تفسير نور الثقلين الجزء ٤

تفسير نور الثقلين9%

تفسير نور الثقلين مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 652

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 652 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 300756 / تحميل: 6171
الحجم الحجم الحجم
تفسير نور الثقلين

تفسير نور الثقلين الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

_ ٨ _

ترك التكبير المسنون فى الصلوات

أخرج الطبراني ( وفي نيل الأوطار: الطبري ) عن أبي هريرة: إنَّ أوَّل من ترك التكبير معاوية، وروى أبو عبيد: انَّ أوَّل من تركه زياد.

وأخرج ابن أبي شيبة من طريق سعيد بن المسيب انّه قال: أوَّل من نقّص التكبير معاوية.(١)

قال ابن حجر في فتح الباري ٢: ٢١٥: هذا لا ينافي الذي قبله، لانّ زياداً تركه بترك معاوية. وكان معاوية تركه بترك عثمان(٢) ، وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الإخفاء.

وفي الوسائل الى مسامرة الأوائل ص ١٥: أوَّل من نقّص التكبير معاوية كان إذا قال: سمع الله لمن حمده. انحطّ إلى السجود فلم يكبّر، وأسنده العسكري عن الشعبي، وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: اوّل من نقّص التكبير زياد.

وفي نيل الأوطار للشوكاني ٢: ٢٦٦: هذه الروايات غير متنافية، لانَّ زياداً تركه بترك معاوية، وكان معاوية تركه بترك عثمان وقد حمل ذلك جماعة من اهل العلم على الإخفاء، وحكى الطحاوي: انَّ بني اميّة كانوا يتركون التكبير في الخفض دون الرفع، وما هذه بأوّل سنّة تركوها.

وأخرج الشافعي في كتابه « الامّ » ١: ٩٣ من طريق أنس بن مالك قال: صلّى معاوية بالمدينة صلاة فجهر فيها بالقرائة فقرأ بسم الله الرَّحمن الرَّحيم لامّ القرآن ولم يقراً بها للسورة التي بعدها حتى قضى تلك القرائة، ولم يكبّر حين يهوي حتى قضى تلك - الصَّلاة، فلمّا سلّم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين من كلّ مكان: يا معاوية؟ أسرقت الصَّلاة أم نسيت؟ فلمّا صلّى بعد ذلك قرأ بسم الله الرَّحمن الرَّحيم للسورة التي بعد امّ القرآن وكبّر حين يهوي ساجداً.

وأخرج في كتاب « الامّ » ١: ٩٤. من طريق عبيد بن رفاعة: أنَّ معاوية قدم المدينة

____________________

١ - فتح البارى ٢: ٢١٥، تاريخ الخلفاء للسيوطى ص ١٣٤، نيل الاوطار ٢: ٢٦٦، شرح الموطأ للزرقانى ١: ١٤٥.

٢ - أخرج حديثه أحمد فى مسنده من طريق عمران كما يأتي في المتن بعيد هذا.

٢٠١

فصلّى بهم فلم يقرأ ببسم الله الرَّحمن الرَّحيم ولم يكبّر إذا خفض وإذا رفع، فناداه المهاجرون حين سلّم والأنصار: أن يا معاوية! سرقت صلاتك؟ أين بسم الله الرَّحمن الرَّحيم؟ وأين التكبير إذا خفضت وإذا رفعت؟ فصلّى بهم صلاة اُخرى، فقال: ذلك فيما الذي عابوا عليه.

وأخرجه من طريق انس صاحب « الانتصار » كما في البحر الزخّار ١: ٢٤٩.

قال الأميني: تنمّ هذه الأحاديث عن أنّ البسملة لم تزل جزئاً من السورة منذ نزول القرآن الكريم، وعلى ذلك تمرّنت الاُمّة، وانطوت الضمائر، وتطامنت العقائد، و لذلك قال المهاجرون والأنصار لمـّا تركها معاوية: انَّه سرق ولم يتسنّ لمعاوية أن يعتذر لهم بعدم الجزئيَّة حتى إلتجأ إلى إعادة الصَّلاة مكلّلة سورتها بالبسملة، أوانَّه إلتزم بها في بقيَّة صلواته، ولو كان هناك يومئذ قولٌ بتجرّد السورة عنها لاحتجَّ به معاوية لكنّه قول حادث ابتدعوه لتبرير عمل معاوية ونظرائه من الأمويّين الذين اتّبعوه بعد تبيّن الرشد من الغيّ.

وأمّا التكبير عند كلِّ هويّ وانتصاب فهي سنَّة ثابتة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرفها الصحابة كافَّة فانكروا على معاوية تركها، وعليها كان عمل الخلفاء الأربعة، واستقرَّ عليها إجماع العلماء وهي مندوبةٌ عندهم عدا ما يؤثر عن أحمد في إحدى الروايتين عنه من وجوبها وكذلك عن بعض أهل الظاهر، واليك جملة ممّا ورد في المسئلة:

١ - عن مطرف بن عبد الله قال: صلّيت خلف عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنا وعمران بن حصين فكان إذا سجد كبّر، وإذا رفع رأسه كبّر، وإذا نهض من الركعتين كبّر، فلمّا قضى الصَّلاة أخذ بيدي عمران بن حصين فقال: قد ذكّرني هذا صلاة محمّد، أو قال: لقد صلّى بنا صلاة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي لفظ لأحمد: قال عمران: ما صلّيت منذ حين. أو قال: منذ كذا كذا أشبه بصلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه الصَّلاة. صلاة عليّ.

وفي لفظ آخر له: عن مطرف عن عمران قال: صلّيت خلف عليّ صلاةً ذكّرني صلاةً صلّيتها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والخليفتين قال: فانطلقت فصلّيت معه فإذا هو يكبّر كلّما سجد وكلّما رفع رأسه من الركوع فقلت: يا أبا نجيد مَن أوّل من تركه؟ قال عثمان بن عفّان رضي الله عنه حين كبر وضعف صوته تركه.

٢٠٢

صحيح البخاري ٢: ٥٧، ٧٠، صحيح مسلم ٢: ٨، سنن أبي داود ١: ١٣٣، سنن النسائي ٢: ٢٠٤، مسند أحمد ٤: ٤٢٨، ٤٢٩، ٤٣٢، ٤٤٠، ٤٤٤، البحر الزخّار ١: ٢٥٤.

٢ - عن أبي هريرة انّه كان يصلّي بهم فيكبّر كلّما خفض ورفع فإذا انصرف قال: إنّي لأشبهكم صلاة برسول الله. وفي لفظ للبخاري: فلم تزل تلك صلاته حتّى لقي الله.

راجع صحيح البخاري ٢: ٥٧، ٥٨، صحيح مسلم ٢: ٧ بعدّة طرق وألفاظ، سنن النسائي ٢: ١٨١، ٢٣٥، سنن أبي داود ١: ١٣٣، سنن الدارمي ١: ٢٨٥، المدوّنة الكبرى ١: ٧٣، نصب الراية ١: ٣٧٢، البحر الزخّار ١: ٢٥٥.

٣ - عن عكرمة قال: رأيت رجلاً عند المقام يكبّر في كلّ خفض ورفع وإذا قام وإذا وضع فأخبرت ابن عبّاس رضي الله عنه قال: أوَ ليس تلك صلاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا اُمَّ لك.

وفي لفظ: عن عكرمة صلّيت خلف شيخ بمكّة فكبّر ثنتين وعشرين تكبيرة، فقلت لإبن عبّاس: إنّه أحمق فقال: ثكلتك اُمّك سنّة أبي القاسمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

صحيح البخاري ٢: ٥٧، ٥٨، مسند أحمد ١: ٢١٨، البحر الزخّار ١: ٢٥٥.

قال الأميني: يظهر من هذه الرواية انّ تغيير الأمويّين هذه السنّة الشّريفة وفي مقدّمهم معاوية كان مطّرداً بين الناس حتى كادوا أن ينسوا السنّة فحسبوا مَن ناء بها أحمقاً، أو تعجّبوا منه كأنّه أدخل في الشريعة ما ليس منها، كلّ ذلكِ من جرّاء ما اقترفته يدا معاوية وحزبه الأثيمتان، وجنحت إليه ميولهم وشهواتهم، فبُعداً لأولئك القصيِّين عمّا جاء به محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٤ - عن عليّ وابن مسعود وأبي موسى الأشعري وأبي سعيد الخدري وغيرهم: انّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكبّر عند كلِّ خفض ورفع.

صحيح البخاري ٢: ٧٠، سنن الدارمي ١: ٢٨٥، سنن النسائي ٢: ٢٠٥، ٢٣٠، ٢٣٣، المدوَّنة الكبرى ١: ٧٣، نصب الراية ١: ٣٧٢، بدايع الصنايع ١: ٢٠٧، منتقى الأخبار لابن تيميَّة، البحر الزخّار ١: ٢٥٤.

٥ - أخرج أحمد وعبد الرزّاق والعقيلي من طريق عبد الرحمن بن غنم قال: إنّ أبا

٢٠٣

مالك الأشعري [الصحابيّ الشهير بكنيته] قال لقومه: قوموا حتى اصلّي بكم صلاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصففنا خلفه وكبّر. إلى آخر الحديث المذكور بطوله في ج ٨: ١٨١ وفيه انّه كبّر في كلّ خفض ورفع.

٦ - عن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكبّر كلّما خفض ورفع، فلم تزل تلك صلاته حتى قبضه الله.

المدوّنة الكبرى ١: ٧٣، نصب الراية ١: ٣٧٢.

٧ - في المدوّنة الكبرى ١: ٧٢: انَّ عمر بن عبد العزيز كتب إلى عمّاله يأمرهم أن يكبّروا كلّما خفضوا ورفعوا في الركوع والسجود إلّا في القيام من التَشهّد بَعد الركعتين لا يكبّر حتى يستوي قائماً مثل قول مالك.

هذه سنّة الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تكبير الصَّلوات عند كلِّ هويّ وانتصاب، وبها أخذ الخلفاء، وإليها ذهبت أئمّة المذاهب، وعليها استقرَّ الإجماع، غير أنّ معاوية يقابلها بخلافها ويغيرها برأيه ويتّخذ الأمويّون اُحدوثته سنّة متَّبعة تجاه ما جاء به نبيُّ الإسلام.

قال ابن حجر في فتح الباري ٢: ٢١٥ استقرَّ الأمر على مشروعيّة التكبير في الخفض والرفع لكلّ مصلٍّ، فالجمهور على ندبيّة ما عدا تكبيرة الإحرام، وعن أحمد وبعض اهل العلم بالظاهر يجب كلّه.

وقال في ص ٢١٦: أشار الطحاوي إلى أنّ الاجماع استقرّ على أنَّ مَن تركه فصلاته تامّة، وفيه نظر لما تقدّم عن أحمد، والخلاف في بطلان الصَّلاة بتركه ثابتٌ في مذهب مالك إلّا أن يريد إجماعاً سابقاً.

وقال النووي في شرح مسلم: اعلم أنّ تكبيرة الإحرام واجبةٌ وما عداها سنّة لو تركه صحّت صلاته لكن فاتته الفضيلة وموافقة السنّة، هذا مذهب العلماء كافّة إلّا أحمد بن حنبل رضي الله عنهم في إحدى الروايتين عنه انّ جميع التكبيرات واجبة.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار ٢: ٢٦٥: حكى مشروعيَّة التكبير في كلّ خفض ورفع عن الخلفاء الأربعة وغيرهم ومن بعدهم من التّابعين قال: وعليه عامّة الفقهاء والعلماء، وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصدِّيق، وعمر بن الخطاب، وابن مسعود،

٢٠٤

وابن عمر، وجابر، وقيس بن عباد، والشافعي، وأبي حنيفة، والثوري، والأوزاعي، ومالك، وسعيد بن عبد العزيز، وعامّة أهل العلم، وقال البغوي في شرح السنّة: اتَّفقت الاُمّة على هذه التكبيرات.

