المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه11%

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 348

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه
  • البداية
  • السابق
  • 348 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 47071 / تحميل: 4595
الحجم الحجم الحجم
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

أبي الهيثم من اصابته.(١)

ورثته اُمّ رعلة القشيرية(٢) في قصيدة أشار إليها العسقلاني في ترجمه أم رعلة من اصابته.(٣)

ورثاه عامر بن الطفيل بن الحرث الأزدي(٤) لقصيدة جيميّة أشار إليها ابن حجر في ترجمة عامر من الاصابة.(٥)

ومن استوعب الاستيعاب ، وتصفّح الأصابة ، واسد الغابة ، ومارس كتب الأخبار ، يجد مراثيهم المشتملة على تهييج الحزن بذكر محاسن الموتى شيئاً يتجاوز حد الأحصاء(٦) .

انظر: أسد الغابة ٥: ١٤ - ١٦ ، الاصابة ٣: ٣٤١ و٥٣٤ و٥٧٤.

____________________

(١) قال أبو الهيثم بن التيهان يرثي الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله :

لقد جدعت آذاننا وانوفنا

غداة فجعنا بالنبي محمد

انظر الاصابة ٤: ١٨٦.

(٢) انظر ترجمتها في الاصابة ٤: ٢٧٥.

(٣) قالت امّ رعلة القشيرية ترثي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا دار فاطمة المعمور ساحتها

هيّجت لي حزناً حييث من دار

انظر: الاصابة ٤: ٢٧٦.

(٤) انظر ترجمته في الاصابة ٣: ٥٣.

(٥) قال عامر بن الطفيل يرثي الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله :

بكت الأرض والسماء على النو

ر الذي كان للعباد سراجا

من هدينا به الى سبل الحـ

قّ وكنّا لا نعرف المنهاجا

انظر: الاصابة ٣: ٥٤.

(٦) للاطّلاع أكثر يمكن مراجعة الكتاب القيّم (إقناع اللائم على إقامة المآتم) والذي ألّفه الإمام محسن الأمين العاملي قدس سره ففيه المزيد من هذه الأخبار ، وهو من تحقيقنا ونشر مؤسسة المعارف الاسلامية في قم.

٤١

وقد أكثرت الخنساء(١) وهي صحابية من رثاء أخويها صخر ومعاوية - وهما كافران - ، وأبدعت في مدائح صخر ، وأهاجت عليه لواعج الحزن فما أنكر عليها منكر.(٢)

وأكثر أيضاً مُتمّم بن نُويرة من تهييج الحزن على أخيه السائرة حتى وقف مرّة في المسجد هو غاص بالصحابة أمام أبي بكر بعد صلاة الصبح واتّكأ على سيّة قوسه فأنشد: نِعم القتيل - إذا الرياح تناوحت(٣) خلف البيوت - قتلت يا ابن الأزور(٤)

____________________

(١) انظر ترجمتها في: الاصابة ٤: ٢٨٦.

(٢) قال أبو عمر: قدمت (الخنساء) على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع قومها من بني سليم فأسلمت معهم ، فذكروا انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يستنشدها ويعجبه شعرها ، وكانت تنشده وهو يقول: هيّه يا خناس ، ويومئ بيده.

ومن قولها في صخر:

أعينيّ جودا ولا تجمدا

ألا تبكيان لصخر الندى ؟

ألا تبكيان الجري الجميل

ألا تبكيان الفتى السيّدا؟

طويل النجاد عظيم الرماد

وساد عشيرته أمردا

وقالت كذلك:

ألا يا صخر إن أبكيت عيني

فقد أضحكتني دهراً طويلاً

ذكرتك في نساء معولات

وكنت أحقّ من أبدي العويلا

دفعت بك الجليل وأنت حيّ

فمن ذا يدفع الخطب الجليلا

إذا قبّح البكاء على قتيل

رأيت بكاءك الحسن الجميلا

انظر: الاصابة ٤: ٢٨٦.

(٣) تناوحت: تقابلت.

(٤) هو: ضرار بن الأزور الأسدي ، من بني كرز ، وهو الذي قتل مالك بن نويرة بأمر خالد بن الوليد. انظر: الأغاني ١٤: ٦٦ - ٧٣.

