مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء ٢

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف0%

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 648

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: زهير ابن المرحوم الحاج علي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 648
المشاهدات: 22278
تحميل: 4550


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 648 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22278 / تحميل: 4550
الحجم الحجم الحجم
مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مقتل أبي عبد الله الحسين (عليه‌السلام )

من موروث أهل الخلاف

المجلد الثاني

المؤلّف : زهير بن علي الحكيم

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

الفصل الخامس

في أحداث الكوفة والشام والرجوع إلى المدينة

٥

٦

الأحداث التي جرت على حرم الإمام الحسين (عليه‌السلام ) بعد المقتل إلى خروجهم من الكوفة

الرحيل إلى الكوفة , وحَمْل الإمام زين العابدين (عليه‌السلام ) مع عمّاته (عليهنّ السّلام) , وما قالته عقيلة الطالبيِّين (عليها‌السلام ) حين مرّوا بالقتلى، وبكاء الخيل على حوافرها، وقطع بقية الرؤوس وإرسالها...

روى الطبري والبلاذري - واللفظ للأوّل - قال : وأقام عمر بن سعد يومه ذلك والغد، ثمّ أمَر حميد بن بكير الأحمري، فأذّنَ في الناس بالرحيل إلى الكوفة، وحَمَل معه بنات الحسين (عليه‌السلام ) وأخواته، ومَن كان معه من الصبيان، وعلي بن الحسين (عليه‌السلام ) مريض(١) .

وروى الطبري والبلاذري - واللفظ للأوّل - قال :

قال أبو مخنف : فحدّثني أبو زهير العبسي، عن قرّة بن قيس التميمي، قال : نظرتُ إلى تلك النسوة لمـّا مررنَ بحسين (عليه‌السلام ) وأهله وولده صِحْنَ، ولطمنَ وجوههنَّ.

قال : فاعترضتهنَّ على فرس، فما رأيتُ منظراً من نسوةٍ قط كان أحسن من منظرٍ رأيته منهنَّ ذلك اليوم، والله لهُنَّ أحسن من مها يبرين.

قال : فما نسيت من الأشياء لا أنسَ قول زينب ابنة فاطمة حين مرّت بأخيها الحسين (عليه‌السلام ) صريعاً وهي تقول : يا محمّداه ! يا محمّداه ! صلّى عليك ملائكة السماء، هذا الحسين بالعراء، مُرمّلٌ بالدماء، مقطّع الأعضاء، يا محمّداه ! وبناتك

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٣٣٦، أنساب الأشراف - البلاذري ٣ / ٤١١.

٧

سبايا، وذرّيتك مُقتّلة تسفي عليها الصبا.

قال : فأبْكَت والله كلَّ عدوٍّ وصديق.

قال : وقطف رؤوس الباقين، فسرَّح باثنين وسبعين رأساً مع شمر بن ذي الجوشن، وقيس بن الأشعث، وعمرو بن الحجّاج، وعزرة بن قيس، فأقبلوا حتّى قَدِموا بها على عبيد الله بن زياد(١) .

وفي مقتل الخوارزمي قال : ثمّ أذّنَ عمر بن سعد بالناس في الرحيل إلى الكوفة، وحَمَل بنات الحسين وأخواته (عليهم‌السلام )، وعلي بن الحسين (عليه‌السلام )، وذراريهم، فلمـّا مرّوا بجثّة الحسين (عليه‌السلام ) وجثث أصحابه صاحَت النساء، ولَطَمنَ وجهوهنَّ، وصاحت زينب : يا محمّداه ! صلّى عليك مليك السماء، هذا حسينٌ بالعراء، مُرمّلٌ بالدماء، معفّر بالتراب، مقطّع الأعضاء. يا محمّداه ! بناتك في العسكر سبايا، وذرّيتك قتلى تسفي عليهم الصبا، هذا ابنك محزوز الرأس من القفا، لا هو غائبٌ فيُرجى، ولا جريحٌ فيداوى.

وما زالت تقول هذا حتّى أبكت والله كلَّ صديقٍ وعدو، حتّى رأينا دموع الخيل تنحدر على حوافرها، ثمّ قُطعت رؤوس الباقين ؛ فسرَّح باثنين وسبعين رأساً مع شمر بن ذي الجوشن، وقيس بن الأشعث، وعمرو بن الحجّاج(٢) .

