المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء ٢

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة0%

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 139

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة

مؤلف: السيد محسن بن عبد الكريم الأمين
تصنيف:

الصفحات: 139
المشاهدات: 39378
تحميل: 3608


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 139 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39378 / تحميل: 3608
الحجم الحجم الحجم
المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء 2

مؤلف:
العربية

والله ، لفقدك الكرم والعز ، وا هاشماه ! يا نور عيني , مَن لولدك الذي لم تره عيناك ؟! فضجّ النّاس بالبُكاء والنّحيب. ثمّ إنّ سلمى أخذت سيفاً من سيوف هاشم وعطفت به على ركابه وعقرتها عن آخرها , وقالت لوصي هاشم : اقرأ المطّلب عنّي السّلام وقُل له : إنّي على عهد أخيه , وأنّ الرّجال بعده عليّ حرام.

هكذا فعلت سلمى بعد موت بعلها هاشم , ويحقّ لها أنْ تفعل ذلك على موت من خرج من صُلبه سيّد ولد آدم. أتدرون ما فعلت رباب زوجة أبي عبد الله الحسين (عليه‌السلام ) بعد رجوعها إلى المدينة ؟ فإنّها آلت على نفسها أنْ لا تستظلّ تحت سقف ، وعاشت بعد الحسين (عليه‌السلام ) سنة , ثمّ ماتت كمداً وحُزناً على الحسين (عليه‌السلام ).

وخطبها الأشراف من قريش , فقالت : والله ، لا كان لي حمو بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ). ولـمّا اُدخلت مع النّساء على يزيد بن معاوية , ورأت الرّأس الشّريف بين يديه , أخذت الرّأس ووضعته في حجرها وقبّلته , وقالت :

واحسينا فلا نسيتُ حسيناً

أقصدته أسنّة الأعداءِ

غادروه بكربلاءَ صريعاً

لا سقى الله جانبي كربلاءِ

وممّا قالته في رثاء الحسين (عليه‌السلام ) كما عن الأغاني :

إنّ الذي كان نوراً يُستضاءُ بهِ

بكربلاء قتيلٌ غير مدفونِ

قد كنتَ لي جبلاً صعباً ألوذُ بهِ

وكنتَ تصحبنا بالرّحمِ والدينِ

مَن لليتامى ومَن للسائلين ومَن

يغني ويؤوي إليه كُلّ مسكينِ

والله لا أبتغي صهراً بصهركمُ

حتّى اُغيّب بين الرّمل والطّينِ

المجلس الخامس بعد المئة

لـمّا بعث اللهُ تعالى نبيّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بالرّسالة , وذلك يوم الاثنين في السّابع والعشرين من شهر رجب وكان عمره أربعين سنة , أنزل الله تعالى عليه :( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ

٢١

الأَقْرَبِينَ ) (١) . فجمع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بني هاشم وهم نحو أربعين رجلاً , ثمّ قال لهم : (( إنّي بُعثتُ إلى الأسود والأبيض والأحمر , وأنّ الله عزّ وجل أمرني أنْ أنذر عشيرتي الأقربين , وأنّي لا أملك لكم من الله حظّاً إلّا أنْ تقولوا لا إله إلّا الله )). فقال له أبو لهب : لهذا دعوتنا ؟ ثمّ تفرّقوا عنه , فأنزل الله عليه :( تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبّ ) إلى آخر السّورة.

ثمّ دعاهم دفعة ثانية ، ثمّ قال لهم : (( أيكُم يكن أخي ووزيري ووصيي ووارثي وقاضي ديني ؟ )). فقال أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) , وهو أصغر القوم سنّاً : (( أنا يا رسول الله )). وفي رواية أنّه قال : (( فمَن يُجيبني إلى هذا الأمر ويوازرني على القيام به ، يكُن أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي )). فلم يجبه أحد منهم , فقام أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) وهو أصغرهم , وقال : (( أنا يا رسول الله اُوازرك على هذا الأمر )). فقال : (( اجلس )) حتّى قال ذلك ثلاثاً , وفي كُلّ مرّة يقوم أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) وهم سكوت , فقال : (( اجلس , فأنت أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي )). فنهض القوم وهم يقولون لإبي طالب مستهزئين , ليهنك اليوم أنْ دخلت في دين ابن أخيك فقد جعل ابنك أميراً عليك !

وروي أنّه جمعهم مرّة خمسة وأربعين رجلاً وفيهم أبو لهب , فظنّ أبو لهب أنّه يُريد أنْ ينزع عمّا دعاهم إليه , فقام إليه فقال له : يا محمّد , هؤلاء عمومتك وبنو عمّك قد اجتمعوا فتكلّم ، واعلم أنّ قومك ليست لهم بالعرب طاقة. فقام (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) خطيباً فحمد الله وأثنى عليه , ثمّ قال : (( إنّ الرّائد لا يكذب أهله , والله الذي لا إله ألّا هو , أنّي رسول الله إليكم حقّاً خاصة وإلى النّاس عاُمّة. والله , لتموتنّ كما تنامون , ولتبعثن كما تستيقضون , ولتحاسبن كما تعلمون , ولتجزون بالإحسان إحساناً , وبالسوء سوءاً , وأنّها الجنّة أبداً والنّار أبداً. إنّكم أوّل من اُنذرتم )). فآمن به قوم من عشيرته , وكان أوّل من آمن به علي بن ابي طالب (عليه‌السلام ).

بُعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يوم الاثنين , وأسلم علي (عليه‌السلام ) يوم الثّلاثاء , ثمّ أسلمت خديجة بنت خويلد اُمّ المؤمنين.

روى ابن عبد البر في الإستيعاب بسنده عن عفيف الكندي قال : كنت أمرأً تاجراً ، فقدمت الحجّ فأتيت العبّاس بن عبد المطّلب لأبتاع منه بعض التّجارة , وكان أمرأً تاجراً ، فوالله ، إنّي لَعنده بمنى إذ خرج رجل من خباء قريب منه , فنظر إلى الشّمس

____________________

(١) سورة الشّعراء / ٢١٤.

٢٢

فلمّا رآها قد مالت قام يُصلّي , ثمّ خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرّجل فقامت خلفه تُصلّي , ثمّ خرج غلام حين راهق الحلم من ذلك الخباء فقام معه يُصلّي , فقلت للعباس : مَن هذا يا عباس ؟ قال هذا محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب ابن أخي. قلت مَن هذه المرأة ؟ قال : امراته خديجة بنت خويلد. قلت : مَن هذا الفتى ؟ قال: علي بن ابي طالب (عليه‌السلام ) ابن عمّه. قلت : ما هذا الذي يصنع ؟ قال : يُصلّي , وهو يزعم أنّه نَبيّ , ولم يتبعه على أمره ألّا امرأته وابن عمّه هذا الغلام , وهو يزعم أنّه سيفتح على اُمّته كنوز كسرى وقيصر. قال : فكان عفيف الكندي يقول - وقد أسلم بعد ذلك وحسُن اسلامه - : لو كان الله رزقني الإسلام يومئذٍ كنت أكون ثانياً مع علي.

