سلسلة مجمع مصائب أهل البيت عليهم السلام الجزء ٤

سلسلة مجمع مصائب أهل البيت عليهم السلام0%

سلسلة مجمع مصائب أهل البيت عليهم السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 460

سلسلة مجمع مصائب أهل البيت عليهم السلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمَّد الهنداوي
تصنيف: الصفحات: 460
المشاهدات: 112234
تحميل: 6487


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 112234 / تحميل: 6487
الحجم الحجم الحجم
سلسلة مجمع مصائب أهل البيت عليهم السلام

سلسلة مجمع مصائب أهل البيت عليهم السلام الجزء 4

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

معهم غلام سندي فذهب إلى السلطة وأخبرهم بالخبر فاستخرجوه وحزوا رأسه وسيروه إلى دمشق فنصب في أحد شوارعها.

قال بعضهم: فنظرت إليه حين أقبلوا به على جمل قد شد بالحبال وعليه قميص أصفر فألقى من البعير على باب القصر فخر كأنه جبل فامر به فصلب بالكناسة عاريا ومكث مصلوبا أربع سنين حتى أن الفاختة عششت في جوفه.

فلما ظهر يحيى ابن زيد كتب الوليد إلى يوسف بن عمرو أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فانظر عجل أهل العراق فأحرقه وأنسفه في اليم نسفا فأمر يوسف عند ذلك أحد أصحابه فأنزله من جذعه فأحرقه بالنار ثم جعله في قواصر(١) ثم حمله في سفينة ثم ذرّاه في الفرات.

وشوهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الرؤيا متساندا إلى جذع زيد بن علي وهو مصلوب وهو يقول للناس: أهكذا تفعلون بولدي؟

نعم: إن مصيبة زيد أحرقت قلوب أهل البيتعليهم‌السلام لاسيما سيدنا وإمامنا أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام الذي كان يبكي عمه بحرقة. يقول الأمين في كتابه: (زيد الشهيد) عن حمزة بن حمران قال: دخلت على الصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام فقال لي: يا حمزة من أين أقبلت؟ قلت من الكوفة فبكى حتى بُلَّت لحيته فقلت له: يا ابن رسول الله ما لك أكثرت البكاء؟ قال: ذكرت عمي زيدا وما صُنع في فبكيت فقلت له: وما الذي ذكرت منه؟ فقال: ذكرت مقتله وقد أصاب جبينه السهم فجاء ابنه يحيى فانكب عليه وقال: أبشر يا أبتاه فإنك ترد

____________________

(١) - جمع قوصرة، وعاء معروف يصنع من سعف النخيل يستخدم لكبس التمور الجافة.

٣٦١

على رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) قال: أجل يا بني ثم عاد بطبيب فنزع السهم من جبينه فكانت نفسه معه(١) .

أقول: رحم الله الشيخ يعقوب النجفي إذ يقول:

يبكي الإمام لزيد حين يذكره

وإن زيدا بسهم واحد ضُربا

فكيف حال علي بن الحسين وقد

رأى أباه لنبل القوم قد نصبا

ويقول المؤلف:

(بحر طويل) (٢)

الصادق من ذكرعمه حن اوسچب دمع العين

الله ايساعدالسجاد من عاين لبوه احسين

شافه للنبل مرمي او ماله من اخوته امعين

ظل الحالته يبكي او ينوح ابليله وانهاره

اشلون اهجمع وبطل النوح وانته اموسد الغبره

اشلون التذابشرف الماي بويه اومااجر حسره

وانته امن العطش ياحيف كبدك بيه ألف جمره

شيطفيه جمر كبدي او كبدك ما طفت ناره

____________________

(١) - مقتل الطالبيين لأبي الفرج الأَصفهاني. أبو الحسين زيد الشهيد للسيد محسن الأمين. شجرة طوبى للشيخ محمد مهدي الحائري.

(٢) - للمؤلف.

