المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ٢

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)0%

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 272

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

مؤلف: الإمام الكبير والـمُصنّف الشّهير الشّيخ فخر الدّين الطريحي النّجفي
تصنيف:

الصفحات: 272
المشاهدات: 32056
تحميل: 4352


توضيحات:

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 272 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32056 / تحميل: 4352
الحجم الحجم الحجم
المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 2

مؤلف:
العربية

السّماء قد تفتّحت , وإذا أنا بنور ساطع من السّماء إلى الأرض , وإذا أنا بوصائف من وصائف الجنّة , وإذا أنا بروضة خضراء وفي تلك الرّوضة قصر , وإذا أنا بخمس مشايخ يدخلون إلى ذلك القصر وعندهم وصيف , فقلت : يا وصيف , أخبرني لمن هذا القصر ؟ فقال : هذا لأبيك الحُسين أعطاه الله ثواباً لصبره. فقلت : ومَن هؤلاء المشايخ ؟ فقال : أمّا الأوّل فآدم أبو البشر ، وأمّا الثّاني فنوح نبي الله ، وأمّا الثّالث فإبراهيم خليل الرّحمن ، وأمّا الرّابع فموسى الكليم. فقلت : ومَن الخامس الذي أراه قابضاً على لحيته باكياً حزيناً من بينهم ؟ فقال لي : يا سكينة أما تعرفينه ؟ فقلت : لا. فقال : هذا جدّك رسول الله. فقلت له : إلى أين يريدون ؟ فقال : إلى أبيك الحُسين ، فقلت : والله , لألحقنّ جدّي واخبرنّه بما جرى علينا. فسبقني ولم ألحقه , فبينما أنا متفكّرة , وإذا بجدّي عليّ بن أبي طالب وبيده سيفه وهو واقف , فناديته : يا جدّاه قُتل والله ابنك من بعدك ! فبكى وضمّني إلى صدره وقال : (( يا بنية , صبراً وبالله المستعان )). ثمّ إنّه مضى ولم أعلم إلى أين ، فبقيت متعجّبة كيف لم أعلم به , فبينما أنا كذلك , إذا بباب قد فُتح من السّماء ، وإذا بالملائكة يصعدون وينزلون على رأس أبي. قال : فلمّا سمع يزيد ذلك , لطم على وجهه وبكى وقال : ما لي ولقتل الحُسين.

وفي نقل آخر : أنّ سكينة قالت : ثمّ أقبلت على رجل ؛ دري اللون قمري الوجه حزين القلب ، فقلت للوصيف : مَن هذا ؟ فقال : جدّك رسول الله. فدنوت منه وقلت له : يا جدّاه ! قُتلت والله رجالنا وسفكت والله دماؤنا ، وهتكت والله حريمنا ، وحملنا على الأقتاب بغير وطاء ، نساق إلى يزيد. فأخذني إليه وضمّني إلى صدره ، ثمّ أقبل على آدم ونوح وإبراهيم وموسى , ثمّ قال لهم : (( ماترون إلى ما صنعت اُمّتي بولدي من بعدي ؟ )). ثمّ قال الوصيف : يا سكينة , اخفضي صوتك فقد أبكيت رسول الله. ثمّ أخذ الوصيف بيدي وادخلني المصر , وإذا بخمس نسوة قد عظم الله خلقتهن وزاد في نورهن , وبينهنّ امرأة عظيمة الخلقة ناشرة شعرها وعليها ثياب سود وبيدها قميص مضمّخ بالدّم , وإذا قامت يقمن معها وإذا جلست يجلسن معها ، فقلت للوصيف : مَن هؤلاء النّسوان اللواتي قد عظم الله خلقتهن ؟ فقال : يا سكينة , هذه حواء اُمّ البشر ، وهذه مريم ابنة عمران ، وهذه خديجة بنت

٢٦١

خويلد ، وهذه هاجر ، وهذه سارة ، وهذه التي بيدها القميص المضمّخ بالدّم وإذا قامت يقمن معها وإذا جلست يجلسن معها , هي جدّتك فاطمة الزّهراء. فدنوت منها وقلت لها : يا جدتاه ! قُتل والله أبي وأوتمت على صغر سني. فضمّتني إلى صدرها وبكت بكاءاً شديداً وبكين النّسوة كلّهن وقلن لها : يا فاطمة , يحكم الله بينك وبين يزيد يوم فصل القضاء. ثمّ إنّ يزيد تركها ولم يعبأ بقولها :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) .

