تفسير نور الثقلين الجزء ٤

تفسير نور الثقلين9%

تفسير نور الثقلين مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 652

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 652 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 300825 / تحميل: 6173
الحجم الحجم الحجم
تفسير نور الثقلين

تفسير نور الثقلين الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

نكاحها على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها ) وروى فيه أيضا غير هذا وقد نقلناه عند قوله تعالى: «وما جعل أدعيائكم أبنائكم» في أول هذه السورة.

١٢٨ ـ وفيه أيضا حديث طويل عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول فيه وقد ذكر ما رأى ليلة أسرى به: دخلت الجنة فاذا على حافتيها(١) بيوتي وبيوت أزواجى وإذا ترابها كالمسك وإذا جارية تتغمس في أنهار الجنة فقلت: لمن أنت يا جارية؟ فقالت: لزيد بن حارثة فبشرته بها حين أصبحت.

١٢٩ ـ في عيون الأخبار في باب مجلس الرضاعليه‌السلام عند المأمون مع أصحاب الملل والمقالات وما أجاب به علي بن جهم في عصمة الأنبياء صلوات الله عليهم حديث طويل وفيه يقولهعليه‌السلام : واما محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وقول اللهعزوجل :( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ) فان الله تعالى عرف نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله أسماء أزواجه في دار الدنيا وأسماء أزواجه في الاخرة وانهن أمهات المؤمنين، واحدهن سمى له زينب بنت جحش وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة، فأخفىصلى‌الله‌عليه‌وآله اسمها في نفسه ولم يبده لكيلا يقول أحد من المنافقين: أنّه قال في امرأة في بيت رجل انها أحد أزواجه من أمهات المؤمنين، وخشي قول المنافقين قال اللهعزوجل :( وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ) يعنى في نفسك وان اللهعزوجل ما تولى تزويج أحد من خلقه إلّا تزويج حوا من آدم وزينب من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقولهعزوجل :( فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها ) وفاطمة من عليّعليهما‌السلام قال: فبكى علي بن محمد الجهم وقال: يا ابن رسول الله انا تائب إلى الله تعالى من ان أنطق في أنبياء اللهعليهم‌السلام بعد يومى هذا إلّا بما ذكرته.

١٣٠ ـ وفيه في باب ذكره مجلس آخر للرضاعليه‌السلام عند المأمون في عصمة الأنبياء حديث طويل وفيه يقول المأمون للرضاعليه‌السلام : فأخبرني عن قول اللهعزوجل :( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ) قال الرضاعليه‌السلام : إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قصد دار زيد بن حارثة ابن شراحيل الكلبي في أمر أراده فرأى امرأته تغتسل فقال لها: سبحان الله الذي خلقك

__________________

(١) الحافة: الجانب.

٢٨١

وانما أراد بذلك تنزيه الله تعالى عن قول من زعم ان الملائكة بنات الله، فقال اللهعزوجل :( أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً ) فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لـمّا رآها تغتسل: سبحان الله الذي خلقك ان يتخذ ولدا يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال، فلما دعا زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجيء الرسولعليه‌السلام وقوله لها: «سبحان الذي خلقك» فلم يعلم زيد ما أراد بذلك، فظن أنّه قال ذلك لما أعجبه من حسنها، فجاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله ان امرأتى في خلقها سوء، وانى أريد طلاقها، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ ) وقد كان اللهعزوجل عرفه عدد أزواجه وان تلك المرأة منهن، فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد وخشي الناس أن يقولوا ان محمدا يقول لمولاه: ان امرأتك ستكون لي زوجة فيعيبونه بذلك، فأنزل الله تعالى:( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ ) يعنى بالإسلام( وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ) «يعنى بالعتق»( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ) ثم إنّ زيد بن حارثة طلقها واعتدت منه فزوجها الله تعالى من نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنزل بذلك قرآنا فقالعزوجل :( فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أمر اللهِ مَفْعُولاً ) ثم علمعزوجل ان المنافقين سيعيبونه بتزويجها فأنزل:( ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ ) فقال المأمون: لقد شفيت صدري يا ابن رسول الله، وأوضحت لي ما كان ملتبسا على، فجزاك الله عن أنبيائه وعن الإسلام خيرا.

١٣١ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام مجيبا لبعض الزنادقة وقد قال ثم خاطبه في أضعاف ما أثنى عليه في الكتاب من الإزراء وانخفاض محله وغير ذلك، تهجينه وتأنيبه ما لم يخاطب به أحدا من الأنبياء مثل قوله:( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ) والذي بدا في الكتاب من الإزراء على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من فرية الملحدين، وهنا كلام طويل يطلب عند قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا )

١٣٢ ـ في مجمع البيان( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ ) قيل ان الذي أخفاه

٢٨٢

في نفسه هو أنَّ الله سبحانه أعلمه انها ستكون من أزواجه، وان زيدا سيطلقها، فلما جاء زيد وقال له: أريد ان أطلق زينب قال له:( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ) ، فقال سبحانه: لم قلت:( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ) وقد أعلمتك انها ستكون من أزواجك؟ وروى ذلك عن عليِّ بن الحسينعليهما‌السلام .

١٣٣ ـ وروى ثابت عن أنس بن مالك قال: لما انقضت عدَّةُ زينب قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لزيد اذهب فاذكرها عليَّ قال زيد: فانطلقت فقلت: يا زينب أبشري قد أرسلنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذكرك ونزل القرآن، وجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فدخل عليها بغير اذن لقوله: «زوجناكها» وفي رواية فانطلقت فاذا هي تخمر عجينها فلما رأيتها عظمت في نفسي حتى ما أستطيع ان أنظر إليها حين علمت ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكرها، فوليتها ظهري وقلت: يا زينب أبشري فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يخطبك، ففرحت بذلك وقالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى اؤامر ربي، فقامت إلى مسجدها ونزل: «زوجناكها» فتزوجها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودخل بها.

١٣٤ ـ في جوامع الجامع وقرأ أهل البيتعليهم‌السلام زوجتكها قال الصادقعليه‌السلام : ما قرأتها على أبي إلّا كذلك إلى أنْ قال: وما قرأ عليٌّ على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا كذلك، وروى ان زينب كانت تقول للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انى لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن: جدي وجدك واحد، وزوجنيك الله والسفير جبرئيلعليه‌السلام .

١٣٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم متصل بآخر ما نقلنا عنه أعنى قوله «زوجناكها» وفي قولهعزوجل :( ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ ) فان هذه الآية نزلت في شأن زيد بن حارثة قالت قريش يعيرنا محمد يدعى بعضنا بعضا، وقد ادعى هو زيدا.

١٣٦ ـ في أصول الكافي وتزوج خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة. فولد له منها قبل مبعثهعليه‌السلام القاسم ورقية وزينب وأم كلثوم، وولد له بعد المبعث الطيب والطاهر وفاطمةعليها‌السلام ، وروى أيضا انه لم يولد له بعد المبعث إلّا فاطمةعليها‌السلام وأن الطيب والطاهر ولدا قبل مبعثه.

١٣٧ ـ في من لا يحضره الفقيه وقال الصادقعليه‌السلام : لما مات إبراهيم ابن رسول الله

٢٨٣

صلى‌الله‌عليه‌وآله قال النبي: حزنا عليك يا إبراهيم وانا لصابرون يحزن القلب وتدمع العين ولا نقول ما يسخط الرب.

١٣٨ ـ في مجمع البيان وقد صح أنّه قال للحسن: إنَّ إبني هذا سيد.

١٣٩ ـ وقال أيضا للحسن والحسينعليهما‌السلام : ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا.

١٤٠ ـ وقالعليه‌السلام : إنَّ كل بنى بنت ينسبون إلى أبيهم إلّا أولاد فاطمة فانى انا أبوهم.

١٤١ ـ في تهذيب الأحكام محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن علي بن حسان عن بعض أصحابنا قال تقدم أبو الحسن الاول إلى قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: السلام عليك يا أبه والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٤٢ ـ محمد بن أحمد بن داود عن محمد بن الحسن الكوفي قال: حدّثني محمد بن علي بن معمر قال: حدّثنا محمد بن مسعدة قال: حدّثني عبد الرحمن بن أبي نجران عن علي بن أبي شعيب عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: بينا الحسينعليه‌السلام قاعد في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم إذ رفع رأسه إليه فقال: يا أبه قال: لبيك يا بنى، قال: ما لمن أتاك بعد وفاتك زائرا لا يريد إلّا زيارتك؟ فقال: يا بنى من أتانى بعد وفاتي زائرا لا يريد إلّا زيارتي فله الجنّة، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٤٣ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب عن انس في حديث طويل سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: أنا خاتم الأنبياء وأنت يا عليُّ خاتم الأولياء، وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : خاتم محمد الف نبي، وانى ختمت ألف وصى، وانى كلفت ما لم يكلفوا.

١٤٤ ـ في روضة الكافي باسناده إلى عليّ بن عيسى رفعه قال: إنّ موسى ناجاه الله تبارك وتعالى فقال له في مناجاته: لا يطول في الدنيا أمك إلى قولهعزوجل له في وصيته له بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا موسى انه أمي وهو عبد صدق ويبارك عليه، كذلك فيما وضع يده عليه، كذلك كان في علمي، وكذلك خلقته، به أفتح الساعة وبأمته أختم مفاتيح الدنيا.

١٤٥ ـ في عوالي اللئالى وقالعليه‌السلام : انا أول الأنبياء خلقا وآخرهم بعثا.

٢٨٤

١٤٦ ـ في مجمع البيان وصح الحديث عن جابر بن عبد الله عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: انما مثلي في الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأكملها وحسنها إلّا موضع لبنة، فكان من دخلها فنظر إليها قال: ما أحسنها إلّا موضع هذه اللبنة، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : فانا موضع اللبنة ختم بي الأنبياء أورده البخاري ومسلم في صحيحيهما.

