المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ١

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)0%

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 220

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

مؤلف: الإمام الكبير والـمُصنّف الشّهير الشّيخ فخر الدّين الطريحي النّجفي
تصنيف:

الصفحات: 220
المشاهدات: 34728
تحميل: 4445


توضيحات:

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34728 / تحميل: 4445
الحجم الحجم الحجم
المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1

مؤلف:
العربية

وخرت عليه زينب مستغيثة

ومعجرها من نحرها متبلل

وتشكو إلى الزّهراء فاطم حالها

وتندب مما نالها وتولول

أيا أم قومي من ثرى القبر وانظري

حبيبك ملقى في الثرى لا يغسل

ترى هل شهدت اليوم يا بنت أحمد

وخيري مكسور وعزي مذلل

وهل أنت يا ست النساء عليمة

بأنا حيارى نستجير ونسأل

وهل لك علم من عليّ بأنه

أسير عليل في القيود مغلل

علمتم وما أعلمتمونا برزئنا

وحملتمونا اليوم ما ليس يحمل

فيا حسرة لا تنقضي ومصيبة

لقد نزلت بالناس دهياء معضل

ويا عثرة للدهر لينت مقالة

ويا صفقة مغبونها متزلزل

أيشتهر الرأس السماوي في القنى

ويهدي إلى الرجس اللعين ويحمل

وتسبى بنيات الرّسول حواسر

وينهرهن المارق المتنحل

ويعنف السجاد وهو ممرض

عليل بأصفاد الحديد مثقل

وينظر في تلك الوجوه التي لها

تدين البدور المشرقات وتخجل

وتلك الأنوف الشامخات برغمها

تهتك ما بين الملأ وتبذل

ولم يعجل الله العذاب لمعشر

أراقوا دماء الـمُصطفى وتأولوا

لقد أورثتنا قتلة الطف قرحة

وحزناً على مرّ الزمان مطول

فلا حزنه يسلي ولا الوجد نازح

ولا مدمعي يرقى ولا الجرح يدمل

ألا يا بني المختار يا من بحبهم

إلى الله فيما نابني أتوسل

خذوا بيد العبد الخليعي في غد

فقد فاز من أضحى عليكم يعول

وأفلح من والاكم متبرء

إلى الله من قوم أضاعوا وبدلوا

٨١

المجلس الخامس

في الليلة الثّالثة من عشر الـمُحرّم

وفيه أبواب ثلاثة

الباب الأوّل

أيّها الإخوان , دعوا التّشاغل عن الأهل والأوطان ، وتفكّروا فيما أصاب سادات الزّمان , الذين بموالاتهم استحققتم دخول الجنان , فلو أنصف الـمُحبّ الولهان لاُضرمت في جسمه نيران الأحزان ، ولو صدق في المحبّة العشّاق ما شجوا بالدّمع المهراق , ولعجّلوا السّماح بالأرواح يوم التّلاق.

فلو تلفت نفس من شدّة الأحزان , لتلفت نفس محبّهم عليهم , ولو تفتت كبده من شدّة الأشجان , لتفتت أكباد مواليهم بالنّسبة إليهم وهيهات هيهات لا وفاء للأحباء بعد الممات ، أو ما بلغكم مقال الحُسين (عليه‌السلام ) وهو يُنادي على رؤوس الأشهاد , وما لاقاه به أهل الزّيغ والفساد , حيث أظهروا له العناد وأجابوه بخلاف ما طلب وأراد ، أسرعوا فيه وفي بنيه وبني أبيه النّبال ، فصرعوهم على الآكام والرّمال ، فهم مُلقون على غير فراش ولا مهاد ، ولا وطأ ولا وساد ، تهبّ عليهم الصّبا والدّبور , وتغدوا عليهم العقبان والنّسور ، ولله درّ بعض محبّيهم حيث قال فيهم :

ليبك على الإسلام من كان باكياً

فقد ضيعت أحكامه واستحلت

غداة حسين والرماح رمية

وقد نهلت منه السيوف وعلت

وغودر في الصحراء لحماً مبدداً

عليه عتاق الطير باتت وظلت

فما نصرته اُمة السوء إذا دعا

لقد طاشت الأحلام منها وظلت

٨٢

ولكن محوا أنوارهم بأكفهم

فلا سلمت تلك الأكف وشلت

أذاقته حر القتل اُمة جده

هفت نعلها في كربلاء وزلت

فلا قدس الرحمن اُمة جده

وإن هي صامت للإله وصلت

كما فجعت بنت الرّسول بنسلها

وكانوا حماة الحرب حين استقلت

روي عن اُمّ سلمة زوجة النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , قالت : دخل عليّ رسول الله ذات يوم , ودخل في أثره الحسن والحُسين (عليهما‌السلام ) وجلسا إلى جانبيه , فأخذ الحسن على ركبته اليُمنى , والحُسين على ركبته اليُسرى , وجعل يُقبّل هذا تارة وهذا اُخرى ، وإذا بجبرائيل قد نزل وقال : يا رسول الله , إنّك لتحبّ الحسن والحُسين فقال : (( وكيف لا أحبّهما وهما ريحانتاي من الدّنيا وقرّتا عيني ؟ )) فقال جبرائيل : يا نبي الله , إنّ الله قد حكم عليهما بأمر فاصبر له فقال: (( وما هو يا أخي ؟ )) فقال : قد حكم على هذا الحسن أن يموت مسموماً , وعلى هذا الحُسين أن يموت مذبوحاً ، وإنّ لكُلّ نبي دعوة مستجابة , فإن شئت كانت دعوتك لولديك الحسن والحُسين , فادع الله أن يسلّمهما من السّم والقتل ، وإن شئت كانت مصيبتهما ذخيرة في شفاعتك للعُصاة من اُمّتك يوم القيامة فقال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( يا أخي جبرائيل , أنا راض بحكم ربّي لا أريد إلّا ما يريده ، وقد أحببت أن تكون دعوتي ذخيرة لشفاعتي في العصاة من اُمّتي , ويقضي الله في ولدي ما يشاء )).

