الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)0%

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 493

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

مؤلف: الإمام الكبير والـمُصنّف الشّهير الشّيخ فخر الدّين الطريحي النّجفي
تصنيف:

الصفحات: 493
المشاهدات: 66600
تحميل: 4666


توضيحات:

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66600 / تحميل: 4666
الحجم الحجم الحجم
الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

مؤلف:
العربية

كمثل لمـّا يضربن من كل جانب

وقد أخذت عن رؤوسهن المقانع

إذا نظروا رأس الحُسين إمامهم

إلى الأرض من فوق المطايا تواقع

ولم أنس زين العابدين مكبلاً

وشمر له بالسب والضرب واجع

وفخذاه نضاخان قان وقلبه

من الوجد والتبريح بالذل خاشع

فكل مصاب هان دون مصابهم

وكل بلاء دونه متواضع

أيا سادتي يا آل طه عليكم

سلام متى ناح الحمام المراجع

فوالله ما لي في المعاد ذخيرة

ولا عمل فيه انمحى الذنب طائع

سوى حبكم يا خيرب من وطأ الثرى

وإني بذاك الذخر راض وقانع

لعل ابن حماد مُحمّد عبدكم

له في غد خير البرية شافع

عليكم سلام الله ما هبت الصبا

وما لاح نجم في دجى الليل لا مع

الباب الثّاني

يا إخواني , وكيف لا تحزنون على حبيب ربّ العالمين ، وثمرة فؤاد الزّهراء بنت خاتم النّبيين ، وقرّة عين عليّ أمير المؤمنين ؟! وكيف لا يكون كذلك وقد ورد في الخبر عن سيّد البشر , أنّه قال في الحسن والحُسين : (( اللّهمّ أحبّهما وأحبّ من يحبّهما )) .وقال : (( مَن أحبّ الحسن والحُسين أحببته , ومَن أحببته أحبّه الله , ومَن أحبّه الله أدخله الجنّة , ومَن بغضهما بغضته , ومَن أبغضته أبغضه الله , ومَن أبغضه الله أدخله النّار )).

فوا عجباه ممّن يحبّهما رسول الملك الخلاق , كيف يقع بهما أهل الضّلال والنّفاق ؟! فأيّ فؤاد لا يحزن لفقدهم ؟ وأيّ عين تحبس دمعها من بعدهم ؟ وكيف تستقرّ القلوب وقد أصبح أهل بيت الرّسول مطرودين على[عن](١) الأوطان , مشرّدين في البراري والبلدان , شاسعين في الأمصار كأنّهم مع سبايا الكفّار , من غير جرم اجترموه أو مكروه ارتكبوه .فكم من ورع اُريق دمه وذي كمال نكّس علمه , فلو سمعتم كيف ينوح عليه لسان الصّلوات ويحنّ إليهم إنسان الخلوات , وتبكيهم محاريب المساجد وتناديهم أندية الفوائد , لشجاكم سماع تلك الواعية النّازلة , وعرفتم تقصيركم في هذه المصيبة الشّاملة .ولله درّ مَن قال من الرّجال :

ولم أنس مولاي الحُسين وقد غدا

يودع أهليه ويوصي ويعجل

____________________

(١) من إضافات المقوم .(معهد الإمامين الحسنين).

