المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء ٢

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة0%

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 139

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة

مؤلف: السيد محسن بن عبد الكريم الأمين
تصنيف:

الصفحات: 139
المشاهدات: 39439
تحميل: 3620


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 139 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39439 / تحميل: 3620
الحجم الحجم الحجم
المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء 2

مؤلف:
العربية

من شياطين قريش وأشدّ النّاس عداوة لرسول الله ، وحنظلة بن أبي سفيان , وقُتل في هذه الوقعة أبو جهل عدو رسول الله الألد.

وقد زرعت هذه الوقعة الأضغان في قلب يزيد بن مُعاوية بقتل جدّ أبيه عتبة وأخيه شيبة وخال أبيه الوليد وأخيه حنظلة حتّى أظهرها حين جيء إليه برأس الحسين (عليه‌السلام ) , فجعل يقول :

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا

جزعَ الخزرج من وقع الأسلْ

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً

ثُمّ قالوا يا يزيد لا تشلْ

قدْ قتلنا القَرَمَ من ساداتهمْ

وعدلناه ببدرٍ فاعتدلْ

لعبت هاشمُ بالـمُلك فلا

خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزلْ

لستُ من خندفَ إنْ لمْ انتقمْ

من بني أحمدَ ما كان فعلْ

فقامت زينب بنت علي (عليه‌السلام ) وخطبت خطبتها العظيمة المشهورة , وقالت من جملتها : وتهتف بأشياخك زعمت أنّك تُناديهم ، فلتردن وشيكاً موردهم , ولتودّن أنّك شللت وبكمت ولم تكن قُلت ما قُلت وفعلت ما فعلت ! ثُمّ قالت: اللهمّ , خُذ لنا بحقّنا ، وانتقم ممّن ظلمنا ، واحلُل غضبك بمَن سفك دماءنا وقتل حُماتنا.

ثاراتُ بدرٍ اُدركتْ في كربلا

لبني اُميّة من بني الزّهراءِ

وهذا ابنُ هندٍ من بني الطّهر

فاطمٍ بثارات بدرٍ أصبحَ اليوم يثأرِ

المجلس الرّابع عشر بعد المئة

كان رجل يُسمّى أبا العاص بن الرّبيع ، وكان من رجال مكّة المعدودين مالاً

٤١

وأمانة وتجارة , وكان ابن اُخت خديجة اُمّ المؤمنين ، وزوّجه النّبي ابنته زينب قبل النّبوة , وولد له منها بنت اسمها اُمامة ، وهي التي أوصت الزّهراء (عليها‌السلام ) أميرَ المؤمنين (عليه‌السلام ) أنْ يتزوج بها بعدها , فقالت في جملة ما أوصته به : (( وأنْ تتزوج بعدي بابنة اُختي اُمامة ؛ فإنّها تكون لولدي مثلي )). فتزوج بها أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) بعد وفاة الزّهراء (عليها‌السلام ) , فلمّا أكرم الله رسوله بالنّبوة , آمنت به خديجة وبناته ومنهنّ زينب ، وبقي أبو العاص مشركاً , وكان الإسلام قد فرّق بينه وبين زينب إلّا أنّ رسول الله كان لا يقدر وهو بمكّة أنْ يُفرّق بينهما , فلمّا دعا النّبي قومه إلى الإسلام , باعدوه وقالوا : إنّكم قد فرغتم محمّداً من همّه ؛ أخذتم عنه بناته فردّوهن عليه يشتغل بهن. فقالوا لأبي العاص : فارق بنت محمّد ونحن نزوّجك أي امرأة شئت من قُريش. فقال : لا اُفارقها وما اُحب أنّ لي بها امرأة من قُريش.

فكان رسول الله إذا ذكره يُثني عليه خيراً في صهره , فلمّا هاجر رسول الله إلى المدينة , بقيت زينب بنت رسول الله بمكّة مع أبي العاص , فلمّا سارت قُريش إلى بدر , سار أبو العاص معهم فأُسر , فلمّا بعثت أهل مكّة في فداء اُساراهم , بعثت زينب بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في فداء زوجها أبي العاص بمال , وكان فيما بعثت به قلادة كانت خديجة اُمّها ادخلتها بها على أبي العاص ليلة زفافها عليه , فلمّا رأى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قلادة ابنته زينب ، رقّ لها رقّة شديدة , وقال للمُسلمين : (( إنْ رأيتم أنْ تطلقوا لها أسيرها وتردّوا عليها ما بعثت به من الفداء , فافعلوا )). فقالوا : نعم يا رسول الله , نفديك بأنفسنا وأموالنا. فَردّوا عليها ما بعثت به وأطلقوا لها أبا العاص بغير فداء.

أقول : إذا كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لـمّا نظر إلى قلادة ابنته زينب , رقّ لها رقّة شديدة , وهي لم تُسلب منها ولم تؤخذ قهراً ، بل أرسلتها طوعاً لفداء زوجها الذي هو أسير عند أبيها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وقد خرج لمحاربته , فما كان يجري على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لو نظر إلى قلادة ابنته زينب بنت علي وفاطمة (عليهم‌السلام ) ، وقلادة ابنته وبضعته فاطمة الزّهراء (عليها‌السلام ) ، وقلائد سائر بناته بين يدي عمر بن سعد ويزيد وابن زياد ؟! وذلك لـمّا قُتل الحسين (عليه‌السلام ) وأقبل القوم على نهب بيوت آل الرّسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، واقتحموا

٤٢

على النّساء يسلبونهنّ ؛ ولذلك لـمّا وعد يزيد علي بن الحسين (عليه‌السلام ) أنْ يقضي له ثلاث حاجات ، كانت إحدى الحاجات أنْ يردّ عليهم ما اُخذ منهم. فقال يزيد : أنا اُعوّضكم عنه أضعاف قيمته. فقال (عليه‌السلام ) : (( أمّا مالك فلا نريده ، وهو موفّر عليك , وإنّما طلبت ما اُخذ منّا ؛ لأنّ فيه مغزل فاطمة بنت محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، ومقنعتها وقلادتها )). فأمر بردِّ ذلك.

سُلبتْ وما سُلبتْ محا

مدُ عزِّها الغُرّ البديعة

وهل كانت زينب تعدل عند رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وعند المسلمين اُختها فاطمة الزّهراء سيّدة نساء العالمين (عليها‌السلام ) ؟ وهل كان أبو العاص يعدل أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) ؟ لا والله.

