مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء ٣

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف0%

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 545

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: زهير ابن المرحوم الحاج علي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 545
المشاهدات: 48733
تحميل: 4340


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 545 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48733 / تحميل: 4340
الحجم الحجم الحجم
مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء 3

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

نكتُ الرأس الشريف، برواية ثابت وحميد عن يونس

وقال ابن كثير : وقال البزّار : حدّثنا مفرج بن شجاع بن عُبيد الله الموصلي، ثنا غسّان بن الربيع، ثنا يونس بن عُبيدة، عن ثابت وحميد، عن أنس قال : لمـَّا اُتي عبيد الله بن زياد برأس الحُسين (عليه‌السلام ) جعل ينكت بالقضيب ثناياه ويقول : لقد كان - أحسبه قال : - جميلاً ! فقلتُ: والله لأسوءنك ؛ إنّي رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يلثمّ حيث يقع قضيبك قال : فانقبض تفرّد به البزّار من هذا الوجه، وقال : لا نعلم، رواه عن حميد غير يونس بن عبدة، وهو رجل من أهل البصرة مشهور، وليس به بأس ورواه أبو يعلى الموصلي، عن إبراهيم بن الحجّاج، عن حمّاد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس فذكره ورواه قرّة بن خالد، عن الحسن عن أنس فذكره(١) .

نكتُ الرأس الشريف، برواية أبي عاصم عن أنس

قال الصالحي الشامي : وروى ابن أبي عاصم، عن أنس (رضي الله تعالى عنه) قال : لـمـَّا قُتِلَ الحُسين بن علي (رضي الله تعالى عنهما) جيء برأسه إلى ابن زياد، فجعل ينكت بقضيب معه على ثناياه، وقال : كان حسن الثغر فقلت في نفسي : لأسوءنك ؛ لقد رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقبّل موضع قضيبك من فيه(٢) .

____________________

(١) البداية والنهاية - ابن كثير ٨ / ٢٠٧.

(٢) سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي ١١ / ٧٢ , أقول : ولعلّ أبا عاصم كُنية أحد المذكورين.

٢٢١

نكتُ الرأس الشريف، برواية الحسن

روى ابن عساكر قال : أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي، نا عبد العزيز بن أبي طاهر، أنا صدقة بن محمّد بن مروان، نا عثمّان بن محمّد الذهبي، نا إسحاق بن الحسن بن ميمون، نا محمّد بن عبد الوهاب الرياحي، نا معتمر بن سليمان، عن قرّة بن خالد عن الحسن أنّه قال : لمْ ترَ عيني - أو لمْ ترَ عيناي - يوماً مثل يوم اُتِيَ برأس الحُسين (عليه‌السلام ) في طست إلى ابن زياد، فجعل ينكت فاه ويقول : إنْ كان لصبيح ! إنْ كان لقد خضب !(١) .

إلقاءُ الرأس الشريف ونكته، برواية القاسم بن محمّد

قال ابن عساكر : قال القاسم بن محمّد : وما رأيت منظراً قط أفظع من إلقاء رأس الحُسين (عليه‌السلام ) بين يديه وهو ينكته(٢) .

رمي الرأس الشريف بين يدي يزيد بن معاوية

قال ابن العديم : قالوا : ثمّ إنّ ابن زياد جهّز عليَّ بن الحُسين (عليه‌السلام ) ومَن كان معه من الحرم، وجه بهم إلى يزيد بن معاوية مع زجر بن قيس، ومحقن بن ثعلبة، وشمر بن ذي الجوشن، فساروا حتّى قدموا الشام، ودخلوا على يزيد بن معاوية بمدينة دمشق، وأدخل معهم رأس الحُسين فرمي بين يديه(٣) .

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ٤١ / ٢٣٦.

(٢) تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ١٤ / ٣٦٦.

(٣) بغية الطلب في تاريخ حلب - ابن العديم ٦ / ٢٦٣١.

٢٢٢

يزيدُ بن معاوية ينكت الرأس الشريف

روى ابن عساكر قال : رجل له صحبة كان عند يزيد بن معاوية حين اُتِيَ برأس الحُسين بن علي (عليه‌السلام )، إنْ لمْ يكن أبا برزة الأسلمي، أو زيد بن أرقم فهو(١) غيرهما(٢) ، أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد، أنا شجاع بن علي، أنا أبو عبد الله بن مندة، أنا خيثمّة بن سليمان، نا الفضل بن يوسف، نا سعيد بن عثمّان الجزاز، نا عمرو بن شمر، عن محمّد بن سوقة، عن عبد الواحد القرشي قال : لـمـَّا اُتِيَ يزيد بن معاوية برأس الحُسين بن علي (عليه‌السلام ) تناوله بقضيب، فكشف عن ثناياه، فوالله، ما البرد بأبيض من ثناياه، ثمّ أنشأ يقول :

يفلّقْنَ هاماً من رجالٍ أعزّةٍ

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما

____________________

(١) وقد نقل الخوارزمي في مقتله ٢ / ٦٤ - كما يأتي - : أنّ هذا المعترض هو سمرة بن جندب صاحب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

(٢) وهذا يدفع قول ابن تيميّة، الذي أخذ على نفسه الدفاع عن ملعون فاسق مثل يزيد بن معاوية، حتّى أخذ يبرِّئه من نكث رأس الحُسين (عليه‌السلام )، وقد استدل بالرواية التي ذُكرت عن أنس وأبي برزة الأسلمي، وهما في الكوفة ؛ والدليل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه من اعتراض أنس على ابن زياد حينما نكت رأس الحُسين (عليه‌السلام ).

