مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء ٣

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف0%

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 545

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: زهير ابن المرحوم الحاج علي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 545
المشاهدات: 48708
تحميل: 4324


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 545 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48708 / تحميل: 4324
الحجم الحجم الحجم
مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء 3

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لكَ مِنْ جوهرِ القريضِ مديحٌ

يُثمرُ الدُّرَّ في يدَي مجتنيهِ

فلماذا تركت مدحَ ابنِ موسى

والخصال التي تجمّعنَ فيهِ

قلتُ لا أستطيعُ مدحَ إمامٍ

كان جبريلُ خادماً لأبيهِ

قصُرَتْ ألسنُ المدايحِ عنهُ

ولهذا القريضُ لا يحتويهِ

قال : فدعا بحقّةِ لؤلؤٍ فحشا فاه لؤلؤاً، وهكذا فعل بعلي بن هامان لـمـَّا جلس علي بن موسى (عليهما‌السلام ) في الدست، قال له المأمون : يا علي بن هامان، ما تقول في علي بن موسى (عليه‌السلام ) و(أهل ) هذا البيت ؟ فقال : يا أمير المؤمنين، ما أقول في طينة عجنت بماء الحيوان، وغرست بماء الوحي والرسالة، هل ينفح منها إلّا رائحة التقى وعنبر الهدى ! فحشا أيضاً فاه لؤلؤاً.

قال ياسر : خرج علينا علي بن موسى الرضا (عليه‌السلام ) من دار المأمون راكباً بغلة فارهة بمراكب حسنة، وعليه ثياب فاخرة، وكان الرضا (عليه‌السلام ) أشبه الناس برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وكلّ مَنْ رأى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في المنام رآه في صورته، فاستقبله أبو نواس في الدهليز، فأنشأ يقول :

مطهّرونَ نقيّاتٌ جيوبُهم

تجري الصلاةُ عليهم أينما ذُكروا

منْ لم يكن علويّاً حين تَنْسِبُهُ

فما له في قديمِ الدهرمفْتَخَرُ

اللهُ لـمَّا برى خلقاً فأتقنهُ

صفَّاكُم واصطفاكُمْ أيُّها البشرُ

فأنتُم الملأُ الأعلى وعندكُم

علم الكتابِ وما جاءتْ به السُّورُ

فقال له الرضا (عليه‌السلام ) : (( يا حسن بن هانئ، قد قلت أبياتاً لمْ تُسبَق إلى مثلها، فأحسنَ اللهُ جزاك )) ثمّ قال لغلامه : (( كم معنا مِنَ النفقة ؟ )) قال : ثلاثمئة دينار قال : (( احملها إلى أبي نواس )) فلمـَّا رجع الغلام قال له : (( يا غلام، لعلّه استقلّها سقْ إليه البغلة ))(١) .

____________________

(١) بشارة المصطفى - محمّد بن علي الطبري / ١٣٣.

٣٢١

٣٢٢

الفصل الثاني عشر

في الشعائر الحُسينيّة

٣٢٣

٣٢٤

في الشعائر الحُسينيّة

التطبيرُ وما دونه من الضرب بالأيدي والسلاسل على الظهور والصدور، وغيرها من مظاهر العزاء

ممّا تسالم عليه المسلمون وقامت عليه الأدلّة هو حرمة التشريع والتصرّف في أحكام الشريعة، فلا يجوز لأحد مِن الناس أنْ يقولَ في شرع الله بغير علم، فضلاً مِنْ أنْ يُشرّع أو يبتدع فيه(١) .

____________________

(١) فليحذر المؤمنون عن هذا المنزلق الخطير، ولا يتكلّموا في شيء ليس من اختصاصهم الكلام فيه ؛ إذ الكلّ مسؤول عن مقوله، فلا يحرّم أو يوجب أيَّ شيء على الآخرين، فقد جاءت الروايات الكثيرة المصرّحة بالنّهي عن التكلّم بغير علم وبيّنة في أحكام الشرع المقدّس، وخصوصاً إذا كان ذلك ابتغاء رضى مَنْ لا يرضي الله رضاهم فليتمهّل المؤمن وليسأل مقلّده، وليس له القدح في فتاوى الآخرين من المجتهدين أو توبيخ مقلّديهم، وليترك الاستحسانات التي لو تبنّاها لخرج من الإسلام، فأنا اُكثرُ من الروايات في هذا المضمون ليتبيِّن للمؤمنين (الكرام) الغافلين خطورة هذا الموقف :

وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ٧٢ / ٢٦ : (٣٣١١٩) ١٩ - محمّد بن الحسن، بإسناده عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن الحُسين، عن جعفر بن بشير، عن حمّاد، عن عاصم قال : حدّثني مولىً لسلمان عن عبيدة السلماني قال : سمعت عليّاً (عليه‌السلام ) يقول : (( يا أيها الناس، اتّقوا الله ولا تُفتوا الناس بما لا تعلمون ؛ فإنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد قال قولاً آل منه إلى غيره، وقد قال قولاً مَنْ وضعه غيرَ موضعهِ كذب عليه )) فقام عبيدة وعلقمة والأسود، واُناس معهم، فقالوا : يا أمير المؤمنين، فما نصنع بما قد خُبرنا به في المصحف ؟ فقال : (( يُسأل عن ذلك علماء آلِ محمّد)).

وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ٧٢ / ٢٩ : (٣٣١٢٨) ٢٩ - أحمد بن أبي عبد الله في (المحاسن)، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام ) عن مجالسة أصحاب الرأي، فقال : (( جالسهم، وإيّاك عن خصلتين تهلك فيهما الرجال : أن تدين بشيء من رأيك، أو تُفتي الناس بغير علم )).

وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ٧٢ / ٢٠ : (٣٣١٠٠) ١ - محمّد بن يعقوب، =

٣٢٥

____________________

= عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة قال : قال أبو جعفر (عليه‌السلام ): (( مَنْ أفتى الناس بغير علمٍ ولا هدىً مِنَ الله لعنته ملائكةُ الرحمة وملائكةُ العذاب، ولحقه وزرُ مَنْ عملَ بفتياه )).

وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ٧٢ / ٢٩ : (٣٣١٣٠) ٣١ - وعن محمّد بن عيسى، عن جعفر بن محمّد (بن) أبي الصباح، عن إبراهيم بن أبي سماك، عن موسى بن بكر، قال : قال أبو الحسن (عليه‌السلام ) : (( مَنْ أفتى الناس بغير علمٍ لعنته ملائكةُ الأرض وملائكةُ السّماء )).

وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ٧٢ / ٢٩ : (٣٣١٣١) ٣٢ - وعن أبيه، عن فضالة بن أيوب، عن إسماعيل بن (أبي) زياد، عن أبي عبد الله، عن أبيه (عليهما‌السلام )، قال : (( قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : مَنْ أفتى الناس بغير علمٍ لعنته ملائكةُ السّماء والأرض )).

وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ٧٢ / ٣٠ : (٣٣١٣٢) ٣٣ - الحسن بن علي بن شعبة في (تحف العقول)، عن النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال : (( مَنْ أفتى الناس بغير علمٍ لعنته ملائكةُ السّماء والأرض )).

وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ٧٢ / ٢١ : عميرة، عن مفضّل بن مزيد قال : قال أبو عبد الله (عليه‌السلام ) : (( أنهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال : أنهاك أنْ تَدين الله بالباطل، وتُفتي الناس بما لا تعلم )) ورواه البرقي في (المحاسن)، عن علي بن الحكم، والذي قبله عن الحسن بن محبوب مثله.

وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ٧٢ / ٢١ : (٣٣١٠٢) ٣ - وعن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال : قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام ) : (( إيّاك وخصلتين ففيهما هلك مَنْ هلك : إيّاك أنْ تُفتي الناس برأيك، أو تَدين بما لا تعلم )) ورواه البرقي في (المحاسن) عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن عبد الرحمن بن الحجّاج.

وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ٧٢ / ٢٢ : (٣٣١٠٤) ٥ - وعن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن علي الوشّا، عن أبان الأحمر، عن زياد بن أبي رجاء، عن أبي جعفر (عليه‌السلام ) قال : (( ما علمتم فقولوا، وما لم تعلموا فقولوا : الله أعلم إنّ الرجل لينتزع الآية يخرّ فيها أبعد ما بين السّماء [والأرض] )).

وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ٧٢ / ٢٢ : أبو عبد الله (عليه‌السلام ) قال : (( القضاة أربعة ؛ ثلاثة في النار، وواحد في الجنّة : رجل قضى بجور وهو يعلم، فهو في النّار، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم، فهو في النّار، ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم، فهو في النّار، ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم، فهو في الجنّة )) =

٣٢٦

____________________

= وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ٧٢ / ٢٤ : (٣٣١٠٩) ١٠ - وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام ) : ما حقّ الله على خلقه ؟ قال : (( أنْ يقولوا ما يعلمون، ويكفّوا عمّا لا يعلمون، فإذا فعلوا ذلك فقد أدّوا إلى الله حقّه )).

وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ٧٢ / ٢٥ : (٣٣١١٣) ١٤ - وعنه عن أحمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن حمزة بن الطيّار أنّه عرض على أبي عبد الله (عليه‌السلام ) بعض خطب أبيه، حتّى إذا بلغ موضعاً منها، قال : (( كفَّ واسكتْ )) ثمّ قال : (( [إنّه] لا يسعكم فيما ينزل بكم ممّا لا تعلمون إلّا الكفّ عنه والتثبّت، والردّ إلى أئمّة الهدى حتّى يحملوكم فيه على القصد، ويجلو عنكم فيه العمى (٣) قال الله تعالى :( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لاَ تَعْلَمونَ ) (سورة الأنبياء / ٧).

وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ٧٢ / ٣٠ : (٣٣١٣٥) ٣٦ - محمّد بن علي بن الحُسين في (الأمالي) عن ابن المتوكّل، عن السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عبد العظيم الحسني، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام )، عن آبائه (عليهم‌السلام ) - في حديث - قال : (( ليس لك أنْ تتكلّم بما شئت ؛ لأنّ الله (عزّ وجلّ) يقول :وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ))(سورة الإسراء / ٣٦).