٣٦٢

لحرم او سادتي للنوم يلمتوسد التربان

وخلي ادموعي تجري ادموم لجلك يالرحت عطشان

حگي لو گضه صبري اوبگيت ابلوعة الأحزان

ماني الفاگد احبابي ابوي احسين وانصاره

(أبوذية)

جرى دمعي على الوجنه وشاله

الگلب يجري ولاتم بيه وشاله

على المحَّد دنه النعشه وشاله

گبل ما ترض صدره اخيول اميه

(تخميس)

أفاطم إن الوحيَ قد قام معوِلا

لرزءٍ به أبكى السماءَ وزلزلا

اتدرين ماذا قد دهاكِ بكربلا

أفاطمُ لو خلتِ الحسينَ مجدلا

وقد مات عطشانا بشط فرات

(تخميس)

ومن جسمه الأعداءُ تسلب بردَه

وفيها جنت لم ترع في السبط جدَّه

فو الله لو شاهدتِ في التربِ خدَّه

إذاً للطمت الخدَ فاطمُ عندَه

وأجريت دمع العين في الوجنات

٣٦٣

٣٦٤

الشهيد

يحيى بن زيد

(رض)

٣٦٥

٣٦٦

الشهيد يحيى بن زيد

(رضوان الله عليه)

القصيدة: لشاعر أهل البيت دعبل بن علي الخزاعي

أفاطمُ قومي يا ابنةَ الخيرِ واندبي

نجومَ سماواتٍ بأرضِ فلاة

قبور بكوفانٍ وأخرى بطَيبةٍ

وأخرى بفخٍّ نالها صلواتي

وأخرى بأرض الجوزجانِ(١) محلُّها

وقبرٌ بباخمرا لدى الغربات

وقبر ببغدادٍ لنفسٍ زكيةٍ

تضمنّها الرحمنُ بالغرفات

وقبر بطوسٍ يالها من مصيبةٍ

ألحَّتْ على الأحشاء بالزفرات

إلى الحشر حتى يبعثَ اللهُ قائما

يُفرِّج عنا الَهمَّ والكربات

قبور بجنب النهر من أرض كربلا

معرَّسُهم فيها بشطِّ فرات

توفوا عطاشا بالعراء فليتني

توفيتُ فيهم قبل حين وفاتي

رزايا أرتنا خُضرةَ الأفقِ حمرةً

وردَّت أُجاجا طعمَ كلِّ فرات

____________________

(١) - جُوزجان: كورة واسعة من كور بلخ بخراسان وبها قتل يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام وفتح الجوزجان عنوة في سنة ٣٣ه. معجم البلدان ج٣، ص١٨٢ الياقوت الحموي.

٣٦٧

بنفسيَ أنتمْ من كهول وفتية

لفكِّ عُناةٍ أو لحملِ دِيات

إلى الله أشكو لوعةً عند ذكرِهم

سقتني بكأسِ الثُكل والفَضُعات

سأبكيهمُ ما حجَّ لله راكبٌ

وما ناح قُمريٌّ على الشجرات(١)

(مجردات)

خلصوا چتل منهم او منهم

بالسم گضوا ويلي عليهم

واهل المطامع شتّتهم

بالغرب عن اديار اهلهم

واهل الخيانه من حسدهم

بالطف سعوا ويلي ابچتلهم

والنار شبوها ابخيمهم

او بالخيل رضوا كل جثثهم

او حتى الطفل مرمي ابسهمهم

او للشام مشوهن حرمهم

واشعطل ابن الحسن عنهم

ما ينهض او يطلب ابدمهم

الشهيد يحيى بن زيد بن الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام

لقد نقل المؤرخون: أن زيداً وهو كرب الموت قال: ادعوا لي ابني يحيى فلما دعي له ودخل جمع يحيى قميصه في كمه وجعل بمسح ذلك الكرب عن وجهه وقال: أبشر يا ابن رسول الله فإنك تقدم على رسول الله وعلي والحسن والحسين وخديجة وفاطمة (عليهم‌السلام ) وهم عنك راضون قال: صدقت يا بني فما في نفسك؟ قال: أن أجاهد القوم والله إلا أن لا أجد أحدا يعينني قال: نعم يا بني جاهدهم فوالله إنك على الحق وإنهم لعلى الباطل وأن

____________________

(١) - الدر النضيد في مراثي السبط الشهيد لمحسن الأمين.

