تفسير نور الثقلين الجزء ٤

تفسير نور الثقلين9%

تفسير نور الثقلين مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 652

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 652 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 300749 / تحميل: 6170
الحجم الحجم الحجم
تفسير نور الثقلين

تفسير نور الثقلين الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

المأساة الخالدة

ولم تبقَ كارثة من كوارث الدنيا ولا رزية من رزايا الدنيا إلاّ جرت على حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وعقيلة بني هاشم في كربلاء؛ فقد أحاطت بها المصائب يتبع بعضها بعضاً؛ فقد شاهدت أعداء الله وجيوش آل أبي سفيان قد اجتمعت على إبادة أهلها، وقد احتلّوا ماء الفرات ومنعوا ذرّية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من الانتهال منه، وقد عجّت أطفال أهل البيت (عليهم السّلام) ونساؤهم بالصراخ والعويل من شدّة الظمأ، وقد أحاطوا بالعقيلة يطلبون منها الماء وهي حائرة مذهولة تأمرهم بالصبر، كيف الصبر والعطش قد مزّق قلوبهم؟!

وقد زحفت جيوش الاُمويِّين نحو الإمام الحسين (عليه السّلام) في ليلة التاسع من المحرّم، كان سيّد الشهداء جالساً أمام بيته محتبياً بسيفه، إذ خفق برأسه، فسمعت اُخته العقيلة أصوات الجيش قد تدانت نحو أخيها، فانبرت إليه وهي مذهولة مرعوبة فأيقظته، وقالت له: إنّ العدو قد دنا منّا.

فقال لها:«إنّي رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المنام فقال: إنّك تروح إلينا» .

وكانت هذه الكلمات كالصاعقة على رأس العقيلة، فقد خرقت قلبها الرقيق المعذّب، فلطمت وجهها وقالت: يا وليتاه(١) !

____________________

(١) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٣٨٤.

٢٤١

وكان أبو الفضل العباس (عليه السّلام) إلى جانب أخيه لا يفارقه، فقال له: يا أخي، أتاك القوم.

وطلب منه الإمام (عليه السّلام) أن يتعرّف على خبرهم، فقال له:«اركب بنفسي أنت يا أخي حتّى تلقاهم، فتقول لهم: ما بدا لكم؟ وما تريدون؟» .

وبادر قمر بني هاشم ومعه عشرون فارساً نحو القوم، وفيهم حبيب بن مظاهر، وزهير بن القين، فسألهم العباس عن زحفهم، فقالوا له: جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم النزول على حكمه أو نناجزكم(١) .

وقفل أبو الفضل (عليه السّلام) إلى أخيه فعرّفه ما عرضوه عليهم، فقال (عليه السّلام) له:«ارجع إليهم، فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة لعلّنا نصلّي لربّنا هذه الليلة وندعوه ونستغفره؛ فهو يعلم أنّي اُحبّ الصلاة، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار» . وكان ذكر الله والدعاء والصلاة من أهمّ ما يصبوا إليه الإمام (عليه السّلام) في هذه الحياة(٢) .

وقفل قمر بني هاشم راجعاً إلى تلك الوحوش الكاسرة، فعرض عليهم مقالة أخيه، وتردّد القوم في إجابته، فأنكر عليهم عمرو بن الحجّاج الزبيدي إحجامهم، وقال: سبحان الله! والله لو كان من الديلم ثمّ سألكم هذه المسألة لكان ينبغي أن تجيبوه.

ولم يزد ابن الحجّاج على ذلك، ولم يقل: إنّه ابن رسول الله؛ خوفاً أن يُنقل كلامه إلى ابن مرجانة فينال العقاب والحرمان. وأيّد ابن الأشعث مقالة ابن الحجّاج، فقال له ابن سعد:

____________________

(١) أنساب الأشراف / ١٨٤.

(٢) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٨٥.

٢٤٢

أجبهم إلى ما سألوا، فلعمري ليصبحنك بالقتال غداً.

واستجاب ابن سعد إلى تأجيل الحرب بعد أن رضيت به الأكثرية من قادة جيشه، وأوعز ابن سعد إلى رجل من أصحابه أن يعلن ذلك أمام معسكر الحسين (عليه السّلام)، فدنا منه وقال رافعاً صوته: يا أصحاب الحسين بن عليّ، قد أجّلناكم يومكم هذا إلى غد، فإن استسلمتم ونزلتم على حكم الأمير وجّهنا بكم إليه، وإن أبيتم ناجزناكم.

واُرجئ القتال إلى اليوم الثاني المصادف يوم العاشر من المحرّم.

الإمام (عليه السّلام) يأذن لأصحابه بالتفرّق

وجمع سيّد الشهداء أصحابه وأهل بيته في غلس الليل، وطلب منهم أن يتفرّقوا في سواده ليلقى مصيره المحتوم وحده، فقال لهم:«اُثني على الله أحسن الثناء، وأحمده على السرّاء والضرّاء. اللّهمّ إنّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القرآن، وفهّمتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأفئدة، ولم تجعلنا من المشركين.

أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، فجزاكم الله جميعاً عنّي خيراً، ألا وإنّي لأظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، وإنّي قد أذنت لكم جميعاً، فانطلقوا في حلّ ليس عليكم منّي ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً خيراً، ثمّ تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتّى يفرّج الله؛ فإنّ القوم إنّما يطلبونني، ولو أصابوني للهوا عن طلب غيري» (١) .

لقد جعل الإمام أصحابه وأهل بيته أمام الأمر الواقع، وهي الشهادة التي لا بدّ

____________________

(١) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٨٥.

٢٤٣

منها في مصاحبته، وليس شيء آخر غيرها، قد سمح لهم بالتفرّق عنه في سواد الليل فيتخذونه ستاراً لهم دون كلّ عين، كما عرّفهم أنّه هو المطلوب للحكم الاُموي دون غيره، فإذا قتلوه فلا إرب لهم في غيره.

وعلى أيّ حال، فإنّ الإمام (عليه السّلام) لم يكد ينتهي من خطابه حتّى هبّت الصفوة الطاهرة من أهل بيته وأصحابه وهي تعلن ولاءها الكامل له، وأنّهم جميعاً يلاقون المصير الذي يلقاه، وقد بدأهم بالكلام قمر بني هاشم وفخر عدنان أبو الفضل العباس (عليه السّلام) قائلاً: لِمَ تفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبداً(١) .

وتتابعت أصوات أصحابه والفتية من بني هاشم وهم يرحّبون بالموت والشهادة في سبيله، حقّاً لقد كانوا من خيرة بني آدم صدقاً ووفاءً وشهامةً ونبلاً.

لوعة السيدة زينب (عليها السّلام)

وفزعت عقيلة بني هاشم كأشدّ ما يكون الفزع وأقساه حينما سمعت أخاها وبقية أهلها يُعالج سيفه ويصلحه، وهو ينشد هذه الأبيات التي ينعى فيها نفسه:

يا دهرُ أُفّ لكَ من خليلِ = كم لكَ بالإشراقِ والأصيلِ

من طالبٍ وصاحبٍ قتيلِ = والدهرُ لا يقنعُ بالبديلِ

وكلُّ حيٍّ سالكٌ سبيلِ = ما أقربُ الوعد إلى الرحيلِ

وإنّما الأمرُ إلى الجليلِ

وكان مع الإمام (عليه السّلام) في خيمته الإمام زين العابدين (عليه السّلام) والعقيلة؛ أمّا الإمام زين العابدين (عليه السّلام) فإنّه لمّا سمع هذه الأبيات خنقته العبرة ولزم السكوت، وعلم أنّ البلاء قد نزل، وأمّا العقيلة (عليها السّلام) فقد أيقنت أنّ أخاها عازم على الموت، فأمسكت قلبها الرقيق

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ١٦٧.

٢٤٤

المعذّب ووثبت وهي تجرّ ذيلها وقد غامت عيناها بالدموع، فقالت لأخيها: وا ثكلاه! وا حزناه! ليت الموت أعدمني الحياة. يا حسيناه! يا سيّداه! يا بقيّة أهل بيتاه! استسلمتَ للموت ويئستَ من الحياة؟! اليوم مات جدّي رسول الله، اليوم ماتت أُمّي فاطمة الزهراء، وأبي عليّ المرتضى، وأخي الحسن الزكيّ، يا بقيّة الماضين وثمال الباقين(١) !

وذاب قلب الإمام (عليه السّلام) أسىً وحزناً، والتفت إلى شقيقته فقال لها الإمام بحنان:«يا اُخيّة، لا يذهبنّ بحلمك الشيطان» .

وسرت الرعدة والفزع بقلب الصدّيقة وطافت بها آلام مبرحة فخاطبت أخاها بأسى والتياع قائلة: أتغتصب نفسك اغتصاباً؟! فذاك أطول لحزني وأشجى لقلبي.

ولم تملك صبرها بعدما أيقنت أن أخاها وبقيّة أهلها سيستشهدون لا محالة، فعمدت إلى جيبها فشقّته، ولطمت وجهها، وخرّت إلى الأرض فاقدة لوعيها(٢) .

وأثّر منظرها الرهيب في نفس الإمام (عليه السّلام) فالتاع كأشدّ ما تكون اللوعة، ورفع يديه بالدعاء أن يلهم شقيقته الصبر والسلوان، وأن يعينها على تحمّل المحن الشاقّة التي أحاطت بها.

إحياء الليل بالعبادة

وأقبل الإمام (عليه السّلام) مع أهل بيته وأصحابه على العبادة؛ فقد علموا أنّ تلك الليلة هي آخر ليالي حياتهم، ولم يذق أيّ واحد منهم طعم الرقاد؛ فقد اتّجهوا بقلوبهم وعواطفهم نحو الله وهم يمجّدونه، ويتلون كتابه، ويقيمون الصلاة، ويسألونه العفو والغفران.

____________________

(١) مقاتل الطالبيّين / ١١٣.

(٢) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ١٧٣.

٢٤٥

وكانوا يترقّبون بشوق لا حدّ له طلوع الفجر؛ ليكونوا قرابينَ للإسلام، وفداءً لابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

وكان حبيب بن مظاهر، وهو من ألمع أصحاب الحسين (عليه السّلام)، وقد خرج إلى أصحابه وهو يضحك، فأنكر عليه بعض أصحابه وقال له: يا حبيب، ما هذه ساعة ضحك! فأجابه حبيب عن إيمانه العميق قائلاً: أيّ موضع أحقّ من هذا بالسرور؟ والله ما هو إلاّ أن تميل علينا هذه الطغاة بسيوفهم فنعانق الحور العين(١) .

وداعب برير عبد الرحمن الأنصاري، فاستغرب من مداعبته قائلاً: ما هذه ساعة باطل!

انظروا إلى جواب برير فقد قال: لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل كهلاً ولا شاباً، ولكنّي مستبشر بما نحن لاقون، والله ما بيننا وبين الحور العين إلاّ أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم، وددت أنّهم مالوا علينا الساعة(٢) .