أقول : وهذا الدليل باطل عاطل ؛ لأنّ أكثر ما يثبته هو أنّ أنساً كان في الكوفة، أمّا أنّه لمْ يخرجَ ويذهبَ إلى الشام فهذا لا يدلُّ عليه ؛ خصوصاً مع كونهم طافوا بحرم الحُسين (عليه‌السلام ) ونسائه البلدان في مدّة طويلة، والشيء الأخر إنّا لو سلّمنا دلالتها فهي تدلّ على وجود أنس في الكوفة، وأمّا أبو برزة فهي لا تدلّ على وجوده في الكوفة، لا من قريب ولا من بعيد، بل وحتّى لو سلّمنا أنّ أنساً وأبا برزة في الكوفة فهذا أيضاً لا ينفي ما فعله يزيد بن معاوية ؛ لكون المعترض عليه رجل آخر، كما ذكره ابن عساكر، وابن الأثير، والخوارزمي، وبعد مراجعة كلام المؤرّخين والمحدّثين لا ينكر ما فعله يزيد برأس الحُسين (عليه‌السلام ) إلّا مكابر.

٢٢٣

فقال له رجل عنده : يا هذا، ارفع قضيبك ؛ فوالله، لربّما رأيت شفتي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في مكانه يقبله فرفعه متذمّراً عليه فغضب(١) .

قال مؤلف الكتاب (ابن الجوزي) : ولـمـَّا جلس يزيد وضعَ الرأس بين يديه، وجعل ينكت بالقضيب على فيه ويقول :

يفلّقْنَ هاماً من رجالٍ أعزّةٍ

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما

فقال أبو برزة - وكان حاضراً - : ارفع قضيبك ؛ فوالله، لربّما رأيت فاه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على فيه يلثمه(٢) .

روى ابن الجوزي قال : أنبأنا علي بن عُبيد الله بن الزغواني، قال أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، عن أبي المرزباني، قال : أخبرنا محمّد بن أحمد الكاتب، قال : أخبرنا عبد الله بن أبي سعد، قال : حدّثنا محمّد بن أحمد، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى الأحمري، قال : حدّثنا ليث، عن (مجاهد)(٣) ، قال : جيء برأس الحُسين بن علي (عليه‌السلام )، فوضع بين يدي يزيد بن معاوية، فتمثَّل بهذين البيتين يقول :

ليت أشياخي ببدرٍ شهِدُوا

جزعَ الخزرجِ من وقعِ الأسلْ

فأهلّوا واستهلوا فرحاً

ثمّ قالوا لي بغيب لا تُشلْ

قال مجاهد : نافق فيها، ثمّ والله ما بقي من عسكره أحدٌ إلّا تركه(٤) .

روى ابن الأثير قال :

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ٦٨ / ٩٥.

(٢) المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم - ابن الجوزي ٥ / ٣٤٢.

(٣) كما في البداية والنهاية - لابن كثير ٨ / ١٩٢.

(٤) المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم - ابن الجوزي ٥ / ٣٤٣.

٢٢٤

روى محمّد بن سوقة، عن عبد الواحد القرشي قال : لـمـَّا اُتِيَ يزيد برأس الحُسين بن علي (عليه‌السلام ) تناوله بقضيب فكشف عن ثناياه، فوالله، ما البرد بأبيض منها، وأنشد :

يفلّقْنَ هاماً من رجالٍ أعزّةٍ

علينا وهُم كانوا أعقَّ وأظلما

فقال له رجل عنده : يا هذا، ارفع قضيبك ؛ فوالله، ربّما رأيت شفتي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) فكأنّه يقبله فرفع متذمراً عليه مغضباً، أخرجه أبو نعيم(١) .

وروى الطبري قال : وأوفده إلى يزيد بن معاوية ومعه الرأس، فوضع رأسه بين يديه، وعنده أبو برزة الأسلمي، فجعل ينكت بالقضيب على فيه ويقول :

يفلّقْنَ هاماً من رجالٍ أعزّةٍ

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما

فقال له أبو برزة : ارفع قضيبك ؛ فوالله، لربَّما رأيت فاه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على فيه يلثمه(٢) .

قال ابن كثير، وابن الجوزي، واللفظ للأوّل : لـمـَّا وضع رأس الحُسين (عليه‌السلام ) بين يدي يزيد بن معاوية جعل ينكت بقضيب - كان في يده - في ثغره، ثمّ قال : إنّ هذا وإيّانا كما قال الحصين بن الحمام المرّي :

يفلّقْنَ هاماً من رجالٍ أعزّةٍ

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما

فقال له أبو برزة الأسلمي : أما والله، لقد أخذ قضيبك هذا مأخذاً ؛ لقد رأيت

____________________

(١) اُسد الغابة - ابن الأثير ٥ / ٣٨١، وفي ط ص٢٨٣.

(٢) تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٨، تهذيب الكمال - المزّي ٦ / ٤٢٨.

٢٢٥

رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يرشفه ثمّ قال : ألا إنّ هذا سيجيء يوم القيامة وشفيعه محمّد، وتجيء وشفيعك ابن زياد ثمّ قال : فولّى(١) .

وقد رواه ابن أبي الدُّنيا، عن أبي الوليد، عن خالد بن يزيد بن أسد، عن عمّار الدهني، عن جعفر قال : لـمـَّا وُضِع رأسُ الحُسين (عليه‌السلام ) بين يدي يزيد، وعنده أبو برزة، جعل ينكته بالقضيب، فقال له : ارفع قضيبك ؛ فلقد رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يلثمه(٢) .

