد فشا فيهم الموت ، وما شاع فيهم الكذب ، والحكم بغير ما انزل الله إلا وقد فشا فيهم الفقر ، وما منعوا الزكاة الا حبس عنهم القطر ، وما طففوا الكيل الا منعوا النبات ، واخذوا بالسنين»(١) .

وقد يقال : لماذا كانت هذه الذنوب بالخصوص تنزل العقوبة والذنوب كلها من هذه الجهة على حد سواء من ناحية الجرأة على المولى وانتهاك حرمته المقدسة بمخالفته أوامره وعدم إجتناب نواهيه؟

والجواب عن ذلك : بأن هذه الذنوب التي مر ذكرها لو تأملناها رأينا مفاسدها تضر بالمجتمع ، وتنخر بكيانه ، أو لا أقل أن يقال : أنها من حيث المجموع تتفشى تضعضع كيان المجتمع المتطامن ، وتجر أبناءه الى الويلات ، والهبوط في مهاوي الرذيلة.

ان بعض هذه الذنوب يكفي لإِفساد مجتمع بكامله فكيف بمجموعها؟

واي مجتمع يرجى منه الخير ، وأبناؤه ينقضون العهد ليسببوا بذلك عدم التزام بأمورهم التجارية ، والإِجتماعية فتشيع الفوضى بينهم ، ولذلك يسلط الله عليهم عدوهم كما أخبر عن ذلك النبي

__________________

(١) شرح دعاء كميل للسبزواري ٦٣ طبع إيران حجر.

١٢٦

صلى الله عليه وآله وسلم فيما تقدم من الحديث. وهكذا لو ظهرت الفاحشة فيما بينهم. ومن الفاحشة الزنى. ولا نحتاج الى بيان ما للزنى من العواقب الوخيمة فلقد كتب في ذلك الكثير ، وبينوا المضار المترتبة على هذه العملية ، وغيرها من الجرائم المذكورة في الحديث. فليس من المستبعد أن يكون حصول هذه الخصال الرديئة ، وإنتشارها موجباً لنزول البلاء ، وتعجيل العقوبة من باب الوقوف أمام تيار هذه الرذائل ، ومدى ما تخلفه من آثار تستوجب مثل هذا القمع الفوري لما في التأخير من عواقب وخيمة إجتماعية.

وقد أخبر القرآن الكريم عن مثل هذا الاجراء الفوري في بعض القضايا المماثلة بقوله تعالى :

( فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) (١)

ولسنا في صدد بيان ما جريات وقائع الآية الكريمة من بيان ما بدله أولئك الذين ظلموا (وهم بنو اسرائيل) من مخالفة ما قيل لهم.

بل غرضنا من الإِستشهاد هو أن أولئك القوم حيث لم يلتزموا بما أمروا به ، وبدلوا ما أريد منهم ، لذلك كان جزاؤهم الفوري هو نزول العذاب عليهم كإجراء معاكس إستدعته المشيئة الإِلهية طبقاً للصالح العام ، والمصلحة الإِجتماعية.

__________________

(١) سورة البقرة : آية (٥٩).

١٢٧

«اللهم إغفر لي الذنوب التي تغير النعم»

النعم : جمع نعمة ، وهي ما تفضل الله على عبده من الرزق ، والعافية والسلامة ، وما الى ذلك من ألطافه التي منحها للمخلوقين.

ويقول اللغويون : أن نعمة الله ما أعطاه الله العبد مما لا يتمنى غيره أن يعطيه إياه»(١) .

أما الذنوب التي تغير النعم فهي كما جاء عن الإِمام الصادق «عليه السلام» :

«ترك شكر النعم ، الإِفتراء على الله ، والرسول ، قطع صلة الرحم ، تأخير الصلاة عن أوقاتها ، الدياثة ، وترك إغاثة الملهوفين المستغيثين ، وترك إعانة المظلومين»(٢) .

ولماذا لا تغير هذه الذنوب النعم التي من الله بها على عباده فشكر المنعم واجب عقلاً ، ولأن عدم شكره متوعد عليه بنص الآية الكريمة في قوله تعالى :( لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) (٣) .

«والكفر بنعمة الله يكون بعدم شكرها أو بإنكار أن الله وهبها ونسبتها الى العلم ، والخبرة ، والكد الشخصي ، والسعي. كأن هذه الطاقات ليست نعمة من نعم الله ، والعذاب الشديد قد يتضمن محق النعمة عيناً بذهابها ، أو سحق آثارها في الشعور فكم من نعمة تكون بذاتها نقمة يشقى بها صاحبها ، وقد يكون عذاباً مؤجلاً الى اجله في

__________________

(١) أقرب الموارد : مادة (نعم).

(٢) شرح دعاء كميل للسبزواري (٦٤).

(٣) سورة إبراهيم : آية (٧).

١٢٨

الدنيا ، أو في الآخرة كما يشاء الله ، ولكنه واقع لأن الكفر بنعمة الله لا يمضي بلا جزاء»(١) .

«وقطع صلة الرحم قال فيها الإِماام أبو جعفر الباقر «عليه السلام» وان اليمين الكاذبة ، وقطيعة الرحم لتذران الديار بلاقع من أهلها»(٢) .

والبلقع في اللغة : هي الأرض القفر.

وليتصور الإِنسان بيته ، وهو يرفل بالنعم التي انعم الله بها عليه من كل جوانبه ، وإذا به بعد قطع رحمه قفر من كل شيء كما يقول الإِمام «عليه السلام» لذلك نرى الإِمام «عليه السلام» في هذه الجملة يلتمس من ربه أن يغفر له الذنوب التي تمحق النعم لتبقى نعمه تعالى عليه متواصلة ، ولئلا يكون محروماً من فيض لطفه الكريم.

«اللهم إغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء»

ولماذا ، وكيف تحبس هذه الذنوب الدعاء ، وتمنعه من التأثير في الإِجابة مع صدوره من قلب ، ولربما في زمانٍ له حرمته ، أو في مكان له قدسيته ، وبعد كل هذا وذاك فإنه سبحانه قريب ، وقريب ، وفوق كل ذلك يجيب دعوة من دعاه؟

وللإِجابة على هذه التساؤلات نقول :

ان معنى الدعاء هو : المناجاة مع الله ، وهو تعبير عن حالة العبد

__________________

(١) في ظلال القرآن في تفسيره لآية (٧) من سورة إبراهيم.

(٢) جامع السعادات : ٢ / ٢٥٨ / مطبعة النجف.

١٢٩

النفسية ، وما هو عليه من الالتجاء ، والتضرع الى خالقه ليتجاوز عن آثامه وخطاياه ، أو هو في حالة التماس يطلب من ربه ما يريد من توفير نعمة ، أو دفع بلاء ، أو ما شاكل من تمنيات مشروعة. وهو في كل هذه الحالات يتجه الى ربٍ مطلعٍ على خفايا الأمور ، ويعلم ما تنطوي عليه السرائر ـ فإذا فرضنا والحالة هذه ـ أن العبد الداعي يقف بين يدي ربه ، وهو يتسم بخبث السريرة ، وسوء النية ، فأي صفاء يجده في قلبه وهو يدعو بلسانه؟ اليس ذلك مجرد لقلقة لسان ، وصدور الفاظ لا تنبعث عن قلب ملهوف؟

إن الإِمام أبو جعفر الباقر «عليه السلام» يحدثنا ليلفت أنظارنا الى مثل هذه القلوب العفنة فيقول :

«ما من عبد مؤمن الا وفي قلبه نكتة بيضاء ، فإذا أذنب ذنباً خرج في تلك النكتة سوداء ، فإذا تاب ذهب ذلك السواد واذا تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض ، ولم يرجع صاحبه الى خير أبداً ، وهو قول الله تعالى :( بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (١) .

والرين : هو الحجاب الكثيف ، والمراد به هنا : حجاب الذنوب ، والآثام وهذه النكت السوداء في القلب ـ كما يقول عنها الحديث ـ ما هي إلا خلفيات هذه الذنوب ، وما تستوجبه من قساوة القلب ، واذا بها حجب متراكمة تظلم القلب ، وتمنع من وصول النور الإِلهي اليه.

__________________

(١) مجمع البحرين : مادة (رون) وفيه ذكر الحديث ، وقد تعرضت له مصادر الحديث من الصحاح الستة باختلاف لفظي بسيط.