٤٢

ثمّ أومأ إلى أبي بكر - كما في ترجمة وثيمة بن موسى بن الفرات من وفيات ابن خلكان - فقال مخاطبا له:

أدعوته بالله ثمّ غدرته(١)

لو هو دعاك بذمّة لم يغدر

فقال أبو بكر: والله ما دعوته ، ولا غدرته. ثم قال:

ولنعم حشو الدرع كان وحاسراً

ولنعم مأوى الطارق المتنوّر

لا يمسك(٢) الفحشاء تحت ثيابه

حلو شمائله عفيف المئزر

وبكى حتى انحطّ عن سيّة قوسه ، قالوا: فما زال يبكي حتى دمعت عينه العوراء ، فما أنكر عليه في بكائه ولا رثائه منكر ، بل قال له عمر - كما في ترجمة وثيمة من الوفيات -: لوددت أنّك رثيت زيداً أخي بمثل ما رثيت به مالكاً أخاك ، فرثى متمم بعدها زيد بن الخطّاب فما أجاد ، فقال له عمر: لِم لَم ترث زيداً كما رثيت مالكاً ؟

فقال: انّه والله ليحرّكني لمالك ما لا يحرّكني لزيد(٣) .

واستحسن الصحابة ومن تأخر عنهم مراثيه في مالك ، وكانوا يتمثّلون بها كما اتّفق ذلك من عائشة ، إذ وقفت على قبر اخيها عبد الرحمن - كما في ترجمته من الاستيعاب(٤) - فبكت عليه وتمثّلت:

وكُنّا كَنَدماني جَذيمة حِقبةً

من الدهر حتى قيل لن يتصدّعا

____________________

(١) في المصادر: قتلته.

(٢) في العقد الفريد: لا يُمسك.

(٣) وانظر: الكامل للمبرّد ٣: ١٦٢.

(٤) الاستيعاب ٢: ٤٩٧.

٤٣

فلمّا تفرّقنا كأنّي ومالكاً

لطول اجتماع لم نبت ليلةً معا(١)

وما زال الرثاء فاشياً بين المسلمين وغيرهم في كلّ عصر ومصر لا يتناكرونه مطلقاً.

____________________

(١) تعتبر هذه القصيدة من أشهر قصائد متمّم التي يرثي بها أخاه مالكاً ، وتسمى اُمّ المراثي. انظر العقد الفريد ٣: ٢٢٠.

٤٤

المطلب الثالث

في تلاوة الأحاديث المشتملة على مناقب الميّت ومصائبه

كما كانت عليه سيرة السلف وفعلته عائشة ، إذ وقفت على قبر أبيها باكية ، فقالت: كنت للدنيا مذلاً بإدبارك عنها ، وكنت للآخرة معزّاً باقبالك عليها ، وكان أجل الحوادث بعد رسول الله رزؤك ، وأعظم المصائب بعده فقدك.(١)

وفعله محمد بن الحنفية(٢) ، إذ وقف على قبر أخيه المجتبىعليه‌السلام فخنقته العبرة - كما في أوائل الجزء الثاني من العقد الفريد - ثم نطق فقال: يرحمك الله أبا محمد ، فلئن عزّت حياتك فقد هدّت وفاتك ، ولنعم الروح روح ضمّه بدنك ، ولنعم البدن بدن ضمّه كفنك ، وكيف لا تكون كذلك وأنت بقيّة ولد الانبياء ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكساء ، غذّتك أكفّ الحقّ ، وربّيت في حجر الإسلام ، فطبت حيّاً وطبت ميّتاً ، وإن كانت انفسنا غير طيّب-ة بفراقك ، ولا شاكّة في الخيار لك(٣) .

ثمّ بكى بكاءاً شديداً وبكى الحاضرون حتى [علا] نشيجهم.

____________________

(١) العقد الفريد ٢: ٣٧.

(٢) أبو القاسم محمد الأكبر بن علي بن أبي طالب ، والحنفية لقب اُمّه خولة بنت جعفر ، كان كثير العلم والورع ، شديد القوة ، توفي سنة ٨٠ ه ؛ وقيل: ٨١ ه. انظر: تنقيح المقال ٣: ١١٥ ، وفيات الأعيان ٥: ٩١.

(٣) العقد الفريد ٢: ٧٨.