روى الخوارزمي قال : ثمّ اُتِيَ بالرأس حتّى وُضِع بين يدي يزيد في طست من ذهب، فنظر إليه وأنشد :

نفلّقُ هاماً من رجالٍ أعزّةٍ

علينا وهم كانوا أعزّ وأظلما

ثمّ أقبل على أهل المجلس وقال : إنّ هذا كان يفخر عليَّ ويقول : (( إنّ أبي خيرٌ من أبي يزيد، واُمِّي خيرٌ من اُمِّ يزيد، وجدِّي خيرٌ من جدّ يزيد )) فهذا هو الذي قتله ؛ فأمّا قوله : بأنّ أباه خيرٌ من أبي، فلقد حاجّ أبي أباه، فقضى الله لأبي على أبيه ؛ وأمّا قوله : بأنَّ اُمِّي خيرٌ من اُمِّ يزيد، فلعمري لقد صدق إنّ فاطمة بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) خيرٌ من اُمِّي ؛ وأمّا قوله : بأنّ جدَّه خيرٌ من جدِّي، فليس لأحد

____________________

(١) أنساب الأشراف - البلاذري ٣ / ٤١٧ قال : قالوا : وجعل يزيد ينكت بالقضيب ثغر الحُسين، وضع رأسه بين يديه، فقال أبو برزة الأسلمي : أتنكت ثغر الحُسين ؟! لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذاً ربّما رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يرشفه أما أنّك يا يزيد تجيء يوم القيامة وشفيعك ابن زياد، ويجيء الحُسين (عليه‌السلام ) وشفيعه محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ثمّ قام ويُقال : إنّ القائل رجل من الأنصار.

(٢) البداية والنهاية - ابن كثير ٨ / ٢٠٩، المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم - ابن الجوزي ٥ / ٣٤١ بإيجاز.

٢٢٦

يؤمن بالله واليوم الأخر أنْ يقول : بأنّه خيرٌ من محمّد(١) ؛ وأمّا قوله : بأنّه خيرٌ منّي، فلعله لمْ يقرأ(٢) :( قُلِ اللّهمَّ مَالِكَ الْملْكِ تُؤْتِي الْملْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْملْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كلّ شَيْءٍ قَدِير ) (٣) .

ثمّ دعا بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا الحُسين (عليه‌السلام )، وهو يقول : لقد كان أبو عبد الله حَسَنَ الـمَضْحَك فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي، أو غيره من الصحابة، وقال له : ويحك يا يزيد ! أتنكت بقضيبك ثغر الحُسين بن فاطمة (عليهما‌السلام ) ؟! لقد أخذ قضيبك هذا مأخذاً من ثغره ؛ أشهد لقد رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن (عليه‌السلام )، ويقول : (( إنّهما سيِّدا شباب أهلِ الجنّة، وقتل الله قاتلهما ولعنه، وأعدَّ له جهنمَّ وساءت مصيراً )) أمّا أنت يا يزيد، فتجيء يوم القيامة وعبيد الله بن زياد شفيعك، ويجيء هذا ومحمّد شفيعه.

فغضب يزيد وأمر بإخراجه من المجلس فاُخْرِجَ سحباً، وجعل يزيد بعده يتمثّل بأبيات ابن الزبعري، وسنوردها من طريق مسند إنشاء الله.

____________________

(١) نعم إنّ الذي يؤمن بالله لا يقول مثل هذا، ولكن مَن لا يؤمن بالله واليوم الآخر مثل الملحد فإنّه يقول هذا وغيره، ويزيد بن معاوية لا يؤمن بهذا ؛ لاشتهار كفره ومن شواهده قوله : ليت أشياخي ببدر شهدوا . وفعل ما فعل بالعترة الطاهرة، وقد تقدّم في ترجمته ما يبيِّن ذلك.

(٢) لعل بعض النواصب يتمسّك بهذه الآية ليزيد بن معاوية ! فحقّاً له أنْ يتمسّك بها على براءة السارق والغاصب من الناس حقوقهم ؛ وذلك لأنّه ملْكٌ أتاه الله إيّاه !! وما هذا إلّا من سخف العقول التي ابتعدت عن الحقّ واستولى عليها الشيطان ؛ إذ الملْكُ الذي يؤتيه الله مَنْ يشاء هو ما كان بحقٍّ، لا - والعياذ بالله - بطريق الباطل.

(٣) سورة آل عمران / ٢٦، وفي المطبوع نقص في بعض كلمات هذه الآية.

٢٢٧

وقيل : إنّ الذي ردَّ على يزيد ليس أبا برزة، بل هو سمرة بن جندب صاحب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وقال ليزيد : قطع الله يديك يا يزيد، أتضرب ثناياً طالما رأيتُ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقبّلهما، ويلثم هاتين الشفتين ؟! فقال له يزيد : لولا صحبتك لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لضربت - والله - عنقك فقال سمرة : ويلك ! تحفظ لي صحبتي من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ولا تحفظ لابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بنوّته ؟! فضجَّ الناس بالبكاء وكادت أن تكون فتنة(١) .

يزيدُ بن معاوية يضرب الرأس الشريف

روى ابن الجوزي قال : أخبرنا ابن ناصر، قال : أخبرنا ابن أحمد السرّاج، قال : أخبرنا أبو طاهر محمّد بن علي، قال : أخبرنا أبو الحُسين ابن أخي ميمي، قال : أخبرنا أبو الحُسين بن صفوان، قال عبد الله بن محمّد القرشي : حدّثني محمّد بن صالح، قال : حدّثنا علي بن محمّد، عن خالد بن يزيد بن بشر السكسكي، عن أبيه، عن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي قال : قُدم برأس الحُسين (عليه‌السلام )، فلمـَّا وضع بين يدي يزيد ضربه بقضيب كان في يده، ثمّ قال :

____________________

(١) مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) - الخوارزمي ٢ / ٦٣، وروى البلاذري في هذا المقام - أنساب الأشراف ٣ / ٤١٥ - قال: وقال الهيثم بن عدي بن عوانة : لـمـَّا وُضع رأس الحُسين (عليه‌السلام ) بين يدي يزيد تمثّل ببيت الحصين بن حمام المرّي :

يُفلِّقُ هاماً من رجالٍ أعزّةٍ

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

وروى البلاذري أيضاً في أنساب الأشراف ٣ / ٤١٥ قال : حدّثني عمرو الناقد وعمر بن شبّه قالا : ثنا أبو أحمد الزبيري، عن عمِّه فضيل بن الزبيد، وعن أبي عمر البزّاز، عن محمّد بن عمرو بن الحسن قال : لـمـَّا وُضع رأس الحُسين بن علي بين يدي يزيد قال متمثّلاً :