وما زال علي (عليه‌السلام ) مع كونه أوّل مَن آمن برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وصدّقه , مُلازماً له باذلاً في نصره مُهجته , وبسيفه قامت دعائم الإسلام وهُدّت أركان الشّرك , وحسبُك أنّه في يوم بدر قَتل نصف مَن قُتل من الـمُشركين ، وقتل الملائكة وسائر الـمُسلمين الباقي , وثبت في يوم اُحد بعدما انهزم النّاس عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يذبّ عنه ويُقاتل بين يديه بعدما قتل أصحاب اللواء كلّهم , وكُلمّا أقبل جماعة من الـمُشركين إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , يقول لعلي (عليه‌السلام ) : (( احمل عليهم )). فيشدّ عليهم بسيفه ويُفرّقهم ويقتل فيهم ، ونادى جبرائيل في ذلك اليوم : ( لا سيف إلّا ذو الفقّار ولا فتى إلّا علي ).

وبرز إلى عمرو بن عبد ودّ يوم الخندق فقتله بعدما جبُن عنه النّاس كلّهم , والنّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يدعوهم إلى مُبارزته ، وهم مُطرقون كأنّما على رؤوسهم الطّير , وفتح حصن خيبر وقتل مرحباً وقلع الباب الذي عجز الجمّ الغفير عن قلعه ؛ ولذلك لـمّا قال يزيد لعلي بن الحسين (عليه‌السلام ) لـمّا اُتي به إلى الشّام بعد قتل أبيه الحسين (عليه‌السلام ) : يابن الحسين , أبوك قطع رحمي وجهل حقّي ونازعني سُلطاني فصنع الله به ما قد رأيت. قال له علي بن الحسين (عليه‌السلام ) بعد كلام : (( يابن معاوية وهند وصخر , لقد كان جدّي علي بن ابي طالب في يوم بدر واُحد والأحزاب في يده راية رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وأبوك وجدّك في أيديهما رايات الكُفّار )). ثمّ قال علي بن الحسين (عليه‌السلام ) : (( ويلك يا يزيد ! إنّك لو تدري ماذا صنعت وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي , إذاً لهربت في الجبال

٢٣

وافترشت الرّماد(١) ودعوت بالويل والثّبور , أنْ يكون رأس أبي الحسين بن فاطمة وعلي منصوباً على باب مدينتكم , وهو وديعة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فيكم ؟! )).

ألا يابن هندٍ لا سقى الله تربةً

ثويت بمثواها ولا اخضرّ عودُها

أتسلبُ أثواب الخلافة هاشماً

وتطردُها عنها وأنت طريدُها

المجلس السّادس بعد المئة

روى الكُليني في الكافي بسنده عن الامام الصّادق (عليه‌السلام ) قال : بينا النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في المسجد الحرام وعليه ثياب له جدد , ألقى الـمُشركون عليه سِلا ناقة فملؤوا ثيابه بها ، فدخله من ذلك ما شاء الله ، فذهب إلى أبي طالب فقال له : (( يا عم , كيف ترى حَسبي فيكم ؟ )). فقال له : وما ذاك يا بن أخي ؟ فأخبره ، فدعا أبو طالب حمزة وأخذ السّيف وقال لحمزة : خُذ السّلا. ثُمّ توجّه إلى القوم والنّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) معه , فأتى قريشاً وهم حول الكعبة ، فلمّا رأوه عرفوا الشرّ في وجهه , ثُمّ قال لحمزة : أمر السّلا على سبالهم : أي شواربهم. ففعل ذلك حتّى أتى على آخرهم , ثُمّ التفت أبو طالب إلى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فقال : يابن أخي , هذا حُسبك فينا.

ولم يزل أبو طالب مُحامياً عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وناصراً له ودافعاً عنه أذّى قريش وجبابرتهم حتّى توفّاه الله ، وهو القائل للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) :

تالله لن يصلوا إليك بجمعهمْ

حتّى اُوسّد في التّراب دفينا

ودعوتني وزعمت أنّك ناصحٌ

ولقد صدقت وكنت ثمّ أمينا

فأين كان أبو طالب وأخوه حمزة بن عبد المطّلب عن حفيدهما الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) حين تألّب عليه أحفاد اُولئك الـمُشركين ، فأزعجوه عن حرم جدّه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى حرم الله ؟! وأزعجوه عن حرم الله حتّى أحلّوه بالعراء في غير

____________________

(١) وردت المفردة في مصادر اُخرى ( الرمال ) ، ولعلها الأقرب ؛ تساوقاً مع المعنى ووحدة السياق ، وكذلك مفردتي ( أنْ يكون ) فقد وردتا ( أيكون ) وهو الأقرب أيضاً. ( معهد الإمامين الحسنين ).

٢٤

حصن وعلى غير ماء , وحالوا بينه وبين ماء الفُرات , وأرادوا أنْ يحولوا بينه وبين رحله الذي فيه حرمه حتّى قال لهم : (( يا شيعة آل أبي سُفيان , إنْ لم يكُن لكُم دين ، وكُنتم لا تخافون المعاد , فكونوا أحراراً في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إنْ كنتم عرباً كما تزعمون )). وما كان وضع السّلا على ثياب رسول الله بأوجع لقلب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، وأبي طالب وحمزة من إجراء الخيل على جسد ريحانة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حتّى هشّمت الخيل بسناكبها أضلاعه ، وطحنت جنان صدره.