٣٦٨

قتلاك في الجنة وقتلاهم في النار.

فانطلق يحيى فأعلنها حربا على أعداء الله ولامه عشرة من أصحاب أبيه وراح أعداؤه يبحثون عنه في الكوفة والمدائن فلم يجدوا له أثرا لأنه ترك العراق وتوجه إلى بلاد إيران مع جماعة من أصحابه حتى حصلت بينه وبين نصر بن سيار معركة في الجوزجان بقي الفريقان يتقاتلان ثلاثة أيام بلياليها أشد القتل حتى قتل أصحاب يحيى جميعهم وأتت إليه نشابة في جبهته فخر إلى الأرض صريعا فجاؤوا إليه واحتزوا راسه وسلبوه ملابسه - كجده الحسينعليه‌السلام - وصلب يحيى (رض) على باب مدينة الجوزجان وبعث برأسه إلى الوليد (في الشام) ثم بعث الوليد برأسه إلى المدينة فجعل في حجر أمه (ريطة) بنت أبي هاشم بن محمد بن الحنفية فنظرت إليه وهو ابن العشرين عاما، ووجهه كفلقة قمر وقالت: شردتموه عني طويلا وأهديتموه إليّ قتيلا(١) .

____________________

(١) - مقاتل الطالبين للأصفهاني. شجرة طوبى للحائري. أقول: وكان مصرعه سنة ١٢٥ ه، قال في مقاتل الطالبيين: قال جعفر الأحمر: رأيت أحمر يحيي بن زيد مصلوبا على باب الجوزجان... فلم يزل مصلوبا حتى إذا جاءت المسودة - العباسيون- فأنزلوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه ثم دفنوه وأراد أبو مسلم أن يتبع قتله يحيي بن زيد فقيل له: عليك بالديوان - السجل الذي دونت فيه أسماء الذين شاركوا في القتال ضد يحيي- فوضعه بين يديه وكان إذا مرّ به رجل ممن أعان على يحيى قتله حتى لم يدع أحدا قدر عليه ممن شهد قتله.(ص١٠٨)

ومن شدة حب أصحاب تلك الديار لعترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما ذكره في المقاتل أيضا قال: لما أطلق يحيى - و كان اعتقل في بادئ أمره عند نصر بن سيار - وفك حديده وصار جماعة من مياسير الشيعة إلى الحداد الذي فك قيده من رجله فسألوه أن يبيعهم إياه وتنافسوا فيه وتزايدوا=

٣٦٩

ساعد الله قلبها ولا أعلم مصاباً أعظم من هذا المصاب إلا ما جرى لأم علي الأكبر التي نظرت إلى جثته مقطعا إربا أربا ونظرت إلى رأسه محمولا على السنان.

قيل أن ليلى جلست يوم الحادي عشر من المحرم عند جسد ولدها علي الأكبر لتودعه فبينما هي جالسة تبكي عند جسده وإذا بمنقذ العبدي يضربها بالسياط حتى غشي عليها من كثرة الضرب وكأني بها تخاطب ولدها.

(مجردات)

جيت ارد اودعك وامشي يبني

واسياط عدوانك ولتني

كل هاي يبني اولا تهمني

لاچن الهد حيلي او كتلني

امصابك او طبراتك هذنِّي

لا تغض يبني الشوف عني

يا ما ضحك سنك ابسني

او بديار غربه لا تذبني

ثم أخذوها قسرا وأبعدوها عن جسده وأركبوها على الناقة ولسان حالها

____________________

حتى بلغ عشرين ألف درهم فخاف - الحداد - ان يشيع خبره فيؤخذ منه المال فقال لهم: اجمعوا ثمنه بينكم فرضوا بذلك وأعطوه المال فقطعه قطعة قطعة وقسمه بينهم فاتخذوا منه فصوصا للخواتيم يتركبون بها.(ص١٠٥)