٤٥

ووقف أمير المؤمنينعليه‌السلام على قبر خباب بن الأرت(١) في ظهر الكوفة(٢) ، وهو أوّل من دفن هناك - كما نصّ عليه ابن الأثير في آخر تتمة صفّين - فقالعليه‌السلام :

رحم الله خباباً ، قد أسلم راغباً ، وهاجر طائعاً ، وعاش مجاهداً ، وابتلي في جسمه أحوالاً ، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً.(٣)

و لمـّا توفّي أمير المؤمنين قام الخلف من بعد أبو محمد الحسن الزكيعليهما‌السلام خطيباً فقال - كما في حوادث سنة ٤٠ من تاريخ ابن جرير وابن الأثير وغيرهما - فقال:

لقد قتلتم الليلة رجلا والله ما سبقه أحد كان قبله ، ولا يدركه أحد يكون بعده ، والله إن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليبعثه في السرية ، وجبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، [والله] ما ترك صفراء ولا بيضاء... الخ.(٤)

ووقف الإمام زين العابدين على قبر جدّه أمير المؤمنينعليهما‌السلام فقال:

____________________

(١) خباب بن الأرت - بتشديد المثناة - بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد بن مناة بن تميم التميمي ، ويقال: الخزاعي.

روى الباوردي أنّه أسلم سادس ستّة ، وهو أوّل من أظهر اسلامه وعُذّب عذاباً شديداً لأجل ذلك ، شهد بدراً وما بعدها ، ونزل الكوفة ومات بها سنة سبع وثلاثين. انظر: الإصابة ١: ٤١٦ ترجمة رقم «٢٢١٥» ، أسد الغابة ٢: ١١٤ - ١١٧.

(٢) الكوفة - بالضم -: المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق ؛ قيل: سمّيت الكوفة لاستدارتها. معجم البلدان ٤: ٢٢٢.

(٣) الكامل في التاريخ ٣: ٢١٥ ، وقعة صفّين: ٢٨٣ ، العقد الفريد ٢: ٦٦.

(٤) تاريخ الاُمم والملوك ٥: ١٥٧ ، الكامل في التاريخ.

٤٦

أشهد أنّك جاهدت في الله حقّ جهاده ، وعملت بكتابه ، واتّبعت سنن نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى دعاك الله إلى جواره ، فقبضك إليه باختياره ، لك كريم ثوابه ، وألزم أعداءك الحجّة [في قتلهم ايّاك] مع ما لك من الحجج البالغة على جمي-ع خلقه.(١)

وعن أنس بن مالك - كما في العقد الفريد وغيره - قال: لمـّا فرغنا من دفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [أقبلت عليّ فاطمة فقالت: يا أنس ، كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التراب ؟ ثمّ بكت ونادت: يا أبتاه أجاب ربّاً دعاه ، يا أبتاه مِن ربّه ما أدناه ، يا أبتاه إلى جبرئيل ننعاه ، يا أبتاه جنّة الفردوس مأواه.(٢)

ولو أردنا أن نستوفي ما كان من هذا القبيل لخرجنا عن الغرض المقصود ، وحاصله أن تأبين الموتى من أهل الآثار النافعة بنشر مناقبهم ، وذكر مصائبهم ، ممّا حكم بحسنه العقل والنقل ، واستمرت عليه سيرة السلف والخلف ، وأوجبته قواعد المدنية ، واقتضته اصول الترقي في المعارف ، إذ به تحفظ الآثار النافعة ، وبالتنافس فيه تعرج الخطباء إلى أوج البلاغة ، والقول بتحريمه يستلزم تحريم قراءة التاريخ وعلم الرجال ، بل يستوجب المنع من تلاوة الكتاب والسنّة لاشتمالها على جملة من مناقب الأنبياء ومصائبهم ، ومن يرضى لنفسه هذا الحمق ، أو يختار لها هذا العمى ، نعوذ بالله من سفه الجاهلين.

____________________

(١) العقد الفريد ٢: ٧١.

(٢) العقد الفريد ٣: ٢٣ ، وانظر مسند أحمد ٣: ١٩٧.

٤٧

المطلب الرابع

في الجلوس حزناً على الموتى من أهل الحفائظ والأيادي المشكورة

وحسبك في رجحان ذلك ما تواتر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الحزن الشديد على عمّه أبي طالب وزوجته الصدّيقة الكبرى ام المؤمنينعليهما‌السلام ، وقد ماتا في عام واحد فسمّي «عام الحزن» وهذا معلوم بالضرورة من اخبار الماضين.