٤٦١

ينادي ألا يا أهل بيت مُحمّد

أصيغوا لمـّا أوصيكموا وتقبلوا

عليكم بتقوى الله لا تتغيروا

لعظم رزاياكم ولا تتبدلوا

ودوموا على أعمالكم وانتهالكم

وقوموا إذا جن الدجى وتنفلوا

وإن نابكم خطب فلا تتضعضعوا

لوقع الرزايا واصبروا وتحملوا

وفاطمة الصغرى تقول لأختها

هلمي إلى التوديع فالأمر مهول

ألى والدي يوصني بنا أخواته

وعيناه من حزن تفيض وتهمل

وتدعو ألا يا سيّدي بلغ العدى

بنا ما تمنوا في النفوس وأمّلوا

وقمن النساء الفاطميات ولهاً

فأبصرن منه ما يسوء ويذهل

وخرت عليه زينب مستغيثة

ومعجزها من نحره متبلل

وتشكو إلى الزّهراء فاطم حالها

وتندب مما نالها وتولول

أيا اُمّ قومي من ثرى القبر وانظري

حبيبك ملقى في الثرى لا يغسل

وهل أنت يا ست النساء عليمة

بأنا حيارى نستجير ونسأل

وهل لك علم من عليّ فإنه

أسير عليل في القيود مغلل

علمتم وما أعلمتمونا برزئكم

وحملتمونا اليوم ما ليس يحمل

فيا حسرة لا تنقضي ومصيبة

لقد نزلت بالناس دهياء معضل

نُقل أنّ الحُسين لمـّا أراد الخروج إلى العراق , قالت له اُمّ سلمه : يا مولاي لا تخرج , قد سمعت جدّك رسول الله يقول : (( يُقتل ابني الحُسين بالعراق )) .وعندي تربة دفعها إليّ في قارورة ، فقال : (( والله إنّي مقتول كذلك , وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضاً )) .ثمّ أخذ تربة فجعلها في قارورة وأعطاها إيّاها وقال : (( اجعليها مع القارورة التي أعطاك إيّاها جدّي , فإذا فاضتا دماً , فاعلمي أنّي قد قُتلت )) قالت اُمّ سلمه : فلمّا كان يوم عاشوراء , نظرت إلى القارورتين بعد الظّهر , فإذا هُما قد صارتا دماً .فصاحت وأعلمت من كان عندها , فصرخوا وأقاموا عليه العزاء .ولم يُقلب ذلك اليوم حجر ولا مدر إلّا ووجد تحته دم عبيط.

علم جدّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أنّه مقتول فأوعز إليه , فاستقرّ ذلك في الخاطر وانعقدت عليه السّرائر , فهان عليه ما يلقاه في طاعة ربّه ومولاه حتّى جاهد على الضّلال ممتثلاً لرضا ذي الجلال .فويل لمن خصماؤه شفعاؤه وشفعاؤه خصماؤه !

فيا إخواني , لا تساموا في إقامة

٤٦٢

الأحزان ولا ترغبوا عن إظهار الجزع والأشجان , فإنّه قليل في جنب هذا الخطب الجليل.

نُقل أنّه لمـّا ارتحل عمر بن سعد لعنه الله ومن معه من أرض كربلاء متوجهاً إلى الكوفة , ومعهم حرم رسول الله ورؤوس العلويين ورأس الحُسين بمقدمهم , سمعوا هاتفاً يقول :

نُقل أنّ الأبيات لسُليمان بن قتيبة

مررت على أبيات آل مُحمّد

فلم أرها أمثالها يوم حلت

فلا أبعد الله الديار وأهلها

وإن أصبحت عنها برغم تخلت

وكانوا رجاء ثمّ صاروا رزية

لقد عظمت تلك الرزايا وجلت

ألا أن قتل السبط من آل هاشم

أذل رقاب المسلمين فذلت

ألم تر أن الشمس أضحت مريضة

لقتل حسين والبلاد اقشعرت

فليت الذي أهوى إليه بسيفه

أصاب به يمنى يديه فشلت

عن مُسلم الجصاص , قال : دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة , فبينما أنا أجصص الأبواب , وإذا بالزّعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة ، فأقبلت على خادم وكان يعمل معنا , فقلت : ما لي أرى الكوفة تضجّ ؟ قال : السّاعة أتوا برأس خارجي , خرج على يزيد بن معاوية .فقلت : مَن هذا الخارجي ؟ قال : الحُسين بن عليّ .قال : فتركت الخادم حتّى خرجت ولطمت وجهي حتّى خشيت على عيني أن تذهبا , وغسلت يدي من الجص وخرجت من ظهر القصر وأتيت إلى الكناس , فبينما أنا واقف والنّاس يتوقعون وصول السّبايا والرّؤوس , إذ قد أقبلت نحو أربعين شقة تحمل على أربعين جملاً فيها الحرم والنّساء وأولاد فاطمة , وإذا بعليّ بن الحُسين على بعير بغير وطاء وأوداجه تشجب دماً وهو مع ذلك يبكي ويقول :

