المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ١

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)0%

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 220

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

مؤلف: الإمام الكبير والـمُصنّف الشّهير الشّيخ فخر الدّين الطريحي النّجفي
تصنيف:

الصفحات: 220
المشاهدات: 34731
تحميل: 4445


توضيحات:

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34731 / تحميل: 4445
الحجم الحجم الحجم
المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1

مؤلف:
العربية

أخرج إلى وراء قبور الشُهداء , فأقضي شأني من البكاء حتّى ألحقني الله بك في المدّة القليلة )).

فعند ذلك رفع رسول الله (ص) رداءه , وقال : (( وا كرباه لكربك يا فاطمة الزّهراء ! وا ابنتاه وا ثمرة فؤاداه ! وا حمزتاه وا عليّاه وا حسناه وا حُسيناه ! وا عبّاساه وا أبا طالباه ! قُتل ولدي الحُسين بالغاضريات ولم تحضره ليوث الغزوات ولا عليّ كاشف الكُربات فكم من دم مسفوك وستر عن حرمة الإسلام مهتوك ؟ وكم من شيبة بالدّماء مخضوبة , وكريمة من النّساء مسلوبة , وابنتي فاطمة الزّهراء بين الأعداء مروعة , وعترتي بالأشجان ملوعة , وقد قتلوا صغيرهم وكبيرهم , وذبحوا رضيعهم وفطيمهم , واستباحوا نساءهم وحريمهم ؟ فيا سُحقاً لأولئك الأشقياء ! ويا بُعداً لأولاد الأدعياء ! كيف أنظر إليهم يوم القيامة وسيوفهم تقطر من دماء أهل بيتي ؟! أم كيف ترونهم إذا نودي بهم في يوم القيامة : يا أهل هذا الموقف , غضّوا أبصاركم حتّى تجوز فاطمة بنت الـمُختار فتأتي وثيابها بدم الحُسين مصبوغة , ومعها قميص آخر مُلطّخ بالسّم , فتنادي : يا اُمّة مُحمّد ! أين مسمومي وأين مذبوحي ؟ وما فعلتم بشبابي وشيوخي ؟ وما فعلتم ببناتي وأطفالي ؟ وما فعلتم بأهل بيتي وعيالي ؟ تصرخ صرخة عالية , وتقول : يا عدل يا حكيم ! احكم بيني وبين قاتل ولديّ فيُقال لها : يا فاطمة الزّهراء , ادخلي الجنّة فتقول : لا أدخل الجنّة حتّى أعلم ما صُنع بولدي الحُسين من بعدي فيُقال لها : انظري أهل القيامة فتنظر يميناً وشمالاً فترى الحُسين (عليه‌السلام ) وهو واقف بلا رأس , فتصرخ صرخة عالية وتصرخ الملائكة معها , وتقول : وا ولداه ! وا ثمرة فؤاداه ! وا حرّ قلباه ! على تلك الأجسام العارية والجسوم المُرمّلة , وا لهفاه على تلك الأعضاء الـمُتقطّعة ! تهبّ عليها الصّبا والدّبور , وتفنهم العقبان والنّسور ، قال : فلم يبقى في ذلك الموقف أحد إلّا وبكى لبكائها , قال : فعند ذلك يمثل الله الحُسين في أحسن صورة , فيخاصم ظالميه ، ثمّ يأمر الله تعالى ناراً اسمها هبهب , قد أوقدوا عليها ألف عام حتّى اسودّت وأظلمت , فتلتقطهم عن آخرهم , ألا لعنة الله على القوم الظّالمين )).

فيا إخواني , كيف تطفي لهبات الأشجان , أم كيف تخفي زفرات الأحزان وكريم الحُسين (عليه‌السلام ) يعلي على السّنان , وأيدي ذرّيّته تغلّ بالحديد إلى الأذقان ؟ رزء والله بكت له السّماء دماً , وتفطّرت له الصّم الصّلاد عظماً :

١٨١

إن رزء الحُسين أضرم ناراً

لابثاً في القلوب ذات الوقود

إن رزء الحُسين نجل عليّ

هدّ ركناً ما كان بالمهدود

يا لها نكبة أباحت جسمي

السقم وأجرت مدامعاً بالخدود

قتلوه مع علمهم أنه خير البرايا

من سيّد ومسود

اسخطوا الله في رضى ابن زياد

وأعطوه قضاء حق يزيد

روي : أنّ الحُسين لـمّا رأى وحدته وفقد عترته وأنصاره , تقدّم على فرسه نحو القوم حتّى واجههم , وقال : (( أيّها النّاس , أنسبوني وانظروا مَن أنا , ثمّ راجعوا أنفسكم وعاتبوها , فانظروا هل يحلّ لكم سفك دمي وانتهاك حُرمي ؟ ألست أنا ابن نبيّكم مُحمّد ؟ أما كان موصياً فيكم لي ولأخي ؟ أما أنا سيّد شباب أهل الجنّة ؟ أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي وانتهاك حُرمتي ؟ )) فقالوا : ما نعرف شيئاً ممّا تقول فقال : (( إنّ فيكم مَن لو سألتموه عنّي لأخبركم إنّه سمع ذلك من جدّي رسول الله فيّ وفي أخي الحسن , سلوا زيد بن ثابت والبرّاء بن عازب وأنس بن مالك , فإنّهم يخبرونكم أنّهم سمعوا من جدّي رسول الله فيّ وفي أخي , فإن كنتم تشكّون إنّي لست ابن بنت نبيّكم , فوالله ما تعمدت الكذب وقد عرفت أنّ الله تعالى يمقت على الكذب أهله ويعذّب مَن استعمله , فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري , ثمّ أنا ابن إمامكم خاصّة دون غيري , خبّروني هلى تطلبوني بقتل قتلته منكم , أو بقصاص من جراحة , أو بمال استملكته منكم , أم على سنّة غيّرتها , أم على شريعة فرض بذاتها ؟ )) قال : فسكتوا ولم يقبلوا هذا القول منه.

وإنّه (عليه‌السلام ) كان عالماً بما يؤول أمره إليه , عارفاً بما هو قادم عليه , عرف ذلك من أبيه وجدّه (عليهما‌السلام ) , واطلّع على حقيقة ما خصّه الله به من بين الأنام , وإنّما كان ذلك القول وتكراره عليهم ؛ لإقامة الحجّة عليهم , وتنبيهاً لمن يقول لا أعلم واشتبه عليّ الأمر فلم أهتد لوجه الصّواب , ففي هذه الاحتمالات بإنذاره.

فتبّاً لآرائهم الفاسدة وعقولهم الجامدة , ولقد أعماهم القضاء إذ عليهم نزل , وحتم عليهم العذاب ربّ لم يزل , فما منهم إلّا من حاد عن الصّواب وعدل , فما أنصف ولا عدل بل مالت نفوسهم إلى حُبّ الدُنيا الدّنيّة فخيّبهم الأمل ، ألا تتفكّرون فيما صدر من كبيرهم المدعو بأميرهم يزيد (لعنه الله) , مما تمثّل به بين جلسائه , حيث يقول :

١٨٢

ليت أشياخي ببدر شهدوا

وقعة الخروج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحاً

ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل

لعبت هاشم في الملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

فعلى هذا كانت عقيدتنا وعلى ذلك كان دينه وطريقته.