وروي : أنّ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان ذات يوم جالساً , وحوله عليّ وفاطمة والحسن والحُسين (عليهم‌السلام ) , فقال لهم : (( يا أهل بيتي , كيف لي بكم إذا كنتم صرعى وقبوركم شتى ؟ )) فقال له الحُسين (عليه‌السلام ) : (( يا جدّي , نموت موتاً أو نُقتل قتلاً ؟ )) قال : (( يا بُني , بل تُقتل ظُلماً وعُدواناً , وتشرّد ذراريكم في الأرض شرقاً وغرباً )) فقال الحُسين : (( ومَن يقتلنا يا جد ؟ )) فقال : (( يقتلكم أشرار النّاس )) قال : (( فهل يزورنا بعد قتلنا أحد من اُمّتك ؟ )) فقال : (( نعم , طائفة من اُمّتي يزورون قبوركم ويبكون عليكم ويندبون وينوحون ؛ حزناً على مصابكم ؛ يُريدون بذلك برّي وصلتي , فإذا كان يوم القيامة , جئتهم إلى الموقف فآخذ بأعضادهم فأخلّصهم من أهوال يوم القيامة وشدائدها )) :

عجباً لمصقول أصابك حده

في الرأس منك وقد علاه غبار

لم لا تقطعت السيوف بأسرها

حزناً عليك وطنت الأو

٨٣

فويل لأولئك الكفرة اللئام ! أما علموا أنّه أشرف المقول والأحلام ؟ أليس هو ممّن باهل الله به أهل نجران صغيراً؟ وقال :( وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى‏ حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيرًا ) (١) فضمّه مع أبيه واُمّه وأخيه , فوصف بالكمال وأن يبلغ مبالغ الرّجال.

روي عن الليث بن سعد , قال : إنّ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان يُصلّي في فئة من أصحابه , وكان الحُسين (عليه‌السلام ) صغيراً جالساً بالقرب منه , فلمّا سجد النّبي , قام الحُسين وركب على ظهره , فصار النّبي يُطيل الذّكر في سجوده , فإذا أراد النّبي أن يرفع رأسه , أخذه أخذاً رفيقاً ووضعه إلى جانبه , فإذا سجد عاد الحُسين على ظهره , ولـمّا يفعل هكذا حتّى فرغ النّبي من صلاته , وكان رجل يهودي واقفاً ينظر ما يصنع الحُسين بجدّه رسول الله ، فقال اليهودي : يا مُحمّد , إنّكم لتفعلون بصبيانكم شيئاً لم نفعله نحن ! فقال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( لو أنّكم تؤمنون بالله وبرسوله , لرحمتم الصّبيان الصّغار )) فقال اليهودي : ما أحسن سجيتك وما أحسن خُلقك ثمّ إنّه أسلم على يد رسول الله لـمّا رأى كرم أخلاقه مع جلالة قدره.

ومن طرقهم : أنّ الحُسين (عليه‌السلام ) كان يركب على ظهر جدّه في بعض صلاته , فيبلغ به التّعظيم للحُسين أن يُطيل الذّكر في سجوده إلى أن ينزل الحُسين عن ظهر جدّه باختياره , فإذا فرغ النّبي من صلاته , يأخذه إليه ويجلسه على ركبتيه , ويقبّله ويرشف ثناياه ويضمّه إلى صدره ، فقال له بعض الأنصار : يا رسول الله , إنّ لي ابناً قد نشأ وكبر وما قبّلته قط فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( أرأيت كان الله قد نزع الرّحمة من قلبك , فما أصنع بك ؟ مَن لم يرحم صغيراً ولم يوقّر كبيراً , فليس منّا في شيء )) ثمّ قال : (( مَن لا يَرحم لا يُرحم )) :

يا اُمة قتلت حسيناً عنوة

لم ترع حق الله فيه فتهتدي

قتلوه يوم الطف طعناً بالقنا

وبكل بيض صارم ومهند

ولطال ما ناداهم بكلامه

جدي النّبي خصيمكم في المشهد

جدي النّبي وأبي عليّ فاعلموا

والفخر فاطمة الزكية محتدي

يا قوم إن الماء يشربه الورى

ولقد ظمئت وقل منه تجلدي

قد شقني عطشي وأقلقني الذي

ألقاه من ثقل الحديد الموتد

قالوا له هذا عليك محرم

حتّى تبايع للبغي الأسود

____________________

(١) سورة الإنسان / ٨.

٨٤

فأتاه سهم من يد مشؤومة

من قوس ملعون خبيث المولد

يا عين جودي بالدموع وجودي

وابكي الحُسين السيد ابن السيد

روي عن عبد الله بن عمر , قال : رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يخطب على المنبر , إذ أقبل الحُسين من عند اُمّه وهو طفل صغير , فوطأ الحُسين (عليه‌السلام ) على ذيل ثوبه فكبى وسقط على وجهه فبكى , فنزل النّبي إليه وضمّه إلى صدره وسكّته من البكاء ، وقال : (( قاتل الله الشّيطان ! إنّ الولد لفتنة ، والذي نفسي بيده , لـمّا كبى ابني هذا , رأيت كأنّ فؤادي قد وهى منّي )) ؛ لأنّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان رحيم القلب سريع الدّمعة , كما قال تعالى :( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيم ) (١) .

وعن أبي السّعادات , قال : خرج النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من بيت عائشة , فمرّ على باب دار ابنته فاطمة الزّهراء (عليها‌السلام ) , فسمع الحُسين يبكي , فقال لها : (( يا فاطمة , سكّتيه ألم تعلمي أنّ بكاءه يؤذيني ؟ )) أخذه إليه ومسح الدّموع عن عينيه , وقبّله وضمّه إليه (صلوات الله وسلامه عليه) ، فكيف ولو رآه مُلقى على الرّمضاء مذبوحاً من القفا , مرمّلاً بالدّماء يتلظّى من الظّماء , والشّمر جاث على صدره وأولغ السّيف في نحره , وهو يستغيث فلا يُغاث، ويستجير فلا يُجار ؟ فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولقد صدق فيما قال ( لسان الحال ) :

وما حيلة المضني وقد شط إلفه

وحال التنائي دون نيل مراده

هو الشوق لا دمع يضن وكوفه

إذ ضن وكاف الحيا بعهاده

وزفرة أشجان يكاد مرورها

يذيب الحصى من حره واتقاده

روي عن الإمام جعفر الصّادق (عليه‌السلام ) , قال : (( مرّ أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) بكربلاء , فبكى حتّى اغرورقت عيناه بالدّموع , وقال : هذا مناخ ركابهم ، هذا ملقى رحالهم , ها هُنا تُراق دماؤهم ، طوبى لك من تربة عليها تُراق دم الأحبّة ، مناخ ركاب ومنازل شهداء لا يسبقهم مَن كان قبلهم ولا يلحقهم مَن كان بعدهم )).

فيا إخواني , كيف لا يستحقّون هذه الأوصاف من صاحب الأعراف ؟ وقد وقوا ولده بأنفسهم من مصارع الهوان ، وعرضوا أرواحهم دونه للحدثان ، فوا حسرتاه على تلك الجسوم المرمّلة بالدّماء ! ويا لهفتاه على تلك الأفواه اليابسة من الظّماء ! حسدوهم على الكمال ، وجلّ وعلا مجّدهم أن ينال فأخذوا في تحصيل الفرص

____________________

(١) سورة الأحزاب / ٤٣.

