المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ٢

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)0%

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 272

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

مؤلف: الإمام الكبير والـمُصنّف الشّهير الشّيخ فخر الدّين الطريحي النّجفي
تصنيف:

الصفحات: 272
المشاهدات: 32073
تحميل: 4352


توضيحات:

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 272 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32073 / تحميل: 4352
الحجم الحجم الحجم
المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 2

مؤلف:
العربية

وتنوح عليهم المطايا والكرامات , لقد هدموا بقتلهم الدّين المتين , وأذلوا بمصابهم رقاب المؤمنين , وأغضبوا بغضبهم ربّ العالمين والملائكة المقرّبين أجمعين :( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) . فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون, أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان, فنظم وقال فيهم :

القصيدة لابن السّمين (رحمه ‌الله تعا لى)

كيف أخفي وجدي واكتم شأني

ودموعي تسيح من سحب شأني

وفؤادي لا يستنفيق غراماً

وهيامي لشدة الخفقان

وجفوني جفون طيب رقادي

واصطباري نأي ووجدي دان

فلو جدّي أبرزت من طي فكري

ناشرات الهموم والأحزان

ولوجدي شخصان عيني قالا

حين سحت سحائب الأجفان

لست ممن تخشى خف الله فينا

نحن في لجة البكا غرقان

قال إقرأ أو لا تقرأ فعذري

قد بدا واضحاً فلا تعذراني

كف صبري على الحُسين ومولاي

حسين رمى بسهم الهوان

من أكف البغاة آل زياد

وذوي البغي آل أبي سفيان

فوقوا نحوه ينال عناد

ورموه بأسهم العدوان

نبذوا عهده وأبدوا جهاراً

كل خاف من كامن الأضغان

كيف أنساه بالطفوف فريداً

بعد فقد الأنصار والأعوان

وينادي هل ذايد هل نصير

ينصر الطهر من بني عدنان

ويلكم ما علمتم أن جدّي

دينه الـمُرتضى من الأديان

ويلكم ما سمعتم أي قول

جاء فينا في محكم القرآن

فأجاب النداء غير معين

ورماه بنبل حرب عوان

قتلوه ظلماً وبغياً وعدواً

وانتهاكاً لحرمة الرحمن

ثم رضوا الصدر الشريف عناداً

بخيول العصيان والطغيان

ثم حز الكريم واحتزّ هام

الآل أهل الالحاد والكفران

وتولوا سلب النسا وإلهاب

خباه بمضرم النيران

____________________

(١) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

١٤١

ثم ساروا برأسه والسبايا

تتهادى بذلة وهوان

حيث وافوا يزيد زاد سروراً

ثمّ أبدى مسرة الجذلان

قائلاً ارجعوا فلسنا نبالي

حيث نلنا أمالنا والأماني

ثم ردوا الكريم أزهر في الأفق

ضياء من نوره النيران

فادكارى رد الكريم شجاني

وعويل الرجال والنسوان

حين وافوا من الشآم ولا قوا

جابراً زائراً لتلك المغاني

فأقاموا له عزاً يقرح القلب

ويبدي كواً من الأشجان

آه لهفي لزينب تندب السبط

وتذري مدامع الأجفان

وتنادي بلوعة واكتئاب

وجفون عبرى وقلب عان

أين من يسعد النوائح بالنوح

ويرثو الفاقد الولهان

أين من وجدّه كوجدي وشجوي

حيث يشجي فؤاده ما شجاني

أين من قلبه كقلبي المعنى

لعياني من العنا ما عناني

أين من يندب المصارع بالطف

ومثوى الكهول والشبان

أين من يعرف المودة للقربى

بنص النّبي والقرآن

أين أهل الوفا وأهل التأسي

ليسوا بالهم والأحزان

أين من يندب الوحيد من الناصر

يشكو من قلة الأعوان

أين من يندب الحُسين ويذري

من مآقي شونة ما شآن

أين من يندب الإمام إمام

الخلق طراً من أنسها والجان

أين من يندب الشجاع المحامي

عن حمى الدين فارس الفرسان

ومفيد العفاة يوم طعام

ومبيد العراة يوم طعان

وكمال الورى وزين البرايا

وجمال الأقران والإخوان

اين من يندب الحماة حماة

الدين أهل المعروف والإحسان

وبدوراً غابوا فلسنا نراهم

في سماء السّماء والجنان

أين من يندب الكريم كريم سبط

يسمو على سنان سنان

ويزيد اللعين ينكث منه

ثغره الجوهري بالخيزران

أين من يندب النساء عرايا

وسبايا يدرن في البلدان

١٤٢

ظلمونا فويل من ظلم الآل

ولم يخش سطوة الرحمن

يوم يجثو الحُسين بين يد الله

وما رأسه على الجثمان

وتراه البتول وهو بلا رأس

فتبدي الأشجان عند العيان

فتنادي يا رب هذا حسين

قتلوه الأعداء بالعدوان

فانتصف لي من الظلوم وخذ لي

يا إلهي من كل قاص وداني

عندها يغضب الإله فتأتي

هبهب تلقط الظلوم الجاني

يا بني الـمُصطفى سموتم محلاً

سامياً في المكان والإمكان

أنتم منهج المحجة في الدين

ونهج الإرشاد والإيمان

وجمال لأوجه الدهر يبدو

كل شخص منكم جمال زمان

وجرى ماء حبكم ذوي الإيمان

مجرى الأرواح في الأبدان

فهو نجوى لمن أراد نجاة

من ولاكم وسر علم البيان

فلهذا نجل السمين مواليه

أراد البيان بعد المعاني

ثم أهدى إليك در نظام

وعقوداً يفقن نظم الجمان

يتولاكم بوجه ويبدي

بوجوه من المديح حسان

مدح تبهج الولي سروراً

وتهيج العداوة بالأحزان

فعليكم من السلام سلام

كل آن وساعة وزمان

١٤٣

المجلس السّابع

من الجزء الثّاني في الليلة التّاسعة من عشر الـمُحرّم

وفيه أبواب ثلاثة

الباب الأوّل

أيّها المؤمنون الأتقياء العارفون , أما تحبّون أن يرجح لكلّ واحد منكم ميزانه ؟ أما تريدون أن يعطى كلّ واحد منكم على حزنه ثواباً جزيلاً وثناء جميلاً ؟ أما بلغكم عن الفصيح النّاطق الإمام الصّادق (عليه‌السلام ) , أنّه قال : (( نفس المهموم المحزون لنا تسبيح , وحزنه لمصابنا عبادة , وكتمان سرّنا عنده جهاد في سبيل الله , ونوحه على مصابنا أفضل العبادة , وبكائه على ما أصابنا من أعدائنا تمحيص لذنوبه ؟ )). وإذا كان الحال هذه , فينبغي للمؤمن أن يتجلبب أشجانه ويلبس شعار وجده وأحزانه , فإنّ الرّقة على الآل من أحسن الأحوال وأكملها عند ذي الجلال , كما جاءت به الرّواية عن الصّادق حيث قال : (( إنّ إكمال المؤمنين أحسنهم خُلقاً وأكثرهم رقّة علينا أهل البيت , وأشدّهم حبّاً لنا وأكثرهم حزناً علينا وأكثرهم مودّة لنا )).