ومن ذلك ما رواه صحيح البخارى ١ / ٣٣، قال : حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال : حدّثني مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال : سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقول : (( إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكنْ يقبض العلم بقبض العلماء، حتّى إذا لمْ يُبقِ عالماً اتّخذ الناسُ رؤوساً جهّالاً فسُئِلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا )).

وروى أيضاً في صحيح البخارى ٤ / ١٦٠، وصحيح مسلم ٨ / ٦٠ واللفظ للأوّل : حدّثنا أبو النعمان، حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس (رضي ‌الله‌ عنه ما) قال : إذا سرّك أنْ تعلم جهل العرب، فاقرأ ما فوق الثلاثين ومئة في سورة الأنعام :( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ - إلى قوله - قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مهْتَدِينَ ) .

وروى مسلم في صحيح مسلم ١ / ١٢ قال : (وحدّثني) أبو بكر بن النضر بن أبي النضر، قال : حدّثني أبو النضر هاشم بن القاسم، حدّثنا أبو عقيل صاحب بهية، قال : كنت جالساً عند القاسم بن عبيد الله ويحيى بن سعيد، فقال يحيى للقاسم : يا أبا محمّد، إنّه قبيح على مثلك عظيم أنْ تسأل عن شيء مِنْ أمر هذا الدين، فلا يوجد عندك منه علم ولا =

٣٢٧

فأفعال المكلّفين موضوع، ومصبّ الأحكام الشرعية التكليفيّة موضوع آخر، فلا يخلو فعل

____________________

= فرج، أو علم ولا مخرج فقال له القاسم : وعمّ ذاك ؟ قال : لأنّك ابن إمامَي هدى ؛ ابن أبي بكر وعمر قال : يقول له القاسم : أقبح مِنْ ذاك عند مَنْ عقل عن الله أنْ أقول بغير علم، أو آخذ عن غير ثقة قال : فسكت فما أجابه.

وروى ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ١٢ / ٣٠٤ : أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن أحمد بن عبد الملك، وأبو الحسن مكي بن أبي طالب قالا : أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن خلف، أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، أنبأنا محمّد بن عبد الله بن عبد الحكم، أنبأنا ابن وهب، أخبرني سلمة بن علي، عن زيد بن واقد، عن حرام بن حكيم، قال : سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقول : (( حدّثوا عنِّي كما سمعتم، ولا حرج إلّا مَنْ افترى عليَّ كذباً متعمداً بغير علم، فليتبوّأ مقعده من النار )) انتهى.

وروى أيضاً في تاريخ مدينة دمشق ٥١ / ٩٤ : أخبرنا أبو الحسن بن أبي الحديد، أنبأنا جدّي أبو عبد الله، أنبأنا أبو علي الأهوازي، حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عبيد الله العجلي المقرئ، حدّثنا أبو بكر محمّد بن أحمد بن عمر الداجوني المقرئ، حدّثنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن عثمان الرازي، عن أحمد بن أبي شريح، أنبأنا أبو نعيم الفضل بن دكين، عن سفيان الثوري، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( مَنْ كذب في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار )).

وروى أيضاً ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ٥٢ / ١٩، في ترجمة محمّد بن إسحاق أخي العريف، قال : روى عنه علي الحنائي، قرأت بخط أبي الحسن علي بن محمّد الحنائي، أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن إسحاق بن إبراهيم الأنطاكي أخو العريف الشيخ الصالح، حدّثنا أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي الحافظ، حدّثني أبي، حدّثني عبد الله، حدّثنا سيّدي على بن موسى الرضا (عليه‌السلام ) : (( حدّثني موسى بن جعفر (عليه‌السلام )، حدّثني جعفر بن محمّد (عليه‌السلام )، حدّثني علي بن الحُسين (عليه‌السلام )، عن الحُسين (عليه‌السلام )، حدّثنا علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) قال : سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وهو يقول : مَنْ أفتى بغير علم لعنته ملائكةُ السّماء والأرض )).

وروى الدارمي في سننه ١ / ٩١ : (أخبرنا) مروان بن محمّد، ثنا سعيد بن عبد العزيز، قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل المدينة : أنّه مَنْ تعبّد بغير علم كان ما يُفسد أكثر ممّا يُصلح، ومَنْ عدّ كلامَه مِنْ عمله قلّ كلامه إلّا فيما يعنيه، ومَنْ جعل دينه غرضاً للخصومة كثُرَ تنقّله.

٣٢٨

المكلّف مِنْ حكم شرعي متعلّق به ؛ أمّا الوجوب، أو الحرمة، أو الاستحباب، أو الكراهة، أو الإباحة ؛ فإنْ دلَّ الدليل على أحدها بالخصوص فبها، وإلّا فيرجع إلى العمومات، كأصالة الإباحة مثلاً أو الاشتغال.

وقبل الخوض في أحكام هذه المظاهر والشعائر الحُسينيّة، لا بدَّ لنا - أوّلاً - مِنْ معرفة حقيقتها والمقصود منها :

فالتطبير حقيقته إخراج الدّم من البدن، وبالخصوص مِنَ الرأس بجرحِ جلدته بالسّيف، أو المواسي (أو الأمواس)، أو غيرها واللّطم : هو ضرب البدن باليد أو بالسّلاسل أو غيرها.