وأخرج البخاري - في باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن من الجزء الأول من صحيحه - بالاسناد عن عائشة قالت: لمـّا جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قتل زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة جلس - أي في المسجد كما في رواية أبي داود(١) - يعرف فيه الحزن.

وأخرج البخاري في الباب المذكور أيضا عن أنس قال: قنت(٢) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهراً حين قتل القرّاء(٣) فما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حزن حزناً قطّ أشد منه.(٤) الحديث.

____________________

(١) ارشاد الساري ٢: ٣٩٣.

(٢) القنوت: الإمساك عن الكلام ؛ وقيل: الدعاء في الصلاة ، لسان العرب ٢: ٧٣.

(٣) والقُراء: هم الذين كانوا يتعلّمون القرآن في صفة المسجد أرسلهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الى أهل نجد فقتلوا في الطريق.

(٤) ارشاد الساري ٢: ٣٩٦.

٤٨

والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى او تستقصى.

والقول بأنّه انّما يحسن ترتيب آثار الحزن إذا لم يتقدّم العهد بالمصيبة مدفوع بانّ من الفجائع ما لا تخبو زفراتها ولا تخمد لوعتها ، فقرب العهد بها وبعده عنها سواء.

نعم ، يتمّ قول هؤلاء اللائمين إذا تلاشى الحزن بمرور الأزمنة ولم يكن دليل ولا مصلحة يوجبان التعبّد بترتيب آثاره ، وما أحسن قول القائل في هذا المقام:

خلي اُميمة عن ملا

مك ما المعزّي كالثكول

ما لراقد الوسنان مثـ

ل معذّب القلب العليل

سهران من ألم وهـ

ذا نائم الليل الطويل

ذوقي اُميمة ما أذو

ق وبعده ما شئت قولي

على انّ في ترتيب آثار الحزن بما أصاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن تلك الفجائع ، وحلّ بساحته من هاتيك القوارع حكماً توجب التعبّد بترتيب آثار الحزن بسببها على كلّ حال ، والأدلة على ترتيب تلك الآثار في جميع الأعصار متوفّرة وستسمع اليسير منها ان شاء الله تعالى.

وقد علمت سيرة أهل المدينة الطيبة(١) واستمرارها على ندب حمزة وبكائه مع بعد العهد بمصيبته فلم ينكر عليهم في ذلك أحد حتى بلغني انّهم لا يزالون إلى

____________________

(١) مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي يثرب ، مساحتها نصف مكة ، وهي في حرّة سبخة الأرض ، ولها نخيل كثيرة ومياه ، والمسجد في نحو وسطها ، وقبر النبي في شرقي المسجد وللمدينة أسماء كثيرة ، منها: طيبة ويثرب والمباركة. انظر: معجم البلدان ٥: ٨٢.

٤٩

الآن إذا ناحوا على ميّت بدأوا بالنياحة عليه ، وما ذاك الامواساة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمصيبته في عمّه ، وأداءاً لحقّ تلك الكلمة التي قالها في البعث على البكاء عليه وهي قوله: «لكنّ حمزة لا بواكي له».

وكان الأولى لهم ولسائر المسلمين مواساته في الحزن على أهل بيته والاقتداء به في البكاء عليهم ، وقد لام بعض أهل البيتعليهم‌السلام من لم يواسيهم في ذلك ، فقال: يا لله لقلب لا ينصدع لتذكار تلك الاُمور ، ويا عجباً من غفلة أهل الدهور ، وما عذر أهل الاسلام والايمان في اضاعة أقسام الأحزان ، ألم يعلموا أنّ محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله موتور وجيع ، وحبيبه مقهور صريع.

قال وقد أصبح لحمه صلوات الله عليه مجرّداً على الرمال ، ودمه الشريف مسفوكاً بسيوف أهل الضلال: فياليت لفاطمة وأبيها عيناً تنظر إلى بناتها وبنيها ، وهم ما بين مسلوب وجريح ، ومسحوب وذبيح... إلى آخر كلامه.

