المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ٢

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)0%

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 272

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

مؤلف: الإمام الكبير والـمُصنّف الشّهير الشّيخ فخر الدّين الطريحي النّجفي
تصنيف:

الصفحات: 272
المشاهدات: 32058
تحميل: 4352


توضيحات:

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 272 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32058 / تحميل: 4352
الحجم الحجم الحجم
المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 2

مؤلف:
العربية

أخي للرزايا حرقة مستمرة

فيا سواتا منها يجن جناني

أخي إن يكن في الموت من ذاك راحة

فراحة نفسي أن يكون أتاني

أخي لو تراني في السبايا أسيرة

بشجو مصاب هدني ودهاني

لا بصرت مس الضر كيف أصابني

بكف عدو سبني وسباني

وفاطمة الصغرى تنادي بزينب

وتشكو فؤاداً دائم الخفقان

أيا عمتاه ما للضبابي ترني

قناعي وبغيا بالقطيع علاني

أيا عمتا مالي إذا رمت من أبي

دنوا حماني قربة ولحاني

أيا عمتا كم استغيث بوالدي

ولو كان حياً سامعاً لوعاني

أيا عمتا قد كنت أملت أنني

فداه ولكن الحُسين فداني

أيا عمتا أما الأسى فاطاعني

وأما العزا عن والدي فعصاني

أيا عمتا أما السلو فخانني

غداة سلا عني الحيا وجفاني

أيا عمتا وجدي عليه مجدد

وما فرط أحزاني عليه بواني

أيا عمتا ما أخيب الحزن مطعماً

بحلق معان للمصيبة عان

أيا عمتا أن نيح مضني من الأسا

فإن الأسى قد شجني وشجاني

وتدعو بخير العالمين مُحمّد

وبالدمع جفنا عليتها بكفاني

أيا جد هذا السبط في طف كربلاء

مضمخ جثمان باحمر قاني

أيا جد أما جسمه فضيوفه

ضباع الفلا معلومة العسلان

أيا جد ما رأسه لو نظرته

تجده رفيعاً في سنان سنان

أيا جد قد رضته بالجرد منهم

بنو أمهات قد عرفن زواني

أيا جد لم يسقوه ماء وإنه

ليكرع فيه سائر الحيوان

أيا جدنا قد هدم القوم كلما

له قبل هذا اليوم مجدل بان

أيا جدنا هذي بناتك بينهم

فمن أيم مسبية وحصان

أيا جدنا هذا عليّ مصفداً

يرى ما يلاقي من أذى وهوان

أيا جد لو عاينته في قيوده

رثيت لمغلول اليدين مهان

وأعظم شيء أن يشاء على الطوا

بهم من مكان نازح لمكان

يسار بهم نحو الشام هدية

إلى كافر ذي قسوة وشنان

١٠١

فلما رأتهم في القيود غداً لهم

يقول بإلحاظ الشماتة ران

ويندب أشياخاً ببدر مغرداً

بترجيع ألحان ورشف دنان

ويقرع سنا فاضلا كان قبل ذا

يقبله من أحمد الشفتان

على ظالم الأطهار من آل أحمد

أشد نكال في غد ولعان

بني صفوة الجبار عيناي كلما

ذكرتم لهم بالدمع تبتدران

وإني من حزن على فوت نصركم

لأقرع سني حسرة ببناني

ولكنه إن أخر العصر عنكم

ففات سناني لا يفوت لساني

وأنتم موالي الذي اقتدى بهم

فلا فلان اقتدى وفلان

ولي موبقات من ذنوب أخافها

إذا ما إلهي للحساب دعاني

وما قيل يوم الحشر يؤتى بشافع

لناج ولكن الشفيع لجاني

على أنني راج سماحة منعم

لقصدكم قبل السؤال هداني

وما أنا من عفو الإله بقانط

ولكنه ذو رحمة وحنان

وكيف وقد ابدعت إذ قمت خاطباً

لكم في معاني حسنكم بمعاني

ولن يخش يوماً من عذاب مغامس

إذا كنتم مما أخاف أماني

عليكم سلام الله ما در شارق

وما قام داعي فرضه لأذان

الباب الثّاني

أيّها الإخوان والأصحاب , إذا عرفتم أنّ الحزن على هذا المصاب مما يزيد في الأجر والثّواب , فلِمَ لا تحزنون على ما حلّ بسادات النّاس من اللئام الكفرة الأرجاس ؟ أزالوهم عن مراتبهم التي رتّبهم الله فيها , وهذه القضية أصل كلّ بلية إن كنت تعيها , ثمّ لم يكفهم ذلك حتّى منعوهم من الأخماس التي عوّضهم الله تعالى بها عن أوساخ النّاس , فقالوا : هذه للمُسلمين كافّة. فحرّموها عليهم ومنعوها من الوصول إليهم ، ثمّ ارتقوا إلى أبلغ من ذلك , فقالوا لفاطمة (عليها‌السلام ) : فدك لنا لا لك. فانتزعوا منها بلغتها وبلغة بعلها وبنيها ، ثمّ ارتقوا على ذلك , فمنعوها إرثها من أبيها , فلمّا رأى أهل الشّقاق والنّفاق ما فعل بهم الصّدر الأوّل الذي على زعمهم عليه المعوّل , وكان في صدورهم الغلّ الكامن الدّفين ؛ من أجل بغضهم لأمير المؤمنين , لا جرم انتهزوا فيهم الفرص فجرّعوهم الغصص.

فوا عجباً من

١٠٢

الأوائل والأواخر وظلمهم الزّائد وعقلهم القاصر ! فيا حرقي تزايدي على ما حلّ بساداتي , ويا جفوني سحّي دموعاً على أصول ديني وأهل هداتي :

مضينا إلى الأرض التي تسكنونها

أقبل ترب الأرض في كلّ منزل

وحزناً على ما قد لقيتم من الظمأ

اغص بشرب الماء في كلّ منهل

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون :( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) .

حُكي : أنّه لـمّا قُتل الحُسين وأراد القوم وطأه بالخيل , قالت فضّة لزينب : يا سيدتي , إنّ سفينه صاحب رسول الله كان بمركب , فضربته الرّيح فتكسّر , فسبّح فقذفه البحر إلى جزيرة , وإذا هو بأسد , فدنا منه فخشي سفينه أن يأكله , فقال له : يا أبا حارث , أنا مولى لرسول الله. فهمهم بين يديه مشيراً له برأسه , ومشى قدّامه حتّى أوقفه على طريق فركبه ونجا سالماً , وأرى أسداً خلف مخيّمنا , فدعيني أذهب إليه وأخبره بما هُم صانعون غداً بسيّدي الحُسين. فقالت : شأنك. قالت فضّة : فمضيت إليه حتّى قربت منه وقُلت : يا أسد , أتدري ما يريدون صنعه غداة غد بنو اُميّة بأبي عبد الله ؟ يريدون يوطئون الخيل ظهره. قال : نعم. فقام الأسد ولم يزل يمشي وأنا خلفه حتّى وقف على جثّة الحُسين (عليه‌السلام ) , فوضع يديه عليه , وجعل يمرّغ وجهه بدم الحُسين ويبكي إلى الصّباح , فلمّا أصبح بنو اُميّة , أقبلت الخيل يقدمهم ابن الأخنس لعنه الله تعالى ، فلمّا نظروه , صاح بهم ابن سعد إنّها لفتنة لا تثيروها , فرجعوا عليهم لعائن الله تعالى ، وهو من بعض فضائلهم عليهم رحمة الله.