يُفلِّقُ هاماً من رجالٍ أعزّةٍ

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

٢٢٨

يفلّقْنَ هاماً من رجالٍ أعزّةٍ

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما(١)

يزيدُ بن معاوية يطعن الرأس الشريف بقضيبه

قال ابن كثير : قال ابن أبي الدُّنيا : وحدّثني مسلمة بن شبيب، عن الحميدي، عن سفيان : سمعت سالم بن أبي حفصة قال : قال الحسن : لـمـَّا جيء برأس الحُسين (عليه‌السلام ) جعل يزيد يطعن بالقضيب، قال سفيان : واُخْبِرْتُ أنّ الحصين كان ينشد على إثر هذا :

سميّةُ أمسى نسلُها عددَ الحصى=

وبنتُ رسولِ الله ليس لها نسلُ(٢)

ابنُ زياد (لعنه الله) يضع رجله على فم الإمام الحُسين (عليه‌السلام )

قال سبط ابن الجوزي : وقال هشام بن محمّد : لـمـَّا وُضع الرأس بين يدي ابن زياد قال له كاهنه : قُم فضع قدمك على فمِ عدوِّك فقام فوضع قدمه على فيه، ثمّ قال لزيد بن أرقم : كيف ترى ؟ فقال : والله، لقد رأيتُ رسولَ الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) واضعاً فاه حيث وضعت قدمك(٣) .

____________________

(١) المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم - ابن الجوزي ٥ / ٣٤٢ - ٣٤٣ أقول : وفي العقد الفريد، والإمامة والسياسة ٢ / ١٢ فيما نقلاه من مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) : فقد ذكرا ما ظاهره أنّ الملعون يزيد بن معاوية لمـَّا غضب من الإمام زين العابدين (عليه‌السلام ) جعل يعبث بلحية الإمام الحُسين (عليه‌السلام ).

(٢) البداية والنهاية - ابن كثير ٨ / ٢٠٩.

(٣) تذكرة الخواصّ - ابن الجوزي / ٢٣١ منشورات الشريف الرضي.

٢٢٩

اكتحالُ يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد بدم الإمام الحُسين (عليه‌السلام )

قال البكري الدمياطي، وابن عابدين، واللفظ للأوّل : وقال العلّامه صاحب جمع التعاليق : يُكره الكحل يوم عاشوراء ؛ لأنّ يزيد وابن زياد اكتحلا بدم الحُسين (عليه‌السلام ) هذا اليوم، وقيل : بالثمد لتقرّ عينهما بفعله(١) .

التقويرُ والتمثيل برأس الإمام الحُسين (عليه‌السلام )

قال سبط ابن الجوزي : وذكر عبد الله بن عمرو الورّاق في كتاب المقتل : أنّه لـمـَّا [ اُحضر ] الرأس بين [ يدي ] ابن زياد أمر حجّاماً فقال : قوّره وأخرج لغاديده ونخاعه وما حوله من اللحم. واللغاديد ما بين الحنك وصفحة العنق من اللحم(٢) .

قال اليافعي : وذكروا مع ذلك ما يعظم من الزندقة والفجور ؛ وهو أنّ عُبيد الله بن زياد أمر أنْ يقوّر الرأس المشرّف المكرّم حتّى يُنصب في الرمح، فتحامى الناس عن ذلك، فقام من بين الناس رجل يقال له : طارق بن المبارك، بل هو ابن المشؤوم المذموم، فقوّره ونصبه بباب المسجد الجامع، وخطب خطبة لا يحلُّ ذكرها(٣) .

ثقبُ دماغ الإمام الحُسين (عليه‌السلام )

ذكر المسعودي فيما قاله صالح بن علي لبنات مروان، قال :

____________________

(١) إعانة الطالبين - البكري الدمياطي ٢ / ٣٠١، حاشية ردّ المحتار - ابن عابدين ٦ / ٧٥٢.

(٢) تذكرة الخواصّ - ابن الجوزي / ٢٣٣ منشورات الشريف الرضي.

(٣) مرآة الزمان وعبرة اليقظان - اليافعي / ٢٧٣ نسخة برنامج الموسوعة الشعريّة.

٢٣٠

. ألمْ يقتل يزيدُ بن معاوية بن أبي سفيان الحُسينَ بن علي أبي طالب (عليه‌السلام ) على يدَي عمر بن سعد، مع ما قتل بين يديه من أهل بيته ؟! ألمْ يخرج بحرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) سبايا حتّى ورد بهنَّ على يزيد بن معاوية، وقبل مقدمهنَّ بعث إليه برأس الحُسين بن علي (عليه‌السلام )، قد ثُقب دماغه، على رأس رمح يُطافُ به كوَر الشام ومدائنها حتّى قدموا به على يزيد في دمشق، كأنّما بعث إليه برأس رجل من أهل الشرك ؟! ثمّ أوقف حرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) موقف السبي، يتصفحهنَّ جنودُ أهل الشام الجفاة الطغام، ويطلبون منه أنْ يهب لهم حرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؛ استخفافاً بحقِّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وجرأة على الله (عزَّ وجل)، وكفراً لأنعمه ؟! فما الذي استبقيتم منَّا أهل البيت لو عدلتم فيه علينا ؟!(١) .

ضربُ الرأس الشريف بحجر . ومعجزة السيدة اُمِّ كلثوم (عليها‌السلام )

وفي نور العين قال الإسفراييني : قال سهيل : ثمّ نظرت إلى روشن عليه خمس نسوة، وفيهم عجوز محدودبة الظهر، فلمـَّا وصل الرأس قبالها ضربته بحجر، فنظرتها اُم كلثوم (عليها‌السلام ) فقالت : اللهمَّ، أهلكها ومَن معها فما استتم دعاؤها حتّى سقط الروشن بالجميع فهلكوا، وهلك تحتهم خلق كثير، فقالت زينب (عليها‌السلام ) : الله أكبر من دعوةٍ ما أسرع إجابتها ! ثمّ دخلوا الباب الذي أدخلوهم منه(٢) .