١٣٠

«وخير الدعاء ما صدر عن قلب نقي ، وقلبٍ تقي»(١) .

كما جاء في حديث آخر.

ومع سوء النية ، وخبث السريرة كيف يحافظ الداعي على صدر نقي من كل شائبة ، وقلب تقي سليم من الحواجب المظلمة؟

لذلك نرى أمثال هؤلاء الدعاة هم المعنيون بقول الإِماام أمير المؤمنين «عليه السلام» «ثم تدعون فلا يستجاب»(٢) .

وقبل أن ننتقل من هذه الفقرة لا بد لنا من الإِجابة على ما يرد عليها من الإِشكال التالي :

ان الداعي بهذه الفقرة يطلب من ربه أن يغفر له الذنوب التي تحبس الدعاء ، ومع وجود تلك الذنوب ، وفرض محبوسية الدعاء عن الإِجابة ، فإن الدعاء في هذه الصورة أيضاً يكون محبوساً فلا يؤثر أثره فلماذا اذاً يدعو بها ، ويردد «اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء».

والجواب عن ذلك : أنا سبق وأن بينا بأن هذه الذنوب ليست أسباباً حقيقية لايجاد مسبباتها ، بل هي من باب المقتضي لترتب الأثر عليها فلم يثبت أن وجود سوء النية ، والذي ذكر أنه يحبس الدعاء هو الذي اذا وجد عند الإِنسان حبس دعاءه وأعرض الله عن سماع كل دعوة له ـ بل كما قلنا ـ أن ذلك مقتضي لهذا الأثر ، واذا ثبت ذلك

__________________

(١) أصول الكافي : باب (ان الدعاء سلاح المؤمن) حديث ـ

(٢) نهج البلاغة من وصية له «عليه السلام» للحسن والحسين «عليهما السلام» لما ضربه ابن ملجم (لعنه الله).

١٣١

فاحتمال ان دعوة الداعي بهذه الفقرة ليست محبوسة قوي لإِحتمال وجود ما يمنع من تأثير ذلك المقتضي لو كان قد صدر منه ذنب من تلك الذنوب كسوء النية ، وخبث السريرة ، والنفاق مع الإِخوان ، وغير ذلك مما جاء في الخبر المتقدم.

«اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء»

والبلاء : هو الغم. أما الذنوب التي تكون سبباً في نزول البلاء وتورث الغم ، والتي يتوسل الداعي ان يغفرها الله له ، فهي كما جاء عن الإِمام زين العابدين «عليه السلام».

«ترك إغاثة الملهوفين ، وترك معاونة المظلوم ، وتضييع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر»(١) .

وفي بعض الأخبار انها سبع : «الشرك باالله ، وقتل النفس التي حرم الله تعالى ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ظلماً ، والزنا ، والفرار من الزحف ، والسرقة» (٢).

ولا ينافي أن تكون بعض الذنوب تشترك في التأثير فهي ـ مثلاً ـ كما تكون سبباً في نزول النقم ، كذلك تكون سبباً في نزول البلاء. وذلك يعود الى عظم الجرائم حيث تكون مؤثرة بتأثيرين ، أو اكثر تبعاً لما تخلفه من آثار اجتماعية سيئة.

__________________

(١) أسرار العارفين : ٤٢.

(٢) السبزواري في شرح دعاء كميل : ٦٩.

١٣٢

«اللهم اغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء» (١)

والرجاء : هو الأمل. ورجاه يرجوه رجواً أمل به(٢) .

والذنوب التي تقطع الرجاء هي التي عددها الإِمام «عليه السلام» بقوله : «اليأس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والثقة بغير الله والتكذيب بوعيد الله».

ان هذه الذنوب بطبيعتها تجل العبد بعيداً عن ربه ، وتقطع ذلك الاتصال النفسي بين العبد ، وخالقه ، وعندها يكون مثل هذا الشخص مصداقاً للآية الكريمة :( وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ) (٣) .

والضلال : ضد الهدى ؛ والمعنى الذي يقصده الداعي بطلب غفران مثل هذه الذنوب هو أن يجنبه الله عنها لئلا يكون ضالاً ، وبعيداً عن ساحة لطفه بإنقطاع رجائه من عفوه ، وكرمه ، فإن القلب المفعم بالإِيمان لا ييأس ، ولا يقنط من رحمته سبحانه معما عظم ذنبه وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

__________________

(١) هذه الفقرة من الدعاء لم توجد في كثير من كتب الدعاء وقد تعرض لها بعض الشراح فأثبتوها في الدعاء ولعلهم اخذوا ذلك من كتاب (المصباح) لتقي الدين ابراهيم بن علي العاملي الكفعمي ، وهو من مصادر كتب الدعاء عند الإِمامية ، وقد تعرضنا لها تبعاً لمن تقدم ليؤتى بها على سبيل الرجاء.

(٢) أقرب الموارد : مادة (رجو).

(٣) سورة الحجر : آية (٥٦).

١٣٣

«والذي لا إله الا هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا ، والآخرة إلا بحسن ظنه بالله ، ورجائه له ، وحسن خلقه ، والكف عن إغتياب المؤمنين ، والذي لا إله الا هو لا يعذب الله مؤمناً بعد التوبة ، والاستغفار إلا بسوء ظنه بالله ، وتقصيره من رجائه ، وسوء خلقه ، واغتيابه للمؤمنين. والذي لا إله الا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن لأن الله كريم بيده الخيرات يستحي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن الظن به ، ثم يخلف ظنه ، ورجاؤه فاحسنوا بالله الظن ، وارغبوا اليه»(١) .

ومن هذا الحديث يتضح لنا ما للرجاء بالله من الأهمية في حياة العبد ، وبعد انتقاله الى الآخرة ، وعدم القنوط ، واليأس من رحمته الواسعة.

فلا غرو اذا رأينا الإِمام عليه السلام يعلمنا كيف يجب ان يلتمس الداعي من ربه ان يغفر له تلك الذنوب التي تكون السبب في انقطاع العلقة بين المولى وعبده؟ «إن الله يغفر الذنوب جميعاً».

«اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته»

وهكذا يذهب الداعي برجائه الى أقصى حد ويلتفت الى أنه يمثل بين يدي ربٍ كريمٍ جاء في كرمه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوماً : يا كريم العفو فقال له جبرئيل : أتدري ما تفسير يا كريم العفو؟ هو أنه يعفو عن السيئات برحمته ثم يبدلها حسنات

__________________

(١) أصول الكافي : باب حسن الظن بالله / حديث / ٢.

١٣٤

بكرمه»(١) .

فلماذا إضاً يقتصر الداعي في دعائه على طلب المغفرة لبعض الذنوب كالتي تهتك العصم ، أو كالتي تنزل النقم ، أو التي تحبس الدعاء؟ فهل هو بدعائه ، وطلبه يتوجه الى بشر مثله محدود العواطف ليضيق ذرعاً بما يريد منه؟

لا : ولك أن تكرر النفي الى ما لا نهاية ، فإن الداعي يتوجه بطلبه الى ربٍ عطوف يريد منه أن يتفضل عليه ، فيغفر عليه ، فيغفر له كل ذنب أذنبه ، وكل إثم صدر منه ، وهو ـ في الوقت نفسه ـ لم يذهب بعيداً بهذه الأمنيات ، فعوامل الرجاء تدفعه الى الاستزادة من هذا الفيض ما دامت الآيات الكريمة تبشر المذنبين قائلة :( إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) (٢) .

( إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ) (٣) .

وتترقى آية أخرى فتتحدى جميع البشر فتقول :

( وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ ) (٤) .

واذا كان هو مصدر الغفران فقط وهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «والذي نفسي بيده الله أرحم بعبده المؤمن من الوالدة الشفيقة بولدها»(٥) .

__________________

(١) جامع السعادات : ١ / ٢٥١ الطبعة الثالثة / مطبعة النجف وهكذا جاء في إحياء العلوم للغزالي : ٤ / ١٢٩ باختلاف بسيط.

(٢) سورة الزمر : آية (٥٣).

(٣) سورة النساء : آية (٤٨).

(٤) سورة آل عمران : آية (١٣٥).

(٥) جامع السعادات : ١ (٢٥١).

