مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء ٣

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف0%

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 545

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: زهير ابن المرحوم الحاج علي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 545
المشاهدات: 48685
تحميل: 4324


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 545 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48685 / تحميل: 4324
الحجم الحجم الحجم
مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء 3

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مِن البقيع، فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي، وأنا أقول : وا رأساه ! قال : (( بل أنا والله يا عائشة، وارأساه ! ))، ثمّ قال : ((ما ضرّكِ لو متِّ قبلي، فقمتُ عليك وكفّنتك، وصلّيت عليك ودفنتك )) فقلتُ : والله، لكأنّي بك لو فعلت ذلك رجعتَ إلى بيتي فأعرست ببعض نسائك قالت : فتبسّم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وتنام به وجعه، وهو يدور على نسائه، حتّى استعزَّ به وهو في بيت ميمونة، فدعا نساءه فاستأذنهنّ أنْ يمرض في بيتي، فاُذِنَ له، فخرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بين رجلين مِن أهله : أحدهما الفضل بن العبّاس، ورجل آخر، تخطّ قدماه الأرض، عاصباً رأسه حتّى دخل بيتي.

قال عبيد الله : فحدّثت هذا الحديث عنها عبد الله بن عبّاس، فقال : هل تدري مَنْ الرجل ؟ قلت : لا قال : عليّ بن أبي طالب (عليه‌السلام )، ولكنّها كانت لا تقدر على أنْ تذكره بخير، وهي تستطيع(١)

لـمـَّا سمعتْ ببيعة الناس لأمير المؤمنين (عليه‌السلام ) قالت : ودَدْتُ أنّ السّماء سقطت على الأرض

قال سبط ابن الجوزي، والطبري، واللفظ للأوّل قال : وفي الباب حكاية ذكرها صاحب بيت مال العلوم، وذكرها أيضاً صاحب عقلاء المجانين، عن أبي الهُذيل العلاّف، قال : سافرت مع المأمون إلى الرّقّة، فبينما أنا أسير في الفرات إذ مررنا بدير فوُصف لي فيه مجنون يتكلّم بالحكمة، فدخلتُ الدير، وإذا برجل وسيم نظيف فصيح، وهو مقيّد، فسلَّمت عليه فردَّ السّلام، ثمّ قال : قلبي يحدّثني أنّك لست مِن أهل هذه المدينة القليل عقول أهلها - يعني الرّقّة - قلت : نعم أنا مِن العراق فقال : إنّي أسألك فافهم ما أقول فقلتُ : سَل.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٢ / ٢٢٦.

٤٤١

فقال : اخبرني عن النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هل أوصى ؟ قلتُ : لا قال : فكيف ولي أبو بكر (رض) مجلسه من غير وصية ؟! فقلتُ : اختاره المهاجرون والأنصار ورضى به الناس فقال : كيف أجازه المهاجرون، وقد قال الزبير بن العوام : لا اُبايع إلّا عليَّ بن أبي طالب (عليه‌السلام )، وكذا العباس؟! وكيف اختاره الأنصار، وقد قالت : منَّا أمير ومنكم أمير، وولّوا سعد بن عبادة يوم السّقيفة، وقال عمر (رض) : اقتلوا سعداً قتله الله ؟! وكيف تقول : رضى به الناس، وقد قال سلمان الفارسي : كردي نكردي، أي فعلتموها، فَوجِئَتْ عُنُقُه ؟! وقال أبو سفيان بن حرب لعلي (عليه‌السلام ) : امدد يدك لاُبايعك، وإنْ شئت ملأتها خيلاً ورجالاً، ثمّ قعد بنو هاشم عن بيعة أبي بكر ستّة أشهر، فأين الإجماع ؟!

ثمّ لـمـَّا مات ولي أبو بكر الخلافة وحمد الله، ثمّ قال : وليتكم ولست بخيركم وكيف يتقدّم المفضول على الفاضل ؟! ولـمـَّا ولي عمر (رض) قال : ودَدْتُ أنّي كنت شعرة في صدر أبي بكر، ثمّ قال بعد ذلك : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله الاُمّة شرها، فمَنْ عادَ إلى مثلها فاقتلوه ؟! ثمّ إنّ عمر ردَّ السّبي الذي سباه خالد بن الوليد في أيّام أبي بكر ؛ فإنّ خالداً تزوّج امرأة مالك بن نويرة فردَّها عمر بعدما ولدت منه، ثمّ ولَّى عمر صهيباً على أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وهو عبد النمر بن قاسط، وكلّ هذا تناقض !!

وأخبرني عن عبد الرحمن بن عوف حين ولّى عثمان (رضي‌الله‌عنه ) الخلافة واختاره، هل ولاّه إلّا وهو يعرفه ؟ قلتُ : لا، فقد قال عبد الرحمن بن عوف بعد ذلك : ما كنت أحبّ أنْ أعيش حتّى يقول لي عثمان : يا منافق فمعرفة عثمان عبد الرحمن حين نسبه إلى النفاق كمعرفة عثمان إيّاه إذ ولاّه الخلافة !

٤٤٢

وأخبرني عن عائشة لـمـَّا كانت تحرّض الناس على عثمان يوم الدار وتقول : اقتلوا نعثلاً - قتله الله - فقد كفر، فلمـَّا ولي علي (عليه‌السلام ) الخلافة قالت : ودَدْتُ أنّ هذه سقطت على هذه، تعني السّماء على الأرض(١) ، ثمّ خرجت مِن بيتها تقاتل عليّاً (عليه‌السلام ) مع طلحة والزبير، وتسفك الدّم الحرام، والله تعالى يقول :( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الاُولَى ) (٢) وهذه مخالفة لله تعالى !!

ولـمـَّا قُتل عثمان جاء المسلمون والصحابة إرسالاً إلى علي (عليه‌السلام ) ليبايعوه، فلمْ يفعل حتّى قالوا له : والله، لئن لمْ تفعل لنلحقنَّك بعثمان.