قتلتم أبي ظلماً فويل لأمكم

ستجزون ناراً حرها تتوقد

سفتكم دماء حرم الله سفكها

وحرمها القرآن ثمّ محم

ألا فابشروا بالنّار إنكم غداً

لفي سقر حقاً يقيناً تخلدوا

وإني لأبكي في حياتي على أبي

على خير من بعد النّبي سيولد

بدمع غزير مستهل مكفكف

على الخد منّي ذائب ليس يجمد

قال : ثمّ إنّ يزيد لعنه الله أمر الخطيب أن يصعد المنبر يسبّ عليّاً والحسن والحُسين , قال : فصعد ففعل ذلك ، فقال له زين العابدين : (( سألتك بالله إلّا ما أذنت لي بالصّعود على المنبر , وأتكلّم بكلام لله فيه رضى وللاُمّة فيه صلاح )). فاستحى منه فأذن له ، ثمّ إنّ زين العابدين جعل بعذوبة منطقه وفصاحة لسانه ودلائل النّبوة بعد أن حمد الله وأثنى عليه , ثمّ قال : (( معاشر النّاس , مَن عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فإنّي أعرّفه بنفسي , أنا عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب، أنا ابن من حجّ ولبّى , أنا ابن من طاف وسعى , أنا ابن زمزم والصّفا ، أنا ابن مكّة ومنى ، أنا ابن البشير النّذير ، أنا ابن الدّاعي إلى الله بإذنه ، أنا ابن من دنى فتدلّى ، أن ابن مُحمّد الـمُصطفى ، أنا ابن عليّ الـمُرتضى ، أنا ابن فاطمة الزّهراء ، أنا ابن خديجة الكبرى ، أنا ابن صريع كربلاء ، أنا ابن محزوز الرّأس من القفا ، أن ابن العطشان حتّى قضى ، أنا ابن الذي افترض الله ولايته : فقال :( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ) (١) . ألا أنّ الاقتراف مودّتنا أهل البيت.

أيّها النّاس , فضّلنا الله بخمس خصال , فينا الشّجاعة والسّماحة والهُدى والحكم بين النّاس بالحقّ والحمية في قلوب المؤمنين )). قال : فقام المؤذّن فقطع خطبته , فلمّا قال : الله أكبر الله أكبر. قال

____________________

(١) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

(١) سورة الشّورى / ٢٣.

٢٦٢

الإمام زين العابدين : (( كبّرت كبيراً وعظمت عظيماً وقُلت حقّاً جليلاً )). فقال المؤذّن : أشهد أن لا إله إلا الله. فقال الإمام : (( وأنا أشهد أن لا إله إلا الله )). فقال المؤذّن : أشهد أنّ مُحمّداً رسول الله. فبكى زين العابدين وقال : (( يا يزيد , مُحمّد جدّي أم جدّك ؟ )). فقال : بل جدّك. قال : لِم قتلت ولده ؟ فلم يرد جواباً ، حتّى نُقل أنّه قال : ما لي بالصّلاة حاجة. فخرج ولم يصل.

قال : ثمّ إنّ المنهال لقي عليّ بن الحُسين (عليه‌السلام ) ، فقال : كيف أصبحت يا بن رسول الله ؟ فقال : (( كيف أصبح من قُتل بالأمس أبوه وأهله وهو يتوقّع الموت بعدهم )). ثمّ قال : (( أصبحت العرب تفتخر على العجم ؛ لأنّ مُحمّداً منهم , ونحن أهل البيت أصبحنا مظلومين مقتولين مشردين )). قال : فعلت الأصوات بالبكاء والنّحيب حتّى أنّ يزيد لعنه الله خشي الفتنة.

