المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه11%

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 348

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه
  • البداية
  • السابق
  • 348 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 47079 / تحميل: 4595
الحجم الحجم الحجم
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

مؤلف:
العربية

المجالس الفاخرة

في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

«المقدمة الزاهرة لكتاب المجالس الفاخرة»

تأليف

الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسويقدس‌سره

مراجعة وتحقيق

محمود البدري

مؤسسة المعارف الاسلامية

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

مقدمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وأفضل صلواته وسلامه على خير من اصطفى محمد ، وعلى وصيّه المرتضى عليّ ، وأبنائه البررة الأتقياء.

أمّا بعد:

كثيرة هي قضايانا الاسلامية التي حظيت بالأهمية البالغة في البحث والكتابة عند الكتّاب والمؤرخين على مرّ العصور ، ومن تلك القضايا التي تناولتها الأقلام بالدراسة والتحليل هي سيرة الرسول الأكرم وخليفته في اُمّته وآل بيتهماعليهم‌السلام أجمعين ، وكذا المحن والابتلاءات التي عانوا منها طوال حياتهم المقدسّة حتى قضوا جميعاً بين مسموم وقتيل.

وانّ قضيّة استشهاد الامام الحسين بن عليّعليه‌السلام نالت القسط الأكبر من ذلك الاهتمام ، كيف لا وقد كان له المنزلة الكبيرة عند الله سبحانه وتعالى حيث جعل في زيارتهعليه‌السلام من الثواب ما يعادل العمرة المندوبة المتقبلة ، بل ورد في بعض الروايات: «إنّ الله ينظر إلى زوّار قبر الحسينعليه‌السلام نظر

٥

الرحمة في يوم عرفة قبل نظره إلى أهل عرفات»(١) .

وعلى هذا صار لزيارتهعليه‌السلام آثاراً عظيمة لدى الناس وهم يثابون كلّ حسب حاله وبمقدار معرفته وإخلاصه ، وصار التوسّل بهعليه‌السلام متنوّعاً ، وذلك إمّا من خلال زيارة مرقده الطاهر ، أو عقد مجالس العزاء ، أو بذل الطعام باسمه ، ولن يكون ذلك متقبّلاً الا في تحقّق عنصر الاخلاص.

والكتاب الذي بين يديك - عزيزي القارئ - قد ضمّ بين دفتيه طائفة من المجالس الفاخرة تناول فيها السيد المؤلّف قدّس سرّه سيرة وخصائص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكذا ضمّنه سيرة الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام من ولادته وحتى استشهاده تُتلى صبيحة يوم العاشر من المحرّم بمجلس واحد أو تُتلى في مجالس متعدّدة في سائر ايّام عاشوراء.

ومن دواعي السرور أن تأخذ مؤسّستنا مؤسّسة المعارف الاسلامية على عاتقها طبع ونشر هذه التحفة النفيسة سائلين الباري تعالى أن يجعله في حسناتنا وشاكرين للاستاذ المحقّق محمود البدري جهوده الرائعة في تحقيق الكتاب ، سيّما وانّه قد ألحق المقدّمة الزاهرة في أوّل الكتاب والتي كتبها السيد المؤلف قدّس سرّه وطبعت مستقلة. وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

____________________

(١) ثواب الأعمال: ١١٥ ح ٢٧ ، معاني الأخبار: ٢٩١ ح ٣٦.

٦

ترجمة المؤلّف

ولادته ونشأته:

هو السيد عبد الحسين بن السيد يوسف بن السيد جواد بن السيد إسماعيل ابن محمد بن محمد جدّ الاسرتين «آل شرف الدين» و«آل الصدر» بن السيد إبراهيم الملقّب ب «شرف الدين» المنتهي نسبه إلى الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام .

ولد السيد عبد الحسين في الكاظمية سنة ١٢٩٠ ه في دار جدّه لّامّه السيد «هادي الصدر» ، وهو من أبوين علويين كريمين ، فأبوه العلامة الحجّة يوسف بن الشريف جواد بن الشريف إسماعيل ، واُمّه العلوية الجليلة «الزهراء» كريمة المرحوم السيد «الهادي» بن السيد محمد علي ، الذي ينتهي نسبها إلى شرف الدين كذلك.

دراسته العلميّة:

في السنة الثامنة من عمره عاد به والده إلى «عاملة» ليؤدّي الأب فيها واجبه الديني بعد أن نال رتبة الاجتهاد ، وشبّ السيد في كنف والده ينتهل من نمير المعرفة في حدود علوم العربية والمنطق والبلاغة وسطوح الفقه والأصول.

وعندما بلغ السيد السابعة عشر من عمره أرسله أبوه إلى العراق لاكمال دراسته ، وكان له من ذكائه واجتهاده ما ساعده على المضي في الانتهال العلمي

٧

في مدرسة النجف العلمية وشقّ طريقه على يد اساتذة فطاحل شهد لهم بعلو المقام ، فقد درس على يد فحول الحوزة العلمية في النجف وسامراء كالمرحوم الملا كاظم الخراساني ، والمرحوم السيد كاظم الطباطبائي وشيخ الشريعة الاصفهاني ، والشيخ محمد طه نجف ، والشيخ حسن الكربلائي والسيد إسماعيل الصدر ، والسيد حسن الصدر ، وغيرهم من أعلام الدين وأئمة العلم..

ومرّت عليه مرحلة كان ينتقل خلالها في رياض العلم والفضل والأدب حتى إذا ما استوفى نصيبه من هذه المناهل العلمية والأدبية ، كان من اولئك الأفراد الذين لمع نجمهم في الأوساط الدينية بمكانته العلمية.

وكان -رحمه‌الله كثير السؤال والمذاكرة والاستفسار عن مشاكل المسائل كلما اجتمع بعالم كبير يبرز منه الدقة وحب المناظرة والافادة.

قالرحمه‌الله في ترجمته من كتابه «بغية الراغبين» ما نصّه: «أمّا في العلوم العربية فقد كان ممّن لا يجارى فيها - ويقصد بذلك جدّه آية الله المرحوم السيد الهادي - ولا سيما في علمي المعاني والبيان ، إذ بان شأنه فيهما ، كنت استصبح بضوئه فيما لم اعتد إليه من معضلات «المطول» للمحقّق التفتازاني فيهديني إليها بنور بيانه وسطوع حجّته ، فإذا هي كالشمس في ريعان الضحى ، وكم كنت أرجع إليه في مشكلات المنطق والعلوم العربية فيثلج غلتي بما ينفيه عني من معتلج الريب ، ويميطه من حجاب الشبهة ، وكان على جلالته وشيخوخته يقبل على مباحثتي بانبساطه ، ويسترسل إلى مناظرتي بأنسه...».

عودته إلى جبل عامل:

عاد بعد ذلك إلى جبل عامل وهو في الثانية والثلاثين من عمره ، واستقبلته مدينته استقبالاً رائعاً ، وحط فيها موفور الكرامة ، محترم الجانب ، رفيع المقام

٨

وأصبح مرجعاً وزعيماً دينياً تمكن من الاصلاح والهداية ونشر المعارف.

بما ان استقر به المقام حتى بدأ يعمل ويخطط لأمّته كأي مصلح عظيم ، ويرعى الجانب العلمي ، كما دعم الجانب الاجتماعي والسياسي وكانت له مواقف مشهودة سجلها التاريخ بكلّ اكبار وتقدير.

ففي الجانب العلمي: نظّم السيد -رحمه‌الله في «صور» الدراسة العلمية وهذّبها من كلّ ما يعرقل سيرها ، ثم كان على اتّصال مستمر بالبحث والمطالعة والكتابة والمناظرة ، وكانت حصيلة تلك الجهود العلمية مجموعة كبيرة من المؤلّفات القيّمة.

وقام كذلك بفتح مدارس علمية ليوفر عدد طلاب العلوم الدينية ويشجعهم على الاستمرار العلمي ، ووضع نواة لكلية جعفرية ، تولى العناية بها من بعده ولده العلامة السيد جعفر شرف الدين.

أمّا في الجانب السياسي والاجتماعي: فقد كان السيد -رحمه‌الله مثال القائد المصلح الذي يحاول أن يبني لاُمّته كياناً ، فكانت له مواقف خالدة ضد الاستعمار الأجنبي في العهد التركي والعهد الفرنسي وذلك لاقامة العدل ، ولصموده واستقامته حاولوا اغتياله بيد أحد المرتزقة يعرف بـ «ابن الحلاج» ، ولكن الله تعالى كفّ أيديهم عنه لكن بقيت مؤامراتهم متّصلة إلى أن أدّت إلى تشريد السيد بأهله وذويه نحو دمشق وترك مكتبته العامرة تحترق بيد الجيش الفرنسي.

