مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء ٢

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف0%

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 648

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: زهير ابن المرحوم الحاج علي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 648
المشاهدات: 22277
تحميل: 4550


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 648 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22277 / تحميل: 4550
الحجم الحجم الحجم
مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

خطبتا العقيلة زينب (عليها‌السلام )، والإمام زين العابدين (عليه‌السلام ) برواية الإسفرايني

روى الإسفرايني قال : (قال الراوي) : فصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين في المحافل الخبز، فصاحت اُمّ كلثوم : يا أهل الكوفة , حَجر في رأس مَن تصدّق علينا. ثمّ أخذت ما أعطوه للأطفال ورمته عليهم، فعند ذلك ضجَّت الناس بالبكاء والنحيب، وهُم ينظرون إليهم، فنظرتْ إليهم اُمّ كلثوم وقالت : غضّوا أبصاركم عنَّا.

فلمـّا سمعنَها النساء في الربوع بَكينَ عليهنَّ، فقالت : ويحكنَّ ! تقتُلنا رجالُكم وتبكي علينا عيونُكم ! الله يحكم بيننا وبينكم. فوالله ما حُبِسَتْ عنَّا نصرة الله في الدنيا إلّا لاكتساب نعيم الآخرة ؛ لارتفاع مقامنا في الآخرة، وأنتم سوف تَرِدون إلى جهنم. يا ويلكم ! أتدرون أيّ دمٍ سفكتم، وأيّ لحمٍ قطعتم ؟!

قال بشير الأسدي : نظرتُ إلى زينب بنت علي (عليها‌السلام ) فكأنّها هو، ورأيتها قد أومأت للناس أن اسكتوا، فهدأت الأنفاس، وسكتت الأصوات، ثمّ قالت : الحمد لله والصلاة والسّلام على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

أيُّها الناس، اعلموا أنّ مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دَخَلاً بينكم، ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أنْ سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون.

قتلتم سبط خاتم النبوّة سيّد شباب أهل الجنّة، وملاذ خِيرَتكم , ومنار حجّتكم، ويا ويلكم ! أتدرون أيّ كريمةٍ له سبيتم ؟! وأيّ دمٍ له سفكتم ؟! ثم بَكَت.

فتقدّمت اُمّ كلثوم وقالت : ويلكم ! قتلتم حسيناً، وخذلتموه ونهبتم أمواله وورثتموها(١) ، وسبيتم نساءه وهتكتموهنَّ ! أيُّ داهيةٍ دهتكم ؟! وأيُّ مصيبةٍ أصابتكم ؟!

____________________

(١) وفي ط : (وورثتموه) بدل (وورثتموها).

٢١

وجعلت تقول :

قتلتم أخي ظلماً فويلَكُمُ غداً

ستُصلون ناراً حرُّها يتوقَّدُ

سفكتم دِمَا آلِ النبيِّ وسفكُها

مُحَرِّمه ربُّ العباد وأحمدُ

ألا أبشروا بالنارِ يا أهلَ كوفةٍ

جَهَنَّمُ فيها جَمْعُكُم يتخلَّدُ

وإني لأبكي في حياتي على أخي

على خيرِهِ مِنْ بَعْدِه ليس يوجدُ

(قال الراوي) : فضجَّت الناس بالبكاء، فتقدّم زين العابدين (عليه‌السلام ) وأومأ للناس أن اسكتوا , فقال : ((الحمد لله والصلاة والسّلام على رسول الله، إنَّه(١) أيُّها الناس , مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني أنا أُعرّفه بنفسي ؛ أنا علي بن الحسين بن علي، أنا ابن المذبوح بشط الفرات، أنا ابن مَن تهتّكت حريمُه، وانتُهب مالُه، وسُلب مُلكُه(٢) ، فأيُّ عينٍ تنظرون بها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إذا قال لكم : قتلتم عترتي، وهتكتم حرمتي، فلستم من أمتي ؟! )).

فعند ذلك ارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب، وقال بعضهم لبعض : هلكتم.

ثمّ بكى علي زين العابدين (عليه‌السلام ) وجعل يقول :

قتلتم عليّاً قبل ذلكُمُ الرضا

لقد كان خيراً من حسينٍ وأكرما

فلا تفرحوا يا أهلَ كوفةِ بالذي

أصاب حُسيناً كان ذلك أعظما(٣)

____________________

(١) وفي ط : بدون ( إنه ).

(٢) وفي ط : بدل ( ملكه ) ( نعيمه ).

(٣) نور العين في مشهد الحسين لأبي إسحاق الإسفرايني / ٥٦ - ٥٧، وفي ط / ٤٨ - ٤٩.

٢٢

ابن سعد يرسل مَن يبشّر أهله بنصره، وما فعله ابن زياد برأس الإمام الحسين (عليه‌السلام ) , وما جرى بين ابن زياد وزيد بن أرقم

روى الطبري، والبلاذري، والدينوري، والطبراني، وابن عساكر، والمتقي الهندي , وغيرهم - واللفظ للأوّل - قال : قال أبو مخنف : حدّثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم قال : دعاني عمر بن سعد فسرّحني إلى أهله لأبشّرهم بفتح الله عليه وبعافيته، فأقبلتُ حتّى أتيتُ أهله فأعلمتهم ذلك.

ثمّ أقبلتُ حتّى أدخل , فأجد ابن زياد قد جلس للناس، وأجِد الوفد قد قَدِموا عليه، فأدخلهم وأذِنَ للناس، فدخلتُ فيمَن دخل، فإذا رأس الحسين (عليه‌السلام ) موضوع بين يديه، وإذا هو ينكت بقضيب بين ثنيتيه ساعة، فلمـّا رآه زيد بن أرقم لا ينجم عن نكته بالقضيب، قال له : اعلُ بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين، فوالذي لا إله غيره لقد رأيتُ شَفَتي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على هاتين الشفتين يُقبّلهما، ثمّ انفضخ الشيخ يبكي.

فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك، فوالله لولا أنّك شيخٌ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك.

قال : فنهض فخرج، فلمـّا خرج سمعت الناس يقولون : والله لقد قال زيد بن أرقم قولاً لو سمعه ابن زياد لقتله.

قال : فقلت : ما قال ؟ قالوا : مرَّ بنا وهو يقول :

مَلَكَ عبدٌ عبيدا

فاتخذهم تليدا

أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة ؛ فهو يقتل خياركم، ويستعبد شراركم , فرضيتم بالذلّ، فبُعداً لمـّن رضي بالذل(١) !

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٣٣٦، أنساب الأشراف - البلاذري ٣ / ٤١٢، الأخبار الطوال / ٢٦٠، المعجم الكبير للطبراني ٥ / ٢٠٦، تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ذكرها في موضعين ١٤ / ٢٣٦ بإيجاز، وفي ٤١ / ٣٦٦ بتفصيل، بغية الطلب في تاريخ حلب - ابن العديم ٦ / ٢٦٣١، سير أعلام النبلاء - الذهبي ٣ / ٢٨١، كنز العمال - المتقي الهندي ١٣ / ٣٧٣.

٢٣

وروى ابن كثير قال : وقال أبو مخنف : عن سليمان بن راشد، عن حميد بن مسلم، قال : دعاني عمر بن سعد فسرّحني إلى أهله لأبشّرهم بما فتح الله عليه وبعافيته، فأجد ابن زياد قد جلس للناس، وقد دخل عليه الوفد الذين قَدِموا عليه، فدخلتُ فيمَن دخل، فإذا رأس الحسين (عليه‌السلام ) موضوع بين يديه، وإذا هو ينكت فيه بقضيب بين ثناياه ساعة، فقال له زيد بن أرقم : ارفع هذا القضيب عن هاتين الثنيتين، فوالله الذي لا إله إلّا هو لقد رأيتُ شفتي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على هاتين الثنيتين يُقبّلهما، ثمّ انفضخ الشيخ يبكي.

فقال له ابن زياد : أبكى الله عينك، فوالله لولا أنّك شيخٌ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك.

قال : فنهض فخرج، فلمـّا خرج قال الناس : والله , لقد قال زيد بن أرقم كلاماً لو سمعه ابن زياد لقتله.

قال : فقلت : ما قال ؟ قالوا : مرَّ بنا، وهو يقول :

مَلَكَ عبدٌ عبيدا

فاتخذهم تليدا

أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم , قتلتم ابن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة ؛ فهو يقتل خياركم , ويستعبد شراركم، فبُعداً لمـّن رضي بالذل !

وقد روى من طريق أبي داود بإسناده عن زيد بن أرقم بنحوه(١) .

وروى هذه الحادثة مع أنس بن مالك كلٌّ من ابن كثير، والذهبي، وصاحب الآحاد والمثاني، وابن العديم، وصاحب كتاب أخبار قزوين، وصاحب كتاب النجوم الزاهرة، وصاحب تاريخ واسط، والطبري في ذخائر العقبى، والبخاري، والترمذي

____________________

(١) البداية والنهاية - ابن كثير ٨ / ١٩١.

٢٤

وابن حبان، وغيرهم - واللفظ للأوّل - قال : قال الإمام أحمد(١) : حدّثنا حسين، ثنا جرير، عن محمّد، عن أنس قال : أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين (عليه‌السلام )، فجعل في طست ينكت عليه، وقال في حسنه شيئاً، فقال أنس : إنّه كان أشبههم برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وكان مخضوباً بالوشمة.

ورواه البخاري في المناقب عن محمّد بن الحسن بن إبراهيم هو ابن إشكاب، عن حسين بن محمّد، عن جرير بن حازم، عن محمّد بن سيرين، عن أنس، فذكره.

وقد رواه الترمذي من حديث حفصة بنت سيرين، عن أنس، قال : حسن صحيح، وفيه : فجعل ينكت بقضيب في أنفه ويقول : ما رأيتُ مثل هذا حسناً(٢) !

____________________

(١) فضائل الصحابة ٢ / ٧٨٤ رواه بطُرق مختلفة ؛ فمرّة في حديث رقم ١٣٩٤ بإسناده إلى حفصة بنت سيرين، عن أنس بن مالك، واُخرى في حديث رقم ١٣٩٥ بإسناده إلى محمّد، عن أنس بن مالك، ومرّة اُخرى في حديث رقم ١٣٩٧ بإسناده إلى علي بن زيد، عن أنس بن مالك.

بغية الطلب في تاريخ حلب ٦/ ٢٥٧٧، فأيضاً ذكره عن جرير، عن محمّد، عن أنس في / ٢٥٧٧ وعن هاشم، عن محمّد، عن أنس/ ٢٦٣٢، وعن حفصة بنت سيرين / ٢٦٣٢، وأيضاً رواه عن سعيد بن عبيده / ٢٦٣٨.

(٢) البداية والنهاية ٨ / ١٩١، الآحاد والمثاني١ / ٣٠٧، التدوين في أخبار قزوين ٢/ ٤٧٨، النجوم الزاهرة ١/ ١٥٥، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٨١ ذكر بإسناده إلى جرير بن حازم، عن محمّد، عن أنس بن مالك ٣/ ٢٨١ وأخرى بإسناده إلى حفصة بنت سيرين ٣ / ٢٨١ وتارة اُخرى بإسناده عن هشام، عن محمّد، عن أنس بن مالك ٣ / ٢٨٠ - ٢٨١.