فَعلتمْ بأبناء النّبيِّ ورهطهِ

أفاعيلَ أدناها الخيانةُ والغدرُ

المجلس الخامس عشر بعد المئة

لـمّا أطلق رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أبا العاص , زوج ابنته زينب الذي اُسر يوم بدر , شرط عليه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أنْ يبعث إليه زينب إلى المدينة , فلمّا خرج أبو العاص إلى مكّة , بعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار, فقال : (( كونا بمكان كذا حتّى تمرّ بكما زينب ، فتأتياني بها )).

وقدم أبو العاص إلى مكّة فأرسلها مع أخيه كنانة بن الرّبيع ، وأركبها في هودج وخرج بها نهاراً , فقالت قريش : لا تخرج ابنة محمّد من بيننا على تلك الحال. فخرجوا في طلبها حتّى أدركوها بذي طوى , فروّعها هبار بن الأسود بالرّمح وهي في الهودج وكانت حاملاً , فلمّا رجعت أسقطت , ولـمّا رأى كنانة القوم قد أقبلوا , برك ونثل كنانته وأخذ منها سهماً ووضعه في قوسه , وقال : والله , لا يدنو منها رجل إلّا وضعت فيه سهماً. فجاء رؤساء قُريش وفيهم

٤٣

أبو سُفيان , فقالوا : إنّك لم تصب ، خرجت بها علانية وقد عرفت مصيبتنا ببدر فيظنّ النّاس إذا خرجت بها جهاراً إنّ ذلك عن ذلّ ووهن أصابنا , ولكن ارجع ، فإذا هدأت الأصوات وتحدّث النّاس بردّها ، فاخرج بها سرّاً. فرجع كنانة ، ثُمّ خرج بها ليلاً حتّى سلّمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه. فقدما بها على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فأهدر دم هبار لـمّا بلغه ذلك , فلمّا كان يوم فتح مكّة , أتاه هبار مُسلماً , فقبل إسلامه وعفا عنه.

بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ! أهدرت دم هبار ؛ لأنّه روّع ابنتك زينب حتّى أسقطت , فما كنت صانعاً لو نظرت إلى مَن روّع بناتك يوم كربلاء بعد قتل ولدك الحسين (عليه‌السلام ) حين هجم القوم على خيام بناتك وعيالاتك ، وانتهبوا ما فيها وأضرموا فيها النّار ؟!

قال حميد بن مُسلم : رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عُمر بن سعد , فلمّا رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين (عليه‌السلام ) في فسطاطهن وهم يسلبونهن , أخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط , وقالت : يا آل بكر بن وائل , أتُسلب بنات رسول الله ؟! لا حكم إلا لله ، يا لثارات رسول الله ! فاخذها زوجها وردّها إلى رحله.

وحائراتٍ أطار القومُ أعينَها

رُعباً غداة عليها خدرها هجموا

كانتْ بحيث عليها قومُها ضربتْ

سرادقاً أرضه من عزمهم حرمُ

فغودرتْ بين أيدي القوم حاسرةً

تُسبى وليس لها مَن فيه تعتصمُ

وأقام أبو العاص بمكّة على شركه ، وزينب عند أبيها (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فخرج أبو العاص قبل فتح مكّة بيسير تاجراً إلى الشّام بمال له ولقُريش , فلمّا رجع لقيته سريّة لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فأخذوا ما معه وهرب , فجاءت السريّة بما أخذت منه إلى رسول الله ، وخرج أبو العاص حتّى دخل ليلاً على زينب في طلب ماله , فاستجار بها فأجارته ، فلمّا كبّر رسول الله في صلاة الصبح , صرخت زينب من صفة النّساء : أيّها النّاس , قد أجرت أبا العاص بن الرّبيع. فلمّا فرغ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من الصّلاة , دخل

٤٤

عليها وقال لها : (( اكرمي مثواه واحسني قراه )). ثُمّ قال للسريّة الذين أصابوا مال أبي العاص : (( إنّ هذا الرجل منّا بحيث علمتهم , فإنْ تُحسنوا وتردّوا عليه الذي له , فإنّا نحب ذلك , وإنْ أبيتم فهو فيء الله الذي أفاءه عليكم , وأنتم أحقّ به )). فقالوا : بل نردّه. فردّوه عليه ثُمّ ذهب إلى مكّة فردّ إلى النّاس أموالهم ثُمّ أسلم ورجع إلى المدينة ، فردّ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عليه زينب.

قال أبو العاص : كنت مستأسراً مع رهط من الأنصار ، جزاهم الله خيراً , فكانوا يؤثرونني بالخبز ويأكلون التمر , والخبزعندهم قليل ، حتّى إنّ الرّجل لتقع في يده الكسرة فيدفعها إليّ. وقال الوليد بن المغيرة : كانوا يركبوننا ويمشون.

وهذه سُنّة الإسلام في الأسير ؛ من إكرامه والرّفق به وإنْ كان كافراً. ألا قاتل الله عُبيد الله بن زياد فإنّه لم يرفق باسارى كربلاء ولم يكرمهم , وهم عترة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وسادات الـمُسلمين ، وأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً , فأمر بزين العابدين (عليه‌السلام ) إمام أهل البيت ووارث علوم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فَغلّ بغلّ إلى عنقه وبعثه كذلك مع عمّاته وأخواته إلى يزيد بالشّام.

ليس هذا لرسول اللهِ يا

اُمّة الطُّغيان والبغي جزا

جزروا جزرَ الأضاحي نسلَهُ

ثُمّ ساقوا أهله سَوق الإما

المجلس السّادس عشر بعد المئة

لـمّا كانت وقعة اُحد , جاءت قُريش ومَن طاعها من القبائل , وخرجوا معهم بالنّساء يضربن بالطّبول والدّفوف ويُحرّضن على الحرب , فيهن هند زوجة أبي

٤٥

سفيان ، وكان رئيس القوم , وكان الـمُشركون ثلاثة آلاف فيهم سبعمئة درع ومئتا فرس , والـمُسلمون ألفاً وفيهم مئة درع والخيل فرسان , فرجع منهم ثلاثمئة من الـمُنافقين فبقوا سبعمئة , وكان الفتح في هذه الوقعة وانهزام الـمُشركين على يد أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) كما في وقعة بدر , وقتل بسيفه صناديد الـمُشركين ورؤوس الضّلال ، وفرّج الله به الكرب عن وجه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

وجعل الـمُشركون على ميمنتهم خالد بن الوليد ، وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل ، ولواؤهم مع بني عبد الدّار , وكان لواء النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مع علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) ، فلمّا علم أنّ لواء المُشركين مع بني عبد الدّار , أعطى لِواءه رجلاً منهم يُسمّى مُصعب بن عُمير , فلمّا قُتل ردّه إلى علي (عليه‌السلام ).

