المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه11%

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 348

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه
  • البداية
  • السابق
  • 348 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 47084 / تحميل: 4595
الحجم الحجم الحجم
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من الغنائم ؟

قلنا: نعم.

فقال: إذا أدركتم سيّد شباب آل محمد فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معه ممّا اصبتم اليوم ، فأمّا أنا استودعكم الله، ثمّ لحق بالحسينعليه‌السلام ففاز بنصرته.

وروى عبد الله بن سليمان ، والمنذر بن مشعل الأسديان ، قالا: لما قضينا حجّنا لم تكن لنا همّة إلا اللحاق بالحسينعليه‌السلام في الطريق لننظر ما يكون من أمره ، فأبلنا ترفل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقناه بزرود(١) ، فلمّا دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسينعليه‌السلام فوقف سلام الله عليه كأنّه يريده ، ثمّ تركه ومضى.

ومضينا نحوه حتى انتهينا إليه ، فقلنا: السلام عليك.

فقال: وعليكم السلام.

قلنا: من الرجل ؟

____________________

(١) اسم منزل على طريق الكوفة نزل فيه سيد الشهداء ، وهو رمال بين الثعلبية والخزيمية بطريق الحاج من الكوفة ، ولما كانت ارضها رملية فهي تبتلع مياه الأمطار التي تهطل عليها ، ولهذا السبب سمّيت ب- «زرود» أي البالوعة ، وهو موضع مشهور تنزل فيه القوافل القادمة من بغداد ، وهو ملك لبني نهشل وبني أسد.

ولـمّا نزل الحسين في زرود نزل بالقرب منه زهير بن القين البجلي ، فدعاه الإمام إلى نصرته والمسير معه ، فلبّى الدعوة ، والتحق بقافلة الحسين ، وقدّم معهم إلى كربلاء. وقتل فيها.

وفي زرود اخبر بقتل مسلم بن عقيل ، وهانئ بن عروة ، اخبر بذلك رجلان قادمان من الكوفة يريدان الحج ، فبكى وترحّم عليهما ، وبكى بنو هاشم ، وباتوا ليلتهم هناك ، وفي الصباح حملوا الماء وساروا إلى الثعلبية.

٢٢١

قال: أسدي.

قلنا له: ونحن أسديان. فمن أنت ؟

قال: أنا بكر بن فلان وانتسبنا له ، ثم قلنا له:

أخبرنا عن الناس وراءك ؟

قال: نعم لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ورأيتهما يجرّان بأرجلهما في السوق.

فأقبلنا حتى لحقنا الحسينعليه‌السلام فسايرناه حتى نزل الثعلبية(١) ممسياً فجئناه حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا السلام.

فقلنا له: رحمك الله إن عندنا خبراً إن شئت حدّثناك به علانية ، وإن شئت سراً.

فنظر إلينا وإلى أصحابه ، ثم قال: ما دون هؤلاء سر.

فقلنا له: أرأيت الراكب الذي استقبلته مساء أمس ؟

قال: نعم. وقد أردت مسألته.

فقلنا: قد والله استبرأنا لك خبره ، وكفيناك مسألته ، وهو امرؤ منّا ذو رأي وصدق وعقل ، وأنّه حدّثنا أنّه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم وهاني ،

____________________

(١) اسم منزل قرب الكوفة مرّ به الإمام الحسين في مسيره إلى كربلاء ، والثعلبية على اسم رجل من بني أسد اسمه ثعلبة ، سكنها وحفر فيها عيناً.

اناخ الإمام الحسين في هذا الموضع ومكث فيه ليلة واحدة ، وفيه لقي الطرماح ودعاه إلى الانضمام إليه ، فذهب الرجل ليوصل بضاعته إلى عائلته لكنّه لـمـّا عاد كان الحسين قد قُتِل ، وفي هذا المنزل أيضا أتاه رجل نصراني مع امّه واسلما على يده ، وفيه أيضاً بلغه خبر شهادة مسلم بن عقيل.

٢٢٢

ورآهما يُجران في السوق بأرجلهما:

فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون رحمة الله عليهما يردّد ذلك مراراً.

ثم انتظر حتى إذا كان السحر ، قال لفتيانه وغلمانه: اكثروا من الماء ، فاستقوا وأكثروا ، ثم ارتحلوا.(١) فسار حتى انتهى إلى زبالة ، فأتاه خبر عبد الله بن يقطر ، فأخرج إلى الناس كتاباً قرأ عليهم وفيه:

بسم الله الرحمن الرحيم

أمّا بعد: فانّه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلنا شيعتنا ، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس معه ذمام.

فتفرّق الناس عنه ، وأخذوا يميناً وشمالاً حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممّن انضمّوا إليه ، وانّما فعل ذلك لأنّهعليه‌السلام علم أنّ الأعراب الذين اتّبعوه إنّما اتّبعوه لأنّهم ظنّوا أنّه يأتي بلداً استقامت له طاعة أهله ، فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون على ما يقدمون.

ثم صار حتى مرّ ببطن العقبة(٢) فنزل عليها ، فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له عمر بن لوذان ، فسأله: أين تريد ؟

فقالعليه‌السلام : الكوفة.

____________________

(١) الكامل لابن الأثير ٤: ١٦.

(٢) اسم منزل على الطريق بين مكة والكوفة ، ويقع قريباً من الكوفة وهو لفرع من قبيلة بني أسد ، مرّ به الإمام الحسينعليه‌السلام عند مسيره إلى الكوفة ، وفيه قصر ومسجد وماء وعمران تنزل فيه القوافل للاستراحة. انظر: الحسين في طريقه إلى الشهادة: ٨٠.

٢٢٣

فقال الشيخ: أنشدك لما انصرفت ، فوالله ما تقدم إلا على الأسنة وحدّ السيوف ، وانّ هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ، ووطّؤا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأياً ، فأمّا على هذه الحال التي تذكر فانّي لا أرى لك أن تفعل.

فقال له: يا عبد الله لا يخفى عليَّ الرأي ، لكن الله تعالى لا يغلب على أمره.

ثم قالعليه‌السلام : والله لا يدعونني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم من يذلّهم حتى يكونوا أذلّ فرق الامم.(١)

إن يقتلوك فلا عن فقد معرفة

الشمس معروفة بالعين والأثر

قد كنت في مشرق الدنيا ومغربها

كالحمد لم تغن عنها سائر السور

____________________

(١) أنصار الحسين: ١٠٦ ، الحسين في طريقه إلى الشهادة: ٨٧.

٢٢٤

[المجلس التاسع]

سار الحسينعليه‌السلام حتى صار على مرحلتين من الكوفة ، فإذا بالحر ابن يزيد في ألف فارس ، فقال له الحسينعليه‌السلام : ألنا أم علينا ؟

فقال: بل عليك يا أبا عبد الله.

فقالعليه‌السلام : لا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم.

ثمّ تردّد الكلام بينهما حتى قال الحسينعليه‌السلام : فان كنتم على خلاف ما أتتني به كتبكم وقدمت به عليَّ رسلكم، فانّي راجع الى الموضع الذي أتيت منه ، فمنعه الحر وأصحابه ، وقال: بل خذ يابن رسول الله طريقاً لا يدخلك الكوفة ، ولا يصلك إلى المدينة لأعتذر إلى ابن زياد بانّك خالفتني في الطريق.

فتياسر الحسينعليه‌السلام حتى إذا وصل إلى عذيب الهجانات(١) ، فورد كتاب عبيد الله بن زياد لعنه الله إلى الحر يلومه في أمر الحسين ، ويأمره بالتضييق عليه ، فعرض له الحر وأصحابه ومنعوه من السير.

فقال له الحسينعليه‌السلام : ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق ؟

____________________

(١) اسم لأحد المنازل قرب الكوفة مرّ به سيّد الشهداء ، وسمّي بالعذيب لما كان فيه من الماء العذب ، وهو لبني تميم ويقع بين القادسية والمغيثة، وكان فيه ماء وبئر وبركة ودور وقصر ومسجد ، وكانت فيه مسلحة للفرس.

