المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ١

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)0%

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 220

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

مؤلف: الإمام الكبير والـمُصنّف الشّهير الشّيخ فخر الدّين الطريحي النّجفي
تصنيف:

الصفحات: 220
المشاهدات: 34770
تحميل: 4456


توضيحات:

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34770 / تحميل: 4456
الحجم الحجم الحجم
المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1

مؤلف:
العربية

إذا ما تعمدت السلو في خاطري

أباه فؤادي للهموم عنيد

وذكرني بالحزن والنوح والبكا

غريب بأكناف الطفوف فريد

يودع أهليه وداع مفارق

لهم أبد الأيام ليس يعود

كأني بمولاي الحُسين وصحبه

كأنهم تحت الوطيس أسود

عطاشى على شاطئ الفرات فمالهم

سبيل إلى قرب المياه ورود

فياليتني يوم الطفوف شهدتهم

وكنت كما جادوا هناك أجود

لقد صبروا لا ضيع الله صبرهم

إلى أن قتلوا من حوله وأبيدوا

وقد خرّ مولاي الحُسين مولاي الحُسين مجدلاً

قتيلاً عفيراً في التراب وحيد

وأقبل شمر الرجس واحتز رأسه

بقلب مشؤوم فارقته سعود

وساقوا السبايا من بنات محمد

يسوقهم قاسي الفؤاد عتيد

وفاطمة الصغرى تقول لاختها

وقد كضها جهد هناك جهيد

يا أخت قد ذابت من السير مهجتي

سلي سائق الأضعان أين يزيد

تنادي وقد أبدت من الثكل صبرها

بصوت تكاد الأرض منه تميد

بكى رحمة لي حاسدي ومعاندي

فيا سوء حال إذ بكاه حسود

فني جلدي يابن الوصي وليس

فؤادي على ما لقيت جليد

فيا غائباً لا يرتجى منه أوبة

مزارك من قرب الديار بعيد

ظننت بأن تبقى فأيسني الرجا

ويأسي المرجى يابن أمي شديد

تبيد الليالي والدهور ومهجتي

وحزني على مولاي ليس يبيد

سيعلم أعداء الحُسين ورهطه

إذا ما هم يوم المعاد أعيدوا

واقبلت الزّهراء فاطم حولها

من أملاك رب العالمين جنود

تنادي إلهي خذ بحق ظالمي

فإنك عدل للخصوم عنيد

فهذا يزيد قاتل إبني ورهطه

على ظمأ حتّى فنوا وأبيدوا

وساقوا بناتي حاسرات أذلة

كما سيل من نسل العبيد عنيد

فتبكي لها الأملاك جمعاً وعندها

ينادي منادي الحق أين يزيد

فيؤتى به سحباً ويؤتى برهطه

وجوههم بين الخلائق سود

فيأمر مولاي الجليل بقتلهم

إذ قتلوا من بعد ذاك أعيدوا

١٦١

وتقتلهم أولاد فاطم كلهم

وشيعتهم والعالمون شهود

ويحشرهم ربي إلى ناره التي

يكون بها للظالمين خلود

إذا نضجت فيها هناك جلودهم

أعيد لهم من بعد ذلك جلود

فما فعلت عاد كقبح فعالهم

ولا استحسنت ما استحسنته ثمود

شهدت بمن حج الملبون بيته

وربي على ما قد شهدت شهيد

بأن رسول الله أكرم من مشى

ومن حملته في المهامة قود

وعترته أزكى وأطهر عترة

ومن جاد حتّى لا يكون يجود

ولولاهم لم يخلق الله خلقه

ولم يك وعد فيهم ووعيد

وما خلقوا إلّا ليمتحن الورى

فيشقى شقي فيهم وسعيد

عليهم سلام الله ما در شارق

وما اخضر يوماً في الأرائك عود

وإني ابن حماد بمدح أئمتي

أعيش وعيشي في الزمان حميد

أحبر في آل النّبي مدائحي

وأحسن ما حبرته وأجيد

الباب الثّالث

يا إخواني , تفكّروا في أنوار الله في أرضه وسمائه , وأصفياء الله وحججه وخلفائه , كيف تُقطّع منهم الأوصال , ويُجدّلون على الرّمال , ويتجرّعون الحتوف بأراضي الطّفوف ؟ ولعمري , هذا دأب الصّالحين وأولياء الله الـمُقرّبين ، فإنّ الله يذود أولياءه عن لذّات الدُنيا , كما يذود لراعي الشّفيق إبله عن مراتع الهلكة وتأكيد ذلك ما روي : أنّ موسى (عليه‌السلام ) لـمّا توجّه إلى مناجاة ربّه , اعترضه رجل من عباده الصّالحين , فقال له : يا موسى , أبلغ ربّك أنّي أحبّه وأنا مُطيع له فلمّا فرغ موسى من المُناجاة , نودي : (( يا موسى , ألا تبلغني رسالة عبدي ؟ )) فقال : يا إلهي , أنت العالم بما قال عبدك فقال ذو الجلال : (( يا موسى , أنا أيضاً أحبّه )) فازداد ذلك الرّجل في يقين موسى إنّه عبد صالح , فلمّا رجع موسى من مُناجاة ربّه , جعل يتفقّد ذلك الرّجل في مكانه , فإذا هو بالأسد قد افترسه , فتعجّب موسى (عليه‌السلام ) وحزن عليه , وقال : يا إلهي , رجل صالح تحبّه ويحبّك , تسلّط عليه كلباً من كلابك يفترسه ؟! فأتاه النّداء : (( نعم يا موسى , وهكذا أفعل بأحبابي وأوليائي , ابتليهم في دار الهوان , وأسكنهم عندي في غرفات الجنان )).

وروي أيضاً : أنّ رجُلاً جاء إلى رسول الله , فوقف بين

١٦٢

يديه , فقال : يا رسول الله , إنّي أحبّ الله عزّ وجلّ ، فقال : (( استعد للبلاء )) فقال : يا رسول الله , وإنّي أحبّك فقال له : (( استعد للفقر )) فقال : وإنّي أحبّ عليّ بن أبي طالب فقال : (( استعد لكثرة الأعداء )).

ولـمّا كان الإمام الحُسين حبيب الملك الدّيان , وولي الواحد المنّان , وحجّة الله على العباد , لا جرم ابتلاه الله بأهل العناد والفساد ، وهل اصابته تلك السّهام والمحن العظام ، إلاّ من القوس الذي وتر على أبيه واُمّه وأخيه ؟( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) (١) ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (٢) فتعساً لِمَن أردى تلك العصابة الكرام ! وسحقاً لِمَن نكّس أعلام أولئك الأعلام ! أما خافوا من أهوال يوم القيامة ؟! أما راقبوا جدّهم صاحب الغمامة ؟! أما راجعوا عقولهم فعلموا في المحشر كيف يكون ؟! وبماذا يتعللون إذا بكت الزّهراء على ما حلّ بولدها الذي هو قطعة من كبدها ؟( هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقّ وَضَلّ عَنْهُم مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) (٣) .