فالسؤال : هل هذه الأفعال محرّمة في نفسها أم لا ؟ والجواب : أمّا بنحو الإجمال، فإنّ التحريم يحتاج إلى دليل كباقي الأحكام الشرعيّة كما تقدّم، والإفتاء به بغير علم تشريعٌ محرّم وبعد العجز عن الدليل فالأصل والقاعدة في الأشياء هي الإباحة، أي الحكم بإباحته ؛ وأمّا تفصيل الكلام في المقام، فهو أنّ دعوى تحريم هذه الأفعال يحتاج إلى دليل يكون حجّة بين المفتي بها وبين الله (عزَّ وجل).

والمتصوّر مِنْ الأدلّة التي يمكن أنْ تُذكر للاستدلال على الحرمة اُمور :

الأمر الأوّل : الإضرار بالنّفس ؛ فإنّ إخراج الدّم من البدن ضررٌ به، والضرر محرّم، فالتطبير محرّم، وكذا ضرب البدن باليد أو بالسّلاسل.

جواب الأمر الأوّل : الكلام أوّلاً يقع في الكبرى التي حاصلها : أنّ كلَّ ضرر بالنّفس محرّم وهي غير مسلّمة ؛ إذ الضرر المحرّم هو الضرر المعتدّ به عرفاً وشرعاً وليس كلّ ضرر، وإلّا فكثير من الاُمور المباحة، بل المستحبّة، بل حتّى الواجبات لا تخلو من الضرر، كالصيام، والحجّ، والوضوء بالنسبة إلى مَنْ يتضرّر بالماء ضرراً غير معتدٍّ به، وكالتجارة وغيرها مِنْ الأعمال المباحة، مثل ركوب البحر، وحفر الآبار، والأعمال الليليّة كالحراسة، وغيرها من الحرف والمهن التي فيها ضرر على البدن ؛ لحرارة الشمس، أو سهر ليلٍ، أو غير ذلك.

٣٢٩

فالمناط إذاً في تحديد الضرر المثبت للحرمة بالعنوان الأوّلي، والنافي للحكم الشرعي بالعنوان الثانوي هو الشرع، وإلّا فالعرف وأذكر على سبيل المثال بعض أقوال علمائنا الأبرار (رضوان الله عليهم)، ثمّ أعقبه بأقوال علماء أهل الخلاف في بعض الأحكام الضرريّة ليتبيَّن الحال.

أقوالُ بعض علماء الشيعة (رضوان الله عليهم)

قال الحر العاملي : أقول : نفي الحرج مجمل(١) ، لا يمكن الجزم به فيما عدا تكليف ما لا يُطاق، وإلّا لزم رفع جميع التكاليف(٢) .

قال العلّامه الحلي (رحمه‌الله ) : ولا يتحقّق الإكراه مع الضرر اليسير(٣) .

قال الفاضل الهندي : (ولو لم يتضرر) ضرراً شديداً (وجب) ؛ اتّفاقاً للعمومات، وأمّا الضرر اليسير فلا يخلو المسافر منه غالباً(٤) .

قال ابن العلّامه (رحمه‌الله ) : (ج) الاختيار، فلا يقع طلاق المكرَه، وهو مَنْ توعّده القادر المظنون فعل ما توعّد به لو لمْ يفعل مطلوبه بما يتضرّر به في نفسه، أو مَنْ يجري مجرى نفسه كالأب والولد وشبههما، من

____________________

(١) لا يخفى أنّه وقع الكلام في المراد من الضرر والحرج في قاعدة الحرج ولا ضرر، أهو مطلق الحرج والضرر، أم الحرج والضرر غير المتحمّل عادة ؛ ولهذا عبّر صاحب الفصول المهمّة بالإجمال في ما عدا الحرج غير المتحمل عادة.

(٢) الفصول المهمة في اُصول الأئمّة - الحر العاملي ١ / ٦٢٦.

(٣) شرائع الإسلام - المحقق الحلي ٣ / ٥٨٠.

(٤) كشف اللثام (ط .ج) - الفاضل الهندي ٥ / ١١٢.

٣٣٠

جرح، أو شتم، أو ضرب، أو أخذ مال وإنْ قلَّ، أو غير ذلك، ويختلف بحسب اختلاف المكرَهين في احتمال الإهانة وعدمها، ولا إكراه مع الضرر اليسير(١) .

وذكر السيد الخوئي (قدس‌سره ) : أنّ المحرّم إنّما هو الإضرار بالغير، وأمّا الإضرار بالنّفس فلمْ يقُمْ على حرمته دليلٌ، فلا مانع مِنْ أكل الطعام الذي يجب(٢) المرض يوماً أو يومين أو أكثر، اللهمَّ إلّا أنْ يكونَ الإضرار بالنّفس ممّا نقطع بعدم رضا الشارع به، كقتل النّفس، أو قطع الأعضاء، أو نحوهما وعليه فلو تحمّل الضّرر وتوضّأ أو اغتسل، فحكمه حكم الفرع الآتي، وهو ما إذا كان الوضوء أو الغسل حرجيّاً وتحمّل الحرج، فتوضّأ أو اغتسل(٣) .