تاريخ واسط ١ / ٢٢٠، مسند أحمد ٣ / ٢٦١ عن ابن سيرين، عن أنس، صحيح البخاري ٤ / ٢١٦ عن ابن سيرين، عن أنس، سنن الترمذي ٥ / ٣٢٥ عن حفصة بنت سيرين، عن أنس، مجمع الزوائد للهيثمي ٩ / ١٩٥ عن أنس، موارد الضمآن / ٥٥٤ عن حفصة بنت سيرين عن أنس.

تحفة الأحوذي ١٠ / ٣٠٧ عن البخاري، عن ابن سيرين، الآحاد والمثاني ١/ ٣٠٦ عن ابن سيرين، عن أنس، وأيضاً عن علي بن زيد، عن أنس / ٣٠٧، مسند أبي يعلى ٥/ ٢٢٨ عن ابن سيرين، صحيح ابن حبان ١٥ / ٤٢٩ عن بنت سيرين.

المعجم الكبير للطبراني ٣ / ١٢٥ رواه عن أنس، علي بن زيد وبنت سيرين، كنز العمال للمتقي الهندي ١٣ / ٦٥٤ عن ابن سيرين باختصار، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ١٤ / ١٢٦ رواه عن أنس تارة هاشم عن ابن سيرين، وأخرى جرير عن ابن سيرين , ورواه عن أنس بنت سيرين / ١٢٧ وعلي بن زيد / ٢٣٥ , ورواه عن قرّة بن خالد عن الحسن.

أسد الغابة ٢ / ٢٠ رواه عن ابن سيرين عن أنس، تهذيب الكمال ٦ / ٤٠٠ عن بنت سيرين عن أنس، ينابيع المودة ٣ /١٠، ذخائر العقبى / ١٢٨ ابن جرير الطبري.

أقول : ويأتي تفصيل هذه الروايات في الفصل المتعلّق برأس الإمام الحسين (عليه‌السلام ).

٢٥

إدخال حرم الإمام الحسين (عليه‌السلام ) على ابن زياد (لعنه الله) , وموقف عقيلة الطالبيِّين (عليها‌السلام )

روى الطبري قال : فلمـّا دخل برأس حسين (عليه‌السلام ) وصبيانه , وأخواته ونسائه على عبيد الله بن زياد لبست زينب ابنة فاطمة (عليها‌السلام ) أرذل ثيابها وتنكّرت , وحفَّ بها إماؤها، فلمـّا دخلت جلست، فقال عبيد الله بن زياد : مَن هذه الجالسة ؟ فَلَم تكلّمه، فقال ذلك ثلاثاً، كلُّ ذلك لا تكلّمه، فقال بعض إمائها : هذه زينب ابنة فاطمة (عليها‌السلام ).

قال : فقال لها عبيد الله : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.

فقالت : الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وطهّرنا تطهيراً، لا كما تقول أنت، إنّما يفتضح الفاسق، ويكذب الفاجر.

قال : فكيف رأيتِ صُنع الله بأهل بيتكِ ؟

قالت : كُتب عليهم القَتلُ فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتحاجّون إليه وتخاصمون عنده.

قال : فغضب ابن زياد واستشاط، قال : فقال له عمرو بن حريث : أصلح الله الأمير , إنّما

٢٦

هي امرأة، وهل تؤاخَذ المرأة بشيء من منطقها ؟ إنّها لا تؤاخَذ بقولٍ، ولا تُلام على خطل.

فقال لها ابن زياد : قد أشفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتكِ.

قال : فبَكَت ثمّ قالت : لَعمري , لقد قتلت كهلي، وأبرت أهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت(١) أصلي، فإنْ يَشْفِكَ هذا فقد اشتفيت.

فقال لها عبيد الله : هذه شجاعة(٢) ، لقد - لعمري - كان أبوكِ شاعراً شجاعاً.

قالت : ما للمرأة والشجاعة ! إنّ لي عن الشجاعة لشغلاً، ولكن(٣) نفثي ما أقول(٤) .

وفي مقتل الخوارزمي قال :

قال : ثمّ جاؤوا بهم حتّى دخلوا على عبيد الله بن زياد، فنظرتْ إليه زينب بنت علي (عليه‌السلام ) وجلست ناحية، فقال ابن زياد : مَن الجالسة ؟ فَلَم تكلّمه، فقال ثانياً، فَلَم تكلّمه، فقال رجلٌ من أصحابه : هذه زينب بنت علي بن أبي طالب (عليهم‌السلام ).

فقال ابن زياد : الحمد لله الذي فضحكم، وكذَّبَ اُحدوثتكم.

فقالت زينب (عليها‌السلام ) : الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وطهّرنا بكتابه تطهيراً، وإنّما يفتضح الفاسق، ويكذب الفاجر.

قال ابن زياد : كيف رأيتِ صُنع الله بأخيكِ وأهل بيته ؟

فقالت زينب (عليها‌السلام ) : ما رأيتُ إلّا جميلاً، هؤلاء قومٌ كَتَب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم يابن زياد، فتحاجّون وتختصمون، فانظر لمـِن الفلج يومئذ، هبلتكَ أُمّك يابن مرجانة!

فغضب ابن زياد، وكأنّه همَّ بها، فقال له عمرو بن حريث المخزومي : إنّها

____________________

(١) وفي المطبوع : (واجثثت) , والظاهر ما أثبتناه.

(٢) والظاهر بالسين كما في أكثر المصادر.

(٣) وفي ط : "ولكنّي".

(٤) تاريخ الطبري ٣ / ٣٣٦.

٢٧

امرأة، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها.

فقال ابن زياد : يا زينب، لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتكِ.