فيا إخواني , محبّتهم من النّار تقيكم وولايتهم عند كلّ كريهة حتّى الموت تكفيكم ، كما ورد بذلك الخبر عن الصّادق (عليه‌السلام ) , حيث قال : (( مرض مؤمن صالح فافتقده سلمان الفارسي , فقال : أين صاحبنا فلان ؟ فقيل له : إنّه مريض. قال : امشوا بنا إليه لنعوده. فقاموا معه جميعاً , فدخلوا عليه فوجدوه في حال النّزع وهو يجود بنفسه , فبكى سلمان وقال: يا ملك الموت , ارفق بولي أهل البيت. فقال له ملك الموت بلسان فصيح يسمعه مَن حضر : يا عبد الله , اعلم أنّي لرقيق بالمؤمنين ولو ظهرت لك. فتعجّب الحاضرون من هذا الكلام ولم يروا المتكلّم )). وإذا كان الأمر

١٤٤

كذلك , فكيف لا ننوح على أولاد مُحمّد الـمُصطفى وعليّ الـمُرتضى وفاطمة البتول الزّهراء ؟ ويلهم تواثبوا عليهم جهراً فقتلوهم وعن شرب الماء منعوهم كأنّهم ما عرفوهم , فتبّاً لهم ما أجرأهم على انتهاك حُرمة الرّسول وتقريح كبد الزّهراء البتول , فكأنّهم نسوا المعاد إلى ربّ العباد.

القصيدة للصاحب بن عباد (رحمه‌الله )

عيني جودي على الشهيد القتيل

واتركي الخد كالمحل المحل

كيف يشفي البكاء في قتل مولاي

إمام التنزيل والتأويل

قاتلوا الله والنبي ومولاهم علياً

إذ قاتلوا ابن الرسول

فجعوه من غدرهم برضيع

هل سمعتم بمر ضع مقتول

ثم لم يشفهم سوى قتل نفس

هي نفس التكبير والتهليل

هي نفس الحُسين نفس رسول الله

نفس الوصي نفس البتول

ذبحوه ذبح الأضاحي فيا قلب

تصدع على الغريب الذليل

نُقل : أنّه لـمّا وصل الحُسين (عليه‌السلام ) في مسيره إلى الكوفة إلى منزل اسمه سوق ، جلس (عليه‌السلام ) ناحية عن النّاس , وإذا برجل قد قدم من الكوفة , فسأله الحُسين (عليه‌السلام ) وقال : (( ما الخبر ؟ )). فقال : يا سيّدي , ما خرجت من الكوفة حتّى رأيت هانياً ومُسلماً بن عقيل مقتولين وبُعث برأسيهما إلى يزيد. فقال الحُسين (عليه‌السلام ) : (( إنّا لله وإنّا إليه راجعون )). وسار الرّجل ولم يعلم به أحد من أصحابه.

قال : وكان لـمُسلم بنت عمرها إحدى عشرة سنة مع الحُسين (عليه‌السلام ) , فلمّا قام الحُسين من مجلسه , جاء إلى الخيمة فعزّز البنت وقرّبها من منزله , فحسّت البنت بالشّر ؛ لأنّ (عليه‌السلام ) كان قد مسح على رأسها وناصيتها كما يُفعل بالأيتام , فقالت : يا عم , ما رأيتك قبل هذا اليوم تفعل بي مثل ذلك ؟! أظنّ أنّه قد استشهد والدي ؟ فلم يتمالك الحُسين (عليه‌السلام ) من البكاء , وقال : (( يا ابنتي , أنا أبوك وبناتي أخواتك )). فصاحت ونادت بالويل , فسمع أولاد مُسلم ذلك الكلام وتنفّسوا الصّعداء , وبكوا بكاءاً شديداً ورموا بعمائمهم إلى الأرض.

قال : لـمّا تأمّل الحُسين (عليه‌السلام ) هذا الحال وقُتل مُسلم , وأنّ أهل الكوفة هُم الذين أعانوا على قتل أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) ونهب الحسن وضربه بالخنجر على

١٤٥

فخذه , فبكى بكاءاً شديداً حتّى اخضلت لحيته بالدّموع.

ونُقل أيضاً : لـمّا آل أمر الحُسين إلى القتال بكربلاء وقُتل جميع أصحابه , ووقعت النّوبة على أولاد أخيه , جاء القاسم بن الحسن وقال : يا عم , الإجازة لأمضي إلى هؤلاء الكفرة. فقال له الحُسين : (( يابن الأخ , أنت من أخي علامة وأريد أن تبقى ؛ لأتسلّى بك )). ولم يعطه إجازة للبراز , فجلس مهموماً مغموماً باكي العين حزين القلب , وأجاز الحُسين إخوته للبراز ولم يجزه , فجلس القاسم متألّماً ووضع رأسه على رجليه.

وذُكر : أنّ أباه قد ربط له عوذة في كتفه الأيمن ، وقال له : (( إذا أصابك ألم وهمّ , فعليك بحلّ العوذة وقراءتها وفهم معناها , واعمل بكلّ ما تراه مكتوباً فيها )). فقال القاسم لنفسه : مضى سنين عليّ ولم يصبني من مثل هذا الألم. فحلّ العوذة وفضّها ونظر إلى كتابتها , وإذا فيها : (( يا ولدي قاسم , أوصيك إنّك إذا رأيت عمّك الحُسين (عليه‌السلام ) في كربلاء وقد أحاطت به الأعداء , فلا تترك البراز والجهاد لأعداء رسول الله ولا تبخل عليه بروحك , وكلّما نهاك عن البراز , عاوده ليأذن لك في البراز ؛ لتحضى في السّعادة الأبدية )).

فقام القاسم من ساعته وأتى إلى الحُسين (عليه‌السلام ) وعرض ما كتب الحسن على عمّه الحُسين , فلمّا قرأ الحُسين العوذة , بكى بكاءاً شديداً ونادى بالويل والثّبور وتنفّس الصّعداء , وقال : (( يابن الأخ , هذه الوصية لك من أبيك , وعندي وصية اُخرى منه لك , ولا بدّ من إنفاذها )). فمسك الحُسين (عليه‌السلام ) على يد القاسم وأدخله الخيمة وطلب عوناً وعبّاساً وقال لاُمّ القاسم : (( ليس للقاسم ثياب جدد ؟ )). قالت : لا. فقال لأخته زينب : (( ايتيني بالصّندوق )). فأتته به ووضع بين يديه , ففتحه وأخرج منه قباء الحسن وألبسه القاسم , ولفّ على رأسه عمامة الحسن , ومسك بيد ابنته التي كانت مُسمّاة للقاسم , فعقد له عليها , وأفرد له خيمة , وأخذ بيد البنت ووضعها بيد القاسم وخرج عنهما , فعاد القاسم ينظر إلى ابنة عمّه ويبكي إلى أن سمع الأعداء يقولون : هل من مبارز ؟ فرمى بيد زوجته وأراد الخروج وهي تقول له : ما يخطر ببالك وما الذي تريد أن تفعله ؟ قال لها : أريد ملاقاة الأعداء , فإنّهم يطلبون البراز وأنّي أريد ملاقاتهم. فلزمته ابنة عمّه , فقال لها : خلّي ذيلي , فإنّ عرسنا أخّرناه إلى الآخرة. فصاحت وناحت وأنّت من قلب حزين , ودموعها جارية على خدّيها وهي تقول : يا قاسم , أنت تقول عرسنا أخّرناه إلى الآخرة , وفي القيامة بأيّ شيء أعرفك وفي أيّ