أبا حسنٍ إنّ الذين نماهُمُ

أبو طالبٍ بالطفّ ثاروا لطالبِ

تعاوتْ عليهم من بني حرب عصبةٌ

لثارات يوم الفتح حرّى الجوانبِ

فساموهُمُ أمّا الحياة بذلةٍ

أو الموت فاختاروا أعزّ المراتبِ

فها هُمْ على البوغاء ميل رقابهمْ

ولـمّا تمل من ذلّة في الشّواغبِ

المجلس السّابع بعد المئة

لـمّا بُعث النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بالرّسالة وصدع بما أمره الله تعالى , اجتمعت قريش إلى دار النّدوة وتعاقدوا بينهم على أنْ لا يُكلّموا بني هاشم وبني المطّلب ولا يُبايعوهم ، أو يُسلّموا إليهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ليقتلوه. وكتبوا في ذلك صحيفة وعلّقوها في جوف الكعبة , وأخرجوا بني هاشم من بيوتهم حتّى نزلوا شعب أبي طالب ، ووضعوا عليهم الحرس. فدخل الشِّعب مؤمن بني هاشم وبني المطّلب وكافرهم عدا أبي لهب وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب ، فبقوا في الشِّعب ثلاث سنين حتّى قامت جماعة من قريش ونقضت الصّحيفة , وسلّط الله الأرضة على الصّحيفة فأكلتها ولم يبقَ منها إلّا : باسمك اللهمّ. فكان رسول الله ، وهم بالشّعب ، إذا أخذ مضجعه ونامت العيون , جاءه أبو طالب فأنهضه عن مضجعه

٢٥

وأنام عليّاً في مضجعه , فقال علي ذات ليلة : (( يا أبتي إنّي مقتول )). فقال أبو طالب :

إصبرن يا علي فالصّبر أحجى

كلُّ حيٍّ مصيره لشعوبِ

قد بذلناك والبلاءُ عسيرٌ

لفداء النّجيب وابن النّجيبِ

لفداء الأغرّ ذي الحسب الثّا

قبِ والباع والفناء الرّحيبِ

إنْ رمتك المنون بالنّبل فاصبرْ

فمصيبٌ منها وغيرُ مصيبِ

كلُّ حيٍّ وإن تطاول عُمراً

آخذٌ من سهامها بنصيبِ

ولـمّا حضرت أبا طالب الوفاة , جمع بني أبيه وأحلافهم من قُريش ، ووصّاهم برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وأمرهم بنصرته والذّب عنه , وقال : إنّ ابن أخي محمّداً نبيّ صادق , وأنشأ يقول :

اُوصي بنصر الأمين الخير مشهدهُ

بعدي عليّاً وعمَّ الخير عبّاسا

وحمزةَ الأسد المخشي صولتهُ

وجعفراً أن يذوقوا قبله الباسا

وهاشماً كُلَّها اُوصي بنصرته

أنْ يأخذوا دون حرب القوم إمراسا

كونوا فدى لكم اُمّي وما ولدتْ

من دون أحمد عند الرّوع أتراسا

بكلِّ أبيض مصقولٍ عوارضه

تخاله في سواد الليل مقباسا

وكما حثّ أبو طالب ولده عليّاً (عليه‌السلام ) وحضّه على نصرة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , أوصى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ولديه محمّداً وعوناً وحضّهما على نصرة الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) ؛ وذلك أنّه لـمّا خرج الحسين (عليه‌السلام ) من مكّة إلى كربلاء , ألحقه عبد الله بن جعفر بإبنيه محمّد وعون وكتب له على أيديهما كتاباً بالرّجوع , ويقول له : إنّي مشفق عليك من الوجه الذي توجّهت له أنْ يكون فيه هلاكُك واستئصال أهل بيتك , وإنْ هلكت اليوم طفئ نور الأرض فإنّك علم المهتدين ورجاء المؤمنين , فلا تعجل بالمسير فإنّي في إثر كتابي ، والسّلام.

وصار عبد الله إلى عمرو بن سعيد أمير المدينة , فسأله أنْ يكتب للحُسين (عليه‌السلام ) أماناً ويُمنّيه البر والصّلة ، فكتب له وانفذه مع أخيه يحيى بن سعيد ، فلحقه يحيى وعبد الله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه ، وجهدا

٢٦

به في الرّجوع , فقال : (( إنّي رأيت رسول الله في المنام وأمرني بما أنا ماضٍ له )). فقالا له : فما تلك الرّؤيا ؟ قال : (( ما حدّثت بها أحداً حتّى ألقى ربّي عز وجل )). فلمّا أيس منه عبد الله بن جعفر , أمر إبنيه عوناً ومحمّداً بلزومه والمسير معه والجهاد دونه , ورجع هو إلى مكّة.

ولـمّا كان يوم عاشوراء , خرج محمّد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب , وهو يقول :

أشكو إلى الله من العدوانِ

قتالَ قومٍ في الرّدى عميانِ

قد تركوا معالمَ القُرآنِ

ومحكم التّنزيل والتّبيانِ

وأظهروا الكُفر مع الطّغيان

ثُمّ قاتل حتّى قتل عشرة أنفس ، فحمل عليه عامر بن نهشل التّميمي فقتله , وخرج أخوه عون بن عبد الله بن جعفر (عليه‌السلام ) ، واُمّه زينب بنت أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) , وهو يقول :

إنْ تنكروني فأنا ابنُ جعفرِ

شهيدِ صدقٍ في الجنان أزهرِ

يطير فيها بجناح أخضرِ

كفى بهذا شرفاً في المحشرِ

ثُمّ قاتل حتّى قتل - على رواية ابن شهر آشوب - ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلاً , فحمل عليه عبد الله بن قطبة الطّائي فقتله.

ولـمّا رجع أهل البيت إلى المدينة , دخل بعض موالي عبد الله بن جعفر فنعى إليه ابنيه ، فاسترجع وجعل النّاس يعزّونه , فقال مولى له يسمّى أبو اللسلاس : هذا ما لقينا من الحسين ! فحذفه عبد الله بن جعفر بنعله , ثُمّ قال : يابن اللخناء , أللحُسين تقول هذا ؟! والله ، لو شهدته لأحببت أنْ لا اُفارقه حتّى اُقتل معه. والله , إنّه لـمّا يسخي نفسي عنهما ويهوّن عليّ المصائب بهما , أنّهما اُصيبا مع أخي وابن عمّي مواسيين له صابرين معه.

ثُمّ أقبل على جُلسائه فقال : الحمد لله ، عزّ عليّ مصرع الحسين (عليه‌السلام ) ، أنْ لا أكن آسيت حُسيناً بيدي فقد آساه ولداي.

وفي عون ومحمّد يقول سُليمان بن قتّة العدوي :

٢٧

عينُ جودي بعبرةٍ وعويلِ

واندُبي إنْ بكيتِ آلَ الرّسولِ

ستّةٌ كلُّهم لصُلبِ عليٍّ

قد اُصيبوا وسبعةٌ لعقيلِ

واندُبي إنْ ندبتِ عوناً أخاهُمْ

ليس فيما ينوبُهمُ بخَذُولِ

فلَعمري لقد اُصيبَ ذوو القُرْ

بَى فبكِّي على الـمُصابِ الطّويلِ

وسَمِيِّ النَّبيِّ غُودرَ فيهمْ

قد عَلَوه بصارمٍ مصقولِ

فإذا ما بكيتِ عيني فجُودي

بدموعٍ تسيلُ كلَّ مسيلِ

المجلس الثّامن بعد المئة

لـمّا اشتدت قُريش في أذى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وأصحابه الذين آمنوا به بمكّة قبل الهجرة , أمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أصحابه أنْ يخرجوا إلى الحبشة ، وأمر جعفر بن أبي طالب أنْ يخرج معهم. فخرج جعفر ومعه سبعون رجلاً من الـمُسلمين حتّى ركبوا البحر , فلمّا بلغ قُريشاً خروجُهم , بعثوا عمرو بن العاص وعُمارة بن الوليد إلى النّجاشي ليردّهم إليهم. وقال عمرو بن العاص للنّجاشي: أيّها الملك , إنّ قوماً منّا خالفونا في ديننا وسبّوا آلهتنا ، وصاروا إليك ، فردّهم إلينا.