واستقبل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) المدينة وجعل اُحداً ظهره , وجعل وراءه الرّماة ، وكانوا خمسين رجلاً ، وأمر عليهم عبد الله بن جُبير , وقال له : (( اثبت مكانك إنْ كانت لنا أو علينا )). ولبس (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) درعين.

وقتل علي (عليه‌السلام ) أصحاب اللواء ، فيما رواه ابن الأثير عن أبي رافع , وكانوا سبعة ، منهم طلحة وكان يُسمّى كبش الكتيبة وابنه أبو سعيد وأخوه خالد وعبدٌ لهم يُسمّى صوباً أخذ اللواء لـمّا قتل مواليه ، فَقتله علي (عليه‌السلام ) وانهزم الـمُشركون ودخل المسلمون عسكرهم ينهبون , فلمّا رأى ذلك بعض الرّماة , اقبلوا يُريدون النّهب وثبتت طائفة مع أميرهم , فنزلت :( مِنكُم مَن يُرِيدُ الدّنْيَا وَمِنكُم مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ ) (١) .

فرأى خالد بن الوليد قلّة مَن بقي من الرّماة فحمل عليهم فقتلهم , وحمل على أصحاب النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من خلفهم , فلمّا رأى الـمُشركون خيلهم تُقاتل , حملوا على الـمُسلمين فهزموهم.

قال ابن الأثير : ورجع رجل من الصّحابة وجماعة من هزيمتهم بعد ثلاثة أيام , فقال لهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( لقد ذهبتم فيها عريضة )).

وباشر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الحرب بنفسه ، وجُرح وسقط لوجهه وكُسِرَت رُباعيته : أي سنّه. وثبت معه علي (عليه‌السلام ) يذبّ عنه ويُقاتل بين يديه ، وكان رجوع النّاس من هزيمتهم إلى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بثبات علي ومقامه ، وتوجّه العتاب من الله تعالى إلى عامّتهم ؛ لهزيمتهم سوى علي (عليه‌السلام ) , وذلك قوله تعالى :( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى‏ أَحَدٍ وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّا بِغَمّ لِكَيْلاَ تَحْزَنُوا عَلى‏ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا

____________________

(١) سورة آل عمران / ١٥٢.

٤٦

أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (١) وقوله تعالى :( إِنّ الّذِينَ تَوَلّوْا مِنكُمْ يَوْمَ التّقَى الْجَمْعَانِ إِنّمَا اسْتَزَلّهُمُ الشّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) (٢) .

قال ابن الأثير : فأبصر النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) جماعة من الـمُشركين , فقال لعلي : (( احمل عليهم )). فحمل عليهم وفرّقهم وقتل فيهم ، ثُمّ رأى جماعة اُخرى فقال له : (( احمل عليهم )). فحمل عليهم وفرّقهم وقتل فيهم.

هذه هي المواساة ولا تقصر عنها مواساة أبي الفضل العبّاس (عليه‌السلام ) يوم كربلاء لأخيه الحسين (عليه‌السلام ) , وكان صاحب لواء الحسين (عليه‌السلام ) كما كان أميرالمؤمنين (عليه‌السلام ) صاحب لواء رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فخرج العبّاس يطلب الماء وحمل على القوم , وهو يقول :

لا أرهب الموتَ إذا الموتُ رقى

حتّى اُوارى في المصاليت لُقا

نفسي لسبط الـمُصطفى الطّهر وقا

إنّي أنا العبّاس أغدو بالسّقا

ولا أخاف الشّر يوم الـمُلتقى

فضربه زيد بن ورقاء على يمينه فقطعها , فأخذ السّيف بشماله فضربه حكيم بن الطُفيل على شماله فقطعها , وضربه آخر بعمود من حديد فقتله , فبكى الحسين (عليه‌السلام ) لِقتله بُكاءً شديداً.

واذكر أبا الفضل هل تُنسى فضائلُهُ

في كربلا حين جدّ الأمرُ والتبسا

وآسى أخاه وفاداه بمُهجتِهِ

وخاض في غمرات الموت مُنغمسا

المجلس السّابع عشر بعد المئة

في الكامل لابن الأثير : لـمّا كان يوم اُحد وانهزم الـمُسلمون بمخالفة الرّماة أمر

____________________

(١) سورة آل عمران / ١٥٣.

(٢) سورة آل عمران / ١٥٥.

٤٧

رسول الله ، كسرت رباعية رسول الله السّفلى ، والرّباعية : هي السّن. وشقّت شفته وجُرح في وجنته ، ولـمّا جُرح رسول الله , جعل الدّم يسيل على وجهه وهو يمسحه , ويقول : (( كيف يفلح قوم خضّبوا وجه نبيهم بالدّم وهو يدعوهم إلى الله )).

وترّس أبو دجانة رسول الله بنفسه - يعني جعل نفسه كالتّرس له - فكان يقع النّبل في ظهره وهو منحن عليه ، كما ترّس سعيد بن عبد الله الحنفي الحسين (عليه‌السلام ) يوم عاشوراء , ووقف يقيه من النّبال بنفسه ، ما زال ولا تخطّى , فما زال يرمى بالنّبل حتّى سقط إلى الأرض وهو يقول : اللهمّ , العنهم لعن عاد وثمود. اللهمّ , أبلغ نبيك عنّي السّلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح , فإنّي أردت ثوابك في نصر ذرّيّة نبيك. ثُمّ قضى نحبه رضوان الله عليه , فوجد فيه ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السّيوف وطعن الرّماح.

وكذلك فعل عمرو بن قرظة الأنصاري , فإنّه كان لا يأتي إلى الحسين (عليه‌السلام ) سهم إلّا اتّقاه بيديه ، ولا سيف إلّا تلقّاه بمُهجته , فلم يكن يصل إلى الحسين (عليه‌السلام ) سوء حتّى اُثخن بالجراح , فالتفت إلى الحسين (عليه‌السلام ) وقال : يا بن رسول الله أوَفيت ؟ قال : (( نعم , أنت أمامي في الجنّة , فاقرأ رسول الله عنّي السّلام وأعلمه أنّي في الأثر )). فقاتل حتّى قُتل رضوان الله عليه.