وعن ابن عبد البرّ في شرح الموطأ للزرقاني ١: ١٤٥: وقد اختلف في تاركه فقال ابن القاسم: إن أسقط ثلاث تكبيرات سجد لسهوه وإلّا بطلت، وواحدة أو اثنتين سجد أيضاً، فإن لم يسجد فلا شيىء عَليه، وقال عبد الله بن عبد الحكم وأصبغ: إن سها سجد فإن لم يَسجد فلا شيىء عَليه، وعَمداً أساء وصلاته صحيحة، وعلى هذا فقهاء الأمصار من الشافعيين والكوفيين واهل الحديث والمالكيّين إلّا مَن ذهب منهم مذهب ابن القاسم.

_ ٩ _

ترك التلبية خلافاً لعلىعليه‌السلام

أخرج النسائي في سننه ٥: ٢٥٣، والبيهقي في السنن الكبرى ٥: ١١٣ من طريق سعيد بن جبير قال: كان ابن عبّاس بعرفة فقال: يا سعيد! مالي لا أسمع الناس يلبّون؟ فقلت: يخافون معاوية. فخرج ابن عبّاس من فسطاطه فقال: لبِّيك أللهمّ لبيك، وإن رغم ألف معاوية، اللّهمّ العنهم فقد تركوا السنّة من بغض عليّ.

وقال السندي في تعليق سنن النسائي: ( من بغض عليّ ) أي لأجل بغضه، أي وهو كان يتقيَّد بالسنن فهؤلاء تركوها بغضاً له.

وفي كنز العمّال: عن ابن عبّاس قال: لعن الله فلاناً انّه كان ينهى عن التلبية في هذا اليوم يعني يوم عرفة، لأنَّ عليّاً كان يلبّي فيه. ابن جرير.

وفي لفظ أحمد في المسند ١: ٢١٧ عن سعيد بن جبير قال: أتيت ابن عبّاس بعرفة وهو يأكل رمّاناً فقال: أفطر رسول الله بعرفة وبعثت إليه امّ الفضل بلبن فشربه. وقال: لعن الله فلاناً عمدوا إلى أعظم أيّام الحجّ فمحوا زينته، وإنّما زينة الحجِّ التلبية. وحكاه في كنز العمّال عن ابن جرير الطبري.

وفي تاريخ ابن كثير ٨: ١٣٠ من طريق صحيح عن سفيان عن حبيب عن سعيد عن ابن عبّاس انّه ذكر معاوية وانّه لبّى عشيّة عرفة فقال فيه قولاً شديداً، ثمّ بلغه انّ

٢٠٥

عليّاً لبّى عشيَّة عرفة فتركه.

وقال ابن حزم في المحلّى ٧: ١٣٦: كان معاوية ينهى عن ذلك.

قال الأميني: إنّ السنَّة المسلّمة عند القوم استمرار التلبية إلى رمي جمرة العقبة أوّ لها أو آخرها على خلاف فيه. وإليك ما يؤثر منها عندهم:

١ - عن الفضل: أفضت مع النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عرفات فلم يزل يلبّي حتّى رمى جمرة العقبة، ويكبّر مع كلّ حصاة، ثمَّ قطع التلبية مع آخر حصاة. وفي لفظ: لم يزل يلبّي حتّى بلغ الجمرة.

صحيح البخاري ٣: ١٠٩، صحيح مسلم ٤: ٧١، صحيح الترمذي ٤: ١٥٠، قال: وفي الباب عن عليّ، وابن مسعود، وابن عبّاس، سنن النسائي ٥: ٢٦٨، ٢٧٥، ٢٧٦، سنن ابن ماجة ٢: ٢٤٤، سنن ابي داود ١: ٢٨٧، سنن الدارمي ٢: ٦٢، سنن البيهقي ٥: ١١٢، ١١٩، كتاب الامّ ٢: ١٧٤ وقال: وروى ابن مسعود عن النبيِّ مثله. ه. مسند أحمد ١: ٢٢٦، وأخرجه ابن خزيمة وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ مفسِّراً لما أبهم في الروايات الاُخرى(١) وقال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيرهم.

٢ - عن جابر بن عبد الله واسامة وابن عبّاس: إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لزم التلبية و لم يقطعها حتّى رمى جمرة العقبة.

راجع صحيح البخاري ٣: ١١٤، سنن ابن ماجة ٢: ٢٤٤، المحلّى ٧: ١٣٦، بدايع الصنايع ٢: ١٥٦.

٣ - عن عبد الرَّحمن بن يزيد: انَّ عبد الله بن مسعود لبّى حين أفاض من جمع فقيل له: عن أيّ هذا؟ « وفي لفظ مسلم: فقيل: أعرابيّ هذا » فقال: أنسي الناس أم ضلّوا؟ سمعت الذي اُنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المكان: لبّيك أللهمّ لبّيك.

راجع صحيح مسلم ١: ٣٦٣ وفي ط ٤: ٧١، ٧٢، سنن البيهقي ٥: ١٢٢، المحلّى ٧: ١٣٥ وصحّحه، ورواه الطحاوي باسناد صحيح كما في فتح الباري ٣: ٤٢٠، بدايع الصنايع ٢: ١٥٤.

____________________

١ - نيل الاوطار ٥: ٥٥.

٢٠٦

٤ - عن كُريب مولى ابن عبّاس: إنَّ ميمونة امّ المؤمنين لبّتْ حين رَمَت الجمرة.

كتاب الاُمّ ٢: ١٧٤، سنن البيهقي ٥: ١١٣، المحلّى ٧: ١٣٦

٥ - عن ابن عبّاس: تلبِّي حتى تأتي حرمك إذا رميت الجمرة.

سنن البيهقي ٥: ١١٣.

٦ - عن ابن عبّاس أيضاً: سمعت عمر يلبِّي غداة المزدلفة.

المحلّى لابن حزم ٧: ١٣٦.

٧ - عن ابن عبّاس أيضاً: سمعت عمر بن الخطاب يهلّ وهو يرمي جمرة العقبة فقلت له: فيما الاهلال يا أمير المؤمنين؟ فقال: وهل قضينا نسكنا بعدُ؟

كتاب الاُمّ مختصراً ٢: ١٧٤، سنن البيهقي ٥: ١١٣، المحلّى، ٧: ١٣٦.

٨ - عن ابن عبّاس أيضاً: حججت مع عمر إحدى عشرة حجّة وكان يلبّي حتى يرمي الجمرة.

أخرجه سعيد بن منصور كما في فتح الباري ٣: ٤١٩.

٩ - عن ابن عبّاس أيضاً: التلبية شعار الحجِّ فإن كنت حاجّاً فلبِّ حتى بدء حلّك، وبدء حلّك أن ترمي جمرة العقبة.

أخرجه ابن المنذر باسناد صحيح كما في فتح الباري ٣: ٤١٩.

١٠ - عن ابن مسعود: لا يمسك الحاجّ عن التلبية حتّى يرمي جمرة العقبة.

المحلّى لابن حزم ٧: ١٣٦.

١١ - عن الأسود بن يزيد: انّه سمع عمر بن الخطاب يلبّي بعرفة.

سنن البيهقي ٥: ١١٣، المحلّى ٧: ١٣٦.

١٢ - أخرج ابن أبي شيبة من طريق عكرمة يقول: أهلّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى رمى الجمرة، وأبو بكر وعمر. المحلّى ٧: ١٣٦.

١٣ - عن أنس بن مالك في الجواب عن التلبية يوم عرفة: سرت هذا المسير مع النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه فمنّا المكبّر، ومنا المهلّ، ولا يعيب أحدنا على صاحبه. صحيح مسلم ٤: ٧٣.

٢٠٧

١٤ - عن عائشة، كانت تلبّي بعد عرفة. المحلّي ٧: ٣٦.

١٥ - عن عبد الرَّحمن الأسود: ان أباه صعد إلى ابن الزبير المنبر يوم عرفة فقال له: ما يمنعك أن تهلّ؟ فقد رأيت عمر في مكانك هذا يهلّ فأهلّ ابن الزبير.

المحلّى لابن حزم ٧: ١٣٦.

١٦ - عن مولانا أمير المؤمنين انّه لبّى حتى رمى جمرة العقبة. المحلّى ٧: ١٣٦.

١٧ - عن مولانا عليّ أيضاً انّه لبّى في الحجّ حتّى إذا زاغت الشمس من يوم عرفة قطع التلبية.

أخرجه مالك في الموطأ ١: ٢٤٧ وقال: وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا. وذكره صاحب البحر الزخّار ٢: ٣٤٢.

١٨ - عن عكرمة: كنت مع الحسين بن علي « عليهما السّلام » فلبّى حتّى رمى جمرة العقبة.

هذه هي السنّة المتسالم عليها عند القوم، وبها أخذت أئمّة الفقه والفتوى قال ابن حزم في المحلّى ٧: ١٣٥: لا يقطع التلبية إلّا مع آخر حصاة من جمرة العقبة، فإنَّ مالكا قال: يقطع التلبية إذا نهض إلى عرفة، ثمَّ زيَّف أدلّة مالك، وأنت سمعت قول مالك قُبيل هذا وانّه يخالف ما عزاه إليه ابن حزم.

وقال في ص ١٣٦: لا يقطعها حتى يرمي الجمرة وهو قول أبي حنيفة والشافعي و أحمد وإسحاق وأبي سليمان.

وقال ملك العلماء في البدايع ٢: ١٥٤: لا يقطع التلبية وهذا قول عامَّة العلماء، وقال مالك: إذا وقف بعرفة يقطع التلبية والصحيح قول العامّة.

وقال ابن حجر في فتح الباري ٣: ٤١٩: وباستمرارها قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأتباعهم.

وفي نيل الأوطار ٥: ٥٥: انَّ التلبية تستمرّ إلى رمي جمرة العقبة، وإليه ذهب الجمهور.

هذا ما تسالمت عليه الاُمّة سلفاً وخلفاً، لكن معاوية جاء متهاوناً بالسنّة لمحض أن عليّاًعليه‌السلام كان ملتزماً بها، فحدته بغضاءه إلى مضادّته ولو لزمت مضادّة السنّة،

_١٣_

٢٠٨

ومحو زينة الحجّ، هذه نظريّة خليفة المسلمين فيما حسبوه، وهذا مبلغه من الدين ومبوّأه من الأخذ بسنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلهفي على المسلمين من متغلّب عليهم بإسم الخلافة.

وإنّي لست أدري أكان من السائغ الجائز لعن ابن عبّاس وهو محرمٌ في ذلك الموقف العظيم، في مثل يوم عرفة اليوم المشهود معاوية باغض عليّ أمير المؤمنين ومناوئه تارك سنّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ هلّا كان حبر الاُمّة يعلم أنَّ الصحابة كلّهم عدول؟ أو انّ الصحابيّ كائناً من كان لا يجوز سبّه؟ أو انّ معاوية مجتهدٌ وللمخطأ من المجتهدين أجرٌ واحد؟ أنا لا أدري، غير أنَّ ابن عبّاس لا يقول بالتافه ولا يخبت إلى الخرافة.

وما أظلم معاوية الجاهل بأحكام الله؟ فانّه يخالف هاهنا عليّاًعليه‌السلام وهو بكلّه حاجة وافتقار إلى علم الإمام الناجع، قال سعيد بن المسيّب: إنَّ رجلاً من أهل الشام وجد رجلاً مع امرأته فقتله وقتلها فأشكل على معاوية الحكم فيه فكتب إلى أبي موسى ليسأل له عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم فقال له عليٌّ رضي الله عنه: هذا شيىءُ ما وقع بأرضي عزمت عليك لتخبرنِّي.

فقال له أبو موسى: إنَّ معاوية كتب إليّ به أن أسألك فيه. فقال عليٌّ رضي الله عنه: أنا أبو الحسن إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمّته(١) .

أخرجه مالك في الموطأ ٢: ١١٧، سنن البيهقي ٨: ٢٣١، تيسير الوصول ٤: ٧٣

لفت نظر

هذه النزعة الأمويّة الممقوتة بقيت موروثة عند من تولّى معاوية جيلاً بعد جيل فترى القوم يرفعون اليد عن السنّة الثابتة خلافاً لشيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أو احياء لما سنّته يد الهوى تجاه الدين الحنيف. كما كان معاوية يفعل ذلك احياءً لما أحدثه خليفة بيته الساقط تارة، كما مرَّ في الإتمام في السَّفر ومواضع اُخرى، وخلافاً للامام آونةً كما في التلبية وغيرها.