١٤٦

مكان أراك ؟ فمسك القاسم يده وضربها على ردنه وقطعها , وقال : يا بنة العم , اعرفيني بهذه الرّدن المقطوعة. قال : فانفجع أهل البيت بالبكاء لفعل القاسم , وبكوا بكاءاً شديداً ونادوا بالويل والثّبور.

قال مَن روى : فلمّا رأى الحُسين أنّ القاسم يريد البراز , قال له : (( يا ولدي , أتمشي برجلك إلى الموت ؟ )). قال : وكيف يا عم وأنت بين الأعداء وحيداً فريداً لم تجد محامياً ولا صديقاً ؟ روحي لروحك الفداء ونفسي لنفسك الوقاء ! ثمّ إنّ الحُسين (عليه‌السلام ) شقّ أزياق القاسم وقطع عمامته نصفين ثمّ أدلاها على وجهه ، ثمّ ألبسه ثيابه بصورة الكفن وشدّ سيفه بوسط القاسم وأرسله إلى المعركة , ثمّ إنّ القاسم قدم إلى عمر بن سعد ، وقال : يا عمر , أما تخاف الله أما تراقب الله يا أعمى القلب ؟ أما تراعي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؟ فقال عمر بن سعد : أما كفاكم التّجبّر , أم تطيعون يزيد ؟ فقال القاسم : لا جزاك الله خيراً , تدّعي الإسلام وآل رسول الله عطاشا ظمآ.

قد اسودّت الدُنيا باعينهم , فوقف هنيهة فما رأى أحداً يقدم إليه , فرجع إلى الخيمة فسمع صوت ابنة عمّه تبكي , فقال لها : ها أنا جئتك. فنهضت قائمة على قدميها وقالت : مرحباً بالعزيز , الحمد لله الذي أراني وجهك قبل الموت. فنزل القاسم في الخيمة وقال : يا بنت العم , مالي اصطبار أن أجلس معك والكفّار يطلبون البراز. فودّعها وخرج وركب جواده وحماه في حومة الميدان ، ثمّ طلب المبارزة , فجاء إليه رجل يُعدّ بألف فارس , فقتله القاسم وكان له أربعة أولاد مقتولين , فضرب القاسم فرسه بسوط وعاد يقتل بالفرسان إلى أن ضعفت قوّته , فهمّ بالرّجوع إلى الخيمة , وإذا بالأزرق الشّامي قد قطع عليه الطّريق وعارضه , فضربه القاسم على اُمّ رأسه فقتله , وسار القاسم إلى الحُسين وقال : يا عمّاه ! العطش العطش أدركني بشربة من الماء ! فصبّره الحُسين وأعطاه خاتمه وقال : (( حطه في فمك ومصه )).

قال القاسم : فلمّا وضعته في فمي , كأنّه عين ماء فارتويت وانقلبت إلى الميدان. ثمّ جعل همّته على حامل اللوى وأراد قتله , فاحتاطوا به بالنّبل , فوقع القاسم على الأرض , فضربه شيبة بن سعد الشّامي بالرّمح على ظهره فأخرجه من صدره , فوقع القاسم يخور بدمه ونادى : يا عم أدركني ! فجاءه الحُسين (عليه‌السلام ) وقتل قاتله , وحمل القاسم إلى الخيمة فوضعه فيها , ففتح القاسم عينه فرأى الحُسين قد احتضنه وهو يبكي ويقول : (( يا ولدي لعن الله

١٤٧

قاتليك , يعزّ والله على عمّك أن تدعوه وأنت مقتول. يا بني , قتلوك الكفّار كأنّهم ما عرفوا مَن جدّك وأبوك )). ثمّ إنّ الحُسين (عليه‌السلام ) بكى بكاءاً شديداً , وجعلت ابنة عمّه تبكي وجميع مَن كان منهم ؛ لطموا الخدود وشقّوا الجيوب ونادوا بالويل والثّبور وعظائم الأمور.

فيا إخواني , اكثروا النّوح وجدّدوا الأحزان على ما جرى على سادات الزّمان. فوا حزناه لما أصاب أهل بيت الرّسول وبني الزّهراء البتول من الأشقياء النّغول ! فتبّاً لهم فيما فعلوه وتعساً لهم فيما تحمّلوه ! فبأيّ شيء يتعللون حين يسئلون ؟ وبم يجيبون حين يستنطقون ؟ كلا , والله ليس لهم جواب مانع ولا خطاب دافع , وسيردّون إلى العذاب الأليم والعقاب الجسيم ، وعلى الأطائب من أهل البيت فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان فتتابعت عليه الأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ مُحمّد السّبيعي (رحمه ‌الله تعالى )