١٤٧ ـ في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمد الأشعري عن ابن القداح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ما من شيء إلّا وله ينتهى إليه إلّا الذكر، فليس له حد ينتهى اليه، فرض اللهعزوجل الفرائض فمن أداهن فهو حدهن، وشهر رمضان فمن صامه وفهو حده، والحج فمن حج فهو حده، إلّا الذكر فان اللهعزوجل لم يرض منه بالقليل ولم يجعل له حدا ينتهى إليه ثم تلا:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) فقال: لم يجعل الله له حدا ينتهي اليه، قال: وكان أبيعليه‌السلام كثير الذكر لقد كنت أمشى معه وانه ليذكر الله، وآكل معه الطعام وانه ليذكر الله، ولقد كان يحدث القوم ما يشغله ذلك عن ذكر الله، وكنت أرى لسانه لازقا بحنكه(١) يقول: لا إله إلّا الله، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس، ويأمر بالقرائة من كان يقرأ منا، ومن كان لا يقرأ منا امره بالذكر، والبيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر اللهعزوجل فيه تكثير بركته، وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين، ويضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب لأهل الأرض، والبيت الذي لا يقرء فيه القرآن ولا يذكر الله تقل بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا أخبركم بخير أعمالكم ارفعها في درجاتكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من الدينار والدرهم، وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتقتلوهم ويقتلوكم؟ فقالوا: بلى، قال: ذكر اللهعزوجل كثيرا ثم قال: جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: من خير أهل المسجد؟ فقال: أكثرهم لله ذكرا، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من اعطى لسانا ذاكرا فقد اعطى خير الدنيا والاخرة، وقال في قوله تعالى:( وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) قال: لا تستكثر ما عملت

__________________

(١) لزق به: لصق. والحنك: باطن أعلى الغم من داخل.

٢٨٥

من خير لله.

١٤٨ ـ حميد بن زياد عن ابن سماعة عن وهيب بن حفص عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا الله كثيرا.

١٤٩ ـ الحسين بن محمد عن معلى بن محمد وعدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد جميعا عن الحسن بن علي الوشاء عن داود بن سرحان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أكثر ذكر اللهعزوجل أحبه الله. ومن ذكر الله كثيرا كتب له برائتان برائة من النار وبرائة من النفاق.

١٥٠ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن بكر بن أبي بكر عن زرارة بن أعين عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: تسبيح فاطمة الزهراءعليها‌السلام من الذكر الكثير الذي قال اللهعزوجل :( اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً ) .

عنه عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبي اسامة زيد الشحام ومنصور بن حازم وسعيد الأعرج عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله.

١٥١ ـ الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الوشاء عن داود الحمار عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من أكثر ذكر اللهعزوجل أظله الله في جنته.

١٥٢ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن اسمعيل بن مهران عن سيف ابن عميرة عن سليمان بن عمرو عن أبي المغر الخصاف رفعه قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : من ذكر اللهعزوجل في السر فقد ذكر الله كثيرا ان المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرونه في السر، فقال اللهعزوجل :( يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً ) .

١٥٣ ـ في قرب الاسناد للحميري باسناده إلى عبد الله بن بكير قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى:( اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً ) قال: قلت: ما أدنى الذكر الكثير؟ قال: فقال: التسبيح في دبر كل صلوة ثلثا وثلاثين مرة.

١٥٤ ـ في مجمع البيان اختلف في معنى الذكر الكثير قيل هو أن تقول: سبحان

٢٨٦

الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر على كل حال، وقد ورد عن أئمتناعليهم‌السلام انهم قالوا: من قالها ثلاثين مرة فقد ذكر الله كثيرا، وروى الواحدي باسناده عن ضحاك ابن مزاحم عن ابن عباس قال: جاء جبرئيلعليه‌السلام إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا محمد قل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم عدد ما علم وزنه وملاء ما علم، فانه من قالها كتب الله له بها ست خصال: كتب من الذاكرين الله كثيرا، وكان أفضل من ذكره بالليل والنهار وكن له غرسا في الجنة وتحاتت عنه خطاياه(١) كما تحات ورق الشجرة اليابسة، وينظر الله إليه ومن نظر إليه لم يعذبه.

١٥٥ ـ في تهذيب الأحكام الحسين بن سعيد عن صفوان عن ابن بكير قال: قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام قول اللهعزوجل :( اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً ) ماذا الذكر الكثير؟ قال: إنّ يسبح في دبر المكتوبة ثلاثين مرة.

١٥٦ ـ في كتاب الخصال عن زيد الشحام قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما ابتلى المؤمن بشيء أشد عليه من ثلاث خصال يحرمها، قيل: وما هي؟ قال: المواساة في ذات يده، والإنصاف من نفسه، وذكر الله كثيرا، اما انى لا أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، ولكن ذكر الله عند ما أحل له وذكر الله عند ما حرم عليه.

١٥٧ ـ عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ثلاث لا يطيقهن الناس: الصفح عن الناس، ومواساة الأخ أخاه في ماله، وذكر الله كثيرا.

١٥٨ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن يعقوب ابن عبد الله عن إسحق بن فروخ مولى آل طلحة قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا إسحق ابن فروخ من صلى على محمّد وآل محمّد عشرا صلى الله عليه وملائكته ألفا، اما تسمع قول اللهعزوجل :( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ) .

١٥٩ ـ في مجمع البيان وفي مسند السيد أبي طالب الهروي مرفوعا إلى أبي أيوب

__________________

(١) تحات الورق من الشجر: تناثر وتساقط.

٢٨٧

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: صلت الملائكة عليَّ وعلى عليٍّ سبع سنين، وذلك انه لم يصل فيها أحد غيري وغيره.

١٦٠ ـ في كتاب التوحيد حديث طويل عن عليٍّعليه‌السلام يقول فيه وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات: واللقا هو البعث فافهم جميع ما في كتاب الله من لقائه، فانه يعنى بذلك البعث، وكذلك قوله:( تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ ) يعنى انه لا يزول عن قلوبهم يوم يبعثون.

١٦١ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى الحسن بن عبد الله عن آبائه عن جده الحسن بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله أعلمهم فيما سأله فقال: لأي شيء سميت محمدا وأحمد وأبا القاسم وبشيرا ونذيرا وداعيا؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : اما الداعي فانى ادعوا الناس إلى دين ربيعزوجل ، واما النذير فانى أنذر بالنار من عصاني، واما البشير فانى أبشر بالجنة من أطاعني والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٦٢ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقال علي بن إبراهيمرحمه‌الله في قولهعزوجل :( إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إلى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً ) إلى قوله تعالى:( وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً ) فانها نزلت بمكة قبل الهجرة بخمس سنين، فهذا دليل على خلاف التأليف.

١٦٣ ـ في من لا يحضره الفقيه وروى عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله اللهعزوجل :( ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَ ) (١) ( مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً ) قال: متعوهن أي اجملوهن بما قدرتم عليه من معروف، فإنهن يرجعن بكآية(٢) ووحشة وهم عظيم وشماتة من أعدائهن، فان الله كريم يستحيي ويحب أهل الحياء ان أكرمكم أشدكم إكراما لحلائلهم.

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المصحف الشريف «ثم طلقتموهن اه».

(٢) الكآبة: الحزن والغم.

٢٨٨

١٦٤ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سأله أبي وانا حاضر عن رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه فلم يمسها ولم يصل إليها حتى طلقها هل عليها عدة منه؟ فقال: انما العدة من الماء، قيل له: فان كان واقعها في الفرج ولم ينزل؟ فقال: إذا أدخله وجب الغسل والمهر والعدة.

١٦٥ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي ـ عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يطلق المرئة وقد مس كل شيء منها إلّا أنّه لم يجامعها ألها عدة؟ فقال: ابتلى أبو جعفرعليه‌السلام بذلك فقال له أبوه عليّ بن الحسينعليهما‌السلام : إذا أغلق وأرخى سترا وجب المهر والعدة.

١٦٦ ـ أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن إسحاق بن عمار عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يتزوج المرأة فيدخل بها ويغلق بابا ويرخي سترا عليها ويزعم انه لم يمسها وتصدقه هي بذلك، عليها عدة؟ قال: لا، قلت: فانه شيء دون شيء؟! قال: إذا خرج الماء اعتدت يعنى إذا كانا مأمونين صدقا.

١٦٧ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي ـ بصير قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : الرجل يتزوج المرأة فيرخي عليها وعليه الستر ويغلق الباب ثم يطلقها فتسأل المرأة هل أتاك فنقول: ما أتاني، ويسأل هو هل أتيتها فيقول: لم آتها فقال: لا يصدقان، وذلك انها تريدان تدفع العدة عن نفسها، ويريد هو أن يدفع المهر يعنى إذا كانا متهمين.

١٦٨ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وعلى بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير وعن عبد الكريم عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل إذا طلق امرأته ولم يدخل بها؟ فقال: قد بانت منه وتزوج ان شائت من ساعتها.

١٦٩ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي ـ عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا طلق الرجل امرأته قبل ان يدخل بها فليس عليها عدة تتزوج من

٢٨٩

ساعتها ان شائت وتبينها تطليقة واحدة، وان كان فرض لها مهرا فلها نصف ما فرض.

١٧٠ ـ أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار وأبو العباس محمد بن جعفر الرزاز عن أيوب بن نوح وحميد بن زياد عن ابن سماعة جميعا عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا طلق الرجل امرأته قبل ان يدخل بها فقد بانت منه، وتتزوج ان شاءت من ساعتها، وان كان فرض لها مهرا فلها نصف المهر، وان لم يكن فرض لها مهرا فليمتعها.

١٧١ ـ عليّ عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رجل طلق امرأته قبل ان يدخل بها؟ قال: عليه نصف المهر ان كان فرض لها شيئا، وان لم يكن فرض لها فليمتعها على نحو ما يمتع مثلها من النساء.