وفي أمه ريطة بنت أبي هاشم بن عبد الله بن محمد ابن حنفية يقول أبو ثميلة:

فلعل راحم أم موسى والذي

نجّاه من لججٍ خِضَمٍّ مُزبِدِ

سيسر ريطة بعد حزن فؤادها

يحيى ويحيى في الكتائب يرتدي

(المقاتل ص ١٠٣)

٣٧٠

يقول:

(مجردات)

من عله الناگه ابني ارد اودعه

يالحادي لا تمشي ابسرعه

بلكن عَلِيْ يحچي واسمعه

ويگوم وينشف الدمعه

(أبوذية)

امصابك ما جره مثله ولا ادها

او ردتك بالحرب تمشي ولا ادها

يبني الوالده تنخى ولدها

الحمل لو طاح منها اعله الوطيه

أما ليلى أم علي الأكبر بعد رجوعها إلى المدينة، فهي كما ذكرت بعض المصادر عن رجل يقول: كنت أتمشى في أزقة المدينة بعد واقعة الطف وإذا بي أسمع حنينا وأنينا لامرأة ينبعث من احدى الدور، فسألت: من تكون هذه المرأة؟ فقيل لي: إنها أم علي الأكبر بن الحسين بن علي (عليهم‌السلام )، هذا دأبها منذ قتل ولدها، تبكي عليه ليلا ونهارا، ولسان حالها:

(مجردات)

فگد الولد شتت احوالي

او من يومه سهرانه الليالي

ما حسبت بالبين تالي

أبگه وحيده ابغير والي

***

لهفي على ذاك المحيا معفرا

ولهفي على تلك الخدود النواعم

٣٧١

٣٧٢

عيسى

بن زيد الشهيد

(رض)

٣٧٣

٣٧٤

عيسى بن زيد الشهيد

(رضوان الله عليه)

القصيدة: للسيد مهدي الأعرجي

أَربُعٌ قضيت فيها زمانا

بين شمسِ الطُلا وبدرِ التمامِ

حيث كانت فيها الليالي أيا

ما فعادت ليالياً أيامي

فكأنَّ الزمانَ يطلُب ثأرا

بيَ إذ لم يكن يُراعي ذمامي

خانني وهو لا يزال خئونا

مثلَ ما خال آلَ خيرِ الأنام

فقضوا بين من تعمَّم بالسيـ

ـف بمحرابه بشهرِ الصيام

وقتيلٍ سقته جعدةُ سما

فأذاقته فيه كأسَ الحِمام

وصريعٍ قد صار للبيض نَهبا

وسهاما لِواردات السهام

وشريدٍ يطوي الفيافي غريبا

مختفٍ في الكهوفِ والآجام

يَتحرَّى الأحياءَ كيما يواري

شخصَه عن بني الخَنا واللئام

(فائزي)

منهم ابسامرا او منهم في خراسان

او منهم برض طيبه او منهم برض كوفان

٣٧٥

واعظم مصيبه امصيبة المذبوح عطشان

يحسين وين اللي يواسيني على احسين

لا تحسبوني للرضا في طوس ما جيت

ولا إلى بغداد مارحت او تعنيت

كلهم عليهم نوَّحت والدمعي هليت

واعظم مصاب امصاب محزوز الوريدين

(مجردات) (١)

من فاطم العبره جريه

واتصيح دهري اشعمل بيه

واشّفت من الغاضريه

اوليدي ترضّه الأعوجيه

والراس للطاغي هديه

او زينب يمشّوها سبيه

عيسى بن زيد ابن الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام

لقد توارى هذا العبد الصالح في الأحياء مخفيا نفسه عن عيون السلطة العباسية، لذلك لاشتراكه في بعض الثورات الحسنية التي قامت آنذاك وأجهضت. وكان عيسى (رض) كما يقول الأصفهاني في المقاتل أفضل من بقي من أهله دينا وعلماوورعا وزهدا وتقشفا وأشدهم بصيرة في أمره ومذهبه مع علم كثير ورواية للحديث. لقد هرب عيسى من المهدي العابسي واختبأ في الكوفة في دار أحد الشيعة وهو علي بن صالح ثم رأى أن يتخذ

____________________

(١) - للمؤلف.