رأس الإمام الحسين (عليه‌السلام ) يسطع نوره إلى السماء

روى الطبري قال : قال هشام : فحدّثني أبي، عن النوار بنت مالك، قالت : أقبل خولي برأس

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٣٣٦، أنساب الأشراف - البلاذري ٣ / ٤١٢.

(٢) مقتل الحسين (عليه‌السلام ) للخوارزمي ٢ / ٤٤ - ٤٥.

٨

الحسين (عليه‌السلام )، فوضعه تحت إجانة في الدار، ثمّ دخل البيت فأوى إلى فراشه , فقلت له : ما الخبر ؟ ما عندك ؟

قال : جئتكِ بغنى الدهر ؛ هذا رأس الحسين معكِ في الدار.

قالت : فقلت : ويلك ! جاء الناس بالذهب والفضة، وجئت برأس ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ! لا والله لا يجمع رأسي ورأسك بيتاً أبداً.

قالت : فقمتُ من فراشي فخرجت إلى الدار، فدعا الأسدية فأدخلها إليه، وجلستُ أنظر.

قالت : فوالله ما زلتُ أنظر إلى نورٍ يسطع مثل العمود من السماء إلى الإجانة، ورأيتُ طيراً بيضاً ترفرف حولها.

قالت : فلمـّا أصبحَ غدا بالرأس إلى عبيد الله بن زياد(١) .

وقال ابن كثير : وأمَر برأسه أنْ يُحمل من يومه إلى ابن زياد مع خولي بن يزيد الأصبحي، فلمـّا انتهى به إلى القصر وجَده مغلقاً، فرجع به إلى منزله، فوضعه تحت إجانة وقال لامرأته نوار بنت مالك : جئتك بعزِّ الدهر. فقالت : وما هو ؟ فقال : برأس الحسين.

فقالت : جاء الناس بالذهب والفضة، وجئت أنت برأس ابن بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ! والله لا يجمعني وإيّاك فراش أبداً، ثمّ نهضت عنه من الفراش، واستدعى بامرأةٍ له اُخرى من بني أسد فنامت عنده.

قالت المرأة الثانية الأسدية : والله ما زلتُ أرى النور ساطعاً من تلك الإجانة إلى السماء، وطيوراً بيضاً ترفرف حولها، فلمـّا أصبح غدا به إلى ابن زياد، فأحضره بين يديه.

ويقال : إنّه كان معه رؤوس بقية أصحابه، وهو المشهور، ومجموعهما اثنان وسبعون رأساً ؛ وذلك أنّه ما قُتل قتيل إلّا احتزّوا رأسه وحملوه إلى ابن زياد، ثمّ

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٣٣٥ -٣٣٦، أنساب الأشراف - البلاذري ٣ / ٢٠٦.

٩

بعث بها ابن زياد إلى يزيد بن معاوية إلى الشام(١) .

ما فعله شمر بزوجته لمـّا منعته من أخذ رأس الإمام الحسين (عليه‌السلام )

روى العلّامة الحافي أو الخوافي الشافعي، قال : قال الواقدي : لمـّا حمل الشمر رأس الحسين (عليه‌السلام ) جعله في مخلاة، وذهبَ به إلى منزله، فوضعه على التراب وجعل عليه إجانة، فخرجت امرأته فرأت نوراً ساطعاً عند الرأس إلى عنان السماء، فجاءت إلى الإجانة فسمعت أنيناً تحتها، فجاءت إلى شمر فقالت : رأيتُ كذا وكذا، فأيُّ شيء تحت الإجانة ؟

قال : رأس خارجي قتلته، واُريد [ أن ] أذهب به إلى يزيد ليعطيني عليه مالاً كثيراً.

قالت : ومَن يكون ؟ قال : الحسين بن علي.

فصاحت وخرّت مغشية، فلمـّا أفاقت قالت : يا شرّ المجوس ! أما خفتَ من إله الأرض والسماء ؟! ثمّ خرجت من عنده باكية، ورفعت الرأس وقبّلته ووضعته في حِجرها، ودَعَت نساءً يساعدنها بالبكاء، وقالت : لعن الله قاتلك.