١٧٢ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن علي بن أبي ـ حمزة عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل طلق امرأته قبل ان يدخل بها؟ قال: عليه نصف المهر ان كان فرض لها، وان لم يكن فرض لها شيئا فليمتعها على نحو ما يمتع به مثلها من النساء.

١٧٣ ـ في مجمع البيان «فمتعوهن» قال ابن عباس: هذا إذا لم يكن سمى لها مهرا، فاذا فرض لها صداقا فلها نصفه ولا تستحق المتعة، وهو المروي عن أئمتناعليهم‌السلام والآية محمولة عندنا على التي لم يسم لها مهر فتجب لها المتعة.

١٧٤ ـ عن حبيب ابن ثابت قال كنت قاعدا عند عليّ بن الحسينعليهما‌السلام فجائه رجل فقال: انى قلت: يوم أتزوج فلانة فهي طالق قال: اذهب فتزوجها فان الله تعالى بدأ النكاح قبل الطلاق وقرء هذه الآية.

١٧٥ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن قول اللهعزوجل :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ ) قلت: كم أحل له من النساء؟ قال: ما شاء من شيء.

١٧٦ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن أبي نجران عن عبد الكريم

٢٩٠

ـ ابن عمرو عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله اللهعزوجل لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ ) كم أحل له من النساء؟ قال: ما شاء من شيء.

١٧٧ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت: قوله:( لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ ) فقال: لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان ينكح ما شاء من بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته، وأزواجه اللاتي هاجرن معه، وأحل له أن ينكح من عرض المؤمنين بغير مهر وهي الهبة، ولا تحل الهبة إلّا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأما لغير رسول الله فلا يصلح نكاح إلّا بمهر، وذلك معنى قوله تعالى( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ ) .

١٧٨ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن أبي نجران عن عبد الكريم بن عمرو عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفرعليه‌السلام في قولهعزوجل لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ ) كم أحل له من النساء؟ قال: ما شاء من شيء. قلت:( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ ) فقال: لا تحل الهبة إلّا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واما لغير رسول الله فلا يصلح نكاح إلّا بمهر.

١٧٩ ـ أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان ومحمد بن سنان جميعا عن ابن مسكان عن الحلبي قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المرأة تهب نفسها للرجل ينكحها بغير مهر؟ فقال: انما كان هذا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فاما لغيره فلا يصلح هذا حتى يعوضها شيئا يقدم إليها قبل أن يدخل بها قل أو كثر، ولو ثوب أو درهم وقال: يجزى الدرهم.

١٨٠ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن داود بن سرحان عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن قول اللهعزوجل :( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ ) فقال: لا تحل الهبة إلّا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأما غيره فلا يصلح نكاح إلّا بمهر.

١٨١ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن محمد بن

٢٩١

الفضل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: لا تحل الهبة إلّا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واما غيره فلا يصلح نكاح إلّا بمهر.

١٨٢ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن عبد الله بن سنان عن أبي ـ عبد اللهعليه‌السلام في امرأة وهبت نفسها لرجل ووهبها له وليها؟ فقال: لا انما كان ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وليس لغيره إلّا ان يعوضها شيئا قل أو كثر.

١٨٣ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن أبي القاسم الكوفي عن عبد الله بن المغيرة عن رجل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في امرأة وهبت نفسها لرجل من المسلمين؟ قال: إنّ عوضها كان ذلك مستقيما.

١٨٤ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن محمد بن قيس عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فدخلت عليه وهو في منزل حفصة والمرأة متلبسة متمشطة فدخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت: يا رسول الله إنَّ المرأة لا تخطب الزوج وانا امرأة أيم(١) لا زوج لي منذ دهر ولا ولد، فهل لك من حاجة، فان تك فقد وهبت نفسي لك ان قبلتني، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خيرا ودعا لها، ثم قال: يا أخت الأنصار جزاكم الله عن رسول الله خيرا فقد نصرني رجالكم ورغبت في نساءكم، فقالت لها حفصة: ما أقل حياءك وأجراك وانهمك للرجال!(٢) فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كفي عنها يا حفصة فانها خير منك رغبت في رسول الله فلمتيها وعبتيها ثم قال للمرأة: انصر في رحمك الله فقد أوجب الله لك الجنة لرغبتك في وتعرضك لمحبتي وسروري، وسيأتيك أمرى ان شاء الله، فانزل اللهعزوجل :( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) قال: فأحل اللهعزوجل هبة المرأة نفسها لرسول الله ولا يحل ذلك لغيره.

١٨٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ ) فانه كان سبب نزولها ان امرأة من الأنصار أتت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد تهيئت وتزينت فقالت :

__________________

(١) الأيم من النساء: التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا.

(٢) النهمة: الحاجة وبلوغ الهمة والشهوة في الشيء وهو مفهوم بكذا: مولع.

٢٩٢

يا رسول الله هل لك في حاجة فقد وهبت نفسي لك؟ فقالت لها عائشة: قبحك الله ما أنهمك للرجال! فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مه يا عائشة فانها رغبت في رسول الله إذ زهدتن فيه. ثم قال: رحمك الله ورحمكم يا معاشر الأنصار ينصرني رجالكم وترغب في نساؤكم ارجعي رحمك الله فانى انتظر أمر اللهعزوجل ، فأنزل اللهعزوجل :( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) فلا تحل الهبة إلّا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

١٨٦ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليهما‌السلام قال: تزوج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بخمس عشرة امرأة، ودخل بثلاثة عشر منهن، وقبض عن تسع، فاما اللتان لم يدخل بهما فعمرة والشنبا(١) واما الثلاث عشرة اللاتي دخل بهن فأولهن خديجة إلى قوله: والتى( وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ ) خولة بنت حكيم السلمي، وقد تقدم هذا الحديث بتمامه في هذه السورة.

١٨٧ ـ في مجمع البيان وقيل: انها لما وهبت نفسها للنبي قالت عائشة: ما بال النساء يبذلن أنفسهن بلا مهر؟ فنزلت الاية، فقالت عائشة: ما ارى الله تعالى إلّا يسارع في هواك، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وانك ان أطعت الله سارع في هواك.

١٨٨ ـ واختلف في انه هل كانت عند النبي امرأة وهبت نفسها له أم لا؟ فقيل انه لم تكن، وقيل: بل كانت إلى قوله: وقيل هي امرأة من بنى أسد يقال لها أم شريك بنت جابر عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام .

١٨٩ ـ في كتاب الخصال في الحديث المتقدم عن الصادقعليه‌السلام وكان له سريتان يقسم لهما مع أزواجه مارية القبطية وريحانة الخندفية.

١٩٠ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت: أرأيت قوله:( تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ ) قال: من آوى فقد نكح ومن أرجى فلم ينكح، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة هنا.

__________________

(١) قد مر اختلاف النسخ في اللفظة.

٢٩٣

١٩١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم ثم أنزل اللهعزوجل هذه الاية وهي آية التخيير فقال:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ) إلى قوله اجرا عظيما فقامت أم سلمة أول من قامت فقالت: قد اخترت الله ورسوله فقمن كلهن فعانقنه وقلن مثل ذلك، فانزل اللهعزوجل :( تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ ) فقال الصادقعليه‌السلام : من آوى فقد نكح ومن أرجى فقد طلق، وقولهعزوجل :( تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ ) مع هذه الاية قولهعزوجل :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ) إلى قوله:( أَجْراً عَظِيماً ) وقد أخرت عنها في التأليف وقد كتبنا ذلك فيما تقدم.

١٩٢ ـ في مجمع البيان( تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ ) قال أبو جعفر وأبو عبد اللهعليهما‌السلام من أرجى لم ينكح ومن آوى فقد نكح.

١٩٣ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن أبي نجران عن عبد الكريم بن عمرو عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ ) فقال: انما عنى به لا يحل لك النساء التي حرم الله عليك في هذه الاية:( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ ) إلى آخرها ولو كان الأمر كما يقولون كان قد أحل لكم ما لم يحل له، لان أحدكم يستبدل كلما أراد، ولكن الأمر ليس كما يقولون ان اللهعزوجل أحل لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان ينكح من النساء ما أراد إلّا ما حرم في هذه الاية في سورة النساء.

١٩٤ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن قول اللهعزوجل :( لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ ) قال انما عنى به النساء اللاتي حرم عليه في هذه الاية:( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ ) إلى آخر الاية ولو كان الأمر كما يقولون كان قد أحل لكم ما لم يحل له. ان أحدكم يستبدل كلما أراد ولكن ليس الأمر كما يقولون ان اللهعزوجل أحل لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما أراد من النساء إلّا ما حرم عليه في هذه الاية التي في النساء.

١٩٥ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد

٢٩٤

عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ ) فقال: أراكم وأنتم تزعمون انه يحل لكم ما لم يحل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أحل الله تعالى لرسول الله ان يتزوج من النساء ما شاء، انما قال:( لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ ) الذي حرم عليك قوله:( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ) إلى آخر الاية.

١٩٦ ـ أحمد بن محمد العاصي عن علي بن الحسن بن الفضال عن علي بن أسباط عن عمه يعقوب بن سالم عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت له: أرأيت قول اللهعزوجل ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ ) فقال: إنما لم يحل له النساء التي حرم عليه في هذه الاية( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ) في هذه الاية كلها، ولو كان الأمر كما يقولون لكان قد أحل لكم ما لم يحل له هو لان أحدكم يستبدل كلما أراد ولكن ليس الأمر كما يقولون أحاديث آل محمد خلاف أحاديث الناس، إنَّ اللهعزوجل أحل لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان ينكح من النساء ما أراد إلّا ما حرم الله عليه في سورة النساء في هذه الاية.

