المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء ٣

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة0%

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 202

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة

مؤلف: السيد محسن بن عبد الكريم الأمين
تصنيف:

الصفحات: 202
المشاهدات: 48851
تحميل: 3896


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 202 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48851 / تحميل: 3896
الحجم الحجم الحجم
المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء 3

مؤلف:
العربية

هم الذين أشرقوك بالرّيق ، وحبسوك بالمضيق ، وذادوك عن سُنن الطريق حتّى لذت منهم بالمصاحف ، ودعوت إليها مَن صدّق بها وكذّبت ، وآمن بمنزلها وكفرت ، وعرف من تأويلها ما أنكرت. فغضب معاوية ، وأدار طرفه فيمَن حوله فإذا جلّهم من مضر ، ونفر قليل من اليمن ، وحيث إنّ الوليد يمانيّ ، واليمانيّون قليلون في مجلسه ، لم يخف من الوليد ، فقال : أيها الشقي الخائن ، إنّي لأخال أنّ هذا آخر كلام تفوّهت به.

وكان عفير بن سيف بن ذي يزن بباب معاوية حينئذٍ ، وكان يمانيّاً ، فعرف موقف الطائي ومراد معاوية ، فخافه عليه ، فهجمَ عليهم الدار وأقبل على اليمانيّة ، فقال : شاهت الوجوه ذلاّ ًوقلاّ ً، وجدعاً وفلاّ ً. ثمّ التفت إلى معاوية ، فقال : لقد رأيتك بالأمس خاطبت أخا ربيعة - يعني : صعصعة بن صوحان - وهو أعظم جرماً عندك من هذا ، ثمّ أثبتّه وسرّحته ، وأنت الآن مجمع على قتل هذا ، زعمت استصغاراً لجماعتنا ، ولَعمري ، لو وكلتك أبناء قحطان إلى قومك ، لكان جدّك العاثر وذكرك الداثر ، وحدّك المفلول وعرشك المثلول ، فأربع على ظلعك(١) ؛ فإنّا لا نرام بوقع الضيم ، ولا نتلمّط جرع الخسف(٢) .

فقال معاوية : الغضب شيطان ، فأربع على نفسك أيّها الإنسان ؛ فإنّا لم نؤتِ إلى صاحبك مكروهاً ، فدونكه ؛ فإنّه لم يضق عنه حلمنا ويسع غيره. فأخذ عفير بيد الوليد وخرج به إلى منزله ، ثمّ جمع مَن بدمشق من اليمانيّة ، وفرض على كلّ رجل دينارين في عطائه ، فبلغت أربعين ألفاً ، فجعلها من بيت المال ودفعها إلى الوليد وردّه إلى العراق.

ولو كان معاوية حليماً - كما يدّعي ويُدّعى له - ، لما قَتل حِجراً وأصحاب حِجر حيث لم يتبرّؤوا من أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) ، لـمَا قتل عمرو بن الحمق الخزاعي بعد ما

____________________

(١) أي : إنّك ضعيف ، فانته عمّا لا تطيقه.

(٢) أي : الذّل. - المؤلّف -

١٠١

حبس زوجته سنتين في سجن دمشق. ولـمّا جاءه رأسه ، أرسله إليها ووضعه في حجرها ، هذا بعد ما أعطى الحسن بن علي (عليه‌السلام ) العهود والمواثيق أنْ لا يتعرض لشيعته. وإنّما كان يظهر الحلم حين يرى فيه مصلحة لدنياه ، وحين يخاف من عاقبة البطش ، فيدعه ويُظهر أنّ ذلك عن حلم ، وإنّما هو عن خوف ، وإلّا فما باله وقد ملك الأمر ، وانقادت له النّاس بعد صلح الحسن (عليه‌السلام ) ، يسلّط زياد بن أبيه على شيعة علي (عليه‌السلام ) ، فيسومهم سوء العذاب بالقتل والنّفي ، وسلب الأموال وهدم الدور ؟ وما بالُه يستحضر مَن يعرفهم بحبّ علي (عليه‌السلام ) ، من نساء ورجال ، من الأمكنة البعيدة ، فيتهدّدهم ويتوعّدهم ويؤنّبهم ، ثمّ يُظهر الحلم عنهم حينما يخاف عاقبة البطش ؟ وما بالُه يُحمل عبد الله بن هاشم المرقال إليه أسيراً ، بعد صلح الحسن (عليه‌السلام ) ، فيسجنه ويُهدّده بالقتل ؟

ولو كان حليماً - كما يقول ويُقال فيه - لفعل كما فعل أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) ، فعفا عن أهل الجمل لـمّا ظفر بهم ، وفيهم أعدى النّاس له ، ولم يجازهم بشيء ، وأصدر عفواً عامّاً عن جميع أهل البصرة الذين حاربوه. وما حلمُ معاوية الذي يظهر إلّا كحلم ولده يزيد عن أهل بيت الرسالة ، فإنّه بعدما قتل الحسين (عليه‌السلام ) ، وسبى نساءه وأطفاله ، وحملهم إليه من الكوفة إلى الشام ، وأدخل النّساء إلى مجلسه العام ، أراد أنْ يتلافى ما فرّط منه حين خشي سوء العاقبة في الدنيا ، لـمّا رأى النّاس تنقم عليه ، فقال لزين العابدين (عليه‌السلام ) : إنْ شئت أقمت عندنا فبررناك، وإنْ شئت رددناك الى المدينة. فقال (عليه‌السلام ) : (( لا اُريد إلّا المدينة )). فأرسلهم إليها ، وأرسل معهم النّعمان بن بشير الأنصاري في جماعة وأمره بالرّفق بهم ، وأنْ ينزل بعيداً عنهم حين ينزلون.

ولكن ما يفيده ذلك بعد أنْ فعل ما فعل ، وارتكب ما ارتكب؟!