روي : أنّ النّبي خرج من المدينة غازياً وأخذ معه عليّاً , وبقي الحسن والحُسين (عليهما‌السلام ) عند اُمّهما لأنّهما صغيران , فخرج الحُسين (عليه‌السلام ) ذات يوم من دار اُمّه يمشي في شوارع المدينة , وكان عمره يومئذ ثلاث سنين , فوقع بين نخيل وبساتين حول المدينة , فجعل يسير في جوانبها ويتفرّج في مضاربها , فمرّ عليه يهودي يُقال له صالح بن رقعة اليهودي , فأخذه إلى بيته , وأخفاه عن اُمّه حتّى بلغ النّهار إلى وقت العصر , والحُسين لم يتبيّن له أثر , فقاد قلب فاطمة بالهمّ والحزن على ولدها الحُسين (عليه‌السلام ) , فصارت تخرج من دارها إلى باب مسجد النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) سبعين مرّة , فلم تر أحداً تبعثه في طلب الحُسين (عليه‌السلام ) , ثمّ أقبلت إلى ولدها الحسن (عليه‌السلام ) , وقالت له : (( يا مُهجة قلبي وقُرّة عيني , قُم فاطلب أخاك الحُسين , فإنّ قلبي يحترق من فراقه )) فقام الحسن وخرج من المدينة , وأتى إلى دور حولها نخل كثير , وجعل يُنادي : (( يا حُسين بن عليّ ! يا قرّة عين النّبي ! أين أنت يا أخي ؟ )) قال : فبينما الحسن يُنادي , إذ بدا له غزالة في تلك السّاعة , فألهم الله الحسن أن يسأل الغزالة , فقال : (( يا ظبية , هل رأيت أخي حُسيناً ؟ )) فأنطق الله الغزالة ببركات رسول الله ، وقالت : يا حسن , يا نور عين الـمُصطفى وسرور قلب الـمُرتضى , ويا مُهجة فؤاد الزّهراء , اعلم أنّ أخاك أخذه صالح اليهودي وأخفاه في بيته فسار الحسن حتّى

____________________

(١) سورة إبراهيم / ٤٢.

(٢) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

(٣) سورة يونس / ٣٠.

١٦٣

أتى دار اليهودي , فناداه فخرج صالح , فقال له الحسن : (( إليّ الحُسين من دارك وسلّمه إليّ , وإلاّ أقول لاُمّي تدعو عليك في أوقات السّحر , وتسأل ربّها حتّى لا يبقى على وجه الأرض يهودي , ثمّ أقول لأبي يضرب بحسامه لجمعكم حتّى يلحقكم بدار البوار , وأقول لجدّي يسأل الله سبحانه أن لا يدع يهودياً إلّا وقد فارق روحه )) فتحيّر صالح اليهودي من كلام الحسن ، وقال له : يا صبي مَن اُمّك ؟ فقال : (( اُمّي الزّهراء بنت مُحمّد الـمُصطفى , قلادة الصّفوة ودرّة صدف العصمة , وعزّة جمال العالم والحكمة , وهي نقطة دائرة المناقب والمفاخر , ولمعة من أنوار المحامد والمآثر ، خمرة طينة وجودها من تفّاحة من تفّاح الجنّة , وكتب الله في صحيفتها عتق عصاة الاُمّة ، وهي اُمّ السّادة النُجباء وسيّدة النّساء , البتول العذراء فاطمة الزّهراء (عليها‌السلام ) )) فقال اليهودي : أمّا اُمّك فعرفتها ، فمَن أبوك ؟ فقال الحسن (عليه‌السلام ) : (( إنّ أبي أسد الله الغالب عليّ بن أبي طالب , الضّارب بالسّيفين , والطّاعن بالرّمحين , والـمُصلّي مع النّبي في القبلتين , والمفدي نفسه لسيّد الثّقلين , أبو الحسن والحُسين )) فقال صالح : يا صبي , قد عرفت أباك , فمَن جدّك ؟ فقال : (( جدّي [ درّة ] من صف [ صدف ](١) الجليل ، وثمرة من شجرة إبراهيم الخليل ، الكوكب الدّرّي , والنّور المضيء من مصباح التّبجيل المعلقة في عرش الجليل , سيّد الكونين ورسول الثّقلين , ونظام الدّارين وفخر العالمين , ومُقتدى الحرمين , وإمام المشرقين والمغربين , وجدّ السّبطين أنا الحسن وأخي الحُسين )).

قال : فلمّا فرغ الحسن من تعداد مناقبه , انجلى صداه الكفر عن قلب صالح , وهملت عيناه بالدّموع , وجعل ينظر كالمتحيّر , متعجّباً من حسن منطقه وصغر سنّه وجودة فهمه , ثمّ قال : يا ثمرة فؤاد الـمُصطفى , ويا نور عين الـمُرتضى , ويا سرور صدر الزّهراء , يا حسن , أخبرني من قبل أن أسلّم إليك أخاك عن أحكام دين الإسلام , حتّى أذعن لك وأنقاد إلى الإسلام ثمّ إنّ الحسن عرض عليه أحكام الإسلام , وعرّفه الحلال والحرام , فأسلم صالح وأحسن الإسلام على يد الإمام , وسلّمه أخاه الحُسين , ثمّ نثر على رأسيهما طبقاً من الذّهب والفضّة , وتصدّق به على الفُقراء والمساكين ببركة الحسن والحُسين (عليهما‌السلام ) ، ثمّ إنّ الحسن أخذ بيد أخيه الحُسين وأتيا إلى اُمّهما ، فلمّا رأتهما اطمأنّ قلبها وزاد سرورها بولديها.

قال : فلمّا كان اليوم الثّاني , أقبل

____________________

(١) ما في المعقوفتين هي من إضافات ( موقع معهد الإمامَين الحسنَين).