فبعث النّجاشي إلى جعفر [ واصحابه ] فجاؤوا , فقال : يا جعفر ، ما يقول هؤلاء ؟ فقال جعفر : أيّها الملك ، وما يقولون ؟ قال : يسألون أنْ أردّكم إليهم. قال : أيّها الملك , سلهم أعبيدٌ نحن لهم أم أحرار ؟ فقال عمرو : لا , بل أحرار كرام. قال : فسلهم ، ألهم علينا ديون يُطالبوننا بها ؟ فقال : لا , ما لنا عليكم ديون. قال : فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بها ؟ فقال عمرو : لا. فقال : فما تريدون منّا ؟ آذيتمونا فخرجنا من بلادكم. فقال عمرو بن العاص : أيّها الملك , خالفونا في ديننا وسبّوا آلهتنا ، وأفسدوا شبابنا وفرّقوا جماعتنا ، فردّهم إلينا لنجمع أمرنا. فقال جعفر : نعم أيّها الملك خالفناهم ؛ بعث الله فينا نبيّاً أمرنا بخلع الأنداد ، وترك

٢٨

الإستسقام بالأزلام , وأمرنا بالصّلاة والزّكاة , وحرّم الظّلم والجور وسفك الدّماء بغير حقّها ، والزّنا والرّبا ، والميتة والدّم ولحم الخنزير , وأمرنا بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القُربى ، ونهى عن الفحشاء والـمُنكر والبغي. فقال النّجاشي : بهذا بعث الله عيسى بن مريم. ثُمّ قال النّجاشي : يا جعفر ، هل تحفظ ممّا أنزل الله على نبيّك شيئاً ؟ قال : نعم. فقرأ عليه سورة مريم حتّى بلغ إلى قوله تعالى:( وَهُزّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرّي عَيْناً ) (١) . فلمّا سمع النّجاشي بهذا , بكى بُكاءً شديداً وقال : هذا والله ، هو الحقّ.

فقال عمرو بن العاص : أيّها الملك , إنّ هذا مُخالف لنا فردّهم إلينا. فرفع النّجاشي يده وضرب بها وجه عمرو , ثُمّ قال : اسكت ، والله ، لئن ذكرته بسوء لأفقدنّك نفسك. فقام عمرو بن العاص من عنده والدّماء تسيل على وجهه , وهو يقول : إنْ كان هذا كما تقول أيّها الملك فإنّا لا نتعرّض لهم.

أقول : ليتها كانت القاضية ؛ فإنّ عمراً هو الذي دبّر حرب صفّين وأفسد الأمر على أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) , وهو الذي أشار برفع المصاحف حيلةً ومكراً ، وكان يوم رفع المصاحف على رؤوس الرّماح يوماً عظيماً على أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) , وأعظم منه على أمير المؤمنين يوم رفع رأس ولده الحسين (عليه‌السلام ) ورؤوس أصحابه على رؤوس الرّماح بكربلاء , تُهدى من كربلاء إلى الكوفة ، ومن الكوفة إلى الشّام.

يقول سهل بن سعد : بينا أنا واقف بباب السّاعات إذا بالرّايات يتلو بعضها بعضاً , وإذا نحن بفارس بيده لواء منزوع السّنان ، عليه رأس من أشبه النّاس وجهاً برسول الله , فإذا من ورائه نسوة على جمال بغير وطاء , فدنوت من أولهنّ فقُلت : يا جارية , مَن أنت ؟ فقالت : أنا سُكينة بنت الحسين (عليه‌السلام ). فقُلت لها : ألك حاجة إليّ ، فأنا سهل بن سعد ، ممّن رأى جدك وسمعت حديثه ؟ قالت : يا سهل , قُل لصاحب هذا الرّأس أنْ يُقدّم الرّأس أمامنا حتّى يشتغل النّاس بالنّظر إليه ، ولا ينظروا إلى حرم رسول الله.

قال سهل : فدنوت من صاحب الرّأس فقلت له : هل لك أنْ تقضي حاجتي وتأخذ منّي أربعمئة دينار ؟ قال : ما هي ؟ قُلت : تُقدّم الرّأس أمام الحرم. ففعل ذلك ودفعتُ إليه ما وعدته.

____________________

(١) سورة مريم / ٢٥ - ٢٦.

٢٩

جاؤوا برأسك يابنَ بنت محمّدٍ

مُترمّلا ً بدمائهِ ترميلا

وكأنّما بك يابن بنت محمّدٍ

قتلوا جهاراً عامدين رسولا

قتلوك عطشاناً ولـمّا يرقبوا

في قتلك التأويلَ والتّنزيلا

ويكبّرون بأنْ قُتلت وإنّما

قَتلوا بك التّكبيرَ والتّهليلا

المجلس التّاسع بعد المئة

روى الشّيخ رحمه الله في الأمالي بسنده , قال : كان الله عزّ وجل قد منع نبيه بعمّه أبي طالب، فما كان يخلص إليه من قومه أمر يسوؤه مدّة حياته , فلمّا مات أبو طالب , نالت قُريش من رسول الله بغيتها وأصابته بعظيم من الأذى , فقال : (( لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم , وصلتك رحم وجزيت خيراً يا عم )). ثُمّ ماتت خديجة بعد أبي طالب بشهر ، فاجتمع بذلك على رسول الله حزنان حتّى عُرف ذلك فيه.