٨٥

فما أمكنتهم ، جرّعوهم الغصص فخالفوا في أفعالهم الملك الجليل , فضلّوا عن الإهتداء إلى سواء السّبيل ، فالويل لمن شفعاؤه يوم القيامة خصماؤه , ومن خصماؤه يوم القيامة شفعاؤه ! وما ضرّهم ما تجرّعوه من الغصص والآلام ما هي إلّا لحظة واحدة , وإذا هم في دار السّلام وجوار الملك العلام , ولله درّ مَن قال فيهم من بعض محبّيهم :

هنيئاً لكم روح الجنان وطيبها

نعيماً مقيماً دائماً يتجدد

ديار من الياقوت والأرض فضة

وخيمات مرجان وفيها محمد

وأنهارها خمر ومسك ترابها

وفيها قصور لؤلؤ وزبرجد

وأشجارها مملؤة من ثمارها

وأطيارها من فوقها تتغرد

روي : أنّه لـمّا ثقل رسول الله في مرضه والبيت غاص بمن فيه , قال : (( ادعوا إليّ الحسن والحُسين )) قال : فجعل يلثمهما حتّى اُغمي عليه , قال : فجعل عليّ يرفعهما عن وجه رسول الله , ففتح النّبي عينيه وقال : (( دعهما يتمتعان منّي وأتمتع منهما , فإنّهما سيصيبهما بعدي أثرة )) ثمّ قال : (( أيّها النّاس , قد خلّفت فيكم كتاب الله وسنّتي , سيصيبهما بعدي أثرة )) ثمّ قال : (( أيّها النّاس , قد خلّفت فيكم كتاب الله وسنّتي وعترتي أهل بيتي , فالـمُضيع لكتاب الله كالـمُضيع لسنّتي , والـمُضيع لسنّتي كالـمُضيع لعترتي )).

وعن ابن عبّاس في حديث اُمّ الفضل بنت الحارث , حين أدخلت حُسيناً على رسول الله , فأخذه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وبكى وأخبرها بمقتله , إلى أن قال : ثمّ هبط جبرائيل (عليه‌السلام ) في قبيل من الملائكة , قد نشروا أجنحتهم يبكون حزناً منهم على الحُسين (عليه‌السلام ) , وجبرائيل معه قبضة من تُربة الحُسين تفوح مسكاً أذفر , فدفعها على الحُسين (عليه‌السلام ) , وقال : يا حبيب الله , هذه تربة ولدك الحُسين بن فاطمة , وستقتله اللعناء بأرض كربلاء قال , فقال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( حبيبي جبرائيل , وهل تفلح اُمّة تقتل فرخي وفرخ ابنتي ؟ )) فقال جبرائيل : لا , بل يضربهم الله بالإختلاف , فتختلف قلوبهم وألسنتهم إلى آخر الدّهر وعلى الأطائب من أهل البيت فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم وقال فيهم :