فلمـّا جَنَّ الليل غلب عليها النوم، فرأت كأنّ الحائط قد انشقّ بنصفين وغشي البيت نور، وجاءت سحابة فإذا فيها امرأتان، فأخذتا الرأس وبكتا، فسألت عنهما , فقيل : إنّهما خديجة وفاطمة (عليهما‌السلام ). ثمّ رأت رجالاً وفي وسطهم إنسان وجهه كالقمر ليلة تمّه، فسألت عنه، فقيل : محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وعن يمينه حمزة وجعفر وأصحابه، فبكوا وقبّلوا الرأس.

ثمّ جاءت خديجة وفاطمة (عليهما‌السلام ) إلى امرأة الشمر وقالتا لها : تمنّي ما شئتِ، فإنّ لكِ عندنا منّةً ويداً بما فعلتِ، فإن أردتِ أن تكوني من رفقائنا في الجنّة فأصلحي أمركِ فإنّا منتظرون.

فانتبهت من النوم ورأس الحسين (عليه‌السلام ) في حِجرها، فجاء الشمر لطلب الرأس فلَم تدفعه إليه، وقالت له : يا عدو الله , طلّقني فإنّك يهودي، والله لا أكون معك أبداً.

فطلّقها، فقالت : والله لا

____________________

(١) البداية والنهاية - ابن كثير ٨ / ٢٠٦، وفي ط / ٢٠٤.

١٠

أدفع إليك هذا الرأس أو تقتلني، فضربها ضربةً كانت منيّتها فيها، وعجَّل الله بروحها إلى الجنّة(١) .

ما ذكره القندوزي في حَمْلهم حرم الإمام الحسين (عليه‌السلام ) من كربلاء إلى الكوفة، وضرب عقيلة الطالبيِّين (عليها‌السلام ) رأسها حتّى خرج الدم...

وفي ينابيع المودة قال القندوزي : ثمّ إنّ عمر بن سعد جمع قَتلاه وصلّى بهم ودفنهم، وتَرك الحسين وأصحابه (رضي‌الله‌عنه م وأرضاهم )، فعمد أهل الغاضرية من بني أسد فكفّنوا الحسين (عليه‌السلام ) وأصحابه ( رضي ‌الله‌ عنهم وأرضاهم).

ثمّ إنّ عمر بن سعد توجّه إلى الكوفة بالسبايا على الجمال، نحو أربعين جملاً بغير وطاء ولا غطاء، وفَخْذا علي بن الحسين (عليه‌السلام ) يترشّحان دماً، وهو يقول :

يا أُمَّةَ السوءِ لا سقيا لربعِكُمُ

يا أُمَّةً لم تراعِ جدَّنا فينا

لو أننا ورسولَ اللهِ يجمعُنا

يومُ القيامةِ ما كنتم تقولونا

تسيِّرونا على الأقتابِ عاريةً

كأننا لم نُشَيِّدْ فيكُمُ دينا

تصفِّقون علينا كَفَّكُم فَرَحاً

وأنتُمُ في فِجَاجِ الأرضِ تسبونا

وكان أهل الكوفة يناولون الأطفال بعض التمر والخبز، وقالت اُمّ كلثوم : إنّ الصدقة علينا حرام، وصارت تأخذ من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به الأرض وتقول : يا أهل الكوفة , تقتُلنا رجالِكم، وتبكي علينا نساؤكم ! فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء.

____________________

(١) التبر المذاب للعلاّمة الحافي أو الخوافي الشافعي / ١٠١، نقلاً من إحقاق الحق ٢٧ / ٣٤٢ للسيد المرعشي (قدس‌سره ).