واقتدى بهما في ذلك حنظلة بن أسعد الشّبامي , فإنّه جاء فوقف بين يدي الحسين (عليه‌السلام ) يقيه السّهام والرّماح والسّيوف بوجهه ونحره , ثُمّ تقدّم فقاتل حتّى قُتل.

وقاتل رسول الله يوم اُحد قتالاً شديداً , فرمى بالنّبل حتّى فني نبله ، وانكسرت سِيَة قوسه وانقطع وتره , ولما جُرح رسول الله , جعل علي (عليه‌السلام ) ينقل له الماء في درقته من المهراس ، والمهراس : اسم عينٍ باُحد. ويغسل الدّم فلم ينقطع, فأتت فاطمة (عليها‌السلام ) تُعانقه وتبكي.

فياليت عليّاً (عليه‌السلام ) لا غاب عن ولده الحسين (عليه‌السلام ) يوم كربلاء ؛ ليدفع عنه عسكر ابن سعد وينقل له الماء بدرقته من الفرات حين حال الأعداء بينه وبين الماء , كما نقل الماء بدرقته إلى رسول الله من المهراس.

وياليت فاطمة الزّهراء (عليه‌السلام ) التي بكت من جرح واحد أصاب أباها رسول الله , نظرت إلى ولدها وفلذة كبدها الحسين (عليه‌السلام ) حين

٤٨

أصابه اثنان وسبعون جراحة ما بين رمية وطعنة وضربة , فكانت تُضمّد جراحاته كما ضمّدت جرح أبيها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

وما أدري ما كان يجري على فاطمة لو نظرت إلى الجرح الذي في صدر ولدها الحسين (عليه‌السلام ) ؟! وذلك حين رماه خولي بن يزيد بسهم مُحدّد مسموم له ثلاثُ شعب فوقع على صدره , فقال : (( بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله صلى الله عليه وآله )). ثُمّ أخذ السّهم فأخرجه ، فانبعث الدّم كأنّه ميزاب.

أفاطم لو خِلت الحسينَ مُجدّلاً

وقد مات عطشاناً بشطِّ فُراتِ

إذاً للطمت الخدّ فاطمُ عندهُ

وأجريتِ دمعَ العينِ في الوجناتِ

أفاطم قومي يابنة الخير و اندُبي

نجومَ سماوات بأرض فلاةِ

ولـمّا رجع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى المدينة , استقبلته فاطمة (عليها‌السلام ) ومعها إناء فيه ماء فغسل وجهه(١) , ولحقه أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) وقد خضب الدّم يده إلى كتفه ومعه ذو الفقار ، فناوله فاطمة (عليها‌السلام ) ، وقال لها : (( خُذي هذا السّيف فقد صدقني اليوم )). وأنشأ يقول :

أفاطمُ هاك السّيفَ غيرَ ذميمِ

فلستُ برعديدٍ ولا بمليمِ

لعُمري لقد اعذرت في نصر أحمدٍ

وطاعةِ ربٍّ بالعباد عليمِ

أميطي دماءَ القوم عنه فإنّه

سقى آل عبد الدّار كأس حميم

____________________

(١) هذه رواية الـمُفيد , وهي تدلّ على أنّ فاطمة (عليها‌السلام ) كانت باقية بالمدينة لم تخرج إلى اُحد , وهي الأقرب إلى الاعتبار. وما تقدّم من أنّها أتت وجعلت تُعانقه وتبكي وأحرقت حصيراً... إلى آخره , يدلّ على أنّها كانت باُحد ، وهي رواية ابن الأثير , ويجوز أنْ تكون خرجت إلى اُحد ثُمّ رجعت واستقبلت أباها حين رجوعه , والله أعلم.

٤٩

وقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( خُذيه يا فاطمة , فقد أدّى بعلك ما عليه , وقد قَتل الله بسيفهِ صناديد قُريش )).

كأنّي بفاطمة (عليها‌السلام ) لـمّا أعطاها أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) سيفه ذا الفقار ، وهو مُخضّب بالدّماء ، تناولته وجعلت تغسل الدّماء عنه , وهي فرحة مسرورة حين رأت ابن عمّها قد أقبل سالماً ظافراً منصوراً على أعدائه ، يحملُ اللواء بين يدي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) والجيش من خلفه وقد قتل الله بسيفه صناديد الـمُشركين , ولكن أين رجوع أمير المؤمنين(عليه‌السلام ) من حرب اُحد إلى المدينة بتلك الحالة وخطابه لفاطمة (عليها‌السلام ) , من رجوع ولده الحسين (عليه‌السلام ) يوم كربلاء من حرب الأعداء إلى الخيمة وقد خضب الدّم سيفه ويده ، وخطابه لزينب بنت فاطمة (عليهما‌السلام ) ؟! وذلك لـمّا قُتلت أنصاره وأهل بيته ، وبقي وحيداً فريداً لا ناصر له ولا مُعين , فجعل ينادي : (( هل من ذابٍّ يذبُّ عن حرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؟ هل من مُوحّدٍ يخاف الله فينا ؟ هل من مُغيث يرجو الله في إغاثتنا ؟ )). ثُمّ تقدّم إلى باب الخيمة , وقال لاُخته زينب : (( ناوليني ولدي الصّغير )). فناولته ابنه عبد الله ، فأومى إليه ليُقبّله , فرماه حرملة بن كاهل بسهمٍ فوقع في نحره فذبحه , فقال (عليه‌السلام ) لزينب : (( خُذيه )).

وفاطمة (عليها‌السلام ) وإنْ قُتل يوم اُحد عمُّ أبيها حمزة بن عبد المطّلب , لكن هوّن عليها مصاب حمزة سلامة أبيها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وبعلها علي ؛ أمّا زينب (عليها‌السلام ) فقد شاهدت قتل أخيها الحسين (عليه‌السلام ) وباقي إخوتها إلى تمام سبعة عشر رجلاً من أهل بيتها , ما بين كهول وشبّان ما لهم على وجه الأرض شبيه , ولم يبقَ عندها غير العليل زين العابدين (عليه‌السلام ) أسير ابن سعد وابن مرجانة وابن هند.