____________________

(١) مروج الذهب - المسعودي ٣ / ٢٤٧، وفي ط ٣ / ٢٧٤ (ذكر ابتداء أمر الدولة العباسيّة).

(٢) كتاب نور العين في مشهد الحُسين (عليه‌السلام ) - الإسفراييني / ٦٤، وفي ط : ص٥٥.

٢٣١

سقوطُ رأس الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) في موضعٍ وبناءُ مسجد فيه

وفي نور العين للإسفراييني قال : ثمّ دخلوا بالرأس من باب جيرون، وداروا بها إلى باب فراديس، فسقطت الرأس فتلقّتها قرن حائط، فعُمِّر هناك مسجد إلى يومنا هذا، ثمّ ازدحم الناس حتّى خرجوا من باب الساعات، والنساءُ مكشوفات الوجوه، والرؤوس على الرماح، فقال أهل الشام : والله، ما رأينا سبايا أحسن من هؤلاء ! ثمّ أتوا حتّى وقفوا بهم على باب القصر، وقد أحدقت النظّار إلى زين العابدين (عليه‌السلام ) وهو موثق بالرباط(١) .

صلبُ الرأس الشريف ثلاثة أيّام في الشام

قال الذهبي : أحمد بن محمّد بن يحيى بن حمزة : حدّثني أبي، عن أبيه، قال : أخبرني أبي حمزة بن يزيد الحضرمي قال : رأيت امرأةً من أجمل النساء وأعقلهنَّ، يقال لها : ريّا، حاضنة يزيد، يُقال: بلغت مئة سنة قالت : دخل رجل على يزيد فقال : أبشر، فقد أمكنك الله من الحُسين.

وجيء برأسه، قال : فوُضع في طست فأمر الغلام فكشف، فحين رآه خمر وجهه كأنه شمّ منه. فقلتُ لها : أقرع ثناياه بقضيب ؟ قالت : إي والله ثمّ قال حمزة : وقد حدّثني بعض أهلنا أنّه رأى رأس الحُسين (عليه‌السلام ) مصلوباً بدمشق ثلاثة أيام وحدثتني ريَّا أنّ الرأس مكث في خزائن السّلاح حتّى ولي سليمان، فبعث فجيء به، وقد بقي عظماً أبيض، فجعله في سفط وطيّبه وكفّنه ودفنه في مقابر المسلمين، فلمـَّا دخلت المسوّدة سألوا

____________________

(١) كتاب نور العين في مشهد الحُسين (عليه‌السلام ) / ٦٤ - ٦٥، وفي ط : ص٥٥.

٢٣٢

عن موضع الرأس، فنبشوه وأخذوه، فالله أعلم ما صُنع به وذكر باقي الحكاية، وهي قوية الإسناد(١) .

وقال محدّث الشام ابن عساكر : قال حمزة : وقد كان حدّثني بعض أهلنا أنّه رأى رأس الحُسين (عليه‌السلام ) مصلوباً بدمشق ثلاثة أيّام(٢) .

وقال الخوارزمي : وذكر أبو مخنف وغيره : أنّ يزيد أمر أنْ يصلب الرأس الشريف على باب داره، وأمر أنْ يدخلوا أهل بيت الحُسين (عليه‌السلام ) داره، فلمـَّا دخلت النسوة دار يزيد لم تبقَ امرأة من آل معاوية إلّا استقبلتهن بالبكاء والصراخ، والنياحة والصياح على الحُسين (عليه‌السلام )، وألقينَ ما عليهنَّ من الحلي والحلل، وأقمنَ المأتم عليه ثلاثة أيام.

وخرجت هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز، امرأة يزيد - وكانت قبل ذلك تحت الحُسين بن علي (عليه‌السلام ) - فشقَّت الستر وهي حاسرة، فوثبت على يزيد وقالت : أرأس ابن فاطمة مصلوب على باب داري ؟! فغطّاها يزيد وقال : نعم فاعولي عليه يا هند، وابكي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش ؛ عجَّل عليه ابن زياد فقتله، قتله الله(٣) .

وقال ابن كثير : ثمّ نصبه بدمشق ثلاثة أيّام، ثمّ وُضع في خزائن السّلاح(٤) .

وذكر محدّث الشام ابن عساكر : خالد بن غفران من أفاضل التابعين، كان بدمشق أخبرنا أبو محمّد عبد الجبار

____________________

(١) سير أعلام النبلاء - الذهبي ٣ / ٣١٩.

(٢) تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ٦٩ / ١٦٠.

(٣) مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) - الخوارزمي ٢ / ٨١ - ٨٢.

(٤) البداية والنهاية - ابن كثير ٨ / ٢٢٢.

٢٣٣

ابن محمّد بن أحمد البيهقي في كتابه، وحدّثنا أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد عنه قال : أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي، أنا أبو عبد الله الحافظ، قال : سمعت أبا الحُسين علي بن محمّد الأديب يذكر بإسنادٍ له : أنّ رأس الحُسين بن علي (عليه‌السلام ) لـمـَّا صُلِبَ بالشام أخفى خالد بن غفران - وهو من أفاضل التابعين - شخصه عن أصحابه، فطلبوه شهراً حتّى وجدوه، فسألوه عن عزلته، فقال : أما ترون ما نزل بنا ؟! ثمّ أنشأ يقول :

جاؤوا برأسِكَ يابنَ بنتِ محمّد

متزمِّلاً بدمائِهِ تزميلا

وكأنّما بكَ يابنَ بنتِ محمّد

قتلوا جهاراً عامدين رسولا

قتلوكَ عطشاناً ولم يترقَّبوا

في قتلكَ التنزيلَ والتأويلا

ويُكبِّرون بأن قُتِلْتَ وإنِّما

قتلوا بكَ التكبيرَ والتهليلا(١)