١٩٧ ـ في مجمع البيان:( وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَ ) يعنى أن أعجبك حسن ما حرم عليك من جملتهن ولم يحللن لك وهو المروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

١٩٨ ـ في أصول الكافي محمد بن الحسن وعلى بن محمد عن سهل عن محمد بن سليمان عن هارون بن الجهم عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: لما احتضر الحسن بن عليعليه‌السلام قال للحسينعليه‌السلام : يا أخي انى أوصيك بوصية فاحفظها فاذا انا مت فهيئني ثم وجهني إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأحدث به عهدا، ثم اصرفني إلى أمي فاطمةعليها‌السلام ، ثم ردني فادفني في البقيع، واعلم انه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها وعداوتها لله ولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعداوتها لنا أهل البيت، فلما قبض الحسنعليه‌السلام وضع على سريره وانطلق به إلى مصلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كان يصلّي فيه على الجنائز فصلى على الحسنعليه‌السلام فلما ان صلى عليه حمل فادخل المسجد فلما أوقف على قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلغ عائشة الخبر، وقيل لها: انهم قد أقبلوا بالحسن بن عليعليه‌السلام ليدفنوه مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخرجت مبادرة على بغل بسرج ـ فكانت أول امرأة ركبت في

٢٩٥

الإسلام سرجا ـ فوقفت وقالت: نحوا ابنكم عن بيتي فانه لا يدفن فيه شيء ولا يهتك على رسول الله حجابه، فقال لها الحسين بن عليعليه‌السلام : قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأدخلت بيته من لا يحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قربه، وان الله سائلك عن ذلك يا عائشة إنَّ أخى أمرنى ان أقربه من أبيه رسول الله ليحدث به عهدا واعلمي ان أخى أعلم الناس بالله ورسوله، وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ستره، لان الله تبارك وتعالى يقول:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ) وقد أدخلت بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الرجال بغير اذنه، وقد قال اللهعزوجل ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ) ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند اذن رسول الله المعاول، وقال اللهعزوجل :( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ) صلى الله عليه( أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى ) ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقربهما منه الأذى، وما رعيا من حقه ما أمرهما الله به على لسان رسول الله، ان الله حرم من المؤمنين أمواتا ما حرم منهم أحياء، والله يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيهعليه‌السلام جائزا فيما بيننا وبين الله لعلمت انه سيدفن وان رغم معطسك(١) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٩٩ ـ في أمالي شيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى ابن عباس قال: دخل الحسين بن عليعليهما‌السلام على أخيه الحسن بن عليعليه‌السلام في مرضه الذي توفي فيه فقال: كيف تجدك يا أخى؟ قال: أجدنى في أول يوم من أيام الاخرة وآخر يوم من أيام الدنيا إلى قوله: وان تدفنني مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فانى أحق به وبيته ممن ادخل بيته بغير اذنه ولا كتاب جاءهم من بعده، قال الله فيما انزل على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابه:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ) فو الله ما اذن لهم في الدخول عليه في حيوته بغير اذنه، ولا جاءهم الاذن في ذلك من بعد وفاته، ونحن مأذون لها في التصرف فيما ورثناه من بعده، فان أنت غلبك الأمر فأنشدك بالقرابة التي قرب اللهعزوجل منك والرحم الماسة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان تهريق في محجمة من دم حتى نلقى

__________________

(١) المعطس ـ كمقعد ـ: الأنف.

٢٩٦

رسول الله فنختصم إليه ونخبره بما كان من الناس إلينا بعده ثم قبضعليه‌السلام والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٢٠٠ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى عمرو بن جميع عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان جبرئيل إذا أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قعد بين يديه قعدة العبد، وكان لا يدخل حتى يستأذنه.

٢٠١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم واما قولهعزوجل :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ) فانه لما ان تزوج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بزينب بنت جحش وكان يحبها فأولم ودعا أصحابه فكان أصحابه إذا أكلوا يحبون ان يتحدثوا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان يحب ان يخلو مع زينب فانزل اللهعزوجل :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ) وذلك انهم كانوا يدخلون بلا اذن، فقالعزوجل :( إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ) إلى قوله تعالى( مِنْ وَراءِ حِجابٍ ) .

٢٠٢ ـ في جوامع الجامع وعن أم سلمة رضى الله عنها قالت: كنت عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده ميمونة فاقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد ان أمرنا بالحجاب فقال: احتجبا فقلنا: يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا؟ فقال: أفعميا وان أنتما ألستما تبصرانه؟.

وروى ان بعضهم قال أتنهى ان نكلم بنات عمنا إلّا من وراء حجاب لئن مات محمد لا تزوجن عائشة؟ وعن مقاتل هو طلحة بن عبيد الله فنزلت:( وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ ) إلى آخر الاية.

٢٠٤ ـ في مجمع البيان ونزلت آية الحجاب لما بنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بزينب بنت جحش وأو لم عليها، قال انس: أو لم عليها بتمر وسويق وذبح شاة وبعثت إليه أمي أم سليم بحيس في تور(١) من حجارة فأمرنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان ادعوا الصحابة إلى الطعام فدعوتهم فجعل القوم يجيئون ويأكلون ويخرجون، ثم يجيء القوم فيأكلون ويخرجون قلت: يا نبي الله قد دعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه فقال: ارفعوا طعامكم

__________________

(١) الحيس: تمر يخلط بسمن وأقط فيعجن ويدلك شديدا حتى يمتزج ثم يندر نواه والتور: إناء صغير.

٢٩٧

فرفعوا وخرج القوم وبقي ثلاثة نفر يتحدثون في البيت، فأطالوا المكث فقامصلى‌الله‌عليه‌وآله وقمت معه لكي يخرجوا فمشى حتى بلغ حجرة عائشة ثم ظن انهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه، فاذا هم جلوس مكانهم فنزلت الاية ونزل قوله:( وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ ) إلى آخر الاية في رجل من الصحابة قال: لئن قبض رسول الله لانكحن عائشة بنت أبي بكر عن ابن عباس، قال مقاتل: وهو طلحة بن عبيد الله وقيل: ان رجلين قال: أينكح محمد نساءنا ولا ننكح نسائه والله لئن مات لنكحنا نساءه وكان أحدهما يريد عائشة والاخر يريد أم سلمة عن أبي حمزة الثمالي.

٢٠٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم واما قولهعزوجل :( وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً ) فانه كان سبب نزولها انه لما أنزل الله:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ) وحرم الله نساء النبي على المسلمين غضب طلحة فقال: يحرم محمد علينا نساءه ويتزوج هو نساءنا! لئن أمات اللهعزوجل محمدا لنركضن بين خلاخيل نسائه كما ركض بين خلاخيل نساءنا، فأنزل اللهعزوجل :( وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً ) .

٢٠٦ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن أحمد بن النضر عن محمد بن مروان رفعه إليهم في قول اللهعزوجل :( وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ ) في عليٍّ والائمة( كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا ) .

٢٠٧ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن العلا بن رزين عن محمد بن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام أنّه قال: لو لم يحرم على الناس أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لقول اللهعزوجل :( وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً ) حرم على الحسن والحسينعليهما‌السلام لقول الله تبارك وتعالى:( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) ولا يصلح للرجل ان ينكح امرأة جده.

٢٠٨ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة قال: حدثني

٢٩٨

سعد بن أبي عروة عن قتادة عن الحسن البصري ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تزوج امرأة من بنى عامر بن صعصعة فقال لها سناة(١) وكانت من أجمل أهل زمانها، فلما نظرت إليها عائشة وحفصة قالتا: لتغلبنا هذه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بجمالها، فقالتا لها: لا يرى منك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حرصا، فلما دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تناولها بيده فقالت: أعوذ بالله فانقبضت يد رسول الله عنها فطلقها وألحقها بأهلها، وتزوج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة من كندة بنت أبي الجون فلما مات إبراهيم ابن رسول الله ابن مارية القبطية قالت: لو كان نبيا ما مات ابنه فألحقها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأهلها قبل أن يدخل بها، فلما قبض رسول الله وولى الناس أبو بكر أتته العامرية والكندية وقد خطبتا فاجتمع أبو بكر وعمر وقالا لهما: اختار ان شئتما الحجاب وان شئتما الباه، فاختارتا الباه فتزوجتا فجذم أحد الزوجين وجن الاخر، قال عمر بن أذينة: فحدثت بهذا الحديث زرارة والفضيل فرويا عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال: ما نهى اللهعزوجل عن شيء إلّا وقد عصى فيه حتى لقد نكحوا أزواج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بعده، وذكر هاتين العامرية والكندية، ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : لو سألتم عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل ان يدخل بها أتحل لابنه؟ لقالوا: لا، فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أعظم حرمة من آبائهم.

٢٠٩ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن موسى بن بكر عن زرارة بن أعين عن أبي جعفرعليه‌السلام نحوه، وقال في حديثه: وهم يستحلون أن يتزوجوا أمهاتهم ان كانوا مؤمنين، وان أزواج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحرمة مثل أمهاتهم.

٢١٠ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب ان علياعليه‌السلام توفي عن أربع نسوة: أمامة وأمها زينب بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأسماء بنت عميس، وليلى التميمية، وأم البنين الكلابية، ولم يتزوجن بعده، وخطب المغيرة بن نوفل أمامة ثم أبو الهياج ابن أبي سفيان بن الحرث فروت عن عليٍّعليه‌السلام انه لا يجوز لازواج النبي والوصيعليهما‌السلام أن يتزوجن بغيره بعده، فلم تتزوج امرأة ولا أم ولد بهذه الرواية.

٢١١ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المصدر «سنى» بدل «سناة».

٢٩٩

عن إبراهيم بن أبي البلاد ويحيى بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم عن معاوية بن عمار قال: كنا عند أبي عبد اللهعليه‌السلام نحوا من ثلاثين رجلا إذ دخل أبي فرحب به أبو عبد اللهعليه‌السلام وأجلسه إلى جنبه واقبل عليه طويلا ثم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إنَّ لأبي معاوية حاجة فلو خفتم. فقمنا جميعا فقال لي أبي: ارجع يا معاوية فرجعت فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : هذا ابنك؟ قال: نعم وهو يزعم أنّ أهل المدينة يصنعون شيئا لا يحل لهم؟ قال: وما هو؟ قلت: إنَّ المرأة القرشية والهاشمية تركب وتضع يدها على رأس الأسود وذراعها على عنقه فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا بنى اما تقرء القرآن؟ قلت: بلى. قال: اقرأ هذه الاية( لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَ ) حتى بلغ وما ملكت ايمانهن ثم قال: يا بنى لا بأس أنْ يرى المملوك الشعر والساق.