ومن وقف على كلام أئمة أهل البيتعليهم‌السلام في هذا الشأن ، لا يتوقّف في ترتيب آثار الحزن عليهم مدى الدوران ، لكنّا منينا بقوم لا ينصفون ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

٥٠

المطلب الخامس

في الانفاق عن الميّت في وجوه البر والاحسان

ويكفي في استحبابه عموم ما دلّ على استحباب المبرّات والخيرات على انّ فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقوله ، دالان على الاستحباب في خصوص المقام ، وحسبك من فعله ، ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما(١) بطرق متعدّدة عن عائشة: ما غرت على أحد من نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ما غرت على خ-ديجة(٢) وما رأيتها ، ولكن كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة ، ثمّ يقطعها أعضاء ، ثمّ يبعثها في صدائق خديجة ، فربما قلت له: كأن لم يكن في الدنيا الا خديجة ، فيقول: انّما كانت وكان لي منها ولد.(٣)

____________________

(١) البخاري باب تزويج النبي خديجة ، مسلم: باب فضائل خديجة.

(٢) خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى ، من قريش ، زوج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت أسنّ منه بخمس عشرة سنة ، ولدت بمكة ، كانت ذا مال كثير وتجارة تبعث بها إلى الشام ، تستأجر الرجال ، فلمّا بلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الخامسة والعشرين من عمره خرج في تجارة لها فعاد رابحاً ، تزوجها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل النبوّة ، دعاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الإسلام ، فكانت أول نساء هذه الامة إسلاماً ، وكانت تصلّي مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سرّاً ، توفيت خديجة بمكّة لثلاث سنين قبل الهجرة.

انظر: الطبقات الكبرى ٨: ٧ - ١١ ، صفة الصفوة ٢: ٢ ، تاريخ الخميس ١: ٣٠١ ، الأعلام ٢: ٣٠٢.

(٣) صحيح البخاري ٤: ٢٣١ باب تزويج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خديجة ، وج ٦: ١٥٧ باب الغيرة.

٥١

قلت: وهذا يدلّ على استحباب صلة أصدقاء الميّت ، وأوليائه في الله عزّ وجل بالخصوص.

ويكفيك من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ما أخرجه مسلم في باب وصول ثواب الصدقة عن الميّت إليه ، من كتاب الزكاة ، في الجزء الأول من صحيحه بطرق متعدّدة ، عن عائشة: أنّ رجلاً أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله إنّ اُمّي افتلتت(١) نفسها ولم توص ، [وأظنّها لو تكلّمت تصدّقت] ، أفلها أجر إن تصدّقت عنها ؟

قال: نعم(٢) .

ومثله: ما أخرجه أحمد من حديث عبد الله بن عباس في ص ٣٣٣ من الجزء الأول من مسنده ، من انّ سعد بن عبادة قال: انّ ابن بكر أخا بني ساعدة توفّيت أمّه وهو غائب عنها ، فقال: يا رسول الله انّ اُمّي توفّيت ، وأن غائب عنها ، فهل ينفعها إن تصدّقت بشيء عنها ؟

قال: نعم.

قال: فإنّي أشهدك انّ حائط المخرف صدقة عليها(٣) .

والأخبار في ذلك متضافرة ، ولا سيّما من طريق العترة الطاهرة.(٤)

____________________

(١) افتلتت - بالفاء - ، ونفسها - بالضم - نائب فاعل ، أو - بالنصب - مفعول به ؛ أي: ماتت فجأة.

(٢) شرح النووي لصحيح مسلم - بهامش ارشاد الساري - ٤: ٣٧٧.

(٣) مسند أحمد ١: ٣٣.

(٤) قالرحمه‌الله : وربّما كان المنكر عليه فيما تفعله من المبرات عن الحسينعليه‌السلام ، لا ، يقنع بأقوال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا بأفعاله ، وانّما تقنعه أفعال سلفه وأفعالهم ، وحينئذ نحتجّ

٥٢

فصل

كلّ من وقف على ما سلف من هذه المقدّمة ، يعلم أنّه لا وجه للانكار علينا في مآتمنا المخصّة بسيد الشهداءعليه‌السلام ، ضرورة انّه لا تشتمل الافي تلك المطالب الخمسة ، وقد عرفت اباحتها بالنسبة إلى مطلق الموتى من كافة المؤمنين وما أدري ، كيف يستنكرون مآتم انعقدت لمواساة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأسّست على الحزن لحزنه ؟ أيبكي بأبي هو واُمّي قبل الفاجعة ، ونحن لا نبكي بعدها ؟ ما هذا شأن المتأسّي بنبيّه ، والمقتصّ لأثره ، إنّ هذا الاخروج عن قواعد المتأسّين ، بل عدول عن سنن النبيّين.