فأخبرني أيُّما آكد : مَن ضرب سعداً ووجأ عنق سلمان، كمَنْ جاء الناس يكرهونه على البيعة؟ قال : فلمْ أحر جواباً، وسقط في يدي قال : في كمْ يجب القطع في السّرقة ؟ قلت : ربع دينار. فقال : كمْ أعطاك هذا الذي جئت معه إلى هاهنا ؟ فقلت : خمسمئة دينار فقال : يجب أنْ تُقطع أعضاؤك بحساب ما أخذت قلت : ولِمَ ؟! قال : لأنّك سرقت مال المسلمين فقلت : الخليفة أعطاني مِن ماله فقال : ومِن أين ماله ؟ المال لله تعالى ولعامّة المسلمين والله، إنّك لأحقُّ بهذا السّعوط الذي اُسعط به كلّ يوم والقيد منِّي قال : فخرجت مِن عنده وأنا خجلٌ، فحدّثت المأمون حديثه، فاستطرفه وبقي زماناً يستعيده منِّي(٣) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ١٢، ذكر قولها هذا.

(٢) سورة الأحزاب / ٣٣.

(٣) تذكرة الخواصّ - سبط ابن الجوزي / ٦٣ - ٦٤ ط منشورات الشريف الرضي أقول : مَنْ يتكلّم بهذا ليس من المجانين، ولكنّه ما حُبس وفُعل به ما فُعل إلّا لأنّه مِن أصحاب اللسان والعقل، مِن أصحاب أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) الذين يُخشى منهم.

٤٤٣

اتخاذُها قتل عثمان وسيلة للخروج على أمير المؤمنين (عليه‌السلام )

روى الطبري، قال : حدّثني عمر بن شعبة، قال : حدّثنا أبو الحسن المدائني، قال : حدّثنا سُحيم مولى وبرة التميمي، عن عبيد بن عمرو القرشي، قال : خرجت عائشة (رضي ‌الله‌ عنها ) وعثمان محصور، فقدم عليها (من) مكّة رجل يُقال له : أخضر، فقالت : ما صنع الناس ؟ فقال: قتل عثمانُ المصريِّين قالت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون، أيقتل قوماً جاؤوا يطلبون الحقّ وينكرون الظلم ! والله، لا نرضى بهذا(١) ثمّ قدم آخر، فقالت : ما صنع الناس ؟ قال : قتل المصريون عثمانَ قالت : العجب لأخضر ! زعم أنّ المقتول هو القاتل فكان يُضرب به المثل : أكذب مِن أخضر(٢) .

وذكر الطبري تحت عنوان ( قول عائشة ( رضي ‌الله‌ عنها) : والله، لأطلبنَّ بدم عثمان، وخروجها وطلحة والزبير فيمن تبعهم إلى البصرة ) رواه الطبري، وسبط ابن الجوزي، واللفظ للأوّل قال : كتب إليَّ علي بن أحمد بن الحسن العجلي أنّ الحُسين بن نصر العطّار، قال : حدّثنا أبي نصر بن مزاحم العطّار، قال : حدّثنا سيف بن عمر، عن محمّد بن نويرة وطلحة بن الأعلم الحنفي، قال : وحدّثنا عمر بن سعد، عن أسد بن عبد الله، عمّن أدرك مِن أهل العلم : أنّ عائشة ( رضي ‌الله‌ عنها ) لـمـَّا انتهت إلى (سرف) راجعة في طريقها إلى مكّة لقيها عبد بن اُمّ كلاب - وهو عبد بن أبي سلمة، يُنسب إلى اُمِّه - فقالت له : مهيم(٣) ؟

____________________

(١) فموقف عائشة المضاد لمْ يتغيّر تجاه عثمان إلى حين قتله ؛ ولهذا قالت عن المصريين : إنّهم قوم خرجوا يطلبون الحقّ وينكرون الظلم.

(٢) تاريخ الطبري ٣ / ٧.

(٣) الصحاح - الجوهري ٥ / ٢٠٣٨، قال : ( مهيم ) : كلمة يستفهم بها، معناها : ما حالك وما شأنك ؟

٤٤٤

قال : قتلوا عثمان (رضي‌الله‌عنه )، فمكثوا ثمانياً قالت : ثمّ صنعوا ماذا ؟ قال : أخذها أهل المدينة بالاجتماع، فجازت بهم الاُمور إلى خير مجاز ؛ اجتمعوا على علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) فقالت: والله، ليت أنّ هذه انطبقت على هذه إنْ تمَّ الأمر لصاحبك، ردّوني ردّوني فانصرفت إلى مكّة، وهي تقول : قُتِلَ - والله - عثمان مظلوماً والله، لأطلبنَّ بدمه فقال لها ابن اُمِّ كلاب : ولِمَ ؟! فوالله إنّ أوَّل مَنْ أمال حرفه لأنتِ، ولقد كنتِ تقولين : اقتلوا نعثلاً فقد كفر.

قالت : إنّهم استتابوه ثمّ قتلوه، وقد قلتُ وقالوا، وقولي الأخير خيرٌ مِن قولي الأوّل فقال لها ابنُ اُمّ كلاب :

فَمِنْكِ البداءُ ومنكِ الغِيَرْ

ومنكِ الرياحُ ومنكِ المطرْ

وأنتِ أمرتِ بقتلِ الإمامِ

وقلتِ لنا إنّه قد كَفَرْ

فَهَبْنَا أطعناكِ في قتلِهِ

وقاتلُه عندَنا مَنْ أَمَرْ

ولم يسقطِ السّقفُ من فوقِنا

ولم تنكسف شَمْسُنا والقمرْ

وقد بايعَ الناسُ ذا تُدرَإٍ

يُزيلُ الشّبا ويقيم الصَّعَرْ

ويلبسُ للحربِ أثوابَها

وما مَنْ وفى مِثْلُ مَنْ قَدْ غَدَرْ

فانصرفتْ إلى مكّة، فنزلتْ على باب المسجد فقصدتْ للحجر فسُترتْ، واجتمع إليها الناس، فقالت : يا أيُّها الناس، إنّ عثمان قُتِلَ مظلوماً، ووالله، لأطلبنَّ بدمه(١) .

