مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء ٣

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف0%

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 545

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: زهير ابن المرحوم الحاج علي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 545
المشاهدات: 48695
تحميل: 4324


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 545 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48695 / تحميل: 4324
الحجم الحجم الحجم
مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء 3

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

خلاف، وقد أورد كثيراً من التحقيقات المؤيّدة لذلك بأدلة ثابتة، والله تعالى أعلم(١) .

وذهب آخرون إلى أنّه بقي في دمشق في الخزانة ودُفن، ثمّ نُبش واُخرج ولا يُعرف خبره

قال الذهبي، وابن عساكر، وابن حجر العسقلاني، واللفظ للأوّل قال : ثمّ قال حمزة : وقد حدّثني بعض أهلنا أنّه رأى رأس الحُسين (عليه‌السلام ) مصلوباً بدمشق ثلاثة أيام، وحدثتني ريّا (امرأة وهي حاضنة يزيد) : أنّ الرأس مكث في خزائن السّلاح حتّى ولي سليمان فبعث فجيء به، وقد بقي عظماً أبيض، فجعله في سفط وطيّبه وكفّنه، ودفنه في مقابر المسلمين، فلمـَّا دخلت المسوّدة سألوا عن موضع الرأس، فنبشوه وأخذوه، فالله أعلم ما صُنع به وذكر باقي الحكاية، وهي قويّة الإسناد(٢) .

خمسةُ أقوال ذكرها سبط ابن الجوزي في مدفن رأس الإمام الحُسين (عليه‌السلام )

قال سبط ابن الجوزي : اختلفوا في الرأس على أقوال : أشهرها أنّه ردّه إلى المدينة مع السّبايا، ثمّ رُدَّ إلى الجسد بكربلاء فدفن معه، قاله هشام وغيره.

والثاني : أنّه دُفِنَ بالمدينة عند قبر اُمّه فاطمة (عليها‌السلام )، قاله ابن سعد، قال : لـمـَّا

____________________

(١) أحسن القصص - الشريف علي فكري الحُسيني القاهري ٤ / ٢٥٥، ط بيروت نقلاً عن إحقاق الحقِّ ٣٣ / ٧٠٦.

أقول : نقل الشبراوي أكثر هذا في الإتحاف بحبِّ الأشراف / ٧٥ - ٨٢.

(٢) سير أعلام النبلاء - الذهبي ٣ / ٣١٩، تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ٦٩ / ١٦١، تهذيب التهذيب - ابن حجر العسقلاني ٢ / ٣٠٧.

٢٤١

وصل إلى المدينة كان سعيد بن العاص والياً عليها، فوضعه بين يديه وأخذ بأرنبة أنفه، ثمّ أمر به فكُفّن ودُفن عند اُمِّه فاطمة (عليها‌السلام ).

وذكر الشعبي : أنّ مروان بن الحكم كان بالمدينة فأخذه، وتركه بين يديه وتناول أرنبة أنفه، وقال :

يا حَبَّذا بردُكَ في اليدينِ

ولونُكَ الأحمرُ في الخدّينِ

والله، لكأني أنظر إلى أيّام عثمّان.

وقال الكلبي : سمع سعيد بن العاص، أو عمرو بن سعيد، الضجّة في دور بني هاشم، فقال :

عَجَّتْ نساءُ بني تميمٍ عَجَّةً

كعجيجِ نسوتِنا غَدَاةَ الأَرْنَبِ

والبيت لعمرة بن معدي كرب، والرواية : عجّت نساء بني زياد.

وروى أنّ مروان أنشد :

ضرب دوسرُ فيهم ضربةً

أثبتتْ أوتادَ ملكٍ فاستقرْ

الثالث : أنّه بدمشق، حكى ابن أبي الدُّنيا قال : وُجِدَ رأسُ الحُسين (عليه‌السلام ) في خزانة يزيد بدمشق، فكفّنوه ودفنوه بباب الفراديس وكذا ذكر البلاذري في تاريخه قال : هو بدمشق في دار الإمارة، وكذا ذكر الواقدي أيضاً.

الرابع : أنّه بمسجد الرقّة على الفرات بالمدينة المشهورة، ذكره عبد الله بن عمر الورّاق في كتاب المقتل، وقال : لـمـَّا حضر الرأس بين يدي يزيد بن معاوية قال : لأبعثنَّه إلى آل أبي معيط عن رأس عثمّان، وكانوا بالرقّة، فبعثه إليهم فدفنوه في بعض دورهم، ثمّ اُدخلت تلك الدار في المسجد الجامع قال : وهو إلى جانب سدرة هناك، وعليه شبيه النيل لا يذهب شتاءً ولا صيفاً.

والخامس : أنّ الخلفاء الفاطميّين نقلوه من باب الفراديس إلى عسقلان، ثمّ نقلوه إلى القاهرة، وهو فيها، وله مشهد عظيم يُزار في الجملة.

ففي أيِّ مكان رأسه أو جسده، فهو ساكن في القلوب والضمائر، قاطن في الأسرار والخواطر.