ثمّ انطلق ذوو الطّول والشّرف من قُريش إلى دار النّدوة ليأتمروا في رسول الله , وأسرّوا ذلك بينهم , فقال العاص بن وائل واُميّة بن خلف : نبني له بُنياناً نستودعه فيه فلا يخلص إليه أحد , ولا يزال في رنق من العيش حتّى يذوق طعم المنون. فقال قائل : بئس الرّأي ما رأيتم ! ولئن صنعتم ذلك ليسمعن هذا الحديث الحميم والمولى الحليف , ثُمّ لتأتين المواسم والأشهر الحُرم بالأمن فلينتزعن من أيديكم. فقال عتبة وأبو سُفيان : نُرحل بعيراً صعباً ونوثق محمّداً عليه ثُمّ نقصع البعير بأطراف الرّماح فُيقطّعه إرباً إرباً. فقال صاحب رأيهم : أرأيتم إنْ خلص به البعير سالماً إلى بعض الأفاريق , فأخذ بقلوبهم بسحره وبيانه وطلاقة لسانه ، فصبا القوم إليه واستجابت القبائل له , فيسيرون إليكم بالكتائب والمقانب؛ فلتهلكن كما هلكت إياد ! فقال أبو جهل : لكنّي أرى لكم

٣٠

رأياً سديداً ؛ وهو أنْ تعمدوا إلى قبائلكم العشر فتنتدبوا من كلّ قبيلة رجلاً بحداً , ثُمّ تُسلّحوه حُساماً عضباً ، حتّى إذا غسق الليل أتوا ابن أبي كبشة فقتلوه , فيذهب دمه في قبائل قريش ، فلا يستطيع بنو هاشم وبنو المطّلب مُناهضة قُريش فيرضون بالدّية. فقال صاحب رأيهم : أصبتَ يا أبا الحكم , هذا هو الرأي فلا تعدلوا به رأياً ، وكمّوا في ذلك أفواهكم. فخرجوا متفرّقين ، وهو قوله تعالى :( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) (١) .

فدعا رسول الله عليّاً (عليه‌السلام ) وأخبره بذلك , وقال له : (( أوحى إليّ ربّي أنْ أهجر دار قومي وأنطلق إلى غار ثور تحت ليلتي ، وأنْ آمرك بالمبيت على مضجعي ؛ ليخفى بمبيتك عليهم أمري ، فما أنت قائل ؟ )). فقال علي (عليه‌السلام ) : (( أوَ تسلمن بمبيتي هُناك يا نبيّ الله ؟ )). قال : (( نعم )). فتبسّم علي (عليه‌السلام ) ضاحكاً وأهوى إلى الأرض ساجداً شكراً لله ؛ لما بشّره بسلامته. فلمّا رفع رأسه قال له : (( امضِ فيما اُمرت ، ومُرني بما شئت , وما توفيقي إلا بالله )). قال : (( فارقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي )). ثم ضمّه النّبي إلى صدره وبكى وجداً به , وبكى علي (عليه‌السلام ) جزعاً لفراق رسول الله.

هذا رسول الله لـمّا أراد مفارقة أخيه وابن عمّه علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) , ضمّه إلى صدره وبكى وجداً به مع علمه بسلامته , وبكى علي (عليه‌السلام ) جزعاً لفراق رسول الله.

ساعد الله قلب أبي عبد الله الحسين (عليه‌السلام ) حين استأذنه أخوه وصاحب لوائه أبو الفضل العباس بن أمير المؤمنين في المبارزة ، وهو يعلم أنّه مقتول لا محالة , فبرز العباس وهو يقول :

لا أرهبُ الموت إذا الموت رقى

حتّى اُوارى في المصاليت لُقا

نفسي لسبط الـمُصطفى الطُهر وقا

إنّي أنا العبّاس أغدو بالسّقا

ولا أخاف الشرّ يوم الـمُلتقى

ولم يزل يُقاتل حتّى قُتل بعد أنْ اُثخن بالجراح فلم يستطع حراكاً , فبكى الحسين (عليه‌السلام ) لقتله بكاء شديداً.

____________________

(١) سورة الأنفال / ٣٠.

٣١

أحقّ النّاس أنْ يُبكى عليه

فتىً أبكى الحسين بكربلاء

أخوه وابنُ والده عليٍّ

أبو الفضل المضرّج بالدّماءِ

ومن واساه لا يثنيه شيءٌ

وجاد له على عطشٍ بماءِ

ويشبه إيثار أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) لرسول الله بالحياة , إيثار ولده أبي الفضل العباس لأخيه الحسين (عليه‌السلام ) يوم طفّ كربلاء حين فداه بروحه ووقاه بمهجته ؛ وذلك لـمّا ركب الحسين (عليه‌السلام ) المسناة يريد الفرات , وقد اشتدّ به العطش وبين يديه أخوه العباس , فاحاط القوم بالعباس فاقتطعوه عن أخيه الحسين (عليه‌السلام ) , فجعل العباس يُقاتلهم وحده حتّى قُتل.

واذكر أبا الفضل هل تنسى فضائلَه

في كربلا حين جدّ الأمرُ والتبسَا

وآسى أخاه وفاداه بمهجتهِ

وخاض في غمرات الموت منغمسَا

ففز أبا الفضل بالفضل العظيم بما

أسديته فعليك الفضلُ قد حُبسَا

قضيت حقّ الاخا والدّين مُبتذلاً

للنفس في سقي أطفال له ونِسَا

المجلس العاشر بعد المئة

في أمالي الشّيخ الطّوسي عليه الرّحمة , أنّه : لـمّا أمر الله تعالى نبيّه بالخروج من مكّة ليلة الغار وأنْ يبيت عليّاً على فراشه , أمر رسول الله أبا بكر وهنداً بن أبي هالة أنْ يقعدا له بمكان ذكره لهما في طريقه إلى الغار ، ولبث رسول الله مع علي يوصيه ويأمره بالصّبر حتّى صلىّ العشاءين , ثُمّ خرج رسول الله في فحمة العشاء الآخرة , ومضى حتّى أتى إلى هند وأبي بكر فنهضا معه حتّى وصلوا إلى الغار , ثُمّ رجع هند إلى مكّة لما أمره به رسول الله ، ودخل رسول الله وصاحبه الغار , فلمّا غلق الليل أبوابه وانقطع الأثر , أقبل القوم

٣٢

على علي (عليه‌السلام ) يقذفونه بالحجارة ولا يشكّون أنّه رسول الله ، حتّى إذا قرب الفجر هجموا عليه - وكانت دور مكّة يومئذٍ لا أبواب لها - فلمّا بصر بهم علي (عليه‌السلام ) قد انتظوا السّيوف وأقبلوا عليه بها ، وكان قد تقدّمهم خالد بن الوليد بن الـمُغيرة , وثب علي (عليه‌السلام ) فهمز يده فجعل خالد يقمص قماص البكر ويرغو رغاء الجمل , وأخذ سيف خالد وشدّ عليهم به فاجفلوا أمامه إجفال النّعم إلى ظاهر الدّار , وبصروه فإذا هو علي (عليه‌السلام ) , فقالوا : إنّك لعلي ؟! قال : (( أنا علي )). قالوا : فإنّا لم نردك , فما فعل صاحبك ؟ قال : (( لا عِلم لي به )).