ونُقل عن هند زوجة يزيد , قالت : كنت أخذت مضجعي , فرأيت باباً من السّماء قد فتحت والملائكة ينزلون كتائب كتائب إلى رأس الحُسين , وهم يقولون : السّلام عليك يا أبا عبد الله , السّلام عليك يا بن رسول الله. فبينما أنا كذلك , إذ نظرت إلى سحابة قد نزلت من السّماء وفيها رجال كثيرون , وفيهم رجل دري اللون قمري الوجه , فأقبل يسعى حتّى انكبّ على ثنايا الحُسين يقبّلهما وهو يقول : (( يا ولدي قتلوك , أتراهم ما عرفوك ومن شرب الماء منعوك , يا ولدي , أنا جدّك رسول الله , وهذا أبوك عليّ الـمُرتضى , وهذا أخوك الحسن , وهذا عمّك جعفر وهذا عقيل , وهذان الحمزة والعبّاس )). ثمّ جعل يعدّد أهل بيته واحداً بعد واحد. قالت هند : فانتبهت من نومي فزعة مرعوبة , وإذا بنور قد انتشر على رأس الحُسين , فجعلت أطلب يزيد وهو قد دخل إلى بيت مظلم وقد دار وجهه إلى الحائط , وهو يقول : ما لي وللحسين. وقد وقعت عليه الهمومات , فقصصت عليه المنام وهو منكس الرّأس.

قال : فلمّا أصبح , استدعى بحرم رسول الله , فقال لهم : أيما أحبّ إليكنّ , المقام عندي أو الرّجوع إلى المدينة ولكم الجائزة السّنية ؟ قالوا : نحبّ أوّلاً أن ننوح على الحُسين. قال : افعلوا ما بدا لكم. ثمّ اُخليت لهن الحجر والبيوت في دمشق , ولم تبق هاشمية ولا قرشية إلّا ولبست السّواد على الحُسين , وندبوه على ما نُقل سبعة أيّام ، فلمّا كان اليوم الثّامن , دعاهم يزيد وعرض عليهم المقام , فأبوا وأرادوا الرّجوع إلى المدينة

٢٦٣

فأحضر لهم المحامل وزيّنها , وأمر بالأنطاع من الإبريسم وصبّ عليها الأموال , وقال : يا اُمّ كثلوم , خذوا هذا المال عوض ما أصابكم. فقالت اُمّ كلثوم : يا يزيد , ما أقلّ حياءك وأصلف وجهك , أتقتل أخي وأهل بيتي وتعطيني عوضهم مالاً ؟! والله لا كان ذلك أبداً.

فيا ذلة الإسلام من بعد عزه

ويا لك رزء في الأنام خطير

فيا عبرتي سحي ويا حرقتي إزددي

ويا نفس ذوبي فالمصاب كبير

فأي حياة بعد ذا الرزء ترتجي

وأي فؤاد يعتريه سرور

نُقل : اللعين يزيد أوعد عليّ بن الحُسين بثلاث حاجات يقضيها له ، فلمّا أحضره , قال له : اذكر لي حاجاتك اللاتي وعدتك بهن. فقال له : (( الأولى : أن تريني وجه سيّدي ومولاي الحُسين , فأتزوّد منه وأودّعه. والثّانية : أن ترد علينا ما أخذت منّا. والثّالثة : إن كنت قد عزمت على قتلي , فوجّه مع هؤلاء النّسوة من يردّهن إلى حرم جدّهن )).

فقال : أمّا وجه أبيك لن تراه أبداً ، وأمّا قتلك فقد عفونا عنك ، وأمّا النّسوة فلا يسير بهن إلى المدينة غيرك ، وأمّا ما اُخذ منكم فأنا أعوّضكم عنه. فقال (عليه‌السلام ) : (( أمّا مالك فهو موفور عليك ، وإنّما طلبت ما اُخذ منّا ؛ لأنّ فيها مغزل فاطمة بنت مُحمّد ومقنعتها وقلادتها وقميصها )). فأمر اللعين برد ذلك وأمر برد الأسارى إلى أوطانهم.

قال : فسار القائد وكان يتقدمهم تارة ويتأخّر عنهم تارة , فقلن النّساء له : بحقّ الله عليك إلّا ما عرجت بنا على طريق كربلاء. ففعل ذلك حين وصل إلى قرب النّاحية , وكان قدومهم إلى ذلك المصرع يوم العشرين من صفر , فوجدوا هناك جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من نساء بني هاشم , فتلاقوا في وقت واحد , فأخذوا بالنّوح والبكاء وإقامة المآتم إلى ثلاثة أيّام , فلمّا انقضت , توجّهوا إلى نحو المدينة.