مشيب تولى للشباب وأقبلا

نذيراً لمن امسى وأضحى مغفلاً

يرى الناس منهم ظاعن أثر ظاعن

فظن سواه الطاعن المتحملا

ترحلت الجيران عنه إلى البلا

وما رحل الجيران إلّا ليرحلا

ولكنه لـمّا مضى العمر ضائعاً

بكى عمره الماضي فحن وأعولا

تذكر ما افنى الزمان شبابه

فبات يسح الدمع في الخد مسبلا

ولم يبك من فقد الشباب وإنما

بكى ما جناه ضارعاً متنصلا

تصرمت اللذات عنه وخلفت

ذنوباً غداً من أجلها متوجلا

حنانيك يا من عاش خمسين حجّة

وخمساً ولم يعدل عن الشر مغدلا

وليس له في الخير مثقال ذرة

وكم ألف مثقال من الشر حصلا

وقد جاءه في الذرتين كفاته

إذا ما تلي في محكم الذكر منزلا

أعاتب نفسي في الخلا ولم يفد

عتابي على ما فات في زمن خلا

فيا ليت إنّي قبل ما قد جنت يدي

على نفسها لاقيت حتفاً معجلا

ويا ليت إنّي كنت في الوحش هاملاً

ولم أك للطاعات في العمر مهملا

ويا ليت أمي لا غدت حاملاً بمن

غدا حاملاً وزراً يوازن أجيلا

١٤٨

ويا ليت شعري هل تفيد ندامتي

على ما به أمسى وأضحى مثقلاً

عذيري من الذنب الذي صار موجباً

عذاب إلهي عاجلاً ومؤجلاً

يدي قد جنت يا صبي على يدي

ونفسي لنفسي حرت العذل فاعذلا

ولا تعذل عيناً على عينها بكت

فطرفي على طرفي جني وتأملا

سأبكي على ما فات منّي ندامة

إذا الليل أرخى الستر منه وأسبلا

سأبكي على ذنبي وآفات غفلتي

وأبكي قتيلاً بالطفوف مجدلا

سأبكي على ما مات منّي بعبرة

تجود إذا جاء المحرم مقبلا

حنيني على ذاك القتيل وحسرتي

عليه غريباً في المهامة والفلا

حنيني على الملقى ثلاثاً معفراً

طريحاً ذبيحاً بالدماء مغسلا

سأبكي عليه والمذاكي بركضها

تكفنه مما أثارته قسطلا

سأبكي عليه وهي من صدره

ترض عظاماً أو تفصل مفصلا

سأبكي على الحران قلباً من الظما

وقد منعوه أن يعل وينهلا

إلى أن قضى يا لهف نفسي على الذي

قضى بغليل يشبه الجمر مشعلا

سأبكي على المحروز رأساً من القفا

إلى أن برى السيف الوريدين والطلا

سأبكي عليه يوم اضحى بكربلاء

يكابد من أعدائه الكرب والبلا

وقد أصبحت أفراسه وركابه

وقوفاً بهم لم تنبعث فتوجلا

فقال بأي الأرض تعرف هذه

فقالوا له هذي تسمى بكربلا

فقال على اسم الله حطوا رحالكم

فليس لنا أن نستقل ونرحلا

ففي هذه مهراق جاري دمائنا

ومهراق دمع الهاشميات ثكلا

وفي هذه والله تضحى جسومنا

وزوارها سيّد يعاقب فرعلا

وفي هذه والله تضحى رؤوسنا

مشهرة تعلو من الخط ذبلاً

وفي هذه والله تسبى حريمنا

وتضحى بأنواع العذاب وتبتلا

وفيها تساق الهاشميات حسراً

وتضرب ضرب الشدقميات جفلا

فلهفي على مضروبة الجسم وهي من

ضروب الأسى تبكي هماماً مبجلا

ولهفي على أطفالها في جحورها

تمج عقيب الثدي سهماً ومنصلا

ولهفي على الطفل المفارق أمه

ولهفي تبكي على الطفل مطفلا

١٤٩

ولهفي عليها وهي في غربة النوى

تجوب الفيافي مجهلاً أثر مجهلا

أشيعة آل الـمُصطفى من يكون لي

عويناً على رزء الشهيد مولولا

أشيعة آل الـمُصطفى من ينوح لي

وينعي الإمام الفاضل المتفضلا

قفا نبك من ذكرى حبيب مُحمّد

وخلوا لذكراكم حبيباً ومنزلا

قفا نبك من تذكاره ومصابه

فتذكاره ينسي الذخول فحرملا

فوالله لا أنسى وإن بعد المدى

قتل ضبابي من الدين قد خلا

فوالله لا أنساه يخفض في الثرى

وشمر على الصدر المعظم قد علا

يهبر أوداج الحُسين بسيفه

إلى حيث رواه نجيعاً وخضلا

ولم أنس أخت السبط زينب أقبلت

لتقبيله ثمّ انثنت لم تقبلا

وقد قنع الرجس المزنم رأسها

ومنكبها الزاكي قطيعاً مفتلا

فقالت له يا شمر دعني هنيهة

أعلل قلباً باللقا لن يعللا

فإن لم يكن إلّا تعلل ساعة

فإني بها أشقى فؤاداً معللا

أيا شمر دع عيني إلى نور عينها

به تشتفي من قبل أن تتحملا

اتمنع عيني نظرة من حبيبها

ولا لذ في قلبي سواه ولا حلا

اتمنعني من نظرة يشتفي بها

فؤادي بمن لي كان كهفاً وموئلا

اتفردني وحدي وابن والدي

وتحتز رأساً منه رأس على الملا

فما رق منه القلب عنه خضوعها

وأوجعها بالسوط ضرباً مثكلا

وميز رأس السبط ثمّ رمى به

فسبحت الأملاك في سبعها العلا

وسحت عليه سبعها الدم قانياً

ولا عجباً من أن تسح وتهملا

ولا عجباً إن مادت الأرض بالورى

وأرجف منها جانباها وزلزلا

ومالوا إلى سبي الحريم فحللوا

بجهلهم ما ليس في الشرع حللا

فكم سالب درعاً وكم هاتك خباً

وقاصم خلخال فادمى المخلخلا

وكم ساحب بكراً ولاطم ثيب

لينزع عنهن البراقع والملا

وما أنس في شيء يقادم عهده

ولا أنس زين العابدين مكبلاً

يغار على نسوانه فيرى لهم

عذاباً بأنواع العذاب مكفلا

سأبكي عليه بالسياط مقنعاً

سأبكي عليه بالحديد مثقلا

١٥٠

سأبكي له وهو العليل وفي الحشا

غليل ببرد الماء أن يتبللا

سأبكي لبنت السبط فاطم قد غدت

قريحة جفن وهي تبكيه معولا

تحن فيشجي كل قلب حنينها

وتصدع من صم الصياخيد جندلا

تقول أبي أبكيك يا خير من مشى

ومن ركب الطرف الجواد المحجلا

أبي كنت للدين الحنيفي موضحاً

ومذ ثكلتك البيض أصبح مثكلا

أبي يا ثمال الأرملات وكهفها

إذا عاينت خطباً من الدهر معضلا

أبي يا ربيع المجد بين ومن به

يغاث من السقيا إذا الناس أمحلا

أبي يا غياث المستغيثين والذي

غداً لهم كنزاً وذخراً وموئلا

أبي أن سلا المشتاق أو وجد العزى

فإن فؤادي بعدك ماسلا

سأبكيك تبكيك المحارب شجوها

وقد فقدت مفروضها والتنقلا

سأبكيك تبكيك المحارب شجوها

وقد فقدت مفروضها والتنقلا