٣٧٦

عملا يعتاش منه ولا يكون كلَّا على أحد وكان أهل الكوفة ينقلون الماء من الفرات إلى بيوتهم على الجمال وسائر الحيوانات فاتفق عيسى مع صاحب جمل على أن يسقي الماء على الجمل ويدفع له كل يوم أجرا معينا ويتقوت هو بما يبقى وهكذا بقي أمدا طويلا وهو متنكر وتزوج امرأة من فقراء الكوفة ولا تعرف عن زوجها شيئا، من هو؟ ولا تعرف من هم أهله.

وكان لعيسى أخ اسمه الحسين - ذو الدمعة - وله ولد يدعى يحيى فقال يحيى يوما لأبيه: إني أشتهي أن أرى عمي عيسى فإنه يقبح بمثلي أن لا يرى مثله من أشياخه فقال له: إن هذا الأمر يثقل عليه وأخشى أن ينتقل من منزله كراهية للقائك فتزعجه فمازال يحيى يلح على أبيه حتى طابت نفسه وقال له: اذهب إلى الكوفة فإذا بلغتها فسل عن دور بني حي وهناك سكة تسمى باسمهم وسترى دارا لها باب صفته كذا وكذا فاجلس بعيدا منها فإنه سيقبل عند المغرب كهل طويل مسنون الوجه قد أثر السجود في جبهته عليه جبة صوف يسقي الماء على جمل لا يضع قدما ولا يرفعها إلا ذكر الله ودموعه تنحدر فقم وسلم عليه وعانقه فإنه سيذعر منك كما يذعر الوحش فعرفه نفسك وانتسب له فإنه يسكن إليك ويحدثك طويلا ويسألك عنّا جميعا ويخبرك بشأنه ولا يضجر بجلوسك معه ولا تظل عليه وودعه فإنه سوف يستعفيك من العودة إليه فافعل ما يأمرك به من ذلك فإنك إن عدت إليه تواري عنك واستوحش منك وانتقل من موضعه وعليه في ذلك مشقة.

قال يحيى: أفعل كما أمرتني ثم جهزني إلى الكوفة وودعته وخرجت فلما وردت الكوفة قصدت سكة بني حي بعد العصر فجلست خارجها بعد أن

٣٧٧

تعرفت الباب الذي نعته لي فلما غربت الشمس إذا أنا به قد أقبل يسوق الجمل وهو كما وصف لي أبي لا يرفع قدما ولا يضعها إلا حرَّك شفتيه بذكر الله ودموعه تترقرق من عينيه وتذرف أحيانا فقمت وعانقته فذعر مني كما يذعر الوحش من الإنس فقلت: يا عم أنا يحيى بن الحسين بن زيد ابن أخيك فضمني إليه وبكى حتى قلت قد جادت نفسه ثم أناخ جمله وجلس معي فجعل يسألني عن أهله رجلا رجلا وامرأة امرأة وصبيا صبيا وأنا أشرح له أخبارهم وهو يبكي ثم قال: يا بني أنا أستقي على هذا الجمل الماء فاصرف ما اكتسب إلى صاحبه وأتقوت باقيهِ وربما عاقني عائق عن استقاء الماء فأخرج اليى البرية (يعني بظهر الكوفة) فألتقط ما يرمي الناس من البقول فأتقوته.