أسفاره:

ولم يدم بقاء السيد طويلاً في دمشق ، فقد ضاق الفرنسيون به ذرعاً ، إذ

٩

عرفت فيه الشام عالماً وزعيماً ومجاهداً ، وكانت معركة «ميسلون» نهاية بقائه في دمشق ، فلجأ إلى مصر سنة ألف وتسع وعشرين وثلاثمائة هجرية واجتمع بعلمائها وعلى رأسهم الشيخ سليم البشري المالك شيخ الأزهر في عصره وانتجت اجتماعاته به ومراسلاته له كتاب «المراجعات».

ولم يمكث طويلاً في مصر ، إذ قصد فلسطين ليكون من هناك على مقربة من بلده يواصل منها جهاده الديني والوطني ، وعندما خرج الفرنسيون من لبنان عاد السيد -رحمه‌الله إلى بلاده منتصراً ظافراً ، وكان يوم عودته مشهوداً ، وهو يحمل مشعل النصر.

وللسيد -رحمه‌الله سفرات وزيارات اخرى إلى المدينة وفلسطين ومصر والعراق وإيران.

مؤلّفاته:

وللسيد شرف الدين مؤلفات كثيرة تدلّ على علمه وسعة اطلاعه ، وفيما يلي نذكر جملة منها:

١ - المراجعات: وهي آية من الآيات ، ومعجزة من المعجزات ببيانها ، وقوّة برهانها ، وشرف هدفها ، طبعت مرّتين في حياة السيد والعديد من المرّات بعد وفاته وترجمت إلى العديد من اللغات كالفارسية والانكليزية والاوردية.

٢ - الفصول المهمة في تأليف الأمة: وهو صرخه مدوية في سبيل جمع الكلمة واتحاد الاُمّة.

٣ - اجوبة مسائل موسى جار الله: وهي أجوبة عن عشرين سؤالاً تقدّم بها موسى جار الله إلى أعلام الشيعة في البلاد الاسلامية وقد دلّت هذه الاجوبة على

١٠

غزير علم واطلاع واسع يكتفي بها كلّ من كان رائده الحق.

٤ - الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء.

٥ - المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة (وهو هذا الكتاب).

٦ - أبو هريرة: وقد اقتفى السيد فيه أثر العلامة أبو ريّة المصري في كتاب الفذّ «شيخ المضيرة».

٧ - النصّ والاجتهاد: وهو من أعمق الدراسات الاسلامية في العصر الحاضر.

٨ - بغية الراغبين: ضمنه تراجم أعلام آل الصدر وشرف الدين مع عرض لتراجم أستاذتهم وتلامذتهم وصور عن عصرهم وهو من الكتب الجليلة التي تعد في طليعة أدب التراجم.

٩ - فلسفة الميثاق والولاية.

١٠ - ثبت الاثبات في سلسلة الرواة: عرض فيه إلى شيوخه من أعاظم أهل المذاهب الاسلامية باسلوب فريد مفيد.

١١ - مسائل فقهية: موضوع فقهي مقارن عميق البحث.

١٢ - إلى المجمع العلمي: حيث رد على بعض الشبهات المثارة حول الشيعة ، ووجّه نصائحه إلى المجمع العلمي يحثّه على الوفاق ونبذ الافتراق.

١٣ - حول الرؤية: رسالة عقائدية تبحث مسألة الرؤية بحثاً علمياً عميقاً يثبت به استحالة الرؤية بأدلّة مقنعة.

١٤ - زينب الكبرى: وهي خطبة خطبها في الصحن الزينبي المطهر تحدّث

١١

فيها عن مقام الحوراء زينبعليها‌السلام ومواقفها الخالدة.

ومن جملة كتبه التي احترقت ولم تطبع:

١٥ - سبيل المؤمنين (في الإمامة).

١٦ - النصوص الجليلة (في الإمامة).

١٧ - تنزيل الآيات الباهرة (في الإمامة).

١٨ - شرح التبصرة في الفقه.

١٩ - تعليقة على الاستصحاب.

٢٠ - تحفة المحدّثين فيما أخرجت عن الستة المضعفين.

٢١ - الذريعة (ردّ على بديعة النبهاني).

٢٢ - تعليقة على صحيح البخاري.

٢٣ - تعليقة على صحيح مسلم.

٢٤ - الأساليب البديعة في رجحان مآتم الشيعة.

٢٥ - المجالس الفاخرة (المجلدات الأربعة).

٢٦ - مؤلفو الشيعة في صدر الاسلام.

٢٧ - زكاة الأخلاق.

وفاته ومدفنه:

توفيرحمه‌الله يوم الاثنين ٨ من جمادي الثانية سنة ١٣٧٧ ه ، الموافق ٣٠ كانون الأول سنة ١٩٥٧ ، ودفن في النجف الأشرف بجوار جدّه الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام داخل الصحن العلوي في إحدى الغرف المحيطة بالضريح.

تغمّد الله الفقيد العظيم برحمته ، ونفع الله الامّة بآثاره كما نفعها بسيرته.

والحمد لله رب العالمين.

١٢

عملنا في الكتاب

الكتاب الذي بين يديك - قارئنا العزيز - هو عبارة عن بقايا أثر خالد من آثار العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين ، وهو واحد من تلك السلسلة القيّمة التي خلّفها للمكتبة الاسلامية والتي كان بها أكبر الأثر في تركيز الجانب الفكري والعقائدي الشيعي في القرن الرابع عشر الهجري.

فقد وضع المؤلف كتاباً سمّاه «المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة» ، حيث وضعه في مقدّمة وأربعة أجزاء وكوّن بمجموعه أربعة مجلدات ، وهي كما يلي:

المقدمة: اقتصر فيها على مطالب خمسة هي:

١ - البكاء على الموتى المؤمنين.

٢ - جواز رثائهم.

٣ - تلاوة مناقبهم ومآثرهم.

٤ - إقامة المجالس العزائية حزناً عليهم.

٥ - الانفاق عنهم في وجوه البر.

أمّا أجزاء الكتاب فهي:

المجلد الاول: تحدّث فيها عن سيرة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وحياته المقدّسة.

المجلد الثاني: وتحدّث فيه عن الإمام علي وفاطمة الزهراء والإمام الحسنعليهم‌السلام .

١٣

المجلد الثالث: وقد خصّه بحياة الإمام الحسينعليه‌السلام .

المجلد الرابع: وقد جمع فيه سيرة الأئمّة المعصومين التسعةعليهم‌السلام .

وقد كان السيدرحمه‌الله قد قدم على طبع هذا الكتاب عام ١٣٣٢ ه ، وما أن أتمّ طبع المقدّمة حتى اندلعت شرارة الحرب العالمية ، فمنعت من الاستمرار بالطبع ، بل شاء الحظ العاثر أن تخسر المكتبة الاسلامية العديد من آثار السيد الفقيد بعد أن أصدر الاستعمار الفرنسي أمراً بنهب دار السيد وحرق مكتبته.

ومن جملة الكتب التي احترقت هوهذا الكتاب القيّم.

وبعد مرور مدّة طويلة حاول أحد أولاد عمّ المؤلّف وهو السيد الجليل علي ابن إسماعيل أن يجمع «من أفواه قراء المآتم» بعض المجالس المحفوظة ، ويعرضها على سماحة السيد ويقرأها من أولها حتى نهايتها ، فأقرّها وحبّذ هذا العمل وباركه منه.

«كما ألقى نظرة على المقدّمة ، ورتبها بعض الترتيب وحورها».

وقد طبعت مقدمة الكتاب في صيدا سنة ١٣٣٢ ه ، واطلق عليها اسم «المقدمة الزاهرة لكتاب المجالس الفاخرة» ، ثم اُعيد طبعها في كربلاء المقدّسة سنة ١٣٧٨ ه ، ثم أعيد طبعها في النجف الأشرف سنة ١٣٨٦ بعد أن اُلحق بها بعض المجالس المتفرقة والتي جمعها السيد علي بن إسماعيل.