أيّ إيمان هذا الذي تسلّح به أصحاب الحسين (عليه السّلام)؛ فقد فاقوا جميع شهداء الحقّ والفضيلة في جميع الأعصار والآباد.

رؤيا الإمام الحسين (عليه السّلام)

وخفق الإمام الحسين (عليه السّلام) خفقة ثمّ انتبه، والتفت إلى أصحابه وأهل بيته فقال لهم:«أتعلمون ما رأيت في منامي؟» .

- ما رأيت يابن رسول الله؟

«رأيت كأنّ كلاباً قد شدّت عليَّ تنهشني، وفيها كلب أبقع أشدّها عليَّ، وأظنّ

____________________

(١) رجال الكشي / ٥٣.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٤١.

٢٤٦

الذي يتولّى قتلي رجل أبرص من هؤلاء القوم. ثمّ إنّي رأيت جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول لي: أنت شهيد آل محمّد، وقد استبشرت بك أهل السماوات وأهل الصفيح الأعلى، فليكن إفطارك عندي الليلة، عجّل ولا تؤخّر. هذا ما رأيت، وقد أزف الأمر واقترب الرحيل من هذه الدنيا» (١) .

وخيّم على أهل البيت (عليهم السّلام) حزن عميق، وأيقنوا بنزول الرزء القاصم والاقتراب من دار الآخرة.

فزع عقائل الوحي

وفزعت عقائل الوحي، وخيّم عليهنَّ الذعر والخوف، ولم يهدأن في تلك الليلة؛ فقد طافت بهنَّ موجات من الهواجس وتمثّل أمامهنَّ المستقبل المليء بالخطوب والكوارث، وقد خلدنَ إلى الدعاء والبكاء، وكان من أشدّهنَّ عقيلة النبوّة السيّدة زينب؛ فقد كانت تراقب الأحداث وهي على علم لا يخامره شكّ أنّ المسؤولية الكبرى سوف تنتقل عن كاهل الحسين (عليه السّلام) إليها لو قُتل، كما علمت أنّه لا يبقى من أهلها أحد، لقد فزعت وذهلت من الأحداث الجسام التي أحاطت بها.

العقيلة (عليها السّلام) مع الهاشميّين والأصحاب

ولم تهدأ عقيلة الرسالة؛ فقد هامت في تيارات مذهلة من الأسى والشجون، فكانت على علم أنّ ليلة العاشر من المحرّم هي آخر ليلة لأهلها وهم على قيد الحياة، وقد وجلت على أخيها، فمضت تراقب خيم الهاشميّين والأصحاب لتسمع ما يدور عندهم من حديث.

فانبرت إلى خيمة أخيها قمر بني هاشم وقد اجتمع بها فتيان بني هاشم، وقد أحاطوا بسيّدهم أبي الفضل، فسمعته يخاطب

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ١٧٧.

٢٤٧

الهاشميّين قائلاً: إخوتي وبني إخوتي وأبناء عمومتي، إذا كان الصباح فما تصنعون؟

فهبّوا جميعاً قائلين: الأمر إليك.

- إنّ أصحابنا وأنصارنا قوم غرباء، والحمل ثقيل لا يقوم إلاّ بأهله، فإذا كان الصباح كنتم أوّل مَنْ يبرز للقتال، فنسبق أنصارنا إلى الموت؛ لئلاّ يقول الناس: قدّموا أصحابهم.

ولم ينتهِ من مقالته حتّى هبّوا قائلين: نحن على ما أنت عليه.

ثمّ مضت العقيلة إلى خيمة حبيب بن مظاهر عميد أصحاب الإمام وقد أحاط به الأصحاب، فسمعت يحدّثهم قائلاً: يا أصحابي، إذا كان الصباح ماذا تفعلون؟

- الأمر إليك.

إذا صار الصباح كنّا أوّل مَنْ يبرز إلى القتال، نسبق بني هاشم إلى الموت، فلا نرى هاشمياً مضرّجاً بدمه؛ لئلاّ يقول الناس: قد بدؤوهم إلى القتال، وبخلنا عليهم بأنفسنا.

واستجابت الصفوة الطاهرة لمقالة زعيمهم حبيب، وراحوا يقولون: نحن على ما أنت عليه.

وسُرّت زينب بوفاء الأنصار وتصميمهم على نصرة أخيها والذبّ عنه حتّى النفس الأخير من حياته، وانطلقت العقيلة إلى أخيها فأخبرته بما سمعت من الهاشميّين والأنصار من الذود عنه، وحمايته من كلّ سوء ومكروه.

وأخبرها الإمام (عليه السّلام) أنّهم من أنبل الناس، ومن أكثرهم شهامة وإيماناً، وأنّ الله تعالى قد اختارهم من بين عباده لنصرته، والوقوف معه لمناجزة القوى المنحرفة والمعادية للإسلام.

٢٤٨

يوم عاشوراء

ويوم عاشوراء من أفجع الأيام وأقساها وأشدّها محنة على العقيلة زينب (عليها السّلام) وعلى أهل البيت (عليهم السّلام)، فلم تبقَ رزيّة من رزايا الدهر إلاّ جرت عليهم، ونتحدّث - بإيجاز - عن فصول هذه المأساة الخالدة في دنيا الأحزان.

خطاب الإمام الحسين (عليه السّلام)

ولمّا تهيّأت عساكر ابن سعد لحرب الإمام، فرأى (عليه السّلام) من الواجب أن يعظهم ويرشدهم حتّى يكونوا على بصيرة من أمرهم، فخطب فيهم خطاباً مؤثّراً، وقد نشر كتاب الله العظيم، واعتمّ بعمامة جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولبس لامته، فقال لهم:«تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً! حين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين (١) ، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم (٢) علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم، فأصبحتم إلباً (٣) لأعدائكم على أوليائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم.

مهلاً - لكم الويلات! - تركتمونا والسيف مشيم(٤) ، والجأش طامن، والرأي لمّا يستحصف، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدّبا(٥) ، وتداعيتم إليها كتهافت الفراش.

____________________

(١) موجفين: أي مسرعين في السير إليكم.

(٢) حششتم النار التي توقد.

(٣) إلباً: أي مجتمعين.

(٤) مشيم السيف: غمده.

(٥) الدّبا: الجراد قبل أن يطير.

٢٤٩

فسحقاً لكم يا عبيد الاُمّة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومحرّفي الكلم، وعصبة الأثام، ونفثة الشيطان، ومطفئ السنن!

أهؤلاء تعضدون وعنّا تتخاذلون؟! أجل والله غدر فيكم قديم، وشجت إليه اُصولكم، وتأزّرت(١) عليه فروعكم، فكنتم أخبث شجر شجى للناظر، وأكلة للغاصب.

ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين؛ بين السلّة(٢) والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، واُنوف حميّة، ونفوس أبيّة من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.

ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة مع قلّة العدد وخذلان الناصر» . ثمّ أنشد أبيات فروة بن مسيك المرادي:

فإن نُهزم فهزّامون قدماً = وإن نُُغلَب فغيرُ مغَلّبينا

وما إن طِبُّنا جبنٌ ولكن = منايانا ودولةُ آخرينا

إذا ما الموتُ رفّع عن أُناس = كلاكله أناخَ بآخرينا

فأفنى ذلكم سروات قومي = كما أفنى القرونَ الأوّلينا

فلو خلدَ الملوكُ إذاً خلدنا = ولو بقي الكرامُ إذاًً بقينا

فقل للشامتينَ بنا أفيقوا = سيلقى الشامتونَ كما لقينا

«أما والله لا تلبثون بعدها إلاّ كريث ما يُركب الفرس حتّى يدور

____________________

(١) تأزّرت: أي نبتت عليه فروعكم.

(٢) السلّة: استلال السيوف.

٢٥٠

بكم دور الرحى، وتقلق بكم قلق المحور؛ عهد عهده إليّ أبي عن جدّي، ( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنْظِرُونِ ) ، ( إنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ».

ورفع يديه بالدعاء على اُولئك السفكة المجرمين قائلاً:«اللّهمّ احبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسِنيِّ يوسف، وسلّط عليهم غلام ثقيف يسومهم كاساً مصبرةً؛ فإنّهم كذّبونا وخذلونا، وأنت ربّنا عليك توكّلنا وإليك أنبنا وإليك المصير» (١) .

لقد انفجر أبو الأحرار في خطابه كالبركان، وأبدى من صلابة العزم وعزّة النفس ما لم يشاهد مثله؛ فقد استهان بالموت، ولا يخضع لاُولئك الأقزام الذين سوّدوا وجه التأريخ، وكانوا سوءة عار لمجتمعهم.

استجابة الحرّ

واستيقظ ضمير الحرّ حينما سمع خطاب الإمام (عليه السّلام)، وجعل يتأمّل ويفكّر في مصيره، وأنّه لا محالة يصير إلى النار خالداً فيها، واختار الدار الآخرة والالتحاق بآل النبي (صلّى الله عليه وآله).

وقبل أن يتوجّه إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) أسرع نحو ابن سعد فقال له: أمقاتل أنت هذا الرجل؟

فأجابه بلا تردد ليظهر أمام قادة الفرق إخلاصه لسيّده ابن مرجانة قائلاً: إي والله، قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح الأيدي.

فقال له الحرّ برنّة المستريب:

____________________

(١) تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٧٤ - ٧٥.

٢٥١

أفما لكم في واحدة من الخصال التي عرضها عليكم رضاً؟

فأجابه ابن سعد: لو كان الأمر لي لفعلت، ولكن أميرك أبى ذلك.

وأيقن الحرّ أنّ القوم مصمّمون على حرب ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فمضى يشقّ الصفوف وقد سرت الرعدة بأوصاله، فأنكر عليه ذلك المهاجر بن أوس، وهو من شرطة ابن زياد، فقال له: والله إنّ أمرك لمريب! والله ما رأيت منك في موقف قطّ مثل ما أراه الآن، ولو قيل لي: مَن أشجع أهل الكوفة؟ لما عدوتك.

وكشف له الحرّ عن عزمه فقال له: إنّي والله اُخيّر نفسي بين الجنّة والنار، ولا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطّعت واُحرقت. ولوى بعنان فرسه صوب الإمام (عليه السّلام)(١) ، وهو مُطرق برأسه إلى الأرض حياءً وندماً على ما فرّط في حقّ الإمام، ولمّا دنا منه رفع صوته قائلاً: اللّهمّ إليك اُنيب؛ فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيك. يا أبا عبد الله، إنّي تائب فهل لي من توبة؟

ونزل عن فرسه ووقف قبال الإمام (عليه السّلام) ودموعه تتبلور على سحنات وجهه قائلاً: جعلني الله فداك يابن رسول الله!أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وجعجعت بك في هذا المكان، ووالله الذي لا إله إلاّ هو ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبداً، ولا يبلغون منك هذه المنزلة أبداً، فقلت في نفسي: لا اُبالي أن اُطيع القوم في بعض أمرهم، ولا يرون أنّي خرجت من طاعتهم،

____________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٤٤.

٢٥٢

وأمّا هم فيقبلون بعض ما تدعوهم إليه، ووالله لو ظننت أنّهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك. وإنّي قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلى ربّي، مواسياً لك بنفسي حتّى أموت بين يديك، أفترى لي توبة؟

واستبشر به الإمام (عليه السّلام)، ومنحه الرضا والعفو، وقال له:«نعم، يتوب الله عليك ويغفر» (١) .