٨٦

القصيدة للشيخ مُحمّد بن السّمين

دمع عين يجود غير نحيل

وغرام يقوى بجسم نحيل

ماء عين لم يطف حر غرام

وعليل فيه شفاء عليل

كيف يشقى الفؤاد من ألم الحزن

وداء بين الضلوع دخيل

وجو الحزن لا يزال مقيماً

فيه والصبر مؤذن بالرحيل

أين صبري إذا ذكرت قتيل

الطف ملقى أكرم به من قتيل

ما ذكرت القتيل إلّا وسالت

عبرتي في الخدود كل مسيل

وذكى الوجد في الفؤاد وشبت

نار حزني ولوعتي وعويلي

لست أنساه في الطفوف ينادي

جيله الأكرمين أكرم جيل

وينادي عياله أخت : قومي

لوداعي من قبل وشك الرحيل

أخت : أوصيك في العيال جميلا

وتلقي البلا بصبر جميل

نحن قوم إذا بلينا بأمر

نتلقاه بالرضى والقبول

ثم أبدأ عذراً وقال مقالاً

واضحاً بيناً لأهل العقول

أيها الناس قد علمتم بأني

للنبي الأمي خير سليل

وأبي المرتضى وربي ارتضاه

لهداه فما له من مثيل

والبتول الطهر الزكية اُمي

خير اُم أكرم بها من بتول

راقبوا الله واسمعوا ما أتانا

في الوصايا على يدي جبريل

واحذروا زلة الفعال وخافوا

عثرات وما لها من مقيل

فأبى الأشقياء إلّا عدولا

عنه في البغي ما له من عدول

عندها قال للمواسين قوموا

أيها القوم للثواب الجزيل

قاتلوا القوم ساعة ثمّ قيلوا

في ظلال الجنان خير مقيل

فأجاب النداء كلّ نجيب

طيب النجر رب أصل أصيل

فأحبوا كره الفنا وأجابوا

داعي الله للبقا الطويل

وغدا بعدهم فريداً ينادي

هل معين لأهل بيت الرسول

فأعينوا ولم يعينوه وأردوه

بسمر القنا وبيض النصول

وغدا المهر باكياً يندب السبط

ويبدي بكاءه بالصهيل

٨٧

فرأى النسوة الكرائم بدر التم

قد غيبته حجب الأفول

وهو ملقى على ثرى الأرض في البيداء

قد رضضته أيدي الخيول

أسفي للنساء يندبن ندباً

بغرام من الأسى مشغول

وينادين جدهن رسول الله

يا خير مرسل ورسول

لو ترانا يا جدنا قد فقدنا

نعم مولى لنا وخير كفيل

وغياث العباد إن أجدب الدهر

وخصب البلاد عند المحول

لو ترانا ونحن بين أسير

وجريح دامي وبين قتيل

قتلوا كلّ ماجد وكريم

سيّد من شبابنا وكهول

أو ترى ابنك العليل أسيراً

زدت حزناً على الأسير العليل

أو ترى أوجهاً فقدن وجيهاً

كلّ وجه لناظر مبذول

وكسينا لما سلبن لباساً

من هوان وذلة وخمول

أو ترانا ونحن نسري أسارى

في حزون من الفلا وسهول

أو ترانا والرؤوس وهي أمام الركب

فوق الرماح بين الحمول

كنت جاهدت دوننا بمواض

ورماح خطية ونصول

غير يا جد أننا قد سمعنا

هاتف الجن بين تلك الطلول

يندب السبط باكياً وحزيناً

ثمّ يبدي نظام سعر مقول

أيها القاتلون ظلماً حسيناً

أبشروا بالعذاب والتنكيل

كل أهل السّماء تدعوا عليكم

من مليك ومرسل وقبيل

قد لعنتم على لسان ابن داود

وموسى وصاحب الإنجيل

يا لها من مصيبة عمت الإسلام

شؤماً وخطب أمر جليل

يا لها محنة ولم ينج منها

غير نزر من الأنام قليل

آل ياسين سدتم الخلق طراً

وسموتم أعلا العلا الأثيل

وحللتم أسما سماء المعالي

فسمى شأن قدرها بالحلول

وكرمتم عناصراً ونجاراً

فزكى فرعكم لطيب الأصول

جدكم للهدى مدينة علم

وأبوكم للعلم باب الدخول

فلهذا والله لو لا هديكم

ما اهتدينا إلى سواء السبيل

٨٨

فهديكم هو الدليل وقد قام

بهذا الدليل صدق الدليل

وولاكم فرض به قد أتتنا

بينات التنزيل والتأويل

من تلقى الولا بحسن قبول

تتلقونه بحسن القبول

تسكنوه وقد نجى من حميم

تحت ظل من الجنان ظليل

حبكم جنة له وولاكم

جنة من عذاب يوم مهول

فاز نجل السمين من بعد هذا

مذ تولاكم بخير جزيل

أنتم سؤله وأقصى مناه

ورجاه وغاية المأمول

فعليكم آل النّبي صلاة

كلّ يوم في بكرة وأصيل

الباب الثّاني

اعلموا وفقكم الله تعالى لتحصيل الكمالات والارتقاء إلى معالي أعلى الدّرجات , أنّ كلّ جزع في المصائب قبيح إلّا على أهل هدايتكم ، والأسف على الفائت مذموم عند العقلاء إلاّ على أئمتكم السّادات النّجباء ، فيا ليت لفاطم وأبيها عيناً تنظر ما صُنع ببناتها وبنيها ؛ ما بين مسلوب وجريح ، ومسموم وذبيح ، ومقتول وطريح ، ومشققات للجيوب , ومفجوعات بقتل المحبوب شاكيات بين يدي علام الغيوب ، ناشرات للشعور , بارزات من الخدور , لا طمات للخدود ، فاقدات للآباء والأبناء والجدود , يسترن وجوههن بالأردان حذراً من أهل العناد والطّغيان , فيا لها من حسرات لا تنقضي أبداً , ومن أحزان مجددات طول المدى :

يا أهل عاشور يا لهفي على الدين

خذوا حدادكم يا آل ياسين

اليوم شقق جيب الدين وانتهبت

بنات أحمد نهب الروم والصين

اليوم قام بأعلى الطف نادبهم

يقول من ليتيم أو لمسكين

اليوم خر نجوم الفخر من مضر

على مناخر تذليل وتوهين

اليوم أطفى نور الله متقداً

وجررت لهم التقوى على الطين

اليوم هتك أستار الهدى مزقاً

وبرقت غرة الإسلام بالهون

اليوم زعزع قدس من جوانبه

وهاج بالخيل سادات الميادين

اليوم شقوا على الزّهراء كلتها

وساوروها بتكئيب وتوهين

٨٩

اليوم نال بنو حرب طوايلهم

مما صلوه ببدر ثمّ صفين

اليوم جدك سبط ال ـ مُصطفى شرفاً

من نفسه بنجيع غير مسنون

نالوا أزمة دنياهم ببيعهم

فليتهم سمحوا منها بماعون

آل الرّسول عباديد السيوف فمن

هام على وجهه خوفاً ومسجون

يا عين لا تدعي شبا لغادته

تهمي ولا تدعي دمعاً لمخزون

قومي على جدث بالطف فانتقضي

بكل لؤلؤ دمع فيك مكنون

فيا إخواني , تعساً لمن أردى تلك العصابة الكرام ! وخيبة لـمَن نكس أعلام أولئك الأعلام !

روي عن سعيد بن المسيب , قال : لـمّا استشهد سيّدي ومولاي الحُسين (عليه‌السلام ) وحجّ النّاس من قابل , دخلت على عليّ بن الحُسين , فقلت له : يا مولاي , قد قرب الحجّ فماذا تأمرني ؟ فقال : (( امض على نيتك وحج )) فحججت , فبينما أنا أطوف بالكعبة , وإذا أنا برجل مقطوع اليدين ووجهه كقطع الليل الـمُظلم , وهو مُتعلّق بأستار الكعبة وهو يقول : اللّهمّ ربّ هذا البيت الحرام اغفر لي , وما احسبك تفعل ولو تشفّعت في سكّان سماواتك وأراضيك وجميع ما خلقت ؛ لعظم جرمي.

قال سعيد بن المسيب : فشُغلت وشغل النّاس عن الطّواف , حتّى حفّ به النّاس واجتمعنا عليه , فقلنا : يا ويلك ! لو كنت إبليس ما كان ينبغي لك أن تيأس من رحمة الله , فمَن أنت وما ذنبك ؟! فبكى وقال : يا قوم , أنا أعرف بنفسي وذنبي وما جنيت فقلنا له : تذكره لنا ؟ فقال : أنا كنت جمّالاً لأبي عبد الله الحُسين (عليه‌السلام ) لـمّا خرج من المدينة إلى العراق , وكنت أراه إذا أراد الوضوء للصّلاة يضع سراويله عندي , فأرى تكّته تغشي الأبصار بحسن إشرافها , وكنت أتمناها تكون لي , إلى أن صرنا بكربلاء وقُتل الحُسين (عليه‌السلام ) وهي معه , فدفنت نفسي في مكان من الأرض , فلمّا جنّ الليل , خرجت من مكاني فرأيت في تلك المعركة , نوراً لا ظلمة ونهاراً لا ليلاً , والقتلى مُطرّحين على وجه الأرض , فذكرت لحيني وشقاني التّكّة , فقلت : والله , لأطلبنّ الحُسين وأرجو أن تكون التّكّة في سرواله فآخذها ولم أزل أنظر في وجوه القتلى حتّى أتيت إلى الحُسين , فوجدّته مكبوباً على وجهه وهو جثّة بلا رأس ونوره مشرق , مرمّل بدمائه والرّياح سافية عليه , فقلت : هذا والله الحُسين فنظرت إلى سرواله كما كنت أراها , فدنوت منه وضربت بيدي إلى التّكّة لآخذها , فإذا هو قد