فأذكت قريش عليه العيون ، وركبت في طلبه الصّعب والذّلول , وأمهل علي صلوات الله عليه حتّى إذا أعتمّ من الليلة القابلة , انطلق هو وهند بن أبي هالة حتّى دخلا على رسول الله في الغار , فأمر رسول الله هنداً أنْ يبتاع له ولصاحبه بعيرين , فقال صاحبه : قد اعددت لي ولك يا نبيّ الله راحلتين. فقال : (( إنّي لا آخذهما ولا أحدهما إلّا بالثّمن )). قال : فما لك بذلك. فأمر عليّاً (عليه‌السلام ) فأقبضه الثّمن.

يقول راوي الحديث : سُئل ابن أبي رافع : أكان رسول الله يجد ما ينفقه هكذا ؟ فقال : أين يذهب بك عن مال خديجة ! وأنّ رسول الله قال : (( ما نفعني مال قطّ مثل مال خديجة )).

وكان يفكّ من مالها الغارم والأسير ، ويحمل العاجز ، ويُعطي في النّائبة ، ويعطي فقراء أصحابه إذ كان بمكّة ، ويحمل مَن أراد منهم الهجرة.

وكانت قُريش إذا رحلت رحلتي الشّتاء والصّيف كانت طائفة من العير لخديجة , وكانت أكثر قُريش مالاً , وكان ينفق منه ما شاء في حياتها ، وورثها هو وولدها بعد مماتها.

ثُمّ إنّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وصّى عليّاً بحفظ ذمته وأداء أمانته , وكانت قُريش تدعو محمّداً في الجاهلية الأمين , وكانت تودعه أموالها ، وكذلك مَن يقدم مكّة من العرب في الموسم ، وجاءته النّبوة والأمر كذلك , فأمر عليّاً (عليه‌السلام ) أنْ يقيم منادياً بالأبطح غدوة وعشية : (( ألا مَن كان له قِبل محمّد أمانة فليأت ؛ لتؤدّى إليه أمانته )). وأمره أنْ يبتاع رواحل له وللفواطم ومَن أراد الهجرة معه من بني هاشم , وقال له : (( إذا قضيت ما أمرتك فكن على إهبة الهجرة

٣٣

إلى الله ورسوله , وانتظر قدوم كتابي إليك ولا تلبث بعده )).

وانطلق رسول الله إلى المدينة بعد أنْ بقي في الغار ثلاثة أيام , وقال علي (عليه‌السلام ) يذكر ذلك :

وقيتُ بنفسي خير مَن وطئ الحصا

ومَن طاف بالبيت العتيق وبالحجرِ

محمّدَ لـمّا خاف أنْ يمكروا به

فوقّاه ربي ذو الجلال من المكرِ

وبتّ اُراعيهم متى ينشرونني

وقد وطنتْ نفسي على القتلِ والأسرِ

وبات رسولُ الله في الغار آمناً

هُناك وفي حفظ الإله وفي سترِ

أقام ثلاثاً ثُمّ زمّتْ قلائصٌ

قلائصُ يفرين الحصا أينما يفري

ذكّرني هجوم قُريش على علي (عليه‌السلام ) بمكّة حين أباته ابن عمّه رسول الله على فراشه , هجوم أصحاب ابن زياد على مسلم بن عقيل بالكوفة حين أرسله ابن عمّه الحسين (عليه‌السلام ) ليأخذ له البيعة على أهلها , لكن هجوم قريش انتهى بخيبتهم وانتصار علي (عليه‌السلام ) عليهم وطردهم عن الدّار وسلامة رسول الله , وهجوم أصحاب ابن زياد انتهى بأخذ مسلم أسيراً وقتله , فإنّهم لـمّا اقتحموا عليه الدّار , شدّ عليهم يضربهم بسيفه حتّى أخرجهم من الدّار , ثُمّ عادوا عليه فشدّ عليهم كذلك فاخرجهم مراراً وقتل منهم , وضربه بكر بن حمران على فمه فقطع شفته العُليا وأسرع السّيف في السُفلى وفصلت لها ثنيتاه , وضربه مُسلم في رأسه ضربة مُنكرة وثناه باُخرى على حبل العاتق كادت تطلع إلى جوفه , فلمّا رأوا ذلك , أشرفوا عليه من فوق البيت وأخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النّار في القصب ويرمونها عليه , فخرج عليهم مُصلطاً سيفه في السّكة , وتكاثروا عليه بعد أنْ اُثخن بالجراح , فطعنه رجل من خلفه فخرّ إلى الأرض , فاُخذ أسيراً واُدخل على ابن زياد , فقال : اصعدوا به فوق القصر واضربوا عُنقه , ثُمّ اتبعوه جسده ، ففعل به ذلك.

فإنْ كُنت ما تدرين ما الموت فانظري

إلى هانئٍ في السّوق وابن عقيلِ

إلى بطلٍ قد هشّم السّيفُ وجهَهُ

وآخر يهوي من طمار قتيلِ

٣٤

المجلس الحادي عشر بعد المئة

في أمالي الشّيخ الطّوسي عليه الرّحمة , أنّه : لـمّا هاجر النّبي إلى المدينة , نزل في بني عمرو بن عوف بقبا , فأراه صاحبه على دخول المدينة , فقال : (( ما أنا بداخلها حتّى يقدم ابن عمّي وابنتي )) : يعني عليّاً وفاطمة (عليهما‌السلام ). ثُمّ كتب رسول الله إلى علي (عليه‌السلام ) مع أبي واقد الليثي يأمره بالمسير إليه , فلمّا أتاه الكتاب , تهيّأ للخروج وأمر مَن كان معه من ضُعفاء المؤمنين أنْ يتسلّلوا ليلاً إلى ذي طوى.

وخرج علي (عليه‌السلام ) بالفواطم ، وهنّ : فاطمة بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، واُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت الزّبير بن عبد المطّلب. وتبعهم أيمن بن اُمّ أيمن مولى رسول الله وأبو واقد الذي جاء بالكتاب , فجعل أبو واقد يسوق بالرّواحل سوقاً حثيثاً , فقال علي (عليه‌السلام ) : (( إرفق بالنّسوة يا أبا واقد ؛ إنهنّ من الضّعائف )). قال : إنّي أخاف أنْ يدركنا الطّلب. فقال علي (عليه‌السلام ) : (( أربع عليك )) : أي لا تخف.