فقالت زينب (عليها‌السلام ) : لعمري , لقد قتلت كهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاءك فقد اشتفيت.

فقال ابن زياد : هذه سجَّاعة، لا جرم، لعمري لقد كان أبوك شاعراً سجَّاعاً.

فقالت زينب : يابن زياد , وما للمرأة والسجَاعة ؟! وإنّ لي عن السجَاعة لشغلاً(١) .

المصائب التي جرت في مجلس الملعون ابن زياد، وما قاله الإمام زين العابدين (عليه‌السلام ) للملعون : إلى كم... عمّتي... وما جاء من المصائب...

قال البلاذري : وحدّثني بعض الطالبيِّين أنّ ابن زياد جعل في علي بن الحسين (عليه‌السلام ) جُعْلاً، فأُتي به مربوطاً، فقال له : ألَمْ يقتل الله علي بن الحسين ؟!

فقال : (( كان أخي يقال له : علي بن الحسين , إنّما قتله الناس )).

قال : بل قتله الله.

فصاحت زينب بنت علي (عليها‌السلام ) : يا بن زياد , حسبك من دمائنا، فإن قتلته فاقتلني معه. فتركه(٢) .

وقال النوبري : ونظر عبيد الله إلى علي بن الحسين (عليه‌السلام ) فقال له : ما اسمك ؟

قال : (( أنا علي بن الحسين )).

قال : أوَ لَمْ يقتل الله علي بن الحسين ؟!

فسكت، فقال له ابن زياد : ما لَكَ لا تتكلم ؟

قال : (( قد كان لي أخ يقال له : علي , فقتله الناس )).

قال : إنّ الله قتله.

____________________

(١) مقتل الحسين (عليه‌السلام ) للخوارزمي ٢/ ٤٧ - ٤٨.

(٢) أنساب الأشراف - البلاذري ٣ / ٤١٢.

٢٨

فسكت علي (عليه‌السلام )، فقال : ما لَكَ لا تتكلم ؟ قال :( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا، وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إلّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) .

قال : أنت والله منهم...(١) .

وفي ينابيع المودة قال : ثمّ إنّ ابن زياد جلس بقصر الإمارة، وأحضر الرأس الشريف بين يديه، وجعل ينظر إليه ويتبسّم، وكان بيده قضيب، فجعل يضرب به ثناياه، فقال له زيد بن أرقم : ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين، فوالله الذي لا إله إلّا هو لقد رأيت ثنايا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ترشف ثناياه. ثمّ بكى زيد.

فقال له ابن زياد : أتبكي ؟! أبكى الله عينيك. والله لولا أنّك شيخٌ كبير قد ذهب عقلك لأضربَنَّ عنقك. فقام زيد وانصرف.

ثم أُدخِلتْ عليه زينب بنت علي(عليها‌السلام ) وعليها أرذل ثيابها، فجلست ناحية، وقد حفَّ بها إماؤها، فقال ابن زياد لها : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم.

فقالت زينب (عليها‌السلام ) : الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وطهّرنا من الرجس تطهيراً، إنّما يفتضح الفاسق، ويكذب الفاجر، وهو أنت يا عدو الله وعدو رسوله.

فقال لها : كيف رأيتِ صُنع الله بأخيكِ الحسين وأهل بيته ؟

فقالت : إنّ الله كتب عليهم القتال فتبادروا أمر ربّهم، وبرزوا إلى مضاجعهم، فقاتلوا ثمّ قُتلوا في الله , وفي سبيل الله، وسيجمع الله بينك وبينهم، وتتحاجّون وتتخاصمون عند الله، وإنّ لكَ موقفاً فاستعد للمسألة جواباً إذا كان القاضي الله، والخصم جدِّي رسول

____________________

(١) نهاية الأرب في فنون الأدب / ١٢٥٨٠ للنويري، نسخة برنامج الموسوعة الشعرية. وذكر ما جرى مع السيدة الطاهرة زينب (عليها‌السلام ). واكتفيت بهذا المقدار لذكره ما لا يليق فعله مع الإمام السجاد (عليه‌السلام ) , كما ذكره غيره أيضاً.

٢٩

الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، والسجن جهنم.

فقال علي بن الحسين (عليه‌السلام ) لابن زياد : (( قطع الله يديك وأيبسَ رجليك يابن زياد، إلى كَمْ تكلِّم عمّتي، تتعرضها بين مَن يعرفها ومَن لا يعرفها )).

فغضب ابن زياد، وأمر بضرب عنقه، فمنعه القوم(١) .

وفي نور العين للإسفرايني قال : (قال الراوي) : ثمّ إنّهم دخلوا بالرؤوس على عبيد الله بن زياد، وأنزلوا رأس الحسين (عليه‌السلام ) من فوق الرمح ووضعوها بين يديه، فجعل ينكت ثناياه ويتكلّم بكلام يُغضب الله، ثمّ أُدخلوا السبايا عليه وأوقفوهم بين يديه، فقال علي (عليه‌السلام ) : (( سوف نقف وتقفون، ونُسأل وتُسألون، فأيُّ جوابٍ تردّون ؟ وبخصام جدِّنا لكم إلى النار تُقادون )). فسكت ابن زياد ولم يَرد له جواباً.

ثمّ قال : أيُّكم اُمّ كلثوم ؟

فقالت : ما تريد منِّي يا عدوَّ الله ؟

فقال : قبّحكم الله !

فقالت : يابن زياد , وإنّما يقبح الفاسق والكاذب، وأنت الكاذب والفاسق، فابشر بالنار.

فضحك من قولها وقال : إنْ صرتُ إلى النار في الآخرة، فقد بلغت مرادي وما اُؤمله.

فقالت : يا ويلك ! قد أرويت الأرض من دم أهل البيت (عليهم‌السلام ).