حُكي عن رجل أسدي , قال : كنت زارعاً على نهر العلقمي بعد ارتحال عسكر بني اُميّة , فرأيت عجائب لا أقدر أحكي إلّا بعضها ، منها : أنّه إذا هبّت الرّيح , تمرّ عليّ نفحات كنفحات المسك والعنبر ، وإذا سكنت , أرى ما تنزل من السّماء إلى الأرض ويرقى من الأرض إلى السّماء مثلها ، وأنا مفرد مع عيالي ولا أرى أحداً أسأله عن ذلك ، وعند غروب الشّمس , يقبل أسد من القبلة فأولّي عنه إلى منزلي ، فإذا أصبح الصّباح وطلعت الشّمس وذهبت من منزلي , أراه مستقبل القبلة ذاهباً ، فقلت في نفسي , إنّ هؤلاء خوارج قد خرجوا على عُبيد الله بن زياد فأمر بقتلهم ، وأرى منهم ما لم أره من سائر القتلى ، فوالله , هذه الليلة لأبدأ من المساهرة ؛ لأبصر هذا الأسد يأكل من هذه الجثث أم لا. فلمّا صار غروب

____________________

(١) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

١٠٣

الشّمس , وإذا به أقبل فحقّقته وإذا هو هائل المنظر , فارتعدت منه وخطر ببالي : إن كان مراده لحوم بني آدم , فهو يقصدني. وأنا أحاكي بهذا فمثلته , وهو يتخطّى القتلى حتّى وقف على جسد كأنّه الشّمس إذا طلعت , فبرك عليه، فقلت : يأكل منه ؟ وإذا به يمرّغ وجهه عليه وهو يهمهم ويدمدم ، فقلت : الله أكبر ما هذا إلّا أعجوبة. فجعلت أحرسه حتّى اعتكر الظّلام , وإذا بشموع مُعلّقة ملأت الأرض ، وإذا ببكاء ونحيب ولطم مفجع ، فقصدت تلك الأصوات , فإذا هي تحت الأرض ، ففهمت من ناع فيهم يقول : وا حُسيناه ! وا إماماه ! فاقشعرّ جلدي , فقربت من الباكي وأقسمت عليه بالله وبرسوله مَن تكون ؟ فقال : إنّا نساء من الجنّ. فقلت : وما شأنكنّ ؟ فقلنّ: في كلّ يوم وليلة هذا عزاؤنا على الحُسين الذّبيح العطشان. فقلت : هذا الحُسين الذي يجلس عنده الأسد ؟ قلنّ : نعم , أتعرف هذا الأسد ؟ قلت : لا. قلنّ : هذا أبوه عليّ بن أبي طالب. فرجعت ودموعي تجري على خدّي :

سلوا سيوف مُحمّد بمحمد

ففزوا بها هامات آل محمد

فكأن عترة أحمد اعداؤه

وكأنما الأعداء عترة أحمد

فاكثروا رحمكم الله الأحزان ، واظهروا شعائر الأشجان ، فإنّه رزء عظيم ومصاب جسيم ، تتزلزل منه الأطواد ، وتتفتت منه الأكباد.

حُكي : أنّه لـمّا فرغ عمر بن سعد من حرب الحُسين , واُدخلت الرؤوس والأسارى إلى عُبيد الله بن زياد لعنه الله تعالى , جاء عمر بن سعد لعنه الله ودخل على عُبيد الله بن زياد ؛ يريد منه أن يمكّنه من ملك الرّي ، فقال له ابن زياد : آتني بكتابي الذي كتبته لك في معنى قتل الحُسين وملك الرّي. فقال له عمر بن سعد : والله إنّه قد ضاع منّي ولا أعلم أين هو. فقال له ابن زياد : لا بدّ أن تجئني به في هذا اليوم , وإن لم تأتني به , فليس لك عندي جائزة أبداً ؛ لأنّي كنت أراك مستحياً معتذراً في أيّام الحرب من عجائز قُريش ، ألست أنت القائل :

فوالله ما أدري وإني لصادق

أفكر في أمري على خطرين

أأترك ملك الري والري منيتي

أم أرجع مأثوماً بقتل حسين

١٠٤

؟ وهذا كلام معتذر مستح متردد في رأيه. فقال عمر بن سعد : والله يا أمير , لقد نصحتك في حرب الحُسين نصيحة صادقة , لو ندبني إليها أبي سعد , لما كنت أدّيت حقّه كما أدّيت حقّك في حرب الحُسين. فقال له عبيد الله بن زياد : كذبت يا لُكع. فقال عثمان بن زياد - أخو عُبيد الله بن زياد - : والله يا أخي , لقد صدق عمر بن سعد في مقالته , وإنّي لوددت أنّه ليس من بني زياد رجل إلّا وفي أنفه خزمة إلى يوم القيامة , وأنّ حُسيناً لم يُقتل أبداً.

فقال عمر بن سعد : فوالله يابن زياد , ما رجع أحد من قتلة الحُسين بشرّ ممّا رجعت به أنا. فقال له : وكيف ذلك ؟ فقال : لأنّي عصيت الله وأطعت عُبيد الله , وخذلت الحُسين بن رسول الله ونصرت أعداء الله , وبعد ذلك , إنّي قطعت رحمي ووصلت خصمي وخالفت ربّي ، فيا عظم ذنبي ويا طول كربي في الدُنيا والآخرة. ثمّ نهض من مجلسه مغضباً مغموماً ، وهو يقول : و( ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) (١) .

قال أبو السّدي : والله إنّي لأعجب ممّن يسعى في قتل أئمته , وهو يعلم أنّهم منتقمون منه في آخرته ، فهذا عاقبة أمره في حكومة الرّي وقد خسرها.

وأمّا هو نفسه , فحكي عن الهيثم بن الأسود ، قال : كنت جالساً عند المختار بالكوفة , فابتدأ يقول لجلسائه : والله , لأقتلنّ رجلاً عريض القدمين غائر العينين مرفوع الحاجبين عدو الحسن والحُسين ، وقتله يرضى فيه ربّ العالمين ، ويرضي عليّاً أمير المؤمنين وفاطمة الزّهراء سيّدة نساء العالمين. قال الهيثم : فلمّا سمعت كلام المختار , علمت أنّه يريد بهذه الأوصاف قتل عمر بن سعد.