قال الشيخ محمّد بن عبد الرّحمن الدمشقي في كتاب « رحمة الامَّة في اختلاف الأئمَّة » المطبوع بهامش الميزان للشعراني ١: ٨٨: السنّة في القبر التسطيح، وهو أولى على الراجح من مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: التسنيم أولى لأنَّ التسطيح

____________________

١ - الرمة: الحبل الذى يقاد به الجانى.

٢٠٩

صار شعاراً للشيعة.

وقال الغزالي والماوردي: إنَّ تسطيح القبور هو المشروع لكن لمـّا جعلته الرافضة شعاراً لهم عدلنا عنه إلى التسنيم.

وقال مصنِّف « الهداية » من الحنفيّة: إنَّ المشروع التختّم في اليمين ولكن لمـّا اتَّخذته الرافضة جعلناه في اليسار. ه.

وأوَّل من اتّخذ التختّم باليسار خلاف السنّة هو معاوية كما في ربيع الأبرار للزمخشري.

وقال الحافظ العراقي في بيان كيفيّة اسدال طرف العمامة: فهل المشروع إرخاؤه من الجانب الأيسر كما هو المعتاد أو الأيمن لشرفه؟ لم أر ما يدلّ على تعيين الأيمن إلّا في حديث ضعيف عند الطبراني، وبتقدير ثبوته فلعلّه كان يرخيها من الجانب الأيمن ثمّ يردُّها إلى الجانب الأيسر كما يفعله بعضهم، إلّا أنّه صار شعاراً للإمامية فينبغي تجنّبه لترك التشبّه بهم. شرح المواهب للزرقاني ٥: ١٣.

وقال الزمخشري في تفسيره ٢: ٤٣٩: القياس جواز الصَّلاة على كلِّ مؤمن لقوله تعالى:( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ) . وقوله تعالى:( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ) . وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أللّهمّ صلّ على آل أبي أوفى. ولكن للعلماء تفصيلاً في ذلك وهو: انّها إن كانت على سبيل التبع كقولك صلّى الله على النبيِّ وآله فلا كلام فيها، وأمّا إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصَّلاة كما يفرد هو فمكروهٌ لأنَّ ذلك شعار لذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأنّه يؤدّي إلى الإتِّهام بالرفض، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يقفن مواقف التّهم.

وقال ابن تيميّة في منهاجه ٢: ١٤٣ عند بيان التشبّه بالروافض: ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبّات إذا صارت شعاراً لهم، فانّه وإن لم يكن الترك واجباً لذلك لكن في إظهار ذلك مشابهة لهم فلا يتميّز السنّي من الرافضي، و مصلحة التمييز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة هذا المستحبّ.

ثمّ جعل هذا كالتشبّه بالكفّار في وجوب التجنّب عن شعارهم، وسيوافيك التفصيل في بيان هذه كلّها ونظراؤها عند الكلام عن الفتاوى الشاذَّة عن الكتاب والسنّة إن

٢١٠

شاء الله تعالى.

وقال الشيخ اسماعيل البروسوي في تفسيره [روح البيان] ٤: ١٤٢: قال في عقد الدرر واللئالي:(١) المستحبّ في ذلك اليوم - يعني يوم عاشوراء - فعل الخيرات من الصَّدقة والصوم والذكر وغيرهما، ولا ينبغي للمؤمن أن يتشبّه بيزيد الملعون في بعض الأفعال، وبالشيعة والروافض والخوارج أيضاً. يعني لا يجعل ذلك اليوم يوم عيد أو يوم مأتم، فمن اكتحل يوم عاشوراء فقد تشبّه بيزيد الملعون وقومه، وإن كان للاكتحال في ذلك اليوم أصلٌ صحيحٌ، فإنَّ ترك السنّة سنّةٌ إذا كان شعاراً لأهل البدعة كالتختّم باليمين فانّه في الأصل سنّة لكنّه لمـّا كان شعار أهل البدعة والظلمة صارت السنّة أن يجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا كما في شرح القهستاني.

ومن قرأ يوم عاشوراء وأوائل المحرّم مقتل الحسين رضي الله عنه، فقد تشبّه بالروافض، خصوصاً إذا كان بألفاظ مخلّة بالتعظيم لأجل تحزين السامعين، وفي كراهية القهستاني: لو أراد ذكر مقتل الحسين ينبغي أن يذكر أوَّلاً مقتل سائر الصحابة لئلّا يشابه الروافض.

وقال حجّة الإسلام الغزالي: يحرم على الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين و حكايته وما جرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم، فانّه يهيج بغض الصحابة والطعن فيهم وهم أعلام الدين، وما وقع بينهم من المنازعات فيحمل على محامل صحيحة، ولعلّ ذلك لخطأ في الإجتهاد لا لطلب الرياسة والدنيا كما لا يخفى.اهـ.

وقال ابن حجر في فتح الباري ١١: ١٤٢: تنبيهٌ: اختلف في السَّلام على غير الأنبياء بعد الإتفاق على مشروعيّته في تحيّة الحيّ، فقيل: يشرع مطلقاً. وقيل: بل تبعاً ولا يفرد لواحد لكونه صار شعاراً للرافضة. ونقله النووي عن الشيخ أبي محمّد الجويني.

_ ١٠ _

احدوثة تقديم الخطبة على الصلاة

قال الزرقاني في شرح الموطأ ١: ٣٢٤ في بيان كون الصَّلاة قبل الخطبة في العيدين:

____________________

١ - فى فضل الشهور والايام والليالى للشيخ شهاب الدين احمد بن ابى بكر الحموى الشهير بالرسّام.

٢١١

ففي الصحيحين عن ابن عبّاس شهدت العيد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر فكلّهم كانوا يصلّون قبل الخطبة، واختلف في أوَّل من غيَّر ذلك، ففي مسلم عن طارق بن شهاب: أوَّل مَن بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصَّلاة مروان، وفي رواية ابن المنذر بسند صحيح عن الحسن البصري: أوَّل من خطب قبل الصَّلاة عثمان صلّى بالناس ثمّ خطبهم أي على العادة فرأى ناساً لم يدركوا الصَّلاة ففعل ذلك أي صار يخطب قبل الصّلاة، وهذه العلة غير التي اعتلّ بها مروان لأنَّ عثمان راعى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصّلاة، وأمّا مروان فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة، لكن قيل: إنّهم في زمنه كانوا يتعمّدون ترك سماعهم لما فيها مِن سبّ مَن لا يستحقّ السبّ والافراط في مدح بعض الناس، فعلى هذا إنَّما راعى مصلحة نفسه، ويحتمل انّ عثمان، فعل ذلك أحياناً بخلاف مروان فواظب عليه فلذا نسب إليه، وعن عمر مثل فعل عثمان، قال عياض ومن تبعه: لا يصحّ عنه. وفيه نظر لأنّ عبد الرزّاق وابن أبي شيبة روياه جميعاً عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن يوسف بن عبد الله بن سلام، وهذا إسنادٌ صحيح، لكن يعارضه حديثا ابن عبّاس وابن عمر، فإن جمع بوقوع ذلك منه نادراً و إلّا فما في الصحيحين أصحّ.

وأخرج الشافعي عن عبد الله بن يزيد نحو حديث ابن عبّاس وزاد حتّى قدم معاوية فقدَّم الخطبة، وهذا يشير إلى أنَّ مروان إنَّما فعل ذلك تبعاً لمعاوية، لأنّه كان أمين المدينة من جهته، وروى عبد الرزّاق عن ابن جريج عن الزهري: أوَّل مَن أحدث الخطبة قبل الصَّلاة في العيد معاوية، وروى ابن المنذر عن ابن سيرين: أوَّل مَن فعل ذلك زياد بالبصرة. قال عياض: ولا مخالفة بين هذين الأثرين وأثر مروان لأنَّ كلًّا من مروان وزياد كان عاملاً لمعاوية فيحمل على أنّه إبتدأ ذلك وتبعه عمّاله.اهـ.

وقال السكتواري في محاضرة الأوائل ص ١٤٤: أوّل من بدأ بالخطبة قبل الصّلاة معاوية، وجرى ذلك في الاُمراء المروانيَّة كمروان وزياد وهو فعله بالعراق، و معاوية بالمدينة شرَّفها الله تعالى.

قال الأميني: مرَّ في الجزء الثامن ص ١٦٤ - ١٧١ بيان السنَّة الثابتة في خطبة العيدين، وانَّها بعد الصّلاة كما مضى عليه الرَّسول الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واتّبعه الشيخان و

٢١٢

عثمان ردحاً من أيّامه ثمّ حداه عيُّه عن تلفيق الخطبة بصورة مرضيّة، فكانت الناس تتفرّق عن استماعها، إلى تقديمها على الصّلاة ليمنعهم انتظارهم لها عن الانجفال، ثمّ اقتصَّ أثره عمّاله والمتغلّبون على الاُمّة من بعدُ من بني أبيه وإن افترقت العلّة فيهم عنها فيه، فإنَّهم لمـّا طغوا في البلاد طفقوا يسبّون أمير المؤمنين عليّاًعليه‌السلام في خطبهم، فكان الحضور لا يستبيحون ذلك فيتفرَّقون، فبدا لهم تقديمها لإسماع الناس.

وأوَّل من أحدث اُحدوثة السبِّ هو معاوية، فالشنعة عليه في المقام أعظم ممّن بدَّل السنّة قبله، فانّه وإن تابع البادي على البدعة غير انّه قرنها باُخرى شوهاء شنعاء، فأمعن النظرة في تطبيق هذه البدعة بصورتها الأخيرة على ما صحَّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله: من سبَّ عليّاً فقد سبّني ومن سبّني فقد سبَّ الله(١) وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تسبّوا عليّاً فإنّه ممسوسٌ بذات الله(٢) ثمَّ ارجع البصر كرّتين إلى أنّه هل يُباح لأيّ مسلم أن يجتهد بجواز سبّ مولانا أمير المؤمنين تجاه نصّ الكتاب العزيز في تطهيره وولايته ومودَّته وكونه نفس النبيِّ الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تجاه هذا النصِّ الجليِّ الخاص لهعليه‌السلام والنصوص العامّة الواردة في سباب المؤمن مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سباب المسلم فسوق؟!(٣) وهل يشكّ مسلمٌ انَّ أمير المؤمنين أوَّل المسلمين وأولاهم بهم من أنفسهم وهو أميرهم وسيّدهم؟!

_ ١١ _

حدّ من حدود الله متروك

ذكر الماوردي وآخرون: إنَّ معاوية أتى بلصوص فقطعهم حتى بقي واحدُ من بينهم فقال:

يميني أمير المؤمنين اُعيذها

بعفوك أن تلقى نكالاً يبينها

يدي كانت الحسناء لو تمَّ سترها

ولا تعدم الحسناء عيناً يشينها

فلا خير في الدنيا وكانت حبيبة

إذا ما شمالي فارقتها يمينها

فقال معاوية: كيف أصنع بك؟ قد قطعنا أصحابك. فقالت امّ السارق: يا أمير

____________________

١ - أخرجه الحفاظ باسناد رجاله كلهم ثقات صححه الحاكم والذهبى.

٢ - حلية الاولياء ١: ٦٨.

٣ - أخرجه البخارى ومسلم والترمذى وابن ماجة والنسائى والحاكم والدارقطنى وغيرهم فى الصحاح والمسانيد.

٢١٣

المؤمنين إجعلها في ذنوبك الّتي تتوب منها. فخلّى سبيلها، فكان أوّل حدّ ترك في الإسلام(١) .