سأبكيك تبكيك المناجاة في الدجى

سأبكيك يبكيك الكتاب مرتلا

سأبكيك إذ تبكي عليه سكينة

ومدمعها كالغيث جاد وأسبلا

ونادت رباب أمتاه فاقبلت

وقد كضها فقد الحُسين وأثكلا

وقالت لها يا أمنا ما لوالدي

مضى مزمعاً عنا الرحيل إلى البلا

أنادي به يا والدي وهو لم يجب

وقد كان طلقاً ضاحكاً متهللا

أظن أبي قد حال عما عهدته

وإلّا فقد أمسى بنا متبدلا

ألا أبتا قد شقت البين شملنا

وجرعنا في الكأس صبراً وحنظلا

ونادى المنادي بالرحيل فقربوا

من الهاشميات الفواطم نزلا

وصار بها الحادي يغني مغرداً

سل الدار عمن قد نأى وترحلا

تسير ورأس السبط يسري أمامها

كبدر الدجى وافى السعود فاكملا

فلهفي لها عن كربلا قد ترحلت

مخلفة أزكى الأنام وأنبلا

ولهفي لها بين العراق وجلق

إذ هو جلا خلفن قابلن هو جلا

ولهفي لها في اعنف السير والسرى

تأم زينب بالشآم مضللا

فلما رآها في حبائل سره

تهلل مسروراً وأبدى التغزلا

ونادى برأس السبط ينكث ثغره

وينشد أشعاراً بها قد تمثلا

١٥١

نفلق هاماً من رجال أعزة

علينا وهم كانوا أحق وأجملا

الا فاعجبوا من ناكث ثغر سيداً

له أحمد يمسي ويضحى مقبلا

له عذب الرحمن ماسح وابل

وعذب أصحاب السقيفة أولا

أولئك في يوم السقيفة أفسدوا

جميع الورى جيلاً فجيلاً لهم تلا

أولئك من أردى الحُسين بكربلا

ومن خان لله المهيمن مرسلا

قضوا ما قضوا من أمرهم بعدما قضى

نبيهم واستعجلوا أن يغسلا

وجاءهم إبليس في زي عابد

فأطنب في شكر الإله وطولا

ولم يشكر الملعون إلّا لأنه

رأى حبترا صار الإمام فحمدلا

وقال أبا........... تهن فإنني

أبايع قبل الناس لن اتشكلا

فقل لرجيم جاء نحو رجيمه

فبايعه قبل العصاة وعجلا

أويلك لم تذعن لآدم ساجداً

وبايعت أدنى العالمين وأنذلا

تغشاك باللعن الإله مضاعفاً

وخص ابن سلما والدلام ونعثلا

بني الوحي والتنزيل من لي بمدحكم

ومدحكم في محكم الذكر أنزلا

وإن كان نظمي كالفريد مفصلا

فقد أنزل الرحمن فيكم مفصلا

ولكني أرجو شفاعة جدكم

لـمّا فقت فيه دعبلاً ثمّ جرولا

فهنيتموا بالمدح من خالق الورى

فقد نلتموا أعلا محلاً وأفضلا

فسمعاً من السبعي نظم غرائب

يظل لديها احظل الفحل احضلا

غرائب يهويها الكميت ودعبل

كما فيكم أهوى الكميت ودعبلا

أجاهر فيها بالولاء مصرحاً

وبغضي لشانيكم مزجت به الولا

لقد سيط لحمي في هواكم وفي دمي

وما قل منّي في عدوكم القلا

عليكم سلام الله يا خير من مشى

ويا خير من لبي وطاف وهللا

فما ارتضى إلّا كموالي سادة

وما سواكم فالبراءة والخلا

الباب الثّاني

أيّها المؤمنون السّامعون والاُمناء الصّالحون , اعلموا أنّ الله تعالى قد ابتلى ابن نبيّكم الحُسين (عليه‌السلام ) ببلاء عظيم , بكت من أجله السّموات بأركانها ، والأرض بأرجائها والأشجار بأطيارها وأغصانها ، والملائكة المقرّبون وأهل

١٥٢

السّماوات أجمعون.

فأيّ قلب لا ينصدع لقتله , وأيّ فؤاد لا يحزن من أجله ؟! وكيف لا وقد أصبح أهل البيت مطرّدين مشرّدين مذودين عن الأوطان والدّيار , شاسعين في البراري والأمصار كأنّهم أولاد اليهود والكفّار ، فيا لها من مصيبة عظمت في الإسلام وجليل خطب عمّ سائر الأنام.

فيا إخواني , لا تُقصّروا في البكاء والعويل وتساعدوا على هذا الرّزء الجليل , وابرزوا الدّموع الهتان ومخفيّات الأشجان والأحزان على ما أصاب سادات الزّمان من الذّل والهوان :

يا مؤمناً متشياً بولائه

يرجو النجا والفوز يوم المحشر

أبك الحُسين بلوعة وبحرقة

إن لم تجدها لم فؤادك وأكثر

وامزج دموعك بالدماء وقل ما

في حقه حقاً إذا لم تنصر

والبس ثياب الحزن يوم مصابه

وما بين أسود حالك أو أصفر

فعساك تحضى في المعاد بشربة

من حوضهم ماء لذيذ سكر

روي عن أبي مخنف , قال : لـمّا قُتل الحُسين (عليه‌السلام ) , اُسر من عسكره غلامان صغيران , فاُتي بهما إلى عُبيد الله بن زياد لعنه الله , فدعا بسجّان له وقال له : خُذ هذين الغلامين واسجنهما , ومن طيب الطّعام فلا تطعمهما ومن بارد الماء فلا تسقهما , وضيّق عليهما سجنهما.

قال : فأخذهما السّجان ووضعهما في السّجن إلى أن صار لهما سنة كاملة حتّى ضاقت صدورهما ، فقال الصّغير للكبير: يا أخي , يوشك أن تفنى أعمارنا وتبلى أبداننا في هذا السّجن , أفلم تخبر السّجان بخبرنا ونتقرّب إليه بمُحمّد الـمُصطفى (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؟ فقال : هكذا يكون.

فلمّا جنّهما الليل , أتى السّجان إليهما بقرصين من شعير وكوز من ماء ، فقام إليه الصّغير فقال له : يا شيخ , أتعرف مُحمّد الـمُصطفى ؟ قال : وكيف لا أعرفه وهو نبيي وشفيعي يوم القيامة ! قال له : يا شيخ , أتعرف عليّ بن أبي طالب ؟ قال : وكيف لا أعرفه وهو إمامي وابن عمّ نبيي ! قال له : يا شيخ , أتعرف مُسلم بن عقيل ؟ قال : بلى أعرفه وهو ابن عمّ رسول الله. فقال له : يا شيخ , نحن من عترة مُسلم بن عقيل , نسألك من طيب الطّعام فلا تطعمنا ومن بارد الماء فلا تسقينا , وقد ضيّقت علينا سجننا , فما لك وما لنا لا ترحمنا لصغر سننا ؟ أما ترعانا لأجل سيّدنا رسول الله ؟ فلمّا سمع السّجان كلامهما , بكى بكاءاً شديداً وانكبّ على أقدامهما يقبّلهما ويقول :

١٥٣

نفسي لنفسكما الفداء وروحي لروحكما الوقا ! يا عترة مُحمّد الـمُصطفى , والله لا يكون مُحمّد خصمي في القيامة , هذا باب السّجن مفتوح فخذوا أيّ طريق شئتما , يا حبيبي سيروا بالليل واكمنا بالنّهار.