١٦٤

صالح ومعه سبعون رجُلاً من رهطه وأقاربه , وقد دخلوا جميعهم في الإسلام على يد الإمام ابن الإمام أخى الإمام (عليهم أفضل الصّلاة والسّلام) ، ثمّ تقدّم صالح إلى الباب - باب الزّهراء - رافعاً صوته بالثّناء للسادة الاُمناء , وجعل يمرّغ وجهه وشيبته على عتبة دار فاطمة , وهو يقول : يا بنت مُحمّد الـمُصطفى , عملت سوءاً بابنك وآذيت ولدك , وأنا على فعلي نادم , فاصفحي عن ذنبي فأرسلت إليه فاطمة تقول : (( يا صالح , أمّا أنا فقد غفرت عنك من حقّي ونصيبي , وصفحت عمّا سوءتني به , لكنّهما ابناي وابنا عليّ الـمُرتضى , فاعتذر إليه ممّا آذيت ابنه )) ثمّ إنّ صالحاً انتظر عليّاً حتّى أتى من سفره , وعرض عليه حاله واعترف عنده بما جرى له , وبكى بين يديه واعتذر مما أساء إليه , فقال له : (( يا صالح , أمّا أنا فقد رضيت عنك وصفحت عن ذنبك , لكن هؤلاء ابناي وريحانتا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فامض إليه واعتذر ممّا أسأت بولده )) قال : فأتى صالح إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) باكياً حزيناً , وقال : يا سيّد الـمُرسلين , أنت قد اُرسلت رحمة للعالمين , وإنّي قد أسأت وأخطأت , وإنّي قد سرقت ولدك الحُسين , وأدخلته داري وأخفيته عن أخيه واُمّه , وقد سوءتهما في ذلك , وأنا الآن قد فارقت الكفر ودخلت في دين الإسلام فقال له النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( أمّا أنا فقد رضيت عنك وصفحت عن جرمك , لكن يجب عليك أن تعتذر إلى الله , وتستغفره ممّا أسأت به قرّة عين الرّسول ومهجة فؤاد البتول , حتّى يعفو الله عنك سبحانه )) قال : فلم يزل صالح يستغفر ربّه ويتوسّل إليه , ويتضرّع بين يديه في أسحار الليل وأوقات الصّلوات , حتّى نزل جبرائيل إلى النّبي بأحسن التّبجيل , وهو يقول : (( يا مُحمّد , قد صفح الله عن جرم صالح حيث دخل في دين الإسلام على يد الإمام ابن الإمام عليهم أفضل الصّلوات والسّلام )) :

فقل لحساده موتوا بغيضكم

فإنه بعطاء الله ممنوح

وحرفوا ما استطعتم من إمامته

فشأنه بلسان الحق ممدوح

بيوتكم بفنون اللهو مفعمة

وبيته فيه تقديس وتسبيح

فإنكم جسد ميت بكثرتكم

وفضله بين أبدان الورى روح

عن أبي ذر الغفاري , قال : كان سيدي عليّ بن أبي طالب يحدّثنا في بعض الأوقات بالمغيّبات , فبينما نحن جلوس معه في جامع الكوفة , إذ دخل إليه رجل

١٦٥

وسلّم عليه , وقال له : يا أمير المؤمنين , إنّي مررت بوادي القُرى , فرأيت خالد بن عرفطة مقتولاً مطروحاً في البر فقال له عليّ (عليه‌السلام ) : (( كذبت , أنّ خالداً لم يمت حتّى يقود جيش الضّلال ابن زياد , ويكون حامل لوائه حبيب بن جماز لعنه الله تعالى )) فقام حبيب بن جماز من بينهم , وقال : يا أمير المؤمنين , أراك تقول هكذا وإنّي لك شيعة , وأنا موال لك , وإنّي لك محبّ ؟! فقال له : (( مَن أنت ؟ )) فقال : أنا حبيب بن جماز فقال له : (( إيّاك إيّاك أن تحملها يا شقي ! ولكن لا بدّ أن تحملها وتدخل بها من هذا الباب )) وأومى بيده إلى باب الفيل بمسجد الكوفة , (( وتُقاتل ولدي الحُسين بعد وفاتي )) فلمّا كان من أمر الحُسين ما كان وحان من حينه ما حان , بعث ابن زياد بعمر بن سعد إلى حرب الحُسين (عليه‌السلام ) , وجعل خالد بن عرفطة على مقّدمته بأربعة آلاف فارس , وحبيب بن جماز حامل رايته , فسار بها حتّى دخل مسجد الكوفة من باب الفيل كما أخبر أمير المؤمنين (عليه‌السلام ).

ومن أخباره بالمغيّبات : أنّه (عليه‌السلام ) التفت إلى البرّاء بن عازب ، وقال له : (( يابن عازب , يُقتل ولدي الحُسين وأنت حيّ حاضر ولم تنصره , وتزعم أنّك مُحبّ لنا )) فلمّا قُتل الحُسين , كان البرّاء بن عازب يُظهر الحسرة والنّدم , ويقول : حدّثني سيّدي عليّ بن أبي طالب أنّه يُقتل ولده الحُسين ولم أنصره وظلّ يُكثر الحسرة والنّدم مدّة عمره.

فانظروا يا إخواني إلى ما خصّ الله به هذا الشّخص الرّباني من الفضائل العظيمة والعطايا الجسيمة فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ الدرمكي (رحمه ‌الله تعال ى)