١٠٢

وودَّ أنْ يتلافَى ما جنتْ يدُهُ

وكانَ ذلك كسْراً غيرَ مَجْبُورِ

تُسبَى بناتُ رسولِ الله بينَهُمُ

والدِّينُ غضُّ المبادي غيرُ مستورِ

* * *

المجلس الثاني والثمانون بعد المئة

قال الـمُرزُباني : دخل عدي بن حاتم الطائي -رحمه‌الله ، وكانت عينه ذهبت يوم الجمل - على معاوية وعنده ابن الزّبير ، فقال ابن الزّبير : يا أبا طريف ، متى ذهبت عينُك ؟ قال : يوم فرّ أبوك مُنهزماً فقُتل ، وضُربتَ على قفاك وأنت هارب ، وأنا مع الحقّ وأنت مع الباطل. فقال معاوية : ما فعل الطُّرفات ؟ - يعني : طريفاً وطُرافاً وطُرْفة أبناءه - قال : قُتلوا مع أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام ). فقال له : ما أنصفك علي ؛ إذ قدّم أبناءك وأخّر أبناءه. قال : بل أنا ما أنصفته ؛ إذ قُتل وبقيت بعده. قال له معاوية : أما أنّه قد بقيت قطرة من دم عثمان ، ما لها إلّا كذا ، وأومأ بيده إليه. فقال له عدي : إنّ السّيوف التي اُغمدتْ اُغمدتْ على حسّك في الصدور ، ولعلّك تسلُّ سيفاً تسلُّ به سيوفاً. فالتفت معاوية إلى عمرو بن العاص ، فقال : كلمة شدَّها في قَرنك. ثمّ خرج عدي ، وهو يقول :

يحاولُنِي مُعاويةُ بن صخْرٍ

وليسَ إلى التي يَبغِي سبيلُ

يُذكِّرُني أبا حَسنٍ عليّاً

وخَطْبي في أبي حسنٍ جليلُ

وقال ابنُ الزُّبيرِ وقال عمرٌو

عديٌّ بعدَ صفّين ذليلُ

فقُلتُ صدقتُما قدْ هدَّ ُكني

وفارقَني الذينَ بهِمْ أصولُ

ولكنّي على ما كانَ منِّي

اُخبِّرُ صاحبيَّ بما أقولُ

١٠٣

وإنّ أخاكُما في كلِّ يومٍ

من الأيامِ محمِلُهُ ثقيلُ

أقول : كلّ مَن كان عريقاً في ولاء أهل البيت (عليهم‌السلام ) يهون عليه فداء نفسه وولده في محبّتهم؛ ألاَ ترى إلى بشر بن عمرو الحضرمي حين قيل له يوم الطفِّ : إنّ ابنه اُسّر بثغر الري ، فقال : عند الله أحتسبه ونفسي ، ما كنت أحبّ أنْ يُؤسر وأبقى بعده. فسمع الحسين (عليه‌السلام ) قوله ، فقال له : (( رحمك الله ، أنت في حلٍّ من بيعتي ، فاذهب واعمل في فكاك ابنك )). فقال : أكلتني السباع حيّاً إنْ فارقتك. قال (عليه‌السلام ) : (( فأعطِ ابنك هذا هذه الأثواب البُرود ؛ يستعين بها في فداء أخيه )). فأعطاه خمسة أثواب بُرود قيمتها ألف دينار ، فحملها مع ولده.

فحيّا الله هذه النّفوس الكريمة التي سخت بدمائها وأبنائها في فداء أهل بيت نبيّها (عليهم‌السلام ) ، وحفظت وصية رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في آله وذرّيّته.

مِنْ كُلِّ مُكتهلٍ في عزمِ مُقتَبلِ

وكُلِّ مُقتَبلٍ في حزمِ مُكتَهلِ

قَرمٌ إذا الموتُ أبدَى عنْ نواجذِهِ

ثنّى لهُ عطفَ مسْرورٍ بهِ جذلِ

أبتْ لهُ نفسُهُ يومَ الوغَى شرَفاً

أنْ لا تسيلَ على الخِرصانِ والأسَلِ

* * *

المجلس الثالث والثمانون بعد المئة

في الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : دخل ضرار بن ضمرة على معاوية بعد وفاة أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) ، فقال له : يا ضرار ، صف لي عليّاً. فقال : أعفني من ذلك. فقال : أقسمتُ عليك لتصفنّه لي. فقال : إنْ كان لا بُدّ من ذلك ، فإنّه كان والله ، بعيد المدى شديد

١٠٤

القوى ، يقول فصلاً ويحكم عدلاً ، يتفجّر العلم من جوانبه وتُنطق الحكمة من لسانه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته ، وكان غزير الدمعة طويل الفكرة ، يُعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب ، وكان فينا كأحدنا ؛ يُجيبنا إنْ سألناه ، ويأتينا إذا دعوناه ، ونحن والله ، مع قُربنا منه وقربه منّا لا نكاد نُكلّمه ؛ هيبة له ، يُعظّم أهل الدّين ، ويحب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله.

وأشهد بالله يا معاوية ، لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه ، قابضاً على لحيته الشريفة ، يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، وهو يقول : (( إليك عنّي يا دُنيا ، غرّي غيري ، ألي تعرضتِ أمْ إليّ تشوّقت ؟ هيهات هيهات ! فإنّي قد طلقتُك ثلاثاً لا رجعة لي فيك ؛ فعمرك قصير ، وخطرك كبير ، وعيشك حقير)). ثمّ قال (عليه‌السلام ) : (( آهٍ آهٍ ! من قلة الزاد ، وبُعد السّفر ، ووحشة الطّريق )). ثمّ بكى ضرار ، وبكى معاوية وقال : رحم الله أبا الحسن ، كان والله ، كذلك. ثمّ قال : فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال : حزن مَن ذُبح ولدُها في حِجرها ؛ فهي لا ترقى لها دمعة ، ولا تسكن لها زفرة.

وفي خبر : ترصّد عمرو بن حريث غذاء أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) ، فأتته فضّة بجراب مختوم ، ففكّه واستخرج منه خبزاً متغير اللّون ، خشناً جشباً ، فقال عمرو : يا فضة ، ألَا تتّقين الله في هذا الشيخ ؟ ألَا تنخلين له دقيق هذا الخبز وتُطيّبينه ؟ فقالت : قد كنت أفعل ذلك فنهاني ، وكنتُ أضع في جرابه طعاماً طيّباً فختم جرابه. قال : ثمّ إنّ أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) فتّ ذلك الخبز في قصعة ، وصبّ عليه الماء ، وحسّر عن ذراعيه وجعل يأكل حتّى اكتفى ، فلمّا فرغ من الأكل، التفت إليّ ، وقال : (( لقد خابت هذه - ومدّ يده إلى لحيته الكريمة - وخسرت هذه ، إنْ أدخلتُها النّار من أجل الطعام )).

