مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء ٢

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف0%

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 648

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: زهير ابن المرحوم الحاج علي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 648
المشاهدات: 22289
تحميل: 4550


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 648 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22289 / تحميل: 4550
الحجم الحجم الحجم
مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الحسين (عليه‌السلام ) قد قُتل )).

وكانت عندها، فلمـّا حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كلِّ ساعة، فلمـّا رأتها قد صارت دماً صاحت : وا حسيناه ! وابن رسول الله ! وتصارخت النساء من كلِّ ناحية، حتّى ارتفعت المدينة بالرجّة التي ما سمع بمثلها قط(١) .

خروج نساء بني هاشم لاستقبال حرم الإمام الحسين (عليه‌السلام ) في المدينة

وفي مقتل الخوارزمي قال : وخرجت بنت عقيل في نساء من قومها وهي تقول :

ماذا تقولون إن قال النبيُّ لكم

ماذا فعلتمْ وأنتم آخرُ الأممِ

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم اُسارى ومنهم ضرِّجوا بدمِ

أكان هذا جزائي إذ نصحتُ لكم

ولم توفّوا بعهدي في ذوي رحمي

ضيعتُمُ حقَّنا واللهُ أوجبهُ

وقد رعى الفيلُ حقَّ البيت والحرم(٢)

وروى الطبراني قال : حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا الزّبير، عن عمِّه مصعب بن عبد الله قال : خرجت زينب الصغرى بنت عقيل بن أبي طالب على الناس بالبقيع تبكي قتلاها بالطف , وهي تقول :

ماذا تقولون إن قال النبيُّ لكمْ

ماذا فعلتم وكنتم آخرَ الاُممِ

بأهلِ بيتي وأنصاري وذريتي

منهم اُسارى وقتلى ضرِّجوا بدم

ما كان ذاك جزائي إذ نصحتُ لكمْ

أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رَحِمي

فقال أبو الأسود الدؤلي : نقول : ربّنا ظلمنا أنفسنا , الآية. ثمّ قال أبو الأسود الدؤلي :

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٤٥.

(٢) مقتل الحسين (عليه‌السلام ) - للخوارزمي ٢/ ٨٤.

١٤١

أقول وزادني جزعاً وغيظاً

أزال اللهُ ملكَ بني زيادِ

وأبعدهم كما غدروا وخانوا

كما بعدُت ثمودُ وقومُ عادِ

ولا رجعت ركابُهُمُ إليهم

إذا قفّت إلى يوم التناد(١)

وقال البلاذري : وقالت زينب بنت عقيل ترثي أهل الطف، وخرجت تنوح بالبقيع :

ماذا تقولون إن قال النبيُّ لكمْ

ماذا فعلتم وأنتم آخرُ الأممِ

بأهل بيتي وأنصاري أما لكُمُ

عهدٌ كريمٌ أما توفون بالذممِ

ذرّيتي وبنو عمِّي بمضيعةٍ

منهم اُسارى وقتلى ضرِّجوا بدمِ

ما كان هذا جزائي إذ نصحتُكُمُ

أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي(٢)

نصب رأس الإمام الحسين (عليه‌السلام ) في المدينة على خشبة، وصراخ وضجيج نساء بني هاشم , وشماتة مروان

قال البلاذري :

____________________

(١) المعجم الكبير - الطبراني ٣ / ١١٨، وذكر نظم أبي الأسود الدؤلي (رحمه‌الله ) في تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ٥٢ / ٢٠٨، وفي نظم درر السمطين - الزرندي الحنفي / ٢٢٥، واللفظ لابن عساكر قال : قرأتُ على أبي القاسم زاهر بن طاهر، عن أبي بكر البيهقي، أنا أبو عبد الله الحافظ، قال : سمعت أبا سعيد الجرجاني - وهو إسماعيل بن أحمد بن أحمد - يقول : سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمّد بن إسحاق المكي ببغداد، يقول : حدثنا الزّبير بن بكار , أنشدني عمِّي لأبي الأسود الدؤلي :

أقول وزادني غضباً وغيظاً

أزال اللهُ ملك بني زيادِ

وأبعدهم كما غدروا وخانوا

كما بعدت ثمودُ وقومُ عادِ

ولا رجعت ركائبُهمْ إليهم

إذا قفّت إلى يومِ التنادِ

(٢) مقتل الحسين (عليه‌السلام ) - للخوارزمي ٢ / ٨٤.

١٤٢

وقال الكلبي : ولد الحسن (عليه‌السلام ) في سنة ثلاث من الهجرة، والحسين (عليه‌السلام ) في سنة أربع. قال : وبعث يزيد برأسه إلى المدينة فنصب على خشبة، ثمَّ رُدَّ إلى دمشق فدفن في حائط بها، ويقال : في دار الإمارة، ويقال : في المقبرة(١) .