ثُمّ جعل علي (عليه‌السلام ) يسوق بهنّ سوقاً رفيقاً , وهو يرتجز ويقول :

ليس إلّا الله فارفع ظنّكَا

يكفيك ربُّ النّاس ما أهمّكَا

ما رضي أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) أنْ يسوق أبو واقد بالفواطم سوقاً عنيفاً ؛ لأنهنّ من الضّعفاء , فياليت أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) لا غاب عن بنات الفواطم يوم حُملن من كربلاء إلى ابن زياد بالكوفة , ومن الكوفة إلى يزيد بالشّام على أقتاب الجمال , كأنّهن من سبايا التُرك أو الدّيلم , وليس معهُنّ من ولاتهنّ وليّ ، ولا من حماتهنّ حمي غير العليل زين العابدين (عليه‌السلام ) ، وقد أمر به ابن زياد فغلّ بغلٍّ إلى عُنقه حتّى اُدخلوا على يزيد وهم مقرّنون في الحبال ، وزين العابدين (عليه‌السلام ) مغلول ! فلمّا وقفوا بين يديه على

٣٥

تلك الحال , قال له علي بن الحسين (عليه‌السلام ) : (( أنشدك الله يا يزيد , ما ظنُّك برسول الله لو رآنا على هذه الصّفة ؟ )). فلم يبقَ في القوم أحد إلّا وبكى , فأمر يزيد بالحبال فقُطعت ، وأمر بفكّ الغلّ عن زين العابدين (عليه‌السلام ).

يُسار بها عُنفاً بلا رفق محرمِ

بها غير مغلولٍ يحنّ على صعبِ

ويحضرُها الطّاغي بناديه شامتاً

بما نال أهلَ البيت من فادح الخطبِ

وسار علي (عليه‌السلام ) , فلمّا قارب ( ضجنان )(١) , أدركه الطّلب ؛ وهم ثمانية فرسان ملثّمون ومعهم مولى لحرب بن اُميّة اسمه جناح. فقال علي (عليه‌السلام ) لأيمن وأبي واقد : (( أنيخا الإبل واعقلاها )). وتقدّم فأنزل النّسوة ، ودنا القوم فاستقبلهم علي (عليه‌السلام ) مُنتضياً سيفه , فقالوا : ظننت أنّك - يا غدّار - ناجٍ بالنّسوة ؟ ارجع لا أبا لك. قال : (( فإنْ لم أفعل ؟ )). قالوا : لترجعن راغماً أو لنرجعن بأكثرك شعراً ( أي برأسك ) ، وأهون بك من هالك.

ودنا الفوارس من المطايا ليثوروها ، فحال علي (عليه‌السلام ) بينهم وبينها , فأهوى له جناح بسيفه فراغ علي (عليه‌السلام ) عن ضربته ، وضربه على عاتقه فقتله , وشدّ على أصحابه - وهو على قدميه - شدّة ضيغم , وهو يرتجز ويقول :

خلّوا سبيلَ الجاهد الـمُجاهدِ

آليتُ لا أعبدُ غيرَ الواحدِ

فتفرّق القوم عنه وقالوا : احبس نفسك عنّا يابن أبي طالب. قال : (( فإنّي منطلق إلى أخي وابن عمّي رسول الله , فمَن سرّه أنْ أفري لحمه واُريق دمه فليدنُ منّي )). ثُمّ أقبل على أيمن وأبي واقد , وقال : (( إطلقا مطاياكما )). ثُمّ سار ظافراً قاهراً حتّى نزل ( ضجنان ) فلبث بها يومه وليلته , ولحق به نفر من المُستضعفين من المؤمنين ، فيهم اُم أيمن مولاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

وبات ليلته تلك هو والفواطم ، طوراً يصلّون

____________________

(١) مكان بين مكّة والمدينة.

٣٦

وطوراً يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم حتّى طلع الفجر ، فصلّى بهم صلاة الفجر , ثُمّ سار لا يفتر عن ذكر الله هو ومَن معه حتّى قدموا المدينة.

ذكّرني دخول علي (عليه‌السلام ) المدينة مع الفواطم ظافراً قاهراً لم يُصب بسوء , دخول ولده زين العابدين (عليه‌السلام ) المدينة مع بنات الفواطم ، لكن شتّان ما بين الدّخولين , فأمير المؤمنين (عليه‌السلام ) قد دخل المدينة ظافراً منصوراً على أعدائه , وولده زين العابدين (عليه‌السلام ) دخل المدينة بنساء أهل بيته بعد رجوعه من كربلاء , وقد قُتل أبوه الحسين (عليه‌السلام ) وقُتلت جميع أنصاره وأهل بيته (عليهم‌السلام )، وذُبحت أطفاله وسُبيت عياله , فدخل (عليه‌السلام ) إلى المدينة فرآها موحشة باكية ، ووجد ديار أهله خالية تنعى أهلها وتندُب سُكانها.

مررتُ على أبيات آل محمّدٍ

فلم أرها أمثالها يوم حلّتِ

فلا يُبعد الله الدّيار وأهلها

وإنْ اصبحت منهُم برغم تخلّت

المجلس الثّاني عشر بعد المئة

لـمّا هاجر النّبي من مكّة إلى المدينة ، هو وصاحبه ومولى صاحبه عامر بن فهيرة ودليلهم عبد الله بن أريقط الليثي , مرّوا على خيمة اُمّ معبد الخزاعية ، ثُمّ جاء زوجها أبو معبد , فقالت له : مرّ بنا رجل مُبارك من حاله كذا وكذا. قال : صفيه لي يا اُمّ معبد. قالت : رأيت رجلاً طاهر الوضاءة(١) ، أبلج الوجه(٢) ، حسن

____________________

(١) ظاهر الحسن.

(٢) طلق الوجه.

٣٧

الخلق , لم تعبه ثُجله(١) ولم تزر به صقله(٢) ، وسيماً(٣) قسيماً(٤) , في عينيه دعج(٥) وفي أشفاره وطف(٦) وفي عُنقه صطع(٧) وفي صوته صحل(٨) وفي لحيته كثاثة(٩) , أزج(١٠) أقرن(١١) ، أحور(١٢) أكحل(١٣) , إذا صَمُت فعليه الوِقار وإنْ تكلّم سما وعلاه البهاء(١٤) , أجمل النّاس وأبهاه من بعيد وأحسنه وأجمله من قريب , حلو المنطق فصل(١٥) لا نزر و لا هذر(١٦) ، كأنّ منطقه خرزات نظم يتحدّرن ربعة ، لا ييأس من طول ولا تقحمه(١٧) عين من قصر ، غصن بين غصنين ، فهو أنضر(١٨) الثّلاثة منظراً وأحسنهم قدّاً , له رُفقاء يحفّون به إنْ قال أنصتوا لقوله ، وإنْ أمر تبادروا إلى أمره , محفود(١٩) محشود(٢٠) لا عابس ولا مفند(٢١) .