فلهذا ارتكبوا مركباً وعراً وفعلوا نكراً ، قالوا قولاً هجراً واستحلّوا مذاقاً مرّاً , وبلغوا الغاية في العصيان ووصلوا النّهاية في رضا الشّيطان ، وكم ذكّرهم الحُسين (عليه‌السلام ) عذاب الله فما ذكروا , وزجرهم على تقحّم نار الجحيم , فما انزجروا , وأصرّوا واستكبروا استكباراً على خطيئاتهم اغرقوا , فاُدخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً , ثمّ قال (عليه‌السلام ) :( رّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيّاراً ) (١) ( إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ) (٢) . فاستجاب الله دعاءه (عليه‌السلام ) , ووقع الفناء ببني اُميّة اللئام , ودارت عليهم دوائر الإنتقام , فقُتلوا في كلّ أرض بكلّ لدن وحسام , وانتقلوا إلى نار الجحيم والإضرام , فصارت ألوفهم آحاداً وجموعهم أفراداً , ولبسوا العار آباءاً وأجداداً وأولاداً.

فوا حسرتاه لما حلّ بآل الرّسول في تلك المنازل والتّلول ! أتُحمل ذرّيّة حبيب الملك الوهاب حسراً على الأقتاب , ونسوة آل حرب يُضرب عليهنّ الحجاب ويرفلنّ في الفاخر من الثّياب ؟! :( تَكَادُ السّماوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقّ الْأَرْضُ وَتَخِرّ الْجِبَالُ هَدّاً ) (٣) :

لقد منعوا الحُسين الماء ظلماً

وذاك الماء ورد للكلاب

ولو لا زينب قتلوا علياً

صغيراً قتل بق أو ذباب

بنات مُحمّد في الشمس عطشى

وآل يزيد في ظل القباب

لآل يزيد من أدم خيام

وأصحاب الكساء بلا ثياب

حُكي : أنّ فاطمة الصّغرى قالت : كنت واقفة بباب الخيمة وأنا أنظر أبي وأصحابه مجرّدين كالأضاحي على الرّمال , والخيول على أجسادهم تجول , وأنا أفكّر ما يصدر علينا بعد أبي من بني اُميّة , أيقتلوننا أو يأسروننا , وإذا برجل على ظهر جواده يسوق النّساء بكعب رُمحه , وهن يلذن بعضهنّ في بعض , وقد أخذ ما عليهنّ من أخمرة وأسورة , وهن يصحن : وا جدّاه وا أبتاه وا عليّاه ! وا قلّة ناصراه وا حُسيناه !

____________________

(١) سورة نوح / ٢٦.

(٢) سورة نوح / ٢٧.

(٣) سورة مريم / ٩٠.

١٨٣

أما من مُجير يجيرنا ؟ أما من ذائد يذود عنّا ؟ قالت : فطار فؤادي وارتعدت فرائصي , وجعلت أجيل طرفي يميناً وشمالاً على عمّتي اُمّ كلثوم ؛ خشية منه أن يأتيني , فبينما أنا على هذه الحالة , وإذا به قد قصدني , فقلت : ما لي إلّا إلى البرّ ففررت منهزمة وأنا أظنّ إنّي اسلم منه , وإذا به قد تبعني فذهلت خشية منه , وإذا بكعب الرّمح بين كتفي فسقطت لوجهي , فخرم أذني وأخذ قرطي وأخذ مقنعتي من رأسي , وترك الدّماء تسيل على خدّي ورأسي تصهره الشّمس , وولّى راجعاً إلى الخيم وأنا مغشى عليَّ , وإذا بعمّتي عندي تبكي وهي تقول : قومي نمضي , ما أعلم ما صدر على البنات وأخيك العليل فقمت وقلت : يا عمّتاه ! هل من خرقة أستر بها رأسي عن أعين النّظارة ؟ فقالت : يا بنتاه ! وعمّتك مثلك وإذا برأسها مكشوف ومتنها قد اسودّ من الضّرب , فما رجعنا إلى الخيمة إلّا وهي قد نُهبت وما فيها , وأخي عليّ بن الحُسين مكبوب على وجهه , لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع والعطش والسّقام , فجعلنا نبكي عليه ويبكي علينا :

وإني ليشجيني ادكاري عصابة

بأكناف أرض الغاضريات قتل

ومن بينهم سبط النّبي مُحمّد

طريح ومن فوق الصعيد مجدل

وقد طحنت منه جناجن صدره

ورض ومنه الرأس في الرمح بحمل

ورحل بني الهادي النّبي موزع

تقاسمه قوم أضاعوا وبدلوا

رجالهم صرعى بكل تنوفة

ونسوتهم في السبي حسرى وثكل

وأطفالهم غرثى يمضهم الطوى

وليس لهم بر هنالك يكفل

فيا حرقي تزايدي ويا عيوني تساعدي ؛ فإنّه رزء عظيم ومصاب جسيم , ولمثل هؤلاء الكرام فليبك الباكون ، وإيّاهم فليندب النّادبون , وتذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ الخليعي (رحمه ‌الله تعالى )