قال بشر بن حذلم : لـمّا صرنا قريباً من المدينة , نزل عليّ بن الحُسين وحطّ رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه , وقال لي : (( يا بشر , ادخل المدينة وانع أهلها بأبي عبد الله وأخبرهم بقدومنا )). قال بشر : فركبت ودخلت المدينة ورفعت صوتي بالبكاء والنّحيب , فقلت : يا أهل المدينة , هذا عليّ بن الحُسين قد قدم إليكم مع عمّاته وأخواته , وقد نزل قريباً منكم , وأنا رسوله إليكم أعرّفكم بمكانه. قال : فما بقيت في المدينة مخدّرة ولا محجّبة , إلّا

٢٦٤

وبرزن من خدورهن خمشة وجوههن لاطمات يدعون بالويل والثّبور وعظائم الأمور. قال : فلم أر باكياً أكثر من ذلك اليوم(١) . قال : ثمّ إنّ أهل المدينة تبادروا مسرعين إلى نحو زين العابدين وأنا معهم , فوجدت النّاس قد ملأوا الطّرق والأمكنة , فنزلت عن فرسي وبقيت أتخطى رقاب النّاس حتّى قربت من باب الخيمة وكان زين العابدين (عليه‌السلام ) داخلاً , فخرج وبيده منديل يمسح به دموعه - وكان عمره يومئذ على ما نُقل أحد عشر سنة - فجلس على كرسي له وهو لا يتمالك على نفسه من شدّة البكاء , والنّاس يعزونه وهم مع ذلك يبكون وينحبون , فأومى إليهم أن اسكتوا , فقام وقال : (( الحمد لله ربّ العالمين , مالك يوم الدّين , بارئ الخلائق أجمعين , الذي بعد فارتفع في السّماوات العلى , وقرب فشهد النّجوى , نحمده على عظائم الاُمور ومجامع الدّهور , وألم الفجائع ومضاضة اللواذع , وجليل الرّزء وعظيم المصائب.

أيّها النّاس , إنّ الله له الحمد وله الشّكر قد ابتلانا بمصائب جليله ، ومصيبتنا ثلمة عظيمة في الإسلام ورزء جليل في الأنام ، قُتل أبي الحُسين وعترته وأنصاره وشيعته ، وسبيت نساؤه وذرّيّته ، وطيف برأسه في البلدان من فوق عالي السّنان فهذه الرّزيّة تعلو على كلّ رزية ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

أيّها النّاس , مَن منكم يسر قلبه بعد قتل أبي وهو ابن بنت رسول الله ؟ أم أيّة عين تحبس وتضن بانهمالها فلقد بكت السّبع الشّداد لقتله ، والسّبع الطّباق لفقده ، وبكت البحار بأمواجها , والسّماوات بأركانها وسكّانها ، والأرضون بأرجائها , والأشجار بأغصانها , والطّيور بأوكارها , والحيتان في لجج البحار , والوحوش في البراري والقفار ، والملائكة المقرّبون , والسّماوات والأرضون.

أيّها النّاس , أيّ قلب لا ينصدع لقتله ولا يحزن لأجله ؟

أيّها النّاس , أصبحنا مشردين لائذين شاسعين عن الأمصار , كأننا من أولاد الكفّار من غير جرم اجترمناه أو مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها ، ولا فاحشة فعلناها. فوالله , لو أنّ النّبي أوصى إليهم في قتالنا , لما زادوا على ما فعلوه بنا. فإنّا لله وإنّا إليه راجعون )). ثمّ قام يمشي إلى دار الرّسول ليدخلها. وأمّا اُمّ كلثوم , فحين توجّهت إلى المدينة , جعلت تبكي وتقول :

مدينة جدنا لا تقبلينا

فبالحسرات والأحزان جينا

____________________

(١) هكذا ورد في هذا الكتاب , ولكن الوارد في اللهوف في قتلى الطّفوف /١١٥ , وغيره : قال : فما بقيت في المدينة مخدّرة ولا محجّبة إلا برزن من خدورهن , مكشوفة شعورهن , مخمشة وجوههن , ضاربات خدودهن , يدعون بالويل والثّبور , فلم أر باكياً أكثر من ذلك اليوم , ولا يوما أمر على المسلمين منه...(معهد الإمامين الحسنين).