٢٤٢

وأنشدنا بعض أشياخنا في هذا المعنى :

لا تطلبوا المولى الحُسيْـ

ـنَ بأرض شرقٍ أو بغربِ

ودعوا الجميعَ وعرّجوا

نحوي فمشهدُهُ بقلبي(١)

____________________

(١) تذكرة الخواصّ - سبط ابن الجوزي / ٢٣٨ - ٢٤٠، منشورات الشريف الرضي.

٢٤٣

٢٤٤

الفصل الحادي عشر

فيما يتعلّق بقبر الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) وزيارته

٢٤٥

٢٤٦

فيما يتعلق بقبر الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) وزيارته

استفتاءٌ لمشهد رأس الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) في مصر وتربته الشريفة

واستُفتي القاضي زكي الدين عبد العظيم في ذلك، فقال : هذا مكان شريف، وبركته ظاهرة، والاعتقاد فيه خير، والسلام.

وما أجدر هذا المشهد الشريف والضريح الأنور المنيف بقول القائل :

نفسي الفداءُ لمشهدٍ أسرارُهُ

من دونها سترُ النبوّةِ مسْبَلُ

وَرواقُ عزٍّ فيه أشرفُ بقعةٍ

ظلَّت تُحارُ لها العقولُ وتذهلُ

تُغضي لبهجتِهِ النواظرُ هيبةً

ويردُّ عنه طَرْفَهُ المتأمِّلُ

حَسَدَتْ مكانتَهُ النّجوم فودَّ لو

أمسى يجاورُهُ السّماكُ الأعزلُ

وسما علوّاً أن تُقَبِّلَ تُرْبَهُ

شَفَةٌ فأضحى بالجباهِ يُقَبَّلُ(١)

أقول : ليس ببعيد أن تصدر الكرامات من المشهد المسمّى باسم الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) في مصر ؛ كرامة من الله له (عليه‌السلام )، وصدرها لا ينافي قول الشيعة ؛ إذ الاعتقاد بالطلب من الله بواسطة الحُسين (عليه‌السلام )، وتحقّق الطلبات هو لذات الحُسين (عليه‌السلام )، ولعظيم منزلته عند الله لا لاعتقاد أنّه في هذا المكان بخصوصه أو ذاك.

____________________

(١) الإتحاف بحبِّ الأشراف - الشبراوي / ٨٢ - ٨٣.

٢٤٧

ولهذا قال سبط ابن الجوزي : ففي أيّ مكان رأسه أو جسده فهو ساكن في القلوب والضمائر، قاطن في الأسرار والخواطر وأنشدنا بعض أشياخنا في هذا المعنى :

لا تطلبوا المولى الحُسيْـ

ـنَ بأرضِ شرقٍ أو بغربِ

ودعوا الجميعَ وعرِّجوا

نحوي فمشهدُه بقلبي(١)

والشيء الآخر إنّه من المحتمل قويّاً أنّ المدفون في مصر هو رأس أحد أنصار الحُسين (عليه‌السلام ) ؛ إذ الرؤوس نُقِلَتْ إلى الشام، وكثير منها لم يُعْرَف خبرُه.

طينُ قبر الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) شفاءٌ من كُلِّ داء، وأمانٌ من كُلِّ خوف

قال ابن حجر العسقلاني : الحسن بن علي بن أبي المغيرة الزبيدي الكوفي، سمع الكثير ورحل وأخذ عن أبي جعفر الباقر (عليه‌السلام )، والحارث بن المغيرة البصري وغيرهما روى عنه عبد الله بن أحمد بن نهيك، وسعيد بن صالح ذكره الطوسي في مصنّفي الشيعة الإماميّة، وأفرد له خبراً منكراً رواه عن الحارث، عن الباقر فيه : إنّ في طين قبر الحُسين بن علي (عليه‌السلام ) شفاءً من كلِّ داءٍ، وأمناً من كلِّ خوف(٢)(*) .

____________________

(١) تذكرة الخواصّ - سبط ابن الجوزي / ٢٣٨ - ٢٤٠ منشورات الشريف الرضي.

(٢) لسان الميزان - ابن حجر العسقلاني ٢ / ٢٣٧.

(*) ومسألة التبرك بآثار الصالحين هي عادة أهل الإسلام عامّة إلّا مَنْ طبع الله على قلبه ؛ وذلك لاعتقادهم بأنّ الله (عزَّ وجل) جعل في آثارهم البركة من الشفاء وغيره، وهذه الحقيقة قد أثبتها الله في محكم كتابه الكريم إذ قال تعالى :( اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ) (سورة يوسف / ٩٣) وأيضاً قوله تعالى:( قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ) (سورة طه / ٩٦) =

٢٤٨

____________________

= فتراب حافر فرس جبرائيل له أثر، فكيف بتراب سيّد شباب أهل الجنة، ومَنْ كان جبرائيل خادماً لأبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؟!

قال : العلّامه البدخشي في (مفتاح النجا / ١٧٩ مخطوط ) نقلاً من إحقاق الحقِّ ١٢ / ٤٠٨ قال : وذكر العلّامه شمس الدين أحمد بن محمّد بن إبراهيم الأربلي، المعروف بابن خلّكان، في تاريخه : أنّ بعض أصحاب أبي نوّاس الحسن بن هاني الحكم، الشاعر المشهور، قال له : ما رأيتُ أوقح منك ! ما تركتَ شيئاً إلّا قلت فيه شعراً، وهذا عليُّ بن موسى الرضا في عصرك لم تقل فيه شيئاً ؟! فقال : والله، ما تركت ذلك إلّا إعظاماً له، وليس قَدْرُ مثلي أنْ يقول في مثله.