وانطلق الحرّ بعد أن منحه الإمام (عليه السّلام) العفو وقبل توبته، فخطب في أهل الكوفة ودعاهم إلى التوبة، ونُغَب عليهم حصارهم للإمام، ومنعه مع أهل بيته وأصحابه عن ماء الفرات الذي هو حقّ مشاع للجميع، ولم يستجيبوا له، ورموه بالنبال.

الحرب

وارتبك ابن سعد من التحاق الحرّ بالإمام (عليه السّلام)، وخاف أن يحصل التمرّد في جيشه، فزحف الباغي الأثيم نحو معسكر الحسين (عليه السّلام)، وأخذ سهماً فأطلقه صوب الإمام، وقد رفع صوته قائلاً: اشهدوا لي عند الأمير أنّي أوّل مَنْ رمى الحسين.

وفتح ابن سعد من السهم الذي أطلقه باب الحرب، وطلب من الجيش أن يشهدوا له عند سيّده ابن مرجانة بأنّه أوّل مَنْ رمى معسكر ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

وتتابعت السهام كأنّها المطر على معسكر الإمام الحسين (عليه السّلام)، فلم يبقَ أحد منهم إلاّ أصابه سهم، فالتفت الإمام إلى أصحابه قائلاً:«قوموا يا كرام، فهذه رسل القوم إليكم» .

وتقدّمت طلائع الحقّ من أصحاب أبي الأحرار إلى ساحة الشرف والمجد وهي تعلن ولاءها للإسلام، وتفانيها في الذبّ عن إمام المسلمين وسيّد شباب أهل

____________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ / ٢٨٩.

٢٥٣

الجنّة، وبذلك بدأت المعركة واحتدم القتال كأشدّه وأعنفه.

ومن المقطوع به أنّه لم تكن مثل المعركة في جميع الحروب التي جرت في الأرض؛ فقد تقابل اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً مع عشرات الاُلوف، وقد أبدى أصحاب الإمام من الشجاعة والبسالة ما يبهر العقول ويحيّر الألباب.

مصارع أصحاب الإمام (عليه السّلام)

وشنّت قوات ابن سعد هجوماً عاماً وعنيفاً على أصحاب الإمام (عليه السّلام)، وخاضوا معهم معركة رهيبة، وقد ثبت لهم أصحاب الإمام (عليه السّلام)، فهزموا جموعهم بقلوب أقوى من الحديد، وأنزلوا بهم أفدح الخسائر، وقد استشهد في هذه الحملة نصف أصحاب الإمام (عليه السّلام).

ثمّ بدأت بعد ذلك المبارزة بين العسكرين، فكان الرجل من أصحاب الإمام يبرز ويُقاتل ثمّ يُقتل، وهكذا حتّى فنوا عن آخرهم، وقد أبلوا في المعركة بلاءً يقصر عنه كلّ وصف وإطراء؛ فقد خاضوا تلك المعركة الرهيبة ولم تضعف لأيّ رجل منهم عزيمة ولم تلن لهم قناة، وقد سمت أرواحهم الطاهرة إلى الرفيق الأعلى وهي أنضر ما تكون تفانياً في مرضاة الله تعالى وطاعته.

وإنّ أعطر ما نقدّمه لهم من تحية كلمات الإمام الصادق (عليه السّلام) عملاق الفكر الإسلامي في حقّهم، قال مخاطباً لهم:«بأبي أنتم واُمّي! طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم، وفزتم فوزاً عظيماً» .

مصارع أهل البيت (عليهم السّلام)

وبعدما نالت الشهادة الصفوة الطاهرة من أصحاب الإمام (عليه السّلام) هبّ أبناء الاُسرة النبويّة شباباً وأطفالاً إلى التضحية والفداء، فكانوا كالليوث وكالصاعقة على جيوش الكفر والضلال، وأخذ بعضهم يودّع البعض الآخر وهم يذرفون الدموع على وحدة سيّدهم أبي الأحرار؛ حيث يرونه وحيداً قد أحاطت به من كلّ جانب جيوش الاُمويِّين

٢٥٤

ليتقرّبوا بقتله إلى ابن مرجانة، وفي طليعة الذين استشهدوا من آل البيت (عليهم السّلام):

عليّ الأكبر (عليه السّلام)

وكان عليّ الأكبر شبيه جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في ملامحه وفي أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيّين، وكانت الاُسرة النبويّة والصحابة إذا اشتاقوا إلى رؤية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نظروا إلى وجه عليّ الأكبر، وكان دنيا من الفضائل والمواهب والعبقريات؛ فقد تسلّح بكلّ فضيلة وأدب، وكان أعزّ أبناء الإمام الحسين (عليه السّلام) لعمّته العقيلة وسائر بني عمومته وأعمامه.

وهو أوّل هاشمي اندفع بحماس بالغ إلى الحرب، وكان عمره الشريف ثماني عشر سنة(١) ، وقد وقف أمام أبيه طالباً منه الرخصة لمناجزة أعداء الله، فلمّا رآه الإمام (عليه السّلام) ذابت نفسه أسى وحسرات، وأشرف على الاحتضار؛ فقد رأى فلذة كبده قد ساق نفسه إلى الموت، فرفع الإمام شيبته الكريمة نحو السماء، وهو يقول بنبرات قد لفظ فيها شظايا قلبه:«اللّهمّ اشهد على هؤلاء القوم، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس برسولك محمّد (صلّى الله عليه وآله) خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً، وكنّا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيّك نظرنا إليه. اللّهمّ امنعهم بركات الأرض، وفرّقهم تفريقاً، ومزّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضي الولاة عنهم أبداً؛ فإنّهم دعونا لينصرونا ثمّ عدوا علينا يقاتلوننا» .

والتفت الإمام (عليه السّلام) إلى المجرم الأثيم عمر بن سعد عبد ابن مرجانة، فصاح به:«ما لك؟! قطع الله رحمك، ولا بارك لك في أمرك، وسلّط عليك مَنْ يذبحك بعدي على فراشك كما قطعت رحمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)». وتلا قوله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٢٤٤.

٢٥٥

وشيّع الإمام (عليه السّلام) ولده بدموع مشفوعة بالأسى والحزن، وخلفه عمّته العقيلة وسائر عقائل الوحي، وقد علا منهم الصراخ والعويل على شبيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

وانطلق فخر هاشم إلى ساحة الحرب وقد امتلأ قلبه حزماً وعزماً، ووجهه الشريف يتألق نوراً؛ فقد حكى بهيبته هيبة جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وبشجاعته شجاعة جدّه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، وتوسّط حراب الأعداء وسيوفهم وهو يرتجز قائلاً:

أنا عليُّ بنُ الحسين بنِ علي = نحن وربُّ البيت أولى بالنبي

تالله لا يحكم فينا ابنُ الدعي

أنت يا شرف هذه الاُمّة أولى بالنبي وأحق بمقامه من هؤلاء الأدعياء الذين سلّطتهم عليكم الطغمة الحاكمة من قريش التي أبت أن تجتمع الخلافة والنبوّة فيكم.

والتحم عليّ الأكبر (عليه السّلام) مع أعداء الله، وقد ملأ قلوبهم خوفاً ورعباً، وأبدى من البسالة والشجاعة ما يقصر عنه كلّ وصف؛ فقد ذكّرهم ببطولات جدّه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، ومحطّم أوثان القرشيّين، وقد قتل مئة وعشرين فارساً(١) سوى المجروحين، وألحّ عليه العطش وأضرّ به، فقفل راجعاً إلى أبيه يشكو ظمأه القاتل قائلاً: يا أبتِ، العطش قد قتلني، وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إليّ شربة ماء من سبيل أتقوى بها على الأعداء؟

والتاع الإمام (عليه السّلام)، فقال له بصوت خافت، وعيناه تفيضان دموعاً:«واغوثاه! ما أسرع الملتقى بجدّك فيسقيك بكأسه شربة لا تظمأ بعدها أبداً» .

وأخذ لسانه فمصّه ليريه شدّة عطشه، فكان كشقّة مبرد من شدّة العطش.

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٢٤٦.

٢٥٦

يقول الحجّة الشيخ عبد الحسين صادق في رائعته:

يشكو لخيرِ أبٍ ظمأه وما اشتكى = ظمأ الحشا إلاّ إلى الظامي الصدي

كلٌّ حشاشته كصاليةِ الغضا = ولسانُه ظمأ كشقةِ مبردِ

فانصاعَ يؤثرهُ عليهِ بريقهِ = لو كانَ ثمةَ ريقه لم يجمدِ

لقد كان هذا المنظر الرهيب لعليّ الأكبر من أفجع وأقسى ما رُزئ به أبو الأحرار؛ فقد رأى ولده الذي هو من أنبل وأشرف ما خلق الله، وهو في غضارة العمر وريعان الشباب قد أشرف على الهلاك من شدّة العطش، وهو لم يستطع أن يسعفه بجرعة ماء ليروي عطشه.

وقفل فخر الإسلام عليّ الأكبر (عليه السّلام) راجعاً إلى حومة الحرب، قد فتكت الجراح بجسمه، وفتّت العطش فؤاده، وجعل يُقاتل كأشدّ ما يكون القتال وأعنفه حتّى ضجّ العسكر من كثرة مَنْ قتل منهم.

ولمّا رأى ذلك الوضر الخبيث مرّة بن منقذ العبدي قال: عليَّ آثام العرب إن لم أثكل أباه. وأسرع الخبيث الدنس إلى شبيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فطعنه بالرمح في ظهره، وضربه ضربة منكرة على رأسه ففلق هامته، واعتنق فرسه يظنّ أنّه يرجعه إلى أبيه، إلاّ أنّ الفرس حمله إلى معسكر الأعداء فأحاطوا به من كلّ جانب، ومزّقوا جسده الشريف بالسيوف، ونادى فخر هاشم ومجد عدنان رافعاً صوته: عليك منّي السّلام أبا عبد الله، هذا جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد سقاني بكأسه شربة لا أظمأ بعدها أبداً، وهو يقول:«إنّ لك كأساً مذخورة» .

وحمل الأثير هذه الكلمات إلى أبيه الثاكل الحزين فقطّعت قلبه، ومزّقت أحشاءه، ففزع إليه وهو خائر القوى، منهدّ الركن، فانكب عليه فوضع خدّه على خدّه وهو جثة هامدة، قد قطّعت شلوه السيف إرباً إرباً، وأخذ الإمام (عليه السّلام) يذرف أحرّ الدموع على ولده الذي لا يشابهه أحد في كمال فضله، وجعل يلفظ شظايا قلبه

٢٥٧

بهذه الكلمات:«قتل الله قوماً قتلوك يا بُني، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول! على الدنيا بعدك العفا» (١) .