يا أمة السوء لا سقياً لربعكم

يا أمة لم تراعي جدنا فينا

لو أننا ورسول الله يجمعنا

يوم القيامة ما كنتم تقولونا

٤٦٣

٤٦٤

٤٦٥

٤٦٦

٤٦٧

٤٦٨

٤٦٩

٤٧٠

٤٧١

٤٧٢

٤٧٣

٤٧٤

٤٧٥

فاتكا فيهم كفتك أمية

يوم بدر بالصارم المصقول

فأتاه سهم اللعين فأرداه

صريعاً يرض تحت الخيول

ومضى المهر ناعياً يقصد الفسطاط

في كسره وضعف صهيل

فبرزن النسوان من خلل السجف

حيارى في رنة وعويل

وأتت زينب إليه تنادي

وا أخي وا مؤملي وا كفيلي

يا بن أمي يا واحدي ي شقيقي

وا سبائي وا ذلتي وا غليلي

ثم تدعو بأمها أم يا أم

أدركيني وعجلي واندبي لي

واخرجي من ثرى القبور ونوحي

لي على غربتي وحزني الطويل

واسعديني وابكي على النازح

الدار الغريب المشرد المقتول

ثم تدمي الخد الأسيل من النحر

المدمى باللثم والتقبيل

وتنادي أيا أخي ما ترى الأيتام

يعثرن دهشة بالذيول

ما ترى نجلك المفدي بذل

وسقام باد وداء دخيل

يشتكي ثقل الحديد عليلا

لهف قلبي على الأسير العليل

ثم تبكي والسبط ملقى على الأرض

رميلا وا حسرتا للرميل

كلما أفحمت وملت من الندى

رنا نحوها وخطب جليل

يا لها من مصيبة أضعفت أركان

دين الهدى وخطب جليل

أيعلى رأس الحُسين على الرمح

ويهدى إلى الطغاة النغول

يا بن بنت النّبي جفني بتسكاب

دموعي عليك غير نجيلي

ما شجاني إلّا مصابك لا فقد

حبيب ولا فراق خليلي

عبدك النابع الخليعي محزون

بكم عارف لكم بالدليل

ما ثنته عنكم خطوب كما قيل

ولا قاس عالماً بجهول

حاش لله كيف يمضي مع الفاضل

دعوى إمامة المفضول

لكن الجاهل المقلد لا يفرق

بين الدليل والمدلول

أنتم الآمرون للناس بالتقوى

وأهل التنزيل والتأويل

حكمكم في العباد ماض فيهم بينٍ

ضلال مرد وضل ضليل

فأقسموني إذا قسمتم نعماً

وجحيماً إلى ثواب جزيل

٤٧٦

الباب الثّالث

يا إخواني , كيف لا ينهدّ ركني لمصابهم وأتجرّع بعض ما تجرّعوه من غصصهم وأوصابهم , وهُم شفعائي في يوم الدّين إلى ربّ العالمين ؟ حاش لله , بل طال ما شبّت نار أحزاني فأكتمها عن من ينظر إليّ ويراني ، وكم كادت مدامعي أن تظهر كتماني فأزيلها بإرادتي ؛ لئلا يظهر عليها جلسائي وخلاني ، ولِمَ لا أموت في هواهم وأتلف مهجتي في رضاهم ؛ لأفوز بالأجر العظيم والثّواب الجسيم ؟.