لست ممن يبكي رسولاً محمولاً

ودياراً أعفى البلا وطلولا

لا ولم تلهني ملاعب أترابي

ولم أبكي مربعاً مأهولا

١٨٤

ما شجاني النوى فاستوقف الحادي

ولا أحبس الركاب قليلا

بل شجاني ناعي الحُسين فأجريت

دموعاً لـمّا شجاني همولا

كيف لا أندب الغريب الوحيد

المستظام المشرد المقتولا

كيف لا أساعد البتول على الحزن

وقد بات قلبها مبتولا

يوم ذاقت مر المذاق وكان

السبط في حجره محمولا

والنبي الهادي به قرح يحنو

عليه ويكثر التقبيلا

فأتاه الأمين جبريل ينعاه

به فاغتدى يطيل العويلا

فأتت فاطم إليه وقالت

قد تبينت منك أمراً مهمولا

سيدي ما الذي دهاك ولم

تعرض ما دمت بي رحيماً وصولا

قال إنّي أأبى لقلبك أن يصبح

يوماً للنائبات همولا

إن هذا الحُسين يضحي بأرض

الطف من بعدنا طريحاً قتيلا

بعد أن يطلب النصير فلا

ينظر إلّا محارباً وخذولا

والعزيزات من بناتك يشهرن

حزوناً بين الورى وسهولا

فدعت عند قوله وا غريباه

وواعظم ذاك خطباً جليلا

من ترى يلحد الغريب ومن ذا

يتولى التكفين والتغسيلا

من ترى يعمل العزاء ومن يبكي

عليه ومن يراعي الرسولا

فبكى الـمُصطفى فأوحى إليه الله

قل للبتول قولاً جميلا

سوف أنشئ قوماً كراماً يقيمون

عزاء الحُسين جيلاً فجيلا

وأجازيهم على الود للقربى

وأعطيهم العطاء الجزيلا

فتولت تثني على الشيعة الغر

وتدعو دعاءها المقبولا

فإذا كان قلبها من كلام قبل

لاقى أسى وداء دخيلا

كيف لو أبصرته ملقى على الترب

تجيل العدى عليه الخيولا

والسبايا من حوله يتصارخن

وقد نالت الجيوب الذيولا

واليتامى كل تخفي من الخوف

وتدمي باللطم خداً أسيلا

وبدور السما صرعى على الأرض

تلاقي عند التمام أفولا

وقدود الغصون من بعد ذاك

اللين فوق الثرى تعاني الذبولا

١٨٥

والإمام السجاد في الأسر موثوقاً

بنفسي أفدي الأسير العليلا

إذ رأت زينب تمرغ خديها

عليه وتستغيث الجليلا

وتنادي وا فجعتي وا شقائي

يا لها حسرة وحزناً طويلا

ليتني كنت فدته لك من كرب

المنايا وكان ذاك قليلا

يا أخي ما ترى سكينة خوف

السبي تومي إليك طرفاً كليلا

يا أخي هل لفاطم من كفيل

حيث قد أعوز الزمان الكفيلا

يا أخي ما ترى علياً بذل

وبرغم يضحى العزيز ذليلا

لو رأت صفوة النساء كريمات

حسين على المسير عجولا

متعبات يعثرن في بهرج السير

وحادي السرى يجد الرحيلا

أو رأت رأسه على الرمح مشهوراً

إلى أرذل الورى محمولا

لرأت ما يسؤها من جوى الثكل

وأمسى لها العراء نزيلا

وروى الحميري وهو صدوق

قال عاينت في المنام البتولا

مع لفيف من الملائكة قد زارت

ضريح الحُسين عبرى ثكولا

ثم قالت ووابل الدمع لا يطفي

لهيباً ولا يبل غليلا

لم تقلبه يوم أردي كف

غير كفي نجيه جبريلا

يا بني أحمد ذكرتم فرعاً

عطرات الحنا وطبتم أصولا

وشرعتم محجة الرشد للناس

ولولاكم لضلوا السبيلا

شهد الله جاهداً في يميني

وكفى الله شاهداً ووكيلا

ما أراقت أرجاس حرب دم

السبط وأغرت به الطغاة النغولا

واستطالوا إلّا بمن جحد النص

وفي حكمه غداً مستقيلاً

وبيوم التناد فهو المنادي

ليتني لم اتخذ فلاناً خليلا

فإليكم جواهر من ولي

عارف يتبع المقال الدليلا

لازم ما أمرتموه من التقوى

مقيم على الولاء لن يحولا

تعس القائلون أن الخليعي

بغى بالهداة يوماً بديلا

حاش لله ليس يدعي لبيباً

من ياسوي بالفاضل المفضولا

١٨٦

الباب الثّالث

قابلوا رحمكم الله نعمة الموالاة بالشّكر والحمد ، وابذلوا في ذلك أوسع الطّاقة والجهد ، وأحسنوا إلى الذّريعة النّبوية , وأطيعوا الله فيما أمركم بحقّهم من الوصيّة ، وتمسّكوا بحبلهم المتين , واجعلوهم جنناً واقية من العذاب المهين ، ولا شيء لعمري , أدعى إلى حصول الثّواب العظيم وإزالة العقاب الأليم ، وأقرب إليهم صلوات الله عليهم من إظهار شعائر الأحزان وإجراء الدّمع الهتان ، على ما أصابهم في ذلك الزّمان ، فكم لهم رأس على سنان وبدن بلا رأس بين الأبدان ؟ فيا لها من رزية ما أجل خطبها بين الأنام ، ومن مصيبة ما أعظمها في الإسلام.

روي عن بعض الثُقاة : أنّ يزيد (لعنه الله تعالى) دعا برأس الحُسين (عليه‌السلام ) وكان بيده قضيب خيزران , فجعل ينكث ثناياه ويفرق بين شفتيه وجلساؤه ينظرون إليه ، فقال زيد بن أرقم (رض) : يا يزيد , ارفع قضيبك عن شفتي حبيب الله , فو الله , لقد رأيت رسول الله يقبّلهما مراراً كثيرة , ويقول له ولأخيه الحسن : (( اللّهمّ إنّ هذين وديعتي عند الـمُسلمين )) وأنت يا يزيد مثل هذا تفعل بودائع رسول الله ؟! ثمّ إنّ يزيد جعل يبكي وينوح ، وفي هذا المعنى قال الشّاعر :

كان النّبي يحب يلثم ثغره

قعد اللعين يدق أكرم ملثم

وغدا يعفر خده فوق الثرى

ظلماً وضرج عارضيه بالدم

قتل الحُسين فيا سماء تفطري

حزناً ويا دار السرور تهدمي

يا أعين السحب اقتدي بي في البكا

يا ورق من نوحي عليه تعلمي

عن ابن عبّاس (رض) , قال : عطش الـمُسلمون في مدينة الرّسول في بعض السّنين عطشاً شديداً , حتّى أنّهم عادوا لا يجدون الماء في المدينة , فجاءت فاطمة الزّهراء بولديها الحسن والحُسين (عليهما‌السلام ) إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فقالت : (( يا أبتي , إنّ ابني الحسن والحُسين صغيران لا يتحمّلان العطش )) فدعا النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بالحسن فأعطاه لسانه حتّى روي , ثمّ دعا بالحُسين فأعطاه أيضاً لسانه فمصّه حتّى روي ، فلمّا رويا , وضعهما على ركبتيه وجعل يُقبّل هذا مرّة وهذا اُخرى , ثمّ يلثم هذا لثمة وهذا لثمة , ثمّ يضع لسانه الشّريف في أفواههما وهو معهما في غبطة

١٨٧

ونعمة , فبينما هُم كذلك , إذ هبط الأمين جبرائيل بالتّحية من الرّب الجليل إلى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فقال : يا مُحمّد , ربّك يقرؤك السّلام ويقول : (( إنّ هذا ولدك الحسن يموت مسموماً مظلوماً ، وهذا ولدك الحُسين يموت عطشاناً مذبوحاً )) فقال : (( يا أخي جبرائيل , مَن يفعل ذلك بهما ؟ )) قال : قوم من بني اُميّة يزعمون أنّهم من اُمّتك , يقتلون أبناء صفوتك ويشرّدون ذرّيّتك فقال : (( يا جبرائيل , هل تفلح اُمّة تفعل هذا بذرّيّتي ؟ )) قال : لا والله , بل يبليهم الله في الدُنيا بمن يقتل أولادهم ويسفك دماءهم ويستحيي نساؤهم , ولهم في الآخرة عذاب أليم ، طعامهم الزّقوم وشرابهم الصّديد ، ولهم في درك الجحيم عذاب مكيد ، ويُقال لجهنّم هل امتلأت ؟ فتقول هل من مزيد ؟ ثمّ قال جبرائيل (عليه‌السلام ) : يا مُحمّد , إنّ الله عزّ وجلّ حمد نفسه عند هلاك الظّالمين , حيث قال :( فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (١) قال : فجعل النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) تارة ينظر إلى الحسن وتارة ينظر إلى الحُسين وعيناه تهملان من الدّموع , ويقول : (( لعن الله قاتلكما , ولعن الله من غصبكما حقّكما من الأولين والآخرين )).