قال : فلمّا نهض الهيثم من مجلسه , مشى إلى عمر بن سعد وعرّفه بمقالة المختار ، قال : وكان عبد الله بن جعد أعزّ النّاس عند المختار ؛ لأنّه رئيس قومه ، فجاء إلى المختار وتشفّع في عمر بن سعد , وأخذ له كتاب أمان من المختار يقول فيه : أمّا بعد , إنّك يا عمر بن سعد , آمن بأمان الله ورسوله على نفسك وأهلك وولدك ومالك , ولا تؤاخذ بذنب كان منك قديماً ، فمن لقي عمر بن سعد من شرطة الأمير , فلا يعرض له إلى سبيل الخير. فلمّا وصل الكتاب إلى عمر بن سعد , طاب قلبه ، وظهر بعدما كان مختفياً ، وصار يحضر في مجلس المختار في كلّ أسبوع مرّة، والمختار يكرمه ويدنيه ويجلسه معه على سريره ، كلّ هذا وعمر بن سعد يحسّ قلبه بالشّر , ويظنّ أنّ المختار يقتله لا محالة ، فعزم على الخروج ليلاً من الكوفة ,

____________________

(١) سورة الحج / ١١.

١٠٥

فعلم المختار بخروجه من لكوفة ، فقال : الله أكبر وفيناه وغدر ، وأعطيناه ومكر والله خير الماكرين ، ولكن والله في عنقه سلسلة , لو جهد عمر بن سعد أن يفلّها لما استطاع أبداً حتّى اقتله إن شاء الله تعالى عن قريب.

قال : فبينما عمر بن سعد سائر في الطّريق بالليل , فنام على ظهر النّاقة , فرجعت النّاقة به إلى الكوفة وقت الصّبح , فلم يشعر إلّا وهو على باب داره , فنوّخ ناقته ودخل داره واستسلم للقتل , فلمّا أصبح عمر بن سعد , دعا بابنه حفص وقال له : امض إلى المختار وانظر هل علم بخروجي أم لا ، واكشف لي عن سريرته.

قال : فجاء حفص إلى المختار وسلّم عليه , وقال له : أيّها الأمير , أبي يقرؤك السّلام ويقول لك أتفي لنا بالأمان أم لا ؟ فقال له : وأين أبوك ؟ فقال : ها هو في داره. فقال له : أليس أبوك قد هرب البارحة وكان يريد الشّام ؟ فقال : معاذ الله , إنّ أبي في داره لم يتغيّب أبداً. فقال : كذبت وكذب أبوك , اجلس هُنا حتّى يأتي أبوك. ثمّ إنّ المختار استدعى رجلاً من جلاوزته ، وقال له : انطلق إلى عمر بن سعد وآتني برأسه. فمضى مسرعاً , فما لبث هنيئة إذ جاء وبيده رأس عمر بن سعد , فألقاه في حجر ابنه ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون. فقال له المختار : يا حفص , أتعرف صاحب هذا الرأس ؟ قال : نعم , هذا رأس أبي ولا خير الله في الحياة بعده. فقال المختار : وإنّي لا أبقيك بعده. ثمّ أمر بقتله في الحال لا رضي‌ الله‌ عنهما. ووضع الرّأسان بين يديه ، فسرّ بهما سروراً عظيماً ، فقال بعض من حضر : أيّها الأمير رأس عمر بن سعد برأس الحُسين ، ورأس حفص برأس عليّ بن الحُسين. فقال له المختار : صه يا لُكع الرّجال , يا ويلك ! أتقيس رأس عمر بن سعد برأس الحُسين , ورأس حفص برأس عليّ بن الحُسين ؟! فوالله , لو قتلت ثلاثة أرباع أهل الأرض , ما وفوا بأنملة من أنامل الحُسين.

قال : وكان مُحمّد بن الحنفيّة بمكّة يجلس مع أصحابه ويذمّ المختار ويعتب عليه ؛ لمجالسته مع عمر بن سعد على سريره وتأخيره قتله ، قال : فحمل الرأسان إليه إلى مكّة ، قال : فبينما مُحمّد بن الحنفيّة جالس , فنظر الرأسان بين يديه , فخرّ لله ساجداً شاكراً ، ثمّ رفع يديه يدعو للمختار بالخير , ويقول : اللّهمّ , لا تنس المختار من رحمتك. اللّهمّ , أجزه عنّا أهل بيت نبيّك خير الجزاء.

١٠٦

وعن ابن مسعود , قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله في مسجده , إذ دخل علينا فتية من قُريش ومعهم عمر بن سعد لعنه الله , فتغيّر لون رسول الله , فقلنا له : يا رسول الله , ما شأنك ؟ فقال : (( إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدُنيا , وإنّي ذكرت ما يلقى أهل بيتي من اُمّتي من بعدي من ؛ قتل وضرب وشتم وسبّ وتطريد وتشريد , وإنّ أهل بيتي سيشرّدون ويطردون ويقتلون ، وإنّ أوّل رأس يُحمل على رمح في الإسلام رأس ولدي الحُسين , أخبرني بذلك أخي جبرائيل عن الرّبّ الجليل )). وكان الحُسين حاضراً عند جدّه في ذلك الوقت ، فقال : (( يا جدّاه , فمَن يقتلني من اُمّتك ؟ )). فقال : (( يقتلك شرار النّاس )). وأشار النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى عمر بن سعد لعنه الله , فصار أصحاب رسول الله إذا رأوا عمر بن سعد داخلاً من باب المسجد , يقولون : هذا قاتل الحُسين (عليه‌السلام ). قال : وجعل عمر بن سعد كلّما لقي الحُسين يقول : يا أبا عبد الله , إنّ في قومنا اُناساً سفهاء يزعمون إنّي أقتلك. فيقول له الحُسين (عليه‌السلام ) : (( والله إنّهم ليسوا سفهاء , ولكنّهم اُناس حُلماء ، أما إنّه ستقرّ عيني حيث لا تأكل من برّ الرّي من بعد قتلي إلّا قليلاً ، ثمّ تُقتل من بعدي عاجلاً)).

وكان الباقر (عليه‌السلام ) يقول : (( إنّ قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا ، وقاتل الحُسين ولد زنا , ولم تمطر السّماء دماً إلّا يوم قتلهما , ولم يحمر الاُفق إلّا في قتلهما ، وإنّ هذه الحمرة التي تظهر في السّماء لم تر قبل قتل الحُسين ولا رؤيت بعد قتله )).