قال السيد السيستاني (حفظه الله) : البحث الثالث، في أنّ حرمة الإضرار بالنّفس هل توجب الحكم بفساد الوضوء والغسل المضرّين في حال الجهل والعلم أو لا ؟

ويلاحظ أوّلاً : أنّه لمْ تثبت حرمة الإضرار بالنّفس مطلقاً، وإنّما الثابت حرمته فيما يكون مِنْ قبيل هلاك النّفس أو ما يلحق به - كما أوضحنا ذلك في بحث الوضوء من شرح العروة - وعليه فالكلام في هذا البحث فيما إذا كان الضّرر اللازم مِنَ الوضوء والغسل كذلك(٤)

وذكر السيد محمّد صادق الروحاني (حفظه الله) : أنّ الإضرار بالنّفس ما لمْ يبلغ إلى الهلاكة، أو قطع عضو مِن الأعضاء - الذي

____________________

(١) إيضاح الفوائد - ابن العلّامه ٣ / ٢٩٢.

(٢) هكذا وردت المفردة (يجب) هنا وفي أصل المصدر المستقاة منه، ولعلها (يجلب) (موقع معهد الإمامين الحَسنَين)

(٣) كتاب الطهارة - السيد الخوئي ٩ / ٤٢٠.

(٤) قاعدة لا ضرر ولا ضرار - تقريرات بحث السيّد السيستاني / ٢٨٨.

٣٣١

عُلم مبغوضيّتُه في الشريعة - لا دليل على حرمته كما حقّقناه في محله(١) .

بعض أقول علماء أهل الخلاف : فقد قسَّم أبو بكر الكاشاني - مثلاً - الإكراه على الفعل الحرام إلى قسمين : منه ما فيه ضرر تام، وهو ما فيه وعيد بتلف نفس أو تلف عضو، ومنه ما فيه ضرر ناقص، فقال عنه : وإنْ كان الإكراه ناقصاً لا يحلُّ له الإقدام عليه، ولا يُرخّص أيضاً ؛ لأنّه لا يفعله للضرورة، بل لدفع الغمّ عن نفسه، فكانت الحرمة بحكمها قائمة، وكذلك لو كان الإكراه بالإجاعة بأنْ قال : لتفعلنَّ كذا وإلّا لأجيعنَّك لا يحلُّ له أنْ يفعلَ حتّى يجيئه مِنَ الجوع ما يخاف منه تلف النّفس أو العضو ؛ لأنّ الضرورة لا تتحقّق إلّا في تلك الحالة، والله تعالى أعلم(٢) .

____________________

(١) فقه الصادق (عليه‌السلام ) - السيّد محمّد صادق الروحاني ١ / ٣١٨.

(٢) بدائع الصنائع - أبو بكر الكاشاني ٧ / ١٧٦.

أقول وأذكر كلمات بعض علماء أهل الخلاف في هذا : قال ابن عابدين في حاشية ردّ المحتار ١ / ٣٠٢، في شرح (إنْ ضرّ) : المراد الضرر المعتبر لا مطلقه ؛ لأنّ العمل لا يخلو عن أدنى ضرر، وذلك لا يبيح الترك.

وقال ابن تيمية في اقتضاء الصراط ١ / ٣٤٧ : والأسباب المشروعة في حصول هذه المطالب المباحة أو المستحبة، سواء كانت طبيعيّة كالتجارة والحراثة، أو كانت دينيّة كالتوكّل على الله والثقة به، وكدعاء الله سبحانه على الوجه المشروع في الأمكنة والأزمنة التي فضّلها الله ورسوله بالكلمات المأثورة عن إمام المتّقين (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، كالصدقة وفعل المعروف، فيحصل بها الخير المحض أو الغالب، وما يحصل مِنْ ضررٍ بفعل مشروع أو ترك غير مشروع ممّا نهى عنه فإنّ ذلك الضرر مكثور في جانب ما يحصل مِنَ المنفعة، وهذا الأمر كما أنّه قد دلَّ عليه الكتاب والسنّة والإجماع، فهو أيضاً معقول بالتجارب المشهورة والأقيسة الصحيحة.

قال ابن القيّم في أعلام الموقعين ٣ / ١٧٠ : . فالشريعة لا تحرّم الضرر الأدنى، وتبيح ما هو أعلى منه.

٣٣٢

فعلى هذا ليس كلُّ ما فيه ضرر حراماً، بل الحرام هو الموجب لتلف النّفس، أو للمرض الموجب لشلِّ الحركة مثلاً، أو الموجب لتلف جزء مِنَ البدن، مثل الإلقاء مِنْ شاهق، وشرب السمّ، والانتحار، وقطع عضوٍ وغير ذلك، فلهذا إذا لزم مِنْ أيِّ عملٍ كان - سواء كان واجباً كالصيام أو مباحاً - تلفُ النّفس، أو المرضُ الموجب لشلِّ الحركة، فلا يجب، أو يكون محرّماً.