نحول جسمي لا ينفك عني

وقد صار البكا شغلي وفني

وقلبي فيه نيران ووجد

وهمي صار ممزوجاً بحزني

يطيب لي البكا في كل وقت

وأسعف في الرزايا من سعفني

كفاني موت خير الخلق طراً

بأن النفس في السلوان أشني

أخذتم نحلتي ظلماً وإرثي

وحلتم دون ما ربي رزقني

وسب البضعة الزّهراء لـمّا

أتت زفراً وقالت ما نصفني

١٦٦

أما في هل أتى وفيت نذري

فيا ويل لملعون عصبني

سلوا عم وطة إن شككتم

سلوا ياسين ما ربي رزقني

فقال الرجس ما نرضى بهذا

ولا ذا القول في ذا اليوم يغني

فماتت وهي في حرق وكرب

تواصل حر زفرتها بغين

وقتل الطهر في المحراب لـمّا

أتته كتب ملعون ولكني

بأنا طائعون بكل أمر

وأنت محكم في كل فن

فعجل بالمسير يظن خيراً

يحسب البيد سرعاً لا يوني

إلى أن صار في نقع المنايا

وحادي العيس مسرور يغني

فمانعه الجواد السير عنها

فقال لصحبته يا من حضرني

فما اسم الأرض يا قوم انبؤني

ففي أكنافها قد طاش ذهني

فقالوا ذي منازل كربلايا

فقال الكرب فيها قد شملني

ألا حطوا الرحال فلا مسير

ففي هذه الفلاة يكون دفني

وفيها يقتل العباس ظلماً

ويقتل كل صديق نصرني

وفيها تقتل أولادي وصحبي

وتسبى نسوتي بالرغم مني

وفي هذي الفلاة نزار حقاً

وقد جاز السعادة من نصرني

وأقتل ظامياً والماء طام

ويشربه هنيئاً من منعني

إذا شرب المحب الماء بعدي

فطاب له التنغص إذ ذكرني

وما لي مهرب عن أمر ربي

فقد لاحت دلائل ما وعدني

فلما كان وقت الظهر بانت

لهم خيل لأشقى الخلق تدني

فقال أتتكم أرجاس حرب

بأعلام تخالف ما وردني

فما للقوم قصدكم سبيلاً

وكل بالمنايا قد قصدني

فضجوا بالبكاء حزناً عليه

وقالوا بعدكم لا عيش يهني

فلا والله لا نرضى بذل

ولا نستقبل الأعداء يجني

ولكن نبذل الأرواح منا

ونرضى خير مسؤول ومغني

ونفحم عند نيران الأعادي

ونوصل فيهم ضربا بطعن

فيا لله كم قطعوا رؤوساً

وكم قد ألحقوا قرناً بقرن

١٦٧

إلى أن جدلوا بالترب جمعاً

عليهم جاريات الريح تبني

وظل الطهر يفترس الأعادي

كليث ثار في إبل وضان

إلى أن خر مطعوناً طريحاً

دنيفاً بإنكسار الطرف يرني

ينادي بعد عز وامتناع

أما أحد على أهلي يجرني

أليس البضعة الزّهراء أمي

وجدي أحمد يا من جهلني

فقال الشمر أقصر يا حُسين

وما تعديدك المعروف بغني

وحز الرأس كرهاً من قفاه

وبراه وعلاه بلدن

وخلا الجسم منعفراً طريحاً

غسيلاً بالدما من غير دفن

تلوذ به الأرامل واليتامى

حيارى يا أباه منيع ركني

يعز عليك يا أبتاه ما لي

بلا وطأ وقيد قد جرحني

أبي من لليتيمة إن سبتها

علوج أمية واستصرختني

وفاطمة الصغيرة في بكاها

تقول إليك يا أبتاه خذني

وأسكن روعتي مما جرى لي

لأن مصيبة عظمى دهتني

فلو بنت النّبي ترى مكاني

لماتت غصة لـمّا رأتني

وليت الموت قدمني بأخذ

وإلّا عند مصرعكم صرعني

أبي أصبحت منفرداً غريباً

فوا حزناه مما قد دهمني

أبي ساروا بنا فوق المطايا

بأعنف حادي يحدي ببدن

فلما أن أتين إلى يزيد

فقال لساقي الصهباء زدني

وقرب رأس مولانا إليه

ليقرع منه سناً بعد سن

فلعنة ذي الجلال على يزيد

بعد الخلق أنسى وجني

وتغشي أدلماً وأبا فلان

وقرمانا فافهم ما أكني

إليكم يا بني طه عروساً

تربت بين أتراب وخدن

زهت إذ ألبست حلل المعاني

وتوجها مديحكم بحسن

منظمها مديح درمكي

بها يرجو جواركم بعدن

فمن فضل الإله أبي محب

وأمي من محبتكم سقتني

١٦٨

إذا ما نلت من ربي ولاكم

فلا أسفي على شيء منعني

لأنكم أجل الخلق أصلاً

وأعلمهم وأفضلهم بلسن

وأعبدهم وأهداهم وأتقى

وأخوفهم لمن يغني ويفني

صلاة الله دائمة عليكم

تضاعف ما شدت ورقا تغني

١٦٩

المجلس التّاسع

في الليلة الخامسة من عشر الـمُحرّم

وفيه أبواب ثلاثة

الباب الأوّل

يا إخواني في الدّين , هل يحسن إصاخة سمعي إلى لوم اللائمين , أو يميل طبعي إلى عذل العاذلين في ترك أحزاني وشجوني , وبثّ أشجاني وأنيني , وقد فتكت أيدي الكفرة الفجرة المارقين بمولاي الحُسين بن أمير المؤمنين ؟ بل أموت وأحزانه في فؤادي وبها ألاقي الله في معادي , فأطيلوا رحمكم الله النّوح والأحزان على سادات الزّمان واُمناء الملك الدّيان , وليكن نوحكم على شفعائكم يوم النّشور أكثر من نوح الحمام والطّيور , وكيف لا ينهدّ ركني لمصابهم ولم أتجرّع بعض ما تجرّعوه من غصصهم وأوصابهم ؟ أأطمع أن أشاركهم في الفضل والأنعام ولا أشاركهم في تلك الأهوال العظام ؟ :

أذل لمن أهوى لأحظى بعزة

وكم عزة قد نالها المرء بالذل

إذا كان من تهوى عزيزاً ولم تكن

ذليلاً له فأقر السّلام على الوصل

ولعمري , كم من باك على ربع خراب , وكم من هائم على سكن التّراب , وهو غافل عن تمثّل هذا الرّزء العظيم والمصاب الجسيم ، فلا خير والله في قلوب لا تميل إليهم ودموع لا تسح عليهم ، وما لي لا أبكيهم حتّى تنقطع أوصالي ؟ كيف وهم مرجعي وبهم اتصالي :

آل الرّسول الألي لا زال حبهم

للقلب من كل داء للمحب شفا

١٧٠

ومن خذلهم فلا تشفى بشافية

قلوبهم ولهم فوق الجحيم شفا

ضاعت حقوقهم حتّى طريقتهم

قد ضل عنها عقول سيرهم عنفا

روي عن الإمام العسكري (ع) في تفسير قوله تعالى :( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاَء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) (الآية)(١) قال : (( قال لي أبي عن آبائه عن رسول الله (ص) : لـمّا نزلت هذه الآية في ذمّ اليهود الذين نقضوا عهود الله , وحادوا عن أمر الله , وكذّبوا رسول الله , وقتلوا أنبياء الله , فقال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : يا أصحابي , أفلا أنبئكم بما يضاهيكم من يهود اُمّتي ؟ فقالوا : بلى يا رسول الله صلّى الله عليك وعلى آلك فقال : قوم من بني اُميّة يزعمون أنّهم من اُمّتي , ويظنون أنّهم من أهل ملّتي , يقتلون أفاضل ذرّيّتي وأطائب أرومتي وذرّيّة ابنتي , ويبذلون شريعتي ويتركون سنّتي , ويقتلون ولديَّ الحسن والحُسين كما قتل أسلاف هؤلاء اليهود زكريا ويحيى (عليهما‌السلام ) , ألا وأنّ الله يلعنهم كما لعنهم من قبل , ويبعث الله على بقايا ذراريهم يوم القيامة إماماً هادياً مهديّاً من ولد الحُسين , فيقتلهم عن آخرهم ويأخذ بثأر جدّه الحُسين , ولهم يوم القيامة أشدّ العذاب وبئس المصير ، ألا لعن الله قتلة الحُسين ومحبّيهم وناصريهم والشّاكّين في لعنهم من غير تقية , ألا وصلّى الله على الباكين على الحُسين والمقيمين عزاءه , ألا وصلّى الله على مَن بكى على الحُسين رحمة وشفقة ورقّة له ، ألا وصلّى الله على اللاعنين لأعدائهم والممتلين عليهم غيضاً وحنقاً ، ألا وإنّ الرّاضين بقتل الحُسين هُم شُركاء قتلته ، ألا وإنّ قتلته وأعوانهم وأشياعهم والمتقدّمين والمتأخّرين براءة من دين الله , وعليهم لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين ، ألا وأنّ الله يأمر ملائكته المقرّبين أن يتلقّوا دموع الباكين على مصاب الحُسين (عليه‌السلام ) , فيجمعون دموعهم وينقلونها إلى خزنة الجنان , فيمزجونها بماء الحيوان فيزيد في عذبها وطيبها وطعمها ألف ضعفها , وإنّ الملائكة المقرّبين ليتلقّون دموع الفرحين الضّاحكين لقتل الحُسين ومصاب الحُسين , فيلقونها في الهاوية , فيمزجونها بحميم جهنّم وصديدها وغساقها وغسيلها , فتزيد في شدّة حرارتها وعظيم عذابها ألف ضعفها , يشدّد الله على المنقولين إليها من أعداء آل