١١

فلمـّا رأت زينب (عليها‌السلام ) رأس أخيها قد حُزَّ أتوا بالرؤوس مقدّماً عليها , نطحت جبهتها بمقدّم الأقتاب فخرج الدم منها، وجعلت تقول :

يا هلالاً لما استتمَّ كَمَالا

غاله خَسْفُه فأبدى غروبا

ما توهَّمْتُ يا شقيقَ فؤادي

كان هذا مقدَّراً مكتوبا

يا أخي فاطم الصغيرةُ كلِّم

ها فقد كاد قَلْبُها أن يذوبا

يا أخي ما ترى عليّاً لدى الأسـ

ر مَعَ اليتمِ لا يطيقُ ركوبا

كلَّما أوجعوه بالضربِ نادا

ك بذلٍّ يفيضُ دمعاً سكوبا

ما أذلَّ اليتيمَ حين ينادي

بأبيه ولا يراه مجيبا(١)

ما ذكره الإسفرايني في حَمل حرم الإمام الحسين (عليه‌السلام ) من كربلاء إلى الكوفة , وحالهم

روى الإسفرايني قال : ( قال الراوي ) : قال بعضهم : لم أنسَ زينب (عليها‌السلام ) وهي واضعة يدها على رأسها، وهي تقول : وا محمّداه ! هذا الحسين مزمّلٌ بالدماء، صريعٌ بكربلاء , مقطّع الأعضاء، وبناتك سبايا، وإلى الله المشتكى، وإلى محمّد المصطفى، وإلى علي المرتضى , وإلى حمزة سيد الشهداء.

قال : ثمّ بكت، وقالت : والله على كلِّ شيءٍ شهيد وحفيظ.

ثمّ إنّها أخذت بيد فاطمة الصغرى بنت الحسين (عليه‌السلام ) - وهو كان يحبُّها حبّاً شديداً - فجعلت تمرِّغ خدّها وشعرها في منحر أبيها، وهي تنادي : وا أبتاه ! يعزُّ عليَّ والله أن اُناديك وتخيّبني(٢) .

وفي نور العين للإسفرايني قال :

____________________

(١) ينابيع المودة لذوي القربى - القندوزي ٣ / ٨٦.

(٢) نور العين في مشهد الحسين - أبو إسحاق الإسفرايني /٥٥، وفي ط / ٤٧.

١٢

( قال الراوي ) : فأمر ابن سعد أن تؤخذ النساء عن جسد الحسين (عليه‌السلام ) بالرغم عنهنّ، فحُملوا على أقتاب الجمال بغير غطاءٍ ولا وطاء، مكشوفات الوجوه بين الأعداء، وساقوهم كما تساق سبايا الروم في شرِّ المصائب والهموم، وتركوا القتلى مطروحين بأرض كربلاء، فتولّى دفنهم قومٌ من الجن، فصلّوا على تلك الجثث الطاهرة المزمّلة بالدماء، ودفنوهم على ما هُم عليه.

وارتحل العسكر إلى الكوفة ومعهم ثمانية عشر رأس علويٍّ، قطّعوهم وقت قطع رأس الحسين (عليه‌السلام ) ؛ وهُم إخوته وأولاده وبنو عمِّه، وحملوهم(١) على أطراف الرماح، وشهروها على الأعلام. ورأس الحسين (عليه‌السلام ) قد صعد له نورٌ من الأرض إلى السماء مثل العمود المستقيم بلا انحراف، وكان القوم يسيرون في الظلام على نوره، وصيَّروه على رأس عمر بن سعد إلى أن دخلوا الكوفة.

قال مسلم الجصّاص : كنت في ذلك اليوم دُعيت لأجصّص دار ابن زياد، فبينما أنا أشتغل وإذا بالأصوات وقد رُفعت في جوانب الكوفة، فسألت خادماً عن ذلك , فقال : ستأتي إلينا رأس خارجي.

فقلت : ما اسم صاحبها ؟ فقال لي : الحسين.

فلمـّا سمعتُ ذلك تركته حتّى خرج، ثمّ لبستُ عمامتي وثيابي بعد أن غسلت وجهي ويدي ورجلي، وخرجت من القصر، فوصلتْ الرأس وأنا على بكاءٍ عظيم، فرأيتُ أهل الكوفة لابسين الثياب الفاخرة وهُم يرتقبون رأس الحسين (عليه‌السلام ) عند دخولها، وبعد قليل أقبلت الجمال عليها حريم الحسين (عليه‌السلام ) والشهداء، وهُم بغير وطاءٍ ولا غطاءٍ، وزين العابدين (عليه‌السلام ) راكب على بعير، وهو ضعيف، ورأيت أفخاذهم تشخب دماً.