وأمّا الكلام في الصغرى التي حاصلها أنّ إخراج الدّم مِنَ البدن ضرر فغير صحيحة أيضاً ؛ إذ إخراج الدّم مِنَ البدن ليس بضرر على البدن، كيف وهو مِنْ موجبات الصحة له ؛ لتجدّد الدورة الدّموية مثلاً، ولدفع الأمراض والسّموم ورفعها كما ورد في الحجامة والفصد ؛ فإنّ لهما منافع جمّة حتّى حبّبتهما الشريعة المقدّسة، حتّى وردت الأحاديث الكثيرة في استحباب إخراج الدّم من البدن، سواء كان من الرأس(١) أو غيره، وهو ما يسمّى بالحجامة أو الفصد، فالآثار

____________________

(١) فقد روي في وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ١٧ / ١١٣ : (٢٢١٢٠) ٦ - . وعن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن أبي عبد الله رفعه إلى أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليه‌السلام ) قال : (( احتجم النّبيُّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في رأسه، وبين كتفيه، وفي قفاه ثلاثاً ؛ سمّى واحدة : النافعة، والاُخرى : المغيثة، والثالثة : المنقذة )).

وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ١٧ / ١١٢ : (٢٢١١٧) ٣ - وعن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن فضال، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه‌السلام ) قال : (( الحجامةُ في الرأس هي المغيثةُ تنفع من كلِّ داء إلّا السّام. وشبرٌ مِنَ الحاجبين إلى حيث بلغ إبهامه )) ثمّ قال : (( ههنا )).

وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ١٧ / ١١٥ : (٢٢١٢٥) ١١ - وعن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن الحُسين بن أبي الخطاب، عن حمّاد بن عيسى، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه‌السلام ) قال: (( الحجامةُ يوم الإثنين من آخر النّهار تسلُّ الداء سلاً من البدن )).

وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ١٧ / ١١٣ : ٥ - وعن محمّد بن الحسن، عن الصفار، عن أحمد بن أبي عبد الله رفعه، قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( نعمَ العيد الحجامة - يعني بالعيد العادة - تجلوا البصر، وتذهب بالداء)).

وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ١٧ / ١١٥ : (٢٢١٢٦) =

٣٣٣

التكوينيّة للحجامة والفصد هي أيضاً آثار للتطبير، وأمّا مسألة قصد عنوان الحجامة - لكي تكون حجامة وعدم قصدها لكي لا تكون - فهو لا أثر له في

____________________

= ١٢ - وعن محمّد بن الحسن، عن سعد، عن البرقي، عن أبي الخزرج، عن سليمان، عن أبي سعيد الخدري، قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( مَنْ احتجم يوم الثلاثاء لسبع عشرة، أو تسع عشرة، أو لإحدى وعشرين من الشهر كانت له شفاء من أدواء السّنة كلّها، وكانت لما سوى ذلك شفاء مِنْ وجع الرأس، والأضراس، والجنون، والبرص، والجذام )).

وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي ١٧ / ١١٥ : (٢٢١٢٨) ١٤ - وعن محمّد بن الحسن، عن الصفّار، عن أحمد بن محمّد، عن عبد الرحمن بن عمر بن أسلم، قال : رأيت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام ) احتجم يوم الأربعاء وهو محموم، فلم تتركه الحمّى، فاحتجم يوم الجمعة فتركته الحمّى.

ومِنْ ذلك ما رواه البخاري في صحيحه الجزء الأوّل : ٣٤ - أبواب الإحصار وجزاء الصيد ٢٢ - باب : الحجامة للمحرم الحديث رقم : ١٧٣٩ - حدّثنا خالد بن مخلد : حدّثنا سليمان بن بلال، عن علقمة بن أبي علقمة، عن عبد الرحمن الأعرج، عن ابن بحينة (رضي‌الله‌عنه )، قال : احتجم النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وهو محرم، بلحي جمل، في وسط رأسه.

صحيح البخاري الجزء الرابع : ٧٩ - كتاب الطب ١٤ - باب : الحجامة على الرأس الحديث رقم : ٥٣٧٣ - حدّثنا إسماعيل قال : حدّثني سليمان، عن علقمة : أنّه سمع عبد الرحمن الأعرج، أنّه سمع عبد الله بن بُحَينة يُحدّث : أنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) احتجم بِلَحْيِ جمل مِنْ طريق مكّة، وهو محرم، في وسط رأسه وقال الأنصاري : أخبرنا هشام بن حسّان : حدّثنا عكرمة، عن ابن عبّاس (رضي‌ الله ‌عنهم) : أنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) احتجم في رأسه.

صحيح البخاري : الجزء الرابع ٧٩ - كتاب الطب ١٥ - باب : الحجم من الشقيقة والصداع الحديث رقم : ٥٣٧٤ - حدّثني محمّد بن بشّار : حدّثنا ابن أبي عدي، عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عبّاس : احتجم النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في رأسه، وهو محرم، من وجع كان به، بماء يُقال له : لحْيُ جَمَلٍ.

وقال محمّد بن سواء : أخبرنا هشام، عن عكرمة، عن ابن عبّاس : أنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) احتجم وهو محرم في رأسه، مِنْ شقيقة كانت به.

وفي الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي، المجلد الثالث - فصل : في المحلّى بأل من حرف الحاء الحديث رقم : ٣٧٨١ - (( الحجامة في الرأس هي المغيثة، أمرني بها جبريل حين أكلت طعام اليهوديّة )) التخريج (مفصّلاً) : ابن سعد عن أنس.