قال الأميني: أفهل عرف معاوية من هذا اللّصّ خصوصيّة إستثنته من حكم الكتاب النهائيِّ العامّ « السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما » ؟! أم أنّ الرأفة بامّه تركت حدّاً من حدود الله لم يُقم؟! وفي الذكر الحكيم:( وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) (٢) ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (٣) ( وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا ) (٤) أم أنّه كان لمعاوية مؤمِّنٌ مِن العقاب غداً وإن تعمّد اليوم بإلغاء حدّ من حدود الله؟ وهل نيّة التوبة عن المعصية تبيح إجتراح تلك السيّئة؟ إنّ هذا لشيىءٌ عجابٌ، ومَن ذا الذي طمَّنه بأنّه سيوفّق للتوبة عنها ولا يحول بينه وبينها ذنوبٌ تسلبه التوفيق، أو عظائم تسلبه الإيمان، أو استخفافٌ بالشريعة ينتهي به إلى نار الخلود؟ ويظهر منه أنّ التعمّد باقتراف الذنوب بأمل التوبة كان مطرداً عند معاوية، وهذا ممّا يخلّ بأنظمة الشريعة، ونواميس الدين، وطقوس الإسلام، فانّ النفوس الشريرة إنمّا تترك أكثر المعاصي خوفاً مِن العقوبة الفعليّة، فإن زُحزحت عنها بأمثال هذه التافهات لم يبق محظورٌ - يُفسد النفوس، ويقلق السّلام، ويعكّر صفو الاسلام - إلّا وقد عمل به، و هذا نقصٌ لغاية التشريع، وإقامة الحدود الكابحة لجماح الجرأة على الله ورسوله.

وهب أنَّ التوبة مكفّرةٌ للعصيان في الجملة، ولكن مَن ذا الذي أنبأه إنّها من تلك التوبة المقبولة؟( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) (٥) .

____________________

١ - الاحكام السلطانية ص ٢١٩، تاريخ ابن كثير ٨: ١٣٦، محاضرة السكتوارى ص ١٦٤

٢ - سورة الطلاق: ١.

٣ - سورة البقرة: ٢٢٩.

٤ - سورة النساء: ١٤.

٥ - سورة النساء: ١٧، ١٨.

٢١٤

_ ١٢ _

معاوية ولبسه ما لا يجوز

أخرج أبو داود من طريق خالد قال: وفد المقدام بن معدي كرب وعمرو بن الأسود ورجل من بني أسد من أهل قنسرين إلى معاوية بن أبي سفيان فقال معاوية للمقدام: أعلمت انّ الحسن بن علي توفّي؟ فرجع المقدام فقال له رجلٌ(١) أتراها مصيبة؟ فقال: ولِمَ لا أراها مصيبة؟ وقد وضعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجره فقال: هذا منّي وحسينٌ من علي.

فقال الأسدي: جمرةٌ اطفأها الله عزَّ وجلّ قال فقال المقدام: أمّا أنا فلا أبرح اليوم حتى اغيظك واسمعك ما تكره ثمّ قال: يا معاوية! إن أنا صدقت فصدّقني. وإن أنا كذبت فكذِّبني، قال: أفعل. قال فانشدك بالله هل تعلم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن لبس الحرير؟ قال: نعم. قال: فانشدك بالله هل سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن لبس الذَّهب؟ قال نعم. قال: فانشدك بالله هل تعلم انَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن لبس جلود السّباع والركوب عليها؟ قال: نعم. قال فوالله لقد رأيت هذا كلّه في بيتك يا معاوية! فقال معاوية: قد علمت أنّي لن أنجو منك يا مقدام!(٢)

قال الأميني: هل يُرجى خيرٌ ممّن اعترف بكلِّ ما قيل له من المحظورات المتسالم عليها التي ارتكبها؟ فهلّا اقلع عنها لمـّا ذكر بحكمها الذي نسيه أو لم يعبأ به؟ لكنَّ الرّجل طاغوتٌ يعمل عمل الفراعنة ولم يكترث لمغبّته، ولم يبالي بمخالفة السنّة الثابتة، فزَهٍ به من خَليفة تولّى أمر الاُمّة بغير مرضاتها، وتغلّب على إمرتها مِن دون أيّ حنكة.

قد جاء في كتاب لأمير المؤمنينعليه‌السلام إلى عمرو بن العاص قوله: فإنّك قد جعلت دينك تبعاً لدينا امرئ ظاهرٍ غيّه، مهتوك ستره. إلخ.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٤: ٦٠: فأمّا قولهعليه‌السلام في معاوية « ظاهر غيُّه » فلا ريب في ظهور ضلاله وبغيه وكلّ باغٍ غاوٍ. وأمّا « مهتوكٌ ستره » فانّه كان كثير الهزل والخلاعة صاحب جلساء وسمار، ومعاوية لم يتوقّر ولم يلزم قانون الرياسة

____________________

١ - فى مسند أحمد ٤ ص ١٣٠: فقال له معاوية: أتراها مصيبة. انظر الى امانة أبى داود.

٢ - سنن أبى داود ٢: ١٨٦.

٢١٥

إلّا منذ خرج على أمير المؤمنين، واحتاج إلى الناموس والسكينة وإلّا فقد كان في أيّام عثمان شديد الهتك موسوماً بكلِّ قبيح، وكان في أيّام عمر يستر نفسه قليلاً خوفاً منه إلّا انّه كان يلبس الحرير والديباج، ويشرب في آنية الذهب والفضة ويركب البغلات ذوات السروج المحلاّة بهما جلال الديباج والوشي، وكان حينئذ شابّاً، وعنده نزق الصبا، وأثر الشبيبة، وسكر السلطان والإمرة، ونقل الناس عنه في كتب السيرة انّه كان يشرب الخمر في أيّام عثمان في الشام، وأمّا بعد وفاة أمير المؤمنين واستقرار الأمر له فقد اختلف فيه، فقيل: انّه شرب الخمر في ستر. وقيل: انّه لم يشرب. ولا خلاف في أنّه سمع الغناء وطرب عليه وطرب عليه وأعطى ووصل إليه أيضاً. إقرأ وتبصّر.

_ ١٣ _

مأسأة الاستلحاق

سنة أربع وأربعين

كان من ضروريّات الاسلام إلى هذه السنة ٤٤، إلى هذا اليوم الأشنع الذي تقدّم فيه ابن آكلة الأكباد ببدعته الخرقاء على ما قاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بملأ فمه المبارك، و اتَّخذته الاُمّة أصلاً مسلّماً في باب الأنساب: الولد للفراش وللعاهر الحجَر.

جاء هذا الحديث من طريق ابي هريرة في الصحاح الست: صحيح البخارى ٢: ١٩٩ في - الفرائض، صحيح مسلم ١: ٤٧١ في الرضاع، صحيح الترمذي ١: ١٥٠، و ج ٢: ٣٤، سنن النسائي ٢: ١١٠، سنن أبي داود ١: ٣١٠، سنن البيهقى ٧: ٤٠٢، ٤١٢.

ومن طريق عائشة أخرجه الحفاظ المذكورون إلا الترمذي كما في نصب الراية للزيلعي ٣: ٢٣٦. ومن طريق عمر وعثمان في سنن البيهقي ٧: ٤١٢، ومن طريق عبد الله بن عمرو، أخرجه أبو داود في اللعان ١: ٣١٠، وأخرجه أحمد في مسنده من غير طريق ج ١: ١٠٤، ج ٢: ٤٠٩، ج ٥: ٣٢٦ وغيرها.

وصحّ عند الاُمّة قول نبيّهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من ادّعى أباً في الإسلام غير أبيه فالجنّة عليه حرام(١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خطبة له بمنى: لعن الله من ادّعى إلى غير أبيه، أو تولّى غير مواليه،

____________________

١ - مسند احمد ٥: ٣٨، ٤٦، سنن البيهقى ٧: ٤٠٣.

٢١٦

الولد للفراش وللعاهر الحجَر. وفي لفظ:

الولد للفراش وللعاهر الحجَر، ألا ومن ادّعى إلى غير أبيه، أو تولّى غير مواليه رغبة عنهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل منه صرفٌ ولا عدلٌ(١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس من رجل ادّعى بغير أبيه وهو يعلم إلّا كفر، ومن ادّعى ما ليس له فليس منّا(٢) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من ادَّعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنَّة وإنَّ ريحها ليوجد من قدر سبعين عاماً. أو: مسيرة سبعين عاماً(٣) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من ادّعى إلى غير أبيه وهو يعلم انّه غير أبيه فالجنّة عليه حرام(٤) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من ادّعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة(٥) .

لكن سياسة معاوية المتجهِّمة تجاه الهتافات النبويّة أصمته عن سماعها وجعلت للعاهر كلّ النصيب، فوهبت زياداً كلّه لأبي سفيان العاهر، بعد ما بلغ أشدّه لمـّا وجد فيه من اُهبة الوقيعة في أضداده وهم أولياء عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وُلد زياد على فراش عُبيد مولى ثقيف، وربّي في شرّ حجر، ونشأ في أخبث نشء، فكان يقال له قبل الاستلحاق: زياد بن عبيد الثقفي، وبعده زياد بن أبي سفيان، ومعاوية نفسه كتب إليه في أيّام الحسن السبط سلام الله عليه: من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن عُبيد، أمّا بعد: فإنّك عبدٌ قد كفرت النعمة، واستدعيت النقمة، ولقد كان الشكر اُولى بك من الكفر، وإنَّ الشجرة لتضرب بعرقها، وتتفرّع من أصلها، انّك لا اُمَّ لك، بل لا أب لك، يقول فيه: أمس عبدٌ واليوم أميرٌ، خطّةٌ

____________________

١ - رواه البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى راجع مسند أحمد ٤: ١٨٦، ١٨٧، مسند ابى داود الطياسى ص ١٦٩، الترغيب والترهيب ٣: ٢١.

٢ - أخرجه البخارى ومسلم وعنهما البيهقى فى السنن ٧: ٤٠٣، وابن المنذر فى الترغيب والترهيب ٣: ٢١.

٣ - سنن ابن ماجة ٢: ١٣١، تاريخ بغداد ٢: ٣٤٧، الترغيب والترهيب ٣: ٢١.

٤ - رواه البخارى ومسلم وأبو داود وابن ماجة كما فى سنن البيهقى ٧: ٤٠٣، والترغيب والترهيب ٣: ٢١.

٥ - الترغيب والترهيب ٣: ٢٢ عن أبى داود.

٢١٧

ما ارتقاها مثلك يا بن سميّة، وإذا أتاك كتابي هذا فخذ الناس بالطاعة والبيعة وأسرع الإجابة فإنّك إن تفعل فدمك حقنت، ونفسك تداركت، وإلّا اختطفتك بأضعف ريش ونلتك بأهون سعي، واُقسم قسماً مبروراً أن لا أوتى بك إلّا في زمارة تمشي حافياً من أرض فارس إلى الشام حتى اُقيمك في السوق وأبيعك عبداً، واردُّك إلى حيث كنت فيه و خرجت منه. والسّلام(١) .

ثمّ لمـّا انقضت الدولة الأمويّة صار يُقال له: زياد بن أبيه، وزياد بن امّه، وزياد بن سميّة، اُمّه « سميّة » كانت لدهقان من دهاقين الفرس بزندرود بكسكر، فمرض الدهقان فدعا الحارث بن كلدة الطبيب الثقفي فعالجه فبرأ فوهبه سميّة وزوّجها الحارث غلاماً له روميّاً يقال له: عبيد. فولدت زياداً على فراشه، فلمّا بلغ أشدّه اشترى أباه عُبيداً بألف درهم فأعتقه، كانت امّه من البغايا المشهورة بالطائف ذات راية.

أخرج أبو عمرو ابن عساكر قالا: بعث عمر بن الخطاب زياداً في اصلاح فساد وقع باليمن فرجع من وجهه وخطب خطبة لم يسمع الناس مثلها، فقال عمرو بن العاصي: أما والله لو كان هذا الغلام قرشيّاً لساق العرب بعصاه. فقال أبو سفيان: والله إنّي لأعرف الذي وضعه في رحم امّه، فقال له عليُّ بن أبي طالب: ومَن هو يا أبا سفيان؟ قال: أنا. قال: مهلاً يا أبا سفيان.

وفي لفظ ابن عساكر: فقال له عمرو: اسكت يا أبا سفيان! فانّك لتعلم أنِّ عمر إن سمع هذا القول منك كان سريعاً إليك بالشرِّ فقال أبو سفيان:

أما والله لولا خوف شخص

يراني عليّ من الأعادي

لأظهر أمره صخر بن حرب

ولم يكن المقالة عن زياد

وقد طالت مجاملتي ثقيفاً

وتركي فيهمُ ثمر الفؤادِ

فذلك الذي حمل معاوية على ما صنع بزياد(٢) .