فقال لها : أنتِ شجاعة مثل أبيك، ولولا أنّك امرأة لضربت عنقك.

فقالت : لولا أنّي شجاعة ما وقفت بين يديك ؛ ينظر إليَّ البرُّ والفاجرُ، وأنا مهتوكة الخباء، وأخواتي بين يديك من غير غطاء.

قال : وكانت زينب (عليها‌السلام ) حاسرة الوجه، تختبئ لئلّا يراها أحد، فنظرها ابن زياد، فسأل حاجبه عنها , فقال : هذه زينب أخت الخارجي.

فصاح بها : يا زينب ،

____________________

(١) ينابيع المودة لذوي القربى - القندوزي ٣ / ٨٧ - ٨٨.

٣٠

أرأيتِ صُنع الله في أخيكِ , وكيف قطع دابركم ؛ لأنّه كان يريد الخلافة ليُتمَّ بها آماله، فخيَّب الله منها رجاءه وآماله ؟

فقالت (عليها‌السلام ) : يا بن زياد، إذا كان أخي طلب الخلافة فهي ميراث أبيه وجدّه، وأمّا أنت يا بن زياد، فَرِد جواباً إذا كان القاضي الله، والحَكم جدّي، والشهود الملائكة، والسجن جهنم، وإنّما هؤلاء القوم كَتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وغداً يجمع الله بينك وبينهم فتحاجج وتخاصم.

فقال : قد شفى قلبي من الحسين وأهل بيته.

فقالت (عليها‌السلام ) : إذا كانت قرّة عينكَ بقتل الحسين (عليه‌السلام ) فسوف نرى ممّن قرَّت عينه به قبلُ، وكان يقبّله ويضعه على عاتقه. ثمّ بكت.

فقال زين العابدين (عليه‌السلام ) , وقد نظر إلى ابن زياد وقال له : (( إلى كَمْ تهتك عمّتي بين العرب ؟! )).

فقال : مَن هذا الغلام ؟

فقالوا : هذا علي بن الحسين.

فقال : أليس قد قتل الله علي بن الحسين ؟!

فقال (عليه‌السلام ) له : (( كان لي أخ يسمّى علي بن الحسين قد قتله الناس )).

فقال : بل قتله الله.

فقال : (( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) ).

فقال لحاجبه : خذ هذا الغلام اضرب عنقه.

فقام الحاجب ومسكه وجذبه إليه، فمسكته زينب (عليها‌السلام )، وقالت : يا بن زياد , نذرتَ على نفسك أنّك لا تبقي من نسلِ محمّد صغيراً ولا كبيراً، فسألتك بالله لا تقتله حتّى تقتلني.

ثمّ جذبته إليها وصرخت , فنظر إليها ابن زياد وقال : اتركوه لها.

فقال (عليه‌السلام ) له : (( أنت بالقتل تهدّدني ؟! أما علمتَ أنّ القتل لنا عادة، وكرامة للشهادة ؟! ))(١) .

____________________

(١) نور العين في مشهد الحسين (عليه‌السلام )- أبو إسحاق الإسفرايني / ٥٧ - ٥٨، وفي ط / ٤٩ -٥٠.

٣١

٣٢

ما فعله اللعين ابن زياد برأس الإمام الحسين (صلوات الله عليه)

نكثه اللعين برأس الإمام الحسين (عليه‌السلام ) , بأكثر من رواية

رواية أنس بن مالك

روى ابن كثير، والذهبي، وصاحب الآحاد والمثاني، وصاحب كتاب فضائل الصحابة، وابن العديم، وصاحب كتاب أخبار قزوين، وصاحب كتاب النجوم الزاهرة، وصاحب تاريخ واسط، والطبري في ذخائر العقبى، والبخاري، والترمذي، وابن حبان، وغيرهم - واللفظ للأوّل - قال:

قال الإمام أحمد : حدثنا حسين، ثنا جرير، عن محمّد، عن أنس، قال : أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين(عليه‌السلام ) فجُعل في طست ينكت عليه، وقال في حسنه شيئاً، فقال أنس : إنّه كان أشبههم برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وكان مخضوباً بالوشمة.

ورواه البخاري في المناقب، عن محمّد بن الحسن بن إبراهيم هو ابن إشكاب، عن حسين بن محمّد، عن جرير بن حازم، عن محمّد بن سيرين، عن أنس، فذكره.

وقد رواه الترمذي من حديث حفصة بنت سيرين، عن أنس، قال : حسن صحيح. وفيه : فجعل ينكت بقضيب في أنفه ويقول : ما رأيت مثل هذا حسناً(١) !