ولمـّا رأى زين العابدين (عليه‌السلام ) أهل الكوفة مرتقبين دخولهم مع رأس ابن بنت سيد المرسلين بكى بكاءً عظيماً، ثمّ أنشد

____________________

(١) وفي ط : (وشالوهم) بدل (حملوهم).

١٣

يا أُمَّةَ الشرِّ لا يدنو مَزَارُكُمُ

يا أُمَّةً ما تراعي جدَّنا فينا

غداً فإن رسولَ اللهِ يجمعُكمْ

يوم القيامةِ عِدُّوا ما تقولونا

يا أُمَّةَ الشرِّ ما هذا الترقُّبُ في

تلك المصائبِ لا تبكون داعينا

تصفِّقون على أيديكُمُ فرحاً

وأنتُمُ في فجاجِ الأرض تسبونا

أليس جدِّي رسول الله وَيْحَكُمُ

أهدى البريةِ عن سُبْلِ المضلينا(١)

وجعل يقول :

____________________

(١) نور العين في مشهد الحسين - أبو إسحاق الإسفرايني / ٥٥، وفي ط / ٤٨. قال العلّامة المجلسي (أعلى الله مقامه) في بحار الأنوار ٥٤ / ١١٤ :

أقول : رأيتُ في بعض الكتب المعتبرة، روى مرسلاً عن مسلم الجصّاص قال : دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة، فبينما أنا أجصّص الأبواب وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة، فأقبلتُ على خادم كان معنا , فقلت : ما لي أرى الكوفة تضجّ ؟

قال : الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد. فقلت : مَن هذا الخارجي ؟ فقال : الحسين بن علي (عليه‌السلام ).

قال : فتركتُ الخادم حتّى خرج , ولطمت وجهي حتّى خشيت على عيني أن تذهب، وغسلت يدي من الجصِّ وخرجت من ظهر القصر وأتيت إلى الكناس، فبينما أنا واقف والناس يتوقّعون وصول السبايا والرؤوس إذ قد أقبلت نحو أربعين شقّة تُحمل على أربعين جملاً , فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة (عليها‌السلام )، وإذا بعلي بن الحسين (عليه‌السلام ) على بعيرٍ بغير وطاء، وأوداجه تشخب دماً، وهو مع ذلك يبكي ويقول :

يا أُمَّةَ السوءِ لا سقياً لربعكِمُ

يا أُمَّةً لم تراعِ جدَّنا فينا

لو أننا ورسولَ اللهِ يجمعُنا

يوم القيامةِ ما كنتم تقولونا

تسيِّرونا على الأقتابِ عاريةً

كأننا لم نشيِّدْ فيكُمُ دينا

بني اُميّةَ ما هذا الوقوفُ على

تلك المصائبِ لا تلبون داعينا

تصفِّقون علينا كفَّكم فَرَحاً

وأنتُمُ في فِجَاجِ الأرض تسبونا

أليس جدِّي رَسُول اللهِ ويلَكُمُ

أهدى البريةِ من سُبْلِ المضلينا

يا وقعةَ الطفِّ قد أورثتِنِي حَزَناً

واللهُ يهتكُ أستارَ المسيئينا

قال : وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز، فصاحت بهم اُمّ كلثوم وقالت : يا أهل الكوفة , إنّ الصدقة علينا حرام. وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض.

قال : كلّ ذلك والناس يبكون على ما أصابهم... إلخ.

١٤

وروى الخوارزمي قال : وساق القوم حرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كما تساق الاُسارى، حتّى إذا بلغوا بهم الكوفة خرج الناس ينظرون إليهم، وجعلوا يبكون ويتوجّعون، وعلي بن الحسين (عليه‌السلام ) مريضٌ مغلولٌ مكبّلٌ بالحديد، قد نهكته العلّة، فقال : ( ألا إنّ هؤلاء يبكون ويتوجّعون من أجلنا، فمَن قتلنا إذاً ؟!)(١) .

ابن زياد جعل جُعْلاً لمـّن يأتي بالإمام علي بن الحسين (عليه‌السلام )... ووجود اُمّه (عليه‌السلام )

وروى البلاذري قال : وحدّثني بعض الطالبيِّين : أنّ ابن زياد جَعل في علي بن الحسين (عليه‌السلام ) جُعْلاَ، فأُتي به مربوطًا(٢) .