____________________

(١) سورة البقرة / ٨٤ - ٨٥.

١٧١

محمد في عذابهم يوم القيامة )) قال : (( فقام ثوبان مولى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فقال : بأبي واُمّي يا رسول الله ! أخبرني متى قيام الساعة ؟ فقال رسول الله : ماذا أعددت لها ؟ فقال ثوبان : ما أعددت لها كثير عمل إلّا أنّي أحبّ الله ورسوله وأهل بيت رسوله فقال رسول الله : وإلى ماذا بلغ حبّك لرسول الله وأهل بيته ؟ قال : والذي بعثك بالحقّ نبيّاً , إنّ في قلبي محبّتكم ما لو أنّي قُطّعت بالسّيوف ونُشّرت بالمناشير , وقُرّضت بالمقارض واُحرقت بالنّيران , وطُحنت برحى الحجارة , كان أحبّ إليّ وأسهل عليّ من أن أجد لك في قلبي منك غشّاً أو دغلاً أو بُغضاً , ولا لأحد من أهل بيتك ومن عترتك , فهم أحبّ الخلق إليّ من بعدك , وإنّ أبغض النّاس إليّ مَن لا يحبّك ولا يحبّ أهل بيتك وعرتك يا رسول الله , فهذا ما عندي من حبّك وحبّ مَن يحبّك , وبغض من يبغضك أو يبغض أحداً من أهل بيتك , فإن قُبل منّي , فقد سعدت , وإن ترد منّي عملاً غيره , فما أعلم أنّ لي عملاً غير هذا أعتمد عليه وأعتدّ به يوم القيامة مع مَن أحبّ.

فقال (ص) : واعلم يا ثوبان , لو أنّ عليك من الذّنوب ملأ ما بين الثّرى إلى عنان السّماء , لانحسرت وزالت عنك بهذه الموالاة , أسرع من انحسار الظّل عن الصّخرة الملساء المستوية إذا طلعت عليها الشّمس , ومن انحسار الشّمس إذا غابت عنها , ولعمري , لا عمل فيها أفضل من موالات الآل ؛ لدفع تلك الأهوال والأمور العضال )) :

يا آل طة أنتم القصد والمنى

وفي يدكم يوم اللقا النفع والضر

رجوتكم ذخري وفخري وعدتي

وما خاب من أنتم له الفخر والذخر

إذا كل من عاداكموا بجهنم

وشيعتكم والمؤمنون بكم سروا

وادخلتموهم للجنان فهم بها

وجوههم بيض ملابسهم خضر

عليكم سلام الله ما ناح صادح

على عذبات الدوح وابتسم الزهر

روي : أنّ الرّشيد لـمّا أراد أن يقتل الإمام موسى بن جعفر (عليه‌السلام ) , أعرض قتله على سائر جنده وفرسانه , فلم يقتله أحد منهم ، فأرسل إلى عُمّاله في بلاد الأفرنج يقول لهم : التمسوا إليّ قوماً لا يعرفون الله ولا يعرفون رسول الله , فإنّي أريد أن أستعين بهم على مُهمّ قال : فأرسلوا إليه قوماً لا يعرفون من شرائط الإسلام كلمة واحدة , ولا يعرفون من اللغة العربية كلمة واحدة أبداً ، وكانوا خمسين رجلاً , فلمّا

١٧٢

دخلوا إليه , أكرمهم وأعزّهم وأنزلهم في دار الكرامة , وحمل لهم الهدايا والتُحف والخُلع السّنيّة , ثمّ استدعاهم وسألهم : مَن ربّكم , ومَن نبيّكم ؟ فقالوا : لا نعرف لنا ربّاً ولا نبيّاً أبداً فقال لهم : هذا مرادي وهذا قصدي فقال لوزيره : قُل لهم , إنّ الملك له عدو في هذا البيت جالس - يعني موسى بن جعفر (عليه‌السلام ) - , فادخلوا إليه واقتلوه ولكم الجائزة العُظمى فقالوا : سمعاً وطاعة , وهذا أمر هيّن علينا , فإن أردتم قطعناه قطعاً وأكلنا لحمه قال : فقاموا جميعاً بأسلحتهم كأنّهم السّباع الضّارية ودخلوا على الإمام موسى بن جعفر (عليه‌السلام ) , والرّشيد ينظر إليهم من طاقة حجرته ويبصر ما يفعلون , قال : فلمّا رأوه , رموا أسلحتهم وارتعدت فرائضهم وخرّوا سجّداً يبكون رحمة له ، قال : فجعل الإمام (عليه‌السلام ) يمرّ يده الشّريفة على رؤوسهم وهم يبكون , ومع ذلك يخاطبهم بلحنهم ولغتهم ، قال : فلمّا رأى الرّشيد ذلك منهم , خشي من الفضيحة وصاح بالوزير : اخرجهم عنه فخرجوا وهُم يمشون القهقرى إجلالاً للإمام (عليه‌السلام ) , ثمّ إنّهم ركبوا خيولهم وأخذوا الهدايا والتُحف التي وصلتهم منه , ومضوا لشأنهم من غير إذن الرّشيد.

فانظروا يا إخواني إلى هذه العداوة العظيمة والشّقاوة المعضلة الجسيمة :( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (١) :

قوم علا بنيانهم من هاشم

فرع أشم وسؤدد ما ينقل

قوم بهم نصر الإله رسوله

وعليهم نزل الكتاب المنزل

وبهديهم رضي الإله لخلقه

وبجدهم نصر النّبي المرسل

روي : أنّ رجُلاً من الخوارج قال لـمُحمّد بن الحنفية : لِمَ غرر بك أبوك في الحروب ولم يغرر الحسن والحُسين ؟ فقال له : ويا ويلك ! أما علمت أنّهما عيناه وأنا يمينه , فهو يدفع بيمينه عن عينيه.