وما كاد الخبر يبلغ الخيام حتّى هرعت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) زينب من خدرها، وكان ذلك أوّل ما خرجت إلى المعركة فأكبت بنفسها على ابن أخيها الذي كان أعزّ ما عندها من أبنائها، وجعلت تضمّخه بدموعها وقد انهارت قواها، وانبرى إليها الإمام (عليه السّلام) وجعل يعزّيها بمصابها الأليم، وهو يردّد هذه الكلمات:«على الدنيا بعدك العفا» .

وأخذ الإمام (عليه السّلام) بيد اُخته وردّها إلى الفسطاط، وأمر فتيانه بحمل ولده إلى الفسطاط.

لقد كان علي بن الحسين (عليه السّلام) الرائد والزعيم لكلّ حرّ شريف مات أبيّاً على الضيم في دنيا الإباء، فسلام الله عليه غادية ورائحة، ونودعه بالأسى والحزن، ونردّد كلمات أبيه:«على الدنيا بعدك العفا» .

مصارع آل البيت (عليهم السّلام)

وبرزت الفتية من آل الرسول (صلّى الله عليه وآله) وهي تذرف الدموع على وحدة سيّدهم أبي الأحرار، وكان من بينهم القاسم بن الحسن، وكان كالقمر في بهائه وجماله، وقد ربّاه عمّه وغذّاه بمواهبه وآدابه، وأفرغ عليه أشعة من روحه حتّى صار صورة عنه، وكان أحبّ إليه من أبناء إخوته وأعمامه.

وكان القاسم يتطلّع إلى محنة عمّه، وينظر إلى جيوش الكفر قد أحاطت به وقد ذابت نفسه أسىً وحسرات، وجعل يردد:

____________________

(١) العفا: التراب.

٢٥٨

لا يُقتل عمّي وأنا أنظر إليه(١) .

واندفع بلهفة نحو عمّه يطلب منه الإذن ليكون فداءً له، فاعتنقه عمّه وعيناه تفيضان دموعاً، وجعل القاسم يُقبّل يديه طالباً منه الإذن، فسمح له بعد إلحاحه وترجّيه، وبرز القاسم إلى حومة الحرب وهو بشوق عارم إلى الشهادة، ولم يضف على جسده لامة الحرب، وإنّما صحب معه سيفه.

والتحم مع اُولئك القرود، فجعل يحصد رؤوسهم بسيفه، وبينما هو يُقاتل إذ انقطع شسع نعله، فأنف سليل النبوّة أن تكون أحد رجليه بلا نعل، فوقف يشدّه متحدّياً الوحوش الكاسرة التي لا تساوي نعله، واغتنم هذه الفرصة الوغد الخبيث عمرو بن سعد الأزدي، فقال: والله لأشدنَّ عليه.

فأنكر عليه حميد بن مسلم وقال له: سبحان الله! وما تريد بذلك؟! يكفيك هؤلاء القوم الذين ما يبقون على أحد منهم. فلم يعن به، وشدّ الخبيث عليه فعلاه بالسيف على رأسه الشريف، فهوى الفتى إلى الأرض صريعاً كما تهوي النجوم، ونادى رافعاً صوته: يا عمّاه!

وذاب قلب الإمام (عليه السّلام) وأسرع إليه، فعمد إلى القاتل الأثيم فضربه بالسيف فاتّقاها بساعده فقطعها من المرفق وطرحه أرضاً، فحملت خيل أهل الكوفة لاستنقاذه، إلاّ أنّه هلك تحت حوافرها.

وانعطف الإمام نحو ابن أخيه فجعل يقبّله والفتى يفحص بيديه ورجليه، وهو يعاني آلام الاحتضار، فخاطبه الإمام (عليه السّلام):«بُعداً لقوم قتلوك، ومَنْ خصمهم يوم القيامة فيك جدّك! عزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا ينفعك صوته. والله هذا يوم كثر واتره، وقلّ ناصره» .

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٢٥٥.

٢٥٩

وحمله الإمام والفتى يفحص برجليه كالطير المذبوح(١) ، وجاء به فألقاه بجوار ولده عليّ الأكبر وسائر الشهداء من أهل البيت (عليهم السّلام)، وأخذ يطيل النظر إليهم، وجعل يدعو على السفكة المجرمين قائلاً:«اللّهمّ أحصهم عدداً، ولا تغادر منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً. صبراً يا بني عمومتي، صبراً يا أهل بيتي، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً» .

وكلّ هذه المناظر المفجعة التي تميد بالصبر وتعصف كانت بمرأى من عقيلة بني هاشم (عليها السّلام)، فكانت تستقبل في كلّ لحظة فتى من الاُسرة النبويّة وهو مضرّج بدمائه، لها الله ولأخيها على هذه الرزايا التي تميد من هولها الجبال.

مصرع عون (عليه السّلام)

وبرز إلى حومة الحرب عون بن عبد الله بن جعفر، واُمه الصدّيقة الطاهرة زينب بنت أمير المؤمنين (عليها السّلام)، فجعل يُقاتل على صغر سنه قتال الأبطال وهو يرتجز:

إن تنكروني فأنا ابنُ جعفرْ = شهيدِ صدقٍ في الجنانِ أزهرْ

يطيرُ فيها بجناحٍ أخضرْ = كفى بهذا شرفاً من معشرْ

أنت أيّها الشهم حفيد الشهيد الخالد جعفر الطيار الذي قُطعت يداه في سبيل الدعوة الإسلاميّة، فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما في الفردوس الأعلى.

وجعل الفتى يُقاتل قتال الأبطال، فحمل عليه الوغد الأثيم عبد الله بن قطبة الطائي فقتله، وحُمل إلى المخيّم فاستقبلته اُمّه الصدّيقة الطاهرة، ونظرت إليه وهو جثة هامدة فاحتسبته عند الله.

وحلّ بعده أبناء الاُسرة الهاشمية فاستشهدوا جميعاً قرابين للإسلام، وفداءً لريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٣ / ٢٥٦.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

والمؤمنون الفرع من طين لازب كذلك لا يفرق اللهعزوجل بينهم وبين شيعتهم، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٠ ـ في نهج البلاغة ثم جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها وعذبها وسبخها تربة سنها بالماء حتى خلصت، ولاطها بالبلة حتى لزبت(١) .

١١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل :( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ ) قال: الذين ظلموا آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله حقهم «وأزواجهم» قال: أشباههم.

١٢ ـ وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام ( فَاهْدُوهُمْ إلى صِراطِ الْجَحِيمِ ) يقول: أدعوهم إلى طريق الجحيم.

١٣ ـ وقال علي بن إبراهيم في قولهعزوجل :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) قال: عن ولاية أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

١٤ ـ في أمالي شيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى أنس بن مالك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على جهنم لم يجز عليه إلّا من معه جواز فيه ولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وذلك قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) يعنى عن ولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

١٥ ـ في اعتقادات الامامية للصدوقرحمه‌الله قال زرارة للصادقعليه‌السلام : ما تقول يا سيدي في القضاء والقدر؟ قالعليه‌السلام : أقول إنّ الله تبارك وتعالى إذا جمع العباد يوم القيامة سئلهم عما عهد إليهم ولم يسألهم عما قضى عليهم.

١٦ ـ في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الاخبار المتفرقة حديث طويل وفي آخره ثم قالعليه‌السلام ـ وقد ذكر علياعليه‌السلام ـ حاكيا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وعزة ربي إنّ جميع أمتى لموقوفون يوم القيامة ومسئولون عن ولايته، وذلك قول اللهعزوجل ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) .

١٧ ـ وفيه أيضا في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الاخبار المجموعة وباسناده

__________________

(١) الحزن: ما غلظ من الأرض. وسبخها: ما ملح منها. وسنها بالماء أي ملسها. ولاطها من قولهم لطت الحوض بالطين ملطته وطينته به. والبلة من البلل. ولزبت أي التصقت.

٤٠١

قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) قال: عن ولاية علىعليه‌السلام .

١٨ ـ وفي هذا الباب أيضا باسناده عن عليٍّعليه‌السلام قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أول ما يسأل الله عنه العبد عن حبنا أهل البيت.

١٩ ـ في كتاب الخصال عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تزل قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه وعن حبنا أهل البيت.

٢٠ ـ في كتاب علل الشرائع قد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال في تفسير قولهعزوجل :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) انه لا يجاوز قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فيما أبلاه، وعمره فيما أفناه، وعن ماله من أين جمعه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت.

٢١ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يحيى بن عقبة الأزدي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان فيما وعظ به لقمان ابنه: واعلم انك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي اللهعزوجل عن أربع: شبابك فيما أبليته، وعمرك فيما أفنيته، وما لك مما اكتسبته وفيما أنفقته، فتأهب لذلك وأعد له جوابا، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٢٢ ـ أبو عليّ الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن ابن أبي نجران عن أبي جميلة عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معاشر قراء القرآن اتقوا اللهعزوجل فيما حملكم من كتابه، فانى مسئول وإنكم مسئولون، إنى مسئول عن تبليغ الرسالة، وأما أنتم فتسألون عما حملتم من كتاب الله وسنتي.

٢٣ ـ في نهج البلاغة اتقوا الله في عباده وبلاده فانكم مسئولون حتى عن البقاع والبهائم.

٢٤ ـ في مجمع البيان( إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) روى أنس بن مالك مرفوعا أنهم مسئولون عما دعوا إليه من البدع.

٤٠٢

٢٥ ـ وقيل: عن ولاية علي بن أبي طالب عن أبي سعيد الخدري.

٢٦ ـ في تهذيب الأحكام في الدعاء بعد صلوة الغدير المسند إلى الصادقعليه‌السلام أللّهمّ فكما كان من شأنك يا صادق الوعد يا من لا يخلف الميعاد، يا من هو كل يوم في شأن ان أنعمت علينا بموالاة أوليائك المسئول عنها عبادك، فانك قلت وقولك الحق:( ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) وقلت:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) .

٢٧ ـ في تفسير علي بن إبراهيم( قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ ) يعنى فلانا وفلانا( قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) .

٢٨ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن محمد بن إسحاق المدني عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونقل عنه حديثا طويلا يقول فيه حاكيا حال أهل الجنة وأما قوله:( أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ) قال: يعلمه الخدام فيأتون به أولياء الله قبل أن يسألوهم إياه أما قولهعزوجل :( فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ ) قال: فإنهم لا يشتهون شيئا في الجنة إلّا أكرموا به.

٢٩ ـ في جوامع الجامع: انا لمدينون أي لمجزيون من الدين الذي هو الجزاء أو ممسوسون مربوبون من ذاته إذا ساسه وفي الحديث: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت.

٣٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام ( فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ ) يقول في وسط الجحيم.

٣١ ـ قال علي بن إبراهيمرحمه‌الله ثم يقولون في الجنة:( أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .

قال: فحدثني أبي عن علي بن مهزيار والحسن بن محبوب عن النضر بن سويد عن درست عن أبي بصير عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار جيء بالموت فيذبح كالكبش بين الجنة والنار، ثم يقال: خلود فلا موت أبدا، فيقول أهل الجنة:( أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ ) .