ما قاله الشاعرُ أحمد شوقي في خروجها على أمير المؤمنين (عليه‌السلام )

قال أحمد شوقي :

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ١٢، تذكرة الخواصّ - سبط ابن الجوزي / ٦٦ - ٦٧ ط منشورات الشريف الرضي، ولكنّه ذكر بدل (ومنك الغير) (ومنك العويل)، وبدل (رجاء لنا أنّه قد كفر) (وقلت لنا أنّه قد كفر)، وبدل (للحرب أثوابها) (للحرب أوزارها)، وبدل (قد غدر) (قد عثر).

٤٤٥

أمَّا الإمام فالأغرُّ الهادي

حامي عرين الحقِّ والجهادِ

يا جبلاً تأبى الجبَالُ ما حَمَلْ

ماذا جنتْ عليك رَبَّةُ الجَمَلْ

آثارُ عثمانَ الذي شَجَاها

أم غُصَّةٌ لمْ ينتزعْ شَجَاها

قضيةٌ مِنْ دمِهِ تبنيها

هَبَّتْ لها واستنفرتْ بنيها

ذلك فتقٌ لم يكنْ بالبالِ

كيدُ النساءِ موْهِنُ الجبالِ

إلى أنْ يقول :

صاحبةُ الهادي وصاحباهُ

فكيف يمضون لِمَا يأباهُ

وجاء في الاُسْدِ أبو تُرَابِ

على متون الضمَّر العرَابِ

يرجو لِصدْعِ المؤمنين رَأْبَا

وأمهُمْ تدفعُهُ وتأبى(١)

نهيُ النّبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لها عن الخروج على الإمام أمير المؤمنين (عليه‌السلام )

قال الهيثمي في مجمعه : وعن علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) قال : (( قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : إنّه سيكون اختلاف وأمر، فإنْ استطعت أنْ تكون السلم فافعل )) رواه عبد الله، ورجاله ثقات(٢) .

وقال أيضاً : وعن أبي رافع أنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال لعلي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) : (( إنّه سيكون بينك وبين عائشة أمر قال : أنا يا رسول الله ! قال : نعم قال : أنا أشقاهم يا رسول الله ! قال : لا، ولكنْ إذا كان ذلك فاردُدْها إلى

____________________

(١) الموسوعة الشوقيّة، جمع وترتيب إبراهيم الأنباري ٩ / ٦٢، دول العرب وعظماء الإسلام، نقلاً من كتاب وارثة خديجة اُمّ سلمة اُمّ المؤمنين للعلّامه الشيخ نزار سنبل (حفظه الله ورعاه).

(٢) مجمع الزوائد - الهيثمي ٧ / ٢٣٤، وفي ط ص٤٧٣ - ٤٧٤.

٤٤٦

مأمنها )) رواه أحمد والبزّار والطبراني، ورجاله ثقات(١) .

وقال أيضاً : وعن قيس بن أبي حازم : أنّ عائشة لـمـَّا نزلت على الحوأب سمعت نباح الكلاب، فقالت : ما أظنّني إلّا راجعة ؛ سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقول لنا : (( أيّتكنَّ ينبح عليها كلاب الحوأب ؟ )) فقال لها الزبير : ترجعين عسى الله أنْ يصلح بك بين الناس رواه أحمد وأبو يعلى والبزّار، ورجال أحمد رجال الصحيح(٢) .

وقال أيضاً : وعن ابن عبّاس قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لنسائه : (( ليت شعري ! أيّتكنَّ صاحبة الجمل الأدبب تخرج فينبحها كلاب الحوأب، يُقتلُ عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير، ثمّ تنجو بعد ما كادت ؟ )) رواه البزّار، ورجاله ثقات(٣) .

وقال عبد الرزاق الصنعاني في المصنّف : أخبرنا عبد الرزاق عن معمّر، عن ابن طاووس، عن أبيه : أنّ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال لنسائه : (( أيّتكن تنبحها كلاب ماء كذا وكذا )) - يعني الحوأب - فلمـَّا خرجت عائشة إلى البصرة نبحتها الكلاب، فقالت : ما اسم هذا الماء ؟ فأخبروها، فقالت : ردّوني فأبى عليها ابن الزبير(٤) .

وقال الهيثمي أيضاً : وعن أبي سعيد - يعني الخدري - قال : كنَّا عند بيت النّبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في نفر مِن المهاجرين والأنصار، فقال : (( ألا اُخبركم بخياركم )) قالوا :

____________________

(١) مجمع الزوائد - الهيثمي ٧ / ٢٣٤، و في ط ص٤٧٤.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) المصنّف - عبد الرزاق الصنعاني ١١ / ٣٦٥.

٤٤٧

بلى قال : (( خيارُكم الموفون المطيّبون ؛ إنّ الله يُحبُّ الخفيَّ التقيَّ )) قال : ومرَّ علي بن أبي طالب (عليه‌السلام )، فقال : (( الحقّ مع ذا، الحقّ مع ذا )) رواه أبو يعلى، ورجاله ثقات(١) .

أقول : لا يخفى على مسلم، فضلاً عن أمِّ المؤمنين عائشة، بأنّ الإمام علياً (عليه‌السلام ) الحقّ معه والقرآن معه، بل هو الحقّ المبين الذي بيّنه الرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لجميع المسلمين، فلا تشك بأنّها تخرج وهي ظالمة له، وبهذه الروايات يعرف موقفها.