وفي العقد الفريد ٣: ٣: أمر عمر زياداً أن يخطب فأحسن في خطبته وجوَّد وعند أصل المنبر أبو سفيان بن حرب وعليّ بن أبي طالب فقال أبو سفيان لعليّ: أيعجبك ما سمعت من هذا الفتى؟ قال: نعم. قال: أما انّه ابن عمّك. قال: وكيف ذلك؟ قال:

____________________

١ - شرح ابن الحديد ٤: ٦٨.

٢ - الاستيعاب ١: ١٩٥، تاريخ ابن عساكر ٥: ٤١٠.

٢١٨

أنا قذفته في رحم امّه سميّة. قال: فما يمنعك أن تدّعيه؟ قال: أخشى هذا القاعد على المنبر - يعني عمر - أن يفسد عليَّ أهابي. فبهذا الخبر استلحق معاوية زياداً وشهد له الشهود بذلك. وهذا خلاف حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله: الولد للفراش وللعاهر الحجَر.

قال الأميني: لو كان معاوية استلحق زياداً بهذا الخبر لكان استلحاقه عمرو بن العاص أولى. إذ ادَّعاه أبو سفيان يوم ولادته قائلاً: أما انّي لا أشكّ انّي وضعته في رحم اُمّه.

واختصم معه العاص، غير أنّ النابغة أبت إلّا العاص لما زعمت من الشحّ في أبي سفيان وفي ذلك قال حسّان بن ثابت:

أبوك أبو سفيان لا شكّ قد بدت

لنا فيك منه بيّنات الدلايلِ

ففاخر به إمّا فخرت ولا تكن

تفاخر بالعاص الهجين بن وائلِ

إلى آخر ما مرَّ في الجزء الثَّاني ص ١٢٣ ط ٢.

نعم: لكلّ بغيّ كان يتّصل بسميّة امّ زياد، والنابغة امّ عمرو، وهند امّ معاوية، وحمامة اُمّ أبي سفيان، والزرقاء امّ مروان، وأضرابهنّ من مشهورات البغاء ويأتيهنّ أن يختصم في ولايدهنّ.

كتب معاوية إلى زياد يوم كان عامل عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام : أمّا بعد فإنّ العشَّ الذي ربِّيت به معلومٌ عندنا فلا تدع أن تأوي إليه كما تأوي الطيور إلى أوكارها، ولولا شيىءٌ والله أعلم به لقلت كما قال العبد الصالح: فلنأتينّهم بجنود لا قبَل لهم بها، ولنخرجنَّهم منها أذلّة وهم صاغرون. وكتب في آخر كتابه:

لِلّه درّ زياد أيّما رجل

لو كان يعلم ما يأتي وما يذرُ

تنسى أباك وقد حقّت مقالته

إذ تخطب الناس والوالي لنا عمرُ

فافخر بوالدك الأدنى ووالدنا

إنَّ ابن حرب له في قومه خطرُ

إنّ انتهازك قوماً لا تناسبهم

عدّ الأنامل عار ليس يغتفرُ

فانزل بعيداً فإنّ الله باعدهم

عن كلِّ فضل به يعلو الورى مضرُ

فالرأي مطرف والعقل تجربة

فيها لصاحبها الايراد والصدرُ

فلمّا ورد الكتاب على زياد قام في الناس فقال: العجب كلّ العجب من ابن آكلة الأكباد ورأس النفاق يخوّفني بقصده إيّاي وبيني وبينه ابن عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في

٢١٩

المهاجرين والأنصار، أما والله لو أذن في لقاءه أعرف الناس بضرب السيف. واتّصل الخبر بعليّ رضي الله عنه، فكتب إلى زياد:

أمّا بعد: فقد ولّيتك الذي ولّيتك وأنا لا أزال له أهلاً، وانّه قد كانت من أبي سفيان فلتة من أمانيِّ الباطل، وكذب النفس، لا يوجب له ميراثاً، ولا يحلّ له نسبا - وفي لفظ: لا تستحقُّ بها نسباً ولا ميراثاً - وإنَّ معاوية يأتي الإنسان من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فأحذر ثمّ احذر، والسّلام.

فلمّا بلغ أبا بكرة أخا زياد لامِّه سميّة: انّ معاوية استلحقه وانّه رضي ذلك آلى يميناً أن لا يكلّمه أبداً وقال: هذا زنا امّه وانتفى من أبيه، ولا والله ما علمت سميّة رأت أبا سفيان قطّ، ويله ما يصنع باُمِّ حبيبة زوج النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ( بنت أبي سفيان ) أيريد أن يراها؟ فإن حجبته؟ فضحته، وإن رآها؟ فيالها مصيبة؟ يهتك مِن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرمة عظيمة. وحجَّ زياد في زمن معاوية ودخل المدينة فأراد الدخول على اُمِّ حبيبة ثمَّ ذكر قول أبي بكرة فانصرف عن ذلك. وقيل: إنّ امّ حبيبة حجبته ولم تأذن له في الدخول عليها.

قال أبو عمر: لما ادَّعى معاوية زياداً دخل عليه بنو اميّة وفيهم عبد الرّحمن بن الحكم فقال: يا معاوية! لو لم تجد إلّا الزنج لاستكثرت بهم علينا قلّة وذلّة. فأقبل معاوية على مروان وقال: أخرج عنّا هذا الخليع. فقال مروان: والله انّه لخليع ما يطاق. فقال معاوية: والله لولا حلمي وتجاوزي لعلمت أنّه يطاق، ألم يبلغني شعره فيَّ وفي زياد ثمَّ قال لمروان: اسمعينه. فقال:

ألا ابلغ معاوية بن صخر

لقد ضاقت بما تأتي اليدانِ

أتغضب أن يُقال: أبوك عفٌّ؟

وترضى أن يقال: أبوك زانِ؟!

فأشهد انّ رحمك من زياد

كرحم الفيل من وُلد الاتانِ

وأشهد انّها حملت زياداً

وصخرٌ من سميّة غير دانِ

هذه الأبيات تُروى لزياد(١) بن ربيعة بن مفرغ الحميري الشاعر ومَن رواها له جعل أوَّلها:

____________________

١ - هو يزيد بن ربيعة الشاعر الشهير توجد ترجمته فى الاغانى ١٧: ٥١ - ٧٣.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

أبوه انظر فيقول: لا، ثم مروا عليه بأحدهما بعد جمع كثير فقال: هذا أحدهما وأشار بيده اليه، ثم مروا أيضا بقوم كثيرين حتى رأى صاحبه الآخر فقال: وهذا الآخر قال: فقال النبي صاحب الرجلين اما انا فقد آمنت بإلهكما وعلمت أنّ ما جئتما به هو الحق. قال: فقال الملك: وانا أيضا وآمن من أهل مملكته كلهم.

٣١ ـ في مجمع البيان قال وهب بن منبه بعث عيسى هذين الرسولين إلى انطاكية فأتياها ولم يصلا إلى ملكها وطالت مدة مقامهما، فخرج الملك ذات يوم فكبرا وذكر الله، فغضب وأمر بحبسهما وجلد كل واحد منهما مأة جلدة، فلما كذب الرسولان وضربا بعث عيسىعليه‌السلام شمعون الصفا رأس الحواريين على اثرهما لينصرهما، فدخل شمعون البلدة متنكرا، فجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به، فرفعوا خبره إلى الملك فدعاه فرضي عشرته وانس به وأكرمه، ثم قال له ذات يوم: ايها الملك بلغني انك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك فهل سمعت قولهما؟ قال الملك: حال الغضب بيني وبين ذلك قال: فان رأى الملك دعاهما حتى نطلع ما عندهما فدعاهما الملك فقال لهما شمعون: ما أرسلكما إلى هاهنا؟ قالا: الله الذي خلق كل شيء لا شريك له، قال: وما آيتكما؟ قالا: ما تتمناه، فأمر الملك حتى جاؤا بغلام مطموس العينين وموضع عينيه كالجبهة، فما زالا يدعوان الله حتى انشق موضع البصر، فأخذا بندقتين(١) من الطين فوضعاهما في حدقتيه، فصارا مقلتين(٢) يبصر بهما، فتعجب الملك فقال شمعون للملك: رأيت لو سألت إلهك حتى يصنع صنيعا مثل هذا فيكون لك ولإلهك شرفا فقال الملك: ليس لي عنها سر إنّ إلهنا الذي نعبده لا يضر ولا ينفع، ثم قال الملك للرسولين: إنْ قدر إلهكما على احياء ميت آمنا به وبكما، قالا: إلهنا قادر على كل شيء، فقال الملك: إنَّ هنا ميتا مات منذ سبعة أيام لم ندفنه حتى يرجع أبوه وكان غائبا، فجاؤا بالميت وقد تغير وأروح(٣) فجعلا

__________________

(١) البندقة: كل ما يرمى به من رصاص كروى وسواه.

(٢) المقلة: شحمة العين أو هي السواد والبياض منها.

(٣) من أروح الماء: تغير ريحه وأنتن.

٣٨١

يدعوان ربهما علانية وجعل شمعون يدعو ربه سرا، فقام الميت وقال لهم: انى قد متُّ منذ سبعة أيام وادخلت في سبعة اودية من النار، وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا بالله، فتعجب الملك، فلما علم شمعون أنّ قوله أثر في الملك دعاه إلى الله فآمن وآمن من أهل مملكته قوم وكفر آخرون، وقد روى مثل ذلك العياشي باسناده عن الثمالي وغيره عن أبي جعفر وأبى عبد اللهعليهما‌السلام إلّا أنّ في بعض الروايات: بعث الله الرسولين إلى انطاكية ثم بعث الثالث، وفي بعضها أنّ عيسى اوحى الله إليه أنْ يبعثهما ثمّ بعث وصيه شمعون ليخلصهما، وإنّ الميت الذي أحياه الله بدعائه كان ابن الملك، وأنه قد خرج من قبره ينفض التراب عن رأسه فقال: يا بنيّ ما حالك؟ قال: كنت ميتا فرأيت رجلين ساجدين يسألان الله أنْ يحييني، قال: يا بنيّ فتعرفهما إذا رأيتهما؟ قال: نعم، فأخرج الناس إلى الصحراء فكان يمر عليه رجل بعد رجل فمر أحدهما بعد جمع كثير، فقال: هذا أحدهما، ثمّ مرّ الاخر فعرفهما وأشار بيده إليهما فآمن الملك وأهل مملكته.

قال عزّ من قائل:( قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ ) إلى قوله مسرفون.

٣٢ ـ في كتاب الخصال فيما علّم أمير المؤمنينعليه‌السلام أصحابه من الأربعمأة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه في كل أمر واحدة من ثلث: الكبر والطيرة والتمني، فاذا تطير أحدكم فليمض على طيرته وليذكر اللهعزوجل ، وإذا خشي الكبر فليأكل مع عبده وخادمه وليحلب الشاة، وإذا تمنى فليسأل اللهعزوجل وليبتهل إليه ولا تنازعه نفسه إلى الإثم.

٣٣ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن عمرو بن حريث قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : الطيرة على ما تجعلها إنْ هوّنتها تهوّنت، وإنْ شددتها تشددت، وان لم تجعلها شيئا لم يكن شيئا.

٣٤ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن السكوني عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كفارة الطيرة التوكل.

٣٥ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب قالوا: أخبرنا النضر بن قرواش الحمال قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا

٣٨٢

عدوى ولا طيرة ولا شوم، وهذا الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٣٦ ـ في من لا يحضره الفقيه وروى سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي ـ الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام قال: الشوم للمسافر في طريقه في خمسة: الغراب الناعق عن يمينه، والكلب الناشر لذنبه، والذئب العاوي الذي يعوى في وجه الرجل وهو مقع على ذنبه يعوى ثم يرتفع ثم ينخفض ثلاثا، والظبي السانح من يمين إلى شمال، والبومة الصارخة والمرأة الشمطاء(١) تلقى فرجها، والأتان العضباء يعنى الجذعاء(٢) فمن أوجس في نفسه منهن شيئا فليقل: اعتصمت بك يا رب من شر ما أجد في نفسي فاعصمني من ذلك قال: فيعصم من ذلك.