روى البلاذري قال : وحدثني عمر بن شبه، وحدثني أبو بكر عيسى بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه قال : رعف عمرو بن سعيد على منبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فقال بيار الأسلمي , وكان زاجراً : إنه ليوم دم.

قال : فجيء برأس الحسين (عليه‌السلام ) فنصب , فصرخ نساء أبي طالب، فقال مروان :

عجَّتْ نساءُ بني زبيدٍ عجَّةً

كعجيجِ نِسْوَتِنَا غَدَاةَ الأرنبِ

ثمَّ صِحْنَ أيضاً , فقال مروان :

ضربت دوسرُ فيهم ضربةً

أثبتت أوتادَ مُلْكٍ فاستقر(٢)

وقال البلاذري : ولمـّا بلغ أهل المدينة مقتل الحسين (عليه‌السلام ) كثر النوائح والصوارخ عليه، واشتدّت الواعية في دور بني هاشم، فقال عمرو بن سعيد الأشدق : واعية بواعية عثمان. وقال مروان حين سمع ذلك :

عجَّتْ نساءُ بني زبيدٍ عجَّةً

كعجيجِ نِسْوَتِنَا غَدَاةَ الأرنبِ(٣)

____________________

(١) أنساب الأشراف - البلاذري ٢ / ٤١٨ - ٤١٩.

(٢) المصدر نفسه / ٤١٧ - ٤١٨. بدل (دوسر) ذو شرٍّ، وبدل (أوتاد) أن كان , والظاهر ما أثبتناه وفقاً لمصادر اُخرى.

(٣) المصدر نفسه / ٤١٧.

١٤٣

وصولهم المدينة , وما جرى فيها... وخطبة الإمام زين العابدين (عليه‌السلام )، وحال محمّد بن الحنفيّة (عليه‌السلام )

وفي ينابيع المودة قال القندوزي : قال بشير بن حذلم : لمـّا وصلنا قريباً من المدينة أمرني الإمام زين العابدين (عليه‌السلام ) أن أخبر أهل المدينة، فدخلت المدينة فقلت : أيُّها المسلمون , إنّ علي بن الحسين (عليه‌السلام ) قد قَدِم إليكم مع عمّاته وأخواته. فما بقيت مخدرة إلّا برزنَ من خدورهنَّ، مخمِّشة وجوههنَّ، لاطمات خدودهنَّ، يدعون بالويل والثبور.

قال : فلم أرَ باكياً وباكية أكثر من ذلك اليوم، فخرج الإمام (عليه‌السلام ) من الخيمة وبيده منديل يمسح به دموعه، فجلس على كرسي، وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : (( أيُّها الناس , إنّ الله له الحمد وله الشكر، قد ابتلانا بمصائب جليلة، ومصيبتنا ثلمة عظيمة في الإسلام، ورزية في الأنام ؛ قُتل أبي الحسين (عليه‌السلام ) وعترته وأنصاره، وسُبيت نساؤه وذرّيته، وطيف برأسه في البلدان على عالي السنان، فهذه الرزية تعلو على كلِّ رزية ؛ فلقد بكت السبع الشداد لقتله، والسبع الطباق لفقده، وبكت البحار بأمواجها، والأرضون بأرجائها، والأشجار بأغصانها، والطيور بأوكارها، والحيتان في لجج البحار، والوحوش في البراري والقفار، والملائكة المقرّبين، والسماوات والأرضين.

أيُّها الناس، أيُّ قلب لا ينصدع لقتله، ولا يحزن لأجله ؟ أيُّها الناس، أصبحنا مشرّدين مطرودين , مذودين شاسعين عن الأوطان , من غير جرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها، ولا فاحشة فعلناها، فوالله لو أنّ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أوصى إليهم في قتالنا لَما زادوا على ما فعلوا بنا، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون)).

ثمّ قام ومشى إلى المدينة ليدخلها، فلمـّا دخل زار جدّه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ثمّ دخل منزله.