ورآه عدي بن حاتم ، وبين يديه شُنّة وفيها

١٠٥

قراح ماء وكسرات من خبز الشعير ، فقال له : [ إنّي لا ] أرى لك ذلك يا أمير المؤمنين ، أنْ تظلّ نهارك صائماً مجاهداً ، وبالليل ساهراً مكابداً ، ثمّ يكون هذا فطورك ! فقال (عليه‌السلام ) :

علِّلْ النَّفسَ بالقنُوعِ وإلّا

طلَبتْ منكَ فوقَ ما يكْفِيها

ولمْ يزلْ هذا دأبه ، وهذه سجيّته حتّى أتى إليه ابن ملجم المرادي ، وضربه بالسّيف على اُمّ رأسه.

ألمْ يعْلَمِ الْجاني على اللّيثِ أنّه

أتَى اللّيثَ في محرابِهِ وهو ساجدُ

ولو جاءهُ من حيثُ ما اللّيثُ مُبصرٌ

لخانتهُ عن حملِ الحُسامِ السَّواعدُ

فلمّا حضرته الوفاة ، دعا أولاده كلّهم صغيراً وكبيراً ، وجعل يودّعهم ويقول : (( الله خليفتي عليكم ، أستودعكم الله )). وهم يبكون ، ثمّ التفت إلى ولده الحسن (عليه‌السلام ) ، فقال : (( يا أبا محمّد ، اُوصيك بأبي عبد الله خيراً ؛ فأنتما منّي وأنا منكُما )). ثمّ قال : (( كأنّي بكم وقد خرجت عليكم الفتن من ها هنا وها هنا ، فعليكم بالصبر ؛ فهو محمود العاقبة )). ثمّ قال : (( يا أبا عبد الله ، أنت شهيد هذه الاُمّة ، فعليك بتقوى الله ، والصبر على بلائه )).

أبا حَسنٍ أبناؤكَ اليومَ حلَّقْتْ

بقادمةِ الأسيافِ عن خطَّةِ الخسْفِ

سلْ الطَّفَّ عنهُمْ أينَ بالأمسِ طنَّبُوا

وأينَ اسْتَقلُّوا اليومَ عنْ عرْصَةِ الطَّفِّ

* * *

المجلس الرابع والثمانون بعد المئة

روى الشيخ المفيد - عليه الرحمة - في كتاب الإختصاص ، بسنده قال :

١٠٦

قَدِم وفد العراقيّين على معاوية ، فقدم في وفد أهل الكوفة عدي بن حاتم الطائي ، وفي وفد أهل البصرة الأحنف بن قيس وصعصعة بن صوحان ، فقال عمرو بن العاص لمعاوية : هؤلاء رجال الدّنيا ، وهم شيعة علي الذين قاتلوا معه يوم الجمل ويوم صفّين ، فكن منهم على حذر.

فأمر لكلِّ رجل منهم بمجلس سري واستقبل القوم بالكرامة ، فلمّا دخلوا عليه ، قال لهم : أهلاً وسهلاً ، قدمتم الأرض المقدّسة ، وأرض الأنبياء والرُّسل ، والحشر والنّشر. فتكلّم صعصعة، وكان من أحضر النّاس جواباً ، فقال : أمّا قولك الأرض المقدّسة ، فإنّ الأرض لا تُقدّس أهلها ، وإنّما تُقدّسهم الأعمال الصالحة ؛ وأمّا قولك أرض الأنبياء والرسل ، فمَنْ بها من أهل النّفاق والشرك ، والفراعنة والجبابرة ، أكثر من الأنبياء والرسل ؛ وأمّا قولك أرض الحشر والنّشر ، فإنّ المؤمن لا يضرّه بُعد المحشر ، والمنافق لا ينفعه قربُه.

فقال معاوية : لو كان النّاس كلّهم أولدهم أبو سفيان ، لا كان فيهم إلّا كيّساً رشيداً. فقال صعصعة : قد أولد النّاس مَن كان خيراً من أبي سفيان ، وهو آدم أبو البشر ، فأولد الأحمق ، والفاجر والفاسق ، والمعتوه والمجنون. فخجل معاوية.

وروى المفيد أيضاً في الكتاب المذكور ، بسنده عن السائب قال : خطب النّاس يوماً معاوية بمسجد دمشق - وفي الجامع يومئذ من الوفود علماء قريش ، وخطباء ربيعة ، وصناديد اليمن وملوكها - فقال : إنّ الله تعالى أكرم خلفاءه ، فأوجب لهم الجنّة وأنقذهم من النّار ، ثمّ جعلني منهم ، وجعل أنصاري أهل الشام الذابّين عن حرم الله ، المؤيَّدين بظفر الله ، المنصورين على أعداء الله.

وكان في الجامع من أهل العراق الأحنف بن قيس وصعصعة بن صوحان ، فقال الأحنف لصعصعة : أتكفيني ، أمْ أقوم إليه أنا ؟ فقال صعصعة : بل أكفيكه أنا. فقام صعصعة ، فقال : يابن أبي سفيان ، تكلّمت فأبلغت ولم تقصر دون ما أردت ، وكيف

١٠٧

يكون ما تقول وقد غلبتنا قسراً ، وملكتنا تجبّراً ، ودِنتنا بغير الحقّ ؟ فأمّا إطراؤك لأهل الشام ، فما رأيت أطوع لمخلوق ولا أعصى لخالق منهم ، ابتعت منهم دينهم وأبدانهم بالمال ، فإنْ أعطيتهم حاموا عنك ونصروك ، وإنْ منعتهم قعدوا عنك ورفضوك. قال معاوية : اسكت يابن صوحان ، فوالله ، لولا أنّي لمْ اتجرّع غصةَ غيظٍ قط أفضل من حلم ، لَما عدتَ إلى مثل مقالتك. فقعد صعصعة ، فأنشأ معاوية يقول :

قبِلتُ جاهلَهُمْ حِلماً ومكْرُمةً

والحلمُ عنْ قُدرةٍ فضلٌ مِنَ الكَرَمِ

وهذا الحلم الذي كان يظهره معاوية ، إنّما كان حيث تقتضيه السّياسة ويخاف من عاقبة البطش ، وإلّا فما باله قتل حِجر بن عدي وأصحابه ؟ وعمرو بن الحمق وأمثاله ؟ وبعث أحد أصحاب حِجر إلى زياد فدفنه حيّاً - كما رواه ابن الأثير - بعدما كان أمّن هؤلاء كلّهم ؟ وحُمل عبد الله بن هاشم المرقال إليه مُكبّلاً بالحديد ؟ ونادى مناديه بعد صلح الحسن (عليه‌السلام ) : أنْ برئت الذمّة ممّن يروي حديثاً من مناقب علي وفضل أهل بيته ؟!