مُصيبةٌ بكتْ السّبعُ الشّداد لها

دماً ورزءٌ عظيمٌ غير محتملِ

المجلس الثّامن عشر بعد المئة

لـمّا كان يوم اُحد ، دعا جبير بن مطعم غلامه وحشي بن حرب , وكان حبشيّاً

٥٠

يقذف بالحربة قلّما يخطئ , فقال له : اخرج مع النّاس ، فإنْ قَتلت عمّ محمّد - يعني حمزة - بعمّي طعيمة بن عدي ، فأنت عتيق.

وكانت هند جعلت لوحشي جعلاً على أنْ يقتل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، أو أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) ، أو حمزة , فقال : أمّا محمّد فلا حيلة لي فيه ؛ لأنّ أصحابه يطيفون به ؛ وأمّا علي فإنّه إذا قاتل كان أحذر من الذّئب ؛ وأمّا حمزة فإنّي أطمع فيه ؛ لأنّه إذا غضب لم يبصر بين يديه. وكانت هند كُلّما مرّت بوحشي أو مرّ بها , قالتّ له : اشف واشتف.

قال وحشي : إنّي والله , لأنظر إلى حمزة وهو يهدّ النّاس بسيفه ، ما يلقى شيئاً يمرّ به إلّا قتله. قال : فهززت حربتي ودفعتها عليه ، فوقعت في أسفل بطنه حتّى خرجت من بين رجليه , وأقبل نحوي فغُلب فوقع ، فأمهلته حتّى مات فأخذت حربتي ثُمّ تنحّيت إلى العسكر.

قال ابن الأثير : ووقعت هند وصواحباتها على القتلى يُمثّلن بهم , واتّخذت هند من آذان الرّجال وآنافهم خلاخل وقلائد , وأعطت خلاخلها وقلائدها وحشيّاً , وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أنْ تسيغها فلفظتها , وجدعت أنفه واُذنيه ومثّلت به.

ووجد حمزة ببطن الوادي قد بُقر بطنه عن كبده ومُثّل به , فحين رآه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , لم يرَ منظراً كان أوجع لقلبه منه , فقال : (( لولا أنْ تحزن صفيّة - وهي اُخت حمزة - أو تكون سنّة بعدي , لتركته حتّى يكون في أجواف السّباع وحواصل الطّير , ولئن أظهرني الله على قُريش , لاُمثّلن بثلاثين رَجُلاً منهم )). وقال الـمُسلمون : لنُمثّلن بهم مثلة لم يُمثّلها أحد من العرب. فأنزل الله في ذلك :( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ) (١) . فعفا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وصبر ونهى عن الـمُثلة ولو بالكلب العقور.

ألا قاتل الله أهل الكوفة ؛ فإنّه لم يكفهم قتل أبي عبد الله الحسين (عليه‌السلام ) بن بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حتّى مثّلوا به وبأصحابه ؛ قطعوا الرّؤوس وشالوها على رؤوس الرّماح من بلد إلى بلد , وداسوا بحوافر خيلهم جسد الحسين (عليه‌السلام ) حتّى هشّمت الخيل أضلاعه ، وطحنت جناجن صدره.

لم يكفِ أعداهُ مَثْلُ القتلِ فابتَدرتْ

تُجري على جسمهِ الجُردَ المحاضيرا

____________________

(١) سورة النّحَل / ١٢٦.

٥١

وأقبلت صفيّة بنت عبد المطّلب اُخت حمزة , فأمر النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ابنها الزّبير أنْ يردّها ؛ لئلا ترى ما بأخيها حمزة.

بأبي صاحب الشّفقة والرّأفة ! ما أحب أنْ تنظر صفيّة إلى أخيها حمزة وهو مقتول وقد مُثّل به ؛ خوفاً أنْ يشتّد حزنها وبكاؤها ؛ لأنّها امرأة ، ومن شأن النّساء الجزع ورقّة القلب , وأهل الكوفة مرّوا ببنات رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على مصرع الحسين (عليه‌السلام ) وأصحابه , فلمّا نظر النّسوة إلى القتلى وهم جثث بلا رؤوس , صحن وضربن وجوههن , وجعلت زينب تُنادي : يا محمّداه ! هذا حسين مرملٌ بالدّماء ، مُقطّع الأعضاء ، وبناتك سبايا. فأبكت كُلّ عدو وصديق.

لو انّ رسولَ الله يبعث نظرةً

لردّت إلى إنسان عينِ مُؤرقِ

وهان عليه يومُ حمزةَ عمّه

بيوم حُسينٍ وهو أعظم ما لقي

ونال شجىً من زينبٍ لم ينله من

صفيّة إذ جادت بدمعٍ مرقرقِ

فكمْ بين مَن للخدر عادت مصونةً

ومن سيّروها في السّبايا الجلّق

وأمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بدفن الشّهداء ، فكان كُلمّا اُتي إليه بشهيد جعل حمزة معه وصلى عليهما. وفي رواية : إنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) خصّه بسبعين تكبيرة.

فياليت رسول الله كان حاضراً يوم استشهد ولده الحسين (عليه‌السلام ) وأصحابه , فيُصلي عليه وعلى أصحابه ويأمر بدفنهم حتّى لا يبقوا ثلاثة أيام بلا دفن , وهم مطروحون على الرّمضاء مجزّرون كالاضاحي , جثث بلا رؤوس حتّى جاء بنو أسد وصلّوا عليهم ودفنوهم.

مجرّدين على الرّمضاء قد لبسوا

من المهابة أبراداً لها قشبا

مُضرّجين بمحمرّ النّجيع بنى

نبل العدى والقنا من فوقهم قببا

ولـمّا رجع رسول الله إلى المدينة , مرّ بدارٍ من دور الأنصار ، فسمع البكاء والنّوائح , فذرفت عيناه بالبكاء وقال : (( لكن حمزة لا بواكي له )).

فرجع سعد بن معاذ إلى دار بني عبد الأشهل فأمر نساءهم أنْ يذهبن فيبكين على حمزة , ويُقال : إنّ أهل

٥٢

المدينة إلى اليوم إذا أرادوا البكاء على ميت بدؤوا بحمزة.

يُستفاد من هذا رجحان البُكاء على الشّهداء , لا سيّما شهيد كربلاء أبي عبد الله الحسين (عليه‌السلام ) الذّي لو كان رسول الله حيّاً لكان هو الـمُعزّى به والباكي عليه , وقد قال الحسين (عليه‌السلام ) : (( أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلّا استعبر )).