في هذا المنزل لقى أبو عبد اللهعليه‌السلام أربعة رجال قادمين من الكوفة وفيهم نافع بن هلال وبعد ان كلّمهم الإمام انضمّوا إليه وقاتلوا معه ، وعند حركة قافلة الإمام تحرّك الحرّ بجيشه معه أيضاً ، وفي الاثناء أتى كتاب ابن زياد إلى الحرّ يدعوه فيه للتضييق على الحسين فعمل الحر على منع القافلة من المسير.

٢٢٥

فقال له الحر: بلى ، ولكن كتاب الأمير قد وصل يأمرني فيه بالتضييق عليك ، وقد جعل عليَّ عيناً يطالبني بذلك.

فقام الحسينعليه‌السلام خطيباً في أصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه وذكر جدّه فصلّى عليه ، ثم قال:

إنّه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون ، وانّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها واستمرت هذّاء ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ، فليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقّاً ، فانّي لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما.

فقام زهير بن القين فقال: سمعنا يا بن رسول الله مقالتك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية ، وكنّا فيها مخلّدين ، لآثرنا النهوض معك على الاقامة.

وقام هلال بن نافع البجلي(١) فقال: والله ما كرهنا لقاء ربّنا ، وإنّا على نيّاتنا وبصائرنا نوالي مَن والاك ونعادي من عاداك.

وقام برير بن خضير(٢) فقال: والله يا بن رسول الله لقد منّ الله بك علينا أن

____________________

(١) ظاهراً هو نفسه نافع بن هلال بن نافع بن جمل بن سعد العشيرة بن مذحج المذحجي الجملي ، ويخطئ من يعبّر عنه: البجلي ، كان سيّداً شريفاً شجاعاً قارءاً من حملة الحديث ومن أصحاب أمير المؤمنين ، وحضر معه حروبه الثلاثة في العراق ، وخرج إلى الحسين فلقيه في الطريق ، وأخباره في واقعة الطف كثيرة ، ذكرت في المقاتل.

انظر: إبصار العين: ٨٦ - ٨٩ ، تاريخ الطبري ٦: ٢٥٣ ، البداية والنهاية ٨: ١٨٤.

(٢) وفي بعض المصادر: بدير بن حفير ، وفي الملهوف: برير بن حصين ، والظاهر أنّ خضير هو الأولى.

هو سيد القرّاء ، كان شيخاً تابعياً ناسكاً قارئاً للقرآن ومن شيوخ القراءة في جامع الكوفة ، وهو من أصحاب الحسين الأوفياء. من قبيلة «همدان» ، وله منزلة مرموقة بينهم ، سافر عام ٦٠ للهجرة من الكوفة إلى مكة والتحق بالإمام الحسين وسار معه إلى الكوفة ، وفي يوم التاسع من محرّما كان يمازح

٢٢٦

نقاتل بين يديك ، وتقطع فيك أعضاؤنا ثمّ يكون جدّك شفيعنا يوم القيامة.

ثم ان الحسينعليه‌السلام ركب وسار - وكلّما أراد المسير يمنعونه تارة ، ويسايرونه اُخرى - وقد عظم رعب النساء ووجل الأطفال حينئذ بما لا مزيد عليه - حتى بلغوا كربلاء في اليوم الثاني من المحرم فسأل الحسينعليه‌السلام عن اسم الأرض.

فقيل: كربلاء.

فقال: اللهم انّي أعوذ بك من الكرب والبلاء ، ثم قال: هذا موضع كرب وبلاء ، انزلوا ، ها هنا محط ركابنا ، وسفك دمائنا ، وهنا محل قبورنا بهذا حدّثني جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنزلوا جميعاً ، ونزل الحر وأصحابه ناحية.(١)

وجلس الحسينعليه‌السلام يصلح سيفه ويقول:

يا دهر أُفٍّ لك من خليلِ

كم لك بالإشراق والأصيلِ

من طالبٍ وصاحب قتيل

والدهر لا يقنع بالبديل

وكلّ حيّ سالك سبيل

ما أقرب الوعد من الرحيل

انّما الأمر إلى الجليل

عبد الرحمن بن عبد ربّه من شدّة بهجته بقرب استشهاده ، وكان ممّن نهض وتحدّث في ليلة العاشر معلناً عن استعداده للبذل والتضحية في نصرة الحسينعليه‌السلام .

وفي كربلاء تحدّث عدّة مرّات مخاطباً جيش العدو ، وكلماته في نصرة سيد الشهداء معروفة ، وبرز إلى القتال في يوم الطف وتكلّم في ذمّ جيش عمر بن سعد. برز إلى الميدان من بعد استشهاد الحرّ وقاتل حتى نال الشهادة ، وكان يرتجز ساعة القتال ويقول:

أنا برير وأبي خضيرٌ

وكل خير فله بُريرٌ

انظر: تاريخ الطبري ٥: ٤٢١ و٤٢٣ ، معجم رجال الحديث ٣: ٢٨٩ ، المناقب ٤: ١٠٠ ، بحار الأنوار ٤٥: ١٥.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ٤٦٩ ، تاريخ ابن الأثير ٤: ٢٨٧ ، زفرات الثقلين ١: ١٠٥.

٢٢٧

فسمعت اُخته زينب فقالت: يا أخي هذا كلام من أيقن بالقتل.

فقال: نعم يا اُختاه.

فقالت زينب: واثكلاه ينعى الحسين إليَّ نفسه ، وبكى النسوة ولطمن الخدود ، وشققن الجيوب ، وجعلت اُمّ كلثوم(١) تنادي:

وا محمداه وا عليّاه وا اُمّاه وا أخاه واحسناه واضيعتنا بعدك يا أبا عبد الله.

فعزّاها الحسينعليه‌السلام وقال لها: يا اُختاه تعزي بعزاء الله فانّ سكان السماوات يفنون ، وأهل الأرض كلّهم يموتون ، وجميع البرية يهلكون.(٢)

وروي من طريق آخر انّهاعليها‌السلام لمـّا سمعت مضمون الأبيات ، وكانت في موضع منفردة مع النساء والبنات خرجت حاسرة تجرّ ثوبها حتى وقفت عليه فقالت:

وا ثكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت اُمّي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن ، يا خليفة الماضين وثمال الباقين.

فنظر إليها الحسينعليه‌السلام وقال: يا اُختاه ، لا يُذهِبَنّ بحلمك الشيطان.

فقالت: بأبي أنت واُمّي أتستقتل(٣) نفسي لك الفداء.

____________________

(١) اُمّ كلثوم بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام ، واُمّها فاطمةعليها‌السلام ، وهي أخت الحسن والحسين وزينب عقيلة بني هاشم ، ومسألة زواجها من عمر من أشدّ المسائل اختلافاً بن المسلمين ، وكثيراً ما يقع الخلط عند المؤرخين بينها وبين أختها زيبن الكبرى لاتحادهما في الكنية.

راجع مصادر ترجمتها: أجوبة المسائل السروية: ٢٢٦ ، الاستغاثة: ٩٠ ، الاستيعاب ٤: ٤٩٠ ، أسد الغابة ٥: ٦١٤ ، اعلام النساء المؤمنات: ١٨١ - ٢٢٠.

(٢) أنساب الأشراف (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ) ١: ١٩١.

(٣) في بعض المصادر: أتغتصب نفسك اغتصاباً.

٢٢٨

فردّدت عليه غصته ، وتغرغرت عيناه بالدموع ، ثم قال: ولو ترك القطا ليلا لنام(١) .

فقالت: يا ويلتاه ، أفتغتصب نفسك اغتصابا ، فذلك أقرح لقلبي ، وأشدّ على نفسي ، ثمّ أهوت إلى جيبها فشقّته ، وخرّت مغشيّاً عليها.

فقامعليه‌السلام فصبّ عليها الماء حتى أفاقت.(٢)

نادت فقطعت القلوب بشجوها

لكنما انتظم البيان فريدا

انسان عيني يا حسين اخيَّ يا

أملي وعقد جماني المنضودا

إن تنع أعطت كلّ قلب حسرة

أو تدعُ صدّعت الجبال الميدا

عبراتها تحيي الثرى لو لم تكن

زفراتها تدع الرياض همودا

____________________

(١) من الأمثال العربية ، يقال في الأمر الخفي قد ظهر ما يدلّ عليه.

والقطا نوع من الطير يأوي عادة إلى عشّه في الليل ، فإذا وجد ليلاً طائراً عُرف أن أمراً قد أفزعه.