حُكي عن الشّعبي الحافظ لكتاب الله تعالى , أنّه قال : استدعاني الحجاج بن يوسف في يوم عيد الضّحية , فقال لي : أيّها الشّيخ , أيّ يوم هذا ؟ فقلت : هذا يوم الضّحية .قال : بِمَ يتقرّب النّاس في مثل هذا اليوم ؟ فقلت : بالأضحيّة والصّدقة وأفعال البرّ والتّقوى .فقال : اعلم إنّي قد عزمت أن أضّحي برجل حُسيني .قال الشّعبي : فبينما هو يخاطبني , إذ سمعت من خلفي صوت لسلسلة وحديد , فخشيت أن التفت فيستخفّني , وإذا قد مثل بين يديه رجل علوي وفي عنقه سلسلة وفي رجليه قيد من حديد ، فقال له الحجاج : ألست فلان بن فلان العلوي ؟ قال : نعم أنا ذلك الرّجل .فقال له : أنت القائل : إنّ الحسن والحُسين من ذرّيّة رسول الله ؟ قال : ما قلت ولا أقول , ولكن أقول : إنّ الحسن والحُسين ولدا رسول الله , وإنّهما دخلا في ظهره وخرجا من صلبه على رغم أنفك يا حجاج .قال : وكان متّكئاً على مسندة فاستوى جالساً , وقد اشتدّ غيظه وغضبه وانتفخت أوداجه حتّى تقطّعت أزرار بردته , فدعا ببردة غيرها فلبسها ، ثمّ قال للرجل : يا ويلك أن تأتيني بدليل من القرآن يدلّ أنّ الحسن والحُسين ولدا رسول الله , دخلا في ظهره وخرجا من صلبه , وإلاّ قتلتك في هذا الحين أشرّ قتلة , وإن أتيتني بما يدلّ على ذلك , أعطيتك هذه البردة التي بيدي وخلّيت سبيلك.

قال : وكنت حافظاً كتاب الله تعالى كلّه وأعرف وعده ووعيده وناسخه ومنسوخه , فلم تخطر على بالي آية تدلّ على ذلك , فحزنت في نفسي يعزّ والله عليّ ذهاب هذا الرّجل العلوي ، قال : فابتدأ الرّجل يقرأ الآية فقال :( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) .فقطع عليه الحجاج قراءته , وقال : لعلّك تريد أن تحتجّ عليّ بآية المباهلة , وهي قوله تعالى :( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا

٤٧٧

وَنِسَاءَكُمْ ) (١) ؟ فقال العلوي : هي والله حجّة مؤكّدة معتمدة , ولكنّي آتيك بغيرها .ثمّ ابتدأ يقرأ :( بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ * وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى ) (٢) .وسكت , فقال له الحجاج : فلِم لا قلت : ( وَعِيسَى ) ؟ أنسيت عيسى ؟ فقال : نعم صدقت يا حجاج , فبأيّ شيء دخل عيسى في صلب نوح (عليه‌السلام ) وليس له أب ؟ فقال له الحجاج : إنّه دخل في صلب نوح من حيث اُمّه .فقال العلوي : وكذلك الحسن والحُسين دخلا في صلب رسول الله باُمّهما فاطمة الزّهراء .قال : فبقي الحجاج كأنّما اُلقم حجراً , فقال له الحجاج : ما الدّليل على أنّ الحسن والحُسين إمامان ؟ فقال العلوي : يا حجاج , لقد ثبتت لهما الإمامة بشهادة النّبي في حقّهما ؛ لأنّه قال في حقّهما : (( ولداي هذان إمامان فاضلان إن قاما وإن قعدا , تميل عليهما الأعداء فيسفكون دمهما ويسبون حرمهما )) .ولقد شهد النّبي لهما بالإمامة أيضاً حيث قال : (( ابني هذا - يعني الحُسين - إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة )) .فقال الحجاج : وكم عمر الحُسين في دار الدُنيا ؟ فقال : ست وخمسون سنة .فقال له : وفي أيّ يوم قُتل ؟ قال : يوم العاشر في شهر مُحرّم بين الظّهر والعصر .فقال له : ومَن قتله ؟ فقال : يا حجاج , لقد جنّد الجنود ابن زياد بأمر اللعين يزيد , فلمّا اصطفّت العساكر لقتاله , فقتلوا حماته وأنصاره وأطفاله وبقي فريداً , فبينما هو يستغيث فلا يُغاث ويستجير فلا يُجار يطلب جرعة من الماء ليطفىء بها حرّ الظّمأ , فبينما هو واقف يستغيث إلى ربّه , جاءه سنان فطعنه بسنانه , ورماه خولّى بسهم ميشوم فوقع في لبّته وسقط عن ظهر جواده إلى الأرض يجول في دمه , فجاءه الشّمر لعنه الله فاجتزّ رأسه بحسامه ورفعه فوق قناته , واخذ قميصه إسحاق الحضرمي , وأخذ سيفه قيس النّهشلي , وأخذ بلغته حارث الكندي , وأخذ خاتمه زيد بن ناجية الشّعبي , وأحاط القوم بخيامه وعاثوا في باقي أثاثه , وأسبوا حريمه ونساءه.