قال : فلمّا خرجا لم يدريا إلى أيّ جهة يمضيان , فلمّا جهجه الصّبح عليهما , دخلا بستاناً وصعدا على شجرة واكتنا بها , فلمّا طلعت الشّمس , وإذا بجارية قد رأتهما , فأقبلت إليهما وسألتهما عن حالهما وطيب قلوبهما , وقالت لهما : سيرا معي إلى مولاتي فإنّها محبّة لكما. فسارا معها , فسبقتهم الجارية فاعلمت مولاتها , فلمّا سمعت بهما , قامت حافية إليهما واستقبلتهما بالبشرى , وقالت لهما : ادخلا على رحب وسعة. فلمّا دخلا , أنزلتهما في مكان لم يدخل إليه أحد من النّاس , وخدمتهما خدمة تليق بهما.

ثمّ إنّ ابن زياد لعنه الله نادى في شوارع الكوفة : أنّ مَن جاءني بأولاد مُسلم بن عقيل , فله الجائزة العظمى. وكان زوج تلك المرأة من جملة من طلبهما , فلمّا جنّ الليل , أقبل اللعين إلى داره وهو تعبان من كثرة الطّلب ، فقالت له زوجته الصّالحة : أين كُنت , فإنّي أرى في وجهك آثار التّعب ؟ قال : إنّ ابن زياد قد نادى بأزقّة الكوفة : أنّ مَن جاءني بأولاد مُسلم بن عقيل , كان له عندي الجائزة العظيمة. وقد خرجت في الطّلب فلم أجد لهما أثراً ولا خبراً. فقالت له زوجته : يا ويلك أما تخاف من الله ؟! ما لك وأولاد الرّسول تسعى إلى الظّالم بقتلهم ؟ فلا تغرّنّك الدُنيا. قال : أطلب الجائزة من الأمير. قالت : تكون أقلّ النّاس وأحقرهم عنده إن سعيت بهذا الأمر.

فبينما هو بين النّائم واليقظان , إذ سمع الهمهمة من داخل البيت ، فقال لزوجته : ما هذه الهمهمة ؟ فلا ترد عليه الجواب كأنّها [لا](١) تسمع , فقعد وطلب مُصباحاً , فتناوم أهل البيت كأنّهم لم يسمعوا , فقام وأشعل المصباح وأراد فتح الباب ، فقالت له زوجته : ما تريد من فتح الباب ؟ ومانعته , فقاتلها ومانعها وفتح الباب , وإذا بأحد الولدين قد انتبه , فقال لأخيه : يا أخي , اجلس فإنّ هلاكنا قد قرب. فقال له أخوه : وما رأيت يا أخي ؟ قال : بينما أنا نائم وإذا بأبي واقف عندي , وإذا بالنّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وعليّ والحسن والحُسين وقوف وهم يقولون لأبي : (( ما لك تركت أولادك بين الكلاب والملاعين ؟ )). فقال لهما أبي : وها هُما بأثري قادمين. فلمّا سمع الملعون كلامهما , جاء إليهما وقال لهما : مَن أنتما ؟ قالوا : من آل الرّسول. [قال](٢) : ومَن أبوكم ؟ قالوا :

____________________

(١) و (٢) من إضافات المقوّم.

١٥٤

مُسلم بن عقيل. فقال الملعون : إنّي أتعبت اليوم فرسي ونفسي في طلبكما وأنتما عندي.

ثمّ إنّه لطم الأكبر منهما لطمة أكبّه على الأرض حتّى تهشّم وجهه وأسنانه من شدّة الضّربة , وسال الدّم من وجهه وأسنانه ، ثمّ إنّه كتّفهما كتافاً وثيقاً , فلمّا نظرا إلى ما فعل به [بهم](١) اللعين , قالا : ما لك يا هذا تفعل بنا هذا الفعل , وامرأتك قد أضافتنا وأكرمتنا وأنت هكذا تفعل بنا ؟ أما تخاف الله فينا ؟ أما تراعي يتمنا وقربنا من رسول الله ؟

فلم يعبأ اللعين بكلامهما ولا رحمهما ولا رقّ لهما ، ثمّ دفعهما إلى خارج البيت , وبقيا مكتّفين إلى الفجر وهُما يتوادعان ويبكيان ؛ لما جرى عليهما , وأمّا الملعون , فلمّا أصبح الصّبح , أخرجهما من داره وقصد بهما جانب الفُرات ليقتلهما , وزوجته وولده وعبده خلفه وهم يخوّفونه الله تعالى ويلومونه على فعله , فلم يرتدع اللعين ولم يلتفت إليهم حتّى وصلوا إلى جانب الفُرات , فأشهر اللعين سيفه لقتلهما , فوقعت زوجته على يديه ورجليه تقبّلهما وتقول له : يا رجل , اعف عن هذين الولدين اليتيمين , واطلب من الله الذي تطلبه من أميرك عُبيد الله بن زياد , فإنّ الله يرزقك عوض ما تطلبه منه أضعافاً مضاعفة. فزعق الملعون عليها زعقة الغضب حتّى طار عقلها وذهل لبّها ، ثمّ قال للعبد : يا أسود , خُذ هذا السّيف واقتل هذين الغلامين , وائتني برأسيهما حتّى انطلق بهما إلى عُبيد الله بن زياد , وآخذ جائزتي منه ألفي درهماً وفرساً. فلمّا همّ بقتلهما , قال له أحد الغلامين : يا أسود , ما أشبه سوادك بسواد بلال مؤذّن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , يا أسود , ما لك وما لنا حتّى تقتلنا ؟ امض عنّا حتّى لا نطالبك بدمنا عند رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ). فقال لهما الغلام [العبد](٢) : يا حبيبي مَن أنتما ؟ فإنّ مولاي أمرني بقتلكما. فقالوا : يا أسود , نحن من عترة نبيّك مُحمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , نحن أولاد مُسلم بن عقيل , أضافتنا عجوزكم هذه الليلة ومولاك يريد قتلنا.

قال : فانكبّ العبد على أقدامهما يقبّلهما ويقول : نفسي لنفسكما الفداء وروحي لروحكما الوقاء يا عترة مُحمّد الـمُصطفى ! والله لا يكون مُحمّد خصمي يوم القيامة. ثمّ رمى السّيف من يده ناحية وطرح نفسه في الفُرات وعبر إلى الجانب الآخر , فصاح به مولاه : عصيتني ؟ فقال : أطعتك ما دمت لا تعصي الله , فلمّا عصيت الله عصيتك ؛ أحبّ إليّ من أن أعصي الله وأطيعك. فقال اللعين : والله , ما يتولّى قتلكما أحد غيري. فأخذ السّيف وأتى إليهما وسلّ السّيف

____________________

(١) و (٢) من إضافات المقوّم.

١٥٥

من جفنه , فلمّا همّ بقتلهما , جاء إليه ولده وقال له : يا أبه , قدّم حلمك وأخّر غضبك وتفكّر فيما يصيبك في القيامة. قال : فضربه بالسّيف فقتله. فلمّا رأت الحُرمة ولدها مقتولاً , أخذت بالصّياح والعويل.