٢٦٥

ألا فاخبر رسول الله عنا

بأنا قد فجعنا في أخينا

وإن رجالنا في الطف صرعى

بلا رؤوس وقد ذبحوا البنينا

وأخبر جدنا أنا أسرنا

وبعد الأسر يا جد سبينا

ورهطل يا رسول الله أضحوا

عاريا بالطفوف مسلبينا

وقد ذبحوا لحسين ولم يراعوا

جنابك يا رسول الله فينا

فلو نظرت عيونك لأسارى

على أقتاب الجمال محملينا

رسول الله بعد الصون صارت

عيون الناس ناظرة إلينا

وكنت تحوطنا حتّى تولت

عيونك ثارت الأعدا علينا

أفاطم لو نظر إلى السبايا

بناتك في البلاد مشتتينا

أفاطم لو نظرت إلى الحيارى

ولو أبصرت زين العابدينا

أفاطم لو رأيتنا سهارى

ومن سهر الليالي قد عمينا

أفاطم ما لقيت من عداكي

ولا قيراط مما لقينا

فلو دامت حياتك لم تزالي

إلى يوم القيامة تندبينا

وعرج بالبقيع وقف وناد

أأين حبيب رب العالمينا

وقل يا عم يا الحسن المزكى

عيال أخيك اضحوا ضائعينا

أيا عماه إن أخاك أضحى

بعيداً عنك بالرمضاء رهينا

بلا رأس تنوح عليه جهراً

طيور والوحوش الموحشينا

ولو عاينت يا مولاي ساقوا

حريماً لا يجدن لهم معينا

على متن النياق بلا وطاء

وشاهدت العيال مشكفينا

مدينة جدنا لا تقبلينا

فبالحسرات والأحزان جينا

خرجنا منك بالأهلين جمعاً

رجعنا لا رجال ولا بنينا

وكنا في الخروج بجمع شمل

رجعنا حاسرين مسلبينا

ونحن في أمان الله جهراً

رجعنا بالقطيعة خائفينا

ومولانا الحُسين لنا أنيس

رجعنا والحُسين به رهينا

فنحن الضائعات بلا كفيل

ونحن النائحات على أخينا

ونحن السائرات على المطايا

نشال على جمال المبغضينا

٢٦٦

ونحن بنات (يس) و(طه)

ونحن الباكيات على أبينا

ونحن الطاهرات بلا خفاء

ونحن المخلصون المصطفونا

ونحن الصابرات على البلايا

ونحن الصادقون الناصحونا

ألا يا جدنا قتلوا حسيناً

ولم يرعوا جناب الله فينا

لقد هتكوا النساء وحملوها

على الأقتاب قهراً أجمعينا

وزينب أخرجوها من خباها

وفاطم والهةً تبدي الأنينا

سكينة تشتكي من حر وجد

تنادي الغوث رب العالمينا

وزين العابدين بقيد ذل

وراموا قتله أهل الخؤنا

فبعدهم على الدُنيا تراب

فكأس الموت فيها قد سقينا

وهذي قصتي مع شرح حالي

ألا يا سامعون أبكوا علينا

قال الرّاوي : أمّا زينب , فأخذت بعضادتي باب المسجد ونادت : يا جدّاه إنّي ناعية إليك أخي الحُسين ! وهي مع ذلك لا تجفّ لها عبرة ولا تفتر من البكاء والنّحيب , وكلّما نظرت إلى عليّ بن الحُسين , تجدد حزنها وزاد وجدها.

وأمّا عليّ بن الحُسين (عليهما‌السلام ) ، فلمّا دخل إلى دار الرّسول , وجدها مقفرة الطّلول خالية من سكّانها حاكية أحزانها , وقد غشيها القدر النّازل ، وساورها الخطب الهائل , وأطلّت عليها عذبات المنايا , واظلّتها جحافل الرّزايا ، فهي موحشة العرصات لفقد الأئمة الهداة ، لهوام لي معاهدها صياح ، وللرياح في محو آثارها إلحاح ، ولسان حالها يندب ندب الفاقد ويذري دمعاً من عين ساهرة ، وقد جالت عواصف الشّمال والدّبور في تلك المعالم والقصور ، وقالت بلسان حالها : يا قوم , ساعدوني على الحزن على اُناس كنت آنس بهم في الخلوات ، واسمع تهجدهم في الصّلوات , فيا ليتني حيث لم أحطّ بالمساواة عند النّزال , وحرمت معالجة تلك الأهوال , كنت لأجسادهم الشّريفة محلاً لجثثهم موطناً ومجناً ، فكيف لا أندب الأطلال والدّوارس ، واوقض الأعين النّواعس ؟ وقد كان سكّانها سماري في ليلي ونهاري وهم شموسي وأقماري , وافتخر على أمثالي بجوارهم , واتمتع مواطىء أقدامهم وآثارهم ، فكيف يقلّ جزعي وحزني عليهم ؟