وقد اعتمدنا في تحقيقنا لهذا الكتاب على النسخة المطبوعة لكتاب المقدّمة الزاهرة والتي طبعت عام ١٣٧٨ ه ، وكذلك على نسخة المجالس الفاخرة المطبوعة عام ١٣٨٦ ه في النجف الأشرف.

ونظراً لكون نسخة «المقدمة الزاهرة» المطبوعة بصورة مستقلة عن المجالس الفاخرة أكثر تفصيلاً من المقدمة الموجودة ضمن كتاب المجالس

١٤

الفاخرة والمطبوع سنة ١٣٨٦ ه فقد جعلنا القسم الاول من كتابنا هذا هو «المقدمة الزاهرة لكتاب المجالس الفاخرة» ، أمّا القسم الثاني فسيكون كتاب المجالس الفاخرة بمقدّمته المقتضبة.

أمّا عملنا في الكتاب فكان كالآتي:

١ - ضبط النص قدر الوسع والامكان ، والاشارة إلى بعض الاختلافات مع المصادر الأصلية.

٢ - تخريج الروايات الواردة في المتن من المظان المعتمدة.

٣ - تثبيت أقوال المؤلف في الهامش بعد كلمة «قالرحمه‌الله :» ، وتمييز تعليقاتنا في الهامش بكلمة «أقول:».

٤ - تثبيت التخريجات التي أوردها المؤلف كما هي ، مع زيادة العديد من التخريجات والتعليقات ضمن الهامش.

٥ - كتبتُ تراجم مختصرة لأغلب الأعلام الوارد ذكرهم في الكتاب.

٦ - ما أضفناه من المصادر أو من عندنا وضعناه بين [ ] دون الاشارة إلى المصدر.

٧ - وضعت فهارس فنية في آخر الكتاب لكي تعين الباحث في عمله.

نسأل الله رب العالمين أن ينفع به ، وأن يجعله في صحائف أعمالنا يوم القيامة «يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم».

محمود البدري

٣ / رجب / ١٤٢١ ه. ق

ذكرى استشهاد الإمام علي الهاديعليه‌السلام

١٥

١٦

المقدمة الزاهرة

الكتاب المجالس الفاخرة

١٧

١٨

مقدمة المؤلف

الحمد لله على جميل بلائه وجليل عزائه ، والصلاة والسلام على اُسوة أنبيائه وعلى الأئمة المظلومين من أوصيائه ورحمة الله وبركاته...

أمّا بعد ؛ فهذا كتاب «المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة» وضعته تقرّباً إليهم في الدنيا ، وتوسّلاً بهم في الآخرة ، سائلاً من الله سبحانه ان يكون خالصاً لوجهه الكريم ، انّه هو الرؤوف الرحيم...

الأصل العملي(١) يقتضي إباحة البكاء على مطلق الموتى ، ورثائهم بالقريض ، وتلاوة مناقبهم ومصائبهم ، والجلوس حزناً عليهم ، والانفاق عنهم في وجوه البر ، ولا دليل على خلاف هذا الاصل ، بل السيرة القطعية(٢) ، والأدلّة

____________________

(١) أي أنّ الحكم الشرعي في مرحلة العمل هكذا يقتضي ، وذلك استناداً إلى قول كثير من الاصوليين الذين يرون بأن الأصل في المكلّف أن لا يكون مسؤولاً عن التكاليف المشكوكة أو المجهولة ، ويرى هؤلاء انّ العقل هو الذي يحكم بنفي المسؤولية ، لأنّه يدرك قبح العقاب من المولى على مخالفة المكلّف للتكليف الذي لم يصل اليه ، ولأجل هذا يطلقون على الأصل من وجهة نظرهم اسم «قاعدة قبح العقاب بلا بيان» أو «البراءة العقلية».

(٢) وتعني الأمر المتداول عند عموم المسلمين المتشرعين ، بشرط أن لا يكون هذا الأمر أمراً مستحدثاً أو عادة من العادات المحلية ، بل لا بدّ أن يرتبط بعصر المعصوم ، وهو ما يطلق عليه علماء الاُصول ب- «سيرة المتشرعة» على أساس أنّ المتشرعة حينما يسلكون سلوكاً بوصفهم

١٩

اللفظية حاكمان بمقتضاه ، بل يستفاد من بعضها استحباب هذه الاُمور إذا كان الميّت من أهل المزايا الفاضلة ، والآثار النافعة ، وفقاً لقواعد المدنية ، وعملاً باُصول العمران ، لأنّ تمييز المصلحين يكون سبباً في تنشيط أمثالهم ، وأداء حقوقهم يكون داعياً إلى كثرة الناسجين على منوالهم ، وتلاوة أخبارهم ترشد العاملين إلى اقتفاء آثارهم ، وهنا مطالب:

متشرعة ، يجب أن يكونوا متلقين ذلك من المعصومعليه‌السلام ، وقد وصفت هذه السيرة بالقطعية ، لأنّه بواسطتها سوف يحصل لنا القطع باذن الشارع في مورده.

٢٠

المطلب الأول

في البكاء

ولنا على ما اخترناه فيه (مضافاً إلى السيرة القطعية) فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله وتقريره ؛ أمّا الأول متواتر عنه في موارد عديدة:

منها: يوم اُحد ، إذ علم الناس كافة بكائه يومئذ على عمّه أسد الله واسد رسوله حتى قال ابن عبد البر في ترجمة حمزة ) من استيعابه لمـّا رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حمزة قتيلاً بكى ، فلمّا رأى ما مثّل به شهق.(٢)

وذكر الواقدي (كما في أوائل الجزء الخامس عشر من نهج البلاغة(٣) للعلامة المعتزلي) ، انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يومئذ إذا بكت صفيّة يبكي ، وإذا نشجت ينشج(٤) قال: وجعلت فاطمة تبكي ، فلمّا [بكت] بكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .(٥)

____________________

(١) حمزة بن عبد المطلب بن هاشم أبو عمارة ، سيد الشهداء ، استشهد سنة ٣ ه ، عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أحد صناديد قريش وسادتهم في الجاهلية والاسلام ، هاجر مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة ، حضر وقعة بدر وغيرها ، استشهد يوم اُحد ودفن في المدينة.

انظر: تاريخ الاسلام ١: ٩٩ ، صفوة الصفوة ١: ١٤٤ ، الأعلام ٢: ٢٧٨.

(٢) الاستيعاب ١: ٣٢٥.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣: ٣٨٧.

(٤) نشج الباكي ينشج نشيجاً: غُص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب. القاموس المحيط ١: ٢١٩.

(٥) قالرحمه‌الله : قد اشتمل هذا الحديث على فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتقريره ، فهو حجّة من

٢١

ومنها: يوم نعى زيداً وذا الجناحين وابن رواحة ، فيما أخرجه البخاري في الصفحة الثالثة من أبواب الجنائز من صحيحه(١) .

وذكر ابن عبد البر في ترجمة زيد من استيعابه(٢) انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بكى على جعفر(٣) وزيد وقال: أخواي ومؤنّساي ومحدّثاي.

ومنها: يوم مات ولده ابراهيم ، إذ بكى عليه فقال له عبد الرحمن بن عوف (كما في صفحة ١٤٨ من الجزء الأول من صحيح البخاري) وأنت يا رسول الله !(٤)

جهتين ، على انّ بكاء سيدة النساءعليها‌السلام كاف كما لا يخفى.

أقول: لانّ فعل الزهراءعليها‌السلام يكفي للاستدلال باعتباره حجّة في مثل هذا المقام ، إذ انّها معصومة ، وهي من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وانظر ما كتبهرحمه‌الله حول الزهراء في رسالته القيّمة (الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراءعليها‌السلام ).

____________________

(١) صحيح البخاري ٢: ٣٨٤ ، صحيح مسلم ٥: ٣١٧ ، وانظر: مسند أحمد ٢: ٤٠.

(٢) الاستيعاب ٢: ٦٥.

(٣) جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام ، يكنّى أبا عبد الله ، صحابي هاشمي من شجعانهم ، أوّل قتيل من الطالبيين في الاسلام ، ويكنّى أبا المساكين أيضاً ، وجعفر هو الثالث من ولد أبيه بعد طالب وعقيل ، وبعد جعفر عليعليه‌السلام ، وامّهم فاطمة بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف ، استشهد سنة ٨ ه ، حضر وقعة مؤتة ، فنزل عن فرسه وقاتل ، ثم حمل الراية وتقدّم صفوف المسلمين ، فقطعت يمناه ، فحمل الراية باليسرى ، فقطعت ايضا ، فاحتضن الراية إلى صدره وصبر حتى وقع شهيداً وفي جمسه نحو تسعين طعنة ورمية.