قال أبو معبد : هو - والله - صاحب قُريش الذي ذُكر لنا من أمره بمكّة ما ذُكر , ولقد هممت بأنْ أصحبه ولأفعلنّ إنْ وجدت إلى ذلك سبيلاً.

وقيل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) : كيف لم يصف أحد النّبي كما وصفته اُمّ معبد ؟ فقال : (( لأنّ النّساء يصفن الرّجال بأهوائهن ، فيُجدن في صفاتهن )).

وكان أشبه النّاس برسول الله

____________________

(١) الثُّلجة : بضم الثّاء عظم البطن.

(٢) لم تعبه دقّة ونحول.

(٣) حسن الوجه.

(٤) اُعطي كُلّ شيء منه قسمه من الحسن.

(٥) سواد مع سعة.

(٦) كثرة شعر أشفار العين.

(٧) طول.

(٨) بحوحة.

(٩) كثرة الشّعر.

(١٠) دقيق الحاجبين : طويلهما.

(١١) مقرون الحاجبين : متصل احدهما بالآخر.

(١٢) الحَوَر : اشتداد بياض العين , وسواد سوادها.

(١٣) يعلو جفون عينيه سواد مثل الكحل.

(١٤) الحسن والجمال.

(١٥) يفصل بين الحقِّ والباطل.

(١٦) لا قليل ولا كثير.

(١٧) تحتقره.

(١٨) أجمل.

(١٩) مخدوم.

(٢٠) يتبعه حشد لخدمته.

(٢١) لا يجرأ أحد على تخطئته وتنفيد رأيه.

٣٨

ولده الحسين وعلي بن الحسين الأكبر , وكانت الزّهراء (عليها‌السلام ) تقول للحُسين (عليه‌السلام ) وهي ترقصه :

أنتَ شبيهٌ بأبيْ

لستَ شبيهاً بِعليْ

وترقص الحسن (عليه‌السلام ) وتقول :

إشبه أباك يا حسنْ

واخلع عن الحقّ الرّسنْ

واعبد إلهاً ذا مننْ

ولا توالِ ذا الإحنْ

ولذلك لـمّا حضر رأس الحسين (عليه‌السلام ) بين يدي ابن زياد , فجعل ينظر إليه ويبتسم ، وكان في يده قضيب ، فجعل يضرب به ثنياه , ويقول : إنّه كان حسن الثّغر. وكان عنده أنس بن مالك ، فبكى أنس وقال : كان أشبههم برسول الله.

ولـمّا برز علي الأكبر يوم كربلاء , نظر إليه الحسين (عليه‌السلام ) نظرة آيس منه وأرخى عينيه فبكى , ثُمّ رفع سبابتيه نحو السّماء , وقال : (( اللهمّ كُن أنت الشّهيد عليهم , فقد برز إليهم غلام أشبه النّاس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك , وكُنّا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إليه )).

ألا لعن الله أهل الكوفة ، فما رقّت قلوبهم لشبيه رسول الله علي الأكبر حتّى قطّعوه بأسيافهم ، ووقف عليه الحسين (عليه‌السلام ) وقال : (( قَتل الله قوماً قتلوك يا بُني , ما أجرأهم على الرّحمن وعلى انتهاك حُرمة الرّسول ! على الدّنيا بعدك العفا )) :

يا كوكباً ما كان أقصرَ عمرُهُ

وكذا تكون كواكبُ الأسحارِ

جاورتُ أعدائي وجاور ربَّهُ

شتّان بين جواره وجواري

المجلس الثّالث عشر بعد المئة

لـمّا كانت غزوة بدر , وهي أوّل غزوات رسول الله وأشدّهما نكاية في

٣٩

المشركين , وبها أذلّ الله جبابرة قُريش ، وبها تمهدت قواعد الدّين وثبت أساس الإسلام ، كان علي (عليه‌السلام ) قُطب رُحاها وليث وغاها , وكان عمره يومئذ خمساً وعشرين أو سبعاً وعشرين سنة , وكان الـمُشركون فيها نحواً من ألف ومعهم مئتا فرس يقودونها ، والمسلمون ثلاثمئة وثلاثة عشر أو أزيد بقليل ومعهم ثمانون بعيراً وفرس واحد للمقداد , فأوّل مَن برز من الـمُشركين عتبة بن ربيعة ، وكان رئيس القوم ، وأخوه شيبة وابنه الوليد بن عُتبة , فدعوا إلى الـمُبارزة ، فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار , فقالوا لهم : ارجعوا فما لنا بكم من حاجة. ثُمّ نادوا : يا محمّد , اخرج إلينا أكفّاءنا من قومنا. فقال النّبي: (( يا بني هاشم , قوموا فقاتلوا بحقّكم الذي بعث الله به نبيكم )). فقام حمزة بن عبد المطّلب وعلي بن أبي طالب وعُبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب بن عبد مُناف , فبرزوا وهم مُقنّعون في الحديد فلم يعرفهم عتبة , فسألهم : مَن أنتم ؟ فانتسبوا له , فقال : أكفاء كرام. فبارز حمزة عُتبة فقتله , وبارز عليّ - وكان أصغر القوم سنّاً - الوليد فقتله , وبارز عُبيدة - وكان أسنّ القوم - شيبة فجرحه ، وضربه شيبة على ساقه فقطعها , وكرّ حمزة وعلي على شيبة فقتلاه واحتملا عُبيدة , ولـمّا جيء بعُبيدة ، وإنّ مُخّ ساقه ليسيل , قال : يا رسول الله , ألست شهيداً ؟ قال : (( بلى )). قال : أما والله , لو كان أبو طالب حيّاً لعلم أنّي أحقّ بقوله :

كذبتمْ وبيتِ الله نُخلي محمّداً

ولـمّا نطاعنْ دونه ونناضلِ

وننصره حتّى نُصرّع حولهُ

ونذهل عن أبنائنا والحلائلِ

وحُمل عُبيدة من مكانه فمات بالصّفراء. وجميع مَن قُتل في هذه الوقعة من الـمُشركين سبعون رجلاً ، واُسر منهم نحو من سبعين رجلاً , قَتل المسلمون النّصف وقَتل علي (عليه‌السلام ) - باتّفاق الرّواة - منهم خمسة وثلاثين بقدر النّصف , وقيل ستّة وثلاثين ، أكثر من النّصف بواحد ، فعدّوا معهم عيسى بن عثمان , وشرك في قتل شيبة.

وكان فيمَن قتله علي (عليه‌السلام ) العاص بن سعيد بن العاص بن اُميّة ، قتله مبارزة بعد أنْ أحجم عنه غيره , وطعيمة بن عدي ، وكان من رؤوس أهل الضّلال ، ونوفل بن خويلد ، وكان

٤٠