فقال الحجاج : هكذا جرى عليهم يا علوي ؟ والله , لو تأتيني بهذا الدّليل من القرآن وبصحة إمامتهما , لأخذت الذي فيه عيناك , ولقد نجاك الله تعالى مما عزمت عليه من قتلك , ولكن خذ هذه البردة لا بارك الله لك فيها .فأخذها العلوي وهو يقول : هذا من عطاء الله وفضله لا من عطائك يا حجاج .ثمّ إنّ العلوي بكى وجعل يقول :

____________________

(١) سورة آل عمران / ٦١.

(٢) سورة الأنعام /٨٤ - ٨٥.

٤٧٨

صلّى الإله ومن يحف بعرشه

والطيبون على النّبي الناصح

وعلى قرابته الذين نهضوا

بالنائبات وكل خطب فادح

طلبوا الحقوق فأبعدوا عن دارهم

وعوى عليهم كل كلب نائح

نُقل : أنّه لمـّا دعا اللعين يزيد بسبي الحُسين واعرضوا عليه , قالت له زينب بنت عليّ : يا يزيد , أما تخاف الله سبحانه من قتل الحُسين ؟ وما كفاك حتّى تستحث حرم رسول الله من العراق إلى الشّام ؟ وما كفاك انتهاك حرمتهنّ حتّى تسوقنا إليك كما تُساق الإماء على المطايا بغير وطاء من بلد إلى بلد ؟ فقال لها يزيد لعنه الله : إنّ أخاك الحُسين قال : (( أنا خير من يزيد , وأبي خير من أبيه , واُمّي خير من اُمّه , وجدّي خير من جدّه )) .فقد صدق في بعض وألحن في بعض , أمّا جدّه رسول الله فهو خير البرية ، وأمّا أنّ اُمّه خير من اُمّي وأباه خير من أبي , كيف ذلك وقد حاكم أبوه أبي ؟ ثمّ قرأ :( قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١) .قال : فقالت :( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (٢) .ثمّ قالت : يا يزيد , ما قتل الحُسين غيرك , ولولاك لكان ابن مرجانة أقلّ وأذلّ ، أما خشيت من الله بقتله ؟ وقد قال رسول الله فيه وفي أخي : (( الحسن والحُسين سيدا شباب أهل الجنّة )) .فإن قُلت لا , فقد كذبت , وإن قُلت نعم ، فقد خصمت نفسك .فقال يزيد :( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ) (٣) .وبقي خجلاناً .وهو مع ذلك لم يرتدع عن غيّه وبيده قضيب ينكث ثنايا الحُسين(ع) ، فدخل عليه رجل من الصّحابة - ونُقل أنّه زيد بن أرقم - فقال له : يا يزيد , فوالله الذي لا إله إلّا هو , لقد رأيت رسول الله يقبّلهما مراراً كثيرة , ويقول له ولأخيه الحسن : (( اللّهمّ , إنّ هذان وديعتي عند المُسلمين )) .وأنت يا يزيد هكذا تفعل بودائع رسول الله ؟! قال : ثمّ إنّ يزيد غضب عليه وأمر به فسجن , حتّى نُقل أنّه مات وهو في السّجن .ألا لعنة الله على القوم الظّالمين.