٢٦٧

وكيف لا تنهدّ أركاني تشوّقاً إليهم ؟! ولله درّ مَن قال :

وقفت على دار النّبي مُحمّد

فلقيتها قد أقفرت عرصاتها

وامت خلاء من تلاوة قارئ

وعطل منها صومها وصلاتها

وكانت ملاذاً للأنام وجنة

من الخطب يغني المعتفين صلاتها

فأقفرت من السادات من آل هاشم

ولم يجتمع بعد الحُسين شتاتها

فعيني لقتل السبط عبرى ولوعتي

على فقدهم ما تنقضي زفراتها

فيا كبدي كم تصبرين على الأذى

أما آن أن تقني إذاً حسراتها

أيّها المفتون بهذا المصاب ملاذ الحماة من سفرة الكتاب , بلزوم الأحزان على أئمة الأنام ورؤساء الإيمان ، فقد روي عن الباقر (عليه‌السلام ) , أنّ زين العابدين (عليه‌السلام ) كان مع علمه وصبره , شديد الجزع والشّكوى لهذه المصيبة والبلوى ، وأنّه بكى على أبيه أربعين سنة بدمع مسفوح وقلب مقروح , يقطع نهاره بصيامه وليله بقيامه ، فإذا حضر الطّعام لإفطاره , ذكر قتلاه ونادى : (( وا أباه ! )). ثمّ يقول : (( قُتل ابن رسول الله جائعاً , قُتل ابن رسول الله عطشاناً ، وأنا آكل طيباً وأشرب بارداً )). ثمّ يبكي كثيراً حتّى يبلّ ثيابه بدموعه ، ولله درّ من قال :

بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا

شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا

نكاد حين تناجيكم ضمائرنا

يقضي علينا الأسى لولا تآسينا

حالت لبعدكم أيامنا فغدت

سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا

إن الزمان الذي قد كان يضحكنا

أنساً بقربكم قد عاد يبكينا

نُقل : أنّه قيل لعلي بن الحُسين (عليه‌السلام ) : إلى متى هذا البكاء يا مولاي ؟ فيقول : (( يا قوم , إنّ يعقوب النّبي فقد سبطاً من أولاده الاثني عشر , فبكى عليه حتّى ابيضّت عيناه من الحزن , وابنه حيّ في دار الدُنيا ويعلم أنّه لم يمت ، وأنا قد نظرت بعيني إلى أبي وسبعة عشر من أهل بيتي قتلوا في ساعة واحدة ، فترون حزنهم يذهب من قلبي ، وذكرهم يخلو من لساني ، وشخصهم يغيب عن عيني ، لا والله , لا أنساهم حتّى أموت )).

فيا إخواني , على مثل هؤلاء الأبرار يحقّ أن يبكي الباكون ، وإيّاهم يندب النّادبون ، ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا

٢٦٨

تكونون كبعض مادحيهم حيث عرتهم الأحزان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة لابن حماد (رحمه‌الله )

نُقل : أنّ بعض الرّجال في يوم عاشوراء أتاه ليهنئه بالعيد على ما هو معروف بينهم , فقال :