٩٠

عقدها عقداً كثيرة , فلم أزل أحلّها حتّى حللت عقدة منها , فمدّ يده اليُمنى وقبص على التّكّة , فلم أقدر على أخذ يده عنها ولا أصل إليها , فدعتني النّفس الملعونة إلى أن أطلب شيئاً أقطع به يده , فوجدت قطعة سيف مطروح فأخذتها , واتكيت على يده ولم أزل أحزّها حتّى فصلتها عن زنده , ثمّ نحيتها عن التّكّة ومددت يدي لأحلّها , فمدّ يده اليُسرى فقبض عليها , فلم أقدر على أخذها , فأخذت قطعة السّيف ولم أزل أحزّها حتّى فصلتها عن التّكّة , ومددت يدي إلى التّكّة لآخذها , فإذا الأرض ترجف والسّماء تهتزّ , وإذا بجلبة عظيمة وبكاء ونداء وقائل يقول : (( وا أبتاه ! وا مقتولاه ! وا ذبيحاه ! وا حسيناه ! وا غريباه ! يا بُني قتلوك وما عرفوك ومن شرب الماء منعوك ! )) فلمّا رأيت ذلك , صعقت ورميت نفسي بين القتلى , وإذا بثلاثة نفر وامرأة وحولهم خلائق وقوف , وقد امتلئت الأرض بصور النّاس واجنحة الملائكة ، إذ بواحد منهم يقول : (( يا ابتاه يا حسين ! فداؤك جدّك وأبوك واُمّك وأخوك ! )) وإذا بالحُسين قد جلس ورأسه على بدنه , وهو يقول : (( لبّيك يا جدّاه يا رسول الله , ويا أبتاه يا أمير المؤمنين , ويا اُمّاه يا فاطمة الزّهراء , ويا أخاه المقتول بالسّم , عليكم منّي السّلام )) ثمّ إنّه بكى وقال : (( يا جدّاه قتلوا والله رجالنا ! يا جدّاه سلبوا والله نساءنا ! يا جدّاه نهبوا والله رحالنا ! يا جدّاه ذبحوا والله أطفالنا ! يا جدّاه يعزّ والله عليك أن ترى رحالنا , وما فعل الكفّار بنا ! )) وإذا هُم جلسوا يبكون على ما أصابه , وفاطمة تقول : (( يا أباه يا رسول الله ! أما ترى ما فعلت اُمّتك بولدي ؟! أتأذن لي أن آخذ من دم شيبه وأخضب به ناصيتي , وألقى الله عزّ وجلّ وأنا مختضبة بدم ولدي الحُسين )) فقال لها : (( خُذي وأنا آخذ يا فاطمة )) فرأيتهم يأخذون من دم شيبه وتمسح به فاطمة ناصيتها , والنّبي وعليّ والحسن يمسحون به نحورهم وصدورهم وأبدانهم إلى المرافق , وسمعت رسول الله يقول : (( فديتك يا حُسين ! يعزّ والله عليّ أن أراك مقطوع الرأس , مرمّل الجبينين دامي النّحر , مكبوباً على قفاك قد كساك الذّاري من الرّمول وأنت طريح مقتول مقطوع الكفّين , يا بُني ! مَن قطع يدك اليُمنى وثنى باليُسرى ؟ )) فقال : (( يا جدّاه ! كان معي جمّال من المدينة , وكان يراني إذا وضعت سراويلي للوضوء , فيتمنّى أن تكون تكّتي له , فما منعني أن أدفعها إليه لا لعلمي أنّه صاحب هذا الفعل , فلمّا قُتلت خرج يطلبني بين القتلى , فقد وجدني جثّة بلا رأس ,

٩١

فتفقّد سراويلي , فرأى التّكّة وقد عقدتها عقداً كثيرة , فضرب بيده إلى التّكّة فخلّ عقدة منها , فمددت يدي اليمنى فقبضت على التّكّة , فطلب المعركة فوجد قطعة سيف مكسور فقطع يميني , ثمّ حلّ عقدة اُخرى , فقبضت على التّكّة بيدي اليُسرى كي لا يحلّها فتكشف عورتي , فحزّ يدي اليسرى , فلمّا أراد حلّ التّكّة حسّ بك , فرمى نفسه بين القتلى )).

فلمّا سمع النّبي كلام الحُسين , بكى بُكاءاً شديداً وأتى إليّ بين القتلى إلى أن وقف نحوي , فقال : (( مالي ومالك يا جمّال , تقطع يدين طالما قبّلهما جبرائيل وملائكة الله أجمعين , وتباركت بهما أهل السّماوات والأرضين ؟ أما كفاكك ما صنع به الملاعين من الذّل والهوان , هتكوا نساءه من بعد الخدور وانسدال السّتور ؟! سوّد الله وجهك يا جمّال في الدّنيا والآخرة , وقطع الله يديك ورجليك , وجعلك في حزب مَن سفك دماءنا وتجرأ على الله )) فما استتم دعاؤه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حتّى شُلّت يداي , وحسست بوجهي كأنّه ألبس قطعاً من الليل مظُلماً , وبقيت على هذه الحالة , فجئت إلى هذا البيت استشفع , وأنا اعلم أنّه لا يغفر لي أبداً فلم يبق في مكّة أحد إلّا وسمع حديثه وتقرّب إلى الله تعالى بلعنه , وكلّ يقول : حسبك ما جنيت يا لعين :( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) .

وإني لمطوي الضلوع على جوى

متى حل فوق الجمر يحترق الجمر

أحن إلى أنفاسكم ونسيمكم

واذكركم والصب يقلقه الذكر

فقربكم مع قلة المال لي غنى

وبعدكم مع كثرة المال لي فقر

روي عن الصّادق (عليه‌السلام ) , أنّه قال : (( البكّاؤن خمسة : آدم ويعقوب ويوسف , وفاطمة بنت مُحمّد , وعليّ بن الحُسين (عليهم‌السلام ) , فأمّا آدم فبكى على الجنّة حتّى صارت في خدّيه أمثال الأودية , وأمّا يعقوب فبكى على يوسف حتّى ذهب بصره , حتّى قيل له :( تَاللّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتّى‏ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ) (٢) وأمّا يوسف فبكى على يعقوب حتّى تأذّى به أهل السّجن , فقالوا : إمّا تبكي بالليل وتسكت النّهار , أو تبكي بالنّهار وتسكت الليل , فصالحهم على واحد منهما ، وأمّا فاطمة بنت مُحمّد , فبكت على رسول الله حتّى تأذّى بها أهل المدينة , وقالوا لها : قد آذيتينا ببكائك , فكانت تخرج إلى مقابر الشّهداء , فتبكي حتّى تقضي حاجتها ثمّ تنصرف , وأمّا عليّ بن الحُسين (عليه‌السلام ) , فإنّه بكى على الحُسين (عليه‌السلام ) أربعين سنة , وما

____________________

(١) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

(٢) سورة يوسف / ٨٥.

٩٢

وضع بين يديه طعام إلّا بكى , حتّى قال مولى له : جُعلت فداك يابن رسول الله , إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين , فيقول :( إِنّمَا أَشْكُوا بَثّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) (١) إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلّا خنقتني العبرة )).

تعودت مس الضر حتّى ألفته

وأسلمني حسن العزاء إلى الصبر

وصيرني يأسي من الناس واثقاً

بحسن صنيع الله من حيث لا أدري

روي عن بعض المشايخ , قالوا : دخلنا كنيسة في الرّوم , فإذا في الحائط صخرة مكتوب عليها :

أترجو اُمة قتلت حسيناً

شفاعة جده يوم الحساب

فقلنا لشيخ في الكنيسة : مُنذ كم هذه الكتابة في هذه الصّخرة ؟ قال : قبل أن يُبعث صاحبكم بثلاثمئة عام فأكثروا أيّها الإخوان من النّوح والأحزان على ما أصاب سادات الزّمان من أهل البغي والعدوان , ولا تبخلوا بالدّموع الهتان , فإنّها السّبب التّام لدخول الجنان والحور والولدان.