٤٠٣

٣٢ ـ في مجمع البيان( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ) الآية روى ان قريشا لما سمعت هذه الآية، قالت: ما نعرف هذه الشجرة، قال ابن الزبعرى: الزقوم بكلام البربر التمر والزبد، وفي رواية بلغة اليمن، فقال أبو جهل لجاريته: يا جارية زقمينا(١) فاتته الجارية بتمر وزبد، فقال لأصحابه: تزقموا بهذا الذي يخوفكم به محمد فيزعم أن النار تنبت الشجر، والنار تحرق الشجر، فأنزل الله سبحانه( إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ) .

٣٣ ـ وقد روى ان الله تعالى يجوعهم حتى ينسوا عذاب النار من شدة الجوع فيصرخون إلى مالك فيحملهم إلى تلك الشجرة وفيهم أبو جهل فيأكلون منها فتغلى بطونهم كغلى الحميم، فيستسقون فيسقون شربة من الماء الحار الذي بلغ نهايته في الحرارة، فاذا قربوها من وجوههم شوت وجوههم، فذلك قوله: «يشوى الوجوه» فاذا وصل إلى بطونهم صهر ما في بطونهم(٢) كما قال سبحانه:( يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ) وذلك طعامهم وشرابهم.

٣٤ ـ وفيه عند قوله تعالى:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ) وروى أيضا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال هو الطعن في الحق والاستهزاء به، وما كان أبو جهل وأصحابه يجيئون به إذ قال يا معشر قريش: ألآ أطعمكم من الزقوم الذي يخوفكم به صاحبكم ثمّ أرسل إلى زبد وتمر، فقال: هذا هو الزقوم الذي يخوفكم به.

٣٥ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد وعلى بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن ضريس الكناسي، قال قال أبو جعفرعليه‌السلام : إنّ لله تعالى نارا في المشرق خلقها ليسكنها أرواح الكفار ويأكلون من زقومها ويشربون من حميمها ليلهم فاذا طلع الفجر هاجت إلى واد باليمن يقال له برهوت أشد حرا من نيران الدنيا، كان فيه (فيهما خ ل) يتلاقون ويتعارفون، فاذا كان المساء عادوا إلى النار فهم كذلك إلى يوم القيامة.

__________________

(١) أي أطعمينا الزقوم.

(٢) صهر الشيء: أذابه.

٤٠٤

٣٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قولهعزوجل :( وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ ) يقول: الحق والنبوة والكتاب والايمان في عقبه وليس كل من في الأرض من بنى آدم من ولد نوحعليه‌السلام ، قال اللهعزوجل في كتابه: «و( احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ) منهم و( مَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ) وقال اللهعزوجل أيضا:( ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ ) .

٣٧ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام : وبشرهم نوح يهود وأمرهم باتباعه وان يقيموا الوصية كل عام فينظروا فيها، ويكون عيدا لهم كما أمرهم آدمعليه‌السلام ، فظهرت الجبرية من ولد حام ويافث فاستخفي ولد سام بما عندهم من العلم، وجرت على سام بعد نوح الدولة لحام ويافث وهو قول اللهعزوجل :( وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي ـ الْآخِرِينَ ) يقول: تركت على نوح دولة الجبارين، ويعز الله محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك قال: وولد لحام السند والهند والحبش. وولد لسام العرب والعجم، وجرت عليهم الدولة وكانوا يتوارثون الوصية عالم بعد عالم، حتى بعث اللهعزوجل هوداعليه‌السلام .

٣٨ ـ في كتاب الخصال فيما علم أمير المؤمنينعليه‌السلام أصحابه من الاربعمأة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه: من خاف منكم العقرب فليقرأ هذه الآيات:( سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ) .

٣٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثنا أبو العباس قال: حدّثنا محمد بن أحمد بن محمد بن عيسى عن النضر بن سويد عن سماعة عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال ليهنئكم الاسم، قلت: وما هو جعلت فداك قال:( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ ) وقولهعزوجل :( فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ) فليهنئكم الاسم.

٤٠ ـ في مجمع البيان روى أبو بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ليهنئكم الاسم، قلت: وما هو؟ قال: الشيعة، قلت: إنّ الناس يعيروننا بذلك! قال: اما تسمع قول الله سبحانه:( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ ) وقوله:( فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ )

٤٠٥

٤١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقال علي بن إبراهيم في قولهعزوجل :( إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) قال: القلب السليم من الشك، وقد كتبنا خبره في سورة الشعراء.

قال مؤلف هذا الكتاب عفي الله عنه: لم يذكررحمه‌الله في الشعراء عند قوله( إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) سوى قوله: قال القلب السليم الذي يلقى اللهعزوجل وليس فيه أحد سواه وهو أعلم بما قال.

٤٢ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى صالح بن سعيد عن رجل من أصحابنا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت له قوله تعالى: انى سقيم فقال: ما كان إبراهيم سقيما وما كذب انما عنى سقيما في دينه مرتادا.

٤٣ ـ وقد روى أنه عنى بقوله:( إِنِّي سَقِيمٌ ) أي سأسقم وكل ميت سقيم وقد قال اللهعزوجل لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله : انك ميت أي ستموت.

٤٤ ـ في أصول الكافي علي بن محمد رفعه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله اللهعزوج :( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ ) قال: حسب فرأى ما يحل بالحسينعليه‌السلام ، فقال: إنى سقيم لما يحل بالحسينعليه‌السلام .

٤٥ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي بصير قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : التقية من دين الله قلت: من دين الله؟ قال: أي والله من دين الله، ولقد قال يوسف:( أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ ) والله ما كانوا سرقوا شيئا، ولقد قال إبراهيم:( إِنِّي سَقِيمٌ ) والله ما كان سقيما.

٤٦ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بن عثمان عن حجر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : عاب آلهتهم( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ ) قال أبو جعفرعليه‌السلام : والله ما كان سقيما وما كذب.

٤٧ ـ الحسين بن محمد الأشعري عن معلى بن محمد عن الوشا عن أبان بن عثمان

٤٠٦

عن أبي بصير قال: قيل لأبى جعفرعليه‌السلام وأنا عنده: ان سالم بن أبي حفصة وأصحابه يروون عنك انك تكلم على سبعين وجها لك منها المخرج؟ فقال: ما يريد سالم منى أيريد أن أجيء بالملائكة، والله ما جاءت بهذا النبيون، ولقد قال إبراهيمعليه‌السلام :( إِنِّي سَقِيمٌ ) وما كان سقيما وما كذب.

٤٨ ـ في تفسير العياشي عن محمد بن عرامة الصير في عمن أخبره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ الله تبارك وتعالى خلق روح القدس فلم يخلق خلقا أقرب إليه منها، وليست بأكرم خلقه عليه، فاذا أراد أمرا ألقاه إليها فألقاه إلى النجوم فجرت [به].

٤٩ ـ في من لا يحضره الفقيه وروى عن عبد الملك بن أعين قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : انى قد ابتليت بهذا العلم فأريد الحاجة فاذا نظرت إلى الطالع ورأيت طالع الشر جلست ولم أذهب فيها، وإذا رأيت طالع الخير ذهبت في الحاجة؟ فقال لي: تقضى؟ قلت: نعم، قال: أحرق كتبك.

٥٠ ـ في كتاب جعفر بن محمد الدوريستي باسناده إلى ابن مسعود عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: إذا ذكر القدر فأمسكوا، وأذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكر النجوم فأمسكوا.

٥١ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل وفيه قال له السائل: فما تقول في علم النجوم؟ قال: هو علم قلّت منافعه وكثرت مضاره، لأنّه لا يدفع به المقدور ولا يتقى به المحذور، إنّ خبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز من القضاء، وإنْ خبر هو بخير لم يستطع تعجيله، وان حدث به سوء لم يمكنه صرفه، والمنجم يضاد الله في علمه بزعمه أنه يرد قضاء الله عن خلقه.

٥٢ ـ عن سعيد بن جبير قال: استقبل أمير المؤمنينعليه‌السلام دهقان من دهاقين الفرس فقال له بعد التهنية: يا أمير المؤمنين تناحست النجوم الطالعات، وتناحست السعود بالنحوس، وإذا كان مثل هذا اليوم وجب على الحكيم الاختفاء، ويومك هذا يوم صعب قد انقلب فيه كوكبان، وانقدح من برجك النيران، وليس الحرب لك بمكان، قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ويحك يا دهقان المنبئ بالآثار، المحذر

٤٠٧

من الأقدار، ما قصة صاحب الميزان وقصة صاحب السرطان؟ وكم المطالع من الأسد والساعات في المحركات، وكم بين السراري والذراري؟ قال: سأنظر أومى بيده إلى كمه وأخرج منه أسطرلابا ينظر فيه فتبسم صلوات الله عليه وقال: أتدري ما حدث البارحة؟ وقع بيت بالصين، وانفرج برج ماجين وسقط سور سرنديب، وانهزم بطريق الروم بأرمنية، وفقد ديان اليهود بابلة، وهاج النمل بوادي النمل وهلك ملك افريقية أكنت عالما بهذا؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، فقال: البارحة سعد سبعون ألف عالم، وولد في كل عالم سبعون ألف عالم، والليلة يموت مثلهم وهذا منهم ـ وأومى بيده إلى سعد بن مسعدة الحارثي لعنه الله وكان جاسوسا للخوارج في عسكر أمير المؤمنينعليه‌السلام ـ فظن الملعون أنه يقول خذوها فأخذ بنفسه فمات، فخر الدهقان ساجدا، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ألم أروك من عين التوفيق؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين، فقال: أنا وصاحبي لا شرقيون ولا غربيون، نحن ناشئة القطب وأعلام الفلك، اما قولك انقدح من برجك النيران، فكان الواجب ان تحكم به لي لا عليّ اما نوره وضياؤه فعندي، واما حريقه ولهبه فذاهب عنى، وهذه مسئلة عميقة احسبها ان كنت حاسبا.

٥٣ ـ وروى أنهعليه‌السلام لما أراد المسير إلى الخوارج قال له بعض أصحابه: ان سرت في هذا الوقت خشيت ان لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم؟ فقالعليه‌السلام : أتزعم أنك تهدى إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، وتخوف الساعة التي من سار فيها حاق به الضر، فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن، واستغنى عن الاستعانة بالله في نيل المحبوب ودفع المكروه، وينبغي في قولك للعامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ربه، لأنك بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع وأمن الضر، أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلّا ما يهتدى به في بر أو بحر، فانها تدعوا إلى الكهانة، المنجم كالكاهن والكاهن كالساحر والساحر كالكافر والكافر في النار، سيروا على اسم الله وعونه.

٥٤ ـ في نهج البلاغة قالعليه‌السلام : أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلّا ما يهتدى

٤٠٨

به في بر أو بحر، فانها تدعو إلى الكهانة والمنجم كالكاهن والكاهن كالساحر والساحر كالكافر والكافر في النار.