أما أنّها أرادت الإصلاح فهذا لا يعقل ؛ بمخالفتها الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بما تقدّم عليك مِن الروايات، بل حتّى لو لمْ توجد هذه الروايات فخروجها خروج بغير حقٍّ ؛ إذ ليست هي وليّة دم عثمان بن عفّان حتّى يجوز لها المطالبة بدمه ويُقتل مَنْ يُقتل بسببها، وأيضاً لا عذر لها في خروجها على أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) ؛ وذلك لما ثبت في حقِّ علي (عليه‌السلام ) بأنّه مع الحقّ والحقّ معه، والقرآن معه، وأنّ حبَّه إيمان وبغضه نفاق، وغيرها، كيف بقتله ؟! فلو أرادت الإصلاح، فلماذا خرجت بأخذ الثأر ؟! ولماذا أمرت بالتمثيل وقتل والي البصرة ؟!(٢) ، ولماذا لمْ تتوقّف عن الحرب، بل استمرت في حربها عدّة

____________________

(١) مجمع الزوائد - الهيثمي ٧ / ٢٣٤، وفي ط ص٤٧٥.

(٢) قال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ / ٦٩، ط منشورات الشريف الرضي : ثمّ إنّ طلحة والزبير اغتالا عثمان بن حنيف في ليلة مظلمة، وكان بالمسجد في جماعة، فأوطؤه الأرجل، ونتفوا شعر وجهه فما أبقوا فيه شعرة، وأرسلوا إلى عائشة ليستشيروها فيه، فقالت : اقتلوه فقالت لها امرأة : ناشدتك الله في عثمان ؛ فإنّه صاحب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فقالت : احبسوه واضربوه أربعين سوطاً، وانتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبه وأشفار عينيه ففعلوا، ونهبوا بيت مال البصرة، وقتلوا سبعين رجلاً مِن المسلمين بغير جرم، فهم أوَّل مَنْ قُتِلَ في الإسلام ظلماً.

وذكر سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ أيضاً / ٦٢، ط منشورات الشريف الرضي، قول أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) في طلحة والزبير عندما أرادا الخروج عليه [ وقد ] استحجّا بالذهاب إلى العمرة، قال : . وقالا : ائذن لنا في العمرة فقال : (( والله، ما تريدان العمرة، وإنّما تريدان الغدرة والفتنة )) فقالا : كلاّ والله فقال : (( قد أذنت لكما، فافعلا ما شئتما )) وذلك بعد أربعة أشهر مِن خلافته (عليه‌السلام ).

٤٤٨

أيّام، وقُتِلَ الاُلوف مِن المسلمين، ومع ذلك يُقال : إنّها أرادت الإصلاح ؟!

هذا والشيء الآخر ما جرى بينها وبين اُمّ المؤمنين اُمّ سلمة (رضوان الله تعالى عليها) ؛ حيث إنّها نبّهتها وذكّرتها - لكي لا تدّعي النسيان أو غيره - بما قاله الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فإليك ما ذكره أبو جعفر الإسكافي المعتزلي تحت عنوان :

[ ما خطّته اُمّ المؤمنين عائشة، ونقضته اُمّ المؤمنين اُمّ سلمة (سلام الله عليها) ]

قال أبو جعفر الإسكافي : وفيما يؤثر عنها أنّ عائشة لـمـَّا لقيتها بمكّة قالت لها : يا بنت أبي اُميّة، كنتِ أوَّل ظعينة هاجرت، وكنت كبيرة اُمّهات المؤمنين، وكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يُقسم لنا مِن بيتك، وكان جبريل أكثر شيء تعبّداً في بيتك.

قالت اُمّ سلمة : يا بنت أبي بكر، لأمرٍ ما تقولين هذا القول قالت عائشة : إنّ ابني وابن اُختي أخبراني أنّ القوم استتابوا الرجل حتّى إذا تاب قتلوه - يعني عثمان -، وأخبراني أنّ ابن عامر أخبرهم أنّ بالبصرة مئة ألف يغضبون لقتله ويطلبون بدمه، وقد خشيت أنْ يكون بين الناس حرباً ودماً، فهل لكِ أنْ أسير أنا وأنت لعلّ الله أنْ يُصلح هذا الأمر على أيدينا ؟

قالت لها اُم سلمة : يا بنت أبي بكر، أبدم عثمان تطلبين ؟! فوالله، إنْ كنتِ لأشدَّ الناس عليه، وما كنتِ تدْعينه إلّا نعثلاً ! أمْ على عليِّ بن أبي طالب (عليه‌السلام ) تنقمين وقد بايعه المهاجرون والأنصار ؟! اُذكّرك الله خمساً سمعتهن أنا وأنتِ مِن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قالت : وما هنَّ ؟ قالت : [أتذكرين] يوم أقبل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ونحن معه، حتّى إذا هبط مِن (قديد) مال الناس ذات اليمين وذات الشمال،

٤٤٩

فأقبل هو وعلي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) يتناجيان، فأقبلتِ على جملك [عليهما] فنهيتُك، وقلتُ : رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مع ابن عمِّه، ولعلّ لهما حاجة، فعصيتيني فهجمت عليهما، فلمْ تلبثي أنْ رجعتِ تبكين، فقلتُ لكِ : قد نهيتك، فقلتِ : والله، ما جرّأني على ذلك إلّا أنّه يومي مِن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فقلتُ لكِ : ما أبكاكِ ؟ فقلتِ : هجمت عليهما فقلتُ : يا علي، إنّما لي مِن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مِن تسعة أيّام يومٌ، فلا تَدَعْني ويومي ؟ فأقبل عليَّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) غضباناً محمّراً وجهه، فقال : (( والله، لا يبغضه أحدٌ مِن أهل بيتي وغيرهم إلّا خرج مِن الإيمان، وإنّه مع الحقِّ والحقّ معه )) أتذكرين هذا ؟ قالت : نعم.

قالت : ويوم كنتُ أنا وأنت مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وأنت تغسلين رأسه وأنا أحيس [ له ] حيساً، وكان يعجبه، فرفع رأسه إليَّ، فقال : (( يا بنتَ أبي اُميّة، اُعيذك بالله أنْ تكوني منبحة كلاب الحوأب، وأنت يومئذ ناكبة عن الصراط )) فرفعتُ يدي مِن الحيس، فقلتُ : أعوذ بالله وبرسوله مِن ذلك فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( إنّ إحداكنَّ تفعل هذا )) أتذكرين هذا ؟ قالت : نعم.