روى المزّي وابن كثير، وابن الدمشقي وابن عساكر، واللفظ للأوّل قال : وقال الاُستاذ أبو عثمّان إسماعيل بن عبد الرحمان الصابوني : أنشدني الحاكم أبو عبد الله الحافظ في مجلس الاُستاذ أبي منصور الحمشاذي على حجرته في قتل الحُسين بن علي (عليه‌السلام ) :

جاؤوا برأسِكَ يابنَ بنتِ محمّد

متزمِّلاً بدمائِهِ تزميلا

وكأنما بكَ يابنَ بنتِ محمّد

قتلوا جهاراً عامدين(٢) رسولا

قتلوكَ عَطشاناً ولم يترقَّبوا

في قتلكَ التنزيلَ والتأويلا

ويُكبِّرون بأن قُتلْتَ وإنِّما

قتلوا بكَ التكبيرَ والتهليلا(٣)

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر / ٦١ - ١٨٠، ولم يذكر هذه الأبيات مباشرة بل أخرها وذكرها من طريق الحاكم و

(٢) ورد (عاقدين)، والظاهر ما أثبتناه ؛ لموافقته المصادر التاريخيّة.

(٣) تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر / ٦١ - ١٨٠.

٢٣٤

أخبرنا بذلك أبو الحسن بن البخاري، قال : أنبأنا أبو سعد بن الصفّار، قال : أخبرنا أبو عبد الله الفراوي، قال : أخبرنا أبو عثمّان الصابوني، فذكره(١) .

لـمـَّا كُشِفَ عن رأس الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) بعد السنين المتطاولة وُجِدَ بدمه ولم ويتغيّر، وفيه رائحةُ المسك

قال علي فكري : فكشف الحجُبَ عن تلك الذخيرة النبوية ( أي رأس الحُسين (عليه‌السلام ) ) فوجد دمها لم يجف، ووجد لها رائحة أطيب من المسك (كما قال المقريزي)(٢) .

____________________

(١) تهذيب الكمال - المزّي ٦ / ٤٤٨، البداية والنهاية - ابن كثير ٦ / ٢٦١، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (عليه‌السلام ) - ابن الدمشقي ٢ / ٣٠٥، تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ٦١ / ١٨٠ ورواها بهذا الطريق قال : وأخبرنا أبو عبد الله الفراوي، أنا أبو عثمّان الصابوني قال : أنشدني الحاكم أبو عبد الله الحافظ في مجلس الاُستاذ أبي منصور [ الحمشاذي على حجرته ] في قتل الحُسين بن علي (عليه‌السلام ) : . وقال : ( لم يذكر لهما الصابوني إسناداً )، ولكنّ ابن عساكر ذكر لهما إسناداً وهو ما تقدّم عن خالد بن غفران.

(٢) أحسن القصص - الشريف علي فكري الحُسيني القاهري ٤ / ٢٥٥، ط بيروت - نقلاً عن إحقاق الحقِّ ٣٣ / ٧٠٦.

أقول : وأمّا على قول الشيعة بأنّ رأسه الشريف دُفن في كربلاء، فبقاء رأس سيّد شباب أهل الجنة بدون تغيّر من باب أولى ؛ فهذه رؤوس كثيرة لم تتغيّر ما يقارب مئتين وخمسين سنة، منها رأس هانئ بن عروة (رحمه‌الله ).

فقد جاء في صلة تاريخ الطبري - للقرطبي / ٤٣، قال : وفيها - أي في سنة ٣٠٤ ه - ورد الكتاب من خراسان يذكر فيه أنّه وجِدَ بالقندهار في أبراج سورها برج متّصل بها، فيه خمسة آلاف رأس في سلال من حشيش، ومن هذه الرؤوس تسعة وعشرون رأساً في اُذن كل رأس منها رقعة مشدودة بخيط إبريسم باسم كلِّ رجل منهم، والأسماء : شريح بن حيّان، خباب بن الزبير، الخليل بن موسى التميمي، الحارث بن عبد الله، طلق بن معاذ السلمي، حاتم بن حسنة، هانئ بن عروة (رحمه‌الله )، عمر بن علّان، جرير بن عباد المدني، جابر بن خبيب بن الزّبير، فرقد بن الزّبير السعدي، عبد الله بن سليمان بن عمارة، سليمان بن عمارة، مالك بن طرخان صاحب لواء عقيل بن سهيل بن عمرو، عمرو بن حيّان، سعيد بن عتاب الكندي، =

٢٣٥

موضعُ الرأس الشريف والاختلاف فيه

اختلف المسلمون في موضع الرأس الشريف ؛ فذهب الشيعة - الاثنا عشريّة - إلى أنّه رُدَّ إلى الجسد الشريف في كربلاء ودُفن.

قال الشعراني القلقشندي : وقال الإماميّة : إنّ الرأس اُعِيدَ إلى الجثّة بكربلاء بعد أربعين يوم .(١) .

قال سبط ابن الجوزي : اختلفوا في الرأس على أقوال ؛ أشهرها أنّه ردّه إلى المدينة مع السبايا، ثمّ رُدَّ إلى الجسد بكربلاء فدُفن معه، قاله هشام وغيره(٢) .

قال الخوارزمي : ولـمـَّا ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى المكان يطلبه فأخبر بخبره، فسأل عن الموضع الذي دُفن فيه فنبشه وأخذه - والله أعلم بما صنع به - والظاهر من دينه أنّه بعثه إلى كربلاء فدُفِنَ مع الجسد(٣) .