فيا لها من مرتبة ما نالها إلّا الفائزون , ويا لها من درجة لم يحظ بها إلّا الفائزون , فيا طول حزني عليهم واشتياقي إليهم :

لو فهم الورق حنيني نحوهم

ناحت معي وقطعت أطواقها

ولو يذوق عاذلي صبابتي

صبا معي لكنه ما ذاقها

روي عن الإمام الصّادق (عليه‌السلام ) , أنّه قال : (( كان الحُسين (عليه‌السلام ) يوماً في حجر جدّه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وهو يلاعبه ويلاطفه ويقبّله ويضاحكه , فقالت له عائشة : ما أشدّ حبّك لهذا الصّبي , وما أشغفك به وما أشدّ اعجابك به ؟ فقال لها : ويلك ! وكيف لا أحبّه ولا أعجب به وهو ثمرة فؤادي وقرّة عيني ومهجة قلبي , ولكن اعلمي يا عائشة , إنّ قوماً من أشرار اُمّتي تقتله من بعدي , ويكون قاتله مُخلّداً في النّار , وعليه غضب من الله تعالى , ومَن زاره بعد وفاته , كتب الله له الثّواب حجّة من حجّتي فقالت عائشة : يا رسول الله , حجّة من حججك يكتبها الله لزائر الحُسين ؟ قال : نعم وحجّتين قالت عائشة : وحجّتين من حججك ؟! قال : نعم بل ثلاث حجج )).

قال : (( ولم تزل عائشة تزيده بالقول وهو (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يُضاعف لها الحجج , حتّى بلغ سبعين حجّة من حجج رسول الله ، ثمّ قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : يا

____________________

(١) سورة الأنعام / ٤٥.

١٨٨

عائشة , مَن أراد الله به الخير , قذف في قلبه محبّة الحُسين (عليه‌السلام ) وحُب زيارته ومَن زار الحُسين عارفاً بحقّه , كتبه الله من أعلى علّيين مع الملائكة المقرّبين )).

وعن سُليمان الأعمش , أنّه قال : كنت نازلاً بالكوفة وكان لي جار , وكنت آتي إليه وأجلس عنده , فأتيت ليلة الجُمُعة إليه , فقلت له : يا هذا , ما تقول في زيارة الحُسين (عليه‌السلام ) ؟ قال لي : هي بدعة وكلّ بدعة ضلالة وكلّ ذي ضلالة في النّار قال سُليمان : فقمت من عنده وأنا ممتلئ عليه غيظاً , فقلت في نفسي : إذا كان وقت السّحر , آتيه وأحدّثه شيئاً من فضائل الحُسين (عليه‌السلام ) , فإن أصرّ على العناد قتلته قال سُليمان : فلمّا كان وقت السّحر , أتيته وقرعت عليه الباب ودعوته باسمه , فإذا بزوجته تقول : إنّه قصد إلى زيارة الحُسين من أوّل الليل قال سُليمان : فسرت في أثره إلى زيارة الحُسين (عليه‌السلام ) , فلمّا دخلت إلى القبر , فإذا أنا بالشّيخ ساجد لله عزّ وجلّ , وهو يدعو ويبكي في سجوده ويسأله التّوبة والمغفرة , ثمّ رفع رأسه بعد زمان طويل فرآني قريباً منه , فقلت : يا شيخ , بالأمس كنت تقول , زيارة الحُسين بدعة وكلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة بالنّار ، واليوم أتيت تزوره ؟! فقال : يا سُليمان لا تلمني , فإنّي ما كنت أثبت لأهل البيت إمامة حتّى كانت ليلتي تلك , فرأيت رؤيا هالتني وروّعتني فقلت له : ما رأيت أيّها الشّيخ ؟ قال : رأيت رجُلاً جليل القدر , لا بالطّويل الشّاهق ولا بالقصير اللاصق , لا أقدر أن أصفه من عظم جلاله وجماله وبهائه وكماله , وهو مع أقوام يحفّون به حفيفاً ويزفّونه زفيفاً , وبين يديه فارس وعلى رأسه تاج , وللتاج أربعة أركان وفي كلّ ركن جوهرة تضيء من مسيرة ثلاثة أيّام , فقلت لبعض خدّامه : مَن هذا ؟ فقال : هذا مُحمّد الـمُصطفى قلت : ومَن هذا الآخر ؟ فقال : عليّ الـمُرتضى , وصي رسول الله ثمّ مددت نظري , فإذا أنا بناقة من نور وعليها هودج من نور وفيه امرأتان , والنّاقة تطير بين السّماء والأرض , فقلت : لِمَن هذه النّاقة ؟ فقال: لخديجة الكبرى وفاطمة الزّهراء فقلت : ومَن هذا الغُلام ؟ فقال : هذا الحسن بن عليّ فقلت : وإلى أين يريدون بأجمعهم ؟ فقال : لزيارة المقتول ظُلماً شهيد كربلاء , الحُسين بن عليّ الـمُرتضى ثمّ إنّي قصدت نحو الهودج الذي فيه فاطمة الزّهراء , وإذا أنا برقاع مكتوبة تتساقط من السّماء , فسألت : ما هذه الرّقاع ؟ فقال : فيها أمان من النّار لزوّار الحُسين (عليه‌السلام ) في ليلة الجُمُعة.

١٨٩

فطلبت منه رقعة , فقال لي : إنّك تقول زيارته بدعة , فإنّك لا تنلها حتّى تزور الحُسين وتعتقد فضله وشرفه فانتبهت من نومي فزعاً مرعوباً , وقصدت من وقتي وساعتي إلى زيارة سيّدي الحُسين (عليه‌السلام ) , وأنا تائب إلى الله تعالى ، فو الله يا سُليمان , لا أفارق قبر الحُسين (عليه‌السلام ) حتّى تُفارق روحي جسدي.