قال : فتقدّم الملعون إلى الولدين , فلمّا رأياه , تباكيا ووقع كلّ منهما على الآخر يودّعه ويعتنقه , والتفتا إليه وقالا له : يا شيخ , لا تدعنا نطالبك بدمائنا عند جدّنا يوم القيامة , خذنا حيّين إلى ابن زياد يصنع بنا ما يريد. فقال : ليس إلى ذلك سبيل. فقالا له : يا شيخ , بعنا في السّوق وانتفع بأثماننا ولا تقتلنا. فقال : لا بدّ من قتلكما. قالا له : يا شيخ , ألا ترحم يتمنا وصغرنا ؟ فقال لهما : ما جعل الله لكما في قلبي من الرّحمة شيئاً. فقالا : يا شيخ , دعنا نصلّي كلّ منّا ركعتين. قال : صلّيا ما شئتما إن نفعتكما الصّلاة.

قال : فصلّيا أربع ركعات , فلمّا فرغا رفعا طرفيهما إلى السّماء وبكيا وقالا : يا عادل يا حكيم , أحكم بيننا وبينه بالحقّ. ثمّ قالا له : يا هذا , ما أشدّ بغضك لأهل البيت ؟ فعندها عمد الملعون وضرب عنق الأكبر , فسقط إلى الأرض يخور في دمه , فصاح أخوه وجعل يتمرّغ بدم أخيه وهو ينادي : وا أخاه ! وا قلّة ناصراه ! وا غربتاه ! هكذا ألقى الله وأنا متمرّغ بدم أخي. فقال له الملعون : لا عليك سوف ألحقك بأخيك في هذه السّاعة. ثمّ ضرب عنقه , ووضع رأسيهما في المخلاة ورمى أبدانهما في الفُرات , وسار بالرّأسين إلى عُبيد الله بن زياد , فلمّا مثل بين يديه , وضع المخلاة فقال له : ما في المخلاة يا هذا ؟ قال : رؤوس أعدائك أولاد مُسلم بن عقيل. فكشف عن وجهيهما , فإذا هُما كالأقمار المشرقة , فقال : لِمَ قتلتهما ؟ قال : بطمع الفرس والسّلاح. فقام ابن زياد ثمّ قعد ثلاثاً وقال : ويلك وأين ظفرت بهما ؟! قال : في داري , وقد أضافتهم عجوز لنا. فقال ابن زياد : أفلا عرفت لهما حقّ الضّيافة وأتيت بهما حيّين إليّ ؟ فقال : خشيت أن يأخذهما أحد منّي ولا أقدر على الوصول إليك. فأمر ابن زياد أن يغسلوهما من الدّم , فلمّا غسلوهما واُتي بهما إليه ونظرهما , تعجّب من حسنهما وقال له : يا ويلك ! لو أتيتني بهما حيّين , لضاعفت لك الجائزة. فتعذّر بعذره الأوّل ، ثمّ قال له : يا ويلك ! حين أردت قتلهما ما قالا لك ؟ قال , قالا لي : يا شيخ , ألا تحفظ قرابتنا من رسول الله ؟ قال : فما قُلت لهما ؟ قال : قُلت لهما : مالكما من رسول الله قرابة. قال : فماذا قالا لك أيضاً ؟

١٥٦

قال : قالا لي : ألا ترحم صغر سننا ؟ فقلت لهما : ما جعل الله لكما في قلبي من الرّحمة شيئاً. قال : فما قالا لك أيضاً ؟ قال : قالا لي : امض إلى السّوق فبعنا وانتفع بأثماننا ؟ فقلت لهما : لا بدّ من قتلكما. قال : فماذا قالا لك أيضاً ؟ قال : قالا لي : ألا تمضي بنا إلى ابن زياد يحكم فينا بأمره ؟ فقلت لهما : ليس إلى ذلك من سبيل. قال : فماذا قالا لك أيضاً ؟ قال : قالا لي : دعنا نُصلّي كلّ واحد منّا ركعتين ؟ فقلت لهما : فصلّيا إن نفعتكما الصّلاة. فصلّيا أربع ركعات , فلمّا فرغا من الصّلاة , رفعا طرفيهما إلى السّماء ودعيا وقالا : يا حي يا حكيم , أحكم بيننا وبينه بالحقّ.

ثمّ نظر ابن زياد إلى ندمائه وكان فيهم محبّ لأهل البيت , وقال له : خُذ هذا الملعون وسر به إلى موضع قتل فيه الغلامين , واضرب عنقه ولا تدع أن يختلط دمه بدمهما , وخُذ هذين الرّأسين وارمهما في موضع رمي به أبدانما.

قال : فأخذه وسار به وهو يقول : والله , لو أعطاني ابن زياد جميع سلطنته , ما قبلت هذه العطية. وكان كلّما مرّ بقبيلة , أراهم الرّأسين وحكى لهم بالقصّة , وما يريد يفعل بذلك اللعين. ثمّ سار به إلى موضع قتل فيه الغلامين , فقتله بعد أن عذّبه بقطع عينيه وقطع أذنيه ويديه ورجليه ورمى بالرّأسين في الفُرات.

قال : فخرجت الأبدان وركبت الرّؤوس عليها بقدرة الله تعالى , ثمّ تحاضنا وغاصا في الفُرات ، ثمّ إنّ ذلك الرّجل المحبّ أتى بالرّأس - رأس ذلك اللعين - فنصبه على قناة وجعل الصّبيان يرجمونه بالحجارة. ألا لعنة الله على القوم الظّالمين( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) . وعلى الأطائب من أهل البيت فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان فتتابعت عليه الأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ ابن حماد ( رحمه‌ الله تعالى )