قالوا: إنّ رجلاً من العرب يسمّى غاطس بن خلاج سار إلى رجل يسمّي الريّان في قبائل حمير وخثعم وهمدان وغيرهم ، ولقيهم الريّان في أربعة عشر حيّاً من أحياء اليمن فاقتتلوا قتالاً شديداً ، ثمّ تحاجزوا ، ولكن الريّان هرب في الليل مع أصحابه ، وساروا يومهم وليلتهم حتى ظنّوا أنّهم بعدوا ، فعسكروا حيث وصلوا ، وأصبح الصبح فغدا غاطس إلى قتلاهم فلم يجدهم في مكانهم ، فجد في طلبهم ، ولم يزل حتى اقترب من المكان الذي عسكر فيه الريّان ، ونظر الريّان وأصحابه فوجدوا القطا يمر بهم طائراً فزعاً ، فصاحت ابنة الريّان:

ألا يا قومنا ارتَحِلوا وسيروا

فلو ترك القَطا ليلاً لناما

انظر: مجمع الأمثال العربية للميداني: ٣٢٢.

(٢) الملهوف: ١٤٠ ، الأمالي الخميسية ١: ١٧٧.

٢٢٩

[المجلس العاشر]

لم ـّ ا نزل الحسينعليه‌السلام بأرض كربلاء ، كان نافع بن هلال البجلي من أخص أصحابه به وأكثرهم ملازمة له ، ولا سيّما في مظان الاغتيال ، لأنّه كان حازماً بصيراً بالسياسة.

فخرج الحسينعليه‌السلام ذات ليلة خارج الخيام حتى أبعد ، فتقلّد نافع سيفه وأسرع في أثره ، فرآه يختبر الثنايا والعقبات والأكمات المشرفة على المنزل فالتفت الحسينعليه‌السلام فرآه فقال:

من الرجل ؟ نافع ؟

قال: نعم ، جعلت فداك يا بن رسول الله.

فقال: يا نافع ما أخرجك في هذا الليل ؟

فقال: سيّدي أزعجني خروجك ليلاً إلى جهة هذا الباغي.

فقال: يا نافع خرجت أتفقد هذه التلعات مخافة أن تكون مكمناً لهجوم الخيل على مخيمنا يوم يحملون وتحملون.

قال: ثم رجع وهو قابض على يساري وهو يقول: هي هي والله وعد لا خلف فيه.

ثم قال: يا نافع ، ألا تسلك بين هذين الجبلين وانج بنفسك فوقع نافع بن هلال على قدميه يقبّلهما ويبكي وهو يقول:

٢٣٠

إذن ثكلت نافعاً اُمّه ، سيّدي إنّ سيفي بألف وفرسي بمثله ، فوالله الذي مَنَّ عليَّ بك في هذا المكان لن اُفارقك أبا عبد الله حتى يكلأ عن فري وجري.

قال نافع: ثمّ فارقني ودخل خيمة اُخته زينبعليها‌السلام ووقفت انتظره ، فاستقبلته زينب ووضعت له متّكأ وجلس يحدّثها سراً فما لبثت أن اختنقت بعبرتها ونادت: وا أخاه وا حسيناه ، اُشاهد مصرعك وابتلي برعايتي هذه المذاعير من النساء ، والقوم يا بن اُمّي كما تعلم ما هم عليه من الحقد القديم ذلك خطب جسيم يعزّ عليَّ مصرع هذه الفتية وأقمار بني هاشم.

ثم قالت: يا بن اُمّي هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم فانّي أخاف أن يسلّموك عند الوثية واصطكاك الأسنّة ، فبكى الحسينعليه‌السلام وقال: أما والله لقد بلوتهم فما رأيت فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنيّة دوني استئناس الطفل بلبن اُمّه.

قال نافع: فبكيت رقّةً لها ، ثم أتيت حبيب بن مظاهر فرأيته جالساً في خيمته وبيده سيفه مصلّت وهو يقول كأنّه يخاطبه:

أيّها الصارم استعد جواباً

لسؤال إذا العجاج اثيرا

والمواضي برق وقد تخذ البا

سل المطهّمات سريرا

قال نافع: فسلّمت عليه فرد السلام ، ثم قال: يا أخي ما الذي أخرجك في هذا الليل ؟

فحكيت له القصة من أوّلها إلى ما كان من قولهعليه‌السلام : «يستأنسون بالمنيّة دوني استئناس الطفل بلبن اُمّه».

فقام حبيب قائماً على قدميه وقال: أي والله ، لولا انتظار أمره لعاجلتهم

٢٣١

وعالجتهم الليلة بسيفي هذا ما ثبت قائمه بيدي.

ثم قال نافع: يا أخي فارقت الحسينعليه‌السلام مع اُخته زينب في حال وجل ورعب ، واظنّ انّ النساء قد شاركنها في الزفرة والحسرة فهل لك أن تجمع أصحابك وتمضي إليهم بكلام يسكن قلوبهنّ ويذهب رعبهنّ ، فلقد شاهدت ما لا قرار لي على بقائه.

فقال: أنا طوع إرادتك ، فبرز حبيب ناحية ونافع إلى جنبه وانتدب أصحابه فنادى:

أين أنصار الله ؟ أين أنصار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أين أنصار أمير المؤمنين ؟ أين أنصار فاطمة ؟ أين أنصار الحسين ؟ أين أنصار الإسلام ؟

فتطالعوا من منازلهم كالليوث الضارية يقدمهم أبو الفضل العبّاس(١) عليه‌السلام فلمّا اجتمعوا قال لبني هاشم: «ارجعوا إلى منازلكم لا سهرت عيونكم ، ثمّ خطب أصحابه فقال:

يا أصحاب الحمية ، وليوث الكريهة ، هذا نافع بن هلال يخبرني الساعة بكذا وكذا فاخبروني عن نيّاتكم ، فجرّدوا صوارمهم ، ورموا عمائمهم وقالوا:

أما والله يا بن مظاهر لئن زحف القوم إلينا لنحصدنّ رؤوسهم ولنلحقهم

____________________

(١) العبّاس بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، اُمّه اُمّ البنين حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد العامري ، وهو أكبر ولدها ، ويكنّى أبا الفضل ، كان وسيماً جميلاً يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطّان في الأرض ، يقال له قمر بني هاشم وهو السقّاء ، كان لواء الحسينعليه‌السلام معه يوم قتل ، هو آخر من قتل من اخوته لاُمّه وأبيه ، قتله زيد بن رقاد الجنبي وحكيم بن الطفيل الطائي النبسي ، وكلاهما ابتلى في بدنه.

انظر: مقاتل الطالبيين: ٨٤ - ٨٥ ، رجال الشيخ: ٧٦.

٢٣٢

بأشياخهم ، ولنحفظنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عترته وذرّيّته.

فقال لهم حبيب: معي معي ، فقام يخبط الأرض بهم وهم يعدون خلفه حتى وقف بين أطناب الخيم ونادى:

السلام عليكم يا ساداتنا.

السلام عليكم يا معشر حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

هذه صوارم فتيانكم آلوا أن لا يغمدوها إلا في رقاب من يبتغي السوء فيكم.

وهذه أسنّة غلمانكم آلوا أن لا يركزوها إلا في صدور من يفرّق بين ناديكم.

فخرج إليهم الحسينعليه‌السلام وقال: أصحابي جزاكم الله عن أهل بيت نبيّكم خيراً.

رجال تواصوا حيث طابت اُصولهم

وأنفسهم بالصبر حتى قضوا صبرا

حماة حموا خدراً أبى الله هتكه

فعظّمه شأناً وشرّفه

فأصبح نهباً للمغاوير بعدهم

ومنه بنات المصطفى أبرزت حسرا(١)

____________________

(١) الدمعة الساكبة: ٣٤٥.

٢٣٣

[المجلس الحادي عشر]

عن مولانا الصادقعليه‌السلام أنّه قال: سمعت أبي يقول: لمـّا التقى الحسينعليه‌السلام وعمر بن سعد وقامت الحرب أنزل الله النصر حتى رفرف على رأس الحسين ثمّ خيّر بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله فاختار لقاء الله.(١)

ثم صاح الحسينعليه‌السلام :

أما من مغيث يغيثنا لوجه الله ؟ أما من ذابٍ يذبّ عن حرم رسول الله ؟

قال: فإذا الحر بن يزيد الرياحي قد أقبل إلى ابن سعد فقال:

أمقاتل أنت هذا الرجل ؟

فقال: أي والله ، قتال أيسره أن تطير الرؤوس وتطيح الأيدي.