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ راشد بن سُليمان الحرير ي (رحمه ‌الله ت عالى)

خليلي مرّا بي على أرض كربلا

نزور الإمام الفاضل المتفضلا

سليل رسول الله وابن وصيه

وسيد شبان الجنان المؤملا

حسين ابن بنت الـمُصطفى خيرة الورى

وأكرم خلق الله طراً وأفضلا

قتيل بني حرب وآل اُمية

فديت القتيل المستظام المجدلا

دعيت بكتب الخدع أن سر مبادراً

إلينا وشمّر للمسير وعجلا

فليس لنا الّا جنابك سيد

إمام رشيد بالفخار تسربلا

فسار حسين الطهر من أرض يثرب

بذرية والأهل والصحب والملا

وجد السير يطوي الفيافي ميمماً

إلى أن أتى في سيره أرض كربلا

____________________

(١) سورة يوسف / ٨٦.

٩٣

فلم ينبعث مهر الحُسين بخطوة

فقال ألا يا صاحبي ما هذه الفلا

فقالوا : تسمى كربلا قال هونوا

مسيركم يا قوم قد نزل البلا

ففي هذه يا قوم قتلي ومصرعي

وهتك حريمي عاجلاً لا مؤجلا

وفي هذه تضحى الرؤوس على القنا

تسير بها الأقوام أن تتمهلا

وفي هذه نبقى على الأرض صرعا

بلا كفن نلقى ولن نتغسلا

قفوا وانزلوا يا قوم إن بهذه

نعّلا على رؤوس القنا وننزّلا

فلا حول لي يا قوم بل لا قوة

ولا حكم لي إلّا لذي الطول والعلى

فما كان إلّا ساعة ثمّ أقبلت

جيوش ابن سعد جحفلاً ثمّ جحفلا

وحاطوا بمولاي الحُسين وصحبه

فقال لهم ما شأنكم أيها الملا

ألا تكتبوا لي بالمسير إليكم

فقالوا له دع عنك هذا التطولا

فليس لنا كتب إليك ولا أتى

رسول فأقصر عن كلامك مجملا

فقال اتركوني نحو يثرب راجعاً

فقالوا له هيهات لن تتحولا

لقد علقت فيكم مخالبنا فلا

براح إلى أن تقتلن وتخذلا

فصال عليهم صولة علوية

فحكم فيهم اسمراً ثمّ منصلا

إلى أن سقوا أصحابه جمرة الردى

وظل وحيداً للأذى متحملا

يكر عليهم كرة إثر كرة

إلى أن أتاه سهم رجس فجدلا

فخر عن الطرف الجواد لوجهه

عفيراً خضيباً بالدماء مغسلا

وأقبل شمر الرجس فاحتز رأسه

وكبر لله العلي وهللا

وركب رأس السبط فوق قناته

كبدر الدجى في دمه قد ترملا

وأقبل مهر السبط يصرخ ناعياً

إلى خيمة النسوان يبكي معولا

فلما رأين المهر قد جاء خالياً

خرجن من الفسطاط يبكين حفلا

وشققن منهن الجيوب بحسرة

وأبرزن من بعد الخدور إلى الملا

وصحن ألا وا سيداه بربه

تكاد لها الأطواد أن تتزلزلا

وهبت خيول الظالمين بركظها

لتجري على جثمانه وتهرولا

وهشمت الصدر الكريم وظهره

وقطعت الأوصال عال واسفلا

وأظلمت الدنيا وأكسفت شمسها

وزلزلت الأرضون منه تزلزلا

٩٤

وناحت عليه من عظم شجوها

وجبريل نادى في السّماء وأعولا

وهتكت النسوان من بعد صونها

يصحن بشجو لا طمات وذللا

بنفسي صريعاً ظامياً مرضضاً

بنفسي ذبيحاً بالتراب مغسلا

بنفسي طريحاً نازحاً عن دياره

تريب المحيى عاري الجسم مجدلا

بنفسي نساء السبط يبكين حوله

ظمايا حيارى حاسرات وثكلا

بنفسي علي بن الحُسين مقيداً

بقيد ثقيل بالحديد مكبلا

تناديه بالشجو العظيم سكينة

أيا أبتا ماذا دهانا واثكلا

وزينب تدعو جدها يا محمد

أيا جدنا يا صفوة الله ذي العلا

أيا جدنا يعزز عليك بأن ترى

حبيبك مقتولا عفيراً مجدلا

ونادى ابن سعد بالطغاة ألا ارحلو

إلى الشام لم نلبث ولن نتمهلا

وساقوا السبايا حاسرات أذلة

وغاروا على ابن الحُسين مغللا

وساروا برؤوس الطاهرين وخلفوا

حسيناً بأرض الطف شلواً مجدلا

تجر عليه السافيات ذيولها

وتبكي عليه الوحوش والطير في الفلا

أيا لهف نفسي يوم سير برأسه

على رأس رمح نوره قد تهللا

ونسوته فوق المطايا حواسراً

بلا وطاء بين الخلائق والملا

ويروى لنا عن جابر أن فاجراً

لئيماً على فعل النقي لن يعولا

وقد كان جمالاً لمولاي آنفاً

وكان الحُسين الطهر للرجس موئلا

وكان كثيراً قد يرى معه تكة

حجازية حازت نساجاً مكملا

وتغشى سنا الأبصار حسناً ورونقاً

وتشرق إشراقاً كبدر تهللا

وكان يقول الرجس يا ليتها تكن

لمثلي ملبوساً عطاء معجلا

فلما أتى أرض العراق ميمماً

وجدل مولاي الحُسين بكربلا

وقد قصد الملعون بطن مغارة

إلى أن دجي الليل البهيم والبلا

فقام اللعين الرجس جذلان باسماً

وجاء إلى نحر الحُسين معجلا

ومد إلى نحو الحُسين يمينه

ليأخذ منه تكة لن تعولا

فلما أراد الرجس حل عقودها

فمانعه مولاي أن تتحللا

وشد بها يمنى يديه مدافعاً

فلم يقدر الملعون أن يتوصلا

٩٥

فحز يمين السبط بالسيف عامداً

من الزند أبراها عظاماً ومفصلا

وأهوى إليها كي يحل عقودها

إذا يسار السبط صار محولا

فلم يستطع تحريك كف إمامنا

فطير منه الكف بالسيف معجلا

فحل سراويل الإمام فأرجفت

به الأرض رجفاً فانثنى وتزلزلا

فاُسمع ذات الرجس صوت مهول

فقام اللعين الرجس حيران مجفلا

وجاء إلى القتلى فألقى بنفسه

إذا برسول الله في الأرض أنزلا

وأهبطت الأملاك من كلّ جانب

تسبح لله المهيمن ذي العلا

فنادى رسول الله يا سبط أحمد

يعز علينا أن نراك مجدلا

يعز علينا أن نراك مرضضاً

عفيراً نحيراً بالدماء مغسلا

إذا بحسين الطهر قد صار جالساً

وقال ألا لبيك يا سيّد الملا

ألا يا رسول الله صالت اُميّة

علينا وأسقونا العذاب معجلا

فصاح رسول الله إذ ذاك صيحة

وأبدى بكاءاً عاجلاً وتوجلا