انظر: الإصابة ١: ٢٣٧ ، البداية والنهاية ٤: ٢٥٥ ، تهذيب التهذيب ٢: ٩٨ ، أسد الغابة ١: ٢٨٦ ، الطبقات الكبرى ٤: ٢٢ ، حلية الأولياء ١: ١١٤.

(٤) قال القسطلاني: أي اتبع الدمعة الاولى بدمعه اخرى أو اتّبع الكلمة الاولى المجملة وهو قوله: «انّها رحمة» بكلمة اخرى مفصّلة ، فقال: انّ العين تدمع... الخ. انظر: ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري ٢: ٣٩٨.

٢٢

قال: يا ابن عوف ، انّها رحمة(١) ثم اتبعها - يعني عبرته - باخرى ، فقال: انّ العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول(٢) الاما يرضي ربّنا ، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون.(٣)

ومنها: يوم ماتت إحدى بناتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ جلس على قبرها (كما في صفحة ١٤٦ من الجزء الأول من صحيح البخاري) وعيناه تدمعان.(٤)

ومنها: يوم مات صبي لإحدى بناته ، إذ فاضت عيناه يومئذ (كما في الصحيحين وغيرهما) فقال له سعد: ما هذا ، يا رسول الله ؟

____________________

(١) قالرحمه‌الله : لا يخفى ما في تسميتها رحمة من الدلالة على حسن البكاء في مثل المقام.

أقول: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : انّها رحمة ؛ أي والرحمة نعم الفعل ، ونعمت الصفة ، وليس سخطاً لقضاء الله حتى تكون مذمومة ، وما كان ينبغي أن يقال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ، وهو القدوة في أقواله وأفعاله وسكوته ومقاله ، والله تعالى يقول:( وَ مَا آتَاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) [سورة الحشر: ٧].

(٢) قالرحمه‌الله : أراد بهذا انّ الملامة والاثم في المقام انّما يكونان بالقول الذي يسخط الرب عزّ وعلا ، كالاعتراض عليه والسخط لقضائه لا بمجرّد دمع العين وحزن القلب.

(٣) صحيح البخاري ٢: ١٠٥.

وروي بأسانيد وألفاظ متفاوتة ، انظر: التعازي للمدائني: ١٤ ، سنن ابن ماجة ١: ٥٠٦ ح ١٥٨٩ ، الكامل للمبرّد ٣: ٢٦٣ ، العقد الفريد ٣: ٢٣٤ ، دعائم الاسلام ١: ٢٢٨ ح ٧٩٢ ، تحف العقول: ٣٧ ، بحار الانوار ٨٢: ٩١ و١٠٠ و١٠١.

(٤) قال القسطلاني (ارشاد الساري ٢: ٤٢٥): هي امّ كلثوم زوج عثمان.

وأخرج النسائي في سننه (١: ٢٦٢) عن ابن عباس قال: لمـّا حضرت بنت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صغيرة فأخذها فضمّها الى صدره ثم وضع يده عليها ، فقضت وهي بين يديه ، فبكت امّ أيمن فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يا اُمّ أيمن ، أتبكين ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عندك ؟

فقالت: ما لي لا أبكي ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يبكي.

فقال: انّي لست أبكي ، ولكنّها رحمة.

٢٣

قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب [من يشاء من] عباده ،« وإنّما يرحم الله من عباده الرحماء» (١) .(٢)

ومنها: ما أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين ، عن ابن عمر قال: اشتكى سعد فعاده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع جماعة من أصحابه فوجده في غشية فبكي.

[قال:] فلمّا رأى القوم بكاءه بكوا... الحديث (٣) .(٤)

والأخبار في ذلك لا تحضى ولا تستقصى (٥) .

____________________

(١) قالرحمه‌الله : دلالة قوله: «وانّما يرحم الله من عباده الرحماء» على استحباب البكاء في غاية الوضوح كما لا يخفى.

(٢) صحيح البخاري ٢: ١٠٠ ، صحيح مسلم ٢: ٦٣٥ ح ٩٢٣ ، سنن أبي داود ٣: ١٩٣ ح ٣١٢٥ ، سنن ابن ماجة ١: ٥٠٦ ح ١٥٨٨ ، سنن النسائي ٤: ٢٢ ، دعائم الاسلام ١: ٢٢٨ ح ٧٩٤ ، مجمع الزوائد ٣: ١٨ ، بحار الأنوار ٨٢: ٩١.

(٣) قالرحمه‌الله : لا يخفى اشتماله على كل من فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقريره ، فهو حجّة من جهتين.

أقول: ولكن عندما نقرأ بقية الحديث نجده حجّة من ثلاث جهات ؛ فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقوله وتقريره.

(٤) أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له ، فأتاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص وعبد الله بن مسعود ، فلمّا دخل عليه فوجده في غاشية من أهله فقال: قد قضى ؟ فقالوا: لا يا رسول الله ، فبكى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا رأى القوم بكاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكوا ، فقال: ألا تسمعون انّ الله لا يعذّب بدمع العين ولا بحزن القلب ، ولكن يعذّب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم. (منه رحمه الله).

(٥) انظر: سنن ابن ماجة ١: ٥٠٦ ح ١٥٨٩ ، الكامل للمبرّد ٣: ٢٦٣ ، العقد الفريد ٣: ٢٣٤ ، التعازي للمدائني: ١٤.

٢٤

وأمّا قوله وتقريره فمستفيضان مواردهما كثيرة فمنها ما ذكره ابن عبد البر في ترجمة جعفر من استيعابه(١) قال:

لما جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نعي جعفر(٢) أتى امرأته أسماء بنت عميس فعزّاها.

[قال:] ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول: واعماه ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : على مثل جعفر فلتبك(٣) البواكي.

ومنها: ما ذكره ابن جرير(٤) وابن الأثير(٥) وصاحب العقد الفريد(٦) وجميع أهل السير(٧) ، وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل من حديث ابن عمر في صفحة

____________________

(١) الاستيعاب ١: ٣١٢.

(٢) قالرحمه‌الله : هذا الحديث مشتمل على تقريرهصلى‌الله‌عليه‌وآله على البكاء وأمره به على انّ مجرّد صدوره من سيّدة النساءعليها‌السلام حجّة كما لا يخفى.

(٣) قالرحمه‌الله : هذا أمر منهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالبكاء ندباً على أمثال جعفر من رجال الاُمّة وحسبك به حجّة على الاستحباب.

(٤) تاريخ الطبري ٣: ٢٧.

(٥) الكامل في التاريخ: ٢: ١٣٢.

(٦) العقد الفريد ٢: ٨٦.

(٧) قال علي بن برهان الدين الحلبي في السيرة الحلبيّة ١: ٤٦٢: وسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نساء الأنصار يبكين على أزواجهنّ وأبنائهنّ وإخوانهنّ فقال: حمزة لا بواكي له ، وبكىصلى‌الله‌عليه‌وآله - ولعلّه لم يكن له بالمدينة زوجة ولا بنت - فأمر سعد بن معاذ نساءه ونساء قومه أن يذهبن إلى بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يبكين حمزة بين المغرب والعشاء ، وكذلك اُسيد بن خضير أمر نساءه ونساء قومه أن يذهبن إلى بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يبكين حمزة - إلى أن قال -: فلمّا رجعصلى‌الله‌عليه‌وآله من المسجد من صلاة المغرب سمع البكاء فقال: ما هذا ؟ فقال: نساء الأنصار يبكين حمزة ، فقال: رضي الله عنكنّ وعن أولادكنّ ، وأمر أن ترد النساء إلى منازلهنّ - إلى أن قال -: وفي

٢٥

(٤٠) من الجزء الثاني من مسنده قال:

[لمـّا ] رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله [من اُحد فجعلت نساء الأنصار يبكين على مَن قُتِل من أزواجهن فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :] ولكن حمزة لا بواكي له.

[قال:] ثمّ نام فاستنبه وهن يبكين.