١٣٥

إذاً فليذهب بالعبد رجاؤه الى مدارج السمو وليلتمس من ربه ان يغفر له كل ذنب أذنبه ففي رحاب الله يجد ذلك المسكين أمانيه تتحقق فقد ورد في الحديث :

«ان العبد اذا أذنب فاستغفر يقول الله لملائكته أنظروا الى عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنوب ، ويأخذ بالذنب إشهدوا اني قد غفرت له»(١) .

«وكل خطيئة أخطأتها»

والخطيئة : هي الذنب المتعمد ، وقيل إنها الذنب أعم من الإِثم لأن الإِثم لا يكون إلا من عمدٍ ، وهي قد تكون لا عن عمد(٢) .

والتناسق الدعائي يقضي أن يكون المراد بها في هذه الجملة هو : المعنى الثاني لأن الروعة الدعائية تظهر على هذا التفسير فإن الداعي بعد أن تدرج في الالتماس يطلب أن يغفر له الذنب الفلاني ، والذنب الموصوف بكذا. بعد كل هذا أضرب ، وجاء يلتمس أن يغفر له كل ذنب أذنبه ، وطبيعي أن الذنب هو الجرم الذي يصدر عن عمدٍ ، ولكنه حيث وجد من عطف ربه ، وكرمه ما شهد له بانه : يغفر الذنوب جميعاً عدا الشرك به فلماذا لا يذهب الى آخر الشوط ، فيلتمس من ربه أن يتجاوز عن كل ما صدر منه ولو كان ذلك عن غير عمدٍ وهو المسمى (بالخطيئة)؟ فهو يريد أن يفتح صفحة جديدة ليعود كيومٍ ولدته أمه خلواً من كل ذنب جرماً كان ذلك الذنب ، أو

__________________

(١) جامع السعادات : ١ / ٢٥١ الطبعة الثالثة.

(٢) أقرب الموارد ، والقاموس ، وغيرهما : مادة (خطأ).

١٣٦

خطيئة ليرى حلاوة الإِجابة تتمثل له بعد أن ورد في الحديث القدسي «إنما خلقت الخلق ليربحوا علي ، ولم أخلقهم لأربح عليهم»(١) .

كلا : وحاشا له أن يساوم عليهم ، ويربح من وراء عبادتهم ، بل هو منبع الحنو والرقة ، يعاملهم بالحسنى ، وان كانت الذنوب قد سودت وجوههم.

ان كان لا يرجوك الا محسن

فبمن يلوذ ويستجير ـ المجرم

«اللهم اني اتقرب اليك بذكرك»

والمقصود بالتقرب ، هو القرب المعنوي ، لا المكاني لاستحالة ذلك بالنسبة اليه تعالى لإِستلزام التقرب المكاني الى تحديده بالمكان. وتعالى الله عن ذلك سبحانه.

أما الذكر ، فالمراد منه هو الإِتصال بالله ن طريق استحضار اسمائه ، وصفاته المقدسة في قلب الداعي ، على لسانه.

وبهذه الفقرة من الدعاء يكون الداعي قد ختم دور الإِلحاح والالتماس لطلب المغفرة ليبدأ بدور جديد ، وينزل بروحه الى عالم الحياة ، وهي خفيفة نظيفة ليباشر حياته من جديد وعلى أسس جديدة ، وطريقة جديدة مؤكداً بان ما سبق منه من هذا الطلب ، والإِلتماس لم يكن فقط لمجرد التجاوز عن ذنوبه فلرب داعٍ لم يتقرف في حياته من ذلك شيئاً كالأنبياء والأئمة الاطهار ، والصالحين من البشر ، ومع ذلك فهم يلحون في الدعاء ، ويلتمسون المغفرة ، ويقضون الوقت في المناجاة باكين خاشعين ، بل لبيان أن مع الإِلتماس

__________________

(١) جامع السعادات : ١ (٢٥١).

١٣٧

تقرب ، وفي التقرب تأكيد على الإِتصال الحقيقي به سبحانه وتعالى ، على الصعيدين ، الداخلي والخارجي.

الداخلي : حيث يتمثل بما ينطوي عليه القلب من استحضار الله ، وعدم الغفلة عنه.

أما الخارجي : فبأداء كل ما أمر به تعالى ، والاجتناب عما نهى عنه.

وبذلك نرجع الى الدعاء ليعلمنا بأننا يجب ان نعتمد : في الطريقة الجديدة للحياة التي يرضاها لنا الله أن نكون قريبين منه بذكره المتواصل في كل لحظة ، وفي كل عمل نقوم به من أعمالنا ونراقبه في السراء ، والضراء ، وفي كل صغيرة ، وكبيرة ، وبذلك نضمن قربنا منه ، وبعدنا عن الذنوب.

وقد اعطى القرآن الكريم صورة حية لأولئك المقربين منه بقوله تعالى :( رجال لا تلهيهم تجارة أو بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ) (١) . قلوب حية عطرة منطوية على حب الله ، والقرب منه.

وألنسة رطبة بذكره جلّت قدرته تسبحه ، وتقدسه ، وتذكر نعماءه ، وآلاءه بحيث لا تلهيهم الدنيا بما فيها من تجارة ، وربح وحصول المال ، وما يستتبع ذلك من سعة في الملاذ الدنيوية.

«وأستشفع بك الى نفسك»

والداعي بشر ومهما كان فان من الغرائز البشرية الخوف. أما

١٣٨

الشجاعة واللامبالاة ، فانهما عارضان عليه نتيجة تطبعه ، وإقدامه. واستجابة لنداء الغريزة المذكورة نرى الداعي مهما كررت الآيات الكريمة تنبيء عن غفران الله ، وعفوه ، وأنه يغفر الذنوب جميعاً ، ومع الآيات التي تؤكد على عدم اليأس من روح الله ، ورحمته نقول : مع كل ذلك فهو يستعظم جرمه ، ويستكبر ذنبه ، ويخشى أن لا يستجيب الله لصارخ ندائاته المتعاقبة.

لذلك ، وبدافع من طبيعة الخائف النفسية يبدأ بالبحث عن الشفيع الذي يجعله الواسطة بينه ، وبين ربه. والشفاعة أمر يستسيغه ، ويقويه العرف لتأمين ما يتطلبه الإِنسان من قضاء حوائجه.

ولكن : يا ترى من هو ذلك الشفيع الذي يقبله الله ليتشفع في أمر عبده الخائف؟

ان عظم الذنب يتجسم أمام الداعي ، فيصور له رفض كل شفيع في حقه مهما كانت منزلته ، ومهما كانت رحمة الله واسعة.

وتبدد حيرة الداعي بقية أملٍ تلوح له باللجوء الى مصدر الخوف وهو الله سبحانه ، فهو الخصم ، وهو ـ في الوقت نفسه ـ الحكم ، وهو الأول ، والآخر.

ويأتي التعبير متناسقاً عند ما نرى الداعي يتضرع وهو يقول :

«واستشفع بك الى نفسك»

وكما كان الإِمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام يناجي ربه وهو يقول : «وانا يا سيدي عائذ بفضلك هارب منك اليك»(١) . وحري بالله جلّت عظمته أن لا يرد عن ساحة لطفه عبداً

__________________

(١) من دعاء الامام «عليه السلام» المروي عن أبي حمزة الثمالي.

١٣٩

التجأ اليه تائباً.

إلهي كيف تطرد مسكيناً التجأ اليك من الذنوب هارباً؟

أم كيف تخيب مسترشداً قصد الى جنابك ساعياً؟

ام كيف ترد ضمآناً ورد الى حياضك شارباً؟

كلا وحياضك مترعة في ظنك المحول ، وبابك مفتوح للطلب والوغول ، وأنت غاية المسؤول ، ونهاية المأمول(١) .

«واسئلك بجودك»

الجود : بمعنى السخاء ، وهو بمعنى الكرم ، وقيل : الجواد الذي لا يبخل بعطائه ، وهو من أسماء الله(٢) .

والقسم جاء في هذه الفقرة بصفة محببة للمسؤول وهو الله فإنه يحب الكرم ، ويثيب عليه ، والمورد يستدعي ذلك فإن الداعي يريد من الله ، ويطلب منه. ولا بد ، والحالة هذه من التضرع اليه بما عرف به من الجود ، والسخاء.

«أن تدنيني من قربك»

وترتبط هذه الفقرة من الدعاء بالفقرة السابقة من الدعاء من قوله :

«اللهم اني اتقرب اليك بذكرك»

فالقرب من الله حقيقة تتوقف على جهتين :

__________________

(١) فقرات من دعاء الصباح الذي كان يدعو به الامام علي بن أبي طالب «عليه السلام».