قال الرّاوي : فلمّا نزل الحُسين يوم الطّفّ في أرض كربلاء , أوّل من حال بينه وبين ماء الفُرات عمر بن سعد لعنه الله تعالى , فاشتدّ العطش بالحُسين وأطفاله وأهل بيته (عليهم‌السلام ) ، فقام رجل من أصحاب الحُسين قال : يابن رسول الله , أتأذن لي أن أمضي إلى ابن سعد فاكلّمه في أمر الماء , وأعرّفه بعطش الحرم والأطفال ؛ فعساه يرتدع عن القتال ؟ فقال (عليه‌السلام ) : (( ذلك إليك , افعل ما شئت )).

قال : فجاء الهمداني ووبّخه بكلام - قد مرّ ذكره سابقاً - , فكان من عذره أن قال : يا أخا همدان , والله إنّي أَعرف النّاس بحقّ الحُسين وحرمته عند رسول الله , ولكنّي حائر في أمري ما أدري كيف أصنع , وفي هذا الوقت كنت اتفكّر في أمري بين ترك ملك الرّي وقتل الحُسين. ثمّ قال : نفسي لأمّارة بالسّوء ما تحسن لي ترك مُلك الرّي ، وإنّي إذا قتلت حُسيناً أكون أميراً على سبعين ألف فارس.

قال : فنهض

١٠٧

من عنده مكسور القلب ورجع إلى الحُسين (عليه‌السلام ) , وقال : يا مولاي , إنّ القوم استحوذ عليهم الشّيطان , وإنّ عمر بن سعد قد عزم على قتلك وقتل أصحابك وأهل بيتك , ورضي بدخول النّار بولاية الرّي :( ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) (١) .

فيا إخواني , كيف لا يبكيهم مَن يزعم أنّ له بهم الاتصال حتّى تنقطع منه عليهم الأوصال ؟ وكيف لا يتحمّل الحزن عليهم في هذا الحال وفي كلّ حال حتّى المآل ؟ فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون ، وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ نعمان (رحمه ‌الله تعالى )

جزع بكى وأخو الصبابة يجزع

وجرت بوادر دمعه تندفع

صب إذا هل المحرم هاجه

وجد تفيض العين منه وتدمع

وجوى لـمّا نال الحُسين وآله

نيرانه بين الأضالع تسفع

في كربلاء في كربها وبلائها

لـمّا استجابوا حوله وتجمعوا

واتوه بالبيض الصوارم والقنا

والخيل مسرجة تعد وتمنع

بغياً وعدواً لم يخافوا حاكماً

عدلاً يرى ما يفعلون ويسمع

من بعدما كتبوا إليه خديعة

منهم وهم من كل قوم أجدع

حتى إذا ما جاءهم متحملاً

خدعوا به وكأنهم لم يسمعوا

بالأمس ما قال النّبي مُحمّد

فيه وما أوصاهم بل ضيعوا

وحموه عن ماء الفرات وقد شكا

ظمأ ولم يخشوا ولما يفزعوا

ويل لهم باعوا الهداية بالعمى

وترددوا في غيهم وتسلعوا

والله ما عاد بأعظم حرمة

منهم ولا فعلت ثمود وتبع

قوم كفعلهم الشنيع وما أتوا

بل فعلهم من كل فعل أشنع

ناداهم لـمّا به حفوا معاً

زمراً ولم يك من لقاهم يجزع

يا شر خلق الله ما من مسلم

منكم له دين يكف ويردع

حرم النّبي تموت من حر الظمأ

والوحش في ماء الشريعة يترع

____________________

(١) سورة الحجّ / ١١.