وعن ابن عباس , قال : لـمّا كنُا في حرب صفّين , إذ دعا عليّ ابنه مُحمّد بن الحنفية , وقال له : (( يا بني , شد على عسكر معاوية )) ففعل ما أمره أبوه وحمل على ميمنة عسكر معاوية فكشفهم , ثمّ رجع إلى أبيه وقد جُرح , فقال له : يا أبي العطش العطش ! فسقاه جرعة من الماء , ثمّ صبّ الباقي بين درعه وجلده , فو الله لقد رايت علق الدّم يخرج من الدّرع , ثمّ أمهله ساعة , ثمّ قال له : (( يا بُني , شد على الميسرة )) فحمل على ميسرة عسكر معاوية فكشفهم , ثمّ رجع وبه جراحات وهو يقول : الماء الماء يا أبتاه ! فسقاه جرعة من الماء وصبّ باقي الماء

____________________

(١) سورة الصّف / ٨.

١٧٣

بين درعه وجلده ، ثمّ قال له : (( يا بُني , شد على القلب )) فحمل عليهم فكشفهم وقتل منهم فُرساناً , ثمّ رجع إلى أبيه وهو يبكي وقد أثقلته الجروح , فقام إليه أبوه وقبّل ما بين عينيه , وقال له : (( فداك أبوك ! فقد سررتني والله يا بني بجهادك هذا بين يدي , فما يبكيك , أفرح أم جزع ؟ )) فقال : يا أبتي كيف لا أبكي وقد عرّضتني للموت ثلاث مرّات فسلّمني الله , وها أنا مجرح كما ترى ؟ وكلّما رجعت إليك لتمهلني عن الحرب ساعة , فما تمهلني وهذان أخواي الحسن والحُسين ما تأمرهما بشيء من الحرب فقام إليه أمير المؤمنين وقبّل وجهه , وقال له : (( يا بُني , أنت ابني وهذان ابنا رسول الله , أفلا أصونهما من القتل ؟ )) فقال : بلى يا أبتاه , جعلني الله فداك وفداهما من كلّ سوء ! :

فليت شعري هل توازي مصيبة

مصيبتكم يا آل بيت محمد

رزيتم رزايا لا يطيق بحملها

سماء ولا أرض ولا كل جامد

روي : أنّ الحسن الزّكي لـمّا دنت وفاته ونفذت أيّامه وجرى السّم في بدنه وأعضائه , وتغيّر لون وجهه ومال بدنه إلى الزّرقة والخضرة ، قال له أخوه الحُسين (عليه‌السلام ) : (( ما لي أرى لون وجهك مائلاً إلى الخضرة ؟ )) فبكى الحسن (عليه‌السلام ) , وقال له : (( يا أخي , لقد صحّ حديث جدّي فيّ وفيك )) ثمّ مدّ يده إلى أخيه الحُسين واعتنقه طويلاً وبكيا كثيراً , فقال الحُسين (عليه‌السلام ) : (( يا أخي , ما حدّثك جدّك وماذا سمعت منه ؟ )) فقال : (( أخبرني جدّي رسول الله , أنّه قال : لـمّا مررت ليلة المعراج بروضات الجنان ومنازل أهل الإيمان , فرأيت قصرين عاليين متجاورين على صفة واحدة , لكن أحدهما من الزّبرجد الأخضر والآخر من الياقوت الأحمر , فاستحسنتهما وشاقني حسنهما , فقلت : يا أخي جبرائيل , لِمَن هذين القصرين ؟ فقال : أحدهما لولدك الحسن والآخر لولدك الحُسين فقلت : يا جبرائيل , فلِمَ لا يكونا على لون واحد ؟ فسكت ولم يردّ عليّ جواباً , فقلت : يا أخي , لِمَ لا تتكلّم ؟ فقال : حياء منك يا مُحمّد فقلت له : تالله عليك إلّا ما أخبرتني ؟ فقال : أمّا خضرة قصر الحسن , فإنّه يُسمّ ويخضر لونه عند موته ، وأمّا حُمرة قصر الحُسين , فإنّه يُقتل ويُذبح ويُخضب وجهه وشيبته وبدنه من دمائه فعند ذلك بكيا وضجّ النّاس بالبكاء والنّحيب على فقد حبيبيّ الحبيب )).

وحكي عن السّدي , قال : ضافني

١٧٤

رجل في ليلة كنت أحبّ الجليس , فرحّبت به وقرّبته وأكرمته وجلسنا نتسامر , وإذا به ينطلق بالكلام كالسّيل إذا قصد الحضيض , فطرقت له فانتهى في سمره طفّ كربلاء , وكان قريب العهد من قتل الحُسين (عليه‌السلام ) , فتأوّهت الصّعداء وتزفّرت كمداً , فقال : ما بالك ؟ قلت : ذكرت مصاباً يهون عنده كلّ مصاب قال : أما كُنت حاضراً يوم الطّفّ ؟ قلت : لا ، والحمد لله قال : أراك تحمد على أيّ شيء ؟ قلت : على الخلاص من دم الحُسين ؛ لأنّ جدّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال : (( مَن طولب بدم ولدي الحُسين يوم القيامة , لخفيف الميزان )) قال : قال هكذا جدّه ؟ قلت : نعم ، وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( ولدي الحُسين يُقتل ظُلماً وعدواناً , ألا ومَن قتله يدخل في تابوت من نار , ويُعذّب نصف عذاب أهل النّار , وقد غلت يداه ورجلاه , وله رائحة يتعوّذ أهل النّار منها , هو ومَن شايع وبايع أو رضي بذلك :( كُلّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ) (١) لا يفتر عنهم ساعة , ويسقون من حميم جهنّم ، فالويل لهم من عذاب جهنم ! )) قال : لا تُصدّق هذا الكلام يا أخي فقلت : كيف هذا وقد قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( لا كَذِبتُ ولا كُذِّبت )) ؟ قال : ترى قالوا : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( قاتل ولدي الحُسين لا يطول عمره )) ها أنا وحقّك قد تجاوزت التّسعين مع أنّك لا تعرفني قُلت : لا والله قال : أنا الأخنس بن زيد قُلت : وما صنعت يوم الطّفّ ؟ قال : أنا الذي اُمّرت على الخيل الذين أمرهم عمر بن سعد بوطء جسم الحُسين بسنابك الخيل , وهشّمت أضرعه , وجررت نطفاً من تحت عليّ بن الحُسين وهو عليل حتّى كببته على وجهه , وخرمت أذني صفيّة بنت الحُسين لقرطين كانا في إذنيها قال السّدي : فبكى قلبي هجوعاً وعيناي دموعاً , وخرجت أعالج على إهلاكه , وإذا بالسّراج قد ضعفت فقمت أظهرها , فقال : اجلس , وهو يحكي لي مُتعجّباً من نفسه وسلامته , ومدّ إصبعه ليظهرها فاشتعلت به , ففركها في التّراب فلم تنطفئ , فصاح بي : أدركني يا أخي ! فكببت الشّربة عليها وأنا غير محبّ لذلك , فلمّا شمّت النّار رائحة الماء , إزدادت قوّة , وصاح بي : ما هذه النّار وما يطفئها ؟ قلت : إلق نفسك في النّهر فرمى بنفسه , فكُلّما ركس جسمه في الماء , اشتعلت في جميع بدنه كالخشبة البالية في الرّيح البارح ، هذا وأنا أنظره فو الله الذي لا إله إلّا هو , لم تطف حتّى صار فحماً وسار على وجه الماء , ألا لعنة الله على الظالمين