قال: فمضى الحرّ ووقف موقفاً من أصحابه وأخذه مثل الأفكل(٢) .

فقال له المهاجر بن أوس(٣) : والله إنّ أمرك لمريب ، ولو قيل لي: مَن أشجع

____________________

(١) الملهوف: ٧٤.

(٢) الأفكل - بفتح الهمزة والكاف -: الرعدة.

(٣) لم يرد في كتب التراجم.

وفي كتاب تسمية مَن قتل مع الإمام الحسين: ١٥٥ ، ذكر من جملة شهداء الأصحاب المهاجر بن أوس من بجيلة.

فهل المهاجر بن أوس اثنان ؟ أم واحد كان في عسكر ابن سعد ثمّ التحق بمعسكر الإمام الحسينعليه‌السلام واستشهد معه ؟ الله أعلم.

٢٣٤

أهل الكوفة لما عدوتك ، فما هذا الذي أرى منك ؟

فقال: والله إنّي اُخيّر بين الجنّة والنار ، فوالله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قطّعت وحرّقت.

ثمّ ضرب فرسه قاصداً إلى الحسينعليه‌السلام ويده على رأسه وهو يقول:

اللهم إليك أنبت فتب عليَّ ، فقد أرعبت قلوب أولياؤك أولاد بنت نبيّك.

وقال للحسينعليه‌السلام : جعلت فداك أنا صاحبك الذي حبسك عن الرجوع وجعجع بك ، وما ظنننت أنّ القوم يبلغون بك ما أرى ، وأنا تائب إلى الله تعالى فهل ترى لي من توبة.

فقال له الحسينعليه‌السلام : نعم ، يتوب الله عليك فانزل.

فقال: أنا لك فارساً خير مني لك راجلاً وإلى النزول يصير آخر أمري.

ثم قال: كنت أوّل من خرج عليك فأذن لي أن أكون أوّل قتيل بين يديك لعلّي أكون ممّن يصافح جدّك محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله غداً في القيامة.

فأذن له فجعل يقاتل أحسن قتال حتى قتل جماعة من الشجعان والأبطال ثمّ استشهد فحمل إلى الحسينعليه‌السلام فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول:

أنت الحر كما سمّتك اُمّك حرّاً في الدنيا والآخرة.(١)

[قال]: وخرج برير بن خضير وكان زاهداً عابداً فخرج إليه يزيد بن

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ٤٦٩ ، تاريخ ابن الأثير ٦: ٢٨٧.

٢٣٥

المغفل(١) فاتّفقا على المباهلة إلى الله تعالى: في أن يقتل المحقّ منهما المبطل ، وتلاقيا ، فقتله برير ، ولم يزل يقاتل حتى قُتلرحمه‌الله تعالى.

[قال]: وخرج وهب بن حباب الكلبي(٢) ، فأحسن في الجلاد ، وبالغ في الجهاد ، وكانت معه امرأته ووالدته فرجع إليهما وقال: يا اُمّاه أرضيتِ أم لا ؟

فقالت الاُمّ: ما رضيت الا تقتل بين يدي الحسينعليه‌السلام .

وقالت امرأته: بالله عليك لا تفجعني بنفسك.

فقالت له امه: يا بني أعزب عن قول زوجتك وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيّك تنل شفاعة جدّه يوم القيامة.

فرجع ولم يزل يقاتل حتى قُطعت يداه ، فأخذت امرأته عموداً وأقبلت نحوه وهي تقول: فداك أبي واُمّي قاتل دون الطيبين حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأقبل كي يردّها إلى النساء ، فأخذت بجانب ثوبه وقالت: لن أعود دون أن أموت معك.

فقال الحسينعليه‌السلام : «جُزيتم من أهل بيتٍ خيراً ، ارجعي إلى النساء رحمك الله» فانصرفت إليهنّ.

ولم يزل الكلبي يقاتل حتى قُتل رضوان الله عليه.

[قال]: ثم خرج مسلم بن عوسجة(٣) رحمه‌الله فبالغ في قتال الأعداء ،

____________________

(١) وقيل: يزيد بن معقل ، وهو خبيث ملعون. انظر: ألملهوف: ١٦٠.

(٢) في ضياء العينين: ٣٥: وهب بن عبد الله بن حباب الكلبي ، اُمّه قمرى ، وذكر الكثير من أخباره في واقعة الطف ، أخذها من كتاب الملهوف: ١٦١.

(٣) مسلم بن عوسجة الأسدي ، من أبطال العرب في صدر الإسلام ، أول شهيد من أنصار الحسين بعد قتلى الحملة الأولى ، كان شيخاً كبير السن ، وشخصية أسدية كبرى ، وإحدى الشخصيات البارزة في

٢٣٦

وصبر على أهوال البلاء حتى سقط إلى الأرض وبه رمق ، فمشى إليه الحسينعليه‌السلام ومعه حبيب بن مظاهر.

فقال له الحسينعليه‌السلام : «رحمك الله يا مسلم ،« فمنهم مَن قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً».

ودنا منه حبيبرضي‌الله‌عنه وقال: عزّ عليَّ مصرعك يا أخي يا مسلم أبشر بالجنّة.

فقال له مسلم قولاً ضعيفاً: بشّرك الله بخيرٍ.

ثم قال له حبيب: لولا أعلم أنّني في الأثر لأحببتُ أن توصي إليّ بكلّ ما

الكوفة ، وكان صحابياً ممّن رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وروى عنه ، كان رجلاً شجاعاً وجريئاً شارك في الكثير من حروب المسلمين ، وشهد مع عليعليه‌السلام كلّ غزواته.

كان في الكوفة يأخذ البيعة من الناس للحسين بن عليعليه‌السلام ، وقد جعله مسلم بن عقيل حين ثار بالكوفة على رأس طائفة من مذحج وأسد ، وكان ينهض بجمع المال والسلاح والأنصار.

وفي ليلة عاشوراء لمـّا أوعز الإمام الحسين ان يتخذوا ظلام الليل جملاً وينصرفوا وقف مسلم بن عوسجة موقفاً جريئاً وقام متكلّماً وقال: «والله لو علمت انّي اُقتل ثمّ اُحيى ثمّ اُحرق ثمّ أذرى ، يُفعل بي ذلك سبعين مرّة ما تركتك فكيف وانّما هي قتلة واحدة ثم الكرامة إلى الأبد».

وكان ساعة البراز يرتجز:

ان تسألوا عني فانّي ذو لبد

من فرع قوم في ذُرى بني أسد

فمن بغانا حايد عن الرشد

وكافرٌ بدين جبّار صمد

وعند القتال لم يتجرّأ أحد من الأعداء على مبارزته ، فرضخوه بالحجارة ولمّا سقط على الأرض وكان به رمق مشى إليه الحسينعليه‌السلام وحبيب بن مظاهر ، فدعا له الحسين وبشّره بالجنّة ، ولما اقترب منه حبيب بن مظاهر قال له مسلم: اوصيك بهذا - وأشار إلى الحسين - فقاتل دونه حتّى تموت. انظر: رجال الشيخ: ٨٠ ، تاريخ الطبري ٥: ٤٣٥ ، بحار الأنوار ٤٥: ٦٩ ، الأخبار الطوال: ٢٤٩ ، أنصار الحسين: ١٠٨ ، تسمية مَن قتل مع الحسين: ٥٢ وفيه: مسلم بن عوسجة السعدي من بني سعد بن ثعلبة ، قتله مسلم بن عبد الله وعبيد الله بن أبي خشكارة.

٢٣٧

أهمّك.

فقال له مسلم: فإنّي اوصيك بهذا - وأشار بيده إلى الحسينعليه‌السلام - قاتل دونه حتى تموت.

فقال له حبيب: لأنعُمنّك عيناً.

ثم مات رضوان الله عليه.