[قال:] فهنّ اليوم إذا بكين يبد أن(١) بحمزة.(٢)

رواية: فلمّا ذهب ثلث الليل نادى بلال: الصلاة يا رسول الله ، فقام من نومه ، وخرج وهنّ على باب المسجد يبكين حمزة فقال لهن: ارجعن رحمكنّ الله ، لقد واسيتن معي ، رحم الله الأنصار ، فإن المواساة فيهم كما عملت قديماً - إلى أن قال -: وصارت الواحدة من نساء الأنصار بعد لا تبكي على ميّتها الابدأت بالبكاء على حمزة ثمّ بكت على ميّتها.

وأخرج كذلك عن ابن مسعود: ما رأينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باكياً أشدّ من بكائه على حمزة ، وضعه في القبلة ، ثم وقف على جنازته وانتحب حتى نشق - أي شهق حتى بلغ الغشى - يقول: يا عمّ رسول الله ، وأسد الله ، وأسد رسول الله ، يا حمزة ، يا فاعل الخيرات ، يا حمزة ، يا كاشف الكربات ، يا ذابّ ، يا مانع عن وجه رسول الله.

(انظر: السيرة الحلبية ١: ٤٦١ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣: ٣٨٧).

أقول: هذا حال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما رأى حمزة شهيداً ، فكيف به صلوات الله عليه لو نظر إلى ما صنع بولده الحسين وأهل بيتهعليهم‌السلام لكان ذلك المنظر أوجع لقلبه من منظر حمزة ويكون حاله كما قال القائل:

لو أنّ رسول الله يبعث نظرة

لردّت إلى انسان عين مؤرّق

وهان عليه يوم حمزة عمّه

بيوم حسين وهو أعظم ما لقي

ونال شجى من زينب لم ينله من

صفيّة إذ جاءت بدمع مرقرق

فكم بين من للخدر عادت مصونة

ومن سيّروها في السبايا بحلّق

____________________

(١) كذا في الأصل ، والظاهر هو الصحيح ، وفي المصدر: يندبن.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٣: ٢٦١.

٢٦

وفي ترجمة حمزة من الاستيعاب ، نقلاً عن الواقدي قال: لم تبك امرأة من الأنصار على ميّت بعد قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لكن حمزة لا بواكي له» إلى اليوم الابدأت(١) بالبكاء على حمزة [ثمّ بكت ميّتها].(٢)

وحسبك تلك السيرة في رجحان البكاء على من هو كحمزة وان بعُد العهد بموته.

ولا تنس ما في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لكن حمزة لا بواكي له» من البعث على البكاء والملامة لهن على تركه ، وحسبك به وبقوله: «على مثل جعفر فلتبك البواكي» دليلاً على الاستصحاب.

وأخرج الإمام أحمد من حديث ابن عبّاس في صفحة (٣٣٥) من الجزء الأول من مسنده من جملة حديث ذكر فيه موت رقية بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبكاء النساء عليها ، قال: فجعل عمر يضربهنّ بسوطه ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : دعهن يبكين.

ثم قال: مهما يكن من القلب والعين فمن الله والرحمة (- إلى أن قال -:] ، وقعد على شفير القبر وفاطمة إلى جنبه تبكي ، فجعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يمسح عين فاطمة بثوبه رحمة لها.(٣)

وأخرج أحمد أيضاً من حديث أبي هريرة جاء فيه: انّه مرّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جنازة معها بواك ، فنهرهنّ عمر ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) كذا في المصدر ، وفي الأصل: لا بدأن ، وهو تصحيف.

(٢) الاستيعاب ١: ٢٧٥.

(٣) مسند أحمد ١: ٣٣٥ ، مشكاة المصابيح ١: ٥٤٨ ح ١٧٤٨ ، مجمع الزوائد ٣: ١٧ ، كنز العمّال ١٥: ٦٢١ ح ٤٢٤٧٦.

٢٧

: دعهنّ ، فإنّ النفس مصابة ، والعين دامعة ، [والعهد قريب].(١)

إلى غير ذلك ممّا لا يسعنا استيفاؤه.

وقد بكى يعقوب ، إذ غيّب الله ولده:( وَ قَالَ يَا أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَ ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ کَظِيمٌ‌ ) (٢) ، حتى قيل - كما في تفسير هذه الآية من «الكشاف» -: ما جفّت عيناه من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عاماً ، وما على وجه الأرض أكرم على الله منه. وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - كما في تفسير هذه الآية من «الكشاف» أيضاً -: أنّه سئل جبرئيلعليه‌السلام : ما بلغ من وجد يعقوب على يوسف ؟

قال: وجد سبعين ثكلى.

قال: فما كان له من الأجر ؟

قال: أجر مائة شهيد(٣) ، وما ساء ظنّه بالله ساعة قطّ(٤) .

____________________

(١) مسند أحمد ٢: ٣٣٣ ، وانظر: سنن ابن ماجة ١: ٢٤٧ ، سنن النسائي ١: ٢٦٣.

أقول: قوله: «والعهد قريب» لا يدل ّعلى عدم الجواز مع بعد العهد ، فإنّه بمنزلة التعليل لصعوبة الصبر مع قرب العهد ؛ أي لو كان العهد بعيداً لهان عليهنّ ترك البكاء ، وان كان جائزاً أيضاً ، فلا يدل ّعلى اختصاص الجواز بقرب العهد ، مع انّ مثل مصيبة الحسينعليه‌السلام وما اشتملت عليه من الفظاعة التي لم يسبق لها مثيل كلّما بعُد عهدها فهو قريب ، وكما قال القائل:

وفجائع الأيّام تبقى مدّة وتزول وهي إلى القيامة باقية

(٢) سورة يوسف: ٨٤.

(٣) قالرحمه‌الله : هذا كالصريح في استحباب البكاء ، إذ ليس المستحب الا ما يترتب الثواب على فعله كما هو واضح.

(٤) الكشاف ٢: ٤٥٠ ، تفسير الطبري ١٣: ٣٢ ، غرائب القرآن - بهامش تفسير الطبري - ١٣: ٤٢ ، تفسير

٢٨

قلت: أيّ عاقل يرغب عن مذهبنا في البكاء بعد ثبوته عن الأنبياء( وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ) (١) .

وأمّا ما جاء في الصحيحين(٢) : من انّ الميّت يعذّب لبكاء أهله عليه.

وفي رواية: ببعض بكاء أهله عليه.

وفي رواية: ببكاء الحيّ.

وفي رواية: يعذب في قبره بما نيح عليه.

وفي رواية: من يبك عليه يعذّب. فانّه خطأ من الراوي بحكم العقل والنقل.

قال الفاضل النووي: هذه الروايات كلّها من رواية عمر بن الخطّاب وابنه عبد الله.(٣)

قال: وأنكرت عائشة(٤) عليهما ونسبتهما إلى النسيان والاشتباه ، واحتجّت

الرازي ٥: ٢٣٨.

____________________

(١) سورة البقرة: ١٣٠.

(٢) صحيح البخاري ١: ١٥٥ ، صحيح مسلم ١: ٣٥٩ و٤: ٢٥٧ ، سنن ابن ماجة ١: ١٧٣ ، سنن النسائي ١: ٢١٣.

(٣) صحيح مسلم ٥: ٣١٨.

(٤) هي زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واُمّ المؤمنين ، تزوّجها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في السنة الثانية أ, الثالثة للهجرة وتوفّي عنها وهي ابنة ثماني عشرة سنة على أشهر الأقوال.

ولقب ام المؤمنين هذا لا يختصّ بعائشة ، فهو يطلق على كلّ امرأة تزوّجها الرسسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيُقال امّ المؤمنين خديجة ، وامّ المؤمنين حفصة... الخ.

وقد لعبت عائشة دوراً كبيراً في التاريخ الاسلامي ، فهي أوّل امرأة تقود جيشاً كبيراً لمحاربة خليفة المسلمين ، انّها عصت أمر الله وأمر رسوله لها بالذات وخرجت فقادت حرب

٢٩

بقوله تعالى: «ولا تزر وازرة وزر اُخرى»(١) ... الخ.(٢)

قلت: وأنكر هذه الروايات أيضا عبد الله بن عبّاس(٣) واحتجّ على خطأ

الجمل المشؤومة التي انتهكت فيها المحارم ، وقتلت الأبرياء وخانت العهد في الكتاب الذي كتبته مع عثمان بن حنيف وعندما جاؤوها بالرجال مكتّفين أمرت بضرب أعناقهم صبراً ، وكأنّها لم تسمع قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «سباب المؤمن فوس وقتاله كفر».