ونُقل : أنّ سكينة بنت الحُسين قالت : يا يزيد , رأيت البارحة رؤيا إن سمعتها منّي قصصتها عليك ؟ فقال يزيد : هاتي ما رأيت .قالت : بينما أنا ساهرة وقد كللت من البكاء بعد أن صلّيت ودعوت الله بدعوات , رقدت عيني , رأيت أبواب

____________________

(١) سورة آل عمران / ٢٦.

(٢) سورة آل عمران /١٦٩ - ١٧٠.

(٣) سورة آل عمران / ٣٤.

٤٧٩

السّماء قد تفتّحت , وإذا أنا بنور ساطع من السّماء إلى الأرض , وإذا أنا بوصائف من وصائف الجنّة , وإذا أنا بروضة خضراء وفي تلك الرّوضة قصر , وإذا أنا بخمس مشايخ يدخلون إلى ذلك القصر وعندهم وصيف , فقلت : يا وصيف , أخبرني لمن هذا القصر ؟ فقال : هذا لأبيك الحُسين أعطاه الله ثواباً لصبره .فقلت : ومَن هؤلاء المشايخ ؟ فقال : أمّا الأوّل فآدم أبو البشر ، وأمّا الثّاني فنوح نبي الله ، وأمّا الثّالث فإبراهيم خليل الرّحمن ، وأمّا الرّابع فموسى الكليم .فقلت : ومَن الخامس الذي أراه قابضاً على لحيته باكياً حزيناً من بينهم ؟ فقال لي : يا سكينة أما تعرفينه ؟ فقلت : لا .فقال : هذا جدّك رسول الله .فقلت له : إلى أين يريدون ؟ فقال : إلى أبيك الحُسين ، فقلت : والله , لألحقنّ جدّي واخبرنّه بما جرى علينا .فسبقني ولم ألحقه , فبينما أنا متفكّرة , وإذا بجدّي عليّ بن أبي طالب وبيده سيفه وهو واقف , فناديته : يا جدّاه قُتل والله ابنك من بعدك ! فبكى وضمّني إلى صدره وقال : (( يا بنية , صبراً وبالله المستعان )) .ثمّ إنّه مضى ولم أعلم إلى أين ، فبقيت متعجّبة كيف لم أعلم به , فبينما أنا كذلك , إذا بباب قد فُتح من السّماء ، وإذا بالملائكة يصعدون وينزلون على رأس أبي .قال : فلمّا سمع يزيد ذلك , لطم على وجهه وبكى وقال : ما لي ولقتل الحُسين.

وفي نقل آخر : أنّ سكينة قالت : ثمّ أقبلت على رجل ؛ دري اللون قمري الوجه حزين القلب ، فقلت للوصيف : مَن هذا؟ فقال : جدّك رسول الله .فدنوت منه وقلت له : يا جدّاه ! قُتلت والله رجالنا وسفكت والله دماؤنا ، وهتكت والله حريمنا ، وحملنا على الأقتاب بغير وطاء ، نساق إلى يزيد .فأخذني إليه وضمّني إلى صدره ، ثمّ أقبل على آدم ونوح وإبراهيم وموسى , ثمّ قال لهم : (( ماترون إلى ما صنعت اُمّتي بولدي من بعدي ؟ )) .ثمّ قال الوصيف : يا سكينة , اخفضي صوتك فقد أبكيت رسول الله .ثمّ أخذ الوصيف بيدي وادخلني المصر , وإذا بخمس نسوة قد عظم الله خلقتهن وزاد في نورهن , وبينهنّ امرأة عظيمة الخلقة ناشرة شعرها وعليها ثياب سود وبيدها قميص مضمّخ بالدّم , وإذا قامت يقمن معها وإذا جلست يجلسن معها ، فقلت للوصيف : مَن هؤلاء النّسوان اللواتي قد عظم الله خلقتهن ؟ فقال : يا سكينة , هذه حواء اُمّ البشر ، وهذه مريم ابنة عمران ، وهذه خديجة بنت

٤٨٠