٢١٢ ـ في تفسير علي بن إبراهيم ثم ذكر ما فضل الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال جل ذكره( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) قال صلوات الله عليه تزكية له وثناء عليه وصلوة الملائكة مدحهم له وصلوة الناس دعائهم له والتصديق والإقرار بفضله، وقوله تعالى: «وسلموا تسليما» يعنى سلموا له بالولاية وبما جاء به.

٢١٣ ـ في عيون الأخبار في باب ذكر مجلس الرضاعليه‌السلام مع المأمون في الفرق بين العترة والامة حديث طويل وفيه: قالت العلماء: فأخبرنا هل فسر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب؟ فقال الرضاعليه‌السلام : فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثنى عشر موطنا وموضعا، إلى قولهعليه‌السلام : اما الاية السابعة فقوله تعالى:( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وقد علم المعاندون منهم انه لما نزلت هذه الاية قيل: يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك فكيف الصلوة عليك؟ فقال تقولون: أللّهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد، فهل بينكم معاشر الناس في هذا خلاف؟ قالوا: لا، قال المأمون: هذا مما لا خلاف فيه أصلا وعليه إجماع الامّة فهل عندك في "الآل" شيءٌ أوضح من هذا في القرآن؟ قال أبو الحسنعليه‌السلام : نعم أخبرونى عن قول الله

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

4 ـ إنّه تحدّث عمّا يجب أنْ يتّصفَ به الإمام والقائد لمسيرة الاُمّة مِنْ الصفات ، وهي :

أ ـ العمل بكتاب الله.

ب ـ الأخذ بالقسط.

ج ـ الإداناة بالحقّ.

د ـ حبس النفس على ذات الله.

ولم تتوفّر هذه الصفات الرفيعة إلاّ في شخصيته الكريمة التي تحكي اتّجاهات الرسول (صلّى الله عليه وآله) ونزعاته.

وتسلّم مسلم هذه الرسالة ، وقد أوصاه الإمام بتقوى الله وكتمان أمره(1) ، وغادر مسلم مكّة ليلة النصف مِنْ رمضان(2) ، وعرج في طريقه على يثرب فصلّى في مسجد الرسول (صلّى الله عليه وآله) وطاف بضريحه ، وودّع أهله وأصحابه(3) ، وكان ذلك هو الوداع الأخير لهم ، واتّجه صوب العراق وكان معه قيس بن مسهر الصيداوي ، وعمارة بن عبد الله السلولي وعبد الرحمن بن عبد الله الأزدي ، واستأجر مِنْ يثرب دليلين مِنْ قيس يدلاّنه على الطريق(4) .

وسارت قافلة مسلم تجذّ في السير لا تلوي على شيء ، يتقدّمها الدليلان وهما يتنكبان الطريق ؛ خوفاً مِن الطلب فضلاً عن الطريق ، ولم يهتديا له وقد أعياهما السير واشتدّ بهما العطش ، فأشارا إلى مسلم بسنن الطريق بعد

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير 3 / 267.

(2) مروج الذهب 2 / 86.

(3) تاريخ الطبري 6 / 198.

(4) الأخبار الطوال / 231 ، تاريخ ابن الأثير 3 / 267.

٣٤١

أنْ بان لهما وتوفيا في ذلك المكان حسبما يقوله المؤرّخون(1) ، وسار مسلم مع رفقائه حتّى أفضوا إلى الطريق ووجدوا ماءً فأقاموا فيه ؛ ليستريحوا ممّا ألمَّ بهمْ مِنْ عظيم الجهد والعناء.

رسالة مسلم للحُسين (عليهما السّلام) :

ويقول المؤرّخون : إنّ مسلم تخوّف مِنْ سفره وتطيّر بعد أنْ أصابه مِن الجهد وموت الدليلين ، فرفع للإمام رسالة يرجو فيها الاستقالة مِنْ سفارته ، وهذا نصها : أمّا بعد ، فإنّي أقبلت مِن المدينة مع دليلين ، فجازا(2) عن الطريق فضلاّ ، واشتدّ عليهما العطش فلمْ يلبثا أنْ ماتا ، وأقبلنا حتّى انتهينا إلى الماء فلمْ ننجُ إلاّ بحشاشة أنفسنا ، وذلك الماء بمكان يدعى (المضيق) مِنْ بطن الخبث ، وقد تطيّرت مِنْ توجّهي هذا ، فإنْ رأيت أعفيتني مِنه وبعثت غيري ، والسّلام.

جواب الحُسين (عليه السّلام) :

وكتب الإمام الحُسين جواباً لرسالة مسلم ندد فيه بموقفه واتّهمه بالجبن ، وهذا نصها : أمّا بعد ، فقد خشيت أنْ لا يكون حمَلَك على الكتاب إليّ في الاستعفاء مِن الوجه الذي وجّهتك له إلاّ الجبن ، فامضِ لوجهك الذي

__________________

(1) الإرشاد / 227.

(2) جازا عن الطريق : أي تركاه خلفهما.

٣٤٢

وجّهتك فيه ، والسّلام(1) .

أضواء على الموضوع :

وأكبر الظنّ أنّ رسالة مسلم مع جواب الإمام مِن الموضوعات ، ولا نصيب لها مِن الصحة ؛ وذلك لما يلي :

1 ـ إنّ مضيق الخبث الذي بعث منه مسلم رسالته إلى الإمام يقع ما بين مكّة والمدينة حسب ما نصّ عليه الحموي(2) ، في حين أنّ الرواية تنصّ على أنّه استأجر الدليلين مِنْ يثرب ، وخرجوا إلى العراق فضلّوا عن الطريق وماتا الدليلان. ومِن الطبيعي أنّ هذه الحادثة وقعت ما بين المدينة والعراق ولمْ تقع ما بين مكّة والمدينة.

2 ـ إنّه لو كان هناك مكان يُدعى بهذا الاسم يقع ما بين يثرب والعراق لمْ يذكره الحموي ، فإنّ السفر منه إلى مكّة ذهاباً وإياباً يستوعب زماناً يزيد على عشرة أيّام ، في حين أنّ سفر مسلم مِنْ مكّة إلى العراق قد حدّده المؤرّخون فقالوا : إنّه سافر مِنْ مكّة في اليوم الخامس عشر مِنْ رمضان وقدم إلى الكوفة في اليوم الخامس مِنْ شوال ، فيكون مجموع سفره عشرين يوماً ، وهي أسرع مدّة يقطعها المسافر مِنْ مكّة إلى المدينة ؛ فإنّ المسافة بينهما تزيد على ألف وستمئة كيلو متر.

وإذا استثنينا مِنْ هذه المدّة سفر رسول مسلم مِنْ ذلك المكان ورجوعه إليه فإنّ مدّة سفره مِنْ مكّة إلى الكوفة تكون أقلّ مِنْ عشرة أيّام ، ويستحيل عادة قطع تلك

__________________

(1) الإرشاد / 226 ، وفي الحدائق الوردية 1 / 117 خرج مسلم مِنْ مكّة حتّى أتى المدينة ، وأخذ منها دليلين ، فمرّا به في البريّة فأصابهما عطش فمات أحد الدليلين ، فكتب مسلم إلى الحُسين يستعفيه ، فكتب إليه الحُسين (عليه السّلام) : «أنْ امضِ إلى الكوفة».

(2) معجم البلدان 2 / 343.

٣٤٣

المسافة بهذه الفترة مِن الزمن.

3 ـ إنّ الإمام اتّهم مسلماً في رسالته بالجبن ، وهو يناقض توثيقه له مِنْ أنّه ثقته وكبير أهل بيته والمبرز بالفضل عليهم ، ومع اتّصافه بهذه الصفات كيف يتّهمه بالجبن؟!

4 ـ إنّ اتّهام مسلم بالجبن يتناقض مع سيرته ؛ فقد أبدى هذا البطل العظيم مِن البسالة والشجاعة النادرة ما يبهر العقول ، فإنّه حينما انقلبت عليه جموع أهل الكوفة قابلها وحدّه مِنْ دون أنْ يعينه أو يقف إلى جنبه أيّ أحد ، وقد أشاع في تلك الجيوش المكثّفة القتل ممّا ملأ قلوبهم ذعراً وخوفاً ، ولمّا جيء به أسيراً إلى ابن زياد لمْ يظهر عليه أيّ ذلّ أو انكسار.

ويقول فيه البلاذري : إنّه أشجع بني عقيل وأرجلهم(1) ، بل هو أشجع هاشمي عرفه التاريخ بعد أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام).

إنّ هذا الحديث مِن المفتريات الذي وضِعَ للحطّ مِنْ قيمة هذا القائد العظيم الذي هو مِنْ مفاخر الاُمّة العربية والإسلاميّة.

في بيت المختار :

وسار مسلم يطوي البيداء حتّى دخل الكوفة فاختار النزول في بيت المختار الثقفي(2) ، وهو مِنْ أشهر أعلام الشيعة وأحد سيوفهم ومِنْ أحبّ الناس وأنصحهم للإمام الحُسين.

__________________

(1) أنساب الأشراف 1 / ق 1.

(2) الإرشاد / 226 ، تاريخ ابن الأثير 3 / 267 ، وقيل : نزل مسلم في بيت مسلم بن عوسجة ، وقيل : نزل في بيت هانئ بن عروة ، جاء ذلك في كلّ مِن الإصابة 1 / 332 ، وتهذيب التهذيب.