٣٧ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل :( إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ ) قالوا بأسمائكم، وقولهعزوجل :( وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) قال: نزلت في حبيب النجار إلى قوله تعالى:( وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) .

٣٨ ـ في كتاب الخصال عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين: مؤمن آل ياسين، وعلى بن أبي طالب، وآسية امرأة فرعون.

٣٩ ـ في جوامع الجامع وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين: علي بن أبي طالب، وصاحب ياسين، ومؤمن آل فرعون، فهم الصديقون وعلى أفضلهم.

٤٠ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن مالك بن عطية عن يونس بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلت فداك إنَّ هذا الذي قد ظهر بوجهي(٣) يزعم الناس أنّ اللهعزوجل لم يبتل به عبدا له فيه حاجة ،

__________________

(١) الشمطاء: التي خالط بياض أسها سواد.

(٢) الجذءاء: مقطوعة الاذن.

(٣) الآثار التي ظهرت بوجهه كان برصا ويحتمل الجذام. قاله المجلسي (ره)

٣٨٣

فقال لي: [لا] لقد كان مؤمن آل فرعون مكنع الأصابع(١) فكان يقول هكذا ـ ويمد بيده ـ ويقول:( يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٤١ ـ في أمالي الصدوق باسناده إلى عبد الرحمان بن أبي ليلى رفعه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين الذي يقول:( اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلى ابن أبي طالب وهو أفضلهم.

٤٢ ـ في جوامع الجامع:( قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) وورد في حديث مرفوع أنه نصح قومه حيا وميتا.

٤٣ ـ وروى عن علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام ( يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ) على الاضافة إليهم لاختصاصها بهم من حيث انها موجهة إليهم.

٤٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ ) قال: فانه حدّثني أبي عن النضر بن سويد عن الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ النطفة تقع من السماء إلى الأرض على النبات والثمر والشجر، فيأكل الناس منه والبهائم فيجري فيهم.

٤٥ ـ في روضة الكافي علي بن محمد عن علي بن العباس عن علي بن حماد عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: فضرب الله مثل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الشمس ومثل الوصي القمر، وهو قول اللهعزوجل :( جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً ) وقوله:( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ ) وقولهعزوجل :( ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ ) يعنى قبض محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وظهرت الظلمة فلم يبصروا أفضل أهل بيته، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٤٦ ـ في الكافي علي بن محمد ومحمد بن الحسن عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن أبي ولاد قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الله خلق حجابا من ظلمة مما يلي

__________________

(١) المكنع: هو الذي وقعت أصابعه.

٣٨٤

المشرق ووكل به ملكا، فاذا غابت الشمس اغترف ذلك الملك غرفة بيده ثم استقبل بها المغرب تتبع الشفق، ويخرج من بين يديه قليلا قليلا، ويمضى فيوافي المغرب عند سقوط الشمس فيسرح الظلمة ثم يعود إلى المشرق، فاذا طلع الفجر نشر جناحيه واستاق الظلمة من المشرق إلى المغرب حتى يوافي بها المغرب عند طلوع الشمس.

٤٧ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى أبي ذر الغفاري رحمة الله عليه قال: كنت آخذا بيد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن نتماشى جميعا، فما زلنا ننظر إلى الشمس حتى غابت، فقلت: يا رسول الله أين تغيب؟ قال: في السماء، ثم ترفع من سماء إلى سماء حتى ترفع إلى السماء السابغة العليا حتى تكون تحت العرش فتخر ساجدة فتسجد معها الملائكة الموكلون بها، ثم تقول: يا رب من أين تأمرنى أنْ اطلع؟ امن مغربي أم من مطلعي؟ فذلك قولهعزوجل :( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) يعنى بذلك صنع الرب العزيز في ملكه بخلقه قال: فيأتيها جبرئيل بحلة ضوء من نور العرش على مقادير ساعات النهار في طوله في الصيف، وفي قصره في الشتاء أو ما بين ذلك في الخريف والربيع، قال: فتلبس تلك الحلة كما يلبس أحدكم ثيابه ثم تنطلق بها في جو السماء حتى تطلع من مطلعها، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : كأنى بها قد حبست مقدار ثلاث ليال، ثم لا تكسى ضوءا وتؤمر أنْ تطلع من مغربها، فذلك قولهعزوجل :( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) والقمر كذلك من مطلعه ومجراه في أفق السماء ومغربه، وارتفاعه إلى السماء السابعة، ويسجد تحت العرش ثم يأتيه جبرئيل بالحلة من نور الكرسي، فذلك قولهعزوجل :( جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً ) .

٤٨ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد قال سأل العالمعليه‌السلام كيف علم الله؟ قال: علم وشاء وأراد وقدر وقضى وامضى، فأمضى ما قضى وقضى ما قدر وقدر ما أراد، فبعلمه كانت المشية وبمشية كانت الارادة وبإرادته كان التقدير، وبتقديره كان القضاء وبقضائه كان الإمضاء، والعلم متقدم المشية والمشية ثانية والارادة ثالثة

٣٨٥

والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء، فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء وفيما أراد، لتقدير الأشياء، فاذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء، فالعلم في المعلوم قبل كونه، والمشية في المنشأ قبل عينه، والارادة في المراد قبل قيامه، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا ووقتا، والقضاء بالإمضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الأجسام المدركات بالحواس من ذوي لون وريح ووزن وكيل، وما دب ودرج من انس وجن وطير وسباع وغير ذلك مما يدرك بالحواس، فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له فاذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء والله يفعل ما يشاء، فبالعلم علم الأشياء قبل كونها، وبالمشية عرف صفاتها وحدودها، وانشأها قبل إظهارها وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها وصفاتها، وبالتقدير قدر أقواتها وعرف أولها وآخرها، وبالقضاء أبان للناس أماكنها ودلهم عليها، وبالإمضاء شرح عللها وأبان أمرها وذلك تقدير العزيز العليم.

٤٩ ـ في مجمع البيان وروى عن علي بن الحسين زين العابدين وأبى جعفر الباقر وجعفر الصادقعليهم‌السلام «لا مستقر لها» بنصب الراء.

٥٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن داود بن محمد النهدي قال: دخل أبو سعيد المكاري على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فقال له: أبلغ من قدرك أنْ تدعى ما ادعاه أبوك؟ فقال له الرضاعليه‌السلام : ما لك اطفأ الله نورك وادخل الفقر بيتك، أما علمت أنّ اللهعزوجل أوحى إلى عمران انى واهب لك ذكرا، فوهب له مريم ووهب لمريم عيسى فعيسى من مريم ومريم من عيسى، ومريم وعيسى واحد، وأنا من أبي وأبى منى وانا وأبي شيء واحد، فقال له أبو سعيد: فاسئلك عن مسئلة؟ قال: سل ولا إخالك تقبل منى ولست من غنمي ولكن هاتها، فقال له: ما تقول في رجل قال عند موته كل مملوك لي قديم فهو حر لوجه الله؟ قال: نعم ما كان لستة أشهر فهو قديم حر، لان اللهعزوجل يقول( وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) فما كان لستة أشهر فهو قديم حر، قال: فخرج من عنده وافتقر وذهب بصره ثم مات لعنه الله وليس عنده مبيت ليلة.

٥١ ـ في إرشاد المفيدرحمه‌الله وقضى عليّعليه‌السلام في رجل وصى فقال: أعتقوا عنى كل عبد قديم في ملكي، فلما مات لم يعرف الوصي ما يصنع فسأله عن ذلك، فقال: يعتق عنه كل

٣٨٦

عبد له في ملكه ستة أشهر، وتلا قوله:( وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) .

٥٢ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قولهعزوجل :( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) يقول: الشمس سلطان النهار، والقمر سلطان الليل، لا ينبغي للشمس أنْ تكون مع ضوء القمر، ولا يسبق الليل النهار، يقول: لا يذهب الليل حتى يدركه النهار( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) يقول يجيء وراء (يجرى ذاخ ل) الفلك الاستدارة.

٥٣ ـ في مجمع البيان وروى العياشي في تفسيره بالإسناد عن الأشعث بن حاتم قال كنت بخراسان حيث اجتمع الرضا والفضل بن سهل والمأمون في الإيوان بمرو، فوضعت المائدة، فقال الرضاعليه‌السلام : إنَّ رجلا من بنى إسرائيل سألنى بالمدينة فقال: النهار خلق قبل أم الليل فما عندكم؟ قال: وأداروا الكلام فلم يكن عندهم في ذلك شيء فقال الفضل للرضاعليه‌السلام : أخبرنا بها أصلحك الله، قال: نعم من القرآن أم من الحساب؟ قال له الفضل: من جهة الحساب، فقال: قد علمت يا فضل أنّ طالع الدنيا السرطان والكواكب في موضع شرفها فزحل في الميزان والمشترى في السرطان والشمس في الحمل والقمر في الثور، فذلك يدل على كينونة الشمس في الحمل في العاشر من الطالع في وسط الدنيا، فالنهار خلق قبل الليل وفي قوله تعالى:( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ ) أي قد سبقه النهار.

٥٤ ـ في روضة الكافي ابن محبوب عن أبي جعفر الأحول عن سلام بن المستنير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ اللهعزوجل خلق الشمس قبل القمر وخلق النور قبل الظلمة.

٥٥ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل وفيه قال السائل: فخلق النهار قبل الليل، قال: نعم خلق النهار قبل الليل والشمس والقمر والأرض قبل السماء.

٥٦ ـ في كتاب الخصال عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل وفيه قال: فما التسعون؟ قال: الفلك المشحون، اتخذ نوحعليه‌السلام فيه تسعين بيتا للبهائم.

٥٧ ـ في مجمع البيان:( ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ ) وروى الحلبي عن أبي ـ

٣٨٧

عبد اللهعليه‌السلام قال: معناه اتقوا ما بين أيديكم من الذنوب، وما خلفكم من العقوبة.

٥٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم، قولهعزوجل :( وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ) قال ذلك في آخر الزمان يصاح فيهم صيحة وهم في أسواقهم يتخاصمون، فيموتون كلهم في مكانهم لا يرجع أحد منهم إلى منزله، ولا يوصى بوصية، وذلك قولهعزوجل :( فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ) .

٥٩ ـ في مجمع البيان وفي الحديث تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعان فما يطويانه حتى تقوم الساعة والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتى تقوم، والرجل يليط حوضه(١) ليسقى ماشيته فما يسقيها حتى تقوم.

٦٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل :( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ) قال: من القبور، وفي رواية أبي الجارود عن أبي ـ جعفرعليه‌السلام في قوله:( يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا ) فان القوم كانوا في القبور فلما قاموا حسبوا أنهم كانوا نياما،( قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا ) قالت الملائكة( هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) .

٦١ ـ في جوامع الجامع وروى عن عليٍّعليه‌السلام انه قرأ «من بعثنا» على مِن الجارة والمصدر.

٦٢ ـ في روضة الكافي الحسين بن محمد ومحمد بن يحيى عن محمد بن سالم عن أبي سلمة عن الحسن بن شاذان الواسطي قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أشكو جفاء أهل واسط وحملهم على، وكانت عصابة من العثمانية تؤذيني، فوقع بخطه: إنّ الله جل ذكره أخذ ميثاق أوليائنا على الصبر في دولة الباطل فاصبر لحكم ربك، فلو قد قام سيد الخلق لقالوا( يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) .

٦٣ ـ في أصول الكافي باسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان أبو ذر،رحمه‌الله يقول في خطبته وما بين الموت والبعث إلّا كنومة نمتها ثم استيقظت منها

__________________

(١) لاط الحوض: ماره لئلا ينشف الماء.