ثمّ أنشد بعد ساعة هذه الأبيات :

قيل لي أنتَ أحسنُ الناسِ طرّاً

في فنونٍ من المقالِ النبيهِ

لكَ من جيِّدِ المديحِ قريضٌ

يثمرُ الدرّ في يدي مجتنيهِ

فعلى ما تركتَ مدحَ ابنِ موسى

والخصالَ التي تجمَّعنَ فيهِ

قلتُ لا أستطيعُ مدحَ إمام

كان جبريلُ خادماً لأبيهِ

ورواه أيضاً ابن النجّار البغدادي في ذيل تاريخ بغداد ٤ / ١٣٨ وراجع مَنْ رواها في إحقاق الحقِّ ١٢ / ٤٠٨.

وأمّا مسألة التبرّك في جوازها وندبها، فقد صرح به علماء أهل الخلاف إلّا مَنْ شدّ من الذين خرجوا عن الجادة راجع هذا في ما ذكره العلّامه المحقق المدقّق الشيخ الأميني (أعلى الله مقامه الشريف) في كتاب الغدير المجلّد الخامس، وأذكر لك شيئاً من أقوالهم :

سأل عبد الله بن أحمد بن حنبل أبيه قال : سألته عن الرجل يمسّ منبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ويتبرّك بمسّه ويقبّله، ويفعل بالقبر مثل ذلك، أو نحو هذا ؛ يريد بذلك التقرّب إلى الله (عزَّ وجل) فقال لا بأس بذلك (١) قال الصالحي الشامي : وذكر غير واحد نحو ذلك.

وفي كتاب العلل والسؤالات لعبد الله ابن الإمام أحمد عن أبيه رواية أبي علي الصوان، قال عبد الله : سألت أبي عن الرجل يمسّ منبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ويتبرّك بمسّه ويقبّله، ويفعل بالقبر مثل ذلك ؛ رجاء ثواب الله (عزَّ وجل) قال : لا بأس (٣)

وروى أحمد بن حنبل وغيره قال : =

٢٤٩

____________________

= حدّثنا عبد الله، حدّثني أبي، ثنا عبد الملك بن عمرو، ثنا كثير بن زيد، عن داود بن أبي صالح قال : أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر فقال : أتدري ما تصنع ؟ فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب (٣) ، فقال : نعم، جئت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ولم آت الحجر ؛ سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقول : (( لا تبكوا على الدّين إذا وليه أهلُهُ، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غيرُ أهلِهِ )) (٤)

ورواه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (٥)

وقال محمّد سعيد ممدوح : وأخرجه من هذا الوجه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح الإسناد، وسلّمه الذهبي : عبد الملك بن عمرو هو القيسي، أبو عامر العقدي، ثقة، احتجّ به الجماعة وكثير بن زيد، حسن الحديث (٦)

قال الصالحي الشامي : وروى الإمام أحمد - بسند حسن(٧ )، فذكر الحديث.

وقال أيضاً : ونقل الطيّب الناشري عن المحبّ الطبري، أنّه يجوز تقبيل الحجر ومسّه، قال : وعليه عمل العلماء الصالحين، ويُنشد :

أمرُّ على الديارِ ديارِ ليلى

اُقبِّلُ ذا الجدارِ وذا الجدارا

وما حبُّ الديارِ شغفنَ قلبي

ولكنْ حبّ مَنْ سكن الديارا (٨)

وقال الصالحي الشامي : ونقل عن ابن أبي الصيف اليمني، أحد علماء مكّة من الشافعية، جواز تقبيل المصحف، وأجزاء الحديث، وقبور الصالحين، انتهى كلام الحافظ (٩)

وقال أيضاً : ومنه، أنْ يأتي بقيّة الآثار المنسوبة للنّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بالمدينة ممّا عملت يمينه أو جهته، وكذا الآبار التي شرب منها الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وتوضّأ أو اغتسل، فيُتبرّك بمائها، صرّح جماعة من الشافعيّة وغيرهم باستحباب ذلك كلّه(١٠).

وقال أيضاً : =

٢٥٠

____________________

= قال القاضي : ومن إعظامه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وإكباره إعظام جميع أسبابه، وإكرام جميع مشاهده وأمكنته ومعاهده، وما مسّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بيده، أو عُرِفَ به، انتهى.

وذلك بزيارة تلك المشاهد والتبرّك بها، ولله در القائل :

خليليَّ هذا رَبعُ عزَّةَ فاعْقِلا

قَلُوصيكما ثمّ انزلا حيثُ حلَّتِ

ومسَّا تراباً طالما ما مَسَّ جِلْدَها

وظِلاّ وبيتا حيثُ باتت وظلَّتِ

ولا تيأسا أنْ يمحوَ اللهُ عنكما

ذنوباً إذا صلَّيتما حيثُ صَلَّتِ(١١)

وروى محدث الشام ابن عساكر قال : أنبأنا أبو محمّد بن الأكفاني، نا عبد العزيز بن أحمد، أنا تمام بن محمّد، نا محمّد بن سليمان، نا محمّد بن الفيض، نا أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء، حدّثني أبي محمّد بن سليمان، عن أبيه سليمان بن بلال، عن اُمِّ الدرداء، عن أبي الدرداء قال : لمـَّا دخل عمر بن الخطاب الجابية سأل بلالاً أنْ يقدم الشام، ففعل ذلك.