(٢) مجمع البحرين : مادة (جود).

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

بالله شيئا وان حرقت بالنار وعذبت إلّا وقلبك مطمئن بالايمان، ووالديك فأطعهما وبرهما حيين كانا أو ميتين، وإنْ أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل، فان ذلك من الايمان.

٢٩ ـ الحسين بن محمد عن معلى بن محمد وعلى بن محمد عن صالح بن أبي حماد جميعا عن الوشا عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة سالم بن مكرم عن معلى بن خنيس عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: جاء رجل وسأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن بر الوالدين فقال: ابرر أمك ابرر أمك ابرر أمك، ابرر أباك ابرر أباك ابرر أباك، وبدء بالأم قبل الأب.

٣٠ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن علي بن عقبة عن عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: شكر كل نعمة وان عظمت ان يحمد اللهعزوجل .

٣١ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن اسمعيل بن مهران عن سيف بن عميرة عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكرا؟ قال: نعم قلت: ما هو؟ قال يحمد الله على كل نعمة عليه في أهل ومال، وان كان فيما أنعم عليه في ماله حق أداه، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٣٢ ـ أبو على الأشعري عن عيسى بن أيوب عن علي بن مهزيار عن القاسم بن محمد عن إسماعيل بن أبي الحسن عن رجل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه فقد ادى شكرها.

٣٣ ـ على عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي عبد الله صاحب السابري فيما اعلم أو غيره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: اوحى اللهعزوجل إلى موسىعليه‌السلام : يا موسى اشكرني حق شكري فقال: يا رب وكيف أشكرك حق شكرك وليس من شكر أشكرك به إلّا وأنت أنعمت به عليَّ؟ قال: يا موسى الآن شكرتني حين علمت أنّ ذلك منّي.

٣٤ ـ في عيون الأخبار باسناده إلى الرضاعليه‌السلام حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام : وامر بالشكر له وللوالدين، فمن لم يشكروا لديه لم يشكر الله تعالى.

٣٥ ـ وباسناده إلى محمود بن أبي البلاد قال: سمعت الرضاعليه‌السلام يقول: من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر اللهعزوجل .

٢٠١

٣٦ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن بسطام بن مرة عن إسحاق بن حسان عن الهيثم بن واقد عن علي بن الحسين العبدي عن سعد الإسكاف عن الأصبغ بن نباتة أنه سأل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن قوله تعالى:( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) فقال الوالدان اللذان أوجب الله لهما الشكر، هما اللذان ولدا العلم وورثا الحكم، وأمر الناس بطاعتهما ثم قال الله: «الى المصير» فمصير العباد إلى الله، والدليل على ذلك الولدان، ثم عطف القول على ابن حنتمة(١) وصاحبه فقال في الخاص والعام:( وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ) تقول في الوصية وتعدل عمن أمرت بطاعته فلا تطعهما ولا تسمع قولهما ثم عطف القول على الوالدين فقال:( وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ) يقول: عرفت الناس فضلهما وادع إلى سبيلهما، وذلك كقوله:( وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ) فقال: إلى الله ثم إلينا فاتقوا الله ولا تعصوا الوالدين فان رضاهما رضا الله وسخطهما سخط الله.

٣٧ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن بحر عن عبد الله بن مسكان عمن رواه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال ـ وأنا عنده ـ لعبد الواحد الأنصاري في بر الوالدين في قول اللهعزوجل ، وبالوالدين إحسانا. فظننا انها الآية التي في بنى إسرائيل:( وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) فلما كان بعد سألته فقال: هي التي في بنى إسرائيل:( وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) فلما كان بعد سألته فقال: هي التي في لقمان( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ ) ( عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما ) فقال: إنّ ذلك أعظم من أن يأمر بصلتهما وحقهما على كل حال( وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) فقال: لا بل يأمر بصلتهما وان جاهداه على الشرك ما زاد حقهما إلّا عظما.

٣٨ ـ في مصباح الشريعة قال الصادقعليه‌السلام : بر الوالدين من حسن معرفة العبد بالله، إذ لا عبادة أسرع بلوغا بصاحبها إلى رضا الله تعالى من حرمة الوالدين المسلمين لوجه الله، لان حق الوالدين مشتق من حق الله تعالى إذا كانا على منهاج الدين والسنة، ولا يكونان يمنعان الولد من طاعة الله تعالى إلى معصيته، ومن اليقين

__________________

(١) حنتمة بنت ذي الحرمين أم عمر بن الخطاب.

٢٠٢

الى الشك، ومن الزهد إلى الدنيا، ولا يدعو انه إلى خلاف ذلك، فاذا كانا كذلك فمعصيتهما طاعة وطاعتهما معصية، قال الله تعالى:( وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما ) واما في باب العشرة فدارهما واحتمل أذا هما نحوما احتملا عليك في حال صغرك، ولا تضيق عليهما مما قد وسع الله عليك من المال والملبوس، ولا تحول بوجهك عنهما ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما، فان تعظيمهما من الله تعالى وقل لهما بأحسن القول، والطفه فان الله لا يضيع أجر المحسنين.

٣٩ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب مرّ الحسين بن عليّعليهما‌السلام على عبد الرحمان بن عمرو بن العاص فقال عبد الله: من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى هذا المجتاز، وما كلمته منذ ليالي صفين، فأتى به أبو سعيد الخدري إلى الحسينعليه‌السلام : فقال له الحسين: أتعلم أنّي أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء وتقاتلني وأبي يوم صفين؟ والله إنّ أبي لخيرٌ منى فاستعذر وقال: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي: أطع أباك، فقال له الحسينعليه‌السلام : أما سمعت قول الله تعالى:( وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما ) وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّما الطاعة بالمعروف، وقوله: لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق.

٤٠ ـ في عيون الأخبار في باب ما كتبه الرضاعليه‌السلام للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدين: وبر الوالدين واجب وان كانا مشركين، ولا طاعة لهما في معصية الخالق ولا لغيرهما، فانه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

٤١ ـ في كتاب الخصال عن الأعمش عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام قال: هذه شرائع الدين إلى أنْ قالعليه‌السلام : وبر الوالدين واجب، فان كانا مشركين فلا تطعهما ولا غيرهما في المعصية، فانه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

٤٢ ـ عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول ـ وذكر كلاما طويلا ـ وفي أثنائه: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا ينبغي للمخلوق ان يكون جنة لمعصية الله، فلا طاعة في معصية ولا طاعة لمن عصى الله.

٤٣ ـ في من لا يحضره الفقيه في ألفاظهصلى‌الله‌عليه‌وآله الموجزة: لا طاعة لمخلوق في

٢٠٣

معصية الخالق.

٤٣ ـ في محاسن البرقي باسناده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل وفيه يقول أطيعوا آباءكم فيما أمروكم ولا تطيعوهم في معاصي الله.

٤٤ ـ وفيه حديث آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفيه يقول: إنّي لا آمرك بعقوق الوالدين ولكن صاحبهما في الدنيا معروفا.

٤٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله( وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ) يقول: اتبع سبيل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤٦ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الوشا عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سمعته يقول: اتقوا المحقرات من الذنوب. فان لها طالبا يقول أحدكم: أذنب واستغفر، إنّ اللهعزوجل يقول( وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) وقالعزوجل ( إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) .

٤٧ ـ في مجمع البيان وروى العياشي بالإسناد عن ابن مسكان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: اتقوا المحقّرات من الذنوب فانّ لها طالبا، لا يقولن أحدكم: أذنب واستغفر الله إنّ الله تعالى يقول:( إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ) الآية.

٤٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قال علي بن إبراهيمرحمه‌الله : ثمّ عطف على خبر لقمان وقصّته فقال جلّ ذكره:( يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) قال من الرزق يأتك به الله( يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) .

٤٩ ـ في الكافي باسناده إلى معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم وأحب ذلك إلى اللهعزوجل ما هو؟ فقال: ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوة، ألآ ترى أنّ العبد الصالح عيسى بن مريمعليه‌السلام قال :

٢٠٤

( وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا ) .

٥٠ ـ علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن هارون بن خارجة عن زيد الشحام عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: أحب الأعمال إلى اللهعزوجل الصلوة وهي آخر وصايا الأنبياء.