٣٣٤

ذات هذه الآثار المترتّبة على إخراج الدّم ؛ وذلك لأنّ الفوائد - مثل تجديد الدورة الدّموية، وإخراج السّموم، وإخراج كريات الدّم الهرمة وغيرها - مترتّبة على نفس إخراج الدّم، لا على الإخراج مع قصد الحجامة أو غيرها فعلى هذا يكون إخراج الدّم من البدن لا دليل على حرمته، والأصل الإباحة وهذا لا كلام فيه.

فالتطبير واللّطم والضرب بالسّلاسل وغيرها إذا لم يبلغ مبلغ تلف النفس، أو تلف العضو، أو المرض الموجب لشلِّ الحركة فهو على الإباحة، بل يكون على الاستحباب والندب فضلاً عن الإباحة ؛ وذلك لاندراجه تحت عنوان ثبت استحبابه وهو الجزع والتفجّع والتوجّع لمصيبة سيّد الشهداء الإمام الحُسين بن علي (عليه‌السلام )، فالبكاء وإقامة العزاء بأنواعه عليه (صلوات الله عليه) من المستحبّات والمندوبات، حيث ثبت استحبابهما.

فالتطبير في نفسه مباح، وربما يكون مستحبّاً من حيث إنّه مظهر من مظاهر الاستعداد للتضحية والفداء لمبادئ الإمام الحُسين بن علي (عليه‌السلام ) التي هي مبادئ الشريعة المقدّسة فكما أنّ التدريبات الشاقّة - التي هي أعظم بكثير من التطبير - التي يقوم بها جيوش المسلمين في معسكراتهم ؛ استعداداً لمواجهة أعداء الدين - مثلاً - جائزة ومحبّبة، فكذلك التطبير والضرب على الصدور.

وشعيرة التطبير ليس بأعظم من تلك الاُمور كمّاً، نعم هي أعظم منها كيفاً، حيث إنّها توجد الدواعي المعنوية في النفس والبدن استعداداً للدفاع عن المبادئ والمقدّسات الإسلامية،

٣٣٥

فالنتيجة أنّ التطبير حكمه الأوّلي الإباحة أو الاستحباب.

أمّا بالنسبة إلى حكمه الثانوي فهذا قد يختلف على حسب الأنظار، فإذا أفتى مجتهد بحرمته لأجل العناوين الطارئة حسبما توصّل إليه نظره فقوله محترم، ولا يشنّع عليه كما لا يشنّع هو على غيره، وأيضاً ليس له إلزام الآخرين بقوله من العلماء والمقلّدين لغيره، وهذا لا خلاف فيه بين شيعة أهل البيت (عليهم‌السلام ).

الأمر الثاني : وهو فيما يذكر بلحاظ حكمه الثانوي، أي بما أنّ التطبير حكمه الأوّلي الإباحة كما تقدّم، فيقع الكلام في إمكان كونه حراماً بلحاظ حكمه الثانوي، كأنْ يحرم لأجل تعنونه بعنوان قبيح ثبتت حرمته ؛ وذلك كلحاظ كونه - بالعنوان الثانوي - موجباً لتوهين المذهب وضعفه - كما قيل - فهو حرام ومحضور من باب العنوان الثانوي، فكثير من الأحكام بلحاظ حكمها الأوّلي الوجوب مثلاً أو الحرمة فينقلب بلحاظ طروء الحالات الثانوية عليه كالضرر والحرج مثل (الكذب) فهو من الكبائر والاُمور القبيحة، ولكن لإصلاح ذات البين يكون أمراً حسناً ومحبوباً(١) ، فيتغيّر حكمه الأوّلي

____________________

(١) وقد رويت روايات كثيرة في جواز الكذب في موارد، منها ما رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ٨٠ : وعن شداد بن أوس، عن النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال : (( ليس بالكاذب مَنْ أصلح بين الناس ؛ قال خيراً أو نمى خيراً )) رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه يحيى بن جرحة وثّقه ابن حبّان وغيره، وقزعة بن سويد الراوي عنه وثّقه ابن معين وغيره، وبقيّة رجال إحدى الطريقين رجال الصحيح.

وما رواه جلال الدين السيوطي في اللمع في أسباب ورود الحديث / ٩٤، قال : أخرج ابن جرير في تهذيبه، والخرائطي في مساوئ الأخلاق، والبيهقي في شعب الإيمان من طريق شهر بن حوشب، عن الزبرقان، عن النواس بن سمعان، قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( ما لي أراكم تتهافتون في الكذب كما تتهافت الفراش في النّار، ألا أنّ كلَّ كَذبٍ مكتوب على ابن آدم إلّا في ثلاث : كذب الرجل امرأته ليرضيها، وكذب الرجل للحرب ؛ فإن الحرب خدعة، وكذب الرجل في الإصلاح بين الرجلين ؛ فإنّ الله =

٣٣٦

لطروء ذلك عليه.

وما نحن فيه مثل التطبير واللطم وغيرهما من أنواع العزاء المباحة، يمكن أنْ يُدّعى أنّها محرّمة من جهة حكمها الثانوي، وهو أنّها من الاُمور التي تشين المذهب وتوهنه، وشين المذهب وتوهينه من المحرّمات، فيحرم التطبير والعزاء وغيرهما لذلك.