إلى أن [قال:] وحضرت صلاة الظهر فأمر الحسينعليه‌السلام زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي أن يتقدّما أمامه بنصف من تخلّف معه ثمّ صلى بهم صلاة الخوف فوصل إلى الحسينعليه‌السلام سهم فتقدّم سعيد بن عبد الله الحنفي يقيه بنفسه ما زال ولا تخطّى حتى سقط إلى الأرض وهو يقول:

اللهم العنهم لعن عاد وثمود. اللهم ابلغ نبيّك عنّي السلام وابلغه ما لقيت من ألم الجراح فانّي أردت ثوابك في نصر ذرّيّة نبيّك ، ثمّ قضى نحبه فوجد به ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح...

[قال:] وتقدّم سويد بن عمرو بن أبي المطاع(١) وكان شريفاً كثير الصلاة فقاتل قتال الأسد الباسل ، وبالغ في الصبر على الخطب النازل حتى سقط بين القتلى وقد اُثن بالجراح ، فلم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم يقولون:

قتل الحسينعليه‌السلام ، فتحامل واخرج من خفّه سكيناً وجعل يقاتلهم

____________________

(١) ويعرف أيضاً ب- «سويد بن عمر الخثعمي». والخثعمي: خثعم بن أنمار بن أرش من القحطانية ، وهو آخر من قتل في ساحة كربلاء ، قتل بعد الحسينعليه‌السلام ، كان أحد رجلين كانا برفقة الحسينعليه‌السلام . سقط إلى الأرض جريحاً وكان به رمق ، ولما سمع جيش الكوفة ينادي مستبشراً بقتل الحسين إستفاق وبدأ يقاتل بمديته وسيفه حتى استشهد ، قتله هاني بن ثبيت الحضرمي. انظر: رجال الشيخ: ٧٤ ، المناقب ٤: ١٠٢ وفيه: عمرو بن أبي المطاع الجعفي ، تنقيح المقال ٢: ٧٦.

٢٣٨

به حتى قتل...

وجعل أصحاب الحسين يسارعون إلى القتل بين يديه فكانوا كما قيل:

قوم إذا نودوا لدفع ملمّة

والخيل بين مدعّس ومكردس

لبسوا القلوب على الدروع كأنّهم

يتهافتون على ذهاب الأنفس(١)

____________________

(١) الملهوف: ١٦٦ ، زينة المجالس: ٤٤٤.

٢٣٩

[المجلس الثاني عشر]

لمـّا زحف القوم نحو الحسينعليه‌السلام وطلب العبّاس منهم تأجيل القتال إلى غدٍ ، أمر الحسينعليه‌السلام أصحابه أن يقرّبوا بيوتهم ، ويدخلوا الأطناب بعضها ببعض ، ويكونوا أمام البيوت فيستقبلوا القوم من وجه واحد ، والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وشمائلهم.

وقام الحسينعليه‌السلام وأصحابه الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون ، وباتوا ولهم دوي كدوي النحل ، ما بين قائم وقاعد ، وراكع وساجد ، فعبر عليهم في تلك الليلة من عسكر ابن زياد اثنان وثلاثون رجلاً.

و لمـّا ضيّقوا على الحسينعليه‌السلام ونال منه ومن أصحابه العطش قام واتّكأ على قائم سيفه ، ونادى بأعلى صوته فقال:

أنشدكم الله هل تعرفوني ؟ قالوا: نعم أنت ابن رسول الله وسبطه. قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جدّي رسول الله ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن اُمّي فاطمة بنت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب ؟ قالوا: اللهم نعم.

٢٤٠

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جدّتي بنت خويلد أوّل نساء هذه الامّة إسلاماً ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيّار في الجنّة عمّي ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله هل تعلمون انّ هذا سيف رسول الله أنا متقلّدة ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم [الله] هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنا لابسها ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله هل تعلمون أنّ عليّاًعليه‌السلام كان أول القوم إسلاماً ، وأعلمهم علماً ، وأعظمهم حلماً ، وانّه ولي كلّ مؤمن ومؤمنة ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فبم تستحلون دمي وأبي الذائد عن الحوض يذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصادر عن الماء ، ولواء الحمد بيد أبي يوم القيامة. قالوا: قد علمنا ذلك كلّه ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشاً.

فلمّا خطب هذه الخطبة وسمع بناته واُخته زينب كلامه بكين وندبن ولطمن الخدود وارتفعت أصواتهن ، فوجّه إليهن أخاه العباسعليه‌السلام وعليّاً ابنه وقال لهما: سكتاهنّ فلعمري ليكثر بكاؤهن.

فلمّا لم يبق معه سوى أهل بيته خرج علي بن الحسين(١) عليه‌السلام وكان

____________________

(١) علي بن الحسين الأكبر ، يكنّى أبا الحسن ، من سادات الطالبيين وشجعانهم ، امّه ليلى بنت أبي مرّة

٢٤١

من أصبح الناس وجهاً ، وأحسنهم خلقاً ، فاستأذن أباه في القتال فأذن له ، ثم نظر إليه نظرة آيس منه ، وأرخى عينيه بالدموع وبكى ، ثم قال: اللهم اشهد فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه فصاح وقال: يا بن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ، فتقدّم نحو القوم وقاتل قتالاً شديداً وقتل جمعاً كثيراً ، ثم رجع إلى أبيه وقال: يا أبه العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل إلى شربة ماء من سبيل اتقوّى بها على الأعداء.

فبكى الحسينعليه‌السلام وقال: واغوثاه ، يا بني من أين آتي لك بالماء ؟ قاتل قليلاً فما أسرع ما تلقى جدّك محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً.

فرجع إلى موقف النزال وقاتل أعظم قتال ، فرماه منقذ بن مرّة العبدي(١) بسهم فصرعه فنادى:

يا أبتاه عليك منّي السلام ، هذا جدّي يقرؤك السلام ويقول لك: عجّل

(قرّة) بن عروة (عمرو) بن مسعود بن مغيث (معبد) الثقفي ، واُمّها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب ، كان له من العمر سبع وعشرون سنة ، وردت رواية أنّه كان متزوجاً من اُمّ ولد ، هو أوّل من قتل من بني هاشم ، طعنه مرّة بن منقذ النعمان العبدي وهو يحوم حول أبيه ويدافع عنه ويقيه ، وانهال أصحاب الحسين على مرّة فقطّعوه بأسيافهم ؛ قيل: مولده في خلافة عثمان ، وسمّاه المؤرخون الأكبر تمييزاً له عن أخيه زين العابدين علي الأصغر.

انظر: مقاتل الطالبيين: ٨٠ - ٨١ ، الطبقات الكبرى ١٥:١٥٦ ، ورجال الشيخ: ٧٦ ، البداية والنهاية ٨: ١٨٥ ، الأعلام ٤: ٢٢٧.

____________________

(١) كذا في الأصل وبعض المصادر ، ولكن في تاريخ الطبري ٦: ٦٢٥ ، والكامل ٤: ٣٠ ، والأخبار الطوال ٢٥٤ ورد اسمه هكذا: مرّة بن منقذ بن النعمان العبدي ثمّ الليثي.

٢٤٢

القدوم إلينا ، ثمّ شهق شهقة فمات.

فجاء الحسينعليه‌السلام حتى وقف عليه ووضع خدّه على خدّه وقال:

قتل الله قوماً قتلوك يا بني ، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على الدنيا بعدك العفا.

قال: وخرجت زينب بنت عليعليه‌السلام تنادي: يا حبيباه يا بن أخاه ، وجاءت فانكبت عليه ، فجاء الحسينعليه‌السلام فأخذها وردّها إلى النساء.

ثمّ جعل أهل بيته يخرج منهم الرجل بعد الرجل حتى قتل القوم منهم جماعة.

فصاح الحسينعليه‌السلام في تلك الحال: صبراً يا بني عمومتي ، صبراً يا أهل بيتي ، فوالله لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً.

قال: وخرج غلام كأنّ وجهه شقة قمر ، فجعل يقاتل فضربه ابن فضيل الأزدي(١) على رأسه ، ففلقه ، فوقع الغلام لوجهه وصاح: يا عمّاه !

فجلس الحسينعليه‌السلام كما يجلس الصقر(٢) ، ثم شدّ شدّة ليثٍ أغضب ، فضرب ابن فضيل بالسيف ، فاتّقاها بالساعد ، فأطنّه من لدن المرفق ، فصاح صيحة سمعه أهل العسكر ، وحمل أهل الكوفة ليستنقذوه ، فوطأته الخيل حتى هلك.