ألم يرو الامام أحمد بن حنبل من حديث عليّعليه‌السلام ، في ص ٨٥ من الجزء الأول من مسنده بالاسناد إلى عبد الله بن نجا، عن أبيه انّه سار مع عليّعليه‌السلام ، فلمّا حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفّين نادى: صبراً أبا عبد الله ، صبراً أبا عبد الله بشطّ الفرات.

قال: قلت: وما ذاك ؟

قال: دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم وعيناه تفيضان ، قلت: يا نبي الله ، اغضبك أحد ، ما شأن عينيك تفيضان ؟

عليه بما فعله الوليد بن عقبة بن أبي معيط الأموي ، إذ مات لبيد بن ربيعة العامري الشاعر ، فبعث الوليد إلى منزله عشرين جزوراً ، فنحرت عنه ، كما نصّ عليه ابن عبد البر ، في ترجمة لبيد من الاستيعاب.

٥٣

قال: قام من عندي جبرئيل قبل ، فحدّثني إنّ الحسين يقتل بشط الفرات.

قال: فقال: هل لك إلى أن أشمّك من تربته ؟

قال: قلت: نعم ، فمدّ يده ، فقبض قبضة من تراب ، فأعطانيها ، فلم أملك عيني إن فاضتا(١) .

وأخرج ابن سعد ، كما في الفصل الثالث من الباب الحادي عشر من الصواعق المحرقة لابن حجر ، عن الشعبي قال: مرّ عليّرضي‌الله‌عنه بكربلاء(٢) عند مسيره إلى صفّين وحاذى نينوى ، فوقف وسال عن اسم الأرض ؛ فقيل: كربلاء ، فبكى حتى بلّ الأرض من دموعه.

ثم قال: دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يبكي فقلت: ما يبكيك (بأبي أنت وأمي) ؟

قال: كان عندي جبرئيل آنفاً ، وأخبرني أنّ ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات ، بموضع يقال له: كربلاء...(٣) . الحديث.

وأخرج الملأ (كما في الصواعق أيضاً) انّ علياً مرّ بموضع قبر الحسينعليه‌السلام فقال: ها هنا مناخ ركابهم ، وها هنا موضع رحالهم ، وها هنا مهراق دمائهم ، فتية من آل محمد ، يقتلون بهذه العرصة ، تبكي عليهم السماء

____________________

(١) مسند أحمد ٤: ٢٤٢.

(٢) كربلاء - بالمدّ -: الموضع الذي قتل فيه الحسينعليه‌السلام في طرف البرية عند الكوفة.

روي: أنّهعليه‌السلام اشترى النواحي التي فهيا قبره من أهل نينوى والغاضرية بستّين ألف درهم ، وتصدّق بها عليهم ، وشرط عليهم أن يرشدوا إلى قبره ويضيّفوا من زاره ثلاثة أيام. انظر: معجم البلدان ٤: ٢٤٩ ، مجمع البحرين ٥: ٦٤١ - ٦٤٢.

(٣) الصواعق المحرقة: ١٩٣.

٥٤

والأرض(١) . انتهى.

ومن حديث امّ سلمة(٢) قالت: كان عندي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعي الحسين ، فدنا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذته ، فبكى فتركته ، فدنا منه ، فأخذته فبكى فتركته ، فقال له جبرئيل: أتحبّه يا محمد ؟!

قال: نعم.

قال: أما إنّ اُمّتك ، ستقتله وان شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها ، [فبسط جناحيه، فأراه منها ،] فبكى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) .

وروى الماوردي الشافعي ، في باب انذار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بما سيحدث بعده ، من كتابه (أعلام النبوّة) عن عروة ، عن عائشة ، قالت: دخل الحسين بن علي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يوحى إليه ، فقال

____________________

(١) قالرحمه‌الله : وهذا الحديث رواه أصحابنا ، بكيفية مشجية ، عن الباقر عليه الصلاة والسلام ، ورووه عن هرثمة ، وعن ابن عباس ، وان أردت الوقوف عليه ، فدونك ص ١٠٨ وما بعدها إلى ص ١١٢ من الخصائص الحسينية.

(٢) قالرحمه‌الله : كما نص عليه ابن عبد ربّه المالكي ، حيث ذكر مقتل الحسين في الجزء الثاني من العقد الفريد.

(٣) العقد الفريد ٥: ١٣٢.