وقد سجّل لها التاريخ كُرهاً وبغضاً للإمام علي لم يعرف له مثيل وصل بها إلى حدّ أنّها لا تطيق ذكر اسمه ولا تطيق رؤيته ، وعندما تسمع بأنّ الناس قد بايعوه بالخلافة بعد قتل عثمان تقول: وددت لو أنّ السماء انطبقت على الأرض قبل أن يليها ابن أبي طالب ، وتعمل كلّ جهودها للإطاحة به ، وتقود ضدّه عسكراً جرّراراً لمحاربته ، وعندما ياتيها خبر موته تسجد شكراً لله ! (انظر: صحيح البخاري ١: ١٦٢ وج ٣: ١٣٥ وج ٥: ١٤٠).

____________________

(١) سورة الأنعام: ١٦٤ ، سورة الاسراء: ١٥ ، سورة فاطر: ١٨ ، سورة الزمر: ٧.

(٢) أخرج النسائي ومسلم ومالك في الموطأ: انّ عائشة لمـّا بلغها رواية ابن عمر: انّ الميّت ليعذّب ببكاء أهله ونحوه ، قالت: مرّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قبر فقال: إنّ صاحب القبر ليعذّب ، وانّ أهله يبكون عليه ، وقرأت: «ولا تزر» الآية. أو قالت: انّه لم يكذب ، ولكن نسي أو أخطأ ، انّما مرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على يهودية يبكى عليها فقال: انّهم ليبكون عليها وانّها لتعذّب في قبرها. أو قالت: انّه سمع شيئاً فلم يحفظ ، انّما مرّت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جنازة يهودي وهم يبكون عليه فقال: أنتم تبكون عليه ، وانّه ليعذّب. أو قالت: وهل انّما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّه ليعذّب بخطيئته وبذنبه ، وانّ أهله ليبكون عليه الآن. أو قالت - لمـّا ذكر لها حديث من يبكي عليه يعذّب -: انّما كان اولئك اليهود. أو لمـّا بلغها قول عمر وابنه قالت: انكم لتحدّثون عن غير كاذبين ولا مكذّبين ، ولكن السمع يخطئ.

انظر: سنن النسائي ١: ٢١٣ ، صحيح مسلم ٤: ٢٥٧ ، الموطأ ١: ١٠٧ ، والتردد في هذه الأقوال من الراوي.

(٣) عبد الله بن العبّاس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ، أبو العباس ، حبر الاُمّة ، صحابي جليل ، ولد بمكة ونشأ في بدء عصر النبوّة ، لازم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وروى عنه ، وشهد مع عليعليه‌السلام الجمل وصفّين ، كفّ بصره في آخر عمره ، فسكن الطائف وتوفي

٣٠

راويها ، والتفصيل في الصحيحين وشروحهما ، وما زالت عائشة وعمر في هذه المسألة على طرفي نقيض حتى أخرج الطبري(١) في حوادث سنة ١٣ من تاريخه بالإسناد إلى سعيد بن المسيب قال: لمـّا توفّي أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح ، فأقبل عمر بن الخطاب حتى قام ببابها فنهاهن عن البكاء على أبي بكر ، فأبين أن ينتهين ، فقال عمر لهشام بن الوليد: ادخل فأخرج إليّ ابنة أبي قحافة. فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر: انّي أحرج عليك بيتي. فقال عمر لهشام: ادخل فقد أذنت لك ، فدخل هشام وأخرج امّ فروة اُخت أبي بكر إلى عمر فعلاها بالدرّة ، فضربها ضربات ، فتفرّق النوح حين سمعوا ذلك.

قلت: كأنّه لم يعلم تقرير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نساء الأنصار على البكاء على موتاهنّ ، ولم يبلغه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لكن حمزة لا بواكي له» ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «على مثل جعفر فلتبك البواكي» ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّما يرحم الله من عباده الرحماء».

ولعله نسي نهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اياه عن ضرب البواكي يوم ماتت رقية بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نسي نهيه إيّاه عن انتهارهن في مقام آخر مرّ عليك آنفاً.(٢)

ثمّ إذا كان البكاء على الميّت حراماً ، فلماذا أباح لنساء بني مخزوم أن بها سنة ٦٨ ه.

انظر: الإصابة ترجمة رقم (٤٧٧٢) ، صفة الصفوة ١: ٣١٤ ، حلية الأولياء ١: ٣١٤ ، نسب قريش: ٢٦ ، الأعلام ٤: ٩٥.

____________________

(١) تاريخ الاُمم والملوك ٢: ٤٩ (وفاة أبو بكر).

(٢) انظر مسند أحمد بن حنبل ١: ٣٣٥ و٢: ٣٣٣ ، سنن ابن ماجة ١: ٢٤٧ ، العقد الفريد ٢: ٤٧.

٣١

يبكين على خالد بن الوليد(١) حتى ذكر محمد بن سلام - كما في ترجمة خالد من الاستيعاب(٢) - انّه لم تبق امرأة من بني المغيرة الاوضعت لمـّتها - أي حلق رأسها - على قبر خالد ، وهذا حرام بلا ارتياب ، والله أعلم.(٣)

____________________

(١) بل انّ عمر بكى وحزن على أخيه زيد ورثاه ، ففي الإصابة (١: ٥٦٥ و ٦٤٣٢) في ترجمة زيد بن الخطاب: انّه لمـّا قُتل باليمامة حزن عليه عمر حزناً شديداً.

وفي الاستيعاب (١: ٥٤٣) بسنده عن ابن جابر قال: قال لي عمر بن الخطاب: ما هبّت الصبا الاوأنا أجد منها ريح زيد.

وقد بكى عمر أيضاً على النعمان بن مقرن حين قتل في فتح نهاوند واضعاً يده على رأسه علامة على شدّة الحزن وعظيم المصاب. ففي الاستيعاب (٣: ٥٤٧) في ترجمة النعمان: و لمـّا جاء نعيه عمر بن الخطاب ، خرج فنعاه إلى الناس على المنبر ، ووضع يده على رأسه يبكي!

(٢) الاستيعاب - بهامش الاصابة - ٣: ٣٩٧. وانظر: صحيح البخاري ١: ١٦٧ (باب ما يكره من النياحة) ، النهاية لابن الأثير ٥: ١٠٩ ، العقد الفريد ٢: ٧٦.

(٣) فقد روى البخاري في صحيحه (١: ١٥٥ ، كتاب الجنائر): إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برئ من الحالقة ، وكذا روى النسائي في سننه (١: ٢١٧).

٣٢

المطلب الثاني

في رثاء الميّت بالقريض

ويظهر من القسطلاني في شرح [صحيح] البخاري(١) انّ الجماعة يفصّلون القول فيه ، فيحرمون ما اشتمل منه على مدح الميّت وذكر محاسنه ، الباعث على تحريك الحزن وتهييج اللوعة ، ويبيحون ما عدا ذلك ، والحقّ اباحته مطلقاً ، إذ لا دليل هنا يعدل بنا عن مقتضى الأصل ، والنواهي التي يزعمونها انّما يستفاد منها الكراهة في موارد مخصوصة على انّها غير صحيح بلا ارتياب.

وقد رثى آدمعليه‌السلام ولده هابيل ، واستمرت على ذلك ذرّيّته إلى يومنا هذا بلا نكير.(٢)

وأقرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه عليه مع اكثارهم من تهييج الحزن به ، وتفنّنهم بمدائح الموتى فيه ، وتلك مراثيهم منتشرة في كتب الأخبار ،

____________________

(١) ارشاد الساري ٣: ٢٩٨ (باب رثاء النبي سعد بن خولى).

(٢) قال الطبي في تاريخه (١: ٣٧) ما لفظه:

وذكر انّ قابيل لمـّا قتل أخاه هابيل بكاه آدم فقال فيما حدّثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي إسحاق الهمداني قال: قال علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: لمـّا قتل ابن آدم أخاه بكاه آدم فقال:

تغيّرت البلاد ومَن عليها

فلون الأرض مغبّر قبيح

تغيّر كل ذي طعم ولون

وقلّ بشاشة الوجه المليح

٣٣

فراجع الاستيعاب إن أردت بعضها أحوال سيد الشهداء حمزة(١) ، وعثمان بن مظعون(٢) ، وسعد بن معاذ(٣) ، وشمّاس بن عثمان بن الشريد(٤) ، والوليد بن الوليد

____________________

(١) الاستيعاب ١: ٣٢٥.