تبكيك عيني لا لأجل مثوبةٍ

لكنّما عيني لأجلك باكيةْ

تبتلُّ منكم كربلا بدمٍ ولا

تبتلُّ منّي بالدّموع الجارية

ولـمّا رجع رسول الله إلى المدينة لقيته حمنة ابنة جحش , وكان قد قُتل زوجها وأخوها وخالها مع رسول الله , فنُعي لها أخاها عبد الله فاسترجعت واستغفرت له , ثُمّ نُعي لها خالها حمزة بن عبد المطّلب فاستغفرت له , ثُمّ نُعى لها زوجها مصعب بن عمير , فولولت وصاحت ، فقال : (( إنّ زوج المرأة منها لبمكان )).

إذاً لا لوم على الرباب ، زوجة أبي عبد الله الحسين (عليه‌السلام ) ، التّي لم تستظل بعده بسقف إلى أنْ ماتت بعد سنة حزناً وكمداً عليه.

فخذ لك منّي عهد صدق شهوده الـ

ـملائك والله الشّهيد حسيبُ

بأنّيَ بعد البين لا آلف الكرى

ولا السّن منّي إنْ ضحكت شنيبُ

المجلس التّاسع عشر بعد المئة

لـمّا كانت وقعة الخندق - وتُسمّى وقعة الأحزاب ؛ لتحزّب القبائل فيها على حرب رسول الله - أقبلت قُريش وقائدها أبو سفيان ، وأقبلت كنانة وأهل تهامة

٥٣

وغطفان ومن تبعها من أهل نجد , واتفق المشركون مع اليهود وجاؤوا ، كما قال تعالى :( إِذْ جَآءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنّونَ بِاللّهِ الظّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ مّا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ الّا غُرُوراً ) إلى قوله :( وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً ) (١) .

فتوجّه اللوم والتّقريع والعتاب إلى النّاس ولم ينجُ منه إلّا علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) , فأشار سلمان الفارسي بحفر خندق حول المدينة فحُفر , وعمل فيه رسول الله بيده فكان يحفر وعلي ينقل التّراب , وفرغ رسول الله من حفر الخندق قبل مجيء قريش بثلاثة أيام , وأقبلت الأحزاب وكانوا عشرة آلاف ، فهال المسلمين أمرهم , ونزلوا بجانب الخندق ، وكان المسلمون ثلاثة آلاف.

قال الواقدي وغيره : وخرج عمرو بن عبد ود ومعه جماعة ، شاهراً نفسه معلماً مدلاً بشجاعته وبأسه , وقد كان شهد وقعة بدر وجرح ونجا هارباً على قدميه , فلمّا رأوا الخندق , قالوا : إنّ هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها , ونظنّها من الفارسي الذي معه ، يعنون سلمان.

ثُمّ أتوا إلى مكان ضيّق من الخندق فضربوا خيلهم واقتحموه , ورسول الله جالس وأصحابه قيام على رأسه , فتقدم عمرو ودعا إلى البراز , فقال رسول الله : (( مَن لعمرو وأضمن له على الله الجنّة ؟ )). فقام علي (عليه‌السلام ) فقال : (( أنا له يا رسول الله )). قال : (( اجلس )). حتّى قالها ثلاث , وفي كُلّ مرّة يقوم علي (عليه‌السلام ) والقوم ناكسوا رؤوسهم كأنّ على رؤوسهم الطّير , فقال عمرو : أيّها النّاس ، إنّكم تزعمون أنّ قتلاكم في الجنّة وقتلانا في النّار , أفما يحب أحدكم أنْ يقدم على الجنّة أو يقدم عدواً له إلى النّار ؟ فلم يقم إليه أحد إلّا علي (عليه‌السلام ) , فقال له النّبي : (( يا علي , هذا عمرو بن عبد ود ، فارس يليل )) : وهو اسم وادٍ كانت له فيه وقعة مشهورة. فقال : (( وأنا علي بن أبي طالب )).

فجعل عمرو يجول بفرسه مقبلاً ومدبراً , وجاءت عظماء الأحزاب فوقفت من وراء الخندق ومدّت أعناقها تنظر , فلمّا رأى عمرو أنّ أحداً لا يجيبه , قال :

ولقد بححت من النّدا

ء بجمعكمْ هل من مبارزْ

____________________

(١) سورة الأحزاب / ١٠ - ٢٥.

٥٤

ووقفت مُذ جبُن المشيـ

ـعُ موقف القرن المناجزْ

إني كذلك لم أزلْ

متسرعاً نحو الهزاهزْ

إنّ الشّجاعة في الفتى

والجودَ من خيَر الغرائزْ

فقام علي (عليه‌السلام ) وقال : (( يا رسول الله , ائذن لي في مبارزته )). فأذن له ثُمّ قال : (( إدن منّي يا علي )). فدنا منه ، فنزع عمامته وعمّمه بها ودفع إليه سيفه ذا الفقار , وقال : (( اللهمَّ , احفظه من بين يديه ومن خلفه , وعن يمينه وعن شماله , ومن فوقه و من تحته )). ومازال رافعاً يديه ورأسه نحو السّماء داعياً ربّه , قائلاً : (( اللهمَّ , إنّك أخذت منّي عبيدة يوم بدر ، وحمزة يوم اُحد ، فاحفظ عليَّ اليوم عليّاً.( رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ) )). وقال : (( برز الإيمان كلُّه إلى الشّرك كلِّه )).

فمرّ أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) يهرول في مشيه , وهو يقول مجيباً لعمرو :

لا تعجلنَّ فقدْ أتا

ك مجيبُ صوتك غير عاجزْ

ذو نيّةٍ وبصيرةٍ

يرجو بذاك نجاة فائزْ

إنّي لآملُ أنْ اُقيـ

ـم عليك نائحةَ الجنائزْ

من ضربةٍ فوهاءَ يبـ

ـقى ذكرها عند الهزاهز

فقال له عمرو : مَن أنت ؟ قال : (( أنا علي بن أبي طالب )). قال : إنّ أباك كان لي نديماً وصديقاً وأنا أكره أنْ اقتلك. قال علي (عليه‌السلام ) : (( ولكنني اُحب أنْ أقتلك ما دمت آبياً للحقّ )). فقال عمرو : يابن أخي , إنّي لأكره أنْ أقتل الرّجل الكريم مثلك , فارجع وراءك خير لك.