واستعمل زياداً على الكوفة والبصرة ، فجعل يتتبّع الشيعة ويقتلهم تحت كلّ حجر ومدر ، وأخافهم ، وقطّع الأيدي والأرجل ، وصلبهم في جذوع النخل ، وسَمل أعينهم ، وطردهم وشرّدهم حتّى نُفوا من العراق ، فلم يبقَ بها أحد معروف ، وكتب إلى عمّاله بقتلهم على التهمة والظنّة.

واقتدى به ولده يزيد ، فولّى الكوفة والبصرة عبيد الله بن زياد ، كما ولاّهما أبوه زياداً ، فقتل الشيعة وأخافهم ، وصلبهم في جذوع النخل ، كما فعل بميثم التمّار وأمثاله ، حتّى آل أمره إلى قتل مسلم بن عقيل ورميه من أعلى القصر ، وإلى قتل ريحانة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الحسين (عليه‌السلام ) وأهل بيته وأصحابه ، ومنعه من الماء ، ورضّ جسده الشريف بعد القتل بحوافر الخيل ، وحمل رأسه ورؤوس أصحابه من بلد إلى بلد ، وسبي نساء

١٠٨

بيت النّبوّة والرسالة ، ومقابلته لهنّ بأفظِّ القول وأجفاه.

بَنى لَهُمُ الماضونَ آساسَ

هَذِهِ فَعَلّوا عَلى آساسِ تِلكَ القَواعِدِ

أَلا لَيسَ فِعلُ الأَوَّلينَ وَإِنْ

عَلا عَلى قُبحِ فِعلِ الأَخَرينَ بِزائِدِ

* * *

المجلس الخامس والثمانون بعد المئة

في العقد الفريد : لـمّا قدم عقيل بن أبي طالب على معاوية ، أكرمه ، وقضى حوائجه وقضى دينه ، ثمّ قال له يوماً : إنّ عليّاً قطع قرابتك وما وصلك. قال عقيل : والله ، لقد أجزل العطيّة وأعظمها ، ووصل القرابة وحفظها ، وحسن ظنّه بالله إذ ساء به ظنّك ، وحفظ أمانته وأصلح رعيته إذ خنتم وأفسدتم وجرتم ، فاكففْ لا أباً لك ! فإنّه عمّا تقول بمعزل.

وقال معاوية يوماً ، وعقيل عنده : هذا أبو يزيد ، لولا علمه أنّني خير له من أخيه ، لَمَا أقام عندنا وتركه. فقال عقيل : أخي خيرٌ لي في ديني ، وأنت خيرٌ لي في دنياي ، وقد آثرت دنياي ، وأسأل الله خاتمة خير. وقال له يوماً : أنتم يا بني هاشم ، تُصابون في أبصاركم ! - وكان عقيل مكفوف البصر - فقال : وأنتم يا بني اُميّة ، تصابون في بصائركم.

ودخل عقيل يوماً على معاوية ، فقال معاوية لأصحابه : هذا عقيل عمّه أبو لهب. فقال عقيل : وهذا معاوية عمّته حمّالة الحطب. وقال له معاوية : أين ترى عمّك أبا لهب ؟ فقال عقيل : إذا دخلت النّار ، فخذ على يسارك ، تجده مفترشاً عمّتك حمّالة الحطب ، فانظر أيّهما شر ؟

وروى المدائني قال : قال معاوية يوماً لعقيل بن أبي طالب : هل

١٠٩

من حاجة فأقضيها لك ؟ قال : نعم ، جارية عرضت عليّ وأبى أصحابها أنْ يبيعوها إلّا بأربعين ألفاً. فأحبّ معاوية أنْ يُمازحه ، فقال : وما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفاً ، وأنت أعمى تجتزي بجارية قيمتها خمسون درهماً ؟ قال عقيل : أرجو أنْ تلد لي غُلاماً ، إذا أغضبتَه يضرب عنقك بالسّيف. فضحك معاوية ، وقال : مازحناك يا أبا يزيد. وأمر فابتعيت له الجارية التي أولد منها مُسلماً !(١)

فلمّا أتت على مسلم ثماني عشرة سنة ، وقد مات أبوه عقيل ، قال لمعاوية : إنّ لي أرضاً بمكان كذا في المدينة ، وإنّي اُعطيت بها مئة ألفٍ وقد أحببت أنْ أبيعك إيّاها ، فادفع إليّ ثمنها. فأمر معاوية بقبض الأرض ودفع الثمن إليه ، فبلغ ذلك الحسين (عليه‌السلام ) ، فكتب إلى معاوية : (( أمّا بعد ، فإنّك غررت غُلاماً من بني هاشم ، فابتعت منه أرضاً لا يملكها ، فاقبض من الغُلام ما دفعته إليه ، واردد إلينا أرضنا )). فبعث معاوية إلى مسلم فأخبره ذلك ، وأقرأه كتاب الحسين (عليه‌السلام ) ، وقال : اردد علينا مالنا ، وخُذ أرضك ؛ فإنّك بِعت ما لا تملك. فقال مسلم : أمّا دون أنْ أضرب رأسك بالسّيف فلا. فاستلقى معاوية ضاحكاً يضرب برجليه ، ثمّ قال : يا بُني ، هذا والله ، كلامٌ قاله لي أبوك حين ابتعت له اُمّك. ثمّ كتب إلى الحسين (عليه‌السلام ) : إنّي قد رددت عليكم الأرض ، وسوّغت مسلماً ما أخذ.

ومناقب مسلم وفضائله كثيرة ، وشجاعته عظيمة شهيرة ، وهو الذي قال في حقّه الحسين (عليه‌السلام ) لـمّا بعثه إلى أهل الكوفة ، فكتب إليهم : (( أنا باعثٌ إليكم أخي وابنَ عمّي وثقتي من أهل بيتي ، مسلم بن عقيل )). وهو الذي أجاب عبيد الله بن زياد بتلك الأجوبة العظيمة ، وذلك حين اُخذ مسلم أسيراً واُدخل على ابن زياد ، فقال له الحرسيّ : سلّم على الأمير. فقال : اسكت ويحك ! والله ، ما هو لي بأمير. قال ابن زياد : لا عليك ، سلّمت أم لمْ تسلّم فإنّك مقتول. فقال له مسلم : إنْ قتلتني ، فلقد قتل مَن هو شرّ منك مَن هو خيرٌ