١٠٨

ألكم طلائب عندنا تبغونها

اُمّ ما عرفتم ويلكم ما تصنعوا

انفذتم كتباً إلي فجئتكم

فالآن إذ خنتم دعوني ارجع

قالوا له هيهات بل لاميرنا

تعطى القياد وتستكين وتخضع

أو بالسيوف المرهفات وبالقنا

نوليكم طعناً وضرباً يفظع

فهناك جرد سيفه لقتالهم

وهو الشجاع اللوذعي السلفع

في فتية بذلوا نفوسهم معاً

من دون مهجته إلى أن صرعوا

من حوله فوق التراب كأنهم

أقمار أدحية ضياها يلمع

وبقي حبيب مُحمّد بين العدا

فردا يذب عن الحريم ويمنع

كالليث منصلتاً إلى أن غاله

سهم المنون فخر وهو الموجع

عن سرجه يرنو إلى فسطاطه

والعين منه تستهل وتدمع

أسفي على النسوان في ذل السبا

إذ لم يعد أحد هنالك يسمع

ومضى الجواد إلى الخيام محمحماً

ينعي الحُسين ودمعه يتدفع

فسمعن رنته النساء فقلن قد

وقع الذي كنا له نتوقع

فخرجن من فسطاطهن صوارخا

جزعاً صراخاً للصخور يصدع

وأتينه والشمر جاث فوقه

بحسامه للرأس منه يقطع

فرقى الحُسين وقلن ويلك يا عدو

الله ماذا بالمطهر تصنع

هذا جزاء مُحمّد في آله

منكم لفعلك يا أمية اشنع

فاحتز رأس السبط يا لك لوعة

لم يبق للإسلام شمل يجمع

فاهتز عرش الله جل وسبحت

أملاكه وبكوا أسى وتفجعوا

وهوت نجوم عند ذاك من السما

وبكت دما بعض لبعض تتبع

والأرض مادت والجبال تزعزعت

والجو مسود هنالك اسفع

والطير في جو السّماء بكت له

أسفاً وا عرضت الوحوش الرتع

عن وعيها جزعاً عليه ولم يزل

للجن نوح في الأماكن يسمع

وعلى سنان الرمح شالوا رأسه

كالبدر يزهو نوره ويشعشع

وجرت خيولهم على جثمانه

حتّى تحطم صدره والأضلع

وتناهبوا رحل الحُسين وسلبوا

نسوانه باخبث ما قد صنعوا

١٠٩

يا عين أبكي للحسين وأهله

بدم إذا ما قل منك المدمع

ابكي غريب مُحمّد وجيبه

فمصابه مما سواه أفظع

ابكي عليه مفرداً بين العدا

والبيض فيه والأسنة تشرع

ابكي عليه ورأسه في ذابل

والجسم منه بالسيوف مبضع

ابكي له ملقى بلا غسل ولا

كفن ولا نعش هناك يشيع

ابكي لنسوان الحُسين حواسراً

في البيد ما فيهن من يتقنع

ابكي لهن يسقن بعد صيانة

قسراً وهن إذاً عطاشى جوع

ابكي على السجاد وهو مقيد

بالقيد مكتوف اليدين مكنع

ابكي لزينب إذ تقول لاختها

لـمّا تنادوا للرحيل وازمعوا

يا أخت قد عزوا عليّ ترحالهم

قومي إلى جسد الحُسين نودع

قومي إليه فما لنا من نظرة

منه سوى هذي العشية نطمع

يا أخت هذا اليوم آخر عهدنا

لا يوم فيه بعده نتجمع

هذا بآل مُحمّد فعل العدى

أفبعده لهم نحب ونتبع

بل منهم نبرأ ونلعنهم معاً

لعناً يدوم مجدداً لا يقطع

فالأولان هما لهذا أسساً

والآخرون بنوا عليه ورفعوا

والله لو لا نكث عهد الـمُصطفى

يوم الغدير وظلم حيدر فاسمعوا

ما استنهضت آل النّبي أمية

كلا ولا لخلافة يوم دعوا

لا زال لعن الله يغشاهم ومن

يرضى بفعلهم الشنيع ويقنع

وعلى بني الزّهراء صلّى ربهم

ما دام صبح خلف ليل يصدع

يا آل بيت مُحمّد إنّي لكم

يوم القيامة في السلام أطمع

أنا عبدكم نعمان حبكم معاً

ذخري إذا ظم الأنام المضجع

واليتكم لأكون تحت ولائكم

وغدا إذا فرغ الورى لا أفزع

وإذا منعتم حين يشتد الظمأ

أعداءكم من حوضكم لا امنع

مني السلام عليكم ما غردت

ورقاء نهتف في الغصون وتسجع

الباب الثّالث

أيّها المؤمنون النّاصحون والإخلاء الصّالحون ، عجّوا بالبكاء والعويل ،

١١٠

واندبوا أهل الإيمان والتّنزيل ، ويا أهل الأمانة والطّاعة , ساعدوا أهل الكرامة والشّفاعة ، أو لم تسمعوا يا ذوي العقول بمصيبة آل الرّسول ؟! فوا عجباه من هذه المصائب التي تسكب العبرات ! ويا تعجّباه ممّن لا يساوي مواليه في النّكبات ! فكيف يدّعي المحبّة مَن لا ينوح على أولاد الرّسول وثمرة فؤاد البتول ؟ فهل تحسن المراثي والنّدب إلّا على المقتولين من غير سبب ؟

فيا وقعة ما أمرّها ! ويا قتلة ما أحرّها ! منعوهم من الماء المباح وسقوهم السّيوف والرّماح ، فليت شعري ما كان السّبب لذلك حتّى أوردوهم تلك المهالك , مشرّدين عن البلاد مفجوعين في الأهل والأولاد ؟ فمنهنّ من تخمش وجهها بيديها ، ومنهنّ من ينزع قرطيها من أذنيها.

فيا لها من مصيبة في الأنام تضعضعت لها سائر بلاد الإسلام ! فنحتسب أجرها عند الله ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم.

نُقل عن اُمّ سلمة , قالت : كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ذات يوم معي , فبينما هو راقد على الفراش ، جاعل رجله اليمنى على اليسرى وهو على قفاه , وإذا بالحُسين (عليه‌السلام ) - وهو ابن ثلاث سنين وأشهر - أتى إليه , فلمّا رآه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , قال : (( مرحباً بقرّة عيني مرحباً بثمرة فؤادي )). ولم يزل يمشي حتّى ركب على صدر جدّه فأبطأ ، فخشيت أنّ النّبي تعب فأحببت أنحيّه عنه ، فقال : (( دعيه يا اُمّ سلمة , متى أراد الانحدار ينحدر ، واعلمي مَن آذى منه شعرة فقد آذاني )). قالت : فتركته ومضيت فما رجعت إلّا ورسول الله يبكي , فعجبت من بعد الضّحك والفرح ، فقربت منه وقلت : يا سيّدي , ما يبكيك لا أبكى الله عينك ؟ وهو ينظر لشيء بيده ويبكي ، قال : (( ما تنظرين ؟ )). فنظرت وإذا بيده تربة , فقلت : ما هي ؟ قال : (( أتاني بها جبرائيل هذه السّاعة ، وقال لي : يا رسول الله , هذه طينة من أرض كربلاء , وهي طينة ولدك الحُسين وتربته التي يُدفن فيها. فصيّريها عندك في قاروره , فإذا رأيتها قد صارت دماً عبيطاً ، فاعلمي أنّ ولدي الحُسين قد قُتل , وسيصير ذلك من بعدي وبعد أبيه واُمّه وجدّته وأخيه )).

قالت : فبكيت وأخذتها من يده وائتمرت بما أمرني , وإذا لها رائحة كأنّها المسك الأذفر ، فما مضت الأيّام والسّنون إلّا وقد سافر الحُسين إلى أرض كربلاء ، فحسّ قلبي بالشّر وصرت كلّ يوم اتجسّس القارورة , فبينما أنا كذلك , وإذا بالقارورة انقلبت دماً عبيطاً , فعلمت أنّ الحُسين قد

١١١

قُتل ، فجعلت أنوح وأبكي يومي كلّه إلى الليل , ولم اتهنّ بطعام ولا منام إلى طائفة من الليل ، فأخذني النّعاس , وإذا أنا بالطّيف برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مُقبل وعلى رأسه ولحيته دم كثير , فجعلت انفضّه بكمّي وأقول : نفسي لنفسك الفداء ! متى أهملت نفسك هكذا يا رسول الله ؟ من أين لك هذا التّراب ؟ قال : (( هذه السّاعة فرغت من دفن ولدي الحُسين )).

قالت اُمّ سلمة : فانتبهت مرعوبة لم أملك على نفسي , فصحت : وا حسيناه ! وا ولداه ! وا مهجة قلباه ! حتّى علا نحيبي , فأقبلت إليّ نساء الهاشميات وغيرهن , وقلنّ : ما الخبر يا اُمّ المؤمنين ؟ فحكيت لهنّ بالقصّة , فعلا الصّراخ وقام النّياح ، وصار كأنّه حين ممات رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، وسعين إلى قبره مشقوقة الجيب ومكشوفة الرّأس , فصحن : يا رسول الله قُتل الحُسين !. فو الله الذي لا إله إلّا هو ، فقد حسسنا كأنّ القبر يموج بصاحبه حتّى تحرّكت الأرض من تحتنا , فخشينا أنّها تسيخ بنا , فانحرفنا بين مشقوقة الجيب ومنشورة الشّعر وباكية العين.