____________________

(١) سورة النّساء / ٥٦.

١٧٥

( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) .

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ الفاضل مُحمّد بن نقيح (رحمه‌ الله تعالى )

عجباً لقلب فيكم لا يفجع

ولأنفس في رزئكم لا تجزع

لله در مراركم بمصابكم

لم تنصدع ونواظر لا تدمع

ما هل عاشورا إلّا وهاج لي

حزن فصرت كبومة استبشع

لم أنس مولاي الحُسين بمكة

عن بيعة الباغي غداً يتمنع

تباً لقوم خالفوه وخالفوا

أمر الرسول وللوصية ضيعوا

كتبوا إليه من العراق وأجمعوا

أن ينصروه فمذ أتى لم يزمعوا

وتقاعدوا عن نصره وتعاقدوا

في خذله وعلى الأذية أجمعوا

فأراد لـمّا أن تبين غدرهم

جزماً إلى حرم المدينة يرجع

بعثوا إليه الحر عند قدومه

فبقى يساير تارة ويجعجع

ساروا فوافوا في العشية كربلا

أرض الطفوف من البراري سلقع

قال انزلوا فهنا مناخ ركابنا

وهنا محط رحالنا والمصرع

وأتى ابن سعد مقبلاً في عصبة

نحو الأطائب والعساكر تتبع

وتأهبوا للحرب بعد تظاهر

والعلج في إضرامها يتشجع

فاستمهل السبط الطغاة لعله

يدعو إلى الله العلي ويضرع

فأقام ليلته يناجي ربه

طوراً ويسجد في الظلام ويركع

ويقول إن القوم لا بغيا لهم

غيري وإني عارف من يرجع

فأقام بين يديه كل موفق

وغدا يقهقر كل من يتطمع

وأتى الحُسين يناشد القوم الذي

لم يبق فيهم من ينيب ويخشع

وغدا ابن سعد راشقاً بسهامه

قوم الإمام وفي الأذية يسرع

وأتت سهام القوم بعد كأنها

مطر تدفعه الرياح الزعزع

ذادوه عن ماء الفرات بجحفل

فيه الصوارم والسلاح يقعقع

فتيقن السبط اللقاء لربه

فأتى الخيام بدرعه يتلفع

____________________

(١) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

١٧٦

يوصي سكينة بالسكينة بعده

بالصبر عند مصابه ويودع

وبقى رجال السبط يقتل واحد

منهم وآخر بعده يتوقع

حتى بقى فرداً وحيداً ظامياً

لا مانع عنه ولا من يدفع

حملوا عليه بالطعان فصدهم

بالسيف وهو اللوذعي الأشجع

مذ اثخنوه بالجراح وأضعفوا

منه الجوارح وهو لا يتروع

وشكى النساء إلى الحُسين من الظما

وأتينه بالطفل مضى يرضع

فمضى به نحو الطغاة كأنه

بدر بدا من برجه يتطلع

ودعا له ماء يبل غليله

ويقول هل قلب يرق ويخشع

وأتاه سهم مارق من مارق

بغروره وبكفره يتمتع

قطع الوريد من الوليد وأقبلت

منه الدماء واحمر منه البرقع

أخذ الدماء بكفه فرمى به

نحو السّماء والعين منه تدمع

ومضى يجدل كل صل صائل

ويقد هاماً منهم ويدرع

حتى دنى أجل الكتات ولم يكن

من بغدما حتم المقدر ينفع

أردوه عن ظهر الجواد كأنه

جبل لخشية ربه متصدع

لهفي له يبغي هنالك شربة

فيجاب بالشتم الشنيع ويمنع

لهفي لمصرعه الشريف على الثرى

بين اللئام وعز ذاك المصرع

لهفي لجثته الشريفة في الثرى

مطروحة يسفى عليها الزوبع

لهفي له إذ يستغيث فلم يغث

أفلم يكن عند النداء من يسمع

ذبحوه ظمآناً وكوثر جدّه

بالماء في يوم القيامة مترع

حملوا الكريم على القناة مضمخاً

والنور من أعضائه يتشعشع

قطع اللعين سنان منه وريده

هل كان يدري أي عضو يقطع

تبت يداه لقد أساء بفعله

وله جهنم في القيامة تسفع

وأتى الجواد إلى الخيام منهما

بصهيله والسرج منه بلقع

وأتت سكينة وهي تندب حاسراً

بأبي الشجاع الاريحي الأروع

وا سيداه عدمت بعدك صحتي

فإلى الإله المشتكى والمفزع

فالدين أضحى بعد فقدك ثاكلا

والدهر أمسى وهو بعدك أجدع

١٧٧

أين الحماة وأين جدّي الـمُصطفى

بل أين حيدرة البطين الأنزع

اليوم مات مُحمّد واستوسرت

أولاده من بعده وتضعضعوا

كم حرمة ظهرت محاسن وجهها

وكريمة قد مال عنها البرقع

فالطيبات الطاهرات حواسر

وتماط عنهن الثياب وتنزع

والسيد السجاد في أيدي العدا

مضني على حمل الشدائد يرفع

هذا وما سكنت به اضغانهم

وبما جرى في حقه لم يقنع

سلبوه من أثوابه ودروعه

ولنزع خاتمه تبين الإصبع

رضوا جناجن صدره بخيولهم

بغياً وعن أحقادهم لا يقلع

ويزيد ينكث ثغره بقضيبه

متمثلاً بالشعر لا يتنعنع

فليأتين غداً بقبح صنيعه

من الندامة في القيامة يقرع

تالله لا عاد ولا فرعونها

كلا ولا فعلت ثمود وتبع

كفعال هذا النكس ابن أميّة

ومقامه في يه يتسكع

أين الصحابة أين حزب مُحمّد

لا منكر منهم ولا متوجع

خص الكرام بكل خطب فادح

فيه العقول مع القلوب تروع

صبروا على البلوى بكل كريهة

والسر فيهم لا محالة يودع

طوبى لأرض حل في أكنافها