وعن داود بن كثير , عن أبي عبد الله (عليه‌السلام ) , قال : (( إنّ فاطمة بنت مُحمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) تحضر زوّار قبر الحُسين فتستغفر لهم )) :

فيا نكبة هدت قوى دين أحمد

وعظم مصاب في القلوب له سعر

أيرتفع الرأس الكريم على القنا

ويهدى إلى الرجس قد اغتاله الكفر

ويمنع شرب الماء عمداً وكفه

به من عطايا جود أنعامه بحر

ويقتل ضمآناً كئيباً وجدّه

نبي له الاقبال والعز والنصر

حبيب أجل المرسلين مقامه

رسول به ترجى الشفاعة والبشر

ووالده الهادي الوصي خليفة

النّبي أبو الأطهار والصنو والصهر

إمام له السر العظيم وشأنه

القديم وفي أوصافه نزل الذكر

له الشرف العالي له النور والبهاء

له الرتبة له المجد والفخر

إذا ما انتضى يوم الكريهة عزمه

فمن ذا ترى زيداً ومن ذا ترى عمرو

حُكي عن رجل كوفي حداد قال : لـمّا خرج العسكر من الكوفة لحرب الحُسين بن عليّ (عليه‌السلام ) , جمعت حديداً عندي وأخذت آلتي وسرت معهم , فلمّا وصلوا وطنبوا خيمهم , بنيت خيمة وصرت أعمل أوتاداً للخيم ، وسككاً ومرابط للخيل , وأسنّة للرماح , وما اُعوج من سنان أو خنجراً أو سيف كنت بكلّ ذلك بصيراً , فصار رزقي كثيراً وشاع ذكري بينهم حتّى أتى الحُسين مع عسكره , فارتحلنا إلى كربلاء وخيّمنا على شاطئ العلقمي , وقام القتال فيما بينهم وحموا الماء عليه وقتلوه وأنصاره وبنيه , وكان مدّة إقامتنا وارتحالنا تسعة عشر يوماً , فرجعت غنيّاً إلى منزلي والسّبايا معنا , فعُرضت على عُبيد الله فأمر أن يشهروهم إلى يزيد إلى الشّام ، فلبثت في منزلي أيّاماً قلائل , وإذا أنا ذات ليلة راقد على فراشي , فرأيت طيفاً :

كأنّ القيامة قامت والنّاس يموجون على الأرض كالجراد إذ فقدت دليلها , وكلّهم دالع لسانه على صدره من شدّة الظّمأ , وأنا اعتقد أنّ فيهم أعظم منّي

١٩٠

عطشاً ؛ لأنّه كلّ سمعي وبصري من شدته , هذا غير حرارة الشّمس تغلي منها دماغي , والأرض تغلي كأنّها القير إذ اُشعل تحته نار , فخلت أنّ رجلي قد تقلّعت قدماها , فو الله العظيم , لو أنّي خُيّرت بين عطشي وتقطيع لحمي حتّى يسيل دمي لأشربه , لرأيت شربه خيراً من عطشي ، فبينما أنا في العذاب الأليم والبلاء العميم , إذ أنا برجل قد عمّ الموقف نوره وابتهج الكون بسروره راكب على فرس , وهو ذو شيبة قد حفّت به ألوف من كلّ ؛ نبيّ ووصيّ وصديق وشهيد وصالح , فمرّ كأنّه ريح أو سيران فلك ، فمرّت ساعة وإذا أنا بفارس على جواد أغر , له وجه كتمام القمر , تحت ركابه ألوف إن أمر ائتمروا وإن زجر انزجروا ، فاقشعرّت الأجسام من لفتاته وارتعدت الفرائص من خطواته , فتأسفت عن الأوّل ما سألت عنه خيفة من هذا , وإذا به قد قام في ركابه وأشار إلى أصحابه وسمعت قوله: خذوه وإذا بأحدهم قابض بعضدي كلبّة حديد خارجة من النّار , فمضى بي إليه , فخلت كتفي اليمنى قد إنقلعت , فسألته الخفّة فزادني ثقلاً , فقلت له : سألتك بمَن أمرك عليّ , مَن تكون ؟ قال : ملك من ملائكة الجبّار قُلت : ومَن هذا ؟ قال : عليّ الكرار قُلت : والذي قبله ؟ قال : مُحمّد الـمُختار قُلت : والذين حوله ؟ قال : النّبيون والصّديقون والشُهداء والصّالحون والمؤمنون قُلت : أنا ما فعلت حتّى أمرك عليّ ؟ قال : إليه يرجع الأمر وحالك حال هؤلاء فحقّقت النّظر وإذا بعمر بن سعد أمير العسكر وقوم لم أعرفهم , وإذا بعنقه سلسلة من حديد والنّار خارجة من عينيه وأذنيه , فأيقنت بالهلاك , وباقي القوم منهم مغلّل ومنهم مقيد ومنهم مقهور بعضده مثلي , فبينما نحن نسير , وإذا برسول الله الذي وصفه الملك , جالس على كرسي عال يزهو أظنّه من اللؤلؤ , ورجُلين ذي شيبتين بهيتين عن يمينه , فسألت الملك عن الرّجلين , فقال : آدم ونوح وإذا برسول الله يقول : (( ما صنعت يا عليّ ؟ )) قال : (( ما تركت أحداً من قاتلي الحُسين إلاّ وأيت به )) فحمدت الله تعالى بأنّي لم أكن منهم وردّ إليّ عقلي , وإذا برسول الله يقول : (( قدّموهم )) فقدّموهم إليه وجعل يسألهم ويبكي ويبكي كلّ مَن في الموقف لبكائه ؛ لأنّه يقول للرجل : (( ما صنعت بطفّ كربلاء بولدي الحُسين ؟ )) فيجيب : يا رسول الله , أنا حميت الماء عليه وهذا يقول : أنا قتلته وهذا يقول : أنا سلبته وهذا يقول : أنا وطأت صدره بفرسي ومنهم يقول :

١٩١

أنا ضربت ولده العليل فصاح رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وقال : (( وا ولداه ! وا قلّة ناصراه ! وا حُسيناه ! وا عليّاه ! هكذا صدر عليكم بعدي أهل بيتي ؟ انظر يا أبي يا آدم ! انظر يا أخي يا نوح ! كيف أخلفوني في ذرّيّتي )) فبكوا حتّى ارتجّ المحشر , فأمر بهم زبانية جهنّم يجرّونهم أوّلاً فأوّلاً إلى النّار , وإذا بهم قد أتوا برجل , فسأله (ص) , قال : ما صنعت شيئاً قال : (( أما أنت نجّار ؟ )) قال : صدقت يا سيّدي , لكنّي ما عملت شيئاً إلّا عموداً لخيمة الحصين بن نمير ؛ لأنّه انكسر من ريح عاصف فوصلته فبكى (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وقال : (( كثّرت السّواد على ولدي , خذوه للنار )) وصاحوا : لا حكم إلّا لله ولرسوله ووصيه قال الحداد : فأيقنت بالهلاك فأمر بي فقدّموني , فاستخبرني فأخبرته , فأمر بي إلى النّار , فلمّا سحبوني , إلّا وانتبهت وحكيت لكلّ من لقيته وقد يبس لسانه ومات نصفه وتبرّأ كلّ من يحبّه ومات فقيراً لا رحمه‌ الله تع الى( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) .