٥١ ـ أبو داود عن الحسين بن سعيد عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أنّه قال: الصلوة قربان كل تقى.

٥٢ ـ في من لا يحضره الفقيه في وصية أمير المؤمنينعليه‌السلام لابنه محمد بن الحنفية يا بنى اقبل من الحكماء مواعظهم، وتدبر أحكامهم وكن آخذ الناس بما تأمر به، وأكف الناس عما تنهى عنه، وامر بالمعروف تكن من أهله، فان استتمام الأمور عند الله تبارك وتعالى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

٥٣ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن محمد بن عيسى عن محمد بن عرفة قال: سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول: لتأمرون بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم.

٥٤ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن النعمان عن عبد الله بن مسكان عن داود بن فرقد عن أبي سعيد الزهري عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام قال: ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

٥٥ ـ وباسناده قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : قال: بئس القوم يعيبون الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

٥٦ ـ في كتاب الخصال فيما علم أمير المؤمنينعليه‌السلام أصحابه من الاربعمأة باب: ائمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر واصبروا على ما أصابكم.

٥٧ ـ في أصول الكافي باسناده إلى حفص بن غياث قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا حفص ان من صبر صبر قليلا ومن جزع جزع قليلا، ثمّ قال: عليك بالصبر في جميع أمورك فانّ اللهعزوجل بعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله فأمره بالصبر والرفق، فقال:( وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ ) وقال تبارك

٢٠٥

وتعالى:( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) فصبرصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نالوه بالعظائم ورموه بها، والحديث وفيما أخذناه منه كفاية ان شاء الله تعالى.

٥٨ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن عبد الله بن بكر عن حمزة بن حمران عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: الجنة محفوظة بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة، وجهنم محفوفة باللذات والشهوات فمن أعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار.

٥٩ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن سنان عن أبي الجارود عن الأصبغ قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن جميل وأحسن من ذلك الصبر عند ما حرم اللهعزوجل عليك.

٦٠ ـ أبو على الأشعري عن الحسن بن علي الكوفي عن العباس بن عامر العزرمي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سيأتى على الناس زمان لا ينال الملك فيه إلّا بالقتل والتجبر، ولا الغنى إلّا بالغصب والبخل، ولا المحبة إلّا باستخراج الدين واتباع الهوى، فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى وصبر على البغضة وهو يقدر على المحبة، وصبر على الذل وهو يقدر على العز آتاه الله ثواب خمسين صديقا ممن صدق بى.

٦١ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن سيف بن عميرة عن ابن حمزة الثمالي قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : من ابتلى من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد.

٦٢ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن سماعة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ اللهعزوجل أنعم على قوم فلم يشكروا فصارت عليهم وبالا وابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم النعمة.

٦٣ ـ أبو على الأشعري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن العلاء بن الفضيل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد ،

٢٠٦

فاذا ذهب الرأس ذهب الجسد. كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الايمان.

٦٤ ـ في مجمع البيان

( وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ ) من المشقة والأذى في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر عن عليٍّعليه‌السلام .

٦٥ ـ في جوامع الجامع ان ذلك مما عزمه الله من الأمور أي قطعه قطع إيجاب والزام، ومنه الحديث ان الله يحب ان يؤخذ برخصة كما يحب ان يؤخذ بعزائمه.

٦٦ ـ في مجمع البيان( وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) أي ولا تمل وجهك من الناس بكل ولا تعرض عمن يكلمك استخفافا به، وهذا المعنى قول ابن عباس وأبي عبد اللهعليه‌السلام .

٦٧ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل :( وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) أي لا تذل للناس طمعا فيما عندهم( وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً ) أي فرحا وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قولهعزوجل :( وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً ) يقول: بالعظمة( إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) .

٦٨ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اوصى رجلا من بنى تميم فقال له: إياك وإسبال الإزار والقميص: فان ذلك من المخيلة والله لا يحب المخيلة(١) .

٦٩ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده إلى ابن فضال عمن حدثه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من مشى على الأرض اختيالا لعنه الأرض ومن تحتها ومن فوقها.

٧٠ ـ أبيرحمه‌الله قال: حدّثني سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن أبيه رفعه قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ويل لمن يختال في الأرض معارض جبار السماوات والأرض.

٧١ ـ في أمالي الصدوقرحمه‌الله في مناهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ونهى أن يختال الرجل في مشيته وقال: من لبس ثوبا فاغتال فيه خسف الله به من شفير جهنم، وكان

__________________

(١) المخيلة: الكبر.

٢٠٧

قرين قارون لأنه أول من اختال، فخسف الله به وبداره الأرض، ومن اختال فقد نازع الله في جبروته. وفي من لا يحضره الفقيه مثله سواء.

٧٢ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن بكر بن صالح عن القاسم بن بريد قال: حدّثنا أبو عمرو الزبيري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وذكر حديثا طويلا يقول فيهعليه‌السلام بعد أن قال: إنّ الله تبارك وتعالى فرض الايمان على جوارح ابن آدم وقسمه عليها وفرقه فيها وفرض على الرجلين ان لا يمشى بهما إلى شيء من معاصي الله، وفرض عليهما المشي إلى ما يرضى اللهعزوجل ، فقال:( وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً ) وقال:( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) .

٧٣ ـ في كتاب الخصال عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: سرعة المشي تذهب ببهاء المؤمن.

٧٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقال علي بن إبراهيم في قوله:( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ) أي لا تعجل( وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ) إلى لا ترفعه( إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) وروى فيه غير هذا أيضا.

٧٥ ـ في أصول الكافي أحمد بن محمد الكوفي عن علي بن الحسن عن علي بن أسباط عن عمه يعقوب بن سالم عن أبي بكر الحضرمي قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) قال: العطسة القبيحة.

٧٦ ـ في مجمع البيان( إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) وروى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: هي العطسة المرتفعة القبيحة، والرجل يرفع صوته بالحديث رفعا قبيحا إلّا أنْ يكون داعيا أو يقرأ القرآن.

٧٧ ـ في من لا يحضره الفقيه ومن ألفاظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الموجزة التي لم يسبق إليها: اليد العليا خير من اليد السفلى* ما قل وكفي خير مما كثر وألهى* خير الزاد التقوى* رأس الحكمة مخافة اللهعزوجل * خير ما ألقى في القلب اليقين* الارتياب من الكفر* النياحة من عمل الجاهلية* السكر جمر النار* الشعر من إبليس* الخمر جماع الاثام* النساء حبالة الشيطان* الشباب شعبة من الجنون*

٢٠٨

شر المكاسب كسب الربا* شر المآكل أكل مال اليتيم ظلما* السعيد من وعظ بغيره* الشقي من شقي في بطن أمّه* مصيركم إلى أربعة أذرع* أربى الربا الكذب* سباب المؤمن فسوق* قتال المؤمن كفر* أكل لحمه من معصية اللهعزوجل * حرمة ماله كحرمة دمه* من كظم الغيظ يأجره اللهعزوجل * من يصبر على الرزية يعوضه الله* الآن حمى الوطيس(١) * لا يلسع المؤمن من جحر مرتين(٢) * لا يجنى على المرء إلّا يده* الشديد من غلب نفسه* ليس الخبر كالمعاينة* أللّهمّ بارك لأمّتى في بكورها يوم سبتها وخميسها* المجالس بالأمانة* سيد القوم خادمهم* لو بغى جبل على جبل لجعله الله دكا* ابدأ بمن تعول(٣) الحرب خدعة* المسلم مرآة لأخيه* مات حتف أنفه(٤) * البلاء موكل

__________________

(١) الوطيس: التنور. المعركة يضرب مثلا للحرب إذا اشتد قال ابن منظور: وهي كلمة لم تسمع إلا منه. وهو من فصيح الكلام عبر به عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق، «انتهى» وهذا من كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة حنين حين ما رجع الناس بنداء عباس بن عبد المطلب بعد الهزيمة وشرعوا في القتال فأشرف النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في ركائبه فنظر إلى المعركة وهم يقتتلون فقال: الآن حمى الوطيس.