____________________

(١) لا يخفى ما في الرّواية من منافاة - إنْ صحّت - بين ما ورد فيها ، وبين ولادة مسلم السّابقة لوفود أبيه عقيل على معاوية أيام خلافة أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) ، اللهمّ الاّ اذا قلنا بوفود عقيل هذا زمن عمر أو عثمان ووقعت الحادثة آنذاك ، وإنْ كان هذا بعيداً أيضاً ؛ خصوصاً بعدما وجدنا لمسلم هذا حضوراً في الفتوحات أيام عمر بن الخطاب. ( موقع معهد الإمامَين الحسنَين )

١١٠

منّي. فقال له ابن زياد : قتلني الله إنْ لمْ أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام. فقال له مسلم : أما إنّك أحقّ مَن أحدث في الإسلام ما لمْ يكن ، وإنّك لا تدع سوء القتلة وقبح الـمُثلة ، وخبث السّريرة ولؤم الغلبة لأحد أولى بها منك. فقال ابن زياد : يا عاق يا شاق ، خرجت على إمامك، وشققت عصا المسلمين ، وألقحت الفتنة. فقال مسلم : كذبت إنّما شقّ عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد ، وأمّا الفتنة فإنّما ألقحتها أنت وأبوك. فقال ابن زياد : منّتك نفسك أمراً حال الله دونه ، وجعله لأهله. فقال له مسلم : ومَن أهله يابن مرجانة إذا لم نكن نحن أهله ؟! فقال ابن زياد : أهله أمير المؤمنين يزيد. فقال مسلم : الحمد لله على كلّ حال ، رضينا بالله حكماً بيننا وبينكم. فقال له ابن زياد : أتظنّ أنّ لك في الأمر شيئاً ؟ فقال له مسلم : والله ، ما هو الظنّ ولكنّه اليقين.

فقال له ابن زياد : أتيت النّاس وهم جميع ، فشتتّ أمرهم ، وفرّقت كلمتهم. قال : كلاّ لست لذلك أتيت ، ولكنّكم أظهرتم المنكر ودفنتم المعروف ، وتأمّرتم على النّاس بغير رضىً منهم، وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر ؛ فأتيناهم لنأمرهم بالمعروف وننهى عن المنكر. فقال له ابن زياد : لِم لمْ تعمل بذلك إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر ؟ قال مسلم : أنا أشرب الخمر ؟! أما والله ، إنّ الله ليعلم أنّك تعلم أنّك غير صادق ، وأنّ أحقّ بشرب الخمر منّي مَنْ يقتل النّفس التي حرّم الله على الغضب ، والعداوة ، وسوء الظن. فاقبل ابن زياد يشتمه ويشتم عليّاً والحسن والحسين (عليهم‌السلام ) وعقيلاً ، فقال له مسلم : أنت وأبوك أحقّ بالشتيمة ، فاقضِ ما أنت قاضٍ يا عدوّ الله.

فقال ابن زياد : اصعدوا به فوق القصر واضربوا عنقه. فصعد به بكر بن حمران ، وهو يكبّر ويستغفر الله ويُسبّحه ، ويصلّي على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، ويقول : اللهمّ ، احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذّبونا وخذلونا. فضرب عنقه واتبع رأسه جسده.

فلمّا بلغ خبره الحسين (عليه‌السلام ) ، استعبر

١١١

باكياً ، ثمّ قال : (( رحم الله مُسلماً ، فلقد صار إلى رَوح الله وريحانه ، وتحيّاته ورضوانه ، أما أنّه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا )). ثمّ أنشأ يقول :

فإنْ تكُنْ الدُّنيا تعدُّ نفيسةً

فإنّ ثوابَ اللهِ أعلى وأنبلُ

وإنْ تكُنْ الأبدانُ للموتِ اُنشئتْ

فقتلُ امرئٍ بالسّيفِ في اللهِ أفضلُ

وإنْ تكُنْ الأرزاقُ قِسْماً مُقدّراً

فقلّةُ حِرصِ المرءِ في السَّعي أجملُ

وإنْ تكُنْ الأموالُ للتّركِ جَمعُها

فما بالُ متروكٍ به المرءُ يبخلُ

* * *

المجلس السّادس والثمانون بعد المئة

ذكر غير واحد من المؤرّخين ، منهم : ابن أبي الحديد في ( شرح نهج البلاغة) : إنّ عبد الله بن الزّبير لـمّا قطع ذكر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من الخطبة ، لامهُ النّاس ، فقال : إنّ له اُهيلَ سوءٍ ، إذا ذكرته أتلعوا أعناقهم(١) ، فاُحبّ أنْ أكبتهم. وعاتبه قوم من خاصّته على ذلك ، فقال : ما تركته علانيّة إلّا وأنا أقوله سرّاً ، ولكنّي رأيت بني هاشم إذا سمعوا ذكره ، أشرأبّوا واحمرّت ألوانهم وطالت رقابهم ، والله ، ما كنت آتي لهم سروراً وأنا اقدر عليه... إلى أنْ قال : بيت سوء لا أوّل لهم ولا آخر.

فبلغ ذلك ابن عبّاس ، فخرج مغضباً ومعه ابنه حتّى أتى المسجد ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، ثمّ قال : أيّها النّاس ، إنّ الزّبير يزعم أنّه لا أوّل لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ولا آخر ، فيا عجباً كلّ العجب لافترائه وكذبه ! إنّ أوّل مَن أخذ الإيلاف وحمى عِيرَ قريشٍ لهاشم ، وإنّ أوّل مَن سقى بمكة عَذِباً ، وجعل باب الكعبة ذهباً

_____________________

(١) أي : رفعوا أعناقهم.

١١٢

لعبد المطلب ، والله ، لقد نشأت ناشئتنا مع ناشئة قريش ، وإنّا كنّا لقالتهم إذا قالوا ، وخطباءهم إذا خطبوا ، وما عُدّ مجدٌ كمجد أوّلنا ، ولا كان في قريش مجد لغيرنا ؛ لأنّها كانت في كفر ماحق ودين فاسق ، وضلة وضلالة ، في عشواء عمياء حتّى اختار الله لنا نوراً ، وبعث لنا سراجاً ، فانتجبه طيّباً من طيّبين ، فكان أحدَنا وولدَنا ، وعمَّنا وابنَ عمّنا. ثمّ إنّ أسبق السابقين إليه منّا ابن عمنّا ، ثُمّ تلاه في السّبق أهلنا ولحمتنا ، واحداً بعد واحد ، ثمّ إنّا لَخير النّاس بعده ؛ أكرمهم أدباً ، وأشرفهم حسباً ، وأقربهم منه رحماً.