قال ابن أبي الحديد : كان شيخنا أبو الخير يقول : والله , ما أمره بالرّجوع ابقاءً عليه بل خوفاً منه ؛ فقد عرف قتلاه ببدر واُحد وعلم أنّه إنْ ناهضه قتله , فاستحيا أنْ يظهر الفشل , فأظهر الإبقاء والرّعاء وأنّه لكاذب.

وفي رواية أنّه قال : ما خاف ابن عمّك حين بعثك إليّ أنْ أختطفك برمحي فاتركك شائلاً بين السّماء والأرض ، لا حيّاً ولا ميتاً ؟ فقال له علي (عليه‌السلام ) : (( قد علم ابن عمّي إنّك إنْ قتلتني

٥٥

فأنا في الجنّة وأنت في النّار , وإنْ قتلتك فأنت في النّار وأنا في الجنّة )). فقال عمرو : وكلتاهما لك تلك , إذاً قسمة ضيزى. فقال علي (عليه‌السلام ) : (( دع هذا يا عمرو , إنّك كنت تقول لا يعرض عليّ أحدٌ ثلاث خصال إلّا أجبته ولو إلى واحدة , وأنا أعرض عليك ثلاث خصال )). قال : هات. قال : (( الاُولى : أنْ تشهد أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله صلى الله عليه وآله )). قال : نحِّ عن هذا , وما الثّانية ؟ قال : (( أنْ تردّ هذا الجيش عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فإنْ يك صادقاً فأنتم أعلى به عيناً , وإنْ يك كاذباً كفاكم النّاس أمره )). قال : إذاً تتحدّث نساء قريش أنّي جبنت وخذلت قوماً رأسوني عليهم , وما الثّالثة ؟ قال : (( أنْ تنزل إليّ فأنت راكب وأنا راجل )). فنزل عن فرسه وعقره , وقال : هذه خصلة ما ظننت أنّ أحداً من العرب يسومني عليها.

ثُمّ تجاولا فثارت لهما غبرة وارتهما عن العيون ، إلى أنْ سمع النّاس التّكبير عالياً من تحت الغبرة فعلموا أنّ عليّاً قتله , وأنجلت الغبرة فإذا أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) قد قتله ، وهو ينشد :

أنا عليٌ وابنُ عبد المطلبْ

الموتُ خيرٌ للفتى من الهربْ

وفرّ أصحابه فعبروا الخندق إلّا رجلاً منهم يُسمى نوفلاً لحقه علي (عليه‌السلام ) فقتله في الخندق , ثُمّ وضع الرّأس بين يدي النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فقال رسول الله : (( اليوم نغزوهم ولا يغزوننا )). وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( ضربة علي يوم الخندق تعدل عمل الثّقلين إلى يوم القيامة )). وانهزم المشركون بقتل عمرو وكفى الله المؤمنين القتال بعلي (عليه‌السلام ).

قال أبو بكر بن عياش : لقد ضرب علي (عليه‌السلام ) ضربة ما كان في الإسلام أيمن منها : يعني ضربة عمرو بن عبد ود. ولقد ضُرب (عليه‌السلام ) ضربة ما كان في الإسلام أشأم منها : يعني ضربة ابن ملجم لعنه الله. فضربة علي يوم الخندق قد أعزّت الإسلام وأرست قواعد الدّين , وردّت الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً , وكفى الله بها المؤمنين القتال. وضربة ابن ملجم رأس علي (عليه‌السلام ) , أذلّت الإسلام وهدّمت قواعد الدّين ، ومهدّت مُلك بني اُميّة الذين جرعوا آل بيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الغصص , ودسّوا السّم إلى الحسن بن علي (عليه‌السلام ) حتّى تقيّأ كبده في الطّست قطعة قطعة , وجهّزوا

٥٦

الجيوش لقتال الحسين (عليه‌السلام ) حتّى قُتل غريباً عطشان ظامياً وحيداً فريداً بأرض كرب وبلاء.

وجرّعتْ السّبطين بعد أبيهما

كؤوسَ شجى أفصحن عن كامن النّصبِ

وأظمتْ على الماء الحسينَ وأوردتْ

دماءَ وريديه سيوفُ بني حربِ

المجلس العشرون بعد المئة

لـمّا قتل علي (عليه‌السلام ) عمرو بن عبد ود يوم الخندق , أقبل نحو رسول الله ووجهه يتهلل , فقال له عمر بن الخطاب : هلا سلبته درعه , فإنّه ليس في العرب درع مثلها ؟ فقال أمير المؤمنين : (( إنّي استحييت أنْ أكشف سوأة ابن عمّي )).

قاتل الله أهل الكوفة فإنّهم لم يستحوا من الله ورسوله وأهل بيته يوم كربلاء , فسلبوا الحسين (عليه‌السلام ) درعه وثيابه , وتركوه مجرّداً على وجه الصّعيد !

عريانُ يكسوه الصّعيدُ ملابساً

أفديه مسلوبَ الرّداء مسربلا

* * *

متوسّداً حرّ الصّعيد مجرّداً

يُكسى بثوب جلالةٍ وبهاءِ

ولـمّا نُعي عمرو بن عبد ود إلى اُخته , قالت : مَن ذا الذي اجترأ عليه ؟ فقالوا : علي بن أبي طالب. فقالت : لا رقأت دمعتي أنْ هرقتها عليه ؛ قتل الأبطال وبارز الأقران وكانت منيّته على يد كفو كريم من قومه , ما سمعت بأفخر من هذا يابن عامر. ثُمّ أنشأت تقول :

٥٧

لو كان قاتلَ عمرو غيرُ قاتلهِ

لكنت أبكي عليه آخر الأبدِ

لكنّ قاتله مَن لا يُعاب بهِ

من كان يُدعى أبوه بيضةَ البلدِ

من هاشمٍ في ذراها وهي صاعدةٌ

إلى السّماء تميت النّاس بالحسدِ

قومٌ أبى الله إلّا أنْ يكون لهمْ

كرامةُ الدّين والدّنيا بلا لددِ

وقالتّ أيضاً في قتل أخيها وذكر علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) :

أسدان في ضيق المجال تصاولا

وكلاهما كفوٌ كريمٌ باسلُ

فتخالسا مهجَ النّفوس كلاهما

وسطَ المجال مخاتلٌ ومقاتلُ

وكلاهما حضر القراعَ حفيظةً

لم يثنه عن ذاك شغلٌ شاغلُ

فاذهبْ عليٌ فما ظفرت بمثلهِ

قولٌ سديدٌ ليس فيه تحاملُ

والثّأرُ عندي يا عليُّ فليتني

أدركتُهُ والعقلُ منّيَ كاملُ

ذلّت قريشٌ بعد مقتل فارسٍ

فالذّل مهلكها وخزيٌ شاملُ

ولا تلام اُخت عمرو إذا لم تبكي على أخيها إذا كان القاتل مثل علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) , كما لا تُلام زينب بنت أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) إذا بكت على أخيها مدى الليالي والأيام إذا كان القاتل مثل شمر بن ذي الجوشن.