(٢) قال الجزري: في الحديث: لا يسلع المؤمن من حجر مرتين وفي رواية لا يلدغ اللسع واللدغ سواء والجحر: ثقب الحية وهو استعارة هاهنا أي لا يدهى المؤمن من جهة واحدة مرتين فانه بالأولى يعتبر، قال الخطابي يروى بضم العين وكسرها، فالضم على وجه الخبر ومعناه ان المؤمن هو الكيس الحازم الذي لا يؤتى من جهة الغفلة فيخدع مرة بعد مرة وهو لا يفطن لذلك ولا يشعر به والمراد به الخداع في أمر الدين لا أمر الدنيا واما الكسر فعلى وجه النهى أي لا يخد عن المؤمن ولا يؤتين من ناحية الغفلة فيقع في مكروه أو شر وهو لا يشعر به وليكن فطنا حذرا وهذا التأويل يصلح ان يكون لأمر الدين والدنيا معا.

(٣) أي ابدأ بمن تمؤن وتلزمك نفقته من عيالك، فان فضل شيء فليكن للأجانب.

(٤) الحتف: الموت، ومات حتف أنفه أي بلا ضرب ولا قتل، وقيل إذا مات فجأة، وهذا الكلام ورد في ما روى عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله: من مات حتف أنفه في سبيل الله فقد

٢٠٩

بالمنطق* الناس كأسنان المشط سواء* أي داء أدوى من البخل* الحياء خير كله* اليمين الفاجرة تدع الديار من أهلها بلاقع(١) * أعجل الشر عقوبة، البغي* أسرع الخير ثوابا بالبر* المسلمون عند شروطهم* إنّ من الشعر الحكمة وإنّ من البيان لسحرا* إرحم مَن في الأرض يرحمك من في السماء* مَنْ قتل دون ماله فهو شهيد* العائد في هبته كالعائد في قيئه(٢) * لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه المؤمن فوق ثلاث* من لا يَرحم لا يُرحم* الندم توبة* الولد للفراش وللعاهر الحجر* الدّال على الخير كفاعله* حبك الشيء يُعمي ويُصم* لا يشكر الله من لا يشكر الناس* لا يؤوى الضّالة إلّا الضّال* اتقوا النار ولو بشقّ تمرة* الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف* مَطلُ الغنيّ ظلم(٣) * السفر قطعة من العذاب* الناس معادن كمعادن الذهب والفضة* صاحب المجلس أحقُّ بصدر مجلسه* احثوا في وجوه المدّاحين التراب* استنزلوا الرزق بالصدقة* ادفعوا البلاء بالدعاء* جبلت القلوب على حبّ من أحسن إليها وبغض من أساء إليها* ما نقص مالٌ من صدقة* لا صدقة وذو رحم محتاج* الصحة والفراغ نعمتان مكفورتان(٤) * عفو الملك عقال الملك* هبة الرجل لزوجته تزيد في عفتها* لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

__________________

( وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ ) قال أبو عبيد على ما حكي عنه هو أن يموت موتا على فراشه من غير قتل ولا غرق ولا سبع ولا غيره، وقال ابن الأثير: هو أن يموت على فراشه كأنه سقط لأنفه فمات. والحتف الهلاك، كانوا يتخيلون ان روح لمريض تخرج من انفه فان جرح خرجت من جراحته.

(١) البلقع: الأرض القفر التي لا شيء بها.

قال الطريحي (ره): في الحديث: اليمين الكاذبة تذر الديار بلاقع أي خالية وهو كناية عن خراجها وابادة أهلها يريد ان الحالف بها يفتقر ويذهب ما في بتيه من الرزق والمال سوى ما ذخر له من الإثم، وقيل: هو أن يفرق الله شمله ويغير عليه ما أولاه من نعمه.

(٢) كذا في الأصل ويوافقه المصدر وفي نسخة «في فيه».

(٣) المطل: التسويف والمدافعة بالعدة والدين وتطويل المدة التي يضربها للغريم.

(٤) أي غير مشكورتين.

٢١٠

٧٨ ـ وفيه وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصية لابنه محمد بن الحنفية: يا بنى إياك والاتكال على الأماني فانها بضائع النوكي وتثبط عن الاخرة(١) يا بنى لا شرف أعلى من الإسلام، ولا كرم أعز من التقوى، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا لباس أجمل من العافية، ولا وقاية أمنع من السلامة، ولا كنز أغنى من القنوع، ولا مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت، ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة، وتبوأ خفض الدعة(٢) يا بنى الرزق رزقان: رزق تطلبه ورزق يطلبك، فان لم تأته أتاك، فلا تحمل هم سنتك عليهم يومك كفاك كل يوم ما هو فيه، فان تكن السنة من عمرك فان اللهعزوجل سيأتيك في كل غد بجديد ما قسم لك، وان لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بغم وهم ما ليس لك، واعلم انه لن يسبقك إلى رزقك طالب، ولن يغلبك عليه غالب، ولن يحتجب عنك ما قدر لك، فكم رأيت من طالب متعب نفسه مقتر عليه رزقه(٣) ومقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير، وكل مقرون به الفناء اليوم لك وأنت من بلوغ غد على غير يقين، ولرب مستقبل يوما ليس بمستدبره ومغبوط في أول ليلة قام في آخرها بواكيه. فلا يغرنكم من الله طول حلول النعم وإبطاء موارد النقم، فانه لو خشي الفوت عاجل بالعقوبة قبل الموت، يا بنى اقبل من الحكماء مواعظهم وتدبر أحكامهم، واعلم ان رأس العقل بعد الايمان باللهعزوجل مداراة الناس، ولا خير فيمن لا يعاشر بالمعروف من لا بد من معاشرته حتى يجعل الله إلى الخلاص منه سبيلا، فانى وجدت جميع ما يتعايش به الناس وبه يتعاشرون(٤) ملء مكيال، ثلثاه استحسان وثلثه تغافل، اعلم يا بنى انه لا بد لك من حسن الارتياد وبلاغك من الزاد مع خفة الظهر، فلا تحمل على ظهرك فوق طاقتك فيكون

__________________

(١) الأنكال: الاعتماد والأماني جمع الامنية: التمني، والنوكي بالفتح جمع الأنوك وهو الأحمق، والتثبيط: التعويق عن الاخرة قال الفيض (ره) في الوافي أي عن عملها وفي بعض النسخ تقنط عن الاخرة والاول أظهر.

(٢) خفض الدعة: سعة العيش.

(٣) قتر على عياله: ضيق عليهم في النفقة.

(٤) الارتياد بمعنى الطلب.

٢١١

عليك ثقلا في حشرك ونشرك في القيامة، فبئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد يا بنى البغي سائق إلى الحين(١) لن يهلك امرء عرف قدره من حصن شهوته صان قدره. قيمة كل امرء ما يحسن. الاعتبار يفيدك الرشاد. يا بنى إذا قويت فاقو على طاعة اللهعزوجل وان ضعفت فاضعف عن معصية اللهعزوجل .

قال مؤلف هذا الكتاب عفي عنه: وهذه الوصية الشريفة طويلة وفيها مناهل خير الدنيا والاخرة لروّاد العلم والعمل وأخذنا منها ما أخذنا تيمنا وتبركا.

قال عزّ من قائل:( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) .

٧٩ ـ في أمالي شيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى أبي جعفر الباقرعليه‌السلام حديث طويل وفيه ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّعليه‌السلام قل ما أول نعمة أبلاك اللهعزوجل وأنعم عليك بها؟ قال: إنّ خلقني إلى أنْ قال: فما التاسعة؟ قال: إنّ سخر لي سماءه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقه، قال: صدقت.

٨٠ ـ في أصول الكافي باسناده إلى أبي جعفر قال: كفي لاولى الألباب بخلق الرب المسخر وملك الرب القاهر إلى قوله: وما أنطق به السن العباد وما أرسل به الرسل وما انزل على العباد دليلا على الرب.

٨١ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى حماد بن أبي زياد الأزدي قال: سألت سيدي موسى بن جعفرعليهما‌السلام عن قول اللهعزوجل :( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً ) فقالعليه‌السلام : النعمة الظاهرة الامام الظاهر والباطنة الامام الغائب.

٨٢ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب محمد بن مسلم عن الكاظمعليه‌السلام الظاهرة الامام الظاهر، والباطنة الامام الغائب.

٨٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن شريك عن جابر قال: قال رجل عند أبي جعفرعليه‌السلام :( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً ) قال: اما النعمة الظاهرة فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وما جاء به من معرفة

__________________

(١) الحين بفتح الحاء ـ: الهلاك.