٣٤٤

لقد اختار مسلم النزول في بيت المختار دون غيره مِنْ زعماء الشيعة ؛ وذلك لوثوقه بإخلاصه للإمام الحُسين وتفانيه في حبّه ، كما أنّ هناك عاملاً آخر له أهمّيته ، فقد كان المختار زوجاً لعمرة بنت النعمان بن بشير حاكم الكوفة ، ولا شك أنّ يده لنْ تمتد إلى المسلم طالماً كان مقيماً في بيت صهره المختار ، وقد دلّ ذلك على إحاطة مسلم بالشؤون الاجتماعية.

وفتح المختار أبواب داره لمسلم وقابله بمزيد مِن الحفاوة والتكريم ، ودعا الشيعة إلى مقابلته ، فأقبلوا إليه مِنْ كلّ حدب وصوب وهم يظهرون له الولاء والطاعة.

ابتهاج الكوفة :

وعمّت الأفراح بمقدم مسلم جميع الأوساط الشيعية في الكوفة ، وقد وجد منهم مسلم ترحيباً حارّاً وتأييداً شاملاً ، وكان يقرأ عليهم رسالة الحُسين وهم يبكون ويبدون التعطّش لقدومه والتفاني في نصرته ؛ لينقذهم مِنْ جور الاُمويِّين وظلمهم ويعيد في مصرهم حكم الإمام أمير المؤمنين ، مؤسس العدالة الكبرى في الأرض ، وكان مسلم يوصيهم بتقوى الله وكتمان أمرهم حتّى يقدم إليهم الإمام الحُسين.

البيعة للحُسين (عليه السّلام) :

وانثالت الشيعة على مسلم تبايعه للإمام الحُسين (عليه السّلام) ، وكانت صيغة البيعة الدعوة إلى كتاب الله وسنّة رسوله وجهاد الظالمين ، والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين وقسمة الغنائم بين المسلمين بالسويّة ، وردّ المظالم إلى

٣٤٥

أهلها ونصرة أهل البيت (عليهم السّلام) ، والمسالمة لمَنْ سالموا والمحاربة لمَنْ حربوا. وقد شبّه السيّد المقرّم هذه البيعة ببيعة الأوس والخزرج للنّبي (صلّى الله عليه وآله)(1) ، وكان حبيب بن مظاهر الأسدي يأخذ البيعة منهم للحُسين(2) .

كلمة عابس الشاكري :

وانبرى المؤمن الفذ عابس بن شبيب الشاكري فأعرب لمسلم عن ولائه الشخصي واستعداده للموت في سبيل الدعوة ، إلاّ إنّه لمْ يتعهد له بإيّ أحد مِنْ أهل مصره قائلاً : أمّا بعد ، فإنّي لا أخبرك عن الناس ولا أعلم ما في أنفسهم وما أغرّك منهم. والله ، إنّي محدّثك عمّا أنا موطّن عليه نفسي. والله ، لاُجيبنَّكم إذا دعوتم ولاُقاتلنَّ معكم عدوكم ، ولأضربنَّ بسيفي دونكم حتّى ألقى الله ، لا أريد بذلك إلاّ ما عند الله.

وقد صدق عابس ما عاهد عليه الله ؛ فلمْ يخن ضميره ففدى بنفسه ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) واستشهد بين يديه في كربلاء. وانبرى حبيب ابن مظاهر فخاطب عابساً قائلاً له : رحمك الله ، فقد قضيت ما في نفسك بواجز مِنْ قولك ، وأنا والله الذي لا إله إلاّ هو على مثل ما أنت عليه.

واندفع سعيد الحنفي فأيّد مقالة صاحبيه(3) ، وهؤلاء الأبطال مِنْ

__________________

(1) الشهيد مسلم بن عقيل / 103.

(2) الحدائق الوردية 1 / 125 مِنْ مخطوطات مكتبة الإمام كاشف الغطاء العامّة.

(3) تاريخ الطبري 6 / 199.

٣٤٦

أنبل مَنْ عرفهم التاريخ صدقاً ووفاءً ، فقد بذلوا أرواحهم بسخاء إلى الإمام الحُسين واستشهدوا بين يديه في كربلاء.

عدد المبايعين :

وتسابقت جماهير الكوفة إلى بيعة الحُسين على يد سفيره مسلم بن عقيل ، وقد اختلف المؤرّخون في عدد مَنْ بايعه ، وهذه بعض الأقوال :

1 ـ أربعون ألفاً(1) .

2 ـ ثلاثون ألفاً ، ومِنْ بينهم حاكم الكوفة النعمان بن بشير(2) .

3 ـ ثمانية وعشرون ألفاً(3) .

4 ـ ثمانية عشر ألفاً ، حسب ما جاء في رسالة مسلم إلى الحُسين ، يقول فيها : وقد بايعني مِنْ أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً فعجل الإقبال(4) .

__________________

(1) شرح شافية أبي فراس 1 / 90 مِنْ مصوّرات مكتبة الإمام الحكيم ، مثير الأحزان لابن نما / 11.

(2) دائرة معارف وجدي 3 / 444 ، حقائق الأخبار عن دول البحار ، روضة الأعيان في أخبار مشاهير الزمان ـ محمد بن أبي بكر المتوفى سنة (730 هـ) / 67 مِنْ مصوّرات مكتبة الحكيم ، مناقب الإمام علي بن أبي طالب / 13 ، وجاء فيه : أنّ النعمان قال : يا أهل الكوفة ، ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أحبّ إليكم مِن ابن بنت بجدل.

(3) تاريخ أبي الفداء 1 / 300.

(4) تاريخ الطبري 6 / 224.

٣٤٧

5 ـ اثنا عشر ألفاً(1) .

رسالة مسلم للحُسين :

وازداد مسلم إيماناً ووثوقاً بنجاح الدعوة حينما بايعه ذلك العدد الهائل مِنْ أهل الكوفة ، فكتب للإمام يستحثّه فيها على القدوم إليهم ، وكان قد كتبها قبل شهادته ببضع وعشرين ليلة(2) ، وهذا نصها : أمّا بعد ، فإنّ الرائد لا يكذب أهله ، وقد بايعني مِنْ أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً(3) فعجّل حين يأتيك كتابي ، فإنّ الناس كلّهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوي(4) .

لقد كتب مسلم هذه الرسالة ؛ لأنّه لمْ يرَ أيّة مقاومة لدعوته ، وإنّما رأى إجماعاً شاملاً على بيعة الإمام وتلهّفاً حارّاً لرؤيته ، وحمل الكتاب جماعة مِنْ أهل الكوفة وعليهم البطل العظيم عابس الشاكري ، وقدم الوفد مكّة المكرّمة وسلّم الرسالة إلى الإمام ، وقد استحثّوه على القدوم إلى الكوفة وذكروا إجماع أهلها على بيعته وما قالاه مسلم مِن الحفاوة البالغة منهم ؛ وعند ذلك تهيأ الإمام إلى السفر للكوفة.

__________________

(1) مروج الذهب 3 / 4 ، الصراط السوي في مناقب آل النّبي / 86 مِنْ مصوّرات مكتبة الإمام الحكيم ، تهذيب التهذيب 2 / 350 ، الإصابة 1 / 332 ، الحدائق الوردية 1 / 117.

(2) أنساب الأشراف 1 / ق 1.

(3) وفي رواية البلاذري (إنّ جميع أهل الكوفة معك).

(4) تاريخ الطبري 6 / 224.

٣٤٨

موقف النعمان بن بشير :

كان موقف النعمان بن بشير(1) من الثورة موقفاً يتّسم باللين والتسامح ، وقد اتّهمه الحزب الاُموي بالضعف ، أو التضاعف في حفظ مصلحة الدولة والاهتمام بسلامتها ، فأجابهم : لأنْ أكون ضعيفاً وأنا في طاعة الله أحبّ إليّ مِنْ أن أكون قويّاً في معصية الله ، وما كنت لأهتك ستراً ستره الله(2) .

وقد أعطى الشيعة بموقفه هذا قوّة وشجعهم على العمل ضد الحكومة علناً ، ولعلّ سبب ذلك يعود لأمرين :

1 ـ إنّ مسلم بن عقيل كان ضيفاً عند المختار ، وهو زوج ابنته عمرة ، فلم يعرض للثوار بسوء رعايةً للمختار.

__________________

(1) النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي ، كان قد ولاّه معاوية الكوفة بعد عبد الرحمن بن الحكم ، وكان عثماني الهوى ؛ يجاهر ببغض علي ويسيء القول فيه ، وقد حاربه يوم الجمل وصفين ، وسعى بإخلاص لتوطيد المُلْك إلى معاوية ، وهو الذي قاد بعض الحملات الإرهابيّة على بعض المناطق العراقيّة. ويقول المحقّقون : إنّه كان ناقماً على يزيد ، ويتمنّى زوال المُلْك عنه شريطة أنْ لا تعود الخلافة لآل علي (عليه السّلام). ومِن الغريب في شأن هذا الرجل أنّ يزيد لمّا أوقع بأهل المدينة وأباحها لجنده ثلاثة أيّام لمْ يثأر النعمان لكرامة وطنه وقومه ، وفي الإصابة 3 / 530 إنّه لمّا هلك يزيد دعا النعمان إلى ابن الزّبير ، ثمّ دعا إلى نفسه فقاتله مروان ، فقُتل وذلك في سنة (65 هـ). وكان شاعراً مجيداً ، له ديوان شعر طُبع حديثاً.

(2) سير أعلام النبلاء 3 / 206.

٣٤٩

2 ـ إنّ النعمان كان ناقماً على يزيد ؛ وذلك لبغضه للأنصار. فقد أغرى الأخطل الشاعر المسيحي في هجائهم ، فثار لهم النعمان كما ألمعنا إلى ذلك في البحوث السابقة ، ولعل لهذا ولغيره لمْ يتّخذ النعمان أيّ إجراء مضاد للثورة.