قال : وأخي أبو رويحة الذي آخى بينه وبيني رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فنزل داراً في خولان، فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان، فقال لهم : قد جئناكم خاطبين، وقد كنَّا كافرين فهدانا الله، ومملوكين فأعتقنا الله، وفقيرين فأغنانا الله ؛ فإنْ تُزوّجونا فالحمد لله، وإنْ تردّونا فلا حول ولا قوة إلّا بالله فزوّجوهم.

ثمّ إنْ بلالاً رأى في منامه النّبيَّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وهو يقول له (( ما هذه الجفوة يا بلال ! أما آن لك أنْ تزورني يا بلال ؟! )) فانتبه حزيناً وجلاً خائفاً، فركب راحلته وقصد المدينة، فأتى قبرَ النّبيِّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه، وأقبل الحسن والحُسين (عليهما‌السلام ) فجعل يضمّهما ويقبّلهما، فقالا له : (( يا بلال، نشتهي نسمع أذانك الذي كنتَ تؤذّنه لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في السّحر )) ففعل، فعلا سطح المسجد، فوقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلمـَّا أنْ قال : الله أكبر الله أكبر ارتجّت المدينة، فلمـَّا أنْ قال : أشهد أنْ لا إله إلّا الله زاد تعاجيجها، فلمـَّا أنْ قال : أشهد أنّ محمّداً رسول الله خرج العواتق من خدورهنَّ فقالوا : أبُعِثَ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؟! فما رُئِيَ يوم أكثر باكياً ولا باكية بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من ذلك اليوم(١٢).

وذكر الصالحي الشامي : أنّ ابن عساكر روى بسند جيد(١٣)، فذكر هذا الحديث =

٢٥١

____________________

= قال ابن حجر : استنبط بعضهم من مشروعيّة تقبيل الأركان جوازَ تقبيل كلِّ مَنْ يستحق التعظيم من آدمي وغيره(١٤).

وقال الشوكاني أيضاً : وقد استنبط بعضهم من مشروعيّة تقبيل الحجر، وكذلك تقبيل المحجن، جوازَ تقبيل كلِّ مَنْ يستحق التعظيم من آدمي وغيره(١٥).

وقد ذكر ابن جبير في تبرّك الناس بتراب عمِّ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حمزة بن عبد المطلب فقال : فأوَّل ما نذكر من ذلك مسجد حمزة (رضي‌الله‌عنه ) وهو بقبلى الجبل المذكور، الجبل جوفي المدينة، وهو على مقدار ثلاثة أميال، وعلى قبره (رضي‌الله‌عنه ) مسجد مبْنى، والقبر برحبة جوفي المسجد، والشهداء (رضي ‌الله‌ عنهم) بإزائه، والغار الذي أوى إليه النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بإزاء الشهداء أسفل الجبل، وحول الشهداء تربة حمراء هي التربة التي تُنْسَبُ إلى حمزة، يتبرّك الناس بها(١٦).

وقال ابن حبان في صحيحه : قال أبو حاتم (رضي‌الله‌عنه ) في قسمة النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) شَعره بين أصحابه : أبين البيان بأنّ شَعر الإنسان طاهر ؛ إذ الصحابة إنّما أخذوا شعره (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ليتبرّكوا به، فبين شادٍّ في حجزته، وممسكٍ في تكّته، وآخذ في جيبه، يصلّون فيها، ويسعون لحوائجهم وهي معهم، وحتى إنّ عامّة منهم أوصوا أنْ تجعل تلك الشعرة في أكفانهم، ولو كان نجساً لم يقسّم عليهم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الشيء النّجس، وهو يعلم أنّهم يتبرّكون به على حسب ما وصفنا، فلمّا صحّ ذلك من المصطفى (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) صحّ ذلك من اُمّته ؛ إذ محال أنْ يكون منه شيء طاهر ومن اُمّته ذلك الشيء بعينه نجساً(١٧).

قال الشيخ سلامة العزامي الشافعي في (فرقان القرآن) ص ١٣٣ ردّاً على ابن تيميّة : وقال [يعني ابن تيميّة] : مَنْ طاف بقبور الصالحين أو تمسّح بها كان مرتكباً أعظم العظائم وأتى بكلام ملتبس، فمرّة يجعله من الكبائر، واُخرى من الشرك، إلى مسائل من أشباه ذلك، قد فرغ العلماء المحقّقون والفقهاء المدقّقون من بحثها وتدوينها قبل أنْ يُولدَ هو بقرون، فيأبى إلّا أنْ يخالفهم، وربما ادّعى الإجماع على ما يقول، وكثيراً ما يكون الإجماع قد انعقد قبله على خلاف قوله، كما يعلم ذلك مَن أمعن في كلامه وكلامِ مَنْ قبله، وكلام مَنْ بعده ممّن تعقّبه من أهل الفهم =

٢٥٢

____________________

= المستقيم والنقد السليم، وإليك مثالاً : التمسّح بالقبر أو الطواف به من عوام المسلمين، فأهل العلم فيه على ثلاثة أقوال : الجواز مطلقاً، والمنع مطلقاُ على وجه كراهة التنزيه الشديدة، ولكنّها لا تبلغ حدّ التحريم، والتفصيل بين مَن غلبه شدّة شوق إلى المزور فتنتفي عنه هذه الكراهة ومَنْ لا، فالأدب تركه.