٢١٢

اللهعزوجل وتوحيده، واما النعمة الباطنة فولايتنا أهل البيت وعقد مودتنا فاعتقد والله قوم هذه النعمة الظاهرة والباطنة واعتقدها قوم ظاهرة ولم يعتقدوها باطنة، فأنزل الله:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ) ففرح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند نزولها انه لم يقبل الله تبارك وتعالى ايمانهم إلّا بعقد ولايتنا ومحبتنا.

٨٤ ـ في مجمع البيان( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً ) وفي رواية الضحاك عن ابن عباس قال: سألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا ابن عباس أما ما ظهر فالإسلام وما سوى الله من خلقك وما أفضل عليك من الرزق، واما ما بطن فستر مساوي عملك ولم يفضحك به، يا ابن عباس إنّ الله تعالى يقول: ثلاثة جعلتهن للمؤمن ولم يكن له: صلوة المؤمنين عليه بعد انقطاع عمله، وجعلت له ثلث ماله يكفر به عنه خطاياه، والثالثة سترت مساوي عمله ولم أفضحه بشيء منه ولو أبديتها عليه لنبذه أهله فمن سواهم.

٨٥ ـ في أمالي شيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى أبي جعفرعليه‌السلام قال: حدّثني عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري قالوا: أتينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجده في رهط من أصحابه فيهم أبو بكر وأبو عبيدة وعمر وعثمان وعبد الرحمان ورجلان من قراء الصحابة إلى قوله حاكيا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وقد أوحى إلى ربي جل وتعالى أن أذكركم بالنعمة وأذكركم بما اقتص عليكم من كتابه واملى( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ) الآية ثم قال لهم: قولوا الآن قولكم ما أول نعمة رغبكم الله وبلاكم بها؟ فخاض القوم جميعا فذكروا نعم الله التي أنعم عليهم وأحسن إليهم بها من المعاش والرياش والذرية والأزواج إلى ساير ما بلاهم اللهعزوجل من أنعمه الظاهرة، فلما أمسك القوم أقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على علىعليه‌السلام فقال: يا أبا الحسن قل فقد قال أصحابك، فقال: وكيف بالقول فداك أبي وأمي وانما هدانا الله بك؟ قال: ومع ذلك فهات قل ما أول نعمة أبلاك اللهعزوجل وأنعم عليك بها؟ قال: أنْ خلقني جل ثناؤه ولم أك شيئا مذكورا، قال: صدقت. فما الثانية؟ قال: أنْ أحسن بي إذ خلقني فجعلني حيا لا مواتا، قال: صدقت. فما الثالثة؟ قال: أنْ انشأنى فله الحمد في

٢١٣

أحسن صورة وأعدل تركيب، قال: صدقت. فما الرابعة؟ قال: أنْ جعلني متفكرا راعيا لابلها ساهيا، قال: صدقت فما الخامسة؟ قال أنْ جعل لي سرا عن ادراك(١) ما ابتغيت بها وجعل لي سراجا منيرا، قال: صدقت. فما السادسة؟ قال: أنْ هداني الله لدينه ولم يضلني عن سبيله، قال: صدقت. فما السابعة؟ قال: أنْ جعل لي مردا في حيوة لا انقطاع لها، قال: صدقت. فما الثامنة؟ قال: أنْ جعلني ملكا مالكا لا مملوكا، قال: صدقت. فما التاسعة؟ قال: أنْ سخر لي سماءه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقه، قال: صدقت فما العاشرة؟ قال: أنْ جعلنا سبحانه ذكرانا قواما على حلائلنا لا إناثا قال: صدقت. فما بعدها؟ قال: كثرت نعم الله يا نبي الله فطابت( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها ) فتبسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال ليهنئك الحكمة ليهئنك العلم يا أبا الحسن فأنت وارث علمي والمبين لامتى ما اختلفت فيه من بعدي، من أحبك لدينك وأخذ بسبيلك فهو ممن هدى إلى صراط مستقيم، ومن رغب عن هواك وأبغضك وتخلاك(٢) لقى الله يوم القيامة لا خلاق له والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٨٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قولهعزوجل ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أنزل الله قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إلى عَذابِ السَّعِيرِ ) فهو النضر بن الحارث(٣) قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اتبع ما انزل إليك من

__________________

(١) كذا في النسخ ولا تخلو عن التصحيف وفي البحار (ج ١٥ ـ ج ٢ ـ ص ٢٩) «قال: أنْ جعل لي شواعر أدرك ما ابتغيت اه».

(٢) تخلاه ومنه وعنه: تركه.

(٣) النضر بن حارث بن علقمة بن كندة من شياطين قريش وأعداء رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وممن كان يؤذى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وينصب له العداوة وكان قد قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم وإسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) «جلسا فذكر فيه بالله وحذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله خلفه في مجلسه إذا قام، ثم قال: أنا والله ـ

٢١٤

ربك قال: بل اتبع ما وجدت عليه آبائي.

٨٧ ـ وقولهعزوجل :( وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إلى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى ) قال: بالولاية.

٨٨ ـ في كتاب التوحيد حدّثنا سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ويعقوب بن يزيد جميعا عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن أبي جعفرعليه‌السلام حديث طويل يقول في آخره: وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كل مولود يولد على الفطرة يعنى على المعرفة بان اللهعزوجل خالقه، فذلك قولهعزوجل :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) .

٨٩ ـ وباسناده إلى أبي هاشم الجعفري قال: سألت أبا جعفر الثانيعليه‌السلام ما معنى الواحد؟ قال: الذي اجتماع الألسن عليه بالتوحيد، كما قالعزوجل :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) .

٩٠ ـ في أصول الكافي باسناده إلى أبي جعفرعليه‌السلام قال: انه لينزل في ليلة القدر إلى ولي الأمر تفسير الأمور سنة سنة يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا، وفي أمر الناس بكذا وكذا، وانه ليحدث لولى الأمر سوى ذلك كل يوم عليم اللهعزوجل الخاص والمكنون العجيب المخزون مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر، ثم قرأ:( وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٩١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) وذلك ان اليهود سألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الروح فقال:( الرُّوحُ مِنْ أمر رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ

__________________

يا معشر قريش أحسن حديثا منه فهلموا إلى، فانا أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسفنديار، وهو الذي قال( سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ ) كما ذكره المفسرون، وكان عاقبة أمره انه قتل ببدر وقد قتله أمير المؤمنين عليه‌السلام صبرا عند رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )كما ذكره ابن هشام في السيرة وغيره.

٢١٥

مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) قالوا: نحن خاصة؟ قال: بل الناس عامة، قالوا: فكيف يجتمع هذا يا محمد؟ تزعم انك لم تؤت من العلم إلّا قليلا وقد أوتيت القرآن وأوتينا التوراة وقد قرأت:( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ) وهي التوراة( فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) فانزل الله تبارك وتعالى( وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ ) يقول: علم الله أكبر من ذلك وما أوتيتم كثير فيكم قليل عند الله.

٩٢ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) سأل يحيى بن أكثم أبا الحسن العالمعليه‌السلام عن قوله تعالى:( سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ ) ما هي؟ فقال: هي عين الكبريت وعين اليمن وعين البرهوت وعين الطبرية وجمة ما سيدان وحمة افريقية وعين بلعوران، ونحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا ولا تستقصى.

٩٣ ـ في مجمع البيان وقرأ جعفر بن محمدعليه‌السلام «والبحر مداده». ٩٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ ) بلغنا والله اعلم انهم قالوا: يا محمد خلقنا أطوارا نطفا ثم علقا ثم أنشأنا خلقا كما تزعم ونزعم انا نبعث في ساعة واحدة فقال الله:( ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ ) انما يقول له كن فيكون.

٩٥ ـ وقولهعزوجل :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ) يقول: ما ينقص من الليل يدخل في النهار، وما ينقص من النهار يدخل في الليل.

٩٦ ـ وقولهعزوجل :( الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) يقول: كل واحد منهما يجرى إلى منتهاه، لا يقصر عنه ولا يجاوزه.

٩٧ ـ وقولهعزوجل :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ ) بنعمة الله قال: السفن تجري في البحر بقدرة الله.

٩٨ ـ وقال علي بن إبراهيمرحمه‌الله في قولهعزوجل :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) قال: الذي يصبر على الفقر والفاقة، ويشكر اللهعزوجل على جميع أحواله.