وقال الخوافي - أو الحافي - في التبر المذاب : واختُلِفَ في الرأس على أقوال ؛ أصحّها أنّه عاد بعد أربعين يوماً إلى جثّته الشريفة روي ذلك عن زين العابدين (عليه‌السلام )، ومحمّد الباقر (عليه‌السلام )، وجعفر الصادق (عليه‌السلام

____________________

= حبيب بن أنس، هارون بن عروة، غيلان بن العلاء، جبريل بن عبادة، عبد الله البجلي، مطرف بن صبح ختن عثمّان بن عفّان (رضي‌الله‌عنه ) وُجِدوا على حالهم، إلّا أنّهم قد جفت جلودهم والشعر عليها بحالته لم يتغيّر، وفى الرقاع : من سنة ٧٠ من الهجرة.

(١) مختصر تذكرة القرطبي - الشعراني القلقشندي / ٢٢٢ (بداية نقله لمقتل الحُسين (عليه‌السلام ) ) ط دار الفكر بيروت - نقلاً عن إحقاق الحقِّ ٣٣ / ٦٩٨.

(٢) تذكرة الخواصّ - سبط ابن الجوزي / ٢٣٨ - منشورات الشريف الرضي.

(٣) مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) - الخوارزمي ٢ / ٨٤.

٢٣٦

وجابر بن عبد الله، وهو أوَّل مَن زار قبره (عليه‌السلام ) بعد أربعين يوماً.

قال ابن الجوزي (رضي‌الله‌عنه ) : وفي أيِّ مكان كان رأسه أو جسده فهو ساكن في القلوب والضمائر، قاطن في الأسرار والخواطر وقد أنشد بعض أشياخنا فيه :

لا تطلبوا المولى الحُسيْـ

ـنَ بأرضِ شرقٍ أو بغربِ

ودعوا الجميعَ وعرِّجوا

نحوي فمشهدُهُ بقلبي(١)

وذهب آخرون إلى أنّه ردّ إلى المدينة (على ساكنيها آلاف التحية والسّلام).

وذهب آخرون إلى أنّه دُفن في المدينة المنورة

قال صاحب شذور الذهب : والصحيح أنّ الرأس المكرّم دُفن بالبقيع إلى جنب اُمِّه فاطمة (عليها‌السلام ) ؛ وذلك أنّ يزيد بعث به إلى عامله بالمدينة عمرو بن سعيد الأشدق فكفّنه ودفنه(٢) .

وذهب آخرون إلى أنّه دُفن بعسقلان ثُمّ نُقل إلى مصر، وهو بدمه(٣)

ذكره الشبراوي قال :

____________________

(١) التبر المذاب / ٩٠ المخطوط - العلّامه الشريف أحمد بن محمّد بن أحمد الحُسيني الخوافي [الحافي] الشافعي، نقلاً عن إحقاق الحقِّ ٣٣ / ٧٠.

(٢) شذور الذهب - المسعودي ١ / ٦٧ - ٦٨، وفي ط ص١٢٢.

(٣) قال ابن فضل الله العمري في كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار / ٣٨٢، نسخة برنامج الموسوعة الشعريّة : مشهد الحُسين بعسقلان، كان رأسه بها، فلمّا أخذها الإفرنج نقل المسلمون الرأس إلى القاهرة ودُفن بها في المشهد المعروف به خلف القصرين، على زعم مَن قال ذلك، والأغلب أنّه لم يتجاوز دمشق ؛ لأنّه إنّما حُمِلَ إلى يزيد بن معاوية وكانت دمشق دار ملكه وملك بني اُميّة، ومن المحال أنْ يتجاوز الرأس المحمول إلى السلطان لغير حضرته.

وله بدمشق مشهد معروف داخل =

٢٣٧

قال العلّامه الشعراني : لـمـَّا دُفن الرأس الشريف ببلاد المشرق، ومضى عليه مدّة، أرشى عليه الوزير طلايع بن رزيك، وأنفق ثلاثين ألف ديناراً ونقله إلى مصر وبنى عليه المشهد الشريف، وخرج هو وعسكره حفاة إلى نحو الصلحيّة من طريق الشام يتلقّون الرأس الشريف، ثمّ وضعه طلايع في برنس من حرير أخضر على كرسي من أبنوس، وفرشَ تحتها المسك والطيب وقد زرته مراراً .(١) .

____________________

= باب الفراديس، وفي خارجه مكان الرأس، على ما ذكروا.

وقد جاء في أخبار الدولة العباسيّة أنّهم حملوا أعظُم الحُسين (عليه‌السلام ) ورأسه إلى المدينة النبويّة حتّى دفنوه بقبر أخيه الحسن (عليه‌السلام ).

والمدى بعيد بين مقتل الحُسين ومبنى مشهد عسقلان، وفي هذا المشهد دُفن رأس الكامل صاحب ميّافارقين، وفي ذلك قال ابن المهتار الكاتب :

أين غازٍ غَزَى وَجَاهَدَ قَوماً

أثْخَنوا بالعراق والمشرقَيْنِ

لم يَشِنْهُ أنْ طِيفَ بالرأسِ منه

فله اُسوةٌ برأسِ الحُسينِ

وافق السِّبطَ في الشهادة والدفْـ

ـنِ وقد حاز أجرهُ مَرَّتَيْنِ

لِمَ وارَوْا في مشهد الرأس ذاك الرْ

أسَ فاستعجِبوا من الحالتينِ

(١) الإتحاف بحبِّ الأشراف - الشبراوي / ٧٥ ط أمير قم، وفي نور العين في مشهد الحُسين (عليه‌السلام ) - لأبي إسحاق الإسفراييني / ٧٢ وفي ط ص٦١ - ٦٢ : . ثمّ حشا (يزيد) الرأس بالمسك والكافور وسلّمه لهم، فأخذوه وساروا إلى كربلاء ودفنوه مع الجسد الشريف.

(وروي) : أنّه بقي في خزانته إلى أن مات، وبعد موته وجده سليمان بن عبد الملك عظماً أبيض، فكفّنه ودفنه في مقابر المسلمين.

(وروي) : أنّ يزيد بعد أنْ أرسل عليّاً ومَنْ معه أمر بدفن الرؤوس إلّا رأس الحُسين، فإنّه أرسله خارج دمشق، ومعه خمسون فارساً يحرسونه ليلاً ونهاراً ؛ وذلك من كثرة خوفه وفزعه، فلمـَّا مات أتى به الحرَّاس ووضعوه في خزانته.