وأنت إذا تأمّلت في الاُمور التي كفّر بها المسلمين وجعلها عبادة لغير الله، وجدت حجّته ترجع إلى مقدّمتين صدقت كبراهما، وهي : كلّ عبادة لغير الله شرك، وهي معلومة من الدين بالضرورة، ثمّ يسوق عليه الأدلّة بالآيات الواردة في المشركين.

وكذبت صغراهما، وهي قوله : كلّ نداء لميت أو غائب، أو طواف بقبر أو تمسّح به، أو ذبح أو نذر لصاحبه . إلخ، فهو عبادة لغير الله.

ثمّ يسوق الآيات والأحاديث الصحيحة التي لم يفهمها، أو تعمّد في تأويلها على غير وجهها، ثمّ يخرج من هذا القياس - الذي فسدت إحدى مقدّمتيه - بنتيجة لا محالة كاذبة وهي : أنّ جمهور المسلمين - إلّا إيّاه ومَنْ شايعه - مشركون كافرون.

وقد أجاد تلخيص هذا المذهب وأدلته، وتزييفها منطقياً واُصولياً كلّ الإجادة سيّد أهل التحقيق، وتاج أهل التدقيق، الإمام أبو عبد الله محمّد بن عبد المجيد الفاسي، المتوفّى سنة تسع وعشرين ومئتين وألف في مؤلّف ردّ به على ذلك المذهب، ينطق بعلوّ كعب هذا الإمام [إلى أنْ قال] : ولقد تعدّى هذا الرجل حتّى على الجناب المحمّدي فقال : إنّ شدّ الرحال إلى زيارته معصية، وإنّ مَنْ ناداه مستغيثاً به (عليه الصلاة والسّلام) بعد وفاته فقد أشرك.

فتارة يجعله شركاً أصغر، واُخرى يجعله شركاً أكبر وإنْ كان المستغيث ممتلئ القلب بأنّه لا خالق ولا مؤثّر إلّا الله، وأنّ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إنّما تُرفع إليه الحوائج ويستغاث به، على أنّ الله جعله منبع كلِّ خير، مقبول الشفاعة، مستجاب الدعاء (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كما هي عقيدة جميع المسلمة مهما كانوا من العامة ا ه‍.

وأخبر جمال الدين عبد الله بن محمّد الأنصاري المحدّث في كتاب الديباج المذهب / ١٨٧، قال : رحلنا مع شيخنا تاج الدين الفاكهاني إلى دمشق، فقصد زيارة نعل سيّدنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) التي بدار الحديث الأشرفيّة بدمشق، وكنتُ معه، فلمـَّا رأى النعل المكرّمة حسر عن رأسه وجعل يقبّلها ويمرّغ وجهه عليها، ودموعه تسيل، وأنشد :

فلو قيل للمجنونِ ليلى ووصلَها

تُريدُ أم الدُّنيا وما في طواياها

لقال غبارٌ من ترابِ نِعَالِها

أحبُّ إلى نفسي وأشفى لبلواها(١٨)

الهامش : =

٢٥٣

رجلٌ أصابه الجرب فمسح جسمَه بتراب قبرِ الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) فشافاه الله

روى ابن العديم قال : أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحُسين، قال : أخبرنا أبو طاهر السلفي ( إجازة إن لم يكن سماعاً ) قال : أخبرنا أبو الحُسين بن الطيوري قال : سمعت أحمد - يعني

____________________

= (١) العلل - أحمد بن حنبل ٢ / ٤٩٢.

(٢) سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي ٢١ / ٣٩٨.

(٣) قال الصالحي الشامي في سبل الهدى والرشاد ٢١ / ٣٩٨ : قال المطلّب : وذلك أبو أيوب الأنصاري.

(٤) مسند أحمد - الإمام أحمد بن حنبل ٥ / ٤٢٢.

(٥) المستدرك - الحاكم النيسابوري ٤ / ٥١٥.

(٦) رفع المنارة - محمود سعيد ممدوح / ١٩٠.

(٧) سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي ٢١ / ٣٩٨.

(٨) سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي ٢١ / ٣٩٩.

(٩) المصدر نفسه.

(١٠) سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي ٢١ / ٤٠١.

(١١) سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي ٢١ / ٤٠٢.

(١٢) تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ٧ / ١٣٦.

(١٣) سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي ٢١ / ٣٩٨.

(١٤) فتح الباري - ابن حجر ٣ / ٣٨٠، سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي ٢١ / ٣٩٨.

(١٥) نيل الأوطار - الشوكاني ٥ / ١١٤.