وأعجباً كلّ العجب لابن الزّبير ! يَعيب بني هاشم ، وإنّما شرُفَ هو وأبوه وجدّه بمصاهرتهم ! أما والله ، إنّه لمسلوب قريش ، ومتى كان العوّام بن خويلد يطمع في صفيّة بنت عبد المطلب ؟ قيل للبغل : مَن أبوك ؟ فقال : خالي الفرس. ثمّ نزل.

وخطب ابن الزّبير بمكّة ، وابن عباس تحت المنبر ، فقال : إنّ ههنا رجلاً قد أعمى الله قلبه كما أعمى بصره ؛ يُفتي في القملة والنّملة ، وقد قاتل اُمّ المؤمنين وحواري رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ). فقال ابن عباس لقائده : استقبل بي وجه ابن الزّبير ، وارفع من صدري - وكان قد كُفّ بصرُه -. فاستقبل به وجهه ، فحسر عن ذراعيه ، ثمّ قال : يابن الزّبير :

قدْ أنصفَ القارَةَ مَنْ رامَاهَا

إنّا إذا ما فئةً نلقاهَا

نردُّ اُولاهَا على اُخراهَا

حتّى تصيرَ حَرضاً دَعْواها

فأمّا العمى ، فإنّ الله تعالى يقول :( فَإِنّهَا لَا تَعْمَى‏ الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَي الْقُلُوبُ الّتِي فِي الصّدُور ) (١) ؛ وأمّا فُتياي في القملة والنّملة ، فإنّ فيهما [ حكمين ] لا تعلمهما أنت ولا أصحابك ؛ وأمّا قتالنا اُمّ المؤمنين ، فبنا سُمّيت اُمّ المؤمنين ، لا بك ولا بأبيك ، فانطلق أبوك وخالك إلى حجاب مدّه الله عليها ، فهتكاه عنها ، ثمّ اتخذاها فتنة يقاتلان دونها ، وصانا حلائلهما ، فلا

_____________________

(١) سورة الحجّ / ٤٦.

١١٣

أنصفا الله ولا محمّداً من أنفسها ؛ إذ أبرزا زوجة نبيّهما وصانا حلائلهما.

وأمّا قتالنا إيّاكم ، فإنّا لقيناكم زحفاً ، فإنْ كنّا كفّاراً ، فقد كفرتم بفراركم منّا ، وإنْ كنّا مؤمنين ، فقد كفرتم بقتالكم إيّانا. وأيَم الله ، لولا مكان صفيّة فيكم ، ومكان خديجة فينا ، لَمَا تركت لبني أسد بن عبد العُزّى عظماً إلّا كسرتُه. فقال في ذلك أيمن بن خريم الأسدي :

يا بنَ الزُّبيرِ لقدْ لاقيتَ بائقةً

من البوائقِ فالطُفْ لُطفَ مُحتالِ

لاقيْتهُ هاشميّاً طاب مَنْبتُهُ

في مغرسيهِ كريمَ العمِّ والخالِ

ما زالَ يقرعُ منكَ العظْمَ مُقتَدِراً

على الجوابِ بصوتٍ مُسمعٍ عالي

حتّى رأيتُكَ بينَ النّاسِ مُحتَجِراً

خلفَ الغبيطِ وكُنتَ الباذخَ العالي

إنّ ابنَ عبّاسٍ المعْرُوفُ حكمتُهُ

خيرُ الأنامِ له حالٌ مِنَ الحالِ

لـمّا رماكَ على رُسلٍ بأسْهُمِهِ

جرتْ عليكَ كسوفُ الحالِ والبالِ

واعلمْ بأنّكَ إنْ عاودْتَ عيبتَهُ

عادَتْ عليكَ مخازٍ ذاتِ أذيالِ

فرحم الله ابن عبّاس ، فلقد كان من علماء بني هاشم وخطبائهم ، وله مواقف مشهورة ، ومقامات معدودة في نُصرة أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) وولده ، والذبّ عن حوزة الحقّ ، وفي المناظرة والاحتجاج مع عائشة اُمّ المؤمنين بالبصرة ، ومع أهل النّهروان ، ومع معاوية وابن العاص وابن الزّبير وغيرهم.

وكان أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) يبعثه في المهمات ، واختاره للحكومة يوم الحكمين فأبى أهل العراق، وكان تلميذ أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) وبه تخرّج ومنه تعلّم ، وكان مُخلصاً في ولائه وولاء ذرّيّته. ولـمّا حضرته الوفاة ، قال : اللهمّ ، إنّي أتقرّب إليك بولائي لعلي بن أبي طالب (عليه‌السلام ). وكان يمسك بركاب الحسنين (عليهما‌السلام ) حتّى يركبا ، ويقول : هُما ولدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

وقال له معاوية لـمّا قُبض الحسن (عليه‌السلام ) : أصبحت سيّد بني هاشم. فقال : أما وأبو عبد الله حيّ فلا. ولـمّا عزم

١١٤

الحسين (عليه‌السلام ) على الخروج إلى العراق ، جاءه عبدالله بن عباس فنهاه عن الخروج ، فقال (عليه‌السلام ): (( أستخير الله وانظر ما يكون )). ثمّ أتاه مرّة ثانية فأعاد عليه النَهي ، وقال : إنْ أبيت إلّا الخروج فاخرج إلى اليمن. فقال الحسين (عليه‌السلام ) : (( يابن عمّ ، والله ، إنّي لأعلمُ أنّك ناصحٌ مشفق ، وقد ازمعتُ وأجمعت المسير )). فخرج ابن عبّاس ومرّ بابن الزّبير ، وأنشد :

يا لكِ منْ قُبَّرةٍ بمَعْمَرِ

خلا لكِ الجوُّ فبيضِي واصفرِي

ونقِّري ما شِئْتِ أنْ تُنقِّري

هذا حسينٌ خارجٌ فأبشِري

ثُمّ أتاه هو وابن الزّبير ، وأشار عليه بالإمساك عن المسير إلى الكوفة ، فقال لهما : (( إنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد أمرني بأمرٍ وأنا ماضٍ فيه )). فخرج ابن عبّاس ، وهو يقول : وا حُسيناه !