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان والأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ ابن حما د (رحمه ‌الله تعا لى)

زر ضريحاً (بجورقان) ونائي

الحُسين بن فاطمة الزهراء

لغريب بكربلا يا صريع

طال كربي لذكره وبلائي

ووحيد بين الأعادي غريب

جرعته العدى كؤوس الرداء

فإذا زرته فقل يا قتيلا

حزنه قاتلي بسيف شجائي

يا غريباً لأجله صرت أبكي

أسفاً بعده على الغرباء

يا خضيب المشيب خضبت خدي

بدموع ممزوجة بدماء

ليتني بالطفوف كنت فداء

لك يا سيّدي وقلّ فدائي

بأبي جسمك الذي وطأته

الخيل من بعد لين الوطاء

بأبي رأسك المسير في الرمح

كبدر يلوح في الظلماء

بأبي أختك التي هتكت بعدك

من بعد سرها والخباء

تستر الوجه وهي تعثر في

فاضل أذيالها لفرط الحياء

ثم تدعوك يا أخي كم أناديك

تشجو فلا تجيب ندائي

____________________

(١) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

١٩٢

يا أخي لو رأيتنا لرأت عيناك

فينا شماتة الأعداء

كنت أرجوك للشدائد كهفاً

فأبى الدهر أن يحق رجائي

ليتني مت قبل هذا فقد

كان مماتي أحق من بقائي

لأنوحن ما حييت على من

ناح حزناً طير السماء

وكذا الأرض والسماء بكته

وقليل له كثير البكاء

وبكى جبرائيل في الملأ العلوي

أيضاً وكل من في السماء

وبه عزي النّبي وعزي

فيه مولاي سيّد الأوصياء

وغدت فاطم البتولة تبكيه

بثكل قريحة الأحشاء

لعن الله عصبة قتلته

ولحاها بكرة وعشاء

ليس تهنى الحياة بعد قتيل

الطف إلّا امرؤ قليل الحياء

وسيبكي له ابن حماد في كل

صباح من عمره ومساء

١٩٣

المجلس العاشر

في اليوم الخامس من عشر الـمُحرّم

وفيه أبواب ثلاثة

الباب الأوّل

لو علم النّاس فضل هذا المقام لأجلوه عن الوطء بالأقدام , ولجعلوا هذا الرّغام شفاءاً وافياً من الأسقام , وكيف لا , وفيه تُقام مآتم الآل وما جرى عليهم من الأسر والقتال من الكفرة الفجرة الأنذال.

فيا إخواني , أكثروا من التّلهّف والأسف على أهل الفضائل والشّرف ، وكيف الصّبر لِمَن يمثل مولاه الحُسين (عليه‌السلام ) واقفاً يُنادي في ميدان القتال : (( ألا هل من نصير ينصر الآل ؟ ألا هل من معين يعين عترة المختار ويذبّ عن الذرّيّة الأطهار ؟ أين من حقّنا عليه ؟ أين من الوصية فينا من الرّسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حيث يقول :( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) )).

فالعجب كلّ العجب من غفلة أهل الزّمان عن إقامة العزاء وإثارة الأحزان , على الشّهيد العطشان المدفون بلا غسل ولا أكفان ، كيف لا تبكي لِمَن بكته الزّهراء ؟ وكيف لا تنوح على المنبوذين بالعراء ؟ لعلّنا نفوز بثواب المصاب , ونحوز بدخول الجنّة يوم المرجع والمآب :

يحق لي أن أدم ما عشت في حزن

أذري الدّموع على الخدين والذفن

يا آل أحمد ماذا كان فعلكم

كأن خيركم في الناس لم يكن

رجالكم قتلوا من غير ذي سبب

وأهلكم هتكوا جهراً على البدن

روي : أنّ عمر بن العاص قال لمعاوية بن أبي سفيان : يا معاوية , لِمَ لا تأمر

____________________

(١) سورة الشّورى / ٢٣.

١٩٤

الحسن بن عليّ أن يصعد المنبر فيخطب يوم الجُمُعة ؛ فلعلّه يحصل له خجل وحصر , فيكون ذلك نقصاً لقدره عند النّاس قال : فلمّا غصّ المسجد بالنّاس , أمر معاوية الحسن أن يصعد المنبر , قال : فقام الحسن (عليه‌السلام ) وصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه , ثمّ قال : (( أيّها النّاس ، مَن عرفني فقد عرفني , ومَن لم يعرفني فساُبيّن له نفسي ، أنا الحسن بن عليّ بن أبي طالب ، أنا ابن أوّل القوم إسلاماً وأوّلهم إيماناً ، أنا ابن عليّ المُرتضى وابن فاطمة الزّهراء بنت الـمُصطفى , أنا ابن البشير النّذير , أنا ابن السّراج المنير , أنا ابن مَن بُعث رحمة للعالمين وسوط عذاب على الكافرين. أيّها النّاس , لو طلبتم ابناً لنبيّكم , لم تجدوا غيري وغير أخي الحُسين )) قال : فناداه معاوية , وقال : يا حسن , حدّثنا بنعت الرّطب كيف يكون ؟ أراد بذلك أن يخجّله ويقطع عليه كلامه ، فقال الحسن : (( نعم يا معاوية ، إنّ الرّطب أوّلاً تلقحه الشّمال وتخرجه الجنوب ، وتنفحه الشّمس ويصبغه القمر ، وتنفحه الرّيح والحرّ ينضجه , والليل يبرّده والبرودة تحلّيه وتطيّبه )) ثمّ استمر في كلامه , وقال : (( أيّها النّاس , أنا ابن المروة والصّفا , أنا ابن النّبي الـمُصطفى , أنا ابن مَن على الجبال الرّواسي علا ، أنا ابن من كسى محاسن وجهه الحيا ، أنا ابن فاطمة الزّهراء ، أنا ابن سيّدة النّساء ، أنا ابن عديمات العيوب , أنا ابن نجيّات الجيوب ، أنا ابن أزكى الورى وأعظمهم أمراً وكفاني بهذا فخراً )) قال : ثمّ إنّ معاوية أمر المؤذّن أن يؤذّن ليقطع كلامه , فلمّا قال المؤذّن : أشهد أنّ مُحمّداً رسول الله , قال الحسن : (( يا معاوية , مُحمّد أبي أم أبوك ؟ فإن قُلت إنّه ليس بأبي فقد كفرت , وإن قُلت نعم فقد أقررت بحقّي , وأنت تغصبنا ما هو لنا ولا ترد إلينا حقّنا )) فقال معاوية : يا حسن , أنا خير منك فقال الحسن : (( وكيف ذلك يابن هند , يابن آكلة الأكباد ؟! )) فقال معاوية : لأنّ النّاس أجمعوا عليّ ولم يجمعوا عليك فقال الحسن (عليه‌السلام ) : (( هيهات هيهات ، إنّ هذا شرّ علوت به يابن هند , ألم تعلم أنّ الـمُجمعين عليك رجلان ؛ مطيع ومكره , فالطّائع لك عاص لله , والمكره معذور عند الله , وحاشا لله أن أقول أنا خير منك ؛ لأنّك لا خير فيك ، وإنّ الله برّأني من الرّذائل كما برّأك من الفضائل يا معاوية )) قال : فقام يزيد بن معاوية , وقال : يا حسن , إنّي منذ صرت أبغضك فقال الحسن : (( يا يزيد , اعلم أنّ إبليس شارك