٣٨٨

والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن زيد النرسي عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله صلوات الله عليه يقول: إذا أمات الله أهل الأرض لبث كمثل ما خلق الله الخلق ومثل ما أماتهم وأضعاف ذلك، ثم أمات أهل سماء الدنيا ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ما أمات أهل الأرض وأهل سماء الدنيا وأضعاف ذلك ثم أمات أهل السماء الثانية ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ما أمات أهل الأرض وأهل السماء الدنيا والسماء الثانية وأضعاف ذلك، ثم أمات أهل السماء الثالثة ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ما أمات أهل الأرض وأهل السماء الدنيا والسماء الثانية والثالثة وأضعاف ذلك، في كل سماء مثل ذلك وأضعاف ذلك، ثم أمات ميكائيل ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ذلك كله وأضعاف ذلك، ثم أمات جبرئيلعليه‌السلام ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ذلك كله وأضعاف ذلك ثم أمات إسرافيلعليه‌السلام ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ذلك كله وأضعاف ذلك ثم أمات ملك الموتعليه‌السلام ، ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ذلك كله وأضعاف ذلك ثم يقول اللهعزوجل :( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ) ؟ فيرد على نفسه( لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ) أين الجبارون؟ وأين المتكبرون؟ وأين الذين ادعوا معى إلها آخر ونحوهم؟ ثمّ يبعث الخلق قال عبيد بن زرارة: فقلت: إنَّ هذا الأمر كائن طولت ذلك؟ فقال: أرأيت ما كان هل علمت به؟ فقال: لا، قال: فكذلك هذا، وقولهعزوجل :( إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ ) قال: في افتضاض العذارى فاكهون، قال: يفاكهون النساء ويلاعبونهن.

٦٥ ـ في مجمع البيان( فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ ) وقيل: شغلوا بافتضاض العذارى عن ابن عباس وابن مسعود وهو المروي عن الصادقعليه‌السلام ، قال: وحواجبهن كالاهلة(١) وأشفار أعينهن كقوادم النسور.

٦٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قولهعزوجل :( فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ ) متكئون الأرائك السرر عليها الحجال

__________________

(١) جمع الهلال.

٣٨٩

٦٧ ـ حدّثني أبي عن الحسن بن محبوب عن محمد بن إسحق عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وذكر حديثا طويلا يذكر فيه حال المؤمن إذا دخل الجنة: فاذا جلس المؤمن على سريره اهتز سريره فرحا، فاذا استقرت بولي الله منازله في الجنة استأذن عليه الملك الموكل بجنانه ليهنئه بكرامة الله إياه، فيقول له خدام المؤمن ووصفاؤه: مكانك فان ولي الله قد اتكى على أرائكه فزوجته الحوراء العيناء قد هيئت فاصبر لولى الله حتى يفرغ من شغله، قال: فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمتها تمشي مقبلة وحولها وصفائها تحجبنها، عليها سبعون حلة منسوجة بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد صبغن بمسك وعنبر، وعلى رأسها تاج الكرامة، وفي رجلها نعلان من ذهب مكللان بالياقوت واللؤلؤ، شراكهما ياقوت أحمر، فاذا دنت من ولي الله وهم يقوم إليها شوقا تقول له: يا ولي الله ليس هذا يوم تعب ولا نصب، لا تقم، انا لك وأنت لي، فيعتنقان قدر خمسمائة عام من أعوام الدنيا لا يملها ولا تمله، قال: فينظر إلى عنقها فاذا عليها قلادة من قضيب ياقوت أحمر، وسطها لوح مكتوب: أنت يا ولي الله حبيبي وانا الحوراء حبيبتك إليك تتأهب نفسي والى تتأهب نفسك، ثم يبعث الله ألف ملك يهنونه بالجنة ويزوجونه بالحوراء.

٦٨ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن محمد بن إسحاق المدني عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونقل عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله حديثا طويلا يقول فيه حاكيا حال أهل الجنة: والمؤمن ساعة مع الحوراء، وساعة مع الادمية، وساعة يخلو بنفسه على الأرائك متكئا ينظر بعض المؤمنين إلى بعض.

٦٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقال علي بن إبراهيمرحمه‌الله في قولهعزوجل :( سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ) قال: السلام منه هو الامان، وقوله:( وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ) قال: إذا جمع الله الخلق يوم القيامة بقوا قياما على أقدامهم حتى يلجمهم العرق فينادون: يا رب حاسبنا ولو إلى النار، قال: فيبعث اللهعزوجل رياحا فتضرب بينهم وينادى مناد:( امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ) فيميز بينهم فصار المجرمون في النار ومن كان في قلبه الايمان صار إلى الجنة.

٣٩٠

قال عز من قائل( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ ) الآية.

٧٠ ـ في كتاب الاعتقادات الامامية للصدوقرحمه‌الله وقالعليه‌السلام : من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فان كان الناطق عن الله فقد عبد الله، وان كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس.

٧١ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن بكر بن صالح عن القاسم ابن بريد قال: حدّثنا أبو عمرو الزبيري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وذكر حديثا طويلا يقول فيهعليه‌السلام بعد أنْ قال إنّ الله تبارك وتعالى فرض الايمان على جوارح ابن آدم وقسمه عليها وفرقه فيها، وقال فيها شهدت الأيدي والأرجل على أنفسهما وعلى أربابهما من تضييعهما لما أمر اللهعزوجل وفرضه عليهما( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) فهذا أيضا مما فرض الله على اليدين وعلى الرجلين وهو عملهما وهو من الايمان.

٧٢ ـ علي بن محمد عن بعض أصحابه عن آدم بن إسحاق عن عبد الرزاق بن مهران عن الحسين بن ميمون عن محمد بن سالم عن أبي جعفرعليه‌السلام وذكر حديثا طويلا يقول فيهعليه‌السلام : وليست تشهد الجوارح على مؤمن انما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب فأما المؤمن فيعطى كتابه بيمينه قال اللهعزوجل :( فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) .

٧٣ ـ في من لا يحضره الفقيه قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصيته لابنه محمد ابن الحنفية رضى الله عنه: وقال اللهعزوجل :( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) فأخبر عنها انها تشهد على صاحبها يوم القيامة.

٧٤ ـ في تفسير العياشي عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام عن جده قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في خطبة يصف هول يوم القيامة: ختم على الأفواه فلا نكلم وتكلمت الأيدى وشهدت الأرجل ونطقت الجلود بما عملوا فلا يكتمون الله حديثا.

٧٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل :( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ ) إلى قوله تعالى:( بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) قال: إذا جمع اللهعزوجل الخلق يوم القيامة

٣٩١

دفع إلى كل إنسان كتابه فينظرون فيه فينكرون أنهم عملوا من ذلك شيئا فتشهد عليهم الملائكة فيقولون: يا رب ملائكتك يشهدون لك ثم يحلفون أنهم لم يعملوا من ذلك شيئا وهو قول اللهعزوجل :( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ ) فاذا فعلوا ذلك ختم الله على ألسنتهم وتنطق جوارحهم بما كانوا يكسبون.

٧٦ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : وقوله:( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) قال: ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة. يكفر أهل المعاصي بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضا والكفر في هذه الآية بالبراءة يقول يتبرأ بعضهم من بعض ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان:( إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ) وقول إبراهيم خليل الرحمان: «كفرنا بكم يعنى تبرأنا منكم ثم يجتمعون في مواطن أخر فيستنطقون فيه فيقولون:( وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ) وهؤلاء خاصة هم المقرون في دار الدنيا بالتوحيد فلم ينفعهم ايمانهم مع مخالفتهم رسله، وشكهم فيما أتوا به من ربهم، ونقضهم عهوده في أوصيائه، واستبدالهم( الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) ، فكذبهم الله فيما انتحلوه من الايمان بقوله:( انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ) فيختم الله على أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود، فتشهد بكل معصية كانت منه، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم:( لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) .

٧٧ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل ( وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ ) فانه رد على الزنادقة الذين يبطلون التوحيد ويقولون إنّ الرجل إذا نكح المرأة وصارت النطفة في رحمها تلقيه الاشكال من الغذاء ودار عليه الفلك، ومر عليه الليل والنهار [فيولد الإنسان بالطبايع من الغذاء ومرور الليل والنهار] فنقض اللهعزوجل عليهم قولهم في حرف واحد فقال جل ذكره:( وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ ) قال: لو كان هذا كما يقولون لكان ينبغي أنْ يزيد الإنسان أبدا ما دامت الاشكال قائمة والليل والنهار قائمان والفلك يدور، فكيف صار يرجع إلى النقصان كلما ازداد في الكبر

٣٩٢

الى حد الطفولية ونقصان السمع والبصر والقوة والعلم والمنطق حتى ينتقص وينتكس في الخلق، ولكن ذلك من خلق العزيز العليم وتقديره، وقولهعزوجل :( وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ ) قال: كانت قريش تقول إنّ هذا الذي يقوله محمّد شعر، فرد اللهعزوجل عليهم فقال:( وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ ) ولم يقل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شعرا قط.

٧٨ ـ في مجمع البيان روى عن الحسن أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتمثل بهذا البيت «كفي الإسلام والشيب للمرء ناهيا» فقال له أبو بكر: يا رسول الله انما قال: «كفي الشيب والإسلام للمرء ناهيا» وأشهد انك رسول الله وما علمك الله الشعر وما ينبغي لك.

٧٩ ـ وعن عائشة انها قالت: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتمثل ببيت أخي بنى قيس: ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا* ويأتيك بالاخبار من لم تزود فجعل يقول: «وما يأتيك من لم تزود بالاخبار» فيقول أبو بكر: ليس هكذا يا رسول الله فيقول: انى لست بشاعر وما ينبغي لي، فأما قولهعليه‌السلام .

انا النبي لا كذب* انا ابن عبد المطلب فقد قال: قوم أنّ هذا ليس بشعر، وقال آخرون: انما هو اتفاق منه وليس يقصد إلى قول الشعر، وقد صح انهعليه‌السلام كان يسمعه ويحثّ عليه، وقال للحسّان بن ثابت: لا تزال يا حسّان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك.

٨٠ ـ في أصول الكافي ـ علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن الحسين بن زيد عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن إبراهيم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : وقال اللهعزوجل :( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ) فالحي المؤمن الذي تخرج طينته من طينة الكافر، والميت الذي يخرج من الحي هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن، فالحي المؤمن، والميت الكافر، وذلك قولهعزوجل :( أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ) فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر، وكان حيوته حين فرق اللهعزوجل بينهما بكلمته، كذلك يخرج الله جل وعز المؤمن في

٣٩٣

الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور، ويخرج الكافر من النور إلى الظلمة بعد دخوله إلى النور، وذلك قولهعزوجل :( لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ )

٨١ ـ في مجمع البيان ويجوز أنْ يكون المراد بمن كان حيا عاقلا وروى ذلك عن علىعليه‌السلام .

٨٢ ـ في كتاب طب الائمةعليهم‌السلام باسناده إلى جابر بن راشد عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال: بينما هو في سفر إذ نظر إلى رجل عليه كآبة وحزن، فقال له: ما لك؟ قال: دابتي حرون(١) قال: ويحك اقرء هذه الآية في أذنه( وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ )

٨٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ) يقول: لا تستطيع الآلهة لهم نصرا وهم للآلهة جند محضرون.

٨٤ ـ في تفسير العياشي عن الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: جاء أبي بن خلف فأخذ عظما باليا من حائط ففته ثم قال: يا محمد( إِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً ) فأنزل الله( مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) .

٨٥ ـ في من لا يحضره الفقيه حديث طويل وفيه قالوا وقد رممت يا رسول الله يعنون صرت رميما؟ فقال: كلا إنّ اللهعزوجل حرم لحومنا على الأرض أن تطعم منها شيئا.

٨٦ ـ وقال الصادقعليه‌السلام : إنّ اللهعزوجل حرم عظامنا على الأرض وحرم لحومنا على الدواب أنْ تطعم منها شيئا.

٨٧ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله في احتجاج أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام : قال السائل: أفيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟ قال: بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور، فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى فلا حس ولا محسوس، ثم أعيدت الأشياء كما بدأها مدبرها، وذلك أربع مأة سنة يسبت فيها الخلق وذلك بين ـ النفختين، قال: وانى له بالبعث والبدن قد بلى والأعضاء قد تفرقت فعضو ببلدة يأكله

__________________

(١) الحرون: الذي لا ينقاد.