ولـمّا دعاه ابن الزّبير - بعد قتل الحسين (عليه‌السلام ) - إلى بيعته فامتنع ، وكتب إليه يزيد يشكره على ذلك ، ويَعدُه البرّ والصّلة ، كتب ابن عبّاس إلى يزيد ذلك الكتاب العظيم ، الذي يقول من جملته : إنّك تسألني نصرتك وقد قتلتَ حسيناً (عليه‌السلام ) وفتيان عبد المطّلب مصابيح الهدى ونجوم الأعلام ، غادرتْهم خيولك بأمرك في صعيد واحد ، مرمّلين بالدّماء ، مسلوبين بالعراء ، لا مُكفّنين ولا موسّدين ، تسفي عليهم الرياح وتنتابهم عرج الضّباع ، وما أنسى من الأشياء فلستُ بناسٍ طردك حسيناً (عليه‌السلام ) من حرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى حرم الله ، وتسييرك إليه الرجال لتقتله في الحرم.

ألا وإنّ من أعجب الأعاجيب ، وما عسى أنْ أعجب ، حملك بنات عبد المطّلب وأطفالاً صغاراً من ولده إليك بالشام كالسبي المجلوب.

نصرتَ ابنُ عبّاسٍ حسينَ بنَ فاطمٍ

بحدِّ لسانٍ ما عنْ السّيفِ يَنقصُ

دعتْكَ إليه شِيمةٌ هاشميّةٌ

فحقّاً لأنتَ الهاشميُّ الـمُخلَصُ

* * *

١١٥

المجلس السّابع والثمانون بعد المئة

روى الـمُرزُباني : أنّ عبد الله بن العبّاس -رضي‌الله‌عنه - مرّ بمكّة - بعدما كُفّ بصره - بصفة زمزم، وإذا قوم من أهل الشام يسبّون عليّاً (عليه‌السلام ) ، فوقف عليهم ، فقال : أيّكم السّاب الله ؟ قالوا : سبحان الله ! ما فينا أحد سبّ الله. قال : فأيّكم السّاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؟ قالوا : سبحان الله ! ما فينا أحد سبّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ). قال : فأيّكم السّاب علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) ؟ قالوا : أمّا هذا فقد كان. قال : أشهد على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لسمعتُه يقول : (( مَن سبّ عليّاً فقد سبّني ، ومَن سبّني فقد سبّ الله ، ومَن سبّ الله أكبّه الله على منخره في نار جهنّم )). ثمّ توّلى عنهم. فقال لابنه : كيف تراهم ؟ فقال له ابنه :

نَظَرُوا إليك بأعْينٍ مُحمرَّةٍ

نظرَ التّيوسِ إلى شفارِ الجازِرِ

فقال لابنه : زدني. فقال :

خزرُ العُيونِ نواكسٌ أبصارُهُمْ

نظًرُ الذَّليلِ إلى العزيزِ القاهِرِ

فقال له : زدني. فقال : ليس عندي زيادة. فقال عبد الله :

أحياؤُهُمْ عارٌ على أمواتِهمْ

والميِّتونَ مسبَّةٌ للغابِرِ

وكان ابن عباس -رحمه‌الله - مبرّزاً في الفقه والتفسير ، والشعر والأنساب ، وأيام العرب ووقائعها، وكان يُسمّى الحَبْر ؛ لكثرة علمه ، وكان فصيحاً قوي الحُجّة ، ثابت الجنان ، وله مواقف مشهورة في ذلك مع معاوية وعبد الله بن الزّبير وعائشة ، ومع الخوارج وغيرهم ، وشهد مع أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) حروب الجمل وصفّين والنّهروان. وأراد علي (عليه‌السلام )

١١٦

أنْ يختاره يوم الحكمين ، فلمْ يمكّنه أهل العراق من ذلك. ونظر إليه معاوية يوماً ، وهو يتكلم ، فقال : متمثّلاً :

إذا قالَ لَمْ يتْرُكْ مقالاً لقائلٍ

مُصيبٍ ولَمْ يَثنِ اللّسانَ على هُجرِ

يُصرِّفُ بالقولِ اللّسانَ إذا انْتَحَى

وينظرُ في أعْطَافِهِ نَظَرَ الصَّقْرِ

وكُفّ بصره في آخر عمره ، فقال :

إنْ يأخذْ اللهُ منْ عينيَّ نُورَهُمَا

ففي لسانِي وقَلبِي منهُما نُورُ

قلبِي ذكيٌّ وعقلي غيرُ ذي دَخَلٍ

وفي فمي صارمٌ كالسَّيفِ مأثُورُ

وهو الذي كتب إلى يزيد بن معاوية - بعد قتل الحسين (عليه‌السلام ) - ذلك الكتاب العظيم ، وذلك أنّ عبد الله بن الزّبير - بعد قتل الحسين (عليه‌السلام ) - دعا ابن عبّاس إلى بيعته ، فامتنع ، فظنّ يزيد أنّ امتناعه تمسك منه ببيعته ، فكتب إليه كتاباً يشكره فيه على ذلك ، ويَعده البرّ والصلة.

فأجابه ابن عبّاس بكتاب يقول فيه : أتراني ناسياً لك قتل الحسين بن علي (عليهما‌السلام ) وفتيان بني عبد المطلب ، مضرَّجين بالدماء ، مسلوبين بالعراء ، تسفي عليهم الرياح وتنتابهم الذئاب والضّباع حتّى أتاح الله لهم قوماً أجنوهم. ومهما نسيتُ فما أنسى لك طرد الحسين (عليه‌السلام ) من حرم الله ، وكتابك إلى ابن مرجانة أنْ يتلّقاه بالجيوش طمعاً في قتله. وإنّي لأرجو أنْ يأخذك الله حين قتلت ذرّيّة نبيّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، [ الذين ] أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، لا كآبائك الأجلاف الجفاة ، أشباه الحمير. فطلب إليكم الحسين (عليه‌السلام ) الموادعة ، فاغتنمتم قلّة أنصاره وأعوانه ، فتعاونتم عليه كأنّكم قتلتم أهل بيتٍ من التُرك.

ولا شيء أعجب عندي من طلبك وُدّي وقد قتلتَ وُلدَ أبي ، وسيفك يقطر من دمي ، وأنت أحد ثأري ! فإنْ شاء الله لا يُطلّ لديك دمي ، ولا

١١٧

تسبقني بثأري ، وإنْ سبقتني في الدّنيا فقبل ذلك ما قُتل النبيّون وأبناء النبيّين ، والله الطالب بدمائهم ، وكفى بالله للمظلومين ناصراً ، ومن الظالمين منتقماً.