١٩٥

أباك في نكاحه حين علقت فيك اُمّك , فاختلط الماءان , فولدت على ذلك وصرت من تلك النّطفتين ؛ فلأجل ذلك تبغضني وتحمّلت أنت وأبوك عداوتي , وكذلك الشّيطان , شارك جدّك حرباً عند نكاحه , فولد جدّك صخر , فلذلك جدّك يبغض جدّي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لقوله تعالى :( وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوالِ وَالأَولاَدِ ) (١) واعلم يا يزيد , لا يبغضنا إلّا من خبث أصله وكان من إبليس نسله )) فقال معاوية : يا عمرو بن العاص , هذه مشورتك لنا فقال عمرو : والله , ما ظننت أنّ مثله هذا على صغر سنّه يقدر يتكلم فوق المنبر بكلمة واحدة , ولكنّه لا شك من معدن الفصاحة ومن بيت الكرم والسّماحة قال معاوية : وأنا أيضاً أفتخر وأقول : أنا ابن بطحاء مكّة وأغزرها جوداً وأكرمها جدوداً , أنا ابن من ساد على قُريش ناشئاً وكهلاً فقال الحسن : (( يا معاوية , أعليّ تفتخر وأنا ابن مأوى التّقى , وأنا ابن مَن جاء بالهُدى , وأنا ابن مَن ساد على أهل الدّين بالفضل السّابق والحسب الفائق , وأنا ابن مَن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله ؟! فهل لك أب كأبي تباهيني به ؟! أو لك قدم كقدمي تساميني به ؟ هل تقول نعم يا معاوية أو تقول لا ؟ )) فقال : بل أقول لا , وهي لك تصديق فتعجّب الحاضرون من كلام الحسن (عليه‌السلام ) وأجوبته وحسن براعته.

فانظروا يا إخوتي إلى هذا النّور الجسماني والشّخص الرّباني , كيف تفوح آثار النّبوة منه والإمامة ، ومن غيره آثار المكر والخدع واللئامة , ولكنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصّدور :

والله لو لا نكث عهد الـمُصطفى

يوم الغدير وظلم حيدر فاسمعوا

ما استضهدت آل النّبي أمية

كلا ولا لخلافة يوماً دعوا

روي : أنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان يوماً مع جماعة من أصحابه مارّاً في بعض الطّرق , وإذا هُم بصبيان يلعبون في ذلك الطّريق , فجلس النّبي عند صبي منهم وجعل يُقبّل ما بين عينيه ويلاطفه , ثمّ أقعده في حجره وهو مع ذلك يكثر تقبيله , فقال له بعض الأصحاب : يا رسول الله , ما نعرف هذا الصّبي الذي قد شرّفته بتقبيلك وجلوسك عنده وأجلسته في حجرك ؟ ولا نعلم ابن مَن هو ؟ فقال النّبي : (( يا أصحابي لا تلوموني , فإنّي رأيت هذا الصّبي يوماً يلعب مع الحُسين , ورأيته يرفع التّراب من تحت أقدامه ويمسح به وجهه وعينيه مع صغر سنّه , فأنا من ذلك

____________________

(١) سورة الإسراء / ٦٤.

١٩٦

اليوم بقيت أحبّ هذا الصّبي , حيث إنّه يحبّ ولدي الحُسين , فأجبته لحبّ الحُسين , وفي يوم القيامة أكون شفيعاً له ولأبيه ولاُمّه كرامة له , ولقد أخبرني جبرائيل أنّه يكون هذا الصّبي من أهل الخير والصّلاح , ويكون من أنصار الحُسين في وقعة كربلاء , فلأجل هذا أحببته وأكرمته كرامة للحُسين (عليه‌السلام ) )) :

على مثلهم فليبك بالمدى المدى

ويذرف دمعاً منه كالسيل مسبل

فما منهم إلّا قتيل وهالك

بسم ومذبوح وذاك مكبل

أصابتهم أيدي المصائب فاغتدوا

أماثيل في الدنيا لمن يتمثل

روي عن الحُسين (عليه‌السلام ) , أنّه قال : (( أتيت يوماً جدّي رسول الله , فرأيت اُبي بن كعب جالساً عنده , فقال لي جدّي : مرحباً بك يا زين السّماوات والأرض فقال اُبي : يا رسول الله , وهل أحد سواك يكون زين السّماوات والأرض ؟ فقال النّبي : يا اُبي بن كعب , والذي بعثني بالحقّ نبيّاً , إنّ الحُسين بن عليّ في السّماوات أعظم مما هو في الأرض , واسمه مكتوب عن يمين العرش , إنّ الحُسين مصباح الهُدى وسفينة النّجاة )).

قال : ثمّ إنّ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أخذ بيد الحُسين (عليه‌السلام ) وقال : (( أيّها النّاس ، هذا الحُسين بن عليّ , ألا فاعرفوه وفضلّوه كما فضلّه الله عزّ وجلّ , فو الله , لجدّه على الله أكرم من جدّ يوسف بن يعقوب ، هذا الحُسين ؛ جدّه في الجنّة واُمّه في الجنّة , وأبوه في الجنّة وأخوه في الجنّة , وعمّه في الجنّة وعمّته في الجنّة , وخاله في الجنّة وخالته في الجنّة , ومحبّوهم في الجنّة ومحبّوا محبّيهم في الجنّة )).

وروي في بعض الأخبار : أنّ الحُسين (عليه‌السلام ) مرّ على عبد الله بن عمرو بن العاص , فقال عبد الله : مَن أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السّماء ؟ فلينظر إلى هذا المختار , وإنّي ما كلّمته قط منذ وقعة صفّين فقال له الحُسين : (( يا عبد الله , إذا كنت تعلم إنّي أحبّ أهل الأرض إلى أهل السّماء , فلم تقاتلني وتقاتل أبي وأخي يوم صفّين ؟ فو الله , إنّ أبي خير منّي عند الله ورسوله )) قال : فاستعذر إليه عبد الله وقال : يا حُسين , إنّ جدّك رسول الله أمر النّاس بإطاعة الآباء , وإنّي قد أطعت أبي في حرب صفّين فقال الحُسين (عليه‌السلام ) : (( أما سمعت قول الله

١٩٧

تعالى في كتابه الـمُبين :( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى‏ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا ) (١) ؟ فكيف خالفت الله تعالى وأطعت أباك وحاربت أبي وقد قال رسول الله : إنّما الطّاعة للآباء بالمعروف لا بالمنكر ، وإنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ؟! )) فسكت عبد الله بن عمرو ولم يرد جواباً ؛ لعلمه أنّه خسر الدُنيا والآخرة ذلك هو الخُسران الـمُبين.