٥٥ ـ في الكافي علي بن محمد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن غير واحد عن علي بن أسباط إلى قوله وبهذا الاسناد عن علي بن أسباط عمن رواه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان بيني وبين رجل قسمة أرض وكان الرجل صاحب نجوم فكان يتوخى ساعة السعود فيخرج فيها وأخرج أنا في ساعة النحوس فاقتسمنا فخرج لي خير القسمين، فضرب الرجل يده اليمنى على اليسرى ثم قال: ما رأيت كاليوم قط، قلت: ويل الاخر ما ذاك؟ قال: إنّي صاحب نجوم أخرجتك في ساعة النحوس وخرجت أنا في ساعة السعود، ثم قسمنا فخرج لك خير القسمين؟ فقلت: ألآ أحدّثك بحديث حدّثني به أبي قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرّه أن يدفع عنه نحس يومه فليفتتح يومه بصدقة يذهب الله بها عنه نحس يومه ومن أحبّ أن يذهب الله عنه نحس ليلته فليفتتح ليلته بصدقة تدفع عنه نحس ليلته، فقلت: وإنّى افتتحت خروجي بصدقة فهذا خير لك من علم النجوم.

٥٦ ـ في روضة الكافي أحمد بن محمد وعلي بن محمد جميعا عن علي بن الحسن التيمي عن محمد بن الخطاب الواسطي عن يونس بن عبد الرحمان عن أحمد بن عمر الحلبي عن حماد الأزدي عن هشام الخفاف قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : كيف بصرك بالنجوم؟ قال: قلت: ما خلفت بالعراق أبصر بالنجوم منى فقال: كيف دوران الفلك عندكم؟ قال: فأخذت قلنسوتي عن رأسى فأدرتها قال: فقال: فان كان الأمر على ما تقول فيما بال بنات نعش والجدي والفرقدين لا يرون يدورون يوما من الدهر في القبلة؟ قال: قلت: والله هذا شيء لا أعرفه ولا سمعته أحدا من أهل الحساب يذكره، فقال لي: كم السكينة من الزهرة جزءا في ضوئها؟ قال: قلت: هذا والله نجم ما سمعت به ولا سمعت أحدا من الناس يذكره، فقال: سبحان الله فأسقطتم نجما بأسره فعلى ما تحسبون؟ ثمّ قال: فكم الزهرة من القمر جزءا في ضوءه؟ قال: فقلت: هذا شيء لا يعلمه إلّا اللهعزوجل ، قال: فكم القمر جزءا من الشمس في ضوئها؟ قال: قلت: ما أعرف هذا، قال: صدقت، ثمّ قال: ما بال العسكرين

٤٠٩

يلتقيان في هذا حاسب وفي هذا حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر ويحسب هذا لصاحبه بالظفر ثمّ يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر، فأين كانت النحوس؟(١) قال: فقلت: لا والله ما أعلم ذلك قال: فقال: صدقت إنّ أصل الحساب حقّ ولكن لا يعلم ذلك إلّا من علم مواليد الخلق كلهم.

٥٧ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن ابن فضال عن الحسن بن أسباط عن عبد الله بن سيابة قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلت لك الفداء الناس يقولون: إنّ النجوم لا يحل النظر فيها وهي تعجبني؟ فان كانت تضر بديني فلا حاجة لي في شيء يضر بديني، وان كانت لا تضر بديني فو الله انى لأشتهيها وقد أشتهى النظر فيها؟ فقال: ليس كما يقولون لا تضر بدينك، ثم قال: انكم تنظرون في شيء منها كثيره لا يدرك وقليله لا ينتفع به، تحسبون على طالع القمر ثم قال: أتدري كم بين المشترى والزهرة من دقيقة؟ قلت: لا والله، قال: أفتدري كم بين الزهرة وبين القمر من دقيقة؟ قلت: لا قال: أفتدري كم بين الشمس وبين السنبلة من دقيقة؟ قلت: لا والله ما سمعته من المنجمين قط، قال: قال: أفتدري كم بين السكينة(٢) وبين اللوح المحفوظ من دقيقة؟ قلت: لا والله ما سمعته من منجم قط قال: ما بين كل واحد منها(٣) إلى صاحبه ستون أو تسعون دقيقة شك عبد الرحمان ثم قال: يا عبد الرحمان هذا حساب إذا حسبه الرجل ووقع عليه عرف عدد القصبة التي وسط الاجمة، وعدد ما عن يمينها وعدد ما عن يسارها وعدد ما خلفها وعدد ما امامها حتى لا يخفي عليه من قصب الاجمة واحدة.

٥٨ ـ محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب وعدة من أصحابنا عن سهل بن زياد

__________________

(١) هذا هو الظاهر الموافق للمصدر لكن في بعض النسخ «فأين كانت النجوم.» ثم إنّ المجلسي (ره) قال: هذا بيان لخطأ المنجمين فان كل منجم يحكم لمن يريد ظفره بالظفر، ويزعم ان السعد الذي رآه يتعلق به وهذا العدم احاطتهم بارتباط النجوم بالاشخاص.

(٢) وفي بعض النسخ «السنبلة» بدل «السكينة» لكن المختار هو الأنسب بقوله «ما سمعته من منعجم قط» كما قال المجلسي (ره)

(٣) وفي بعض النسخ كما في المصدر «منهما» فيرجع على الأخيرتين فقط.

٤١٠

جميعا عن علي بن حسان عن علي بن عطية الزيات عن معلى بن خنيس قال: سألت أبا ـ عبد اللهعليه‌السلام عن النجوم أهى حق؟ فقال: نعم، إنّ اللهعزوجل بعث المشترى إلى الأرض في صورة رجل فأخذ رجلا من العجم فعلمه النجوم حتى ظن أنه قد بلغ ثم قال له انظر اين المشترى؟ فقال: ما أراه في الفلك وما أدرى أين هو، قال: فنحاه فأخذ بيد رجل من الهند فعلمه حتى ظن أنه قد بلغ، وقال: انظر المشترى أين هو؟ فقال: اين حسابي ليدل على انك أنت المشترى فقال: فشهق شهقة فمات وورث علمه أهله فالعلم هناك.

٥٩ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن صالح عمن أخبره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سئل عن النجوم؟ فقال: ما يعلمها إلّا أهل بيت من العرب وأهل بيت من الهند.

٦٠ ـ في كتاب الاهليلجة المنقول عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام في الرد على من كان منكرا للصانع جل جلاله زعما منه أنّ الأشياء كلها تدرك بالحواس الخمس ولو كان موجودا لأدرك بها قالعليه‌السلام .

قلت: أخبرنى هل يعلم أهل بلادك علم النجوم؟ قال: انك لغافل من علم أهل بلادي بالنجوم، فليس أحد أعلم بذلك منهم، قال: قلت: أخبرنى كيف وقع علمهم بالنجوم وهي مما لا يدرك بالحواس ولا بالفكر؟ قال: حساب وضعه الحكماء وتوارثته الناس فاذا سألت العالم عن شيء قاس الشمس ونظر في حالها وحال القمر وما الطالع من النحوس في البروج وما الباطن من السعود منها فيحسب فلا يخطى بالمولود، فيخبر بكل علامة فيه بغير معاينة، قلت: وكيف دخل الحساب في مواليد الناس؟ قال: لان جميع الناس انما يولدون بهذه النجوم فمن ثم لا يخطئ الحساب، إذا علمت الساعة واليوم والشهر والسنة التي يولد فيها المولود، قلت: [لقد توصف علما عجيبا ليس في علم الدنيا أدقّ منه ولا أعظم إنْ كان حقّا كما ذكرت يعرف به المولود الصبى وما فيه من العلامات ومنتهى أجله وما يصيبه في حياته، أو ليس هذا حسابا تولد به جميع أهل الدنيا من كان من الناس؟ قال: لا شكّ فيه قلت :](١) فتعال ننظر بعقولنا

__________________

(١) ما بين المعقفتين انما هو في نسخة البحار دون النسخ الموجودة عندي من الكتاب.

٤١١

هل يستقيم أنْ يكون يعلم الناس(١) هذا من بعض الناس إذا كان الناس يولدون بهذه النجوم، وإنْ قلت: إنّ الحكماء من الناس هم الذين وضعوا هذا الحساب وعلم مجاري هذه النجوم وعرفت نحوسها من سعودها ودنوها من بعدها وبطيئها من سريعها ومواقعها من السماء ومواضعها من تحت الأرض، فانّ منها ستة طالعة في السماء وستة باطنة تحت الأرض، وكذلك النجوم السبعة تجري على حساب تلك النجوم، وما يقبل القلب ولا يدل العقل أنّ مخلوقا من الأرض قدر على الشمس حتى يعلم في أيّ البروج هي، وأيّ بروج القمر وأيّ بروج هذه النحوس والسعود، ومتى الطالع ومتى الباطن، وهي معلقة في السماء وهي تحت الأرض، ولا يراها إذا توارت بضوء الشمس إلّا أنْ يزعم أنّ هذا الحكيم رقى إلى السماء حتى علم هذا.

ثمّ قلت: وهبه رقى إلى السماء هل له بدٌّ من أن يخرج(٢) مع كل برج من البروج ونجم من هذه النجوم من حيث يغرب إلى حيث يطلع ثمّ يعود إلى الاخر يفعل ذلك كلها، ومنها ما يقطع السماء في ثلاثين سنة ومنها ما يقطعها في أقل من ذلك، وهل كان له بد أن يجول في أقطارها حتى يعرف مطالع السعود والنحوس منها وتيقنه، وهبه قدر على ذلك حتى فرغ منه كيف كان يستقيم له ما في السماء حتى يحكم حساب ما في الأرض وتيقنه ويعرفه ويعاينه كما قد عاينه في السماء، فقد علمت أنّ مجاريها تحت الأرض على حساب مجاريها في السماء وأنه لا يعرف حسابها ودقايقها إلّا بمعرفة ما غاب منها، لأنه ينبغي أن يعرف أيّ ساعة من الليل يطلع طالعها، وأيّ ساعة من الليل يغيب غائبها، وأنه لا يصلح للمتعلم أنْ يكون واحدا حتى يصح الحساب وكيف يمكنه ذلك وهي تحت الأرض وهو على ظهرها، لا يرى ما تحتها إلّا أنْ يزعم أنّ ذلك الحكيم دخل في ظلمات الأرضين والبحر فسار مع النجوم والشمس والقمر في مجاريها على حساب ما سار في السماء، حتى عاين ما تحت الأرض منها كما عاين منها ما في السماء.

قال: وهل قلت لك: أنّ أحدا رقى إلى السماء وقدر على ذلك حتى أقول أنه

__________________

(١) وفي البحار «وهل يستقيم ان يكون لبعض الناس إذا كان اه».

(٢) وفي البحار «يجرى» بدل «يخرج».