(١٦) رحلة ابن جبير ١ / ١٤٤.

(١٧) صحيح ابن حبان - ابن حبان ٤ / ٢٠٧.

(١٨) نقلاً عن كتاب الغدير - للعلامة الشيخ الأميني (قدس‌سره ) ٥ / ١٥٤.

٢٥٤

ابن محمّد العتيقي - يقول : سمعت أبا بكر محمّد بن الحسن بن عبدان الصيرفي يقول : سمعت جعفر الخلدي يقول : كان بي جرب عظيم كثير، فتمسّحت بتراب قبر الحُسين (عليه‌السلام )، قال : فغفوتُ فانتبهتُ وليس عليَّ منه شيء(١) .

رجلٌ من بني أسد أهان قبرَ الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) فأصاب أهل ذلك البيت جنون وجذام، وبرص وفقر - رجاله رجال الصحيح

روى الطبراني والهيثمي، والمزّي وابن عساكر والذهبي، واللفظ للأوّل : حدّثنا علي بن عبد العزيز، ثنا إسحاق بن إبراهيم المروزي، ثنا جرير، عن الأعمش قال : خرى رجل من بني أسد على قبر حسين بن علي (عليه‌السلام )، قال : فأصاب أهل ذلك البيت خبلٌ وجنون وجذام، ومرض وفقر(٢) .

وقال الهيثمي : رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح(٣) .

روى البلاذري قال : حدّثنا يوسف بن موسى، عن جرير، عن الأعمش : أنّ رجلاً أحدث على قبر الحُسين (عليه‌السلام )، فجذم وبرص وجُنَّ، فوُلده يتوارثون(٤) .

وروى ابن حمدون قال : وقال الأعمش : خري رجل على قبر الحُسين (عليه‌السلام ) فجُنَّ فمات، فسُمع صوتُه

____________________

(١) مجمع الزوائد - الهيثمي ٩ / ١٩٧.

(٢) المعجم الكبير - الطبراني ٣ / ١٢٠، مجمع الزوائد - الهيثمي ٩ / ١٩٧، وفي ط ص٣١٧، تهذيب الكمال - المزّي ٦ / ٤٤٣ - ٤٤٤، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ٢٤٤، سير أعلام النبلاء - الذهبي ٣ / ٣١٧ بدل (خرى) تغوّط، ترجمة الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) - ابن عساكر / ٤٠٧.

(٣) مجمع الزوائد - الهيثمي ٩ / ١٩٧، وفي ط ص٣١٧.

(٤) أنساب الأشراف - البلاذري ٣ / ٤٢٦، وفي ط ص ٢٢٨.

٢٥٥

يصيح في القبر كنباح الكلب(١) .

رجلٌ من أهل الشام أهان قبرَ الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) فأبرص من ساعته

روى محدّث الشام ابن عساكر قال : أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، أنا رشأ بن نظيف، أنا الحسن بن إسماعيل، أنا أحمد بن مروان، نا أحمد بن محرز، نا الحماني قال : قال الأعمش : أحدث رجل من أهل الشام على قبر الحُسين بن علي (عليه‌السلام )، فأبرص من ساعته(٢) .

لـمـَّا أجروا الماءَ على قبر الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) وصل إليه الأسدي بطيب ريحه

روى ابن العديم، والمزّي، والذهبي، واللفظ للأوّل قال : أخبرنا محمّد بن هبة الله القاضي فيما أذن لنا أن نرويه عنه، قال : أخبرنا أبو الفضل أحمد بن منصور بن بكر بن محمّد بن حيد، قال : أخبرنا جدِّي أبو منصور، قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن عبدوس الحيري (إملاءً) قال : أخبرنا الحسن بن محمّد الإسفرائيني، قال : حدّثنا محمّد بن زكريا الغلابي، قال : حدّثنا عبد الله بن الضحاك، قال : حدّثنا هشام بن محمّد، قال : لـمـَّا اُجري الماء على قبر الحُسين (عليه‌السلام ) نضب بعد أربعين يوماً، وامتحى أثر القبر، فجاء أعرابي من بني أسد فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمه حتّى وقع على قبر الحُسين (عليه‌السلام )، وبكى وقال : بأبي واُمّي ! ما كان أطيبك وأطيب تربتك ميّتاً! ثمّ بكى وأنشأ يقول :

____________________

(١) التذكرة الحمدونيّة - ابن حمدون / ٦١٦٨، وذكر بعض التغيّرات الكونيّة أيضاً، نقلاً عن برنامج الموسوعة الشعريّة.

(٢) تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ١٤ / ٢٤٤.

٢٥٦

أرادوا ليخفوا قبرَهُ عن عدوِّهِ

فطيبُ ترابِ القبرِ دلَّ على القبرِ(١)

ما فعله المتوكّل بقبر الإمام الحُسين (عليه‌السلام )، بعض ما جرى على القبر الشريف

ذكر الخوارزمي في مقتله بعد ما ذكر مَنْ استشهد مع الحُسين (عليه‌السلام ) من الطالبيّين قال : فلمـَّا كان أيّام المتوكّل، وكان سيِّء الاعتقاد في آل أبي طالب، شديد الوطأة عليهم، قبيح المعاملة معهم، ووافقه على جميع ذلك وزيره عبيد الله بن يحيى، فبلغ بسوء معاملتهم ما لم يبلغه أحد من الخلفاء من بني العبّاس، فأمر بتخريب قبر الحُسين (عليه‌السلام ) وقبور أصحابه، وكرب مواضعه وإجراء الماء عليه، ومنع الزوّار من زيارته، وأقام الرصد وشدّد في ذلك، حتّى كان يقتل مَنْ يوجد زائراً، وولَّى ذلك كلَّه يهوديّاً.