قالت : ويوم كنَّا أزواج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في بيت حفصة بنت عمر فتبذّلنا لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ولبست كلُّ امرأة منَّا ثياب صاحبتها، فأقبل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حتّى جلس إلى جنبك، وكنت تعجبينه، فقال - وضرب بيده على ظهرك - : (( أترين يا حُميراء أنّي لا أعرفك، إنّ لاُمّتي منك يوماً مرّاً )) أتذكرين هذا ؟ قالت : نعم.

قالت : ويوم كنتُ أنا وأنت مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في بعض أسفاره، وكان علي (عليه‌السلام ) يتعاهد ثياب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ونعله،

٤٥٠

فإذا رأى ثوبه قد توسّخ غسله، وإذا رأى نعله قد نقبت أو رثّت خصفه، فأقبل علي (عليه‌السلام ) يوماً فأخذ نعل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فخصفها في ظل سمرة، فأقبل أبوك وعمر فاستأذنا، فقمنا إلى الحجاب فدخلا، ثمّ قالا : يا رسول الله، إنّا - والله - ما ندري ما قدر ما تصحبنا، أفلا تعلمنا خليفتك فينا فيكون مفزعنا إليه ؟ فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( أما إنّي قد أرى مكانه، ولو فعلتُ لنفرتم عنه كما نفرت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران )).

فلمـَّا أنْ خرجا خرجتُ أنا وأنت، فقلتِ له - وكنتِ جريئة عليه - : يا رسول الله، مَنْ كنتَ مستخلفاً عليهم ؟ فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( خاصف النعل )) قالت : فنظرتِ إلى علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) فقلتِ : يا رسول الله، ما أرى إلّا علي بن أبي طالب فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( هو ذاك )) أتذكرين هذا ؟ قالت : نعم.

قالت : ويوم جمع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أزواجه عند موته، فقال : (( يا نسائي، اتّقينَ الله وقَرْنَ في بيوتكنَّ، ولا يستفزنَّكنَّ أحد )) أتذكرين هذا ؟ قالت : نعم فخرجتُ مِن عندها وقد ضعفت عزيمتها وفترت عن الخروج، وأمرت مناديها فنادى بمكّة : ألا إنّ اُمّ المؤمنين قد بدا لها مِن الخروج فاجتمع عليها طلحة والزبير، ومروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير، فقلبوا رأيها وموّهوا الاُمور عليها، واستغلطوها واستغفلوها، وقالوا لها : تخرجين وتصلحين بين الناس، فلعلّ الله أنْ يدفع بك الفتنة، فهو أعظم لأجرك.

٤٥١

فردّوا رأيها وقوّوا عزمها(١) .

وبهذا خالفت اُمّ المؤمنين الله ورسوله، وأطاعت الزبير وابنه ومروان بن الحكم، فخرجت على إمام زمانها حتّى قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) : (( فَخَرَجُوا يَجُرُّونَ حُرْمَةَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) كَمَا تُجَرُّ الأَمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا، متَوَجِّهِينَ بِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ، فَحَبَسَا نِسَاءَهُمَا فِي بُيُوتِهِمَا، وأبْرَزَا حَبِيسَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا فِي جَيْشٍ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إلّا وَقَدْ أَعْطَانِي الطَّاعَةَ، وَسَمَحَ لِي بِالْبَيْعَةِ طَائِعاً غَيْرَ مكْرَهٍ، فَقَدِموا عَلَى عَامِلِي بِهَا، وَخُزَّانِ بَيْتِ مَالِ الْمسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَتَلُوا طَائِفَةً صَبْراً وَطَائِفَةً غَدْراً فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ يُصِيبُوا مِنَ الْمسْلِمِينَ إلّا رَجُلاً وَاحِداً معْتَمِدِينَ لِقَتْلِهِ، بِلا جُرْمٍ جَرَّهُ، لَحَلَّ لِي قَتْلُ ذَلِكَ الْجَيْشِ كُلِّهِ ؛ إِذْ حَضَرُوهُ فَلَمْ يُنْكِرُوا وَلَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ بِلِسَانٍ وَلا بِيَدٍ، دَعْ مَا إنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا مِنَ الْمسْلِمِينَ مِثْلَ الْعِدَّةِ الَّتِي دَخَلُوا بِهَا عَلَيْهِمْ ))(٢) .

روى الطبري، وابن الجوزي، واللفظ للأوّل قال : ذكر نصر بن مزاحم، عن سيف، عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمّد، قال : وأقبل جارية بن قُدامة السّعدي، فقال : يا اُمَّ المؤمنين، والله، لَقتلُ عثمان بن عفّان أهون مِن خروجك مِن بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسّلاح، إنّه قد كان لكِ مِن الله ستراً وحرمة، فهتكتِ ستركِ وأبحتِ حُرمتِك إنّه مَنْ رأى قتالك فإنّه يرى قتلَك ؛ إنْ كنت أتيتينا طائعة فارجعي إلى منزلكِ، وإنْ كنتِ أتيتينا

____________________

(١) المعيار والموازنة - أبو جعفر الإسكافي / ٢٧ - ٢٩.

(٢) نهج البلاغة ٢ / ٥٨، خطبة رقم ١٧٢، شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ٩ / ٣٠٨، [وذمّهم] بإخراجهم حرمة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ورد كثيراً في الكتب التاريخيّة.

٤٥٢

مستكرهة فاستعيني بالناس.

قال : فخرج غلام شاب مِن بني سعد إلى طلحة والزبير، فقال : أمّا أنت يا زبير فحواري رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وأمّا أنت يا طلحة، فوقيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بيدك، وأرى اُمَّكما معكما فهل جئتما بنسائكم ؟ قالا : لا قال : فما أنا منكما في شيء واعتزل.