وجاء على الطهر يبكيه ناعياً

لوجنة مولاي الحُسين مقبلا

وقال ألا يا ليتني كنت حاضراً

فأسقيهم كأس المنون معجلا

يعز علينا يا حسين بأن نرى

لرأسك من فوق القناة محملا

حسين ألا يا شق روحي ومنيتي

فلم يك جبار السّماء ليغفلا

فديتك لا قبراً ولا كفناً أرى

ولا غاسلاً يأتي إليك ليغسلا

وأقبلت الزّهراء تمسح فرقها

بدم الحُسين الطهر حتّى تبللا

فقالت الاقي الله في يوم حشرنا

وأشكو إليه ما الاقي من البلا

فقال رسول الله يا سبط أحمد

فما فعل الرجس اللعين المضللا

ومن قطع الكفين منك بسيفه

ولا راقب الله المهيمن ذا العلا

فقال له يا جد قد كان صحبتي

إلى الطف جمّال وكان مضللا

وقد كان ينظر في سراويل تكتي

فلما قتلت الآن قام معجلا

ليأخذها مني فمانعته وقد

أقام على الطغيان لن يتبدلا

فقص يدي اليمنى وثنى باُختها

وأهوى إلى تلك العقود ليحللا

فلما أحسن الرجس أنك هابط

رمى نفسه كي لا تراه فيقتلا

٩٦

فمد رسول الله في الطف طرفه

رأى الرجس في وسط المغارة قد خلا

فقال رسول الله يا أرذل الورى

ويا شر خلق الله طراً وأنذلا

عليك من الله المهيمن لعنة

وسود منك الوجه يا أرذل الملا

وأشلل منك الكف يمنى ويسرة

وأصلاك ناراً حرها لن يبدلا

فلما استتم الطهر منه دعاؤه

إذ بيديه قد أبينت من العلا

وسود منه وجهه فكأنه

ظلامة ليل حالك ليس يجتلا

ألا لعن الرحمن آل اُمية

وعجلهم ثمّ الدلام ونعثلا

عليهم من الله المهيمن لعنة

تغشاهم ما دامت الأرض والفلا

وتغشى يزيد الرجس وابن سمية

وخولى وشمراً وابن سعد المضللا

وأشياعهم أو من رضي رفعالهم

وأتباعهم أو من لهم كان قد تلى

أيا سادتي يا آل أحمد أنتم

ملاذي وذخري لا اُبالي بمن قلى

وإني عليكم وافد متوكل

ولا خيب الرحمن من قد توكلا

أؤمل أن أحظى بحور وجنة

وحاشاكموا أن تحرموا المتأملا

فدونكم ابن الحريري مذحة

منمقة الألفاظ تحلو لمن قلى

بها يرتجى منكم شفاعتكم غداً

ويعلوه ظل في الجنان مظللا

عليكم سلام الله ما در شارق

وما أن حدى الحادي وركب تحملا

الباب الثّالث

يا إخواني , شهد لهم بالفوز الجليل والثّناء الجميل الرّبّ الجليل , فقال تعالى في كتابه المكنون لا يمسّه إلّا المطهرون :( الّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدَوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) (١) ولا جهاد أعظم من جهاد أنصار الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) , أذن لهم في ترك القتال ومقاسات الأهوال , فأبوا واختاروا الموت على الحياة في طاعته , واحبوا مُفارقة الدّنيا دون مفارقته :

جادوا بأنفسهم في حب سيدهم

والجود بالنفس أقصى غاية الجود

يُعد أحدهم مصافحة الصّفاح غنيمة باردة ، ومزاحمة الرّماح فائدة زائدة ،

____________________

(١) سورة التّوبة / ٢٠.

٩٧

ومكافحة الكتاب مكرمة عائدة ، ومناوحة المقانب منقبة شاهدة :

يرى الموت أولى من ركوب دنية

ولا يغتدي للناقصين عديلا

ويستعذب التعذيب فيما يفيده

نزاهة عن أن لا يكون ذليلا

فوا حر قلباه على تلك الأجساد بلا مهاد ووساد !

روي : أنّ فاطمة (عليها‌السلام ) أتت النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وهي تبكي وتقول : (( خرج الحسن والحُسين ولا أدري أين هُما ؟ )) فقال : (( يا فاطمة , طيبي نفساً فهما في ضمان الله تعالى حيث كانا )) فنزل جبرائيل (عليه‌السلام ) , فقال : هُما في حائط بني النّجار نائمان متعانقان ، وقد بعث الله إليهما ملكاً , فبسط جناحاً تحتهما وجناحاً فوقهما فخرج رسول الله وأصحابه معه , فرآهما هُناك ( وحيّة ) دائرة كالحلقة حولهما ، فأخذهُما رسول الله على سكينة فحملهما ، فقال أصحابه : نحملهما عنك يا رسول الله فقال : (( نعم المطية مطيتهما , ونعم الرّاكبان هُما , وأبوهما خير منهما )).

ألا فيا إخواني , هذا هو الشّرف الرّفيع والفضل الشّامخ المنيع ، ولذا حسدوهم على الكمال فجلّ وعلا مجّدهم أن ينال :

إليكم كلّ منقبة تؤول

إذا ما قيل جدكم الرسول

وفيكم كلّ مكرمةٍ تجول

إذا ما قيل أمكم البتول

فلا يبقى لمادحكم كلام

إذا تمّ الكلام فما أقول

روي : أنّ فاطمة (عليها‌السلام ) جاءت إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وهي تبكي , فقال : (( ما يبكيك ؟ )) فقالت : (( ضاع منّي الحُسين فلا أجده )) فقام النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) واغرورقت عيناه وذهب ليطلبه , فلقيه يهودي فقال : ((يا مُحمّد ما لك تبكي ؟ )) فقال : (( ضاع ابني )) فقال : لا تحزن فإنّي رأيته على تل كذا نائماً فقصده النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) واليهودي معه , فلمّا قرب من التّل , رأى ضبّاً بفمه غصن أخضر يروح به إلى الحُسين , فلمّا رأى الضبّ النّبي , قال بلسان فصيح : السّلام عليك يا زين القيامة وشهد له بشهادة الحقّ , ثمّ قال : لم أر أهل بيت أكثر بركة من أهل بيتك ؛ لأنّ ولدي ضاع منّي ثلاث سنين , فطفت العالم أطلبه فلم أجده , فببركة ولدك وجدته الآن فأكافيه ثمّ قال ولد الضبّ : يا رسول الله , أخذني السّيل فادخلني البحر , ثمّ ضربت بي الأمواج إلى أن وقعت