وسلَّط اليهودي قوماً من اليهود فتولّوا ذلك إلى أن قُتِلَ المتوكّل، وقام بالأمر ابنه المنتصر، فعطف على آل أبي طالب وأحسن إليهم، وفرَّق فيهم الأموال، فاُعيدت القبور في أيّامه إلى أن خرج الداعيان : الحسن ومحمّد ابنا زيد، فأمر محمّد بعمارة المشهدين الشريفين : مشهد أمير المؤمنين ومشهد الحُسين (عليهما‌السلام )، وأمر بالبناء عليهما، وزِيدَ في ذلك من بعدُ، وبلغ عضد الدولة الغاية في تعظيمهما وعمارتهما والأوقاف عليهما، وكان يزورهما في كلِّ سنة(٢) .

قال الدكتور عبد الرحمن سالم : ففي عام ٢٣٦ أمر المتوكّل بهدم قبر الحُسين (عليه‌السلام ) وهدم ما حوله من الدور، وأن يعمل مزارع، ومنع الناس من زيارته، وحُرِثَ وبقي صحراء.

إنّ ما

____________________

(١) بغية الطلب في تاريخ حلب - ابن العديم ٦ / ٢٦٥٧، تهذيب الكمال - المزّي ٦ / ٤٤، سير أعلام النبلاء - الذهبي ٣ / ٣١٧ موجزاً.

(٢) مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) - الخوارزمي ٢ / ٥٤.

٢٥٧

يثير التساؤل هنا أنّ المتوكّل لم يلق بالاً إلى ما كان متوقّعاً من ردود الفعل السيّئة لدى جماهير المسلمين - على اختلاف مذاهبهم - إزاء هذا التصرّف ؛ فالحُسين (عليه‌السلام ) ليس شخصاً عزيزاً على الشيعة وحدهم، ولكنّه عزيز على المسلمين جميعاً، وقد تألّم المسلمون حقّاً لهذا السلوك وأنكروه على المتوكّل، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد، وقال أحد الشعراء يعبِّر عن استنكاره :

باللهِ إنْ كانت اُميّةُ قد أتت

قتلَ ابنِ بنتِ نبيِّها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثلِهِ

هذا لعمرُك قبرُه مهدوما

أسفوا على ألا يكونوا شاركوا

في قتلِهِ فتتبَّعوه رميما(١)

ما كُتب على قبر الإمام الحُسين وسيفه (عليه‌السلام )

روى الخوارزمي قال : قيل : إنّ على قبر الحُسين (عليه‌السلام ) مكتوباً : مَنْ عظَّمَ أمرَ الله أجابَ المولى سؤاله، ومَنْ حرَّمَ نهيه قَبِل المولى عذره، ومَنْ مات من مخافته غفر المولى ذنبه، ومَنْ ذكر اسمه (عزَّ وجل) رفع المولى في الدارين قدره.

وقيل : كان مكتوباً على سيف الحُسين (عليه‌السلام ) : البخيل مذمومٌ، والحريص محرومٌ، والحسود مغمومٌ(٢) .

____________________

(١) التاريخ السياسي للمعتزلة - عبد الرحمن سالم / ٣١٣ ط دار الثقافة في القاهرة، وذكر أيضاً بعض ما يتعلّق بنبش قبر الحُسين (عليه‌السلام ) فراجع، نقلاً عن هامش إحقاق الحقِّ ٢٧ / ٣١٠.

(٢) مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) - الخوارزمي ٢ / ١٩٦.

٢٥٨

زيارة الإمام الحُسين (عليه‌السلام )(١)

____________________

(١) زيارة الصالحين بعد وفاتهم من المسائل المسلّمة بين المسلمين إلّا مَنْ شذَّ من الذين زاغت قلوبهم، ونذكر شيئاً ممّا ورد في زيارة النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؛ تيمّناً وتبرّكاً به، وقد ذكر علماء أهل الخلاف استحباب زيارة القبور فضلاً عن قبر النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وراجع ما ذكره صاحب الغدير العلّامه الشيخ الأميني (أعلى الله مقامه) في المجلّد الخامس.

ذكر الصالحي الشامي : أنْ لا يمرَّ بالقبر الشريف حتّى يقف ويسلّم على النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، سواء مرّ من داخل المسجد أو من خارجه، ويكثر من قصده وزيارته (١)

قال الصالحي الشامي أيضاً : وروى ابن أبي الدُّنيا، عن أبي حازم : أنّ رجلاً أتاه فحدّثه أنّه رأى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقول : قل لأبي حازم : (( أنت المار بي معرضاً، لا تقف تسلِّم عليَّ ! )) فلم يدع ذلك أبو حازم منذ بلغته هذه الرؤيا.