هن بالعيد إن أردت سوائي

أي عيد لمستباح العزاء

إن في مأتمي عن العيد شغلاً

فاله عني وخلني بشجائي

فإذا الناس عيدوا بسرور

كان عيدي بزفرة وبكائي

وإذا جددوا الأبزة جددت

ثياباً من لوعتي وضنائي

وإذا أدمنوا الشراب فشربي

من دموعي ممزوجة بدمائي

وإذا استشعروا الغناء فنوحي

وعويلي على الحُسين غنائي

وقليل لو مت هماً ووجداً

لمصاب الغريب في كربلاء

أيهنا بعيده من مواليه

أياديهم يد الأعداء

آه يا كربلاء كم فيك من كرب

لنفس شجية وبلاء

أألذ الحياة بعد قتيل الطف

ظلماً إذاً لقل حيائي

كيف ألتذ شرب الماء وقد

جرع كأس الردى بكرب الظماء

كيف لا أسلب العزاء إذا ما

أنا مثلته سليب الرداء

كيف لا تسكب الدّموع جفوني

بعد تضريج شبيه بالدماء

تطأ الخيل جسمه في ثرى الطف

وجسمي يلتذ لين الوطاء

بأبي زينب وقد سبيت بالذل

من خدرها كسبي الإماء

فإذا عاينتيه ملقى على الترب

معرّى مجدلاً بالعراء

أقبلت نحوه فيمنعها الشمر

فتدعو في خفية وخفاء

أيها الشمر خلني اتزود

نظرة منه فهي أقصى منائي

ما لجدي عليك حق فلم

تضربني جاهراً بسوء مراء

ثم تدعو الحُسين يا شقيق روحي

وابن أمي خلفتني لشقائي

يا أخي يومك المشؤوم برى جسمي

وعظمي وأوهى قوائي

٢٦٩

يا أخي كنت أرتجيك لموتي

وحياتي فالآن خاب رجائي

يا أخي لو فداك من الموت شخص

كنت أفديك بي وقل فدائي

يا أخي لا حييت بعدك بل لا

عشت إلّا بمقلة عمياء

آه وا حسرتاه لفاطمة الصغرى

وقد أبرزت بذل السباء

كفها فوق رأسها من جوى الثكلٍ

فلهفي لها على الأحشاء

فإذا عاينت أباها صريعاً

فاحصاً باليدين في الرمضاء

لم تطق نهضة إليه من الضعف

تناديه في خفي النداء

يا أبا من ترى ليتمي وضعفي

بعدكم يا أبا ومن لضنائي

فإذا لم يطق جواباً هلما إلّا

بغمر الجفون بالإيماء

أقبلت نحو عمتيها وقالت

ما أرى والدي مع الأحياء

عمتا ما له جفاني وما كان

له قط عادة بالجفاء

يا بني أحمد السلام عليكم

ما أدارت كواكب الجوزاء

أنتم صفوة الإله من الخلق

ومن بعد خاتم الأنبياء

يا نجوم الهدى بنوركم يهدى

الورى في حنادس الظلماء

أنا مولاكم ابن حماد أعدتكم

في غد ليوم الجزاء

قد تمّ الجزء الثّاني من كتاب الـمُنتخب

وبه تمّ الكتاب

٢٧٠

الفهرس

المجلس الأوّل في الليلة السّادسة من عشر الـمُحرّم وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ٣

الباب الثّاني ١٢

الباب الثّالث ٢٠

المجلس الثّاني في اليوم السّادس من عشر الـمُحرّم وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ٢٦

الباب الثّاني ٣٣

حديث الكساء ٣٥

الباب الثّالث ٤٢

المجلس الثّالث من الجزء الثّاني في الليلة السّابعة من عشر الـمُحرّم وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ٤٨

الباب الثّاني ٥٥

الباب الثّالث ٦٣

المجلس الرّابع من الجزء الثّاني في السّابع من عشر الـمُحرّم وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ٧٢

الباب الثّاني ٧٩

الباب الثّالث ٨٧

المجلس الخامس من الجزء الثّاني في الليلة الثّامنة من عشر الـمُحرّم وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ٩٤

الباب الثّاني ١٠٢

الباب الثّالث ١١٠

المجلس السّادس من الجزء الثّاني في اليوم الثّامن من عشر الـمُحرّم وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ١٢١

الباب الثّاني ١٣٠

الباب الثّالث ١٣٦

المجلس السّابع من الجزء الثّاني في الليلة التّاسعة من عشر الـمُحرّم وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ١٤٤

الباب الثّاني ١٥٢

٢٧١

الباب الثّالث ١٦٠

المجلس الثّامن من الجزء الثّاني ، في التّاسع من عشر الـمُحرّم وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ١٦٧

الباب الثّاني ١٧٤

الباب الثّالث ١٨٠

المجلس التّاسع من الجزء الثّاني في الليلة العاشرة من الـمُحرّم وفي ابتداء مصرع الحُسين ( عليه‌السلام ) وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ١٨٦

الباب الثّاني ٢٠٣

الباب الثّالث ٢١٨

المجلس العاشر من الجزء الثّاني ، في العاشر من شهر المـُحرّم وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ٢٢٧

الباب الثّاني ٢٤٢

الباب الثّالث ٢٥٨

الفهرس ٢٧١

٢٧٢