دا قلبه الداعي الوعيد فاسمعا

وداع لبادي شيبه فتودعا

وأيقن بالترحال فاعتد زاده

وحاذر من عقبى الذنوب فاقلعا

إلى كم وحتى ما اشتغالك بالمنى

وقد مر منك الأطيبان فودعا

____________________

(١) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

١٥٧

أيقنع بالتفريط في الزاد عاقل

رأى الرأس منه بالمشيب تقنعا

إذا نزع الإنسان ثوب شبابه

فليس ترى إلّا إلى الموت مسرعا

وشيبك توقيع المنون مقدماً

بأنك لموت في غد متوقعا

أتطمع أن تبقى وغيرك ما بقي

فليس نرى للنفس في العيش مطمعا

تدافع بالآمال عن أخذ أهبة

ليوم إذا ما حم لم يغن مدفعا

وتسأل عند الموت ربك رجعة

ويهات أن تعطي هنالك مرجعا

أما لك إخوان شهدت رفاتهم

وكنت لهم نحو القبور مشيعا

وأنت فعن قرب إلى الموت صائر

وينعاك للإخوان ناع لهم نعى

جرت عينه النجلى عن صحن خده

فاصبح بين الدود نهباً موزعا

وأنت كضيف لا محالة راحل

ومسترجع ما كان عندك مودعا

تلاقي الذي فرطت واستدرك الذي

مضى باطلاً واصنع من الخير مصنعا

ولا تدع الدُنيا الغرور فإنما

هلاكك فيها إن تغر وتخدعا

فقد جعلت دار الفجائع والأسى

فلست ترى إلّا مزاراً مفجعا

كفاك بخير الخلق آل مُحمّد

أصابهم هم المصائب أجمعا

تخطفهم ريب المنون بصرفه

فاغرب بالارزاء فيهم وابدعا

وقفت على أبياتهم فرأيتها

خراباً أراباً قفرة الجو بلقعا

وإن لهم في عرصة الطف وقعة

تكاد لها الأطواد أن تتزعزعا

غزتهم بجيش الحقد أمة جدهم

ولم ترع فيهم من لهم كان قد رعا

كأني بمولاي الحُسين وصحبه

وجيش ابن سعد حولهم قد تجمعا

وقد قام فيهم خاطباً قائلاً لهم

ولم يك من ريب المنون ليجزعا

ألم تأتني يا قوم بالكتب رسلكم

تقولون عجل نحونا السير مسرعا

وأنا جميعاً شيعة لك لا نرى

لغيرك في حق الإمامة موضعا

وقد جئت للعهد الذي عليكم

فما عندكم في ذاك قولوا لأسمعا

فقالوا له ما هذه الكتب كتبنا

فقال لهم خلوا سبيلي لارجعا

فقالوا له هيهات بل لنسوقكم

إلى ابن زياد كارهين وخضعا

فإن لم تجيبوا فالأسنة بيننا

يجرعكم أطرافها السم منقعا

١٥٨

فقال لهم يا ويلكم فتباعدوا

عن الماء كي نروي فقالوا له معاً

سنوردكم حوض الردى قبل ورده

ومالوا عليه بالأسنة شرعا

فبادر أصحاب الحُسين إليهم

فرادى ومثنى حاسرين ودرعا

إذا ما أتوا نحو الشريعة للظما

رأوا دونها زرق الأسنة شرعا

لقد صبروا لا ضيع الله صبرهم

ولم يك عند الله صبر مضيعا

إلى أن ثووا صرعى على الترب حوله

فلله ذاك المصرع الطف مصرعا

ووافوا إلى مولاي إذا ظل وحده

فلا قوة إذ لاقوا شجاعاً سميدعا

فشد عليهم شدة علوية

فخلى نياط القوم منها مقطعا

كفعل أبيه في الحروب وضربه

وهل تلد الشجعان إلّا مشجعا

إلى أن ثوى عن سرجه متعفراً

يلاحظ فسطاط النساء مودعا

وأقبل شمر الرجس فاحتز رأسه

وخلف منه الجسم شلوا مبضعا

وشال سنان في السنان برأسه

كبدر الدجى وافى من التم مطلعا

ومالوا على رحل الحُسين وأهله

فيا يومهم ما كان أدهى واشنعا

فلو تنظر النسوان في ذلة السبا

يسقن على رغم عطاشى وجوعا

وزينب ما تنفك تدعو باختها

أيا أخت ركني قد وهى وتضعضعا

أيا أخت أخت من بعد الحُسين نعده

لحادثة الأيام حصناً ممنعا

أيا أخت هذا اليوم آخر عهدنا

فبعد حسين قط لن نتجمعا

أيا أخت لو أن الذي بي من الأسى

برضوي إذاً لانهدا ولتزعزعا

أيا أخت أبكي لليتامى بذلة

ونوحي وابكي للأرامل ضيعا

فيا مؤمناً في زعمه متشيعاً

ولا مؤمن إلّا الذي قد تشيعا

أتذبح في يوم به ذبح العدى

أمامك فاعفر عفر خديك لالعا

ويألف في عاشور جنبك مضجعاً

وترب الفلا أضحى لمولاك مضجعا

أيضحك منك الثغر من بعد أن غدى

به ثغر مولاك الحُسين مقرعا

أينهب فيه رحل آل مُحمّد

وبيتك فيه لا تزال موسعا

فيا ليت سمعي صم عن ذكر يومه

ويا ليت لم يخلق لي الله مسمعا

سأبكي دماً بعد الدّموع لفقده

وإن لم يكن يترك لي الحزن مربعا

١٥٩

أشيعة آل الـمُصطفى من يلومني

على بغض من يشني الشفيع المشفعا

برئت إلى الرحمن ممن شناهم

ولا زلت أبكيهم إلى أن أشيعا

ولائي لهم شفع البرا من عدوهم

بذلك أرجوهم غداً لي شفعا

أوالي الذي سمى لكثرة علمه

بطيناً كما سمى من الشرك انزعا

ومدح ابن حماد لآل مُحمّد

يرجى بأن يجزى لدى البعث ما سعا

الباب الثّالث

أيّها الأصحاب والإخوان , أطيلوا الأشجان والأحزان وابكوا لسادات الزّمان ، فيا ليت علمي ماذا يقول ظالم بضعة الرّسول ، إذ حاولوا إطفاء نور خاتم النّبيين ومحو آثار ذرّيّته من بين العالمين , فتعساً لهم ! ما حملهم على غصب البتول ابنة النّبي الرّسول ؟ وعلى ماذا أنفسهم وطّنوا وعلى أيّ شيء اعتمدوا وركنوا ؟ فهل كانت إلّا أيّام قلائل وفيء زائل ، ثمّ يردون على الهول الطّائل :( نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) (١) .

فيا إخواني , إذا ذكرت مصابهم في تلك الأيّام وما حلّ بهم من الآلام العظام , يعتريني الهمّ والحزن حتّى تكاد تخرج روحي من البدن , فاتمنّى مَن أبثّ حزني إليه ؛ ليساعدني ويسعفني على ما أنا عليه.

لا تحسبوا مدمعي المبيض غير دمي

وإنما نار أنفاسي تصعده

روي عن عبد الحميد (ره) , قال : بينما الحُسين (عليه‌السلام ) واقف في ميدان الحرب يوم الطّفّ وهو يستعطف القوم شربة ماء , وهو ينادي : (( هل من راحم يرحم آل الرّسول المُختار ؟ هل من ناصر ينصر الذّرّيّة الأطهار ؟ هل من مجير لأبناء البتول , هل من ذابّ يذبّ عن حرم الرّسول ؟ )). إذ أتى الشّمر اللعين إليه حتّى صار بالقرب منه , ونادى : أين أنت يا حُسين ؟ فقال : (( ها أنا ذا )). فقال : أتطلب منّا شربة من الماء ؟ هذا مطلب محال , ولكن ابشر بالنّار الحمراء وشرب الحميم. فقال الحُسين (عليه‌السلام ) : (( من أنت يا لعين ؟ )). فقال : الشّمر. فقال الحُسين (عليه‌السلام ) : (( الله أكبر , صدق جدّي رسول الله في رؤياه من قبل )). فقال له الشّمر : في أيّ شيء صدق جدّك ؟ فقال (عليه‌السلام ) : (( قال جدّي : رأيت في منامي كلباً أبقع يأكل من لحوم أهل بيتي ويلعق

____________________

(١) سورة التّحريم / ٦.

١٦٠