٤١٢

دخل الأرض والظلمات وحتى نظر النجوم ومجاريها؟ قلت: فكيف وقع هذا العلم الذي زعمت أنّ الحكماء من الناس وضعوه، وانّ الناس كلهم مولدون به؟ وكيف عرفوا ذلك الحساب وهو أقدم منهم؟ قال: ما أجده يستقيم أنْ أقول إنّ أحدا من الناس يعلم علم هذه النجوم المعلقة في السماء بتعليم أحد من الناس، قلت: لا بد لك أنْ تقول: انما علمه حكيم عليم بأمر السماء والأرض ومدبرها قال: إنْ قلت هذا فقد أقررت بإلهك الذي تزعم، غير أنى أعلم أنه لا بد لهذا الحساب من معلم وإنْ قلت: إنّ أحدا من أهل الأرض علم ذلك من غير معلم من أهل الأرض لقد أبطلت، إلّا أنّ علم الأرض لا يكون عندنا إلّا بالحواس ولا يقع علم الحواس في علم النجوم وهي معلقة تغيب مرة وتطلع أخرى، تجري تحت الأرض كما تجري في السماء وما زادت الحواس على أكثر من النظر إلى طالعها إذا طلع وإلى غائبها إذا غاب: فأمّا حسابها ودقايقها وسعودها ونحوسها وسريعها وبطيئها فلا يقدر عليه الحواس، قلت: فأخبرنى لو كنت متعلما مستوصفا لهذا الحساب من أهل الأرض أحب إليك أن تستوصفه وتتعلمه أم من أهل السماء، قال: من أهل السماء إذا كانت النجوم معلقة فيها، حيث لا يعلمها أهل الأرض قلت: فافهم ألطف النظر ولا يغلبنك الهوى أليس تعلم أنه إذا كان أهل الدنيا يولدون بهذه النجوم، أنَّ النجوم قبل الناس، فاذا أقررت بذلك انكسر عليك أن تعلم علمها من عالم منهم إذا كان العالم وهم انما ولدوا بها بعدها، وانها قبلهم خلقت؟ قال: بلى، قلت: وكذلك الأرض كانت قبلهم أيضا؟ قال: نعم، قلت: لأنه لو لم يكن الأرض خلقت لما استقام أنْ يكون الناس ولا غيرهم من الخلق عليها إلّا أنْ يكون لها أجنحة، إذ لم يكن لها مستقر تأوى إليه ولا ملسعة ترجع إليها، وكذلك الفلك قبل النجوم والشمس والقمر لأنه لولا الفلك لم تدر البروج ولم تستقل مرة وتهبط أخرى.

قال: نعم هو كما قلت فقد أقررت بانّ خالق النجوم التي يتولد الناس بها هو خالق السماء والأرض، لأنه لو لم يكن سماء ولا ارض لم يكن دوران الفلك، إذ ليس(١) ينبغي لك أنْ يدلك عقلك على أنّ الذي خلق السماء هو الذي خلق الأرض والفلك والدوران

__________________

(١) كذا في النسخ ولعله سقط من الموضع شيء وكأن الصحيح «قلت: أفليس ينبغي لك اه».

٤١٣

والشمس والقمر والنجوم؟ قال: أشهد أنّ الخالق واحد، ولكن لست أدرى كيف سقطوا على هذا الحساب حتى عرفوه وعلى هذا الدور والصواب ولو أعرف من الحساب ما عرفت لأخبرت بالجهل، وكان أهون عليّ غير أنى أريد أن تزيدني شرحا.

قلت: أنبئك من قبل إهليلجتك هذه التي في يدك وما تدعى من الطب الذي هو صناعتك وصناعة آبائك إلى قولهعليه‌السلام قال: فأنا أشهد أنْ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وانه خالق السمايم القاتلة والهوام العادية وجميع النبت والأشجار ووارثها ومنبتها وبارئ الأجساد وسائق الرياح ومسخر السحاب، وأنه خالق الأدواء التي يهيج بالإنسان كالسمائم القاتلة التي تجري في أعضائه وعظامه مستقر الأدواء، وما يصلحها من الدواء العارف بتسكين الروح ومجرى الدم وأقسامه في العروق واتصاله بالعصب والأعضاء والعقب والجسد، وانه عارف بما يصلح من الحر والبرد عالم بكل عضو وما فيه، وانه هو الذي وضع هذا النجوم وحسابها والعالم بها، والدال على نحوستها وسعودها، وما يكون من المواليد، وأنّ التدبير واحد لم يختلف متصل فيما بين السماء والأرض وما فيهما(١) .

٦١ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد عن أبي نصر عن أبان بن عثمان عن حجر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: خالف إبراهيمعليه‌السلام قومه وعاب آلهتهم حتى أدخل على نمرود فخاصمهم، فقال إبراهيم:( رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) وقال أبو جعفرعليه‌السلام : عاب آلهتهم( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ ) قال أبو جعفرعليه‌السلام والله ما كان سقيما وما كذب فلما تولوا عنه مدبرين إلى عيد لهم دخل إبراهيمعليه‌السلام إلى آلهتهم بقدوم

__________________

(١) أقول: بين ما ذكره المؤلف (ره) عنا من حديث الاهليلجة وبين ما هو مذكور في كتاب بحار الأنوار اختلاف كثير في الألفاظ والعبائر وكذا في التقديم والتأخير، وذكر المجلسي (ره) بعض ما يتعلق بها فراجع ان شئت. ج ٣ ص ١٧١ ـ ١٨٠ من الطبعة الحديثة.

٤١٤

فكسرها إلّا كبيرا لهم ووضع القدوم(١) في عنقه فرجعوا إلى آلهتهم فنظروا إلى ما صنع بها فقالوا: لا والله ما اجترى عليها ولا كسرها إلّا الفتى الذي كان يعيبها ويبرأ منها فلم يجدوا له قتلة أعظم من النار فجمع له الحطب واستجادوه حتى إذا كان اليوم الذي يحرق فيه برز له نمرود وجنوده وقد بنى له بناء لينظر إليه كيف تأخذه النار، ووضع إبراهيمعليه‌السلام في منجنيق وقالت الأرض: يا رب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره يحرق بالنار؟ قال الرب: ان دعاني كفيته فذكر أبان عن محمد بن مروان عمن رواه عن أبي جعفرعليه‌السلام ان دعاء إبراهيم يومئذ كان: يا أحد يا أحد يا صمد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ثم قال: توكلت على الله، فقال الرب تبارك وتعالى: كفيت فقال للنار:( كُونِي بَرْداً ) قال: فاضطربت أسنان إبراهيم من البرد حتى قال اللهعزوجل ( وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ) وانحط جبرئيلعليه‌السلام فاذا هو يجالس مع إبراهيمعليه‌السلام يحدثه في النار قال نمرود: من اتخذ إلها فليتخذ مثل اله إبراهيم، قال: فقال عظيم من عظمائهم: انى عزمت على النار ان لا تحرقه، فأخذ عنق من النار نحوه حتى أحرقه، قال: فآمن من له لوط، فخرج مهاجرا إلى الشام هو وسارة ولوط.

٦٢ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ آزر أبا إبراهيم صلى الله عليه(٢) كان منجما لنمرود، وذكرعليه‌السلام حديثا طويلا يذكر فيه ولادة إبراهيمعليه‌السلام ، و

__________________

(١) القدوم: آلة للنحت والنجر.

(٢) أقول: الاخبار الدالة على إسلام آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من طرق الشيعة مستفيضة بل متواترة، وكذا في خصوص والد إبراهيم قد وردت بعض الاخبار وقال الزجاج كما في مجمع البيان انه لا خلاف بين النسابين ان اسم والد إبراهيمعليه‌السلام تارخ وقال الشيخ الطبرسي (ره) بعد نقل كلامه: وهذا الذي قاله الزجاج يقوى ما قاله أصحابنا ان آزر كان جد إبراهيم لامه أو كان عمه من حيث صح عندهم ان آباء النبي صلوات الله عليهم إلى آدم كلهم كانوا موحدين وأجمعت الطائفة على ذلك «انتهى» فالأخبار الدالة على انه كان أباه حقيقة محمولة على التقية كما قاله المجلسي (ره) وغيره.

٤١٥

فيه يقولعليه‌السلام : فبينما اخوته يعملون يوما من الأيام الأصنام إذ أخذ إبراهيم القدوم وأخذ خشبة فنجر منها صنما لم يروا قط مثله، فقال آزر لامه: انى لأرجو أن نصيب خيرا ببركة ابنك هذا، قال: فبينما هم كذلك إذا أخذ إبراهيمعليه‌السلام القدوم فكسر الصنم الذي عمله، ففزع أبوه من ذلك فزعا شديدا فقال له أي شيء عملت فقال له إبراهيمعليه‌السلام : وما تصنعون به؟ فقال آزر: نعبده، فقال له إبراهيمعليه‌السلام : أتعبدون ما تنحتون فقال آزر: هذا الذي يكون ذهاب ملكنا على يديه.

٦٣ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه وعدة من أصحابنا عن سهل بن زياد جميعا عن الحسن ابن محبوب عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إنّ إبراهيم كان مولده بكوثى ربا(١) وكان أبوه من أهلها وكانت أمه وأم لوط(٢) صلى الله عليهما سارة وورقة ـ وفي نسخة رقيقة ـ أختين وهما ابنتان للاحج وكان اللاحج نبيا منذرا ولم يكن رسولا، وكان إبراهيمصلى‌الله‌عليه‌وآله في شبيبته(٣) على الفطرة التي فطر اللهعزوجل الخلق عليها حتى هداه الله تبارك وتعالى إلى دينه واجتباه، وانه تزوج سارة ابنة لاحج(٤) وهي ابنة خالته، وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وأرض واسعة وحال حسنة، وكانت قد ملكت إبراهيمعليه‌السلام جميع ما كانت تملكه، فقام فيه وأصلحه و

__________________

(١) قال الجزري: كوثى: سرة السواد وبهاد ولد إبراهيمعليه‌السلام وقال الفيروزآبادي :كوثى ـ كطوبى ـ: موضع بالعراق. وقال الحموي كوثى بالعراق موضعان: كوثى الطريق وكوثى ربا وبها مشهد إبراهيم الخليل عليه‌السلام وهما قريتان وبينهما تلول من رماد يقال انها رماد النار التي أو قدها نمرود لاحراقه.

(٢) قال في حاشية الكافي: كذا في أكثر النسخ وفي بعض النسخ «امرأة إبراهيم وامرأة لوط» وهو الصواب وفي كامل التواريخ ان لوطا كان ابن أخى إبراهيمعليه‌السلام .

(٣) أي في حداثته.

(٤) قال المجلسي (ره): الظاهر انه كان ابنة ابنة لا حج فتوهم النساخ التكرار فأسقطوا إحداهما وعلى ما في النسخ المراد ابنة الابنة مجازا «انتهى» ثم إنّ سارة ولا حج هنا غير المتقدمين وانما الاشتراك في الاسم واما على نسخة «الامرأة» فلا يحتاج إلى التكلف.