وقد تزوجتُ ابنة رجل وهو لا يعلم من أنا إلى وقتي هذا فولدت مني بنتا فنشأت وبلغت وهي أيضا لا تعرفني ولا تدري من أنا فقالت لي أمها: زوِّج ابنتك بابن فلان السقاء فإنه أيسر منا وقد خطبها وألحت عليّ فلم أقدر على إخبارها بأن ذلك غير جائز(٢) ولا هو بكفء لها فيشيع خبري فجعلت تلح عليّ فلم أزل استكفي الله أمرها حتى ماتت بعد أيام فما أجدني آسى على شيء من الدنيا أساي علىّ أنها ماتت ولم تعلم بموضعها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال: ثم أقسم عليّ أن أنصرف ولا أعود إليه وودعني فلما كان بعد ذلك صرت إلى الموضع الذي انتظرته فيه لأراه فلم أره وكان آخر عهدي به.

____________________

(١) - يبدو من خلال هذه الرواية أن رأي عيسى الفقهي هو عدم جواز تزويج العلوية من غير العلوي إذا لم يكن يعلم بنسبها وهذا رأي لم يقل به أحد من الفقهاء حسب علمنا.

٣٧٨

وبقي عيسى (رض) متواريا حتى وافته المنية أيام المهدي العباسي في الكوفة تاركا وراءه طفلين هما أحمد وزيد حملهما إلى المهدي رجل من أصحاب أبيهما يقال له: ابن علاق الصيرفي ليأخذ لهما الأمان من السلطان فدخل على المهدي وقال: عظم الله أجرك يا أمير المؤمنين في ابن عمك عيسى فقال له: ويحك ما تقول؟ قال: الحق والله أقول فقال ومتى مات؟ فعرَّفه فقال له: لئن كنت صادقا لأحسنن صلتك ولأوطئن الرجال عقبك قال: ليس هذا قصدت قال فسلني حاجتك قال: ولده تحفظهم فوالله مالهم من قليل ولا كثير فأتاه أحمد وزيد إبنا عيسى فنظر إليهما وأجرى لها أرزاقا ومضيا بإذنه إلى المدينة(١) .

أقول: كيف حال العلويات لما عاد إليهن ولدا عيسى، أحمد وزيد يتيمين، يا ساعد الله تلك العلويات لما سمعن بوفاة عيسى بن زيد بعد تلك الغيبة الطويلة وبطبيعة الحال ارتفع الصراخ والبكاء من دور الهاشميين ولكن الخطب يهون إذا علمنا أن الشيعة في الكوفة قاموا إلى عيسى فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ثم واروه الثرى:

لم يبقَ ثاوٍ بالعراء كجدِّه

دامٍ تغسله دماءُ وريد

ويقول آخر:

ثاوٍ قطيعَ محياً عاريا نُسجت

أكفانُه من ثرى أيدي الأعاصيرِ

قد غسَّلته الضُبا من دمّ منحرِه

وقلَّبت جسمَه أيدي المحاضير

____________________

(١) - المقاتل لأبي الفرج الاصفهاني. الشيعة والحاكمون للشيخ محمد جواد مغنيه.

٣٧٩

صلت عليه رماحُ القومِ ساجدةً

وفي هَويّ المواضي صوتُ تكبير

ورأسُه فوق رأسِ الرمحِ مرتفعٌ

بنوره قد جلا غَسقَ الدياجير

وكأني بزينبعليها‌السلام :

(مجردات)

نايم اخوي اشلون نومه

او حر الشمس غيّر ارسومه

او عگب الذبح سلبوا اهدومه

والغسل صارت له ادمومه

(أبوذية)

لون بيدي اطر گبرك وسكنه

واضمد جرحك اليسعر وسكنه

يبو السجاد آنه اختك وسكنه

عليك ادموعنه انصبها سويه

(أبوذية)

يعمه افراگ ابوي احسين چاوين

يا سكنه لون بيه روح چاوين

يعمه جدّموا هلنوگ چاوين

او يساره نطب ديوان اميه

(تخميس)

كم دافعتْه وضربُ السوطِ لوّعها

وللرحيل منادي القومِ أفزعَها

فمن بعيدٍ بلحظِ الطَرفِ ودعها

ففارقته ولكن رأس معها

وغاب عنها ولكن قلبُها معهُ

٣٨٠