____________________

(١) البداية والنهاية ٨ /١٩١، الآحاد والمثاني ١ / ٣٠٧، فضائل الصحابة ٢ / ٧٨٤، ورواه بطرق مختلفة ؛ فمرّة في حديث رقم ١٣٩٤ بإسناده إلى حفصة بنت سيرين، عن أنس بن مالك، وأخرى في حديث رقم ١٣٩٥ بإسناده إلى محمّد، عن أنس بن مالك، ومرة اُخرى في حديث رقم ١٣٩٧ بإسناده إلى علي بن زيد، عن أنس بن مالك. بغية الطلب في تاريخ حلب ٦ / ٢٥٧٧ , ذكره أيضاً عن جرير، عن محمّد، عن أنس في / ٢٥٧٧، وعن هاشم، عن محمّد، عن أنس / ٢٦٣٢، وعن حفصة بنت سيرين / ٢٦٣٢، وأيضاً رواه عن سعيد بن عبيده / ٢٦٣٨، التدوين في أخبار قزوين ٢ / ٤٧٨، النجوم الزاهرة ١ / ١٥٥، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٨١ ذكر بإسناده إلى جرير بن حازم، عن محمّد، عن أنس بن مالك ٣/ ٢٨١ , وأخرى بإسناده إلى حفصة بنت سيرين ٣ / ٢٨١ وتارة اُخرى بإسناده عن هشام، عن محمّد، عن أنس بن مالك ٣ / ٢٨٠ - ٢٨١، تاريخ واسط ١ / ٢٢٠، مسند أحمد ٣ / ٢٦١ عن ابن سيرين، عن أنس، صحيح البخاري ٤ / ٢١٦ عن ابن سيرين، عن أنس. سنن الترمذي ٥/ ٣٢٥ عن حفصة بنت سيرين، عن أنس، مجمع الزوائد للهيثمي٩ / ١٩٥ عن أنس، موارد الضمآن / ٥٥٤ عن حفصة بنت سيرين، عن أنس، تحفة الأحوذي ١٠/ ٣٠٧ عن البخاري، عن ابن سيرين، الآحاد والمثاني ١ / ٣٠٦ عن ابن سيرين، عن أنس , وأيضاً عن علي بن زيد، عن أنس / ٣٠٧، مسند أبي يعلى ٥ / ٢٢٨ عن ابن سيرين، صحيح ابن حبان ١٥ / ٤٢٩ عن بنت سيرين. المعجم الكبير للطبراني ٣ / ١٢٥ رواه عن أنس، عن علي بن زيد وبنت سيرين، كنز العمال للمتقي الهندي ١٣ / ٦٥٤ عن ابن سيرين باختصار، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ١٤ / ١٢٦ رواه عن أنس تارة هاشم عن ابن سيرين، وأخرى جرير عن ابن سيرين، ورواه عن أنس بنت سيرين / ١٢٧ وعلي بن زيد / ٢٣٥، ورواه عن قرّة بن خالد عن الحسن، أسد الغابة ٢ / ٢٠ رواه عن ابن سيرين عن أنس، تهذيب الكمال٦ / ٤٠٠ عن بنت سيرين عن أنس، ينابيع المودة ٣ / ١٠، ذخائر العقبى / ١٢٨ للطبري.

٣٣

رواية ابن أرقم

روى ابن كثير، وابن العديم، والذهبي، وابن عساكر، والدينوري، والمتقي الهندي، والطبراني - واللفظ للأوّل - قال : وقال أبو مخنف : عن سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم، قال : دعاني عمر بن سعد فسرّحني إلى أهله لأبشّرهم بما فتح الله عليه وبعافيته، فأجد ابن زياد قد جلس للناس، وقد دخل عليه الوفد الذين قَدِموا عليه، فدخلت فيمَن دخل، فإذا رأس الحسين (عليه‌السلام ) موضوع بين يديه، وإذا هو ينكت فيه بقضيب

٣٤

بين ثناياه ساعة، فقال له زيد بن أرقم : ارفع هذا القضيب عن هاتين الثنيتين، فوالله الذي لا إله إلّا هو لقد رأيتُ شفتي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على هاتين الثنيتين يقبّلهما، ثمّ انفضخ الشيخ يبكي، فقال له ابن زياد : أبكى الله عينك، فوالله لولا أنّك شيخٌ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك.

قال : فنهض فخرج، فلمـّا خرج قال الناس : والله لقد قال زيد بن أرقم كلاماً لو سمعه ابن زياد لقتله.

قال : فقلت : ما قال ؟

قالوا : مرَّ بنا وهو يقول :

مَلَكَ عبدٌ عبيدا

فاتخذهم تليدا

أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة، فهو يقتل خياركم , ويستعبد شراركم، فبُعداً لمـّن رضي بالذل !

وقد روى من طريق أبي داود بإسناده عن زيد بن أرقم بنحوه(١) .

أقول : ويأتي تفصيل هذه الروايات في الفصل المتعلّق برأس الحسين (عليه‌السلام ).

إلقاء رأس الإمام الحسين (عليه‌السلام ) بين يدي ابن زياد

قال ابن عساكر : قال القاسم بن محمّد : وما رأيت منظراً قط أفظع من إلقاء رأس الحسين (عليه‌السلام ) بين يديه وهو ينكته(٢) .

____________________

(١) البداية والنهاية ٨ / ١٩١، الطلب في تاريخ حلب ٦ / ٢٦٣١، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٨١، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ذكرها في موضعين ١٤ / ٢٣٦ بإيجاز، وفي ١٤ / ٣٦٦ بتفصيل , كنز العمال ١٣ / ٣٧٣، الأخبار الطوال / ٢٦٠، المعجم الكبير للطبراني ٥ / ٢٠٦، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم - ابن الجوزي ٥ / ٣٤١ بإيجاز.

(٢) تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ١٤ / ٣٦٦.

٣٥

ابن زياد (لعنه الله) يضع رجله على فَم الإمام الحسين (عليه‌السلام )

قال سبط ابن الجوزي : وقال هشام بن محمّد : لمـّا وضع الرأس بين يدي ابن زياد قال له كاهنه : قُم فضع قَدَمَك على فَم عدوِّك.

فقام فوضع قَدَمه على فِيه، ثمّ قال لزيد بن أرقم : كيف ترى ؟

فقال : والله، لقد رأيتُ رسول الله (عليه‌السلام ) واضعاً فاه حيث وضعتَ قدمك(١) .

تقوير ابن زياد (اللعين) لرأس الإمام الحسين (عليه‌السلام )

قال سبط ابن الجوزي : وذَكر عبد الله بن عمرو الورّاق في كتاب المقتل : أنّه لمـّا حضر الرأس بين يدي ابن زياد أمَر حجّاماً فقال : قَوّره. فَقَوّره(٢) وأخرج لغاديده ونخاعه، وما حوله من اللحم ؛ واللغاديد ما بين الحنك وصفحة العنق من اللحم(٣) .