٢١٦

٩٩ ـ في مجمع البيان( لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) وفي الحديث: الايمان نصفان نصف صبر ونصف شكر.

١٠٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل : وإذا غشيهم موج كالظلل يعنى في البحر( دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) إلى قوله تعالى:( فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ) أي صالح( وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) قال: الختار الخداع.

١٠١ ـ وقولهعزوجل :( يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ ) إلى قوله:( إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ ) قال: ذلك القيامة.

١٠٢ ـ في من لا يحضره الفقيه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل وفيه قال السائل: فأيّ الناس اثبت رأيا؟ قال: من لم يغره الناس من نفسه، ولم تغره الدنيا بتشويقها.

١٠٣ ـ في مجمع البيان وفي الحديث الكيس من حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت، والفاجر من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله.

١٠٤ ـ في إرشاد المفيدرحمه‌الله من كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام لرجل سمعه يذم الدنيا من غير معرفة بما يجب أن يقول في معناها: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، مسجد أنبياء الله ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته، ومتجر أوليائه اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها، ونادت بفراقها، ونعت نفسها فشوقت بسرورها إلى السرور، وببلاءها إلى البلاء(١) تخويفا وتحذيرا وترغيبا، وترهيبا، فيا ايها الذام للدنيا والمغتر بتغريرها متى غرتك أبمصارع آبائك في البلى أم بمصارع(٢) أمهاتك تحت الثرى

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المصدر «وحذرت ببلائها البلاء» وفي النهج «فمثلت لهم ببلائها البلاء وشوقتهم بسرورها إلى السرور» قال الشارح المعتزلي فمثلت لهم ببلائها البلاء أي بلاء الاخرة وعذاب جهنم وشوقته بسرورها إلى السرور أي إلى سرور الاخرة ونعيم الجنة (ثم قال): وهذا الفصل كله لمدح الدنيا وهو ينبئ عن اقتداره عليه‌السلام على ما يريد من المعاني لان كلامه كله في ذم الدنيا وهو الآن يمدحها وهو صادق في ذاك وفي هذا.

(٢) كذا في النسخ لكن في المصدر والنهج «أم بمضاجع أمهاتك» وهو الظاهر المناسب لا سلوب الكلام من جهة الفصاحة، ولا يخلو النسخ عن التصحيف.

٢١٧

كم عللت بكفيك ومرضت بيديك تبتغي لهم الشفاء! وتستوصف لهم الأطباء، وتلتمس لهم الدواء، لم تنفعهم بطلبك ولم تشفعهم بشفاعتك، مثلت لهم الدنيا مصرعك(١) ومضجعك حيث لا ينفعك بكاءك، ولا يغني عنك أحباؤك.

١٠٥ ـ في أصول الكافي باسناده إلى محمد بن مسلم بن شهاب قال: سئل عليُّ بن الحسينعليهما‌السلام أي الأعمال أفضل عند اللهعزوجل ؟ فقال: ما من عمل بعد معرفة اللهعزوجل ومعرفة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من بغض الدنيا، وان لذلك لشعبا كثيرة وللمعاصي شعبا، فأول ما عصى الله به الكبر وهي معصية إبليس حين( أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ ) ، والحرص وهي معصية آدم وحوا حين قال اللهعزوجل لهما:( فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ ) فأخذا ما لا حاجة بهما اليه، فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيامة، وذلك ان أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به اليه، ثم الحسد وهي معصية ابن آدم حين حسد أخاه فقتله فتشعب من ذلك حب النساء وحب الدنيا وحب الرياسة وحب الراحة وحب الكلام وحب العلو والثروة، فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا، فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك: حب الدنيا رأس كل خطيئة، والدنيا دنيائان: دنيا بلاغ ودنيا ملعونة.

١٠٦ ـ وباسناده إلى طلحة بن زيد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: مثل الدنيا كمثل ماء البحر، كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا.

١٠٧ ـ في بصائر الدرجات محمد بن عبد الحميد وأبو طالب جميعا عن حنان ابن سدير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ لله علما عاما وعلما خاصا، فأما الخاص فالذي لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل، واما علمه العام فالذي اطلعت عليه الملائكة المقربون والأنبياء المرسلون، وقد وقع ذلك كله إلينا ثم قال: أو ما تقرأ:( عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ) .

١٠٨ ـ في كتاب الخصال عن أبي اسامة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال: الا

__________________

(١) وفي المصدر «قد مثلت لك الدنيا بهم مصرعك ...».

٢١٨

أخبركم بخمسة لم يطلع الله عليها أحدا من خلقه؟ قال: قلت: بلى، قال:( إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) .

١٠٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) قال الصادقعليه‌السلام : هذه الخمسة أشياء لم يطلع عليها ملك مقرب ولا نبي مرسل وهي من صفات اللهعزوجل .

١١٠ ـ في نهج البلاغة يومى به إلى وصف الأتراك: كأنى أراهم قوما كأن وجوههم المجان المطرقة(١) يلبسون السرق والديباج، ويعتقبون الخيل العتاق، ويكون هناك استحرار قتل حتى يمشى المجروح على المقتول، ويكون المفلت أقل من المأسور، فقال له بعض أصحابه: لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب فضحكعليه‌السلام وقال للرجل ـ وكان كلبيا ـ: يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب، وانما هو تعلم من ذي علم، وانما علم الغيب علم الساعة وما عدده الله سبحانه بقوله:( إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) الآية فيعلم سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو أنثى وقبيح أو جميل وسخي أو بخيل، وشقي أو سعيد، ومن يكون للنار حطبا أو في الجنان للنبيين مرافقا، فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلّا الله، وما سوى ذلك فعلم علمه الله نبيه صلى الله عليه فعلمنيه، ودعا لي أن يعيه صدري ويضطم عليه جوارحي.

١١١ ـ فيمن لا يحضره الفقيه وقالعليه‌السلام في قولهعزوجل :( وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ) فقال: من قدم إلى قدم.

١١٢ ـ في أمالي الصدوقرحمه‌الله باسناده إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه لـمّا أراد المسير إلى النهروان أتاه منجم فقال له: يا أمير المؤمنين لا تسر في هذه الساعة وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهار، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : ولم ذاك؟ قال: لأنّك إنْ سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك أذى وضر شديد، وإنْ سرت في

__________________

(١) مر الحديث مع ما ذيلناه في صفحة ٩٥.

٢١٩

الساعة التي أمرتك ظفرت وظهرت وأصبت كلّما طلبت، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : تدري ما في بطن هذه الدابّة أذكر أم أنثى؟ قال: إنْ حسبت علمت، قال له أمير المؤمنين: من صدّقك على هذا القول كذب بالقرآن( إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) ما كان محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعى ما ادعيت، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١١٣ ـ في مجمع البيان جاء في الحديث أنّ مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهنّ إلّا الله، وقرء هذه الآية.

١١٤ ـ وروى عن أئمة الهدىعليهم‌السلام ان هذه الأشياء الخمسة لا يعلمها على التفصيل والتحقيق غيره تعالى.

١١٥ ـ في كتاب الخصال فيما علم أمير المؤمنينعليه‌السلام أصحابه من الاربعمأة باب: وبنا ينزل الغيث.

١١٦ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود عن الرضاعليه‌السلام حديث طويل وفيه: وبنا ينزل الغيث وينشر الرحمة.

١١٧ ـ وباسناده إلى سليمان بن مهران الأعمش عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه عليّ بن الحسينعليهم‌السلام قال: بنا ينزل الله الغيث وينشر الرحمة، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١١٨ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحجال عن ابن بكير عن أبي منهال عن الحارث بن المغيرة قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إنّ النطفة إذا وقعت في الرحم بعث اللهعزوجل ملكا فأخذ من التربة التي يدفن فيها، فماثها في النطفة(١) فلا يزال قلبه يحن إليها حتى يدفن فيها.

١١٩ ـ في أصول الكافي علي بن محمد عن سهل بن زياد عن محمد بن عبد الحميد عن الحسن بن الجهم قال: قلت للرضاعليه‌السلام : أمير المؤمنين قد عرف قاتله في الليلة التي يقتل فيها والموضع الذي يقتل فيه، وقوله لـمّا سمع صياح الإوز في الدار: صوائح

__________________

(١) مات الشيء في الماء: إذا به فيه.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652