[قال:] ثم قام الحسين على رأس الغلام وهو يفحص برجليه والحسين يقول: «بُعداً لقومٍ قتلوك ، ومَن خصمهم يوم القيامة فيك جدّك وأبوك».

____________________

(١) في مقاتل الطالبيين: ٨٨ ذكر اسمه: عمرو بن سعيد بن نفيل الأزدي.

(٢) كذا في الأصل ، وفي المصادر: فجلى الحسينعليه‌السلام كما يجلي الصقر.

٢٤٣

ثم قال: «عزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك صوت ، والله كثر واتره وقلّ ناصره».

ثمّ حملعليه‌السلام الغلام على صدره حتى ألقاه بين القتلى من أهل بيته.

[قال:] و لمـّا رأى الحسينعليه‌السلام مصارع فتيانه وأحبّته ، عزم على لقاء القوم بمهجته ونادى:

هل من ذاب يذبّ عن حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

هل من موحّدٍ يخاف الله فينا ؟

هل من مغيثٍ يرجو الله بإغاثتنا ؟

هل من معينٍ يرجو الله في إعانتنا ؟

فارتفعت أصوات النساء بالعويل ، فتقدّم إلى باب الخيمة وقال لزينبعليها‌السلام : «ناوليني ولدي الصغير(١) حتى اودّعه ، فأخذه وأومأ إليه ليقبّله فرماه حرملة ابن كاهل(٢) بسهم فوقع في نحره فذبحه.

____________________

(١) هو عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، واُمّه الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس ، وفي اسم قاتله اختلاف ؛ فقيل: حرملة ؛ وقيل: عقبة بن بشر.

(٢) وهو خبيث ملعون ، لمـّا قُبض على حرملة ورآه المختار ، بكى المختار وقال: يا ويلك أما كفاك ما فعلت حتى قتلت طفلاً صغيراً وذبحته ، يا عدوّ الله ، أما علمت أنّه ولد النبي ، فأمر به فجعلوه مرمى ، فرمي بالنشاب حتى مات.

وقيل: إنّه لمـّا نظر المختار إلى حرملة قال: الحمد لله الذي مكّنني منك يا عدوّ الله ، ثم أحضر الجزّار فقال له: اقطع يديه ورجليه ، فقطعهما ، ثم قال: عليّ بالنار ، فاحضرت بين يديه ، فأخذ قضيباً من حديد وجعله في النار حتى احمرّ ثم ابيضّ ، فوضعه على رقبته ، فصارت رقبته تجوش من النار وهو يستغيث حتى قطعت رقبته. انظر: حكاية المختار: ٥٥ و٥٩.

٢٤٤

فقال لزينب: خذيه ، ثم تلقّى الدم بكفّيه ، فلمّا امتلأت رمى بالدم نحو السماء ثم قال:

هون عليّ ما نزل بي ، انّه بعين الله تعالى.

قال الباقرعليه‌السلام : فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض.(١)

قال الراوي: واشتدّ العطش بالحسينعليه‌السلام فركب المسنّاة يريد الفرات والعبّاس أخوه بين يديه فاعترضته خيل ابن سعد ، فرمى رجل من بني دارم الحسينعليه‌السلام بسهم فأثبته في حنكه الشريف ، فانتزع السهم وبسط يديه تحت حنكه حتى امتلأت راحتاه من الدم ثم رمى به وقال:

اللهم انّي أشكوا إليك ما يفعل بابن بنت نبيّك ، ثم انهم اقتطعوا العباس عنه وأحاطوا به من كل جانب حتى قتلوه قدس الله روحه ، فبكى الحسين لقتله بكاءً شديداً ، وفي ذلك يقول الشاعر(٢) :

أحقّ الناس أن يُبكى عليه

فتىً أبكى الحسين بكربلاء

أخوه وابن والده عليّ

أبو الفضل المضرّج بالدماء

ومن واساه لا يثنيه شيء

وجاد له على عطش بماء(٣)

ولما دخل بشير بن حذلم المدينة المنورة لينعى الحسينعليه‌السلام التقى باُم البنين(٤) «وهي ام العباس» فقال لها:

____________________

(١) الملهوف: ١٦٩ ، كفاية الطالب: ٢٨٤ ، إحقاق الحقّ: ٤٥٤.

(٢) وهو: الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن أمير المؤمنينعليه‌السلام من أعلام القرن الثاني.

(٣) الملهوف: ١٧٠ ، مقاتل الطالبيين: ٨٤ ، الغدير ٣: ٣.

(٤) هي فاطمة بنت حَزام بن خالد بن ربيعة بن عامر ، واُمّها ثمامة بنت سهيل بن عامر ، وتكنّى: «امّ البنين» قبل تزويجها الإمام عليعليه‌السلام لأنها من بيت (ام البنين العامريّة) التي قيل فيها:

٢٤٥

عظّم الله لك الأجر بولدك عبد الله.

قالت له: أسألك عن سيدي ومولاي الحسين.

قال لها: عظّم الله الأجر بولدك جعفر.

قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين.

قال لها: عظم الله لك الأجر بولدك عثمان.

قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين.

قال لها: عظّم الله لك الأجر بولدك العباس.

قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين. فقال:

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها

قُتل الحسين فأدمعي مدرارُ

الجسم منه بكربلاء مضرّج

والرأس منه على القناة يدارُ

فصاحت ولطمت خدّها ، وشقّت جيبها ونادت: وا حسيناه وا سيّداه ، ثمّ أنشدت:

لا تدعوني ويك امّ البنين

تذكريني بليوث العرين

كانت بنون لي اُدعى بهم

واليوم أصبحت ولا من بنين

أربعة مثل نسور الربى

قد واصلوا الموت بقطع الوتين

تنازع الخرصان أشلاءهم

فكلّهم أمسى صريعاً طعين

وكانت من بيت كرم وشجاعة وفصاحة ومعرفة.

وقال الإمام عليعليه‌السلام - بعد وفاة الصديقة الزهراءعليها‌السلام - لأخيه عقيل - وكان نسّابة العرب وعرّافة بأحسابها وعاداتها -: «أبغني امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها فتلدني غلاماً فارساً».

فقال له عقيل: أين أنت عن فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابيّة ؟

انظر: تاريخ بغداد ١٢: ١٣٦ ، عمدة الطالب: ٣٢٤.

٢٤٦

يا ليت شعري أكما أخبروا

بأن عبّاساً قطيع اليمين(١)

ثم انّ الحسينعليه‌السلام دعا الناس إلى البراز فلم يزل يقتل كلّ من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة وهو في ذلك يقول:

القتل أولى من ركوب العار

والعار أولى من ركوب النار

قال بعض الرواة: فو الله ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً منه ، وان كانت الرجال لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكملوا ثلاثين ألفاً فينهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر ، ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.

قال الراوي: ولم يزل يقاتلهم حتى حالوا بينه وبين رحله فصاح:

ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون.

قال: فناداه شمر: ما تقول يا بن فاطمة ؟

فقال: أقول: انّي اُقاتلكم وتقاتلوني والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً.

فقال شمر: لك ذلك يا بن فاطمة.

فقصدوه بالحرب فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه وهو في ذلك يطلب شربة من ماء فلا يجد ، حتى أصابه اثنتان وسبعون جراحة فوقف يستريح ساعة

____________________

(١) انظر: مقاتل الطالبيين: ٨٥ ، ابصار العين: ٣٦.

٢٤٧

وقد ضعف عن القتال ، فبينا هو واقف إذ أتاه حجر فوقع على جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته ، فأتاه سهم مسموم له ثلاث شعب فوقع على قلبه فقال:

بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله.

ثم رفع رأسه وقال:

إلهي أنت تعلم انّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره ، ثم أخذ السهم فأخرجه من وراء ظهره فانبعث الدم كأنّه ميزاب فضعف عن القتال ووقف.

فكلّما أتاه رجل انصرف عنه كراهة أن يلقى الله بدمه ، حتى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن النسر فشتم الحسينعليه‌السلام وضربه على رأسه الشريف بالسيف ، فقطع البرنس ووصل السيف إلى رأسه فامتلأ البرنس دماً.

قال الراوي: فاستدعى الحسين بخرقة فشدّ بها رأسه ، واستدعى بقلنسوة فلبسها واعتمّ عليها ، فلبثوا هنيئة ثم عادوا إليه وأحاطوا به.