وللاطّلاع أكثر على روايات امّ سلمة في هذا الموضوع انظر: مجمع الزوائد ٩: ١٩٠ ، الخصائص الكبرى ٢: ١٢٤ ، الصراط السوي للشيخاني المدني: ٩١ ، جوهرة الكلام: ١١٨ ، ذخائر العقبى: ١٤٧ ، طرح التثريب للحافظ العراقي ١: ٤٢ ، المواهب اللدنية ٢: ١٩٥ ، نظم الدرر: ٢١٥. مسند أحمد ٣: ٢٤٢ و٢٦٥ ، دلائل النبوة لأبي نعيم ٣: ٢٠٢ ، مختصر التذكرة للقرطبي: ١١٩ ، الصواعق المحرقة: ١١٥ ، ضوء الشمس ١: ٩٧ ، كنز العمّال ٦: ٢٢١ ، جوهرة الكلام: ١١٧ ، شرح بهجة المحافل لعماد الدين العامري ٢: ٢٣٦ ، مقتل الحسين للخوارزمي ١: ١٦٢.

٥٥

جبرئيل: انّ اُمّتك ستفتتن بعدك وتقتل ابنك هذا من بعدك ، ومدّ يده فأتاه بتربة بيضاء ، وقال في هذه يقتل ابنك اسمها الطف ، قال: فلمّا ذهب جبرئيل ، خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أصحابه والتربة بيده ، وفيهم: أبو بكر ، وعمر ، وعليّ ، وحذيفة(١) ، وعثمان(٢) ، وأبو ذر ، وهو يبكي فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله ؟!

فقال: أخبرني جبرئيل: إنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف ، وجاءني بهذه التربة ، فأخبرني إنّ فيها مضجعه.(٣)

____________________

(١) حذيفة بن اليمان ، من أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان من المنقطعين إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام والعارفين بحقّه.

روى الحاكم في المستدرك (٣: ٤٢٨ ح ٥٦٢٦)... قال: لـمّا حضر حذيفة الموت وكان قد عاش بعد عثمان أربعين ليلة قال لنا: أوصيكم بتقوى الله والطاعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

(٢) في المصدر: وعمّار.

(٣) أعلام النبوّة: ٨٣ ، وانظر: كامل الزيارات: ٦١ ، أمالي الطوسي ١: ٣٢١ - ٣٢٤ ، المنتخب للطريحي: ٦٣ و٨٨ ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر - ترجمة الإمام الحسين -: ١٦٧ و١٨٣ ، تاريخ أبي الفداء ٢: ٤٨ ، أخبار النحويين للسيرافي: ٨٩ - ٩٣ ، الكامل لابن الأثير ٥: ٣٦٤ ، تاريخ ابن كثير ١١: ٢٩ - ٣٠ ، تذكرة الحفّاظ للذهبي ٢: ١٦٤.

أقول: ولا بدّ أن يكون الصحابة لمـّا رأوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يبكي لقتل ولده وتربته بيده ، وأخبرهم بما أخبره به جبرئيل من قتله ، وأراهم تربته التي جاء بها جبرئيل ، أخذتهم الرقّة الشديدة ، فبكوا لبكائه ، وواسوه في الحزن على ولده ، فإنّ ذلك ممّا يبعث على أشد الحزن والبكاء لو كانت هذه الواقعة مع غير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والصحابة فكيف بهم معه ؟! والظاهر انّ هذا أول مأتم أقيم على الحسينعليه‌السلام يشبه مآتمنا التي تقام عليه ، وكان الذاكر فيه للمصيبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمستمعون أصحابه.

٥٦

أخرج الترمذي(١) - كما في الصواعق وغيرها: - إنّ امّ سلمة رأت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فيما يراه النائم) باكياً ، وبرأسه ولحيته التراب فسألته ، فقال: قتل الحسين آنفاً.

قال في الصواعق: وكذلك رآه ابن عباس نصف النهار ، أشعث أغبر ، بيده قارورة ، فيها دم يلتقطه فسأله ، فقال: دم الحسين وأصحابه ، لم أزل أتتّعه منذ اليوم.

قال: فنظروا فوجدوه قد قتل في ذلك اليوم.(٢)

وأمّا صحاحنا فإنّها متواترة في بكائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، على الحسينعليه‌السلام في مقامات عديدة ، يوم ولادته وقبلها(٣) ، ويوم السابع من مولده(٤) ، وبعده في بيت فاطمة(٥) ، وفي حجرته(٦) ، وعلى منبره(٧) ، وفي بعض أسفاره(٨) ، تارة يبكيه وحده يقبّله في نحره ، ويبكي ، ويقبّله في شفتيه

____________________

(١) سنن الترمذي ١٣: ١٩٣.