(وروي) عن طائفة الفاطميّة الذين حكموا مصر : أنّ الرأس وصل إليهم، ودفنوه في المشهد المشهور.

٢٣٨

وذكره - بتفصل - الشريف علي فكري قال : اختار الله تعالى للإمام الحُسين (عليه‌السلام ) ما عنده، فقرّبه إليه، ونقله من دار المِحَنِ إلى دار المِنَحِ، ومن دار الفناء إلى دار النعيم السّرمدي المقيم، وذلك يوم عاشوراء سنة إحدى وستّين من الهجرة.

فسافر عمر بن سعد بالرأس الشريف إلى الكوفة وسلّمها إلى ابن زياد (الشهير بابن مرجانة) فطاف بها في الأسواق، ثمّ وجهها إلى دمشق ليزيد، فأمر برفعها بها ثلاثة أيّام، ثمّ أمر بأنْ يُطاف بها في البلاد (عاملَهم الله بما يستحقون) فطيف بها حتّى وصلت (عسقلان)، وأميرها إذ ذاك من خيرة الناس إيماناً وخوفاً من الله، فدفنها في مكانٍ فخيمٍ استمرت به إلى سنة إحدى وتسعين وأربعمئة وفي شعبان منها خرج الأفضل ابن أمير الجيوش بعساكر كثيرة إلى بيت المقدس (كما نقله المقريزي عن ابن ميسر) وحارب مَنْ به وملكه، ثمّ دخل (عسقلان).

ولـمـَّا علم بالرأس الشريف عمل مشهداً جليلاً بالمدينة المذكورة ؛ إذ رأى المكان الأوّل صار لا يليق بجلاله، ولـمـَّا تكامل أخرجه فعطرّه وحمله على صدره، وسعى بها ماشياً إلى أنْ أحلَّها في المشهد المذكور، فاستمرت به إلى سنة ثمّان وأربعين وخمسمئة من الهجرة، وحواليها قضى الله على عسقلان أنْ تمتدّ إليها أيدي الطمع من الإفرنج، وكان بها أمير يُقالُ له : (عيّاش)، فأرسل إلى الخليفة (الفائز بأمر الله) بمصر يقول له : أمّا بعد، فإن الإفرنج قد أشرفوا على أخذ عسقلان وإنّ بها رأس الإمام الحُسين بن علي (عليه‌السلام )، فأرسلوا مَنْ تختارونه وإلّا أخذوها.

وكان الخليفة (الفائز) أحد الخلفاء الفاطميّين إذ ذاك طفلاً صغيراً لم يبلغ الحادية عشرة من عمره ؛ ولذلك كان الحلُّ والعقد والأمر والنهي لأكبر وزرائه (طلائع بن رزيك)، فأرسل فرقة من الجيش تحت أمر (مكنون) الخادم، وزوّده بثلاثين ألف دينار، فأتوا به ووصلوا إلى (قطية)، فخرج الوزير

٢٣٩

إلى لقائها من عدّة مراحل ومعه جيوش كثيرة، وكلُّهم حفاة خاشعون، فحملها الوزير على صدره حتّى دخلوا مصر، وبنى (طلائع) مسجداً لها خارج باب زويلة من جهة الدرب الأحمر، وهو المعروف (بجامع الصالح) الآن، فكشف الحُجبَ عن تلك الذخيرة النبويّة فوجَدَ دمها لم يجفّ، ووجد لها رائحة أطيب من المسك (كما قال المقريزي)، فغسلها في المسجد المذكور على ألواح من الخشب ( بأعلى الحائط ألواح الآن يُقالُ : إنّها هي التي كان عليها الغُسل)، ثمّ أراد أنْ يُشرّف ذلك المسجد بدفنها فيه فأبى أهل القصر، وهم معيّة الملك الفائز وقالوا : إنّ أثراً نبويّاً جليلاً كهذا لا يليق أنْ يكون مستقره خارج حدود القاهرة، بل لا بدَّ من دفنه في قصر الملك.

وكانت بوابة الباب الأخضر - الموجودة الآن تحت المنارة الصغرى للمسجد الحُسيني - باباً من أبواب القصر المنتهي إلى الجمالية، واسمه (باب الديلم) ودهليز الخدمة، فعمدوا إلى الجهة المذكورة وبنوا بها بناءً فخماً حلّوه بأنواع الزخارف الجميلة، وكسوا جدرانه بالرخام الملوّن في البقعة المباركة الحالية (عن كتاب التاريخ الحُسيني للمرحوم السيّد محمود البيلاوي).

قد حصل تضارب في الأقوال واختلاف كثير في وجود رأس الحُسين (عليه‌السلام ) ؛ فبعضهم يقول : إنّه دُفِنَ بدمشق، ونُقِلَ إلى عسقلان ومنها إلى القاهرة، وبعضهم يقول : إنّه مدفون بالمدينة عند قبر اُمِّه فاطمة (عليها‌السلام )، وقيل : بمسجد الرقّة على الفرات، وبعضهم يُنْكِرُ أنّ ابن زياد أرسله إلى يزيد، وبعض أهل السنّة اتّفقوا على أنّه مدفون مع الجسد بكربلاء.

ولقد حقّق المرحوم علي بك جلال الحُسيني في كتابه (تاريخ الحُسين) من الشواهد ما يثبت وجود الرأس بالقاهرة، كما أنّ الاُستاذ حسن أفندي قاسم، الكاتب التاريخي لمجلة الإسلام الغرّاء، أثبت في كتابه (مصرع الحُسين) - الذي ظهر حديثاً - بالأدلة التاريخيّة والشواهد الدينيّة المنقولة عن كبار العلماء، أنّ الرأس الشريف مدفون بالقاهرة بالمشهد الحُسيني بلا

٢٤٠