٩٨

بجزيرة كذا , فلم أجد سبيلاً ومخرجاً منها حتّى أهبّ الله ريحاً فأخذتني وألقتني في هذا الموضع عند أبي فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( من تلك الجزيرة إلى ههنا ألف فرسخ )) فأسلم اليهودي وقال : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله :

لآل مُحمّد أصبحت عبداً

وآل مُحمّد خير البرية

اُناس حل فيهم كلّ خير

مواريث النبوة والوصية

روى ابن عبّاس , أنّه قال : لـمّا ولد الحُسين (ع) , أمر الله عزّ وجلّ جبرائيل أن يهبط إلى الأرض بألف من الملائكة المقرّبين ؛ ليهنئ مُحمّداً خاتم النّبيين بمولود سيّدة نساء العالمين ، قال : فهبط جبرائيل مع الملائكة على جزيرة من جزائر البحر , فرأى فيها ملكاً يُقال له ( فطرس ) - وكان قد أرسله الله إلى أمر من أموره , فأبطأ عليه فغضب عليه , فكسّر جناحه وألقاه في تلك الجزيرة مدّة طويلة , فمكث الملك يعبد الله تعالى سبعمئة عام حتّى ولد الحُسين (عليه‌السلام ) - فقال الملك : يا أخي جبرائيل , أين تريد ؟ فقال : إنّ الله تعالى أنعم على مُحمّد بمولود من ابنته , فبُعثت إليه اُهنئه عن الله تعالى فقال الملك : يا جبرائيل , قد مكثت في هذه الجزيرة سبعمئة سنة , وقد ضاق صدري وعيل صبري أريد أن تحملني معك إليه ؛ لعل مُحمّداً يدعو لي بالعافية , ويشفع لي عند الله تعالى في جبر جناحي المكسور قال : فحمله جبرائيل معه على طرف ريشة من جناحه حتّى اُدخل به على النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فهنأه جبرائيل من الله تعالى ومنه , وأخبره بحال الملك فطرس , فقال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( يا جبرائيل , قُل له : يقوم ويمسح بجناحه بهذا المولود وعد إليّ )) قال : فقام الملك ومسح جناحه المكسور بالحُسين (عليه‌السلام ) , فعوفي من ساعته وصار كما كان , فقال الملك فطرس : يا رسول الله , اعلم أنّ اُمّتك تقتل ولدك هذا - يعني الحُسين (عليه‌السلام ) - وله عليّ مكافأة يا مُحمّد , لا يزوره زائر إلّا أبلغته عنه الزّيارة , ولا يسلّم عليه مُسلّم إلّا أبلغته سلامه ، ولا يُصلّي عليه مُصلّ إلّا ابلغته صلاته ثمّ ارتفع طائراً إلى السّماء ؛ ببركة الحُسين سيّد الشّهداء , وهو يقول : مَن مثلي وأنا عتيق الحُسين بن فاطمة , وعتيق جدّه النّبي الاُمّيّ قال ابن عباس : فهذا الملك لا يُعرف في السّماء بين الملائكة إلّا أن يُقال : هذا مولى الحُسين (عليه‌السلام ).

ونُقل عن أبي جعفر الطّوسي في ( مصباح الأنوار ) , إنّ الله عزّ وجلّ لـمّا

٩٩

غضب على هذا الملك , خيّره في عذاب الدّنيا أو عذاب الآخرة , فاختار عذاب الدّنيا , فكسّر جناحه وألقاه في تلك الجزيرة , وكان مُعلّقاً بأشفار عينيه سبعمئة سنة , لا يمرّ به حيوان من تحته إلّا احترق من دخان يخرج منه غير منقطع , فلمّا أحسّ بجبرائيل والملائكة النّازلين من السّماء , كان ما كان من أمره بإذن الله تعالى , فعفى الله عنه ببركة الحُسين (عليه‌السلام ).

فانظروا يا أهل المعالي إلى هذا الشّرف العالي , جعلنا الله وإيّاكم من أشياعهم وأتباعهم ومواليهم :

نعم بإذكاري كربلاء ومن بها

تفاقم كربي واستحم بلائي

وأنفذ عيني ماءها ببكائها

عليهم وقد أمددها بدمائي

وسيق بنو بنت النّبي مُحمّد

إلى الشام للذبح العنيف كشائي

فيا ويح قوم قاتلوهم إذا بدا

شفيعتهم في معرض الخصماء

عن ابن عباس , قال : لـمّا نزلت هذه الآية :( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) قالوا : يا رسول الله , مَن قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودتهم ؟ قال : (( عليّ وفاطمة وابناهما )).

وعن الحُسين بن عليّ (عليهم‌السلام ) , قال : (( قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : فاطمة بهجة قلبي , وابناها ثمرة فؤادي بعلها نور بصري , والأئمة من ولدها اُمنائي وحبله الممدود بينه وبين خلقه ، ومَن اعتصم بهم نجى , ومَن تخلّف عنهم هوى )).

وعن بلال بن حمامة , قال : طلع علينا النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ذات يوم ووجهه مشرق كدائرة القمر , فقام عبد الرّحمن بن عوف , فقال : يا رسول الله , ما هذا النّور ؟ فقال : (( بشارة أتتني من ربّي في أخي وابن عمّي وابنتي , وإنّ الله تعالى زوّج عليّاً من فاطمة , وأمر رضوان خازن الجنان فهزّ شجرة طوبى , فحملت رقاقاً - يعني : صكاكاً - بعدد محبّي أهل بيتي , وأنشأ من تحتها ملائكة من نور ودفع إلى كلّ ملك صكّاً ، فإذا استوت القيامة بأهلها , نادت الملائكة في الخلائق ، فلا تلقى مُحبّاً لنا أهل البيت إلاّ دفعت إليه صكّاً , فيه فكاكه من النّار بأخي وابن عمّي وإبنتي )).

عن جابر قال : رأى رسول الله على فاطمة كساء من أوبار الإبل وهي تطحن , فبكى وقال : (( يا فاطمة , اصبري على مرارة الدّنيا لنعيم الآخرة غداً )) قال : فنزلت عند ذلك :( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبّكَ فَتَرْضَى ) (٢) :

محن الزمان سحائب مترادفة

هي بالفوادح والفواجع ساجمة

____________________

(١) سورة الشّورى / ٢٣.

(٢) سورة الضّحى / ٥.

١٠٠