فيا إخواني , مصابهم هو الذي أحرمنا الهجوع وأسكب من أعيننا سحائب الدّموع , وقلّل صبرنا وأذهل فكرنا , وهدّ منّا الأركان وأسلمنا الذّل والهوان , فالحكم لله ولا حول ولا قوة إلّا بالله :

غريبون عن أوطانهم وديارهم

تنوح عليهم في البراري وحوشها

وكيف ولا تبكي العيون لمعشر

سيوف الأعادي في العلاء تنوشها

بدور تواري نورها فتغيرت

محاسنها ترب الفلا نعوشها

وروي : أنّ المتوكل من خلفاء بني العبّاس ، كان كثير العداوة شديد البغض لأهل بيت الرّسول ، وهو الذي أمر الحارثين بحرث قبر الحُسين (عليه‌السلام ) , وأن يجروا عليه الماء من نهر العلقمي ، بحيث لا يبقى له أثر ولا أحد يقف له على خبر ، وتوعّد النّاس بالقتل لِمَن زار قبره , وجعل رصداً من أجناده وأوصاهم : كلّ مَن وجدتموه يريد زيارة الحُسين فاقتلوه ؛ يريد بذلك إطفاء نور الله وإخفاء آثار ذرّيّة رسول الله. فبلغ الخبر إلى رجل من أهل الخير يُقال له زيد المجنون , ولكنّه ذو عقل شديد ورأي رشيد ، وإنّما لُقّب بالمجنون ؛ لأنّه أفحم كلّ لبيب ، وقطع حجّة كلّ أديب ، وكان لا يعبأ من الجواب ولا يملّ من الخطاب ، فسمع بخراب قبر الحُسين وحرث مكانه , فعظم ذلك عليه واشتدّ حزنه وتجدّد مصابه

١١٢

بسيّده الحُسين (عليه‌السلام ) , وكان يومئذ بمصر , فلمّا غلب عليه الوجد والغرام لحرث قبر الإمام (عليه‌السلام ) , خرج من مصر ماشياً هائماً على وجهه شاكياً وجده إلى ربّه ، وبقي حزيناً كئيباً حتّى بلغ الكوفة وكان البهلول يومئذ بالكوفة , فلقيه زيد المجنون وسلّم عليه فردّعليه‌السلام , فقال له البهلول : من أين لك معرفتي ولم ترني قط ؟ فقال زيد : يا هذا , اعلم أنّ قلوب المؤمنين جنود مجنّدة , ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.

فقال له البهلول : يا زيد , ما الذي أخرجك من بلادك بغير دابّة ولا مركب ؟ فقال : والله , ما خرجت إلّا من شدّة وجدي وحزني , وقد بلغني أنّ هذا اللعين أمر بحرث قبر الحُسين (عليه‌السلام ) وخراب بنيانه وقتل زوّاره ، فهذا الذي أخرجني من موطني ونغّص عيشي , وأجرى دموعي وأقلّ هجوعي. فقال البهلول : وأنا والله كذلك. فقال له : قم بنا نمضي إلى كربلاء لنشاهد قبور أولاد عليّ الـمُرتضى.

قال : فأخذ كلّ بيد صاحبه حتّى وصلا إلى قبر الحُسين , وإذا هو على حاله لم يتغيّر وقد هدموا بنيانه ، وكلّما أجروا عليه الماء , غار وحار واستدار بقدرة العزيز الجبّار ، ولم يصل قطرة واحدة إلى قبر الحُسين (عليه‌السلام ) , وكان القبر الشّريف إذا جاءه الماء , ترتفع أرضه بإذن الله تعالى ، فتعجّب زيد المجنون مما شاهده , وقال : انظر يا بهلول( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (١) . قال : ولم يزل المتوكل يأمر بحرث قبر الحُسين مدّة عشرين سنة ، والقبر على حاله لم يتغير ولا تعلوه قطرة من الماء ، فلمّا نظر الحارث إلى ذلك، قال : آمنت بالله وبمُحمّد رسول الله ، والله , لاهربنّ على وجهي وأهيم في البراري ولا أحرث قبر الحُسين ابن بنت رسول الله ، وإنّ لي مدّة عشرين سنة أنظر آيات الله وأشاهد براهين آل بيت رسول الله ، ولا اتعظ ولا اعتبر. ثمّ أنّه حلّ الثّيران وطرح الفدان وأقبل يمشي نحو زيد المجنون وقال له : من أين أقبلت يا شيخ ؟ قال : من مصر. فقال له : ولأيّ شيء جئت إلى هُنا وإنّي أخشى عليك من القتل , فبكى زيد وقال : والله قد بلغني حرث قبر الحُسين (عليه‌السلام ) , فأحزنني ذلك وهيّج حزني ووجدي. فانكبّ الحارث على أقدام زيد يقبّلهما , وهو يقول : فداك أبي واُمّي ! فو الله يا شيخ , من حين ما أقبلت إليّ , أقبلت إليّ الرّحمة واستنار قلبي بنور

____________________

(١) سورة التّوبة / ٣٢.

١١٣

الله , وإنّي آمنت بالله ورسوله , وإنّ لي مدّة عشرين سنة وأنا أحرث هذه الأرض ، وكلّما أجريت الماء إلى قبر الحُسين , غار وحار واستدار ولم تصل إلى قبر الحُسين منه قطرة ، وكأنّي كنت في سكر وأفقت الآن ببركة قدومك إليّ. فبكى زيد وتمثّل بهذه الأبيات :

تالله إن كانت أمية قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثله

هذا لعمرك قبره مهدوما

اسفوا على أن لا يكونوا شاركوا

في قتله فتتبعوه رميما

فبكي الحارث وقال : يا زيد , قد أيقظتني من رقدتي وأرشدتني من غفلتي , وها أنا الآن ماض إلى المتوكل بسر من رأى أعرّفه بصورة الحال , إن شاء أن يقتلني وإن شاء يتركني. فقال له زيد : وأنا أيضاً أسير معك إليه وأساعدك على ذلك. قال : فلمّا دخل الحارث إلى المتوكل وأخبره بما شاهد من برهان قبر الحُسين (عليه‌السلام ) , استشاط غيظاً وازداد بغضاً لأهل بيت رسول الله , وأمر بقتل الحارث , وأمر أن يشد حبل في رجليه ويسحب على وجهه في الأسواق ، ثمّ يُصلب في مجتمع النّاس ؛ ليكون عبرة لِمَن اعتبر ، ولا يبقى أحد يذكر أهل البيت بخير أبداً.

أمّا زيد المجنون فإنّه ازداد حزنه واشتدّ عزاؤه وطال بكاؤه ، وصبر حتّى انزلوه من الصّلب وألقوه على مزبلة هُناك ، فجاء إليه زيد فاحتمله إلى دجلة وغسّله وكفّنه وصلّى عليه ودفنه ، وبقي ثلاثة أيّام لا يفارق قبره وهو يتلو كتاب الله عنده ، فبينما هو ذات يوم جالس , إذ سمع صراخاً عالياً ونوحاً شجياً وبكاء عظيماً , ونساء بكثرة منشرات الشّعور مشققات الجيوب مسودّات الوجوه ، ورجالاً بكثرة يندبون بالويل والثّبور , والنّاس كافّة في اضطراب شديد , وإذا بجنازة محمولة على أعناق الرّجال وقد نشرت لها الأعلام والرّايات , والنّاس من حولها أفواجاً قد انسدّت الطّرق من الرّجال والنّساء ، قال زيد : فظننت أنّ المتوكل قد مات. فتقدّمت إلى رجل منهم وقلت له : مَن يكون هذا الميت ؟ فقال : هذه جنازة جارية المتوكل , وهي جارية سوداء حبشية وكان اسمها ريحانة ، وكان يحبّها حبّاً شديداً. ثمّ إنّهم عملوا لها شأناً عظيماً , ودفنوها في قبر جديد وفرشوا فيه الورد والرّياحين والمسك والعنبر , وبنوا عليها قبّة عالية ، فلمّا نظر زيد إلى ذلك , ازدادت