خطبة النعمان :

وأعطى النعمان للشيعة قوّة في ترتيب الثورة وتنظيماً ، وهيأ لهم الفرص في أحكام قواعدها ممّا ساء الحزب الاُموي ، فأنكروا عليه ذلك وحرّضوه على ضرب الشيعة ، فخرج النعمان وصعد المنبر فأعلن للناس سياسته المتّسمة بالرفق ، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : أمّا بعد ، فاتّقوا الله عباد الله ، ولا تُسارعوا إلى الفتنة والفرقة ؛ فإنّ فيها تهلك الرجال وتُسفك الدماء وتُغصب الأموال. إنّي لمْ اُقاتل مَنْ لمْ يُقاتلني ، ولا أثب على مَنْ لا يثب عليّ ، ولا اُشاتمكم ، ولا أتحرّش بكم ، ولا آخذ بالقرف(1) ولا الظنّة ولا التّهمة ، ولكنّكم إنْ أبديتم صفحتكم لي ونكثتم بيعتكم وخالفتم إمامكم ، فوالله الذي لا إله إلاّ هو ، لأضربنّكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولو لمْ يكن منكم ناصر. أما إنّي أرجو أنْ يكون مَنْ يعرف الحقّ منكم أكثر ممّنْ يرديه الباطل(2) .

وليس في هذا الخطاب أيّ ركون إلى وسائل العنف والشدّة ، وإنّما كان فيه تحذير مِنْ مغبّة الفتنة وحبّ للعافية ، وعدم التعرّض لمَنْ لا يثب على السلطة ، وعدم أخذ الناس بالظنّة والتّهمة كما كان يفعل زياد بن أبيه

__________________

(1) القرف : التهمة.

(2) تاريخ ابن الأثير 3 / 267.

٣٥٠

والي العراق. وعلّق أنيس زكريا على خطاب النعمان بقوله :

ولنا مِنْ خطبه ـ أيّ خطب النعمان ـ في الكوفة برهان آخر على أنّه كان يرى الفتنة يقظى ولا بد أنْ تشتعل ، وإنّه لنْ يهاجم القائمين بها قبل أنْ يهاجموه ، فجعل لأنصارها قوّة وطيدة الأركان ويداً فعالة في ترتيب المؤامرة وتنظيمها على الأسس المتينة(1) .

سخط الحزب الاُموي :

وأغضبت سياسة النعمان عملاء الحكم الاُموي ، فانبرى إليه عبد الله بن مسلم الحضرمي حليف بني اُميّة ، فأنكر خطّته قائلاً : إنّه لا يصلح ما ترى إلاّ الغشم(2) ، وإنّ هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوّك رأي المستضعفين!(3) .

ودافع النعمان عن نفسه بأنّه لا يعتمد على أيّة وسيلة تبعده عن الله ، ولا يسلك طريقاً يتجافى مع دينه ، وقد استبان للحزب الاُموي ضعف النعمان وانهياره أمام الثورة.

اتصال الحزب الاُموي بدمشق :

وفزع الحزب الاُموي مِنْ تجاوب الرأي العام مع مسلم واتّساع نطاق الثورة ، في حين أنّ السلطة المحليّة أغضّت النظر عن مجريات الأحداث

__________________

(1) الدولة الاُمويّة في الشام / 41.

(2) الغشم : الظلم.

(3) تاريخ ابن الأثير 3 / 267.

٣٥١

وقد اتّهمتها بالضعف أو بالتواطؤ مع الثوار ، وقام الحزب الاُموي باتّصال سريع بحكومة دمشق ، وطلبوا منها اتّخاذ الإجراءات الفورية قبل أنْ يتّسع نطاق الثورة ، ويأخذ العراق استقلاله وينفصل عن التبعية لدمشق.

ومِنْ بين الرسائل التي وفدت على يزيد رسالة عبد الله الحضرمي ، جاء فيها : أمّا بعد ، فإنّ مسلم بن عقيل قدم الكوفة وبايعته الشيعة للحُسين بن علي ، فإنْ كان لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قويّاً ينفّذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوّك ؛ فإنّ النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعّف(1) .

وتدعو هذه الرسالة إلى إقصاء النعمان عن مركزه ، واستعمال شخص آخر مكانه قوي البطش ؛ ليتمكن مِن القضاء على الثورة ، فإنّ النعمان لا يصلح للقضاء عليها. وكتب إليه بمثل ذلك عمارة بن الوليد بن عقبة وعمر بن سعد.

فزع يزيد :

وفزع يزيد حينما توافدت عليه رسائل عملائه في الكوفة بمبايعة أهلها للحُسين ، فراودته الهواجس وظلّ ينفق ليله ساهراً يطيل التفكير في الأمر ؛ فهو يعلم أنّ العراق مركز القوّة في العالم الإسلامي وهو يبغضه ويحقد على أبيه ، فقد أصبح موتراً منهم لما صبّوه عليه مِن الظلم والجور ، وإنّ كراهية أهل العراق ليزيد لا تقلّ عن كراهيتهم لأبيه ، كما إنّه على

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير 3 / 267.

٣٥٢

يقين أنّ الأغلبية الساحقة في العالم الإسلامي تتعطّش لحكم الإمام الحُسين ؛ لأنّه المثل الشرعي لجدّه وأبيه ولا يرضون بغيره بديلاً.

استشارته لسرجون :

وأحاطت الهواجس بيزيد وشعر بالخطر الذي يهدّد مُلْكه فاستدعى سرجون الرومي ، وكان مستودع أسرار أبيه ومِنْ أدهى الناس ، فعرض عليه الأمر ، وقال له : ما رأيك إنّ حُسيناً قد توجّه إلى الكوفة ، ومسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحُسين ، وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيئ ، فما ترى مَنْ أستعمل على الكوفة؟

وتأمّل سرجون وأخذ يطيل التفكير ، فقال له : أرأيت أنّ معاوية لو نُشر أكنت آخذاً رأيه؟ فقال يزيد : نعم. فأخرج سرجون عهد معاوية لعبيد الله بن زياد على الكوفة ، وقال : هذا رأي معاوية وقد مات ، وقد أمر بهذا الكتاب(1) .

أمّا دوافع سرجون في ترشيح ابن زياد لولاية الكوفة فهي لا تخلو مِنْ أمرين :

1 ـ إنّه يعرف قسوة ابن زياد وبطشه وأنّه لا يقوى أحد على إخضاع العراق غيره ؛ فهو الذي يتمكّن مِن القضاء على الثورة بما يملك مِنْ وسائل الإرهاب والعنف.

2 ـ إنّه قد دفعته العصبية القومية لهذا الترشيح ؛ فإنّ ابن زياد رومي.

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير 3 / 268.

٣٥٣

ولاية ابن زياد على الكوفة :

وكان يزيد ناقماً على ابن زياد كأشدّ ما تكون النقمة ، وأراد عزله عن البصرة(1) ؛ وذلك لمعارضة أبيه في البيعة له ، إلاّ إنّه استجاب لرأي سرجون ؛ فقد رأى فيه الحفاظ على مصلحة دولته ، فعهد له بولاية الكوفة والبصرة ، وبذلك فقد خضع العراق بأسره لحكمه ، وكتب إليه هذه الرسالة : أمّا بعد ، فإنّه كتب إليّ شيعتي مِنْ أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشقّ عصا المسلمين ، فسرْ حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتّى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه ، والسّلام.

وأشارت هذه الرسالة إلى مدى قلق السلطة في دمشق وفزعها مِنْ مسلم بن عقيل ، وقد شدّدت على ابن زياد في الإسراع بالسفر إلى الكوفة لإلقاء القبض عليه.

وتنصّ بعض المصادر أنّ يزيد كتب إلى ابن زياد : إنْ كان لك جناحان فطر إلى الكوفة(2) ، وهذا ممّا ينبئ عن الخوف الذي ألمّ بيزيد مِنْ الثورة في العراق. وحمل مسلم بن عمرو الباهلي العهد لابن زياد بولاية الكوفة مع تلك الرسالة.

ويقول المؤرّخون : إنّ الباهلي كان مِنْ عيون بني اُميّة في الكوفة ومِنْ أهمّ عملائهم ، كما كان مِنْ أجلاف العرب ، وهو الذي ضنّ على مسلم أنْ يشرب جرعة مِن الماء حينما جيء به أسيراً إلى ابن زياد.

__________________

(1) البداية والنهاية 8 / 152.

(2) سير أعلام النبلاء 3 / 201.

٣٥٤

وتسلّم ابن زياد مِن الباهلي العهد له بولاية الكوفة وقد طار فرحاً ؛ فقد تمّ له الحكم على جميع أنحاء العراق بعد ما كان مهدّداً بالعزل عن ولاية البصرة ، وقد سرّ ما خولته دمشق مِن الحكم المطلق على العراق.

وبما سوّغت له مِن استعمال الشدّة والقسوة وسفك الدماء لكلّ مَنْ لا يدخل في طاعة يزيد أو يشترك بأيّة مؤامرة ضدّه ، وكان هذا التفويض المطلق في استعمال القسوة على الناس ممّا يتّفق مع رغبات ابن زياد وميوله ؛ فقد كان مِنْ عوامل استمتاعاته النفسية حبّ الجريمة والإساءة إلى الناس ، وعدم التردّد في سفك الدماء.

خطبة ابن زياد في البصرة :

وتهيأ ابن زياد لمغادرة البصرة والتوجّه إلى الكوفة ، وقبل مغادرته لها جمع الناس وخطب فيهم خطاباً قاسياً ، جاء فيه : إنّ أمير المؤمنين يزيد ولاّني الكوفة وأنا غاد إليها الغداة. فوالله ، إنّي ما تقرن بي الصعبة ولا يقعقع لي بالشنآن ، وإنّي لنكل لمَنْ عاداني وسمّ لمَنْ حاربني ، أنصف القارة مِنْ راماها.

يا أهل البصرة ، قد استخلفت عليكم عثمان بن زياد بن أبي سفيان ، وإيّاكم والخلاف والإرجاف ، فوالله الذي لا إله غيره ، لئن بلغني عن رجلٍ منكم خلاف لأقتلنّه وعرينه(1) ووليّه ، ولآخذنّ الأدنى بالأقصى حتّى تسمعوا لي ، ولا يكون فيكم مخالف ولا مشاق أنا ابن زياد أشبه

__________________

(1) العرين : الجماعة.