روى ابن الجوزي قال : أنبأنا الحسين بن محمّد بن عبد الوهاب، قال : أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، قال : أخبرنا طاهر المخلص، قال : أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي، قال : حدّثنا الزّبير بن بكار، قال : حدّثني عمِّي مصعب بن عبد الله، قال : كان علي بن الحسين الأصغر (عليه‌السلام ) مع اُمِّه - وهو يومئذ ابن ثلاث وعشرين سنة - وكان مريضاً، فلمـّا قُتل الحسين (عليه‌السلام ) قال عمرو بن سعد : لا تعرضوا لهذا المريض.

قال علي بن

____________________

(١) مقتل الحسين (عليه‌السلام ) للخوارزمي ٢/ ٤٥.

(٢) أنساب الأشراف - البلاذري ٣ / ٤١٢.

١٥

الحسين (عليه‌السلام ) : (( فغيّبني رجلٌ فأكرم منزلي واختصّني، وجعل يبكي كلمـّا دخل وخرج، حتّى كنتُ أقول : إنْ يكن عند أحدٍ خير فعند هذا.

إلى أن نادى منادي عبيد الله بن زياد : ألا مَن وجد علي بن الحسين فليأتِ [ به ]، فقد جعلنا فيه ثلاثمئة درهم. قال : فدخل عليَّ والله وهو يبكي، وجعل يربط يدي إلى عنقي ويقول : أخاف. وأخرجني إليهم مربوطاً حتّى دفعني إليهم وأخذ ثلاثمئة درهماً وأنا أنظر !

واُدخلت على ابن زياد فقال : ما اسمك ؟ فقلت : علي بن الحسين. فقال : أولم يقتل الله عليّاً ؟ قلتُ : كان أخي يقال له : علي أكبر منِّي قتله الناس. قال : بل الله قتله. قلت :( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) ).

فأمر بقتله، فصاحت زينب بنت علي : يابن زياد، حسبك من دمائنا ! بالله إن قتلته إلا قتلتني معه، فتركه. فلمـّا صار إلى يزيد بن معاوية قام رجل (من) أهل الشام فقال : سباياهم لنا حلال. فقال : علي بن الحسين (عليه‌السلام ) : (( كذبت , ما ذلك لك إلّا أن تخرج من ملَّتنا...))(١) .

أقول : والظاهر أنّها اُمُّ علي الأكبر (عليه‌السلام ) ؛ وذلك لأنّ أُمّ الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه‌السلام ) ماتت في نفاسها، وأيضاً لِما صرّح به الإسفرايني في مقتل علي الأكبر (عليه‌السلام ) حيث قال : وحمله ( أي علي الأكبر (عليه‌السلام ) ) عند القتلى، وصارت أُمّه سهرانة ولهانة(٢) .

خطبة عقيلة الطالبيِّين زينب بنت أمير المؤمنين (عليها‌السلام ) في الكوفة

روى الخوارزمي قال : وقال بشير بن حذلم الأسدي : نظرتُ إلى زينب بنت علي (عليها‌السلام ) يومئذ، ولم أرَ خفِرة قط أنطق منها، كأنّما تنطق عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه‌السلام )

____________________

(١) المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم - ابن الجوزي ٥ / ٣٤٤ - ٣٤٥.

(٢) نور العين في مشهد الإمام الحسين (عليه‌السلام ) - أبو إسحاق الإسفرايني / ٤٤، وفي ط/ ٣٤

١٦

وتفرغ عنه، أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدت الأنفاس، وسكنت الأجراس، فقالت : الحمد الله والصلاة على أبي محمّد رسول الله وعلى آله الطيبين الأخيار آل الله.

وبعد يا أهل الكوفة , يا أهل الختل والخذل والغدر، أتبكون ؟! فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنّة، إنّما مثلُكم كمَثَل التي نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثاً، أتتخذون أيمانكم دَخَلاً بينكم، ألا وهل فيكم إلّا الصلف والطنف , والشنف والنطف , وملق الإماء وغمز الأعداء , كمرعى على دمنة، أو كقصة على ملحودة، ألا ساء ما قدَّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون.