قال اليافعي : وذكروا مع ذلك ما يعظم من الزندقة والفجور ؛ وهو أنّ عبيد الله بن زياد (لعنه الله) أمر أن يُقوّر الرأس المشرّف المكرّم حتّى يُنصب في الرمح، فتحامى الناس عن ذلك، فقام من بين الناس رجلٌ يقالُ له : طارق بن المبارك، بل هو ابن المشؤم المذموم، فقوّره ونَصَبه بباب المسجد الجامع، وخطب خطبةً لا يحلُّ ذكرها(٤) .

حيطان الإمارة تسيل دماً حين اُدخل رأس الإمام الحسين (عليه‌السلام )

روى ابن عساكر، والمزّي، وابن العديم، ومحب الدين الطبري - واللفظ للأوّل - قال :

____________________

(١) تذكرة الخواص - سبط ابن الجوزي/ ٢٣١ منشورات الشريف الرضي.

(٢) وفي الصحاح - الجوهري ٢ / ٧٩٩ : قوّره واقتوره واقتاره، كلّه بمعنى قطّعه مُدوّراً.

(٣) تذكرة الخواص - سبط ابن الجوزي / ٢٣٣ منشورات الشريف الرضي.

(٤) مرآة الزمان وعبرة اليقظان / ٢٧٣ لليافعي، نسخة برنامج الموسوعة الشعرية.

٣٦

قال : وأنا البغوي , حدّثني أحمد بن محمّد بن يحيى بن سعيد، نا زيد بن الحباب حدّثنا، وقال أبو غالب: حدّثني أبو يحيى مهدي بن ميمون، قال : سمعتُ مروان مولى هند بنت المهلب يقول، وقال أبو غالب، قال : حدّثني بوّاب عبيد الله بن زياد : أنّه لمـّا جيء برأس الحسين (عليه‌السلام ) فوضِع بين يديه رأيتُ حيطان دار الإمارة تسايل دماً(١) .

مقتل ابن عفيف (رحمه‌الله ) , وما جرى بينه وبين ابن زياد حين سبّ الإمام الحسين وأبيه (عليهما‌السلام )، وموقف جندب بن عبد الله الأزدي صاحب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

روى الطبري، والبلاذري، وابن الأثير، وابن كثير، والخوارزمي، وابن الدمشقي، وأبو إسحاق الإسفرايني، ومحمد بن حبيب البغدادي، وابن الجوزي، والنويري - واللفظ للأوّل - قال :

قال حميد بن مسلم : لمـّا دخل عبيد الله القصر ودخل الناس نودي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس في المسجد الأعظم، فصعد المنبر ابن زياد، فقال : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه، وقتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي وشيعته.

فلم يفرغ ابن زياد من مقالته حتّى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ثمّ الغامدي أحد بني والبة , وكان من شيعة علي كرم الله وجهه، وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع علي (عليه‌السلام )، فلمـّا كان يوم صفين ضُرِبَ على رأسه ضربة، واُخرى على حاجبه فذهبت عينه

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ٤١ / ٢٢٩، والظاهر أنّه يرويه عن بوّاب عبيد الله بن زياد، عن مولى هند تارة، وأخرى عن أبي غالب مباشرة، وأمّا غير ابن عساكر فيسنده إلى مولى هند عن بوّاب عبيد الله بن زياد، تهذيب الكمال - المزي ٦ / ٤٣٤، بغية الطلب في تاريخ حلب ٦ / ٢٦٣٦، ذخائر العقبى/ ١٤٥.

٣٧

الاُخرى، فكان لا يكاد يفارق المسجد الأعظم يصلّي فيه إلى الليل، ثمّ ينصرف.

قال : فلمـّا سمع مقالة ابن زياد قال : يابن مرجانة، إنّ الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك , والذي ولاّك وأبوه. يابن مرجانة , أتقتلون أبناء النبيِّين وتتكلّمون بكلام الصدّيقين ؟!

فقال ابن زياد : عليَّ به.

قال : فوثبت عليه الجلاوزة فأخذوه.، قال : فنادى بشعار الأزد : يا مبرور !

قال : وعبد الرحمن بن مخنف الأزدي جالس، فقال : ويح غيرك ! أهلكتَ نفسك وأهلكت قومك.

قال : وحاضر الكوفة يومئذ من الأزد سبعمئة مقاتل، قال : فوثب إليه فتية من الأزد فانتزعوه فأتوا به أهله، فأرسل إليه مَن أتاه به فقتله، وأمر بصلبه في السبخة، فصُلب هنالك(١) .

ورواه الخوارزمي بتفصيل، قال : ولمـّا كمل له ذلك نادى في الناس فجمعهم في المسجد الأعظم، ثمّ خرج ودخل المسجد وصعد المنبر , فحمد الله وأثنى عليه، فكان من بعض كلامه أن قال : الحمد لله الذي أظهر الحقَّ وأهله، ونصر أمير المؤمنين وأشياعه، وقتل الكذاب ابن الكذاب.

فما زاد على هذا شيئاً حتّى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ثمّ العامري أحد بني والبة , وكان من رؤساء الشيعة وخيارهم، وكان قد ذهبت عينه اليسرى يوم الجمل، والأُخرى يوم صفين، وكان لا يكاد يفارق

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣/ ٣٣٧ - ٣٣٨، أنساب الأشراف - البلاذري ٣ / ٤١٣، والكامل في التاريخ لابن الأثير، والبداية والنهاية ٨ / ١٩١ بإيجاز، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (عليه‌السلام ) لابن الدمشقي ٢ / ٢٩٢، وكتاب نور العين في مشهد الحسين (عليه‌السلام ) للإسفرايني / ٥٨ , وما ذكره قريب من الخوارزمي، وكتاب المحبر لمحمد بن حبيب البغدادي / ٤٨٠، تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي / ٢٣٢ (منشورات الشريف الرضي) عن ابن أبي الدنيا : ذكر اعتراضه ولم يذكر مقتله، نهاية الأرب في فنون الأدب / ١٢٥٨٢ للنويري، نسخة برنامج الموسوعة الشعرية.