وقال السّعدي في ذلك :

صُنْتُمْ حلائِلَكُم وَقُدْتُم اُمَّكم

هذا لَعَمْرُكَ قِلَّةُ الإنصافِ

اُمِرَتْ بجرِّ ذيولِها في بيتِها

فَهَوَتْ تشقُّ البيدَ بالإيجافِ

غرضاً يقاتلُ دونَها أبناؤُها

بالنبلِ والخطيِّ والأسيافِ

هتكتْ بطلحةَ والزُّبيرِ ستورَها

هذا المخبِّرُ عنهُم والكافي

وأقبل غلام مِن جهينة على محمّد بن طلحة - وكان محمّد رجلاً عابداً - فقال : أخبرني عن قَتَلة عثمان ؟ فقال : نعم، دم عثمان ثلاث أثلاث : ثلث على صاحبة الهودج - يعني عائشة -، وثلث على صاحب الجمل الأحمر - يعنى طلحة -، وثلث على عليِّ بن أبي طالب.

وضحك الغلام، وقال : ألا أراني على ضلال ! ولحق بعليٍّ (عليه‌السلام )، وقال في ذلك شعراً :

سألتُ ابنَ طلحةَ عن هالكٍ

بجوفِ المدينةِ لَمْ يُقْبَرِ

فقال ثلاثةُ رهطٍ هُم

أماتوا ابنَ عفّانَ واستعبرِ

فثلثٌ على تلك في خدرِها

وثلثٌ على راكبِ الأحمرِ

وثلثٌ على ابنِ أبي طالبٍ

ونحن بدَوِّيَّةٍ قَرْقَرِ

فقلتُ صدقتَ على الأوَّليْنِ

وأَخْطَأت في الثالثِ الأزهرِ(١)

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ١٦، تذكرة الخواصّ - ابن الجوزي / ٦٨، بإيجاز ولمْ يذكر قضية الغلام الذي مِن جهينة.

٤٥٣

فرحُها بقتل أمير المؤمنين (عليه‌السلام )

قال الطبري : ولـمـَّا انتهى إلى عائشة قتل علي (رضي‌الله‌عنه )، قالت :

فألقتْ عصاها واستقرَّت بها النَّوى

كما قرَّ عيناً بالإيابِ المسافرُ

فمَنْ قتله ؟ قيل : رجل مِن مراد فقالت :

فإنْ يَكُ نائياً فَلَقَدْ نعاهُ

غلامٌ ليس في فيهِ الترابُ

فقالت زينب ابنة أبي سلمة : ألعليٍّ تقولين هذا ؟! فقالت : إنّي أنسى، فإذا نسيت فذكّروني(١) .

روى ابن سعد، والبلاذري، واللفظ للأوّل قال : قالوا : وذهب بقتل علي (عليه‌السلام ) إلى الحجاز سفيان بن اُميّة بن أبي سفيان بن اُميّة بن عبد شمس، فبلغ ذلك عائشة، فقالت :

فألقتْ عصاها واستقرَّتْ بها النَّوى

كما قرَّ عيناً بالإيابِ المسافرُ(٢)

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ١٥٩.

(٢) الطبقات الكبرى - ابن سعد ٣ / ٤٠، وفي ط ص٢٩، أنساب الأشراف - البلاذري ٣ / ٢٦٣.

٤٥٤

٤٥٥

تخصيصُ بعض مَنْ قُتِلَ مع الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) بالذكر

ومِن بعض ما يوجّه المتطرّفون على الشيعة هو تخصيصهم في واقعة كربلاء ذكر بعض أبناء أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) دون البقية، مثل عمر وأبي بكر وعثمان.

أوّلاً : أنّ عمر ليس عندنا أنّه قُتِلَ مع الإمام الحُسين (عليه‌السلام )، وقد نبَّه على ذلك السيّد الخوئي (قدس‌سره ) في كتابه معجم رجال الحديث(١) .

____________________

(١) قال في معجم رجال الحديث - السيّد الخوئي ٤١ / ٥١ : ٨٧٨٧ - عمر بن علي بن أبي طالب (عليه‌السلام )، قال ابن داود ( ١١٠٧ ) مِن القسم الأوّل : عمر بن علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) (ي) (جخ)، معروف.

أقول : إنّ عمر بن علي وإنْ كان معروفاً، إلّا أنّه لمْ ينسبه إلى رجال الشيخ غيره وكيف كان فقد قال ابن شهر آشوب: إنّه قتل في واقعة الطّف بين يدي الحُسين (عليه‌السلام ) المناقب ٤ - باب إمامة أبي عبد الله الحُسين بن علي (عليهما‌السلام )، فصل في مقتله (عليه‌السلام )، قبل ذكر المقتولين في الحملة الاُولى.

هذا وقد ذكر في فصل، في المفردات والنصوص عليه، مِن هذا الباب : أنّ عمر بن علي خاصم عليَّ بن الحُسين إلى عبد الملك في صدقات النّبي وأمير المؤمنين (عليهما‌السلام )، فقال : يا أمير المؤمنين، أنا ابن المصدّق وهذا ابن ابن، فأنا أولى بها منه.

فتمثّل عبد الملك بقول أبي الحقيق :

لا تجعلِ الباطلَ حقَّا ولا

تلطَّ دونَ الحقِّ بالباطلِ

قم يا علي بن الحُسين فقد ولّيتكها فقام، فلمـَّا خرج تناوله عمر وآذاه، فسكت عنه فلمْ يرد عليه شيئاً، فلمـَّا كان بعد ذلك، دخل محمّد بن عمر على علي بن الحُسين (عليه‌السلام )، فسلّم عليه وأكبّ عليه يُقبّله، فقال عليٌّ (عليه‌السلام ) : (( يابن عمّ، لا تمنعني قطيعة أبيك أنْ أصل رحمك، فقد زوّجتك ابنتي خديجة ابنة علي )) انتهى.