أتبكون وتنتحبون ؟! أي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً ؛ فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم الأنبياء، وسيّد شباب أهل الجنة , وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجّتكم، ومدرة ألسنتكم ؟! ألا ساء ما تزرون وبُعداً لكم وسحقاً ! فلقد خاب السعي , وتبَّت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضبٍ من الله، وضُربت عليكم الذلّة والمسكنة.

ويلكم يا أهل الكوفة ! أتدرون أيّ كبد لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فريتم ؟ وأيّ دمٍ له سفكتم ؟ وأيّ كريمةٍ له أبرزتم ؟ وأيّ حريمٍ له أصبتم ؟ وأيّ حرمةٍ له انتهتكم ؟( لَقَدْ جِئْتُمْ شيئاً إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ) (١) .

إنّ ما جئتم بها لصلعاء، عنقاء، سوآء، فقماء، خرقاء، شوهاء كطلاع الأرض، وملاء السماء. أفعجبتم أن قطرت السماء دماً ؟ ولعذاب الآخرة أشدُّ وأخزى وأنتم لا تنصرون.

____________________

(١) سورة مريم / ٨٩ - ٩٠.

١٧

فلا يستخفنَّكم المهل ؛ فإنه (عزَّ وجلَّ) لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثأر، كلاّ إنّ ربّكم لبالمرصاد، فترقّبوا أوَّلَ النحل(١) وآخرَ صاد(٢) .

قال بشير : فوالله، لقد رأيت الناس يومئذ حيارى كأنّهم كانوا سكارى , يبكون ويحزنون , ويتفجّعون ويتأسّفون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم.

قال : ونظرت إلى شيخ من أهل الكوفة كان واقفاً إلى جنبي، قد بكى حتّى أخضلت لحيته بدموعه، وهو يقول : صدقتِ بأبي وأُمِّي ! كهولكم خير الكهول، وشبَّانكم خير الشباب، ونساؤكم خير النسوان، ونسلكم خير نسل، لا يُخزى ولا يُبزى(٣) .

وفي بلاغات النساء نَسب هذه الخطبة إلى اُمّ كلثوم(٤) ، وكذا في التذكرة الحمدونيّة، وفي نور العين للإسفرايني.

روى ابن طيفور قال : عن سعيد بن محمّد الحميري أبو معاذ، عن عبد الله بن عبد الرحمن - رجلٌ من أهل الشام - عن شعبة، عن حذام الأسدي، وقال مرّة اُخرى : حذيم، قال : قدمتُ الكوفة سنة إحدى وستّين، وهي السنة التي قُتل فيها الحسين (عليه‌السلام )، فرأيتُ نساء أهل الكوفة يومئذٍ يلتدمنَ مهتّكات الجيوب، ورأيتُ علي بن الحسين (عليه‌السلام ) وهو يقول بصوتٍ ضئيل، وقد نحل من المرض : (( يا أهل الكوفة , إنّكم تبكون علينا، فمَن قتلنا غيركم ؟! )).

ثمّ ذَكر الحديث وهو على لفظ هارون بن

____________________

(١) أي( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) سورة النحل / ١.

(٢) أي( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) سورة ص / ٨٨.

(٣) مقتل الحسين (عليه‌السلام ) للخوارزمي ٢ / ٤٦ - ٤٧.

(٤) يدلّ هذا على أنّ السّيدة اُمّ كلثوم (عليها‌السلام ) اسمها زينب أيضاً، وهذه كنيتها.

١٨

مسلم، وأخبر هارون بن مسلم بن سعدان قال : أخبرنا يحيى بن حماد البصري، عن يحيى بن الحجّاج، عن جعفر بن محمّد , عن آبائه (عليهم‌السلام ) قال : لمـّا أدخل بالنسوة من كربلاء إلى الكوفة كان علي بن الحسين (عليه‌السلام ) ضئيلاً قد نهكته العلّة، ورأيتُ نساء أهل الكوفة مشقّقات الجيوب على الحسين بن علي (عليه‌السلام )، فرفع علي بن الحسين بن علي (عليهم‌السلام ) رأسه فقال : (( ألا إنّ هؤلاء يبكين , فمَن قتلنا ؟! )).