(٢) الصواعق المحرقة: ١٩٣.

(٣) انظر: ذخائر العقبى: ١١٩ ، مقتل الحسين للخوارزمي ١: ٨٧ ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: ١٥٤ ، الخصائص الكبرى للسيوطي ٢: ١٢٥.

(٤) انظر: المستدرك الصحيح ٣: ١٧٦ ، دلائل النبوة ١: ٢١٣ ، الصواعق المحرقة: ١١٥ ، الخصائص الكبرى ٢: ١٢٥ ، الفصول المهمّة ١٥٤ ، كنز العمّال ٦: ٢٢٣.

(٥) انظر: مقتل الخوارزمي ١: ١٦٣ ، ذخائر العقبى ١٤٩ ، الصراط السوي للشيخاني المدني: ٩٣.

(٦) انظر: مجمع الزوائد ٩: ١٩٠ ، الخصائص الكبرى ٢: ١٢٤ ، الصراط السوي للشيخاني المدني: ٩١ ، جوهرة الكلام: ١١٨.

(٧) انظر: مسند احمد ٣: ٢٤٢ ، و٢٦٥ ، دلائل النبوة لأبي نعيم ٣: ٢٠٢ ، طرح التثريب ١: ٤١ ، مجمع الزوائد ٩: ١٨٧ و١٩٠.

(٨) انظر: مختصر التذكرة للقرطبي: ١١٩ ، الصواعق المحرقة: ١١٥ ، نظم الدرر: ٢١٧ ، ضوء الشمس ١:

٥٧

ويبكي ، وإذا رآه فرحاً يبكي ، وإذا رآه حزناً يبكي ، بل صحّ انّه قد بكاه آدم ، ونوح ، وإبراهيم، وإسماعيل ، وموسى ، وعيسى ، وزكريا ، ويحيى ، والخضر ، وسليمانعليهم‌السلام ، وتفصيل ذلك كلّه موكول إلى مظانه من كتب الحديث.

وأمّا أئمّة العترة الطاهرة الذين هم كسفينة نوح(١) ، وباب حطّة(٢) ، وأمان أهل الأرض(٣) ، وأحد الثقلين(٤) اللذين لا يضلّ من تمسّك بهما ، ولا يهتدي

٩٧ ، المواهب للحافظ القسطلاني ٢: ١٩٥ ، الخصائص الكبرى ٢: ١٢٥ ، كنز العمّال ٦: ٢٢١ ، جوهرة الكلام: ١١٧ ، شرح بهجة المحافل لعماد الدين العامري ٢: ٢٣٦ ، مقتل الحسين للخوارزمي ١: ١٦٢.

____________________

(١) مجمع الزوائد ٩: ١٦٨ ، الصواعق المحرقة: ١٥٢ ، تلخيص المستدرك للذهبي: ٢٣٥ ، ينابيع المودّة: ٣٠ ، الصواعق المحرقة: ١٨٤ و٢٣٤ ، اسعاف الراغبين: ١٠٩ ، فرائد السمطين ٢: ٢٤٦ ح ٥١٩ ، كفاية الطالب: ٣٧٨ ، المعجم الصغير ٢: ٢٢ ، حلية الأولياء ٤: ٣٠٦ ، ذخائر العقبى: ٢٠.

(٢) صحيح مسلم ٢: ٢٦١ ، مجمع الزوائد ٩: ١٦٨ ، الصواعق المحرقة: ١٥٢ ، نظم الدرر: ٢٣٢ ، ذخائر العقبى: ١٧ ، الاصابة ٢: ١٥٢.

(٣) الصواعق المحرقة: ٩١ ، منتخب كنز العمّال - بهامش مسند أحمد - ٥: ٩٣ ، ينابيع المودّة: ٢٩٨ ، جواهر البحار ١: ٣٦١ ، ذخائر العقبى: ١٧ ، نظم الدرر: ١١٢ ، الجامع الصغير ٢: ١٦١ ، الفتح الكبير ٣: ٢٦٧ ، اسعاف الراغبين: ١٢٨ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣: ٤٥١.

(٤) حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة وقد أخرجه علماء السنّة في كتبهم من الصحاح والسنن منها: مسند أحمد بن