أقول : مقتضى هذا الكلام، إنّ عمر بن علي كان باقياً إلى زمان عبد الملك، فكيف يمكن أنْ يكون مِن شهداء الطّفِّ؟! واحتمال التعدّد مفقود ؛ إذ الحاضرون لأولاد أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) لمْ يذكروا إلّا وأحداً مسمّى بعمر، وهذا هو الصحيح.

[ وقد ] ذكر الشيخ المفيد في =

٤٥٦

بل قد نصّ على موته سنة ٦٦ ه صاحب التاريخ الصفري في كتابه تاريخ خليفة بن خيّاط / ٢٠٣، قال خليفة : وفيها وقعة المذار، وفيها قُتِلَ عمر بن علي بن أبي طالب، ومحمّد بن الأشعث بن قيس، وقُتِلَ المختار بن أبي عبيد دخل عليه القصر طريف وطراف، أخوان مِن بني حنيفة فقتلاه، وأتيا مصعب برأسه فأعطاهما ثلاثين ألفاً.

وذكر الطبراني بسند صحيح مَنْ قُتِلَ مع الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) مِن الهاشميِّين، ولمْ يذكر عمر بن علي(١) ، وأيضاً ابن سعد في بيان تعداد أولاد أمير المؤمنين (عليه‌السلام

____________________

= الإرشاد قصة تظلّم عمر بن علي إلى عبد الملك مِن نفسه، بعد أنْ ردّ عبد الملك صدقات النّبي وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما وآلهما) إلى علي بن الحُسين (عليه‌السلام )، فتمثّل عبد الملك بقول أبي الحقيق :

إنَّا إذا مالت دواعي الهوى

وأنصتَ السامعُ للقائلِ

واصطرعَ الناسُ بألبابِهِم

نقضي بحكمٍ عادلٍ فاصلِ

لا نجعلُ الباطلَ حقّا ولا

نلطُّ دونَ الحقِّ بالباطلِ

نخافُ أَنْ تسفَه أحلامنا

فنخملُ الدهرَ مَعَ الخاملِ

الإرشاد، باب إمامة أبي محمّد علي بن الحُسين (عليه‌السلام )، باب في طرف مِن أخبار علي بن الحُسين (عليه‌السلام )، الحديث٢٠.

ويؤكد ما ذكرناه أنّه لمْ يذكر في المستشهدين في واقعة الطفِّ في شيء مِن الكتب المشهورة.

(١) قال في المعجم الكبير - الطبراني ٣ / ١٠٣ : ٢٨٠٣ - حدّثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، ثنا يحيى بن بكير، حدّثني الليث بن سعد قال : توفّي معاوية (رضي‌الله‌عنه ) في رجب لأربع ليالٍ خلت منه، واستخلف يزيد سنتين، وفي سنة إحدى وستّين قُتِلَ الحُسين بن علي وأصحابه (رضي‌ الله‌ عنهم) لعشر ليالٍ خلون مِن المحرّم يوم عاشوراء، وقُتِلَ العبّاس بن علي بن أبي طالب، واُمه اُم البنين عامرية، وجعفر بن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن علي بن أبي طالب، وعثمان بن علي بن أبي طالب، وأبو بكر بن علي بن أبي طالب، واُمه ليلى بنت مسعود نهشلية، وعلي بن الحُسين بن علي بن أبي طالب الأكبر (عليه‌السلام )، واُمه ليلى ثقفيّة، وعبد الله بن الحُسين، واُمه الرباب بنت امرئ القيس كلبيّة، وأبو بكر بن الحُسين لاُمّ ولد، والقاسم بن =

٤٥٧

وحيث نصَّ على مَنْ قُتِلَ مع الإمام الحُسين (عليه‌السلام )، ولـمـَّا ذكر عمر بن علي لمْ يذكره فيمَنْ قُتِلَ مع الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) مِن إخوته(١) .

وكذا ابن كثير(٢) وابن حبّان، ذكرا مَنْ قُتِلَ مع الإمام الحُسين (عليه‌السلام )، ولمْ يذكرا عمر بن علي منهم(٣) ، وقد صرّح الذهبي(٤) أنّه بقي حتّى زمان الوليد بن عبد الملك.

____________________

= الحسن لاُم ولد، وعون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وجعفر بن عقيل بن أبي طالب، ومسلم بن عقيل بن أبي طالب، وسليمان مولى الحُسين، وعبد الله رضيع الحُسين ( رضي ‌الله‌ عنهم ) وقُتِلَ الحُسين (رضي‌الله‌عنه ) وهو ابن ثمان وخمسين.

وقال الهيثمي، تعليقاً على ما رواه الطبراني في مجمع الزوائد ٩ / ١٩٧، رواه الطبراني ورجاله إلى قائليه رجال الصحيح.

أقول : أمّا قائله فهو مِن الثقات أيضاً، فقد قال الذهبي في ميزان الاعتدال ٣ / ٤٢٣ : الليث بن سعد [ع] الفهمي، أبو الحارث، أحد الأعلام والأئمة الأثبات، ثقة حجّة بلا نزاع.

وقال يحيى بن معين : كان يتساهل في الشيوخ والسّماع، وكان مِن أهل المعرفة.

وذكر أبو الوليد الطيالسي : أنّ رواية الليث عن بكير بن الأشج مناولة قال عبد الله بن أحمد : ذكرت هذا لأبي فأنكره، وقال : الليث يقول : حدّثني بكير، قد سمع مِن بكير نحو ثلاثين حديثاً قلتُ : لولا أنّ النّباتي ذكر الليث في تذييله على الكامل لما ذكرته ؛ لأنّه ما هو بدون مالك ولا سفيان، وما تساهل فيه الليث فهو دليل على الجواز ؛ لأنّه قدوة.

(١) الطبقات الكبرى - محمّد بن سعد ٣ / ١٩.