(٢) جاء في الاستيعاب (٣: ٨٩) أنّه لمـّا مات عثمان بن مظعون رثته امرأته فقالت:

يا عين جودي بدمع غير ممنون

على رزية عثمان بن مظعون

على امرئ كان في رضوان خالقه

طوبى له من فقيد الشخص مدفون

طاب البقيع له سكنى وغرقده

واشرقت أرضه من بعد تفتين

وأورث القلب حزناً لا انقطاع له

حتى الممات وما ترقى له شوني

وقد أخرج ابن ماجة في سننه (١: ٣٢٩ ، باب ما جاء في تقبيل الميّت) ، عن عائشة قالت: قبّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عثمان بن مظعون وهو ميّت ، فكأني انظر إلى دموعه تسيل على خدّيه.

وقال محمد بن عبد الهادي المعروف بالسندي في الحاشية: قوله: على خدّيه ؛ أي خدّي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو خدّي عثمان ، ويؤيّد الثاني ما جاء: حتى سالت دموع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على وجه عثمان ، والله تعالى أعلم.

(٣) أورد ابن هشام في سيرته (٤: ٢٩٦) ، عن ابن إسحاق قال: قال حسّان بن ثابت يبكي سعد بن معاذ: لقد

سجمت من دمع عيني عبرة

وحُقّ لعيني أن تفيض على سعد

لقد سجمت من دمع عيني عبرة

وحُقّ لعيني أن تفيض على سعد

قتيل ثوى في معرك فجعت به

عيون ذواري الدمع دائمة الوجد

على ملّة الرحمن وارث جنّةٍ

مع الشهداء وفدها أكرم الوفد

فإن تك قد ودّعتنا وتركتنا

وأمسيت في غبراء مظلمة اللحد

فأنت الذي يا سعد أبتّ بمشهد

كريم وأثواب المكارم والحمد

بحكمك في حيّي قريظة بالذي

قضى الله فيهم ما قضيت على عمد

(٤) قالت نُعم تبكي زوجها شمّاس بن عثمان الذي اُصيب يوم اُحد:

يا عين جودي بفيض غير إبساس

على كريم من الفتيان لبّاس

صعب البديهة ميمون نقيبته

حمّال ألوية رَكّاب أفراس

أقول لمـّا أتى الناعي له جزعاً

أودى الجواد وأودى المُطعم الكاسي

وقلت لمـّا خلت منه مجالسه

لا يُبعد الله عنّا قرب شمّاس

٣٤

ابن المغيرة(١) ، وأبي خراش الهذلي(٢) ، وأياس بن البكير الليثي(٣) ، وعاتكة بنت

فأجابها أخوها أبو الحكم بن سعيد بن يربوع فقال:

اقني حياءك في ستر وفي كرم

فإنّما كان شمّاس من الناس

لا تقتلي النفس إذ حانت منيته

في طاعة الله يوم الروع والباس

قد كان حمزة ليث الله فاصطبري

فذاق يومئذٍ من كأس شمّاس

انظر: سيرة ابن هشام ١٦٨:٣، الاصابة ٩٧:٢.

____________________

(١) قالت امّ سلمة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تبكي الوليد بن الوليد بن المغيرة:

يا عين فابكي الوليـ

د بن الوليد بن المغيرة

قد كان غيثاً في السنيـ

ن ورحمة فينا وميرة

ضخم الدسيعة ماجداً

يسمو إلى طلب الوتيرة

مثل الوليد بن الوليـ

د أبي الوليد كفى العشيرة

انظر: الاستيعاب ٣: ٦٣٠.

(٢) هو خويلد بن مرّة أبو خرّاش الهذلي ، كان في الجاهلية من فتّاك العرب ثم أسلم ، وكان يعدو على قدميه فيسبق الخيل ، قال وهو يرثي أخاه أو ابن عمّه زهيراً الذي قتله جميل بن معمّر الجمحي أسيراً يوم حنين ؛ وقيل: قاله في أخيه عروة بن مرّة:

فجع أضيافي جميل بن معمّر

بذي مفخر تأوي إليه الأرامل

طويل نجاد السيف ليس بحيدر

إذا اهتزّ واسترخت عليه الحمائل

إلى بيته يأوي الغريب إذا شتا

ومهتلك بالي الدريسين عائل

تكاد يداه تسلّما رداءه

من الجود لما استقبلته الشمائل

فأقسم لو لاقيته غير موثّق

لآبك بالجزع الضياع النواهل

وانّك لو واجهته ولقيته

فنازلته وكنت ممّن ينازل

لكنت جميل أسوأ الناس صرعة

ولكن أقران الظهور مقاتل

فليس كعهد الدار يا اُمّ مالك

ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل

وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل

سوى الحق شيئاً فاستراح العواذل

انظر: الاستيعاب ٤: ١٨٤.

(٣) قال أياس بن البكير يرثي زيد بن الخطاب:

ألا يا ليت اُمّي لم تلدني

ولم أك في الغزاة لدى البقيع

٣٥

زيد بن عمرو بن نفيل(١) ، وغيرهم(٢) .

ولاحظ من الاصابة أحوال ذي الجناحين جعفر بن أبي طالب(٣) ، وأبي

ولم أر مصرع ابن الخير زيد

وهدّته هنالك من صريع

هو الرزء الذي عظمت وجلّت

مصيبته على الحي الجميع

انظر: الاستيعاب ١: ١٠٢.

____________________

(١) وهي التي تزوجت بعدّة أزواج فقتلوا ؛ فقيل عنها: من أحبّ الشهادة فليتزوج عاتكة ؟

قالت وهي ترثي زوجها عبد الله بن أبي بكر المقتول في وقعة الطائف:

رزئت بخير الناس بعد نبيّهم

وبعد أبي بكر وما كان قصرا

فآليت لا تنفكّ عيني حزينة

عليك ولا ينفكّ جلدي أغبرا

فلله عيناً من رأى مثله فتى

أكرّ و احمى في الهياج واصبرا

إذا شرعت فيه الاسنة خاضها

إلى الموت حتى يترك الرمح احمرا

انظر: الاستيعاب ٤: ٣٦٥.

(٢) كمراثي الخنساء لأخويها صخر ومعاوية ، ورثاء متمّم بن نويرة وغيره أخاه مالكاً الذي قتله خالد بن الوليد ، والمراثي التي قيلت في الإمام الحسينعليه‌السلام من يوم شهادتهعليه‌السلام إلى اليوم.

(٣) الاصابة ١: ٢٣٧.

قال حسّان بن ثابت الأنصاري يرثي جعفر بن أبي طالب وأصحاب مؤتة:

فلا يُبعدن الله قتلى تتابعوا

بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر

فطاعن حتى مال غير موسّد

بمعتركٍ فيه قنا متكسّر

فصار مع المستشهدين ثوابه

جنان وملتفّ الحدائق أخضر

وكنّا نرى في جعفر من محمد

وفاء وأمراً حازماً حين يأمر

فما زال في الإسلام من آل هاشم

دعائم عزّ ولا تزول ومفخر

بهاليل منهم جعفر وابن اُمّه

علي ومنهم أحمد المتخير

وحمزة والعبّاس منهم ومنهم

عقيل وماء العود من حيث يُعصر

بهم تُفرج اللأواء في كلّ مأزق

عماسٍ إذا ما ضاق بالناس مصدر

هم أولياء الله أنزل حكمه

عليهم وفيهم ذا الكتاب المطهّر

٣٦

زُبَيد الطائي(١) ، وأبي سنان بن حريث المخزومي(٢) ، والأشهب بن رميل-ة الدارمي(٣) ، وزينب بنت العوام(٤) ، وعبد الله بن عبد المدان الحارثي(٥) ، وجماعة

انظر: السيرة النبوية لابن هشام ٤: ٣٨٤ - ٣٨٥.

____________________

(١) في الأصل: أبو زيد الطائي ، وهو تصحيف ، وما أثبتناه هو الصحيح.

وهو حرملة بن منذر ، ويقال: المنذر بن حرملة بن معد بن يكرب بن حنظلة الطائي ، قال يرثي الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام لما مات:

إنّ الكرام على ما كان من خُلق

رهط امرئ جامع للدين مختار

حبّ بصير بأصناف الرجال

ولم يعدل بخير رسول الله أخيار

انظر: الاصابة ترجم رقم «٩٩٧١».