جواب الأمر الثاني : إنّ كلَّ عنوان يدّعى بأنّه عنوان ثانوي لا بدَّ من دليل على إثبات كون هذا العنوان موضوع للحكم الشرعي المدّعى له، وإلّا فلا ثمّرة في تحقّق هذا العنوان، بل ترتيب الحكم عليه من التشريع المحرّم، فالكلام في عنوان التوهين للمذهب هل هو حرام أم لا ؟

____________________

= تعالى يقول :لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إلّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ )).

وقال المناوي في شرح بعض هذه الأحاديث في فيض القدير شرح الجامع الصغير ٥ / ٨٠ : الكذب كلّه إثمٌ إلّا ما نفع به مسلم محترم في نفس أو مال، (أو دفع به عن دين) ؛ لأنّه لغير ذلك غشٌ وخيانة، ومِنْ ثمّ كان أشدّ الأشياء ضرراً والصدق أشدّها نفعاً، وقبح الكذب مشهور معروف ؛ إذ ترك الفواحش بتركه وفعلها بفعله، فموضعه من القبح كموضع الصدق من الحسن، ولهذا أجمع على حرمته إلّا لضرورة أو مصلحة قال الغزالي : وهو مِنْ اُمّهات الكبائر.

ومثل هذا واقعة عمّار بن ياسر ما قاله له سيّد الخلق النّبي محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( فإنْ عادوا فعُد لهم )) فقد روى جلال الدين السيوطي في الدر المنثور ٤ / ١٣٢، قال : وأخرج عبد الرزاق، وابن سعد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والحاكم وصحّحه، والبيهقي في الدلائل من طريق أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار عن أبيه قال : أخذ المشركون عمّار بن ياسر فلمْ يتركوه حتّى سبّ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وذكر آلهتهم بخير، ثمّ تركوه، فلمـَّا أتى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال : (( ما وراءك شيء ؟ )) قال : شرّ ما تركت حتّى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير قال : (( كيف تجد قلبك ؟ )) قال : مطمئن بالإيمان قال : (( إنْ عادوا فعُد )) فنزلت :( إلّا مَنْ اُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) .

٣٣٧

ولا يخفى عليك أنّ كلَّ ما يوجب توهين المذهب إذا كان المقصود به معناه، وهو تضعيف المذهب بإلقاء الشبهات الموجبة للانحراف عن الحق، فهو حرام بلا إشكال، ولكان الشأن في كون التطبير واللّطم من جملتها ؛ وأمّا إنْ كان المقصود بالتوهين والتشيين هنا هو كون المذهب موضعاً لتهريج الآخرين وسخريتهم على أتباع هذا المذهب، فالتوهين والشين - أي استهزاء المستهزئين وعيب العائبين - لا أثر له في نفي أو إثبات الأحكام الإلهيّة(١) .

وذلك لأنّ استهزاء وسخرية هؤلاء على ما لمْ يعرفوا ملاكه من الأحكام، ليس من التوهين في شيء، بل مِنْ باب قوله تعالى :( وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون ) (٢) فاستهزاء أهل الباطل والضلال على أحكام الشريعة المقدّسة ليس وليد هذا الزمان فحسب، بل هو سيرة أهل الباطل وديدنهم منذ قيام الشرائع السّماوية إلى الخاتمة المهدوية، فهذه الأنبياء (عليهم‌السلام ) قد استُهزئ بهم وبما جاؤوا به، ومع ذلك لمْ يحدهم (عليهم‌السلام ) ذلك، ولمْ يمنعهم عن تبليغ دعوتهم، ولمْ يُغيّر شيء مِنْ أحكام الله لهذه الاستهزاءات، قال تعالى :( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون ) (٣) وقال تعالى :( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ

____________________

(١) ويمكن أنْ يعتبر بعض الفقهاء بهذا العنوان في التحريم أو لعنوان آخر مثلاً، فكلٌّ له حجّته، وقوله محترم، كقول غيره مِن العلماء، إلّا أنّه لا يلزم التشنيع على غيره ولا غيره عليه، كما هو ديدن علمائنا الأبرار، وإنّما هذا ينشأ مِنْ بعض المأجورين أو بعض الجهلة مِنْ المقلّدين.

(٢) سورة الزمر / ٤٨.

(٣) سورة الأنبياء / ٤١.

٣٣٨

سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ) (١) وقال تعالى :( وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ) (٢) وقال تعالى :( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثمّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ) (٣) .

ولو قلنا : بأنّ التطبير وما دونه من اللطم والضرب على الصدور موجب لسخرية المخالفين فهو موهن للمذهب فيحرم فعله، للزم أنْ يترك المسلمون رمي الجمرات، والطواف بالبيت، وكثير مِنَ الأحكام الشرعية ؛ لأنّها مثار سخرية الكفّار والمنافقين، ولا يلتزم بذلك أحدٌ يؤمن بالرسول محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ويمكن للبعض أنْ يدّعي التحريم مِنْ جهة كون هذه الأفعال بدعة والبدعة محرّمة، وهذا القول لا وجه له فيما نحن فيه، ولكي يتّضح الأمر، لا بدَّ مِنْ ذكر حقيقة البدعة وما يتعلّق بها.

____________________

(١) سورة الأنعام / ١٠.

(٢) سورة هود / ٣٨.

(٣) سورة الرعد / ٣٢.

٣٣٩

٣٤٠