وعن الطّبري عن طاووس اليماني : أنّ الحُسين بن عليّ كان إذا جلس في المكان الـمُظلم , يهتدي إليه النّاس ببياض جبينه ونحره ، وإنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كثيراً ما يقبّل الحُسين (عليه‌السلام ) بنحره وجبهته ، وإنّ جبرائيل (عليه‌السلام ) نزل يوماً إلى الأرض , فوجد الزّهراء نائمة والحُسين في مهده يبكي على جاري عادة الأطفال مع اُمّهاتهم , فجلس جبرائيل عند الحُسين , وجعل يناغيه ويسكته عن البكاء ويسليه , ولم يزل كذلك حتّى استيقظت فاطمة (عليها‌السلام ) من منامها , فسمعت إنساناً يُناغي الحُسين , فالتفتت إليه ولم تر أحداً , فأعلمها أبوها رسول الله أنّ جبرائيل كان يُناغي الحُسين.

وعن أنس بن مالك , قال : رأيت الحُسين (عليه‌السلام ) مع جنازة لبعض أصحابه , فصلّينا عليها معه , فلمّا فرغنا من الصّلاة , رأيت أبا هريرة ينفض التّراب عن أقدام الحُسين ويمسح بها وجهه , فقال له الحُسين (عليه‌السلام ) : (( لِمَ تفعل هذا يا أبا هريرة ؟ )) فقال : دعني يابن رسول الله , فو الله لو تعلم النّاس مثل ما أعلمه من فضلك , لحملوك على أحداقهم فضلاً عن أعناقهم ، يابن رسول الله , في هاتي أذني سمعت من جدّك رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقول على منبره : (( إنّ هذا ولدي الحُسين سيّد شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين , وإنّه سيموت مذبوحاً ظمآناً مظلوماً لعن الله من قتله )).

فيا إخواني , كيف لا نبكي لأحبّ أهل الأرض والسّماء ؟ وكيف لا نحزن على قتيل الظّماء والماء حوله ؟ قد بادروه بالسّيوف والرّماح وصادموه في ميدان الكفاح , وقالوا له لا سعة ولا فصاح , فيا ويحهم ! ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله.

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون ، ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان والأشجان , فنظم وقال فيهم :

____________________

(١) سورة العنكبوت / ٨.

١٩٨

القصيدة للخليعي (رحمه‌ الله تعالى )

سل جيرة القاطنين ما فعلوا

وهل أقاموا بالحي أم رحلوا

وقف معي وقفة الحزين عسى

أنشد ربعاً ضلت به السبل

ولا تلمني على البكاء فالدموع

ري تطفى به الغلل

بانوا فلي مقلة مقرحة

ومهجة بالزفير تشتعل

جسمي لشوك القتاد مفترس

وناظري بالسهاد مكتحل

قد كان قلبي والدار جامعة

والعيش غض والشمل مشتمل

مروعاً خائفاً فكيف به

غدا التنائي والركب مرتحل

فوا ضلالي تبكي لوحشتهم

عين وبين الضلوع قد نزلوا

وأسأل النطق من صدى طلل

بال وأني يجيبني الطلل

فما لقلبي والنائبات وكم

يرمي بسهم النوى وينتبل

يا نفس صبراً فكل نائبة

سوى مصاب الحُسين تحتمل

ويا جفوني سحي عليه فلي

عن كل رزء برزئه شغل

لم أنسه ينشد الطغاة وقد

حفت به السمهرية الذبل

الا ارجعوا عن قتالنا وذروا

سفك دماء النّبي واعتزلوا

أنا ابن خير الأنام قاطبة

وخير خلق يحفي وينتعل

بذا امرتم أن تقطعوا رحم

المختار من بعده ولا تصلوا

لهفي له يشتكي الأوام وللبيض

المواضي من نحره بلل

لهفي لذلك الجبين منعفراً

كالشمس أنى بدا لها الخجل

لهفي لنسوانه وقد كشفت

عن صدرهن السجوف والكلل

مسلوبة قد تقنعت فاضل الردن

وعبرى قد شفها الثكل

هذي تنادي أخي وتلك أبي

والدمع فوق الخدود منهمل

وزينب مستجيرة ولها

على أخيها ندب ومرتجل

تصيح من حسرة ومن أسف

والقلب منها مروع وجل

أين عليّ بن الحُسين ألا

اين المحامي والفارس البطل

تبكى وتستصرخ البتول وللشعت

اليتامى من حولها زجل

١٩٩

يا أمّ قومي وسارعي فمفداك

طريح في التراب منجدل

قومي فقد نالنا لفقد أخي

خطب مهول وحادث جلل

حتى إذا ثوروا لرحلتهم

وحث بالركب سائق عجل

وعلق الرأس يستنير به الأفق

وسارت تطوي الفلا الإبل

ظلت تنادي وا ذلنا يا رسول الله

وصيتهم وما قبلوا

ما حفظوا ما أمرت من ود ذي

القربي ولا عن ضلالهم عدلوا

وفاطم تستغيث عمتها

صارخة دمع عينها خضل

يا عمتي ما لهؤلاء وللحريم

لا يعطفون إن سألوا

وما لذا السائق العنيف من

الأدلاج لا ضجرة ولا ملل

لهفي لزين العباد يرفل في القيد

كئيباً تذيبه العلل

يجول نحو الحريم محتسباً

يدعو إلى ربه ويبتهل

حتى إذا أقبلت ركائبهم

على يزيد يقودها السفل

صاح غراب فقال قل ما تشأ

أو لا تقل فالسرور مكتمل

قتلت أسماهم فخاراً وأزكاهم

تجاراً وحق الأمل

قابلت يوماً بيوم بدر وعاجلت

انتصاري لمعشر خذلوا

وظل بالعود قارعاً ثغر

مولانا سروراً لامه الهبل

فما ترى عذر آل حرب إذ جاءوا

وقد أيقنوا لمن قتلوا

وإن جني الـمُصطفى النّبي لهم

بأي شيء تعارض الرسل

وما يقولون في الجواب وقتلاهم

بنوه وما له فعلوا

يا سادتي يا بني النّبي ومن

عليهم في المعاد أتكل

ما راعني فقد من ألفت به

ولم يهجني التشبيب والغزل

ولا شجاني إلّا مصابكم

فما بدمعي عليكم تحل

ما أنا والله عن محبتكم

ولعن أهل العناد منتقل

والله لي شاهد ولست إذا

اتقيت قوماً أرضى إذا جهلوا

والعادل المستدل لا يدخل

الشك عليه قول ولا عمل

ما للخليعي عبد أنعمكم

الا ولاكم إذا انقضى الأجل

٢٠٠