إلى أنْ قال : ألا وإنّ من أعجب العجب ، وما عسى أنْ أعجب ، حملك آل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وأطفالاً صغاراً من ولده إليك إلى الشام كالاُسارى المجلوبين ، تُري الأوباش ومَن خرج عن ملّة جدّهم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أنّك قهرتنا وأنك تمنّ علينا ، وبنا مَنّ الله عليك وعلى أبيك ! ولَعمر الله ، لئن تُصبح آمناً من جراحة يدي فقد عظّم الله جرحك من لساني ، ونقضي وإبرامي. والله ، ما أنا بآيس من بعد قتلك عترة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أنْ يأخذك الله أخذاً أليماً ، ويُخرجك من الدّنيا مذموماً مدحوراً ، فعش لا أباً لك ما استطعت ، فقد والله ، أرداك ما اقترفت ، والسّلام على من اتّبع الهدى.

إذا ما ابنُ عبّاسٍ بدَا لكَ وجهُهُ

رأيتَ لهُ في كلِّ أحوالِهِ فَضْلا

إذا قالَ لمْ يتْرُكْ مقالاً لقائلٍ

بمُنتظماتٍ لا ترَى بينَها فَصْلا

كفَى وشفَى ما في النُّفوسِ فلَمْ يدعَ

لذي إربةٍ في القولِ جدَّاً ولا هَزْلا

* * *

المجلس الثامن والثمانون بعد المئة

قال الله تعالى في كتابه العزيز :( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) .

قال السّيوطي في كتاب الدرّ المنثور في تفسير كتاب الله بالمأثور : أخرج ابن جَرير ، وابن المنذر، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، عن اُمّ سلمة - زوج النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) - أنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان ببيتها على منامة له ، عليه كساء خيبري ، فجاءت فاطمة ببرمة(٢)

______________________

(١) سورة الأحزاب / ٣٢.

(٢) أي : إناء مخصوص.

١١٨

فيها خزيرة(١) .

وفي رواية للطبراني : جاءت فاطمة (عليها‌السلام ) إلى أبيها بثريدة تحملها في طبق لها حتّى وضعتها بين يديه ، فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لها : (( أين ابنُ عمِّك ؟ )). قالت : (( هو في البيت )). قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (( اذهبي ، فادعيه وابنيك حسناً وحسيناً )).

فجاءت تقود ابناها ، كلّ واحد منهما في يد ، وعليٌّ يمشي في إثرهما حتّى دخلوا على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، فاجلسهما في حجره ، وجلس علي (عليه‌السلام ) عن يمينه ، وجلست فاطمة (عليها‌السلام ) عن يساره. فبينما هم يأكلون ، إذ نزلت على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) :( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) . فأخذ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بفضلة إزاره فغشاهم إيّاها ، ثمّ أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السّماء ، ثمّ قال : (( هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي ، فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً )). قالها ثلاث مرات. قالت اُمّ سلمة : فأدخلت رأسي في السّتر ، فقلت : يا رسول الله ، وأنا معكم ؟ قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( إنّك إلى خير )). مرّتين.

وفي رواية : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه من يدي ، وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( إنّك إلى خير )). وفي رواية : قالت اُمّ سلمة : فأنا معكم يا رسول الله ؟ قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( أنت مكانك، وإنّك على خير )).

قال : وأخرج ابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري قال : لـمّا دخل علي بفاطمة (عليهما‌السلام ) ، جاء النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أربعين صباحاً إلى بابها ، يقول : (( السّلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته. الصلاة رحمكم الله ،( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) . أنا حربٌ لمَنْ حاربتم ، وأنا سلمٌ لـمَنْ سالمتم )).

قال : وأخرج ابن جرير وابن مردويه ، عن أبي الحمراء [ قال ] : حفظت من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ثمانية أشهر بالمدينة ، ليس من مرّة يخرج إلى صلاة الغداة إلّا أتى إلى باب علي (عليه‌السلام ) ، فوضع يده على جنبتي الباب ، ثمّ قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( الصلاة الصلاة !( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) )).

قال : وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عبّاس [ قال ] : شهدنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) تسعة أشهر ، يأتي كلّ يوم باب علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) وقت كلّ صلاة ، فيقول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( السّلام

______________________

(١) أي : الثريد.

(٢) سورة الأحزاب / ٣٢.

١١٩

عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت ،( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) . الصلاة رحمكم الله )). كلّ يوم خمس مرّات.

وفي أصحاب الكساء ، يقول الشاعر مخاطباً أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) :

أنتَ ثاني ذَوي الكِساءِ ولَعمْري

أفضلُ الخلقِ مَن حواهُ الكِساءُ

قال آخر :

يُزاحمُهُ جبْريلُ تحتَ عباءةٍ

لها قيلَ: كلُّ الصَّيدِ في جانبِ الفرَا

وفيهم يقول المؤلّف :

وكانَ لهُمْ جبريلُ في الفضلِ سادِساً

وهُمْ خمسةٌ مِنْ فوقِهمْ مُدَّتْ العَبا

وفيهم يقول الآخر :

ذُرِّيَّةٌ مثلُ ماءِ الـمُزنِ قدْ طَهُرُوا

وطُهِّروا فصفتْ أخلاقُ ذاتِهمُ

وكفى شرفاً وفضلاً لأهل البيت (عليهم‌السلام ) نزول آية الطهارة فيهم ، شرف ما فوقه شرف ، وفضل لا يُدانيهِ فضل. فالويل ثمّ الويل لاُمّة أخّرتهم عن مقامهم ! ودفعتهم عن مراتبهم التي رتَّبهم الله فيها ! وظلمتهم وقتلتهم ! فمضى أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام ) شهيداً بالسّيف في محرابه ، ومضت زوجتُه البضعة الزهراء ، سيّدة النّساء ، حزينة كئيبة مغضبة ، لَمْ تُرَ بعد وفاة أبيها ضاحكةً ولا كاشرةً :

وهيَ العُرْوةُ التي ليسَ ينجُو

غيرُ مُسْتعصمٍ بحبلِ وَلاهَا

لمْ يَرَ اللهُ الرِّسالةَ أجراً

غيرَ حفظِ الزَّهراءِ في قُرباهَا

فَمَضتْ وهيَ أعظمُ النّاسِ وجْدَاً

في فمِ الدَّهرِ غصةً منْ جواهَا

وثوَتْ لا يَرى لها النّاسُ مثوىً

أيُّ قُدسٍ يضمُّهُ مثْواهَا

ومضى ولداها الحسن والحسين (عليهما‌السلام ) ، ريحانتا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وسيّدا

١٢٠