٣٩٤

سباعها، وعضو بأخرى تمزقة هو أمها، وعضو قد صار ترابا يبنى به مع الطير في حائط؟ قال: إنّ الذي انشأه من غير شيء وصوره على غير مثال كان سبق إليه قادر أنْ يعيده كما بدأه قال: أوضح لي ذلك، قال: إنّ الروح مقيمة في مكانها روح المحسن في ضياء وفسحة، وروح المسيء في ضيق وظلمة، والبدن يصير ترابا كما منه خلق، وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها، فما أكلته ومزقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض ويعلم عدد الأشياء ووزنها، وان تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب، فاذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور، فتربوا الأرض ثم يمخض مخض السقاء فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء، والزبد من اللبن إذا مخض، فيجتمع تراب كل قالب إلى قالبه. فينتقل بإذن الله تعالى القادر إلى حيث الروح، فتعود الصور بإذن الله المصور كهيئتها وتلج الروح فيها فاذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا.

٨٨ ـ وروى عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن عليعليهم‌السلام أنّ يهوديا من يهود الشام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين: فان إبراهيمعليه‌السلام قد بهت الذي كفر ببرهان على نبوته؟ قال له عليّعليه‌السلام : لقد كان كذلك ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أتاه مكذب بالبعث بعد الموت وهو أبي بن خلف الجمحي معه عظم نخر ففركه(١) ثم «قال»: يا محمد( مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) فأنطق الله محمدا بمحكم آياته وبهته ببرهان نبوته، فقال:( يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) فانصرف مبهوتا.

٨٩ ـ وفيه أيضا قال أبو محمد العسكريعليه‌السلام : قال الصادقعليه‌السلام : وأما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر الله تعالى به نبيه أنْ يجادل به من جحد البعث بعد الموت وأحياه له فقال حاكيا عنه:( وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) فقال الله في الرد عليه: «قل» يا محمد( يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ) فأراد من نبيه أنْ يجادل

__________________

(١) نخر العظم: بلى وتفتت. وفرك الشيء: دلكه وفرك ـ بالتشديد: بالغ في فركه.

٣٩٥

المبطل الذي قال كيف يجوز أنْ يبعث هذه العظام وهي رميم؟ قال:( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) أفيعجز من ابتدئ به لا من شيء أنْ يعيده بعد أنْ يبلى، بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته، ثم قال:( الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً ) أي إذا كمن النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب ثم يستخرجها فصرفكم انه على اعادة من بلى أقدر.

٩٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن سعد بن أبي سعيد عن إسحاق ابن جرير قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : أي شيء يقول أصحابك في قول إبليس( خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) ؟ قلت: جعلت فداك قد قال ذلك وذكره الله في كتابه، قال: كذب إبليس يا إسحاق ما خلقه إلّا من طين، ثمّ قال: قال الله( الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ) خلقه الله من ذلك النار ومن تلك الشجرة، والشجرة أصلها من طين.

٩١ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله متصل بقوله سابقا انه على إعادة من بلى أقدر ثم قال:( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ) أي إذا كان خلق السموات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أنْ تقدروا عليه من إعادة البالي فكيف جوزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم، ولم تجوزوا منه ما هو أسهل عندكم من اعادة البالي، قال الصادقعليه‌السلام : فهذا الجدال بالتي هي أحسن، لان فيها قطع عذر الكافرين وازالة شبههم، واما الجدال بغير التي هي أحسن فان تجحد حقا لا يمكنك أنْ تفرق بينه وبين باطل من تجادله، وانما تدفعه عن باطله بأن يجحد الحق، فهذا هو المحرم لأنك مثله جحد هو حقا وجحدت أنت حقا آخر، قال أبو محمدعليه‌السلام : فقام إليه رجل آخر فقال: يا بن رسول الله أيجادل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال الصادقعليه‌السلام : مهما ظننت برسول الله من شيء فلا تظنن به مخالفة الله تعالى، أليس الله قال:( وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) و( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) لمن ضرب الله مثلا، فتظن أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خالف ما أمرته الله به فلم يجادل ما أمره الله به، ولم يخبر عن أمر الله بما أمره أنْ يخبر

٣٩٦

به، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٩٢ ـ وعن يعقوب بن جعفر عن أبي إبراهيمعليه‌السلام أنّه قال: ولا أحده بلفظ بشق فم ولكن كما قال اللهعزوجل :( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) بمشيته من غير تردد في نفس!

٩٣ ـ في نهج البلاغة يقول لما أراد كونه: كن فيكون لا بصوت يقرع ولا نداء يسمع، وانما كلامه سبحانه فعل منه انشأه ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا، ولو كان قديما لكان إلها ثانيا.

٩٤ ـ وفيه أيضا يقول ولا يلفظ ويريد ولا يضمر.

٩٥ ـ وفيه أيضا يريد بلا همة.

٩٦ ـ في كتاب الاهليلجة المنقول عن الصادق عليه الصلوة والسلام إنّ الارادة من العباد الضمير وما يبد وبعد ذلك من الفعل، واما من اللهعزوجل فالارادة للفعل احداثه انما يقول له كن فيكون بلا تعب ولا كيف.

٩٧ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى العطار عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري عن الحسين بن سعيد الأهوازي عن النضر بن سويد عن عاصم بن حميد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت: لم يزل الله مريدا؟ قال: إنّ المريد لا يكون إلّا المراد معه لم يزل عالما قادرا، ثمّ أراد.

٩٨ ـ أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى قال: قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : أخبرنى عن الارادة من الله ومن الخلق؟ قال: فقال: الارادة من الخلق الضمير وما يبد ولهم بعد ذلك من الفعل واما من الله فإرادته احداثه لا غير ذلك لأنه لا يروى ولا يهم ولا يتفكر وهذه الصفات منفية عنه وهي صفات الخلق، فارادة الله الفعل لا غير ذلك( يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) بلا لفظ ولا نطق بلسان، ولا همة ولا تفكر، ولا كيف لذلك كما أنه لا كيف له.

٩٩ ـ في عيون الأخبار في باب مجلس الرضاعليه‌السلام مع أهل الأديان والمقالات في التوحيد كلام الرضاعليه‌السلام مع عمران يقول فيه: واعلم أنّ الإبداع والمشية والارادة

٣٩٧

واحدة، وأسماءها ثلاثة، وكان أول ابداعه وإرادته ومشيته الحروف التي جعلها أصلا لكل شيء، ودليلا على كل مدرك، وفاصلا لكل مشكل، وتلك الحروف تعرف كل شيء من اسم حق وباطل، أو فعل أو مفعول، أو معنى أو غير معنى، وعليها اجتمعت الأمور كلها، ولم يجعل للحروف في ابداعه لها معنى غير أنفسها يتناهى ولا وجود لها لأنها مبدعة بالإبداع، والنور في هذا الموضع أول فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض، والحروف هي المفعول بذلك الفعل، وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلها من اللهعزوجل علمها خلقه وهي ثلاثة وثلاثون حرفا، فمنها ثمانية وعشرون حرفا تدل على لغات العربية، ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفا تدل على لغات السريانية والعبرانية، ومنها خمسة أحرف متحرفة في ساير اللغات من العجم الأقاليم اللغات كلها(١) وهي خمسة أحرف تحرفت من الثمانية والعشرين حرفا من اللغات، فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفا، وأما الخمسة المختلفة «فتجحخ»(٢) لا يجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه، ثم جعل الحروف بعد إحصائها وأحكام عدتها فعلا منه كقولهعزوجل «كن فيكون» وكن منه صنع وما يكون به المصنوع، فالخلق الاول من اللهعزوجل : الإبداع، لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حس، والخلق الثاني حروف لا وزن لها ولا لون، وهي مسموعة موصوفة غير منظور إليها، والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلها محسوسا ملموسا ذا ذوق منظورا اليه، والله تبارك وتعالى سابق بالإبداع لأنه ليس قبلهعزوجل ولا كان معه شيء، والإبداع سابق للحروف والحروف لا تدل على غير نفسها، قال المأمون: كيف لا تدل على غير نفسها؟ قال الرضاعليه‌السلام لان الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئا بغير معنى أبدا فاذا ألف منها أحرفا أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقل

__________________

(١) كذا في النسخ لكن في المصدر «من العجم والأقاليم واللغات كلها».

(٢) والمراد بها الفاء، والتاء، والجيم، والحاء المهملة، والخاء المعجمة، وقد اختلفت النسخ في ضبط هذه الكلمة وقال المجلسي (ره): الظاهر أنّ العبارة قد صحفت ولم تكن بهذه الصورة.

٣٩٨

لم يؤلفها لغير معنى. ولم يك إلّا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئا، قال عمران: فكيف لنا بمعرفة ذلك؟ قال الرضاعليه‌السلام : اما المعرفة فوجه ذلك وبيانه انك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير نفسها، ذكرتها فردا [فقلت] أب ت ث ج ح خ حتى تأتى على آخرها، فلم تجد لها غير أنفسها وإذا ألفت وجمعت منها وجعلتها اسما وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها، داعية إلى الموصوف بها، أفهمته؟ قال: نعم.

١٠٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم ثم قالعزوجل :( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) إلى قوله تعالى:( كُنْ فَيَكُونُ ) قال: خزائنه في كاف والنون.

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من قرء سورة الصافات في كل يوم جمعة لم يزل محفوظا من كل آفة مدفوعا عنه كل بلية في الحيوة الدنيا مرزوقا في الدنيا في أوسع ما يكون من الرزق، ولم يصبه الله في ماله وولده ولا بدنه بسوء من شيطان رجيم، ولا من جبار عنيد، وان مات في يومه أو ليلته بعثه الله شهيدا وأماته شهيدا، وأدخله الجنة مع الشهداء في درجة من الجنة.

٢ ـ في مجمع البيان أبي بن كعب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ومن قرء سورة الصافات أعطى من الأجر عشر حسنات بعدد كل جنى وشيطان، وتباعدت عنه مردة الشياطين، وبرىء من الشرك، وشهد له حافظاه يوم القيامة انه كان مؤمنا بالمرسلين.

٣ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن موسى بن الحسن عن سليمان الجعفري قال: رأيت أبا الحسنعليه‌السلام يقول لابنه القاسم: قم فأقرأ عند رأس أخيك( وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ) حتى تستتمها، فقرأه فلما بلغ( أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا ) قضى الفتى، فلما سجي(١) وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر، فقال له: كنا نعهد الميت إذا نزل به الموت يقرأ

__________________

(١) قال في الصحاح: سجيت الميت تسجية: إذا مددت عليه ثوبا.

٣٩٩

عنده( يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ) فصرت تأمرنا بالصافات؟ فقال: يا بنى لم تقرأ عند(١) مكروب من موت قطّ إلّا عجل الله راحته.

٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم والصافات صفا قال: الملائكة والأنبياءعليهم‌السلام ، ومن وصف اللهعزوجل عبده فالزاجرات زجرا الذين يزجرون الناس فالتاليات ذكرا الذين يقرؤن الكتاب من الناس فهو قسم وجوابه( إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ )

٥ ـ قال: وحدثني أبي ويعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: إنّ هذه النجوم التي في السماء مدائن مثل المداين التي في الأرض مربوطة كل بعمود من نور، طول ذلك العمود في السماء مسيرة مأتين وخمسين سنة.

٦ ـ وقولهعزوجل ( وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ ) : المارد الخبيث.

٧ ـ وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: عذاب واصب أي دائم موجع قد وصل إلى قلوبهم.

٨ ـ وفيه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل قال: فصعد جبرئيل وصعدت معه إلى سماء الدنيا، وعليها ملك يقال له اسمعيل، وهو صاحب الخطفة التي قال اللهعزوجل :( إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ ) وتحته سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف ملك، فقال: يا جبرئيل من هذا معك؟ قال: محمد، قال وقد بعث؟ قال: نعم، ففتح الباب فسلمت عليه وسلم عليّ واستغفرت له واستغفر لي، وقال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.

٩ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن عن النضر بن شعيب عن عبد الغفار الجازي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ الله خلق المؤمن من طينة الجنة، وخلق الكافر من طينة النار، قال: وسمعته يقول: الطينات ثلاثة: طينة الأنبياء، والمؤمن من تلك الطينة، إلّا أنّ الأنبياء هم من صفوتها هم الأصل ولهم فضلهم ،

__________________

(١) كذا في النسخ لكن في المصدر «عبد» مكان «عند».

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652