١١٤

أشجانه وتصاعدت نيرانه , وجعل يلطم وجهه ويمزّق أطماره , وحثى التّراب على رأسه وهو يقول : وا ويلاه ! وا أسفاه عليك يا حُسين ! أتقتل بالطّفّ غريباً وحيداً ظمآناً شهيداً ، وتُسبى نساؤك وبناتك وعيالك وتُذبح أطفالك , ولم يبك عليك أحد من النّاس , وتُدفن بغير غسل ولا كفن , ويُحرث بعد ذلك قبرك ؛ ليطفئوا نورك وأنت ابن عليّ الـمُرتضى وابن فاطمة الزّهراء , ويكون هذا الشّأن العظيم لموت جارية سوداء , ولم يكن الحزن والبكا لابن مُحمّد الـمُصطفى.

قال : ولم يزل يبكي وينوح حتّى غشي عليه والنّاس كافّة ينظرون إليه ، فمنهم من رقّ له ومنهم من جثى عليه , فلمّا أفاق من غشوته ، أنشأ يقول :

أيحرث بالطف قبر الحُسين

ويعمر قبر بني الزانية

لعل الزمان بهم قد يعود

ويأتي بدولتهم ثانية

ألا لعن الله أهل الفساد

ومن يأمن الدنية الفانية

قال : ثمّ إنّ زيداً كتب هذه الأبيات في ورقة وسلّمها لبعض حجّاب المتوكل , قال : فلمّا قرأها , اشتدّ غيظه وأمر باحضاره , فاُحضر , وجرى بينهما من الوعظ والتّوبيخ ما أغاظه حتّى أمر بقتله ، فلمّا مثل بين يديه , سأله عن أبي تراب : مَن هو ؟ استحقاراً له ، فقال : والله , إنّك عارف به وبفضله وشرفه وحسبه ونسبه ، فوالله , ما يجحد فضله إلا كلّ كافر مرتاب ولا يبغضه إلا كلّ منافق كذّاب. وشرع يعدّد فضله ومناقبه , حتّى ذكر منها ما أغاظ المتوكل , فأمر بحبسه فُحبس , فلمّا أسدل الظّلام وهجع ، جاء إلى المتوكل هاتف ورفسه برجله ، وقال له : قُم وأخرج زيداً وإلاّ أهلكك الله عاجلاً. فقام هو بنفسه وأخرج زيداً من حبسه وخلع عليه خلعة سنية , وقال له : اطلب ما تريد. قال : أريد عمارة قبر الحُسين وأن لا يتعرض أحد بزوّاره. فأمر له بذلك ، فخرج من عنده فرحاً مسروراً , وجعل يدور في البلدان وهو يقول : مَن أراد زيارة قبر الحُسين , فله الأمان طول الأزمان.

وعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون ، ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان والأشجان , فنظم وقال فيهم :

١١٥

القصيدة للشيخ مُحمّد بن السّمين (رحمه‌الله )