١٤٤

وأمّا اُمّ كلثوم فحين توجّهت إلى المدينة جعلت تبكي وتقول شعراً :

مدينةَ جدِّنا لا تقبلينا

فبالحسراتِ والأحزانِ جينا

خرجنا منكِ بالأهلينَ جمعاً

رجعنا لا رجالَ ولا بنينا

ألا أخبر رسولَ اللهِ عنَّا

بأنَّا قد فُجِعْنا في أخينا

وأنّ رجالَنا بالطفِّ صرعى

بلا روسٍ وقد ذَبَحُوا البنينا

ورهطُك يا رسولَ اللهِ أضحوا

عرايا بالطفوفِ مسلِّبينا

وقد ذبحوا الحسينَ ولم يُراعوا

جنابَكَ يا رسولَ اللهِ فينا

فلو نظرت عيونُك للأسارى

على قُتْبِ الجمال محمَّلينا

رسولَ اللهِ بعد الصونِ صارت

عيونُ الناسِ ناظرةً إلينا

وكنتَ تحوطُنا حتّى تولَّتْ

عيونُك ثارت الأعدا علينا

أفاطمُ لو نظرتِ إلى السبايا

بناتك في البلادِ مشتَّتينا

أفاطمُ لو نظرتِ إلى الحيارى

ولو أبصرتِ زينَ العابدينا

أفاطمُ لو رأيتينا سهارى

ومن سَهَرِ الليالي قد عمينا

أفاطمُ ما لقيتِ من عِدَاكِ

ولا قيراطَ مما قد لقينا

فلو دامت حياتُكِ لم تزالي

إلى يومِ القيامة تندبينا

وعرِّجْ بالبقيعِ وقفْ ونادِ

أيابنِ حبيبِ ربِّ العالمينا

وقُلْ يا عمُّ يا حَسَنُ المـُزَكَّى

عيالُ أخيكَ أضحوا ضائعينا

أيا عمَّاه إن أخاك أضحى

بعيداً عنك بالرمضا رهينا

بلا رأسٍ تنوحُ عليه جهراً

طيورٌ والوحوش الموحشينا

ولو عاينتَ يا مولاي ساقوا

حريماً لا يَجِدْنَ لها معينا

على متنِ النياقِ بلا وطاءٍ

وشاهدت العيالَ مكشَّفِينا

وكنّا في الخروجِ بجمعِ شملٍ

رجعنا خاسرين مسلَّبينا

وكنَّا في أمانِ اللهِ جهراً

رجعنا بالقطيعةِ خائفينا

١٤٥

ومولانا الحسينُ لنا أنيسٌ

رجعنا والحسينُ به رهينا

فنحن الضائعاتُ بلا كفيلٍ

ونحن النائحاتُ على أخينا

ونحن السائراتُ على المطايا

نسار على جِمَالِ المبغضينا

ونحن بناتُ يسٍ وطه

ونحن الباكياتُ على أبينا

ونحن الطاهراتُ بلا خفاءٍ

ونحن المخلصون المـُصْطَفَونا

ونحن الصابراتُ على البلايا

ونحن الصادقون الناصحونا

ألا يا جدَّنا قتلوا حسيناً

ولم يَرْعَوا جنابَ اللهِ فينا

ألا يا جدَّنا بَلَغَتْ عدانا

مُناها واشتفى الأعداءُ فينا

لقد هتكوا النساءَ وحمَّلونا

على الأقتابِ قهراً أجمعينا

وزينبُ أخرجوها من خِبَاها

وفاطمُ والهٌ تُبدي الأنينا

سكينةُ تشتكي من حرِّ وجدٍ

تنادى الغوثَ ربَّ العالمينا

وزينُ العابدين بقيدِ ذلٍّ

وراموا قتلَه أهلُ الخيونا !

فبعدَهُمُ على الدنيا ترابٌ

فكأسُ الموتِ فيها قد سقينا

وهذي قصتي مَعْ شَرحِ حالي

ألا يا سامعون ابكوا علينا(١)

وفي نور العين للإسفرايني : ثمّ صاروا قاصدين المدينة، فلمـّا وصلوها بكت اُمّ كلثوم، وجعلت تقول :

مدينةَّ جدِّنا لا تقبلينا

فبالحسراتِ والكسراتِ جينا

خرجنا منك بالأهلينَ جمعاً

رجعنا لا رجالَ ولا بنينا

وكنَّا في الخروجِ على المطايا

وجئنا خائبين ومُبْئِسِينا

وكنَّا في أمانِ اللهِ جهراً

رجعنا بالقطيعةِ خائبينا

____________________

(١) ينابيع المودة لذوي القربى - القندوزي ٣ / ٩٣ - ٩٥.

١٤٦

ومولانا الحسينُ لنا أنيسٌ

رجعنا لا حسينَ ولا مُعينا

فلا عيشٌ يدومُ لنا بعزٍّ

وزينُ الخَلْقِ مدفونٌ حزينا

فنحن الضائعاتُ بلا كفيلٍ

غدونا النائحين النادبينا

وكنَّا الباكياتِ على حسينٍ

وكنَّا النادباتِ الساكبينا

ونحن السائراتُ على المطايا

نُسَاقُ على جمالِ المغضبينا

ونحن بناتُ يسٍ وطه

ونحن الباكياتُ على أبينا

ونحن الصابراتُ على البلايا

ونحن الباكياتُ ولا معينا

وقد هتكوا مَحَارِمَنا وصِرْنا

على الأقتابِ جهراً أجمعينا

وزينبُ أخرجوها من خِباها

وفاطمةٌ وما أَحَدٌ معينا

سكينةُ تشتكي من حرِّ شجوٍ

تنادي يا أخي جاروا علينا

وزينُ العابدين بقيد ذلٍّ(١)

وراموا قتلَه أضحى رزينا

وقد طافوا البلادَ بنا جميعاً

وبين الخلقِ جمعاً قد رمينا

فهذي قصتي مَعْ شرحِ حالي

ألا يا مسلمون ابكوا علينا

(قال الراوي) : فما استتمّت كلامها إلّا وأهل المدينة قد خرجوا صائحين رجالاً ونساءً، وهم يتصايحون ويبكون إلى أن قابلوهم وسلّموا عليهم , وهم على بكاء ونحيب.

وقد كان محمّد بن الحنفيّة مريضاً من يوم خروجهم، وهو باكي العين، فلمـّا سمع كثرة البكاء والنحيب سأل عن ذلك، فأخبروه بقدوم أهله، فلمـّا سمع ذلك خرج هائماً يقوم تارة، ويقعد اُخرى إلى أن وصل إليهم، وهو صارخ قائل : وا أخاه ! وا حسيناه ! فأقاموا في وجهه الصراخ والبكاء والنحيب، فخرَّ مغشياً عليه، فلمـّا أفاق قام واحتضن ابن أخيه وقبَّله بين عينيه، وقال : يا أخي , يعزُّ عليَّ

____________________

(١) وفي الأصل : يقيّدوه. والظاهر ما أثبتناه وفقاً لرواية القندوزي.

١٤٧

قتلك وأنا لست معك، وكنت أُفديك بروحي(١) .

ما جرى عند قبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

وفي نور العين للإسفرايني قال : ثمّ إنّهم أتوا بأجمعهم إلى قبر جدّهم , وجعلوا يترامَونَ عليه، وهم باكون وينادون : يا جدَّنا , قتلوا حسيناً بأرض كربلاء، لو ترى عينك ما حلَّ بنا , واستحلال دمنا , وسبينا وحملنا إلى يزيد على أقتاب الجمال , بغير وطاءٍ ولا غطاء !

ثمّ تقدّم زين العابدين (عليه‌السلام ) وبكى , وجعل يقول :

إلى جدِّنا نشكو عداةً تحكَّموا

ونالوا بنا واللهِ كلَّ مناءِ

ويا جدَّنا أرْدَوا أبي متذلِّلاً

قتيلاً وفي الأحشاءِ حرُّ ظماءِ

وقد رفعوا رأساً له فوق ذابلٍ

كما البدرِ يبدو في علوِّ سماءِ

وعادوا علينا ينهبون خيامَنا

وليس لنا في ذاك من نُصَرَاءِ

وقد حملونا فوق ظَهْرِ جِمَالِهِم

بغير وطاء جدَّنا وغطاءِ

وطافوا بنا شرقَ البلادِ وغربَها

جميعُهُمُ يهجوننا بهجاءِ

وجاؤوا بنا ذلاً دمشقَ يزيدِهم

وقد أوقفونا عنده بسواءِ

وقال لقد نلتُ المـُنَى كلَّ مقصدٍ

بقتلِ أخيكم قد بلغتُ هَنَائي

وقد رام قتلي كي يقطِّعَ نسلَنا

وذي عمتي صاحت بغيرِ عَزَاءِ

وصاح بهم كلُّ الحضورِ جميعُهم

فقال دعوه ذا من الطلقاءِ

فخذ حقَّنا يا جدَّنا منه في غدٍ

وفي يومِ حشرِ فَصْلِ قضاءِ(٢)

غدا يستحلُّ الآنَ كلُّ مُحَرَّمٍ

يبيحُ بأهلِ البيتِ سَفْكَ دِمَاءِ

____________________

(١) نور العين في مشهد الحسين (عليه‌السلام ) أبو إسحاق الإسفرايني / ٧٢، وفي ط / ٦٢.

(٢) لا يخفى ما في المصراع الثاني من خلل عروضي واضح. (موقع معهد الإمامين الحسَنَين)

١٤٨

غدا يستبيحُ الآنَ آلَ محمدٍ

ويسقي لأهلِ البيتِ كلّ رداءِ

سيوفُهُمُ قد جُرِّدت في رقابِنا

فيا ويلَهم من حرِّ نار لظاءِ

فَقَابِلْهُمُ يا ربِّ عدلاً بِفِعْلِهِمْ

أَيَا مَنْ تعالى فوقَ كلِّ سَمَاءِ

ثمّ إنّه لمـّا فرغ من شِعره خرجوا جميعاً ومضوا إلى منازلهم في حزن، وأمّا القائد فإنّه ودّعهم هو ومَن معهم بعد أن أكرموه ودعو له بخير، وقد بكى لبكائهم(١) .

حال الإمام زين العابدين (عليه‌السلام ) في المدينة , وخطبته وبكاؤه

وفي نور العين للإسفرايني قال : وأمّا علي فإنّه لمـّا دخل هو وأهله إلى منازلهم سمع لسان حالها كأنّها تقول :

مررتُ على أبياتِ آلِ محمدٍ

فَلَمْ أرها إلا خواليَ مظلمهْ

فلا يُبْعِدُ اللهُ الديارَ وأهلَها

وإن أصبحت خلواً وكانت متمّمهْ

أرى قتلَ طفلٍ من سلالةٍ هاشمٍ

تنوحُ له كلُّ الورى نوحَ مأتمهْ

وكانوا غياثاً ثم بادوا جميعُهم

وقد عَظُمَتْ تلك الرزايا بفاطمهْ

ألم تر أن الشمسَ أضحت كسيفةً

لِقَتْلِ حسينٍ فهي من ذاك معتمهْ

(قال الراوي) : ثمّ إنّ علياً (عليه‌السلام ) خرج ومعه خادم , ومع الخادم كرسي له، فوضعه على الباب، ثمّ جلس عليه وهو يبكي ويمسح دموعه بمنديل، ثمّ بعد قليل أتى عمُّه محمّد بن الحنفيّة وجلس بجانبه، ثمّ أقبل أهل المدينة وتضاجّوا بالبكاء والنحيب حتّى ضجَّت الأرض، فأومأ إليهم علي (عليه‌السلام ) أن اسكتوا , فسكتوا , فقال : (( الحمد لله ربِّ العالمين , بارئ الخلق أجمعين، الذي بَعُد فارتفع عن

____________________

(١) نور العين في مشهد الحسين (عليه‌السلام ) - أبو إسحاق الإسفرايني / ٧٣ - ٧٤ , وفي ط / ٦٣.

١٤٩

السماوات العُلى، وقرب فشهد النجوى، نحمده على عظائم الاُمور وفظائع الدهور.

أيُّها الناس , إنّ الله قد ابتلانا بمصائب جليلة، ومصيبة في الإسلام عظيمة. أيُّها الناس , قُتل أبو عبد لله , وسبيت نساؤه، فأيُّ رجال يسرّون بقتله ؟! أمْ أيُّ عين تحبس دمعها ؟! فلقد بكت السبع الشداد لقتله، وبكت البحار بأمواجها، والسموات بأركانها، والأرض بأرجائها، والأشجار بأغصانها، والحيتان في البحار، والملائكة المقرّبون.

والله , لو أنّ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حثَّهم على قتلنا كما حثَّهم بالوصية علينا لَمَا زادوا على ما فعلوا بنا، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، فعند الله محتسبي فيما أصابنا إنّه عزيز ذو انتقام ))(١) .

كثرة بكاء الإمام زين العابدين (عليه‌السلام )

وفي نور العين قال الإسفرايني : (ويروى) عنه أنّه كان دائماً كثير البكاء لتلك البلوى , عظيم البث والشكوى. (ويروى) عن جعفر الصادق (عليه‌السلام ) : (( أنّ زين العابدين (عليه‌السلام ) بكى على أبيه، وهو صائمٌ نهاره قائمٌ ليله، فإذا جاء وقت الإفطار جيء له بطعام وشراب، فيقول : قُتل أبي جائعاً، قُتل أبي عطشانَ. ولم يزالوا يردّدون عليه الطعام والشراب حتّى يمزجهما بدمعه، ثمّ يتعاطى منها قليلاً، ولم يزل كذلك حتّى لقى الله ))(٢) .

(وروي) عن مولىً له أنّه برز يوماً إلى الصحراء، فتبعته فوجدته سجد على حجارة خشنة، فوقفت وراءه، فسمعته يبكي وينوح، وهو يقول : (( لا إله إلّا الله حقّاً , لا إله إلّا الله إيماناً وصدقاً )). فحصرت ما قاله فبلغ ألفاً، ثمّ رفع رأسه، فرأيت وجهه ولحيته قد بَلّتْ بالدموع، فقلت : يا سيدي , أمَا آنَ لحزنك أن ينقضي،

____________________

(١) نور العين في مشهد الحسين (عليه‌السلام ) أبو إسحاق الإسفرايني / ٧٤ - ٧٥.

(٢) المصدر نفسه / ٧٥، وفي ط / ٦٤.

١٥٠

ولبكائك أن يقلَّ ؟! فقال : (( ويلك ! إنّ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (عليه‌السلام ) كان نبيّاً ابن نبي، وله اثنا عشر ابناً، فغيَّب الله واحداً منهم فشابت رأسه من الحزن، وتحدّب ظهره من الغمِّ، وذهب بصره من البكاء , وابنه في دار الدنيا، وأنا رأيتُ أبي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين، فكيف ينقضي حزني ؟ )).

ثمّ بكى بكاءً شديداً وجعل يقول :

إنّ الزمانَ الذي قد كان يُضْحِكُنا

بقربِهمْ صار بالتفريق يُبكينا

خلت لفقدِهِمُ أيامُنا فغدت

سوداً وكانت بهم بيضاً ليالينا

فهل تَرَى الدار بعدَ البُعْدِ آنسةً

أم هل يعود كما قد كان نادينا

يا ظاعنين بقلبي أينما ظعنوا

وبالفؤاد معَ الأحشاء داعينا

ترفَّقوا بفؤادي في هَوَادِجِكم

فقدتُهُ يوم راحت من أراضينا

فوالدي حَجَّت الركبانُ كعبتَه

ومن إليه المطايا الكلّ ساعينا

لقد جرى حبُّكم مجرى دمي فدمي

من الفراق جرى سؤلاً لبارينا(١)

____________________

(١) نور العين في مشهد الحسين (عليه‌السلام ) - أبو إسحاق الإسفرايني / ٧٥ - ٧٦.

١٥١

١٥٢

الفصل السادس

في قَتَلة الإمام الحسين (عليه‌السلام )

١٥٣

١٥٤

قَتَلة الإمام الحسين (عليه‌السلام ) أنصار أهل الخلاف

شبهة جائرة

ظهرت في الآونة الأخيرة دعوى عند بعض أهل الخلاف، وخصوصاً المتطرّفين منهم , بأنّ قَتَلة الإمام الحسين (عليه‌السلام ) هُم من شيعته (عليه‌السلام ) ! وما أدري كيف يقاتل شيعةُ أهل البيت (عليهم‌السلام ) أهلَ البيت (عليهم‌السلام ) مع أنّ معنى الشيعة من المشايعة , أي المتابعة والنصرة، فإذا انتفت النصرة والمتابعة خرجوا عن كونهم شيعة مَن تركوا نصرته ومتابعته ؟!

لكن الكثير يحسب أنّ مَن بايع أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) هم الشيعة , وهو غلط فاضح ؛ إذ أغلب وجُلّ مَن بايعه (عليه‌السلام ) على أنّه خليفة رابع بعد عثمان , لا أنّهم بايعوه على أنّه إمام بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بالنصّ كالشيعة، فالشيعة في ذلك الزمان أقلّ من القليل. ولكي يتّسم البحث بالموضوعية علينا أن نعرف معنى لفظ الشيعة لكي يرتفع كثير من اللبس.

الشيعة في اللغة والاصطلاح

[إنّ] لفظ الشيعة له معنيان : عام وخاص ؛ فالأوّل العام : ومعناه المشايعة والمتابعة والموالاة، والشيعة هم الأتباع والأنصار. وقد جاء ذكره في القرآن الكريم بمعنى المناصرة والموالاة كما في قوله تعالى :( وَإِنَّ مِنْ

١٥٥

شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ ) (١) . وقوله تعالى :( وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِين ) (٢) .

وقال ابن دريد ( المتوفّى سنة ٣٢١ ) : فلان من شيعة فلان، أي ممّن يرى رأيه. وشيّعت الرجل على الأمر تشييعاً إذا أعنته عليه , ومشايعة الرجل على الأمر مشايعة وشياعاً إذا مالأته عليه(٣) .

وقال ابن منظور : والشيعة : القوم الذين يجتمعون على الأمر , وكلُّ قوم اجتمعوا على أمر فهُم شيعة , وكلُّ قوم أمرُهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهُم شِيَع.

قال الأزهري : ومعنى الشيعة : الذين يتبع بعضهم بعضاً , وليس كلهم متّفقين، قال الله عزّ وجلّ :( الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً ) . كل فرقة تكفّر الفرقة المخالفة لها، يعني به اليهود والنصارى ؛ لأنّ النصارى بعضهم يكفّر بعضاً، وكذلك اليهود. والنصارى تكفّر اليهود واليهود تكفّرهم، وكانوا اُمروا بشيء واحد.

وفي حديث جابر لمـّا نزلت :( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) ، قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( هاتان أهون وأيسر، الشيع الفرق، أي يجعلكم فرقاً مختلفين )).

وأمّا قوله تعالى :( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ ) ، فإنّ ابن الأعرابي قال : الهاء لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، أي إبراهيم خبر نخبره ،

____________________

(١) سورة الصافات / ٨٣.

(٢) سورة القصص/ ١٥.

(٣) جمهرة اللغة - لابن دريد العضدي ٣ / ٦٣.

١٥٦

فاتبعه ودعا له. وكذلك قال الفراء : يقول هو على منهاجه ودينه وإن كان إبراهيم سابقاً له، وقيل : معناه أي من شيعة نوح ومن أهل ملّته. قال الأزهري : وهذا القول أقرب ؛ لأنه معطوف على قصة نوح، وهو قول الزجاج.

والشيعة : أتباع الرجل وأنصاره، وجمعها شِيَع، وأشياع جمع الجمع. ويقال : شايعه كما يقال والاه من الولي. وحكي في تفسير قول الأعشى : يشوع عونا ويجتابها يشوع : يجمع، ومنه شيعة الرجل، فإن صحّ هذا التفسير فعين الشيعة واو، وهو مذكور في بابه.

وفي الحديث القدرية : شيعة الدجّال أي أولياؤه وأنصاره، وأصل الشيعة الفرقة من الناس، ويقع على الواحد والاثنين والجمع , والمذكر والمؤنث بلفظٍ واحدٍ ومعنىً واحد(١) .

قال ابن الأثير : ( شيع ) ( ه‍ ) فيه ( القدرية شيعة الدجّال ) أي أولياؤه وأنصاره. وأصل الشيعة الفرقة من الناس، وتقع على الواحد والاثنين والجمع، والمذكر والمؤنث بلفظٍ واحدٍ ومعنىً واحد(٢) .

قال الزبيدي : ( وشيعة الرجل بالكسر : أتباعه وأنصاره ) , وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، وقال الأزهري : معنى الشيعة : الذين يتبع بعضهم بعضاً، وليس كلهم متّفقين. وفى الحديث : القدرية : شيعة الدجّال أي أولياؤه. ( و ) أصل الشيعة : ( الفرقة ) من الناس ( على حدة ). وكل مَن عاون أنساناً وتحزّب له فهو له شيعة. قال الكميت (رحمه‌الله ) :

وما لي إلا آلَ أحمدَ شيعةٌ

وما ليَ إلّا مشعبَ الحقِّ مشعبُ

( ويقع على الواحد والاثنين والجمع , والمذكر والمؤنث ) بلفظٍ واحدٍ

____________________

(١) لسان العرب - ابن منظور ٨ / ١٨٨.

(٢) النهاية في غريب الحديث - ابن الأثير ٢ / ٥١٩.

١٥٧

ومعنىً واحد(١) .

ولا يخفى على الملتفت أنّ الشيعة بهذا المعنى هم مَن بايعوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) على أنّه الخليفة بعد عثمان بن عفان - كما يتبيِّن لك ذلك - , ولم يبايعوه على أنّه الخليفة بالنصّ من الله بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ). وهؤلاء كثيرون جدّاً ؛ فها هم أهل الكوفة يصلّون خلف أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) ومع ذلك لمـّا نهاهم عن صلاة التراويح بإمامٍ نادوا : ( وا عمراه ) ! والشيعة لا يختلف اثنان في أنّهم لا يرون قول وسنة عمر بن الخطاب فضلاً عن خلافته.

قال عبد الحميد المعتزلي : وقد روي أنّ أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) لمـّا اجتمعوا إليه بالكوفة، فسألوه أن ينصّب لهم إماماً يصلّي بهم نافلة شهر رمضان، زجرهم وعرّفهم أنّ ذلك خلاف السنّة، فتركوه واجتمعوا لأنفسهم، وقدّموا بعضهم، فبعث إليهم ابنه الحسن (عليه‌السلام ) فدخل عليهم المسجد ومعه الدرّة، فلمـّا رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا : وا عمراه !(٢) .

فكذا مَن بايع الإمام الحسن والإمام الحسين (عليهما‌السلام ) من أهل الكوفة وأهل المدينة وبقية الأمصار، وأمّا الشيعة بالمعنى الخاص فقليلون جدّاً.

والثاني الخاص : ومعناه كلّ مَن اعتقد بإمامة علي وأهل بيته (عليهم‌السلام ) بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بالنصّ من الله.

قال أبو الحسن الأشعري : وإنّما قيل لهم الشيعة ؛ لأنّهم شايعوا علي (عليه‌السلام )، ويقدّمونه على سائر أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )(٣) .

____________________

(١) تاج العروس - الزبيدي ٥ / ٤٠٥.

(٢) نهج البلاغة - ابن أبي الحديد المعتزلي ١٢ / ٢٨٣.

(٣) مقالات الإسلاميِّين ١ / ٦٥ للأشعري.

١٥٨

وقال الشهرستاني : الشيعة هم الذين شايعوا عليّاً (عليه‌السلام ) على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصية(١) .

وقال النوبختي : إنّ أوّل فِرَق الشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) المسمّون شيعة علي (عليه‌السلام ) في زمان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وبعده معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته(٢) .

وقال ابن حزم الأندلسي : ومَن وافق الشيعة في أنّ عليّاً (عليه‌السلام ) أفضل الناس بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وأحقّهم بالإمامة , وولده من بعده، فهو شيعي , وإن خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعيّاً(٣) .

قال ابن منظور : وقد غلب هذا الاسم (الشيعة) على مَن يتولّى علي وأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين حتّى صار لهم اسماً خاصّاً , فإذا قيل : فلان من الشيعة عُرف أنّه منهم. وفي مذهب الشيعة كذا : أي عندهم. وأصل ذلك من المشايعة، وهي المتابعة والمطاوعة , قال الأزهري : والشيعة قومٌ يهوون هوى عترة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ويوالونهم(٤) .

وقال ابن الأثير : وقد غلب هذا الاسم (الشيعة) على كلِّ مَن يزعم أنّه يتولّى عليّاًرضي‌الله‌عنه وأهل بيته (عليهم‌السلام ) حتّى صار لهم اسماً خاصّاً، فإذا قيل : فلان من الشيعة عُرف أنّه منهم. وفي مذهب الشيعة كذا : أي عندهم.

وتُجمع الشيعة على شِيَع , وأصلها من المشايعة، وهي المتابعة والمطاوعة ( س ) , ومنه حديث

____________________

(١) الملل والنحل ١ / ١٣١ للشهرستاني.

(٢) فرق الشيعة / ١٥ للنوبختي.

(٣) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١١٣ لابن حزم.

(٤) لسان العرب - ابن منظور ٨ / ١٨٩.

١٥٩

صفوان : ( إنّي لأرى موضع الشهادة لو تشايعني نفسي ) , أي تتابعني.

قال الزبيدي : وقد غلب هذا الاسم ( الشيعة) على كل مَن يتولّى علياً وأهل بيته رضي الله‌ عنهم أجمعين حتّى صار اسماً لهم خاصّاً، فإذا قيل : فلان من الشيعة عُرف أنّه منهم، وفي مذهب الشيعة كذا : أي عندهم. وأصل ذلك من المشايعة , وهي المطاوعة والمتابعة. وقيل : عين الشيعة واو , من شوع قومه إذا جمعهم، وقد تقدّمت الإشارة إليه قريباً. وقال الأزهري : الشيعة قومٌ يهوون هوى عترة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ويوالونهم(١) .

وبعد وضوح أنّ لفظ الشيعة له معنيان ؛ لغويٌّ عام واصطلاحيٌّ خاص يتّضح أنّ مَن خرج على الإمام الحسين (عليه‌السلام ) لا يصدق عليه أنّه من شيعته ومتّبعيه وناصريه على كلا هذين المعنيين(٢) ، بل يصدق عليه أنّه من شيعة مَن خرج لنصرته ومتابعته وهم بنو اُميّة، فجميع مَن خرج على الإمام الحسين (عليه‌السلام ) من شيعتهم، ويدلّ على ذلك اُمور نأتي عليها تباعاً :

____________________

(١) تاج العروس - الزبيدي ٥ / ٤٠٥.

(٢) بل هؤلاء لا يكونون من شيعة جدِّه المصطفى (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فضلاً عن كونهم شيعته (عليه‌السلام ). قال الموفق الخوارزمي في مقتله ٢ / ١٧٩ راثياً الحسين (عليه‌السلام ) ومستنكراً على قتلته :

[.....] ففاز بالشهادة، وسلك إلى آخر مسلك السعادة، فالسلام على الحسين (عليه‌السلام ) المقتول يوم الاثنين :

لقد ذبحوا الحسينَ بنَ البتولِ

وقالوا نحن أشياعُ الرسولِ

بقطرةِ شربةٍ بَخِلُوا عليهِ

وخاض كلابُهُمْ وَسْطَ السيولِ

قُصَارى همِّهم ريحٌ شمالٌ

وكاساتٌ من الراحِ الشَّمُولِ

وإنّ موفَّقاً إن لم يُقَاتِلْ

أمامَك يابنَ فاطمةَ البتولِ

فسوف يصوغُ فيك مُحَبَّراتٍ

تنقَّلُ في الحزونِ وفي السهولِ

١٦٠