فخرج عبد الله بن الحسن بن علي(١) وهو غلام لم يراهق من عند النساء يشتدّ حتى وقف إلى جنب الحسينعليه‌السلام فلحقته زينب بنت علي لتحبسه فأبى وامتنع امتناعاً شديداً فقال: لا والله لا اُفارق عمّي.

فأهوى بحر بن كعب(٢) ؛ وقيل: حرملة بن كاهل إلى الحسينعليه‌السلام بالسيف ، فقال له الغلام: ويلك يا بن الخبيثة ، أتقتل عمّي ؟ فضربه بالسيف

____________________

(١) عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، واُمّه بنت السليل بن عبد الله أخي عبد الله بن جرير البجلي ؛ وقيل: اُمّه اُمّ ولد ؛ وقيل: الرباب بنت امرئ القيس ، كان عمره حين قتل إحدى عشرة سنة. انظر: الارشاد: ٢٤١ ، مقاتل الطالبيين: ٨٩ ، رجال الشيخ: ٧٦.

(٢) وقيل اسمه: أبجر بن كعب.

٢٤٨

فاتّقاها الغلام بيده فأطنّها إلى الجلد فإذا هي معلّقة.

فنادى الغلام: يا عماه !

فأخذه الحسينعليه‌السلام وضمّه إليه وقال: يا بن أخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير فان الله يلحقك بآبائك الصالحين.

قال الراوي: فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمّه الحسينعليه‌السلام .

قال الراوي: ولمّا اُثخن الحسينعليه‌السلام بالجراح وبقي كالقنفذ ، طعنه صالح بن وهب المري على خاصرته فسقط الحسينعليه‌السلام عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن وهو يقول: بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله.

وخرجت زينب من باب الفسطاط وهي تنادي: وا أخاه وا سيّداه وا أهل بيتاه ، ليت السماء اُطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل.

وكان ما كان ممّا لست أذكره.

يا رسول الله لو عاينتهم

وهم ما بين قتل وسبا

من رميض يمنع الظل ومن

عاطش يسقى أنابيب القنا

جزروا جزر الأضاحي نسله

ثم ساقوا أهله سوق الاما

قتلوه بعد علم منهم

انّه خامس أصحاب الكسا

ليس هذا لرسول الله يا

اُمة الطغيان والكفر جزا(١)

____________________

(١) ديوان الرضي ١: ٤٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٣٨٦.

٢٤٩

٢٥٠

الفصل الثاني

في هدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرته وذكر خصائصه المقدّسة

٢٥١

٢٥٢

[المجلس الثالث عشر]

إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قد اتسعت أعلام نبوّته ، وتواترت دلائل رسالته ، ونطقت له السماوات قبل بعثته.

نوّهت باسمه السماوات والأر

ض كما نوّهت بصبح ذكاها

هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

وهو أحمد الذي بشر به عيسىعليه‌السلام ، وهو المصطفى والمختار والمحمود ، والماحي الذي يمحو الله به الذنوب ، والعاقب والحاشر والمهيمن ، وكنيته: أبو القاسم ، وفي ذلك يقول الشاعر:

لله ممّن قد برا صفوة

وصفوة الخلق بنو هاشم

وصفوة الصفوة من هاشم

محمد النور أبو القاسم

كان مولده المبارك عام الفيل وطير الأبابيل لسبع عشرة خلون من ربيع الأول ، وقيل: يوم الثاني عشر منه ، وقيل: لثمان خلون منه قبل الهجرة المباركة بثلاث وخمسين سنة.(١)

ولدصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة المعظمة بدار ابن يوسف التي بنتها بعد ذلك

____________________

(١) قالرحمه‌الله : القول الأول هو المشهور وعليه أكثر علماء الإمامية ، والثاني رواه الكليني في الكافي وعليه أكثر علماء السنّة ، والثالث قال به بعض من شذّ من المخالفين.

٢٥٣

الخيزران امّ الهادي والرشيد مسجداً ، وكان أبوه عبد الله غائباً بأرض الشام ، فانصرف مريضاً فقضى نحبه بالمدينة الطيّبة والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حمل.

أمّا اُمّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فانّها آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة بن كعب... وفي السنة الاولى من مولده رفع إلى حليمة بنت عبد الله ابن الحارث ترضعه فكانت تقول وهي تلاعبه:

الحمد لله الذي أعطاني

هذا الغلام الطيّب الأردان

قد ساد في المهد على الغلمان

أعيذه بالبيت ذي الأركان

فبقى في بني سعد إلى السنة الرابعة من مولده ، وفي تلك السنة أرجعته مرضعته حليمة إلى اُمّه آمنة في مستهل السادسة من عمره الشريف ، وبين ذلك وبين عام الفيل خمس سنين وشهران وعشرة أيّام.

وفي السنة السابعة من مولده خرجت به اُمّه إلى أخواله تزورهم فت-وفّيت بالأبواء(١) ، وقدمت به اُمّ أيمن إلى مكّة بعد خمسة أيّام من موت اُمّه.

وفي السنة الثامنة من مولده توفّي جدّه شيبة الحمد - أعني عبد المطلب - وضمّه عمّه أبو طالب إليه ، وكان في حجره يؤثره على ولده ونفسه.

وخرج مع عمّه إلى الشام وله ثلاث عشرة سنة ، ثم خرج في تجارة لخديجة بنت خويلد ومعه غلامها ميسرة وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله ابن خمس وعشرين سنة ، فنظر تشطور الراهب وهو في صومعته إليه وقد ظلّلته الغمامة

____________________

(١) الأبواء - بالفتح ثمّ السكون وواو وألف ممدودة -:... قال ثابت: سمّيت بذلك لتبوّء السيول بها ، وهي قرية من أعمال الفرع من المدينة ، بينها وبين الجُحفة كما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً ؛ وقيل: هي جبل بين مكة والمدينة. انظر معجم البلدان ١: ٧٩.

٢٥٤

فقال: هذا نبي وهو آخر الأنبياء وخاتم الرسل.(١)

وكان منه ما قد تواترت به الأخبار ، واشتهر اشتهار الشمس في رائعة النهار.

و لمـّا هدمت الكعبة بالسيل بنتها قريش فرفعت سمكها ، وتأتي لها ما أرادت في بنيانها من الخشب الذي ابتاعوه من السفينة التي رمى بها البحر إلى ساحلهم ، وكان قد بعث بها ملك الروم من القلزم من بلاد مصر إلى الحبشة لتبنى هنالك له كنيسة ، وانتهت قريش إلى موضع الحجر الأسود وتنازعوا أيّهم يضعه ، فاتّفقوا على تحكيم الصادق الأمين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يعرف عندهم جميعاً بالأمين ، وكانوا على اختلاف مشاربهم ونزعاتهم وضغائنهم ، واعجاب كلّ قبيلة من قبائلهم بنفسها مجمعين على حبّه وأمانته وعدالته في كلّ شؤونه ، فحكموه فيما تنازعوا فيه ، وانقادوا إلى قضائه.

فبسط رداءه وأخذ الحجر فوضعه في وسطه ، ثم قال لأربعة من زعماء قريش ، وأهل الرياسة فيها - وهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، والأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزّى بن قصي ، وأبو حذيفة بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم ، وقيس بن عدى السهم ليأخذ كلّ واحد منكم بجنب من جنبات هذا الرداء ، فشالوه حتى ارتفع ودنا من موضعه فأخذهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووضعه في مكانه وقريش كلّها حضور.

فقال قائل لمن حضر من قريش متعجّباً من فعلهم وانقيادهم إلى أصغرهم سنّاً: «واعجباً لقوم أهل شرف ورياسة كهولاً وشيوخاً عمدوا إلى أصغرهم سنّاً

____________________

(١) انظر قصّة ولادة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في: الفضائل لابن شاذان ٢٠ ، تاريخ بغداد ٣: ٣ - ٢١ ، بحار الأنوار ١٥: ١٤٦ ح ٨ ، وص ٢٨١ ح ١٧ ، وص ٣٤١ ح ١٣.

٢٥٥

فجعلوه عليهم رئيساً وحكماً ؟ أما واللات والعزّى ليقسمنّ بينهم حظوظاً وجدوداً ، وليكوننّ له بعد هذا اليوم شأن ونبأ عظيم».