جسد الحُسين وطاب ذاك الموضع

قد قدست أرض الطفوف وبوركت

لـمّا اغتدى لك في ثراها مضجع

لك تربة فيها الشفاء وقبة

فيها الدعاء إلى المهيمن يرفع

هم سادة الدنيا ويوم معادنا

في الحشر منهم شافع ومشفع

ولسوف يدرك ثأرهم مهديهم

وأنا ليوم ظهوره أتوقع

إن لم أكن أدركت نصرة جدّه

فبنصره فيما بقي اتطمع

يابن الإمام العسكري ومن له

صيد الملوك إذا تمثل تخضع

يا سيّدي ظهر الفساد وأظلمت

سبل الرشاد فهل لنورك مطمع

وجرت علينا في الزمان ملاحم

لم ندر في تدبيرها ما نصنع

لم يبق إلّا عالم متصنع

أو جاهل متنسك أو مبدع

جعل العلوم على الفساد ذريعة

أكلوا بها الدنيا ولم يتورعوا

١٧٨

يبغون في الأرض العلو وقصدهم

قبل العوام إليهم كي يخدعوا

كل يريد رئاسة بوقاحة

وإذا رأى أهل النهى لا يتبع

يتنافسون على المناصب والعلى

والله يخفض ما يشاء ويرفع

والله يصلح شأنهم ويصدهم

عن غيهم وعن المعاصي يرجع

وبقي رجال أخلصوا في ودهم

خصوا ببلوى للجبال تصدع

أما طريد أو شريد ضائع

بين البرية أو فقير مدقع

فالله يجبر كسرهم بظهوره

يا من بهم جل المكاره تدفع

ويعين منا الصالحين بعصمة

من كل فعل موثق يستبشع

وبه نؤمل أن ينجي كل من

يبغي الهدى ولسبله تتبع

ونعوذ من خطب يهول وفتنة

فيها المعارف والحقوق تضيع

يا عترة الهادي النّبي ومن هم

عزي وكنزي والرجا والمفزع

واليتكم وبرئت من أعدائكم

وأنا بغير ولاكم لا أقنع

ونظمت في علياكم من مقولي

دراً لها وشى القريض يرصع

علماً بأن مديحكم لي نافع

ومديح قوم غيركم لا ينفع

وأنا بكم متنسك وبحبكم

متمسك وبجدكم مستشفع

لم أهو ديناً أصله من غيركم

حسبي إفتخاري أنني أتشيع

وإلى نقيح نسبتي ومحمد

إسمي فكم لي منكر ومضيع

لم استعن في نظمها بسواكم

كلا ولست لمن تقدم اتبع

بل هذه بكر أتت من فكرتي

وقريحتي للبكر دوماً تقرع

وقبولها يا سادتي مهر لها

إن صح فزت بنعمة لا تقطع

صلّى الإله عليكم ما أحييت

فكر وأوقضت العيون الهجع

أبغي الشفاعة في معادي يوم لا

مال هناك ولا بنون ينفع

بكم اؤمل نجح سعيي دائماً

وإلى الإله بحبكم أتدرع

الباب الثّاني

أيّها المؤمنون النّاصحون , اقطعوا رقاد العيون وواصلوا سهاد الجفون ،

١٧٩

وامسكوا أنفسكم عن اللذّات وابذلوا الدّموع الجاريات ، فقد أعزّ دينه وأحرزه مَن أحمل دمعه وأبرزه ، فإنّ إظهار الدّموع البادية , دليل على ما بطن من الأحزان الخافية ، أما علمتم أنّ هذه الدّموع الهتان نفئة مصدور ، وردّ شرائع الأحزان ، وعجز عن الصّدور وإنّي كُلّما تزايدت عليّ الأفكار , يتوقّد في قلبي لهيب النّار ، فلا أجد ملجأ التّجئ إليه ولا معولاً أصبر إليه , سوى ماء الشّؤون المتحادرة من مقرحات الجفون :

إن الحزين إذا ما الحزن خالطه

كان البكاء له ملجأ من الفكر

لا تعذلوني عذولي إنني رجل

لـمّا تزايد حزني قل مصطبري

وكيف لا تحزن على سادات العباد وأنوار الله في البلاد , فليتني شاهدتهم يوم الطّفوف وفديتهم بروحي من الحتوف ، ولكن ليس إلّا ما أراد الله ولا حول ولا قوة إلّا بالله.

روي : أنّ بعض الصّالحين من المؤمنين , رأى في منامه فاطمة الزّهراء في أرض كربلاء , بعد قتل الحُسين مع جملة من نساء أهل الجنّة وهم يندبون الحُسين (عليه‌السلام ) , وفاطمة تقول : (( يا أبي يا رسول الله ! أما تنظر إلى اُمّتك ما فعلوا بولدي الحُسين ؟ قتلوه ظُلماً وعدواناً , قتلوه ومن شرب الماء منعوه , وللمنايا والغصص جرّعوه , وبالسّيوف قطّعوه , وعلى وجهه قلبوه , ومن القفا ذبحوه , فيا بئس ما فعلوه ! يا ابتاه ! أترى فُعل بولد أحد من الأنبياء كما فُعل بولدي ؟! فوا حرّ قلبه ! كأنّ ربّنا ما خلقنا إلّا للبلاء والابتلاء , فإنّا لله وإنّا إليه راجعون يا أبتاه ! قتلوا بعلي أمير المؤمنين , واُدير الحطب على بيتي واُضرمت النّار فيه , وفُتح باب داري عليّ كُرهاً , وقُتل ولدي الـمُحسن سقطاً , كأنّي لم أكُن بضعة منك يا رسول الله ! ولا أنا الذي قُلت فيّ : فاطمة بضعة منّي يُريبني ما يُريبها , ويُزريني ما يُزريها يا أبتي ! أتعلم ما صُنع بي ؟ كسر اللعين ضلعي حتّى متّ بأسفي , مقروحة عليك وعلى الـمُحسن وعلى ولديّ الحسن والحُسين , إنّا لله وإنّا إليه راجعون )).

ثمّ قالت (عليها‌السلام ) : (( يا أبة يا رسول الله ! وأعظم من هذا , أنّهم منعوني من البكاء عليك في المدينة , وقالوا : آذيتينا بكثرة بكائك حتّى عدت إذا ذكرتك واشتقت إلى النّدب عليك , صرت

١٨٠