٣٥٥

بين مَنْ وطأ الحصا ، ولمْ ينتزعني شبه خال ولا ابن عم(1) .

ما أهون سفك الدماء عند اُولئك البرابرة الوحوش مِنْ ولاة بني اُميّة! لقد تحدّث الطاغية عن نفسيته الشريرة التي توغّلت في الإثم ، فهو يأخذ البريء بالسقيم والمقبل بالمدبر والأدنى بالأقصى ، ويقتل على الظنّة والتهمة كما كان يفعل أبوه زياد ، الذي أشاع القتل في ربوع العراق.

سفر الطاغية إلى الكوفة :

وسار الخبيث الدنس مِن البصرة متّجهاً إلى الكوفة ؛ ليقترف أعظم موبقة لمْ يقترفها شقي غيره ، وقد صحبه مِنْ أهل البصرة خمسمئة رجل فيهم عبد الله بن الحارث بن نوفل وشريك بن الأعور الحارثي(2) ، وهو مِنْ أخلص أصحاب الإمام الحُسين ، وقد صحب ابن زياد ليكون عيناً عليه ويتعرّف على خططه ، وقد صحب ابن زياد هذا العدد ليستعين بهم على بثّ الإرهاب وإذاعة الخوف بين الناس ، والاتصال بزعماء الكوفة لصرفهم عن الثورة.

وعلى أيّ حالٍ ، فقد أخذ ابن زياد يجذّ في السير لا يلوي على شيء قد واصل السير إلى الكوفة مخافة أنْ يسبقه الحُسين إليها ، وقد جهد أصحابه وأعياهم المسير ، فسقط منهم جماعة منهم عبد الله بن الحارث فلمْ يعبأ.

ولمّا ورد القادسية سقط مولاه (مهران) ، فقال له ابن زياد : إنْ أمسكت على هذا الحال فتنظر إلى القصر فلك مئة ألف. فقال له مهران : لا والله لا أستطيع. ونزل الطاغية فلبس ثياباً

__________________

(1) الطبري 6 / 200.

(2) الطبري 6 / 199.

٣٥٦

يمانية وعمامة سوداء وتلثّم ؛ ليوهم مَنْ رآه أنّه الحُسين ، وسار وحده فدخل الكوفة ممّا يلي النجف(1) ، وكان قلبه كجناح طائر مِنْ شدّة الخوف ، ولو كانت عنده مسكة مِن البسالة والشجاعة لما تنكّر وغيّر بزّته وأوهم على الناس أنّه الحُسين.

وقد تذرّع الجبان بهذه الوسائل لحماية نفسه ، وتنصّ بعض المصادر أنّه حبس نفسه عن الكلام خوفاً مِنْ أنْ يعرفه الناس فتأخذه سيوفهم.

في قصر الإمارة :

وأسرع الخبيث نحو قصر الإمارة(2) وقد علاه الفزع وساءه كأشدّ ما يكون الاستياء ؛ مِنْ تباشير الناس وفرحهم بقدوم الإمام الحُسين ،

__________________

(1) مقتل الحُسين ـ المقرم / 165.

(2) قصر الإمارة : هو أقدم بناية حكومية شُيّدت في الإسلام ، بناها سعد بن أبي وقاص ، وقد اندثرت معالمه كما اندثرت جميع معالم الكوفة ما عدا الجامع. وقد اهتمت مديرية الآثار العامّة في العراق بالتعرّف عليه ؛ فكشفت في مواسم مختلفة اُسسه ، وقد أظهرت نتائج الحفائر التي اُجريت عليه أنّه يتألّف مِنْ سور خارجي يضمّ أربعة جدران ، تقريباً طولها 170 متراًً ، ومعدل سمكها 4 أمتار ، وتدعم كلّ ضلع مِنْ الخارج ستة أبراج نصف دائرية باستثناء الضلع الشمالي ، حيث يدعمها برجان فقط. والمسافة ما بين كلّ برج وآخر 24 و 60 سنتمتر ، وارتفاع هذا السور بأبراجه يصل إلى ما يقرب مِنْ عشرين متراً. وقد بُني القصر بناء محكماً ، وصُمّمت هندسته على غاية حربية ؛ ليكون في حماية آمنة مِنْ كلّ غزو خارجي ، جاء ذلك في تخطيط مدينة الكوفة للدكتور كاظم الجنابي / 135 ـ 155 =

٣٥٧

ولمّا انتهى إلى باب القصر وجده مغلقاً والنعمان بن بشير مشرف مِنْ أعلا القصر ، وكان قد توهّم أنّ القادم هو الحُسين ؛ لأنّ أصوات الناس قد تعالت بالترحيب به والهتاف بحياته ، فانبرى يخاطبه : ما أنا بمؤدٍ إليك أمانتي يا بن رسول الله ، ومالي في قتالك مِنْ إرب.

ولمس ابن مرجانة في كلام النعمان الضعف والانهيار فصاح به بنبرات تقطر غيظاً : افتحْ لا فتحت ، فقد طال ليلك. ولمّا تكلم عرفه بعض مَنْ كان خلفه فصاح بالناس : إنّه ابن مرجانة وربّ الكعبة!

ومِن الغريب أنّ ذلك المجتمع لمْ يُميّز بين الإمام الحُسين وبين ابن مرجانة ، مع أنّ كلاً منهما قد عاش فترة في ديارهم ؛ ولعلّ الذي أوقعهم في ذلك تغيير ابن زياد لبزّته ولبسه للعمامة السوداء.

وعلى أيّ حالٍ ، فإنّ الناس حينما علموا إنّه ابن زياد جفلوا وخفّوا مسرعين إلى دورهم وهم يتحدّثون عمّا عانوه مِن الظلم والجور أيّام أبيه ، وقد أوجسوا مِنْ عبيد الله الشرّ.

وبادر ابن زياد في ليلته فاستولى على المال والسّلاح ، وأنفق ليله ساهراً قد جمع حوله عملاء الحكم الاُموي ، فأخذوا يحدّثونه عن الثورة ويعرّفونه بأعضائها البارزين ، ويضعون معه المخططات للقضاء عليها.

__________________

= وقد وقفت عليه غير مرّة ، وتطلّعت إلى كثير مِنْ معالمه ، ففي بعض أبوابه الرئيسة مظلاّت لحرّاس القصر قد ردمت ولمْ يبقَ منها إلاّ بعض معالمها ، وفي جانب منه بعض الغرف التي اُعدّت للسجن ، وقد صُمّمت بشكل غريب ، وفي جانب منه مطابخ القصر ـ ولم يشر الاُستاذ الجنابي إليها ـ وقد اُحكم بناء القصر حتّى كان مِن المتعذّر اقتحامه والاستيلاء عليه.

٣٥٨

خطابه في الكوفة :

وعندما انبثق نور الصبح أمر ابن مرجانة بجمع الناس في المسجد الأعظم ، فاجتمعت الجماهير وقد خيّم عليها الذعر والخوف ، وخرح ابن زياد متقلداً سيفه ومعتمّاً بعمامة ، فاعتلى أعواد المنبر وخطب الناس ، فقال : أمّا بعد ، فإنّ أمير المؤمنين أصلحه الله ولاّني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم ، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم وبالشدّة على مريبكم ، فأنا لمطيعكم كالوالد البرّ الشفيق ، وسيفي وسوطي على مَنْ ترك أمري وخالف عهدي ، فليبق امرؤ على نفسه الصدق ينبئ عنك لا الوعيد(1) .

وحفل هذا الخطاب بما يلي :

1 ـ إعلام أهل الكوفة بولايته على مصرهم وعزل النعمان بن بشير عنه.

2 ـ تعريفهم أنّ حكومة دمشق قد عهدت له بالإحسان على مَنْ يتبع السلطة ولمْ يتمرّد عليها ، واستعمال الشدّة والقسوة على الخارجين عليها.

ولمْ يعرض ابن مرجانة في خطابه للإمام الحُسين وسفيره مسلم ؛ خوفاً مِن انتفاضة الجماهير عليه وهو بعدُ لمْ يحكم أمره.

__________________

(1) مقاتل الطالبيِّين / 97.

٣٥٩

نشر الإرهاب :

وعمد ابن زياد إلى نشر الإرهاب وإذاعة الخوف ، ويقول بعض المؤرّخين : إنّه لمّا أصبح ابن زياد بعد قدومه إلى الكوفة صالَ وجالَ وأرعدَ وأبرقَ ، وأمسكَ جماعةً مِنْ أهل الكوفة فقتلهم في الساعة(1) ، وقد عمد إلى ذلك لإماتة الأعصاب وصرف الناس عن الثورة.

وفي اليوم الثاني أمر بجمع الناس في المسجد وخرج إليهم بزي غير ما كان يخرج به ، فخطب فيهم خطاباً عنيفاً تهدّد فيه وتوعّد ، فقد قال بعد حمد الله والثناء عليه : أمّا بعد ، فإنّه لا يصلح هذا الأمر إلاّ في شدّة مِنْ غير عنف ولين مِنْ غير ضعف ، وأنْ أخذ البريء بالسقيم ، والشاهد بالغائب ، والولي بالولي.

فانبرى إليه رجل مِنْ أهل الكوفة يُقال له : أسد بن عبد الله المرّي فردّ عليه : أيّها الأمير ، إنّ الله تبارك وتعالى يقول :( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) ‏ ، إنّما المرء بجدّه ، والسيف بحدّه ، والفرس بشدّه ، وعليك أنْ تقول وعلينا أنْ نسمع ، فلا تقدّم فينا السيئة قبل الحسنة.

وأُفحم ابن زياد فنزل عن المنبر ودخل قصر الإمارة(2) .

__________________

(1) الفصول المهمة / 197 ، وسيلة المال / 186.

(2) الفتوح 5 / 67.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652