ورأيتُ اُمّ كلثوم (عليها‌السلام )، ولم أرَ خفرة والله أنطق منها , كأنّما تنطق وتفرغ على لسان أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فلمـّا سكنت الأنفاس وهدأت الأجراس، قالت : أبدأ بحمد الله والصلاة والسّلام على جدِّي.

أمّا بعد , يا أهل الكوفة يا أهل الختر والخذل , ألا فلا رقأت العبرة، ولا هدأت الرنة إنّما مثلُكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثاً , تتخذون أيمانكم دَخَلاً بينكم، ألا وهل فيكم إلّا الصلف والشنف، وملق الإماء وغمز الأعداء، وهل أنتم إلّا كمرعى على دمنة، وكفضة على ملحودة ؟! ألا ساء ما قدّمت أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.

أتبكون ؟! أي والله فابكوا وإنّكم والله أحرياء بالبكاء، فابكوا كثيراً، واضحكوا قليلاً ؛ فلقد فزتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسلٍ بعدها أبداً، وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة، ومعدن الرسالة، وسيّد شبّاب أهل الجنّة، ومنار محجّتكم، ومدرة حجّتكم، ومفرخ نازلتكم.

فتعساً ونكساً ! لقد خاب السعي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضبٍ من الله، وضُربت عليكم الذلّة والمسكنة( لَقَدْ جِئْتُمْ شيئاً إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ) (١) .

____________________

(١) سورة مريم / ٨٩ - ٩٠.

١٩

أتدرون أيّ كبدٍ لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فريتم ؟! وأيّ كريمةٍ له أبرزتم ؟! وأيّ دمٍ له سفكتم ؟! لقد جئتم بها شوهاء خرقاء، شرّها طلاع الأرض والسماء، أفعجبتم أن قطرت السماء دماً , ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينظرون.

فلا يستخفنّكم المهل ؛ فإنّه لا تحفزه المبادرة، ولا يخاف عليه فوت الثأر، كلاّ إنّ ربّك لنا ولهم لبالمرصاد. ثمّ ولَّت عنهم.

قال : فرأيتُ الناس حيارى، وقد ردّوا أيديهم إلى أفواههم، ورأيتُ شيخاً كبيراً من بني جعفر وقد أخضلّت لحيته من دموع عينيه، وهو يقول :

كهولُهمْ خيرُ الكهول ونسلهمْ

إذا عدّ نسلٌ لا يبورُ ولا يخزى

وحدّثنيه عبد الله بن عمرو قال : حدّثني إبراهيم بن عبد ربّه بن القاسم بن يحيى بن مقدم المقدمي، قال : أخبرني سعيد بن محمّد أبو معاذ الحميري، عن عبد الله بن عبد الرحمن - رجلٌ من أهل الشام - عن حذام الأسدي، قال : قدمتُ الكوفة سنة إحدى وستّين، وهي السنة التي قُتل فيها الحسين بن علي (عليه‌السلام )، فرأيتُ نساء أهل الكوفة يومئذٍ يلتدمنَ مهتكات الجيوب، ورأيتُ علي بن الحسين (عليه‌السلام ) وهو يقول بصوتٍ ضئيل، وقد نحل من المرض : (( يا أهل الكوفة، إنّكم تبكون علينا، فمَن قتلنا غيركم ؟! )).

وسمعتُ اُمّ كلثوم بنت علي (عليهما‌السلام )(١) , فَلَم أرَ خفرة والله أنطق منها، كأنّما تنزع عن لسان أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام )، وأشارت إلى الناس أن أمسكوا , فسكنت الأنفاس وهدأت، فقالت : الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة على جدّي سيّد المرسلين. أمّا بعد، يا أهل الكوفة... والحديث على لفظ ابن سعدان(٢) .

____________________

(١) وفي الأصل : وهي تقول : فلم أرَ خفرة... والظاهر ما أثبتناه، وهو موافق لرواية ابن حمدون.

(٢) بلاغات النساء / ٢٣، التذكرة الحمدونيّة / ٣٩٨٣، نسخة برنامج الموسوعة الشعرية.

٢٠