أيعذب من ورد الجفاء ورود

أيزهر من ورد الوفاء ورود

وينبع من غرس الوداد ثمارها

ويورق من غصن المودة عود

فيا من بدا ذا الود بالصد والجفا

أيحمل من بعد الوصال صدود

فإن تبخلوا بالوصل إنّي مواصل

وبالنفس إن ضن الجواد أجود

وإن عدتم يوماً بما قد بدأتم

من الغدر إنّي بالوفاء أعود

وحبل ذمامي لا تحل عقوده

إذا حل من حبل الذمام عقود

وإن نقضوا عهد الوداد فإنني

مراع لأسباب الوداد ودود

وما حال حال العهد عما عهدتم

وإن رث عقد العهد فهو جديد

وما كادني أمر يكيد احتماله

ولكما نقض العهود يكيد

ولا بدع إن أبدعتم نقض عهدكم

فقد نقضت لابن النّبي عهود

فكم تنقض الأرجاس عهداً وعقده

وثيق على كل العباد وكيد

وقد جاءه تترى صحائف جمة

كأوجههم عند التوجه سود

يقولون إن الضد باد وفي غد

له في لظى بعد الدخول خلود

ونحن بلا وال وأنت ولينا

وأولى بنا منا ونحن عبيد

فسر قصدنا قصداً فلا زلت مقصداً

فقصدك في كل الأمور حميد

فإن لم تسر فارسل من الآل سيداً

فأنت لسادات الأنام عميد

فأرسل سهماً من كنانة آل

مصيباً لدفع النائبات عتيد

فبايعه منهم ألوف تألفت

عليه ولا يحصى لهن عديد

فلم يأتي إلّا الليل حتّى تخاذلوا

وبان لهم بعد الوفاء صدود

وألقوه مذ ألقوه قد جاء رائداً

لمرعى يولي في الصدور بزود

عتواً من القصر المشيد مبوءاً

له قصر در في الجنان مشيد

ففرق جند الحق من بعد قتله

وجمع من جند الضلال جنود

لها ابن زياد مرسل ومجهز

وأما ابن سعد للجنود يقود

إلى حرب مولانا الحُسين وآله

تسارع منهم قائد ومقود

طبولهم في الخافقين خوافق

وتخفق رايات لهم وبنود

١١٦

يذاد عن الماء المباح وقد غدا

لجل عباد الله منه ورود

ويمنعه من ورده ووروده

كفور لآلاء الإله كنود

ولست بناس قوله حال ما بدا

يخاطبهم بالطف ثمّ يعيد

يقول وقد أبدأ مقالة معذر

ويعلم أن القول ليس يفيد

إلى سبل فيها الهداية فاعدلوا

وعن طريق فيها الضلالة حيدوا

ولا تكحلوا الأبصار بالبغي أعيناً

مراضاً بأميال العتو ثمود

وكونوا أناساً أصلحوا ذات بينهم

وآرائهم في ابن النّبي سديد

ألم تعلموا إنّي الإمام عليكم

وإني لله الشهيد شهيد

وإن لنا حكم المعاد وامره

يؤول إلينا والحساب يعود

وإن أبي يسقي على الحوض معشراً

ويطرد عنه معشراً ويذود

ولولاه لم يخضر للدين عوده

ولا قام للإسلام قط عميد

وقد قلت هذا القول والله عالم

وقاض به والعالمون شهود

فقالوا علمنا ما تقول فلا تزد

فقولك هذا ما عليه مزيد

ولكنما انفاذ أمر أميرنا

يزيد له دون الأنام نريد

نريد بأن تأتي يزيد مبائعاً

فرشدك أن تأتي يزيد نريد

فقال وللعين المبرح في الحشا

كلام وفي القلب الكليم وقود

سلام على الإسلام بعد رعاته

إذا كان راعي المسلمين يزيد

وكيف وأبناء الكرام بذلة

تسام وأبناء اللئام تسود

وآب إلى أنصاره يطلب الرجا

ويوعد إذ حقت لديه وعود

يقول ابشروا فالقول من بعد هذه

مهد وعيش في الجنان رغيد

وحور حسان ما لهن مناظر

يضاهي وفي دار الخلود خلود

وباتوا ومنهم ذاكر ومسبح

وراع ومنهم ركع وسجود

فمذ بزغت شمس الهياج مضيئة

بأفق سماء البغي وهو مديد

به النقع غيم والبروق بوارق

به الويل نبل والصراخ وعود

دعاهم فثابوا للثواب تسابقاً

إلى الموت إذ فيه الحياة تعود

حفو حفيفاً مقدمين كأنهم

ليوث الشرى عند اللقاء أسود

١١٧

فأورد كل نفسه مورداً له

صدور ومن بعد الصدور ورود

إلى أن تفانوا واحد بعد واحد

لديهم فمنهم قائم وحصيد

وظل بأرض الطف فرداً وحوله

لآل زياد عدة وعديد

وتنظره شزراً من السمر والقنا

نواظر إلّا أنهن حديد

ينادي أما من مسلم ذي حمية

يحامي وعن آل الرسول يذود

أما من شهاب ثاقب يحرق العدا

بنار فشيطان الطغاة عنيد

أما من نصير ينصر الفرد نصرة

لينصر يوم الجمع وهو فريد

أما واحد يأتي الوحيد موصلاً

ليوصل يوم الفصل وهو وحيد

أما جابر يأتي مجيراً ويجيره

إذا حق في يوم الوعيد وعيد

أما من شقي والنفوس تخوفه

توافيه إن وافى لدي سعود

أما أكمه في ليل غي فإن وفي

أرى الفخر فخر الرشيد وهو رشيد

أما فاسد رأياً إذا آب ناصراً

يبلج وجه الرأي وهو سديد

فلما رمى عن قوس حقد بأسهم

حداد وكل للجلاد مريد

ثنى صده قصد الخيام مودعاً

لهم موصياً بالثبر وهو حميد

يقول اصبروا فالله جلّ جلاله

يوف لأجر الصابرين مزيد

وصبراً جميلاً آل بيت مُحمّد

فمجدكم والفضل ليس يبيد

إذا مات منا سيّد قام سيّد

رقيب على كل الأنام شهيد

وبعد فزين العابدين خليفتي

على من له في ذا الوجود وجود

واستودع الرحمن ولدي وعترتي

ومن جاء منهم والد ووليد

وألوى على جيش العداة بعزمه

تكاد لها شم الجبال تميد

ففر العدى من بأسه خيفة الردى

كما فر من بأس الأسود صيود

فغادرهم صرعى لديه ومنهم

جريح تولى هارباً وطريد

فمذ حان حين أرسل القوم اسهما

أصيب بها نحر له ووريد

هوى ثاوياً فوق الثرى ومحله

له فوق آفاق السّماء صعود

وظل صريعاً بالطفوف ونفسه

بها من سياق الموت وهو يجود

إلى أن قصى نحباً وعهداً وموعداً

به جاء من سر النّبي وعود

١١٨

تقي نقي طاهر ، طاهر الوفا

وفي مجيد في الفعال حميد

ولما غدا الحر الجواد وسرجه

خلى وللحر الجواد فقيد

برزن نساء الهاشميات حسراً

عليهن من نسج الثكول برود

توادين يخدشن الوجوه تفجعاً

وتلطم بالأيدي لهن خدود

وفاطمة الصغرى تعانق اختها

سكينة خوف السبي وهو مكيد

وزينب ما بين النساء وقلبها

قريح وبالأحزان فهو كميد

تقول وللأحزان في القلب مبدع

ومبد لأسرار الهموم معيد

أخي يابن أمي يا شقيقي وسيدي

ومن لي من دون الأنام عميد

عليك جفوني الذاريات ذوارف

وأما دموعي المرسلات تجود

أخي مهجة الإسلام مقضي كآبة

ومتن الهدى قد قدّ وهو عميد

أخي ثل عرش الدين وانهد ركنه

وعطل منه إذا أصبت حدود

أخي من يلئم الشمل بعد شتاته

ومن لبناء المكرمات يشيد

أخي من ترى للجود والندى

إذا سار وفد أو أقام وفود

فأنت لمن يبغي الوفادة والجدي

بأنفس ما يسخو المفيد تفيد

وإن أجدبت أرض فأنت ربيعها

وإن ضن صوب المزن أنت مجيد

وكل مصاب جاء بعدك هين

وما هان في هذا المصاب شديد

فيا شيعة المختار نوحوا لمصرع

الشهيد وبالدمع الغزير فجودوا

تطأه خيول المجريات تجبراً

ويسفي عليه بعد ذاك صعيد

وآل رسول الله يشهرن في الملأ

وآل ابن هند في الخدور رقود

يسار بآل الـمُصطفى فوق ضمر

وترفعهم بيد وتخفض بيد

ورأس إمام السبط في رأس ذابل

طويل على رأس السنان يميد

وينكثه بالخيزران شماتة

به وسروراً كافر وعنيد

ويؤتى بزين العابدين مصفداً

وفي قدميه للحديد حدود

فقوموا بأعباء العزاء فإنه

جليل وأما غيره فزهيد

لأي مصاب يذرف الشأن ماءه

وتقضى نفوس أو تفت كبود

لأعظم من هذا المصاب وخطبه

عظيم على أهل السّماء شديد

١١٩

مصاب له في كل قلب مصيبة

سهام لحبات القلوب تبيد

وللهم هم والرزايا رزية

وللحزن حزن زائد ويزيد

إليكم يا بني الزّهراء يا من سمت بهم

إلى المجد آباء لهم وجدود

أوجه وجه المدح منّي لأنه

قلائد في جيد العلى وعقود

لأني لكم عبد محب وحبه

قديم فمنه طارف وتليد

وما قدر مدح قاله في علاكم

ومدحكم في المحكمات عتيد

ولكن يسر الأولياء استماعه

ويكبت أعداء لكم وحسود

فيا من هم فلك النجاة ومن هم

هداة وغوث في الأنام وجود

فمذ كان بدء الفضل منكم تفضلوا

وجودوا على نجل السمين وعودوا

فأنتم له ذخر إذا جاء في غد

ومع كل نفس سائق وشهيد

عليكم سلام الله حيث ثناؤكم

حكى نشره ند يضوع وعود

وحيث بكم هبت نسيم ونسمت

هبوب وللعيدان رنح عود

وأزهر من زهر البروج زواهر

وورد من زهر المروج ورود

١٢٠