قُلْ للمقادير قد أبدعتِ حادثةً

غريبةَ الشّكل ما كانت ولم تكنِ

أمثلَ شمرٍ أذلّ الله جبهتهُ

يلقى حُسيناً بذاك الـمُلتقى الخشنِ

المجلس الواحد والعشرون بعد المئة

لـمّا كانت غزاة بني قريظة - وهم قوم من اليهود كان بينهم وبين المسلمين مهادنة -

٥٨

واتفق يوم الخندق جماعة من يهود بني النّضير مع قريش على حرب النّبي , وجاء منهم حيي بن أخطب إلى كعب بن أسد - سيّد بني قريظة - فطلب منه نقض العهد مع النّبي ومعاونته على حربه فأبى , فلم يزل به حتّى رضي فجاء نعيم بن مسعود إلى النّبي , فقال : إنّي أسلمت ولم يعلم بي قومي فمرني بما شئت. قال : (( خذّل عنّا , فإنّ الحرب خدعة)).

فجاء إلى بني قريظة وكانوا ندماءه في الجاهلية , فقال : قد عرفتم حبّي لكم. قالوا : لست عندنا بمتّهم. قال : قد ظاهرتم قريشاً على حرب محمّد ولستم مثلهم ، أنتم أهل هذه البلاد وهم غرباء , فإنْ غلبهم محمّد , لحقوا ببلادهم وتركوكم , فلا تقاتلوا معهم حتّى يعطوكم رهينة. ثُمّ جاء إلى قريش وقال : بلغني أنّ بني قريظة ندموا وبعثوا إلى محمّد ، هل يرضيك أنْ نأخذ من قريش رجالاً وندفعهم إليك فتضرب أعناقهم ؟ فإنْ طلبت قريظة رهناً فلا تعطوها. فلمّا طلبت قريظة منهم الرّهن , قالوا : صدق نعيم. وأجابوهم : لا ندفع إليكم رجلاً واحداً. فقالت قريظة : الذي قاله نعيم حقٌّ.

فلمّا دخل النّبي المدينة بعد الخندق , نزل عليه جبرائيل وقال له : إنّ الملائكة لم تضع السّلاح ، والله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة.

فأمر , فنودي : أنْ لا يُصلّي أحدٌ العصر إلّا في بني قريظة. وقدم عليٌّ (عليه‌السلام ) برايته في ثلاثين رجلاً وتلاحق به النّاس , فلمّا رأوه جعلوا يقولون : جاءكم قاتل عمرو ! أقبل إليكم قاتل عمرو ! وألقى الله الرّعب في قلوبهم , وحاصرهم النّبي خمساً وعشرين ليلة , فطلبوا النّزول على حكم سعد بن معاذ ، وكان سعد جاءه سهم يوم الخندق فقطع أكحله : وهو عرق مخصوص إذا قطع لا يمكن أنْ يعيش صاحبه. فدعا الله تعالى أنْ لا يميته حتّى يقرّ عينه من بني قريظة فانقطع الدّم , فحكم فيهم بقتل الرّجال وسبي الذّراري والنّساء وقسمة الأموال. فقال النّبي : (( لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات )). ثُمّ خرج منه الدّم حتّى مات. فقتلوا بالمدينة وكانوا تسعمئة ، وكان منهم حيي بن أخطب ؛ فلمّا رأى أنّ أميرالمؤمنين (عليه‌السلام ) قاتله قال : قتلة شريفة بيد شريف.

ممّا يهوّن القتل على النّفس أنْ يكون القاتل رجلاً شريفاً ؛ فلذلك قال حيي بن أخطب : قتلة شريفة بيد شريف. وكما أنّه يزيد في المصيبة , أنْ

٥٩

يكون القاتلَ للرجل العظيم الشّريف رجلٌ حقير خسيس , كشمر بن ذي الجوشن الضّباني قاتل مولانا الحسين (عليه‌السلام ).

وإنّي أرى الأيام شتّى صروفها

وأعظمُها تحكيمُ عبدٍ بسيّدِ

وقال حيي بن أخطب لعلي (عليه‌السلام ) لـمّا أراد قتله : لا تسلبني حلّتي. قال : (( هي أهون عليَّ من ذلك )).

كان القتيل يحافظ كثيراً على أنْ لا تسلب منه ثيابه بعد قتله ؛ ولذلك لـمّا أيقن مولانا الحسين (عليه‌السلام ) بالقتل , طلب ثوباً عتيقاً لا يرغب فيه أحد ، فخرّقه ولبسه تحت ثيابه ؛ لئلا يُجرّد منه. فلمّا قُتل (عليه‌السلام ) , جرّدوه منه وتركوه عرياناً على وجه الصّعيد.

لله ملقىً على الرّمضاء غصّ بهِ

فمُّ الرّدى بعد أقدامٍ وتشميرِ

تحنو عليه الرّبى ظلا ًوتسترُهُ

عن النّواظير أذيالُ الأعاصيرِ

تهابه الوحشُ أنْ تدنو لمصرعِهِ

وقد أقام ثلاثاً غيرَ مقبورِ

المجلس الثّاني والعشرون بعد المئة

لـمّا كانت وقعة خيبر ، بعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) رجلاً من المهاجرين , ثُمّ رجع منهزماً يؤنّب مَن معه ويؤنبونه. فلمّا كان الغد , أعطاها رجلاً آخر , فسار بها غير بعيد ثُمّ رجع يُجبّن أصحابه ويُجبنونه , فغضب النّبي وقال : (( لأعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ اللهَ ورسولَه ويُحبّه اللهُ ورسولُه , كرّاراً غيرَ فرّارٍ يأخذها بحقّها , لا يرجع حتّى يفتح الله على يديه )).

فتطاولت إليها الأعناق , فلمّا أصبح قال : (( ادعوا لي عليّاً )). فجاء علي بن أبي طالب.

٦٠