٤١٦

كثرت الماشية والزرع حتى لم يكن بأرض كوثى ربا رجل أحسن حالا منه، وان إبراهيمعليه‌السلام لما كسر أصنام نمرود أمر به نمرود فأوثق وعمل له حيرا و(١) جمع له فيه الحطب وألهب فيه النار، ثم قذف إبراهيمعليه‌السلام في النار لتحرقه ثم اعتزلوها حتى خمدت النار، ثم أشرفوا على الحير فاذا هم بإبراهيمعليه‌السلام سليما مطلقا من وثاقه فأخبر نمرود خبره فأمرهم ان ينفوا إبراهيم من بلاده وان يمنعوه من الخروج بماشيته وماله فحاجهم إبراهيمعليه‌السلام عند ذلك فقال ان أخذتم ماشيتي ومالي فان حقي عليكم ان تردوا على ما ذهب من عمرى في بلادكم، واختصموا إلى قاضى نمرود فقضى على إبراهيم ان يسلم إليهم جميع ما أصاب في بلادهم وقضى على أصحاب نمرود ان يردوا إلى إبراهيمعليه‌السلام ما ذهب من عمره في بلادهم. فأخبر ذلك نمرود فأمرهم ان يخلوا سبيله وسبيل ماشيته وماله وأن يخرجوه، وقال: انه ان بقي في بلادكم أفسد دينكم وأضر بآلهتكم فأخرجوا إبراهيم ولوطا معهعليهما‌السلام من بلادهم إلى الشام، فخرج إبراهيم ومعه لوط لا يفارقه وسارة وقال لهم:( إِنِّي ذاهِبٌ إلى رَبِّي سَيَهْدِينِ ) يعنى بيت المقدس فتحمل إبراهيمعليه‌السلام بماشيته وماله وعمل تابوتا وجعل فيه سارة وشد عليها الاغلاق غيرة منه عليها، ومضى حتى خرج من سلطان نمرود وصار إلى سلطان رجل من القبط يقال له عرارة فمر بعاشر(٢) له فاعترضه العاشر ليعشر ما معه، فلما انتهى إلى العاشر ومعه التابوت قال العاشر لإبراهيم: افتح هذا التابوت حتى نعشر ما فيه، فقال له إبراهيم قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتى نعطى عشرة ولا تفتحه، قال: فأبى العاشر إلّا فتحه قال: وغضب إبراهيم على فتحه، فلما بدت له سارة وكانت موصوفة بالحسن والجمال قال له العاشر: ما هذه المرأة منك؟ قال إبراهيم: هي حرمتي وابنة خالتي فقال له العاشر فما دعاك إلى أنْ خبيتها في هذا التابوت؟ فقال إبراهيمعليه‌السلام : الغيرة عليها ان يراها أحد، فقال له العاشر: لست أدعك تبرح حتى أعلم الملك حالها وحالك، قال: فبعث رسولا إلى الملك فأعلمه، فبعث الملك رسولا من قبله

__________________

(١) الحير: شبه الحظيرة.

(٢) أي ملتزم أخذ العشر.

٤١٧

ليأتوه بالتابوت، فأتوا ليذهبوا به فقال لهم إبراهيمعليه‌السلام : انى لست أفارق التابوت حتى تفارق روحي جسدي، فأخبروا الملك بذلك فأرسلوا الملك ان احملوه والتابوت معه، فحملوا إبراهيم والتابوت وجميع ما كان معه حتى أدخل على الملك، فقال له الملك: افتح التابوت فقال له إبراهيم: أيها الملك إنّ فيه حرمتي وبنت خالتي وأنا مفتد فتحه بجميع ما معى، قال: فغضب الملك إبراهيم على فتحه فما رأى سارة لم يملك حلمه سفهه ان مد يده إليها، فأعرض إبراهيمعليه‌السلام بوجهه عنها وعن الملك غيرة منه وقال: أللّهمّ احبس يده عن حرمتي وابنة خالتي فلم تصل يده إليها ولم ترجع اليه، فقال له الملك: إنّ إلهلك هو الذي فعل بي هذا؟ فقال له: نعم إنّ إلهى غيور يكره الحرام، وهو الذي حال بينك وبين ما أردت من الحرام، فقال له الملك: فادع إلهك يرد عليَّ يدي فان أجابك فلم أعرض لها، فقال إبراهيمعليه‌السلام : إليه رد عليه يده ليكف عن حرمتي قال فرد اللهعزوجل عليه يده، فأقبل الملك نحوها ببصره ثم عاد بيده نحوها فأعرض إبراهيم عنه بوجهه غيرة منه وقال: أللّهمّ احبس يده عنها، قال: فيبست يده ولم تصل إليها فقال الملك لإبراهيم: إنّ إلهك لغيور و إنّك لغيور: فادع إلهك يرد عليَّ يدي فانه ان فعل لم أعد، فقال له إبراهيمعليه‌السلام : أسأله ذلك على أنك ان عدت لم تسألنى أن أسأله؟ فقال له الملك: نعم، فقال إبراهيم: أللّهمّ ان كان صادقا فرد عليه يده، فرجعت إليه يده فلما رأى ذلك الملك من الغيرة ما رأى ورأى الآية في يده عظم إبراهيمعليه‌السلام وهابه وأكرمه واتقاه، وقال له: قد أمنت من أن أعرض لها أو لشيء مما معك فانطلق حيث شئت ولكن لك إليك حاجة، فقال له إبراهيمعليه‌السلام : ما هي؟ فقال له: أحب أن تأذن لي أن أخدمها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادما، قال: فأذن له إبراهيم فدعا بها فوهبها لسارة وهي هاجر أم اسمعيلعليه‌السلام ، فسار إبراهيمعليه‌السلام بجميع ما معه وخرج الملك معه يمشى خلف إبراهيم إعظاما لإبراهيم وهيبة له.

فأوحى اللهعزوجل إلى إبراهيم: أن قف ولا تمش قدام الجبار المتسلط ويمشى هو خلفك، ولكن اجعله أمامك وامش خلفه وعظمه وهبه فانه مسلط ولا بد من إمرة في الأرض برة أو فاجرة، فوقف إبراهيمعليه‌السلام وقال للملك: امض فان الهى أوحى إلى

٤١٨

الساعة أن أعظمك وأهابك وان أقدمك امامى وأمشى خلفك إجلالا لك، فقال له الملك أوحى إليك بهذا؟ فقال له إبراهيم: نعم، قال له الملك: أشهد أنَّ إلهك لرفيق حليم كريم وانك ترغبني في دينك، وودعه الملك فسار إبراهيم حتى نزل بأعلى الشامات وخلفك لوطا في ادنى الشامات ثم إنّ إبراهيمعليه‌السلام لما أبطى عليه الولد قال لسارة: لو شئت لبعتيني هاجر لعل الله أن يرزقنا منها ولدا فيكون لنا خلفا، فابتاع إبراهيمعليه‌السلام هاجر من سارة فولدت اسمعيلعليه‌السلام .

٦٤ ـ في كتاب التوحيد عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات: وقد أعلمتك أنْ ربَّ شيء من كتاب اللهعزوجل تأويله غير تنزيله، ولا يشبه كلام البشر وسأنبئك بطرف منه فتكتفي إنشاء الله، من ذلك قول إبراهيمعليه‌السلام :( إِنِّي ذاهِبٌ إلى رَبِّي سَيَهْدِينِ ) فذهابه إلى ربه بوجهه إليه عبادة واجتهادا وقربة إلى اللهعزوجل ، ألآ ترى أنّ تأويله غير تنزيله؟.

٦٥ ـ في مجمع البيان وروى العياشي باسناده عن يزيد بن معاوية العجلي قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : كم كان بين بشارة إبراهيم بإسماعيلعليه‌السلام وبين بشارته بإسحاق؟ قال: كان بين البشارتين خمس سنين(١) قال الله سبحانه:( فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ) يعنى إسمعيل وهي أول بشارة بشر الله بها إبراهيم في الولد، الحديث وستقف عليه بتمامه إنشاء الله.

٦٦ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى محمد بن القاسم وغيره عن أبي ـ عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ سارة قالت لإبراهيم يا إبراهيم قد كبرت فلو دعوت الله أن يرزقك ولدا تقر عيننا به فان الله قد اتخذك خليلا وهو مجيب لدعوتك ان شاء؟ قال: فسئل إبراهيم ربه أن يرزقه غلاما عليما، فأوحى اللهعزوجل اليه: انى واهب لك غلاما حليما ثمّ أبلوك بالطاعة لي، قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : فمكث إبراهيم بعد البشارة ثلاث سنين ثم جاءته البشرى من اللهعزوجل ، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٧ ـ في عيون الأخبار حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال: أخبرنا أحمد بن

__________________

(١) كذا في الأصل ويوافقه المصدر أيضا لكن في نسخة «خمسون» بدل «خمس».

٤١٩

محمد بن سعيد الكوفي قال: حدّثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال: سألت أبا الحسن عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام عن معنى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : انا ابن الذبيحين؟ قال: يعنى إسماعيل بن إبراهيم الخليلعليهما‌السلام وعبد الله بن عبد المطلب، أمّا إسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشّر الله تعالى به إبراهيمعليه‌السلام فلمّا بلغ معه السعي وهو لـمّا عمل مثل عمله( قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ ) ولم يقل يا أبت افعل ما رأيت ستجدني إنشاء الله من الصابرين الحديث وستقف على تمامه إنشاء الله تعالى.

٦٨ ـ وفيه في باب ذكر ما كتب به الرضاعليه‌السلام إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل والعلة التي من أجلها سميت منى منى أنّ جبرئيلعليه‌السلام قال هناك لإبراهيمعليه‌السلام : تمن على ربك ما شئت، فتمنى إبراهيمعليه‌السلام في نفسه أن يجعل الله مكان ابنه إسماعيل كبشا يأمره بذبحه فداء له، فأعطى مناه.

٦٩ ـ في كتاب الخصال عن الحسن بن عليعليه‌السلام قال: كان علي بن أبي طالبعليه‌السلام بالكوفة في الجامع إذ قام إليه رجل من أهل الشام فسأله عن مسائل، فكان فيما سأله أخبرنى عن ستة لم يركضوا في رحم، فقال: آدم وحواه وكبش اسمعيل الحديث.

٧٠ ـ وفيه عن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام حديث طويل مع ملك الروم وفيه أن ملك الروم سأله عن سبعة أشياء خلقها اللهعزوجل لم تخرج من رحم فقال: آدم وحوا وكبش إسماعيل وناقة صالح وحية الجنة والغراب الذي بعثه اللهعزوجل يبحث في ـ الأرض وإبليس لعنه الله.

٧١ ـ في كتاب التوحيد وقد روى من طريق أبي الحسين الأسدي (ره) في ذلك شيء غريب، وو هو أنه روى ان الصادقعليه‌السلام قال: ما بدا لله بداء كما بدا له في إسماعيل إذ أمر أباه بذبحه ثم فداه بذبح عظيم.

٧٢ ـ وباسناده إلى فتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسنعليه‌السلام حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام : يا فتح إنّ لله إرادتين ومشيتين، ارادة حتم، وارادة عزم، ينهى وهو يشاء ذلك ويأمر وهو لا يشاء، أو ما رأيت أنه نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652