(٢) قال أبو سنان بن حريث المخزومي وهو يرثي شمّاس بن عثمان وهو زوج ابنته:

اقني حيائك في ستر وفي خفر

فإنّما كان عثمان من الناس

لا تقتلي النفس إذ حانت منيته

في طاعة الله يوم الروع والباس

قد كان حمزة ليث الله فاصطبري

قد ذاق ما ذاق عثمان بن شمّاس

انظر: الاصابة ٢: ٩٧.

(٣) قال الأشهب بن رميلة الدارمي يرثي أخاه رباب بن رميلة:

أعيني قلت عبرة من أخيكما

بأن تسهرا الليل التمام وتجزعا

وباكية تبكي رباباً وقائل

جزى الله خيراً ما أعفّ وأمنعا

فلو كان قلبي من حديد أذابه

ولو كان من صمّ الصفا لتصدّعا

انظر: الاصابة ١: ٤٩٤.

(٤) هي زينب بن العوام بن خُويلد بن أسد القرشية الأسدية ، اُخت الزبير بن العوام ، شاعرة صحابية ، أسلمت قديماً وبقيت وعاشت إلى أن قُتل ابنها عبد الله بن حكيم يوم الجمل ، فرثته وذكرت حاله. انظر: الإصابة ترجمة رقم «١١٢٤٩» ، أعلام النساء: ١٠١.

(٥) قال ابن حجر في الاصابة (٣: ١٥٦): كان عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب صاهر عبد الله بن عبد المدان - وهو من الصحابة - على ابنته ، فلمّا أمّره عليّعليه‌السلام على اليمن ، وسار بسر بن أرطأة إليها من قبل معاوية خرج عنها عبيد الله واستخلف عليها صهره هذا ، فقتله بسر وابنه مالكاً وولدي عبيد الله ابني اُخت مالك ، فقال عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يرثي عبد الله بن المدان وابنه مالكاً وكانا صديقين له:

٣٧

آخرين لا تحضرني أسماؤهم ، ودونك كتاب الدرة في التعازي والمراثي ، وهو في أول الجزء الثاني من العقد الفريد(١) تجد فيه مراثي الصحابة ومن بعدهم شيئاً كثيراً ، وليس شيء ممّا أشرنا إليه الا وقد اشتمل على ما يهيج الحزن ويجيد اللوعة بمدح الميّت وذكر محاسنه.

و لمـّا توفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تنافست فضلاء الصحابة في رثائه ، فرثته سيدة نساء العالمينعليها‌السلام بأبيات تهيج الأحزان ، ذكر القسطلاني في ارشاد الساري(٢) بيتين منها وهما قولهاعليها‌السلام :

ماذا على من شمّ تربة أحمدٍ

أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا(٣)

صُبّت عليَّ مصائب لو أنّها

صُبّت على الأيّام صرن لياليا

ورثته أيضا بأبيات تثير لواعج الأشجان ذكر ابن عبد ربّه المالكي بيتين منها في العقد الفريد وهما:

إنّا فقدناك فَقدَ الأرض وابلها

وغاب مُذ غِبت عنّا الوحي والكتب

فليت قبلك كان الموت صادفنا

لما نُعيت وحالت دونك الكُثب(٤)

ولولا أن تعنّفني قريش

بكيت على بني عبد المدان

فإنّهم أشدّ الناس فجعاً

وكلّهم لبيت المجد باني

لهم أبوان قد علمت يمان

على آبائهم متقدّمان

____________________

(١) العقد الفريد ٢: ٢٧.

(٢) صحيح البخاري ٢: ٣٦٣ و ٣٩٠.

(٣) الغوالي: جمع غالية ، وهي الطيب.

(٤) العقد الفريد ٣: ١٩٤.

وقال ابن الاثير في النهاية (٣: ١٥٦): انّ فاطمة قالت بعد موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

٣٨

ورثته عمّته صفية بنت عبد المطلب(١) بقصيدة يائية ، ذكر ابن عبد البر في أحوال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من استيعابه جملة منها.(٢)

ورثاه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب(٣) بقصيدة لامية ذكر بعضها

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كان شاهدها لم تكثر الخطب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

فاختلّ قومك فاشهدهم ولا تغب

وقالت أيضا ترثيهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما أورده أحمد بن زيني دحلان في سيرته (٣: ٣٩٢):

إغبرّ آفاق السماء وكُوّرت

شمس النهار واظلم العصران

والأرض من بعد النبي كئيبة

أسفاً عليه كثيرة الرجفان

فليبكه شرق البلاد وغربها

وليبكه مُضرّ وكلّ يمان

____________________

(١) انظر ترجمتها في: اُسد الغابة ٧: ١٧٣ ، الطبقات الكبرى ٢: ٣٣٠.

(٢) قالت صفيّة ترثي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

ألا يا رسول الله كنت رجاءنا

وكنت بنا برّاً ولم تك جافيا

وكنت رحيماً هادياً ومعلماً

ليبك عليك اليوم من كان باكيا

لعمرك ما أبكي النبيّ لفقده

ولكن لما أخشى من الهرج آتيا

كأنّ على قلبي لذكر محمد

وماخفت من بعد النبي المكاويا

أفاطم صلى الله رب محمد

على جدث أمسى بيثرب ثاويا

فداً لرسول الله اُمّي وخالتي

وعمّي وآبائي ونفسي وماليا

صدقت وبلغت الرسالة صادقاً

ومتّ صليب العود أبلج صافيا

فلو انّ ربّ الناس أبقى نبيّنا

سعدنا ولكن أمره كان ماضيا

عليك من الله السلام تحية

وأخلدت جنّات من العدن راضيا

أرى حسناً يتّمته وتركته

يبكي ويدعو جدّه اليوم نائيا

انظر: الاستيعاب - بهامش الاصابة - ٤: ٣١٢.

(٣) أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، أسلم يوم الفتح وحسن اسلامه ، فيقال انّه ما رفع رأسه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حياء منه بعد الذي وقف من رسول الله قبل اسلامه ، وشهد أبو سفيان حنيناً وأبلى فيها بلاء حسناً ، وكان ممن ثبت ولم يفر يومئذ

٣٩

صاحبا الاستيعاب والاصابة في ترجمة أبي سفيان المذكور.(١)

ورثاه أبو ذؤيب الهذلي(٢) - كما يعلم من ترجمته في الاستيعاب والاصابة - بقصيدة حائية.(٣)

ورثاه أبو الهيثم(٤) بن التيهان بقصيدة داليّة أشار إليها ابن حجر في ترجمة

انظر ترجمته في الاستيعاب ٤: ٨٤ - ٨٥ ، الاصابة ٤: ٩٠.

____________________

(١) قال أبو سفيان بن الحارث يرثي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

أرّقت فبات ليلي لا يزول

وليل أخي المصيبة فيه طول

فاسعدني البكاء وذاك فيما

اُصيب المسلمون به قليل

لقد عظمت مصيبتنا وجلت

عشيّة قيل: قد قبض الرسول

وأضحت ارضنا ممّا عراها

تكاد بنا جوانبها تميل

فقدنا الوحي والتنزيل فينا

يروح به ويغدو جبرئيل

وذاك أحقّ ما سالت عليه

نفوس الناس أو كادت تسيل

نبيّ كان يجلو الشكّ عنّا

بما يوحى إليه وما يقول

ويهدينا فلا نخشى ضلالاً

علينا والرسول لنا دليل

أفاطم إن جزعت فذاك عذر

وإن لم تجزعي ذاك السبيل

فقبر أبيك سيّد كلّ قبر

وفيه سيّد الناس الرسول

انظر: الاستيعاب ٤: ١٣٤.

(٢) انظر ترجمته في الاستيعاب ٤: ٩٧.

(٣) قال أبو ذؤيب الهذلي يرثي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

كسفت لمصرعه النجوم وبدرها

وتزعزعت آطام بطن الأبطح

وتزعزعت أجبال يثرب كلّها

ونخيلها لحلول خطب مفدح

انظر: الاستيعاب ٤: ٩٨.

(٤) هو مالك بن التيهان أبو الهثيم الأنصاري: من السابقين ، وكان أحد الستّة الذين لقوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأوّل ما لقيه الأنصار ، وألأول من بايعه ليلة العقبة ، شهد صفين واستشهد فيها.

وقيل: هو عبيد بن التيهان ؛ وقيل: عتيك بن التيهان الأنصاري ، شهد بدر واُحد ، وقيل: قتل في اُحد قتله عكرمة بن أبي جهل ، وقيل: بل قتل بصفين مع عليعليه‌السلام .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348