وكان أبو طالب حاضراً ، فلمّا سمع هذا الكلام انشأ يقول:

إنّ لنا أوّله وآخره

في الحكم العدل لن ينكره

قاتل الله أهل العناد( فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا کَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْکَافِرِينَ‌ ) (١) ، كذّبوه وانّهم ليعلمونه الصادق الأمين ، وأنكروا نبوّته ، وهم منها على يقين( وَ جَحَدُوا بِهَا وَ اسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ) (٢) ، ثم لم يألوا جهداً ، ولم يدخروا وسعاً في اطفاء نور الله من مشكاته( وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ... وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ ) (٣) .

ظلموه وشتموه وأجلوه عن حرم الله عز وجل مسقط رأسه ، ومحل اُنسه ، ثم لم يكتفوا بما كان منهم في مكة المعظمة من فضائع وفجائع ، واُمور تستك منها المسامع ، حتى غزوه وهو في دار هجرته ، ومحل غربته ، فكانت حروب تشيب الأطفال ، وتميد بها الجبال ، لكنّها والحمد لله طحنتهم بكلكلها ، وقرّت الكلاب أشلاءهم ،( وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ کَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَ کَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَ کَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً ) (٤) .

بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ، بأبي أنت واُمّي يا نبي الرحمة ، كم أسديت لهذه الاُمّة من نعمة ، وكم لك عليها من يد بيضاء تستوجب الشكر والثناء.

____________________

(١) سورة البقرة: ٨٩.

(٢) سورة النمل: ١٤.

(٣) سورة التوبة: ٣٢ - ٣٣.

(٤) سورة الأحزاب: ٢٥.

٢٥٦

وحين فتحت مكّة بعد أن أجلوك عنها ، وكان من أبي سفيان ما كان من التحريض على قتلك ومحاربتك ، فأمرت مناديك ينادي: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.

ثم لم يتم على ولدك وسبطك وريحانتك ما تمّ.

ملكنا فكان العفو منّا سجية

فلمّا ملكتم سال بالدم أبطح

وحللتم قتل الاسارى وطالما

نمرّ على الأسرى نعفو ونصفح

وحسبكم هذا التفاوت بيننا

وكلّ اناءٍ بالذي فيه ينضح

قال عبد الله بن العبّاسرحمه‌الله : انّه لمـّا اشتدّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مرضه الذي مات فيه وقد ضمّ الحسين إلى صدره يسيل من عرقه عليه وهو يجود بنفسه ويقول:

مالي وليزيد لا بارك الله فيه ، اللهم العن يزيد ، ثمّ غشي عليه طويلاً وأفاق وجعل يقبّل الحسينعليه‌السلام وعيناه تذرفان ويقول: أما أنّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله عزّ وجل.

وقال ابن عبّاس أيضاً: كنت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً ، إذ أقبل الحسنعليه‌السلام ، فلمّا رآه يبكي وقال له: إليّ إليّ ، فأجلسه على فخذه اليمنى.

ثم أقبل الحسينعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى وقال له: إليّ إليّ ، فأجلسه على فخذه اليسرى.

ثم أقبلت فاطمةعليها‌السلام ، فلمّا رآها بكى فقال لها: إليّ إليّ ، فأجلسها بين يديه.

٢٥٧

ثم أقبل عليعليه‌السلام فرآه وقال له: إليّ إليّ ، وأجلسه إلى جانبه الأيمن.

فقال له أصحابه: يا رسول الله ، ما ترى واحداً من هؤلاء الا وبكيت أوَ ما فيهم من تسرّ برؤيته ؟

فقال: والذي بعثني بالنبوّة على جميع البرية ما على وجه الأرض نسمة أحب إليَّ منهم ، وانّما بكيت لما يحل بهم بعدي وما يصنع بهذا ولدي الحسين كأنّي به ، وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار ثمّ يرتحل إلى أرض مقتله ومصرعه أرض كرب وبلاء تنصره عصابة من المسلمين ، اولئك سادة شهداء اُمّتي يوم القيامة ، فكأنّي انظر إليه وقد رمي بسهم فخرّ عن فرسه صريعاً ثمّ يذبح كما يذبح الكبش مظلوماً.

ثم انتحبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبكى من حوله وارتفعت أصواتهم بالضجيج ثم قام وهو يقول:

اللهم انّي أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي.

والمسلمون بمنظرٍ وبمسمعٍ

لا منكر منهم ولا متفجّع

كحلت بمنظرك العيون عماية

وأصم رزؤك كلّ اذن تسمع

أيقظت أجفاناً وكنت لها كرى

وأنمت عيناً لم تكن بك تهجع(١)

____________________

(١) معجم الأدباء ١٠: ١١٠.

٢٥٨

[المجلس الرابع عشر]

ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - أعلى الأنبياء قدراً ، وأرفع الرسل في الملأ الأعلى ذكراً الذي بشّرت الرسل بظهوره ، وخلقت الأنوار بعد نوره - يوم السابع عشر من ربيع الأوّل ؛ وقيل: يوم الثاني عشر منه ، بمكّة المشرّفة في شعب أبي طالب يوم الجمعة بعد الزوال أو عند الفجر عام الفيل وطير الأبابيل.

وهو أبو القاسم محمد المصطفى بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان....

واُمّه آمنة بنت وهب.

وأزواجه خمسة عشر ، وفي المبسوط: ثمانية عشر ، سبع من قريش ، وواحدة من حلفائهم ، وتسع من سائر القبائل ، وواحدة من بني إسرائيل من هارون بن عمران.

واتّخذ من الاماء ثلاثة عجميتين وعربية.

وله من الأولاد من خديجة: القاسم ، ورقيّة ، وزينب ، واُمّ كلثوم - وفي رقيّة وزينب خلاف - وبعد المبعث ولد من خديجة: الطيّب ، والطاهر ، وسيّدة نساء العالمين ، وله ولد أيضاً من مارية القبطيّة اسمه إبراهيم.

ونزل عليه الوحيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتحمل أعباء الرسالة يوم السابع

٢٥٩

والعشرون من رجب وهو ابن أربعين سنة..... واصطفاه ربّه بالمدينة مسموماً يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة احدى عشر من الهجرة المباركة وله ثلاث وستّون سنة ، ودفن في حجرته المنورة.

ومات أبوه هو ابن شهرين ؛ وقيل: سنتان وأربع أشهر ؛ وقيل: مات وهو حمل ، وماتت اُمّه في الأبواء.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله كما وصفه ولده باقر علوم الأوّلين والآخرينعليه‌السلام : أبيض اللون مشرّباً بحمرة ، أدعج العينين ، مقرون الحاجبين ، عظيم المنكين ، إذا التفت التفت جميعاً ، سائل الأطراف ، كأنّ عنقه ابريق فضّة ، وإذا تكفاً كأنّه إلى منحدر ، لم ير الراؤون مثل نبي الله قبله ولا بعده.

وأمّا معاجزه الباهرة ، وآياته الظاهرة ، فقد قصرت عن حصرها الحسّاب ، وكلّت عن سطرها الكتّاب ، كانشقاق القمر ، وتظليل الغمام ، وحنين الجذع ، وتسبيح الحصى ، وتكليم الموتى ، ومخاطبة البهائم ، واثمار يابس الشجر ، وغرس الأشجار وأثمارها على الفور ، وقصة الغزالة مع خشفيها ، وخروج الماء من بين أصابعه ، وانتقال النخلة بأمره ، واخبار الذراع له بالسم ، والنصر بالرعب ، ونوم عينيه دون قلبه ، وعدم طول قامة أحد على قامته ، واكثار اللبن من شاة اُمّ معبد ، ورؤيته من خلفه كما يرى من أمامه ، واطعامه من القليل الجم الغفير ، وطيّ البعيد له ، وشفاء الأرمد إن تفل في عينيه ، وقصة الأسد ، ونزول المطر بدعائه ، ودعائه على سراقة فساخت به الأرض ، وأخباره بالمغيبات ، كأنبائه عن العترة الطاهرة واحداً بعد واحد ، وما يجري عليهم من الأعداء في أرض كربلاء.

ففي البحار وغيره: لمـّا ولدت فاطمة الحسينعليه‌السلام جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348