(٢) البداية والنهاية - ابن كثير ٧ / ٣٦٧، بل ذكر في البداية والنهاية ٨ / ٣١٧ : وعمير بن علي بن أبي طالب، أي ذكر فيمَنْ قُتِلَ في سنة ٦٧ في حرب مصعب للمختار بن عبيد الله . إلخ انتهى.

أقول : والظاهر أنّ المراد بعمير عمر ؛ وذلك لعدم نصّ المؤرّخين على أنّ الإمام علي (عليه‌السلام ) عنده ابن اسمه عمير.

وأيضاً ممّا يدلّ على ذلك هو أنّ المقتول مع مصعب مختلف فيه بين عمر أو عبيد الله لا ثالث قال المزّي في ترجمة عمر بن علي (عليه‌السلام ) - تهذيب الكمال ٢١ / ٤٦٩ . وذكره (أي عمر بن علي) ابن حبّان في كتاب الثقات، وقال : قُتِلَ سنة سبع وستّين وقال خليفة بن خياط : قُتِلَ مع مصعب بن الزبير أيّام المختار سنة سبع وستّين، روى له الأربعة.

(٣) الثقات - ابن حبّان ٢ / ٣٠٩.

(٤) سير أعلام النبلاء - الذهبي ٤ / ١٣٤.

٤٥٨

وأمّا أبو بكر فكنية لابن أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) وليست اسماً ؛ ولهذا قال الخوارزمي : واسمه عبد الله وقال أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيّين / ٥٦ : وأبو بكر بن علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) لمْ يُعْرَف اسمه، واُمّه ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلم بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم . إلخ.

وأمّا عند الشيعة فقد ذكر الشيخ المفيد (أعلى الله مقامه) بأنّ اسمه محمّد، واسم أخيه عبيد الله. قال في الإرشاد ١ / ٣٥٤ : ومحمّد الأصغر المكنّى أبا بكر، وعبيد الله، الشهيدان مع أخيهما الحُسين (عليه‌السلام ) بالطّف، اُمّهما ليلى بنت مسعود الدارمية.

وفي الاختصاص جعل اسم أخيه عبد الله، قال في الاختصاص - للشيخ المفيد / ٨٢، وفي تاج المواليد (المجموعة) - للشيخ الطبرسي / ١٩، واللفظ للأوّل قال : وأبو بكر بن علي، واُمه ليلى بنت مسعود، وعلي بن الحُسين بن علي بن أبي طالب (عليه‌السلام )، واُمه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود.

وأمّا عثمان فكثيراً ما يُذكر في رجوع أهل البيت (عليهم‌السلام ) إلى المدينة، وفي سؤال اُمّ البنين (عليها‌السلام ) لبشر بن حذلم.

ثانياً : أنّ الأنصار مخْتَلَفٌ فيهم، وكذا الطالبيّين ؛ فأكثر عددٍ ذُكِرَ للطالبيّين سبعة وعشرون، وقيل : ستّة عشر، وقيل : سبعة عشر، وقيل غير ذلك.

وأكثرُ عددٍ وقفت عليه هو ما ذكره الخوارزمي في المقتل، قال : واختلف أهل النقل في عدد المقتول يومئذ مع ما تقدّم مِن قتل مسلم من العترة الطاهرة، والأكثرون على أنّهم كانوا سبعة وعشرين، فمِن ولد علي (عليه‌السلام ) : الحُسين بن علي (عليه‌السلام )، وأبو بكر بن علي، وعمر بن علي، وعثمان بن علي،

٤٥٩

وجعفر بن علي، وعبد الله بن علي، ومحمّد بن علي، والعبّاس بن علي، وإبراهيم بن علي فهم تسعة ومِن ولْدِ الحسن بن علي : عبد الله بن الحسن، والقاسم بن الحسن، وأبو بكر بن الحسن - وكان صغيراً -، وعمر بن الحسن - وكان صغيراً - فهم أربعة ومِن ولْدِ الحُسين بن علي : علي بن الحُسين، وعبد الله بن الحُسين (الرضيع) - وكان أصغرهم - فهما اثنان ومِن ولْدِ جعفر بن أبي طالب : محمّد بن عبد الله بن جعفر، وعون بن عبد الله بن جعفر، وعبيد الله بن عبد الله بن جعفر وهم ثلاثة ومِن ولْدِ عقيل : مسلم بن عقيل، وعبد الله بن عقيل، وعبد الرحمن بن عقيل، ومحمّد بن عقيل، وجعفر بن عقيل، ومحمّد بن مسلم بن عقيل، وعبد الله بن مسلم بن عقيل، وجعفر بن محمّد بن عقيل، ومحمّد بن أبي سعيد بن عقيل فهم تسعة وأخذوا رؤوس هؤلاء فحُمِلَتْ إلى الشام، ودُفِنَتْ جثثهم بالطّفِّ(١) .

فأبناء الحسن (عليه‌السلام ) أربعة، وأبناء الحُسين (عليه‌السلام ) اثنان، وأبناء عبد الله بن جعفر ثلاثة وهم أبناء عقيلة الطالبيّين (عليها‌السلام )، فعلى هذا التقدير تكون أبناء الزهراء (عليها‌السلام ) تسعة مع الحُسين (عليه‌السلام )، مع أنّه ذُكِرَ أنّ مَنْ قُتِلَ مِن أبناء فاطمة الزهراء (عليها‌السلام ) ستّة عشر أو سبعة عشر.

قال الهيثمي : وعن منذر الثوري، قال : كنَّا إذا ذكرنا حُسيناً ومَنْ قُتِلَ معه، قال محمّد بن الحنفيّة : قُتِلَ معه سبعة عشر كلّهم ارتكض في رحم فاطمة(رضي ‌الله‌ عنها وعنهم) رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح(٢) .

____________________

(١) مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) للخوارزمي ٢ / ٥٣ - ٥٤.

(٢) مجمع الزوائد - الهيثمي ٩ / ١٩٨.

٤٦٠