وقال أيضاً : قال العلّامه فضل الله ابن القاضي نصر الدين الفوري الحنفي : إذا خرج من باب البلد يأتي قبة العبّاس والحسن بن علي (رضي الله تعالى عنهما)، ويختم بزيارة صفيّة بنت عبد المطلب عمّة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

وقال أيضاً : قال السيّد : ولعلّه يكون مشهدهم أوَّل المشاهد التي يلقاها الخارج من البلد، فإنّه يكون على يمينه، فمجاوزتهم من غير سلام عليهم جفوة، فإذا سلك تلك الطريق سلَّم على مَنْ يمرّ به بعدهم، فيكون مروره على صفيّة في رجوعه فيختم بها (٢)

قال محيي الدين النووي : (فرع) يستحبّ أنْ يخرجَ كلَّ يوم إلى البقيع، خصوصاً يوم الجمعة، ويكون ذلك بعد السّلام على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فإذا وصله دعا بما سبق في كتاب الجنائز في زيارة القبور، ومنه : السّلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنّا إنشاء الله بكم لاحقون اللهمَّ، اغفر لأهل الفرقد اللهمَّ، اغفر لنا ولهم.

ويزور القبور الطاهرة في البقيع، كقبر إبراهيم بن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وعثمّان، والعبّاس، والحسن بن علي (عليه‌السلام )، وعلي بن الحُسين (عليه‌السلام )، ومحمّد بن علي (عليه‌السلام )، وجعفر بن محمّد (عليه‌السلام )، وغيرهم ( رضي ‌الله ‌عنهم) ، ويختم بقبر صفيّة عمّة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ورضي عنها (٣)

قال البكري الدمياطي : قوله (فائدة) : يسنّ متأكداً زيارة قبر النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، لمّا أنهى الكلام على ما يتعلّق بالمناسك من الأركان والواجبات والسنن، شرع يتكلّم فيما هو حقّ مؤكّد على كلِّ مسلم، خصوصاً الحاج، وهو =

٢٥٩

____________________

= زيارة سيدنا رسول الله (ص)، ولو أخّر ذلك عن محرّمات الإحرام كغيره لكان أنسب.

واعلم أنّهم اختلفوا فيها ؛ فجرى كثيرون على أنّها سنّة متأكّدة، وجرى بعضهم على أنّها واجبة وانتصر له بعض العلماء. وقوله : ولو لغير حاج ومعتمر غاية في سَنّ تأكد الزيارة، لكنْ تتأكد الزيارة لهما تأكّداً زائداً ؛ لأنّ الغالب على الحجيج الورود من آفاق بعيدة، فإذا قربوا من المدينة يقبحُ تركهم الزيارة ؛ ولحديث : (( مَنْ حجّ ولم يزرْني فقد جفاني )) وإن كان التقييد فيه غير مراد.

وقوله : لأحاديث وردت في فضلها، أي الزيارة، منه : قوله (ص) : (( مَنْ زارني بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي )) وقوله (ص) : (( مَنْ زار قبري وجبت له شفاعتي )) ومفهومه أنّها جائزة لغير زائره وقوله (ص) : (( مَنْ جاءني زائراً، لم تنزعه حاجة إلّا زيارتي، كان حقّاً على الله تعالى أن أكون له شفيعاً يوم القيامة )) وروى البخاري [ عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ] : (( مَنْ صلّى عليَّ عند قبري وكّل الله به ملكاً يبلغني، وكُفي أمر دنياه وآخرته، وكنتُ له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة )).

مَنْ زار قبرَ محمّد

نال الشفاعةَ في غدِ

باللهِ كرِّر ذِكْرَهُ

وحديثَه يا منْشِدي

واجعل صلاتَك دائماً

جهراً عليه تهتدي

فهو الرسولُ المصطفى

ذو الجودِ والكفِّ الندي

وهو المشفَّعُ في الورى

مِنْ هولِ يومِ الموعدِ

والحوضُ مخصوصٌ به

في الحشرِ عذبُ الموردِ

صلَّى عليه ربُّنا

ما لاح نجم الفَرْقَدِ

قال بعضهم : ولزائر قبر النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عشر كرامات ؛ إحداهن يُعطى أرفع المراتب، الثانية يبلغ أسنى المطالب، الثالثة قضاء المآرب، الرابعة بذل المواهب، الخامسة الأمن من المعاطب، السّادسة التطهير من المعايب، السّابعة تسهيل المصاعب، الثامنة كفاية النوائب، التاسعة حسن العواقب، العاشرة رحمة ربِّ المشارق والمغارب.

هنيئاً لِمَنْ زار خيرَ الورى

وحطَّ عن النَّفس أوزارَها

فإنّ السّعادةَ مضمومةٌ

لِمنْ حلَّ طيبةَ أَو زارها

والحاصل : [ إنّ ] زيارة قبر النّبي (ص) من أفضل القُربات، فينبغي أنْ يحرصَ عليها، وليحذر كلَّ الحذر من التخلّف عنها مع القدرة، وخصوصاً بعد حجّة الإسلام ؛ لأن حقَّه (ص) على اُمِّته عظيم، =

٢٦٠