٣٨

المسجد الأعظم، يصلّي فيه إلى الليل ثمّ ينصرف إلى منزله.

فلمـّا سمع مقالة ابن زياد وثب عليه وقال : يا بن مرجانة، إنّ الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك , ومَن استعملك وأبوه. يا عدوَّ الله ورسوله , أتقتلون أبناء النبيين وتتكلّمون بهذا الكلام على منابر المسلمين ؟!

قال : فغضب عبد الله بن زياد وقال : مَن المتكلّم ؟

فقال : أنا المتكلّم يا عدوَّ الله , أتقتل الذرّية الطاهرة الذين قد أذهب الله عنهم الرجس في كتابه، وتزعم أنّك على دين الإسلام ؟! وا غوثاه ! أين أولاد المهاجرين والأنصار لينتقموا من هذا الطاغية اللعين ابن اللعين على لسان رسول ربِّ العالمين ؟

قال : فازداد غضب ابن زياد حتّى انتفخت أوداجه.

فقال : عليَّ به، فوثب إليه الجلاوزة فأخذوه، فنادى بشعار الأزد : يا مبرور ! وكان عبد الرحمن بن مخنف الأزدي في المسجد، فقال : ويح نفسك أهلكتها، وأهلكت قومك !

وحاضر الكوفة يومئذ سبعمئة مقاتل من الأزد، فوثبت إليه فتية من الأزد فانتزعوه منهم، وانطلقوا به إلى منزله، ونزل ابن زياد عن المنبر ودخل القصر , ودخلت عليه أشراف الناس، فقال : أرأيتم ما صنع هؤلاء القوم ؟! قالوا : رأينا أصلح الله الأمير، إنّما فعل ذلك الأزد، فشدَّ يدك بساداتهم ؛ فهُم الذين استنقذوه من يدك.

فأرسل عبيد الله إلى عبد الرحمن بن مخنف الأزدي، فأخذه وأخذ جماعة من أشراف الأزد فحبسهم، وقال : لا خرجتم من يدي أو تأتوني بعبد الله بن عفيف. ثمّ دعا بعمرو بن الحجّاج الزبيدي، ومحمد بن الأشعث، وشبث بن ربعي، وجماعة من أصحابه، فقال لهم : اذهبوا إلى هذا الأعمى الذي أعمى الله قلبه كما أعمى عينه، فأتوني به.

فانطلقوا يريدون عبد الله بن عفيف، وبلغ الأزد ذلك، فاجتمعوا وانضمّت إليهم قبائل من اليمن ليمنعوا صاحبهم، فبلغ ذلك ابن زياد، فجمع قبائل مضر

٣٩

وضمّهم إلى محمّد بن الأشعث، وأمره أن يقاتل القوم. فأقبلت قبائل مضر ودنت منهم اليمن، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وبلغ ذلك ابن زياد، فأرسل إلى أصحابه يؤنّبهم ويضعّفهم، فأرسل إليه عمرو بن الحجّاج يخبره باجتماع اليمن معهم، وبعث إليه شبث بن ربعي : أيُّها الأمير , إنّك بعثتنا إلى اُسود الآجام، فلا تعجل.

قال : واشتدّ اقتتال القوم حتّى قتلت جماعة من العرب، ووصل القوم إلى دار عبد الله بن عفيف، فكسروا الباب واقتحموا عليه، فصاحت ابنته : يا أبتي , أتاك القوم من حيث تحذر. فقال : لا عليك يابنيّة، ناوليني سيفي. فناولته السيف فجعل يذبُّ عن نفسه، وهو يقول :

أنا ابنُ ذي الفضلِ عفيفِ الطاهرِ

عفيفُ شيخي وأنا ابنُ عامرِ

كم دارعٍ من جمعكم وحاسرِ

وَبَطَلٍ جَدَّلْتُهُ مُعَاوِرِ

وجعلت ابنته تقول : ليتني كنتُ رجلاً فأقاتل بين يديك هؤلاء الفجرة، قاتلي العترة البررة.

وجعل القوم يدورون عليه من يمينه وشماله وورائه، وهو يذبُّ عن نفسه بسيفه، فليس أحد يقوم عليه، كلّما جاؤوه من ناحية قالت ابنته : جاؤوك يا أبتي من جهة كذا، حتّى تكاثروا عليه من كلِّ جهة وأحاطوا به، فقالت ابنته : وا ذلاّه ! يُحاط بأبي وليس له ناصرٌ يستعين به.

وجعل عبد الله يدافع، ويقول :

واللهِ لو يُكْشَفُ لي عن بصري

ضاق عليكم موردي ومصدري

وما زالوا به حتّى أخذوه، فقال جندب بن عبد الله الأزدي صاحب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : إنّا لله وإنّا إليه راجعون، أخذوا والله عبد الله بن عفيف، فقبَّح الله العيش بعده.

فقام وجعل يقاتل من دونه، واُخذ أيضاً واُنطلق بهما، وابن عفيف يردّد : واللهِ لو يُكْشَفُ لي عن بصري... فلمـّا اُدخل على عبيد الله قال له : الحمد لله الذي أخزاك.

فقال ابن عفيف : يا عدوَّ الله , بماذا أخزاني ؟ واللهِ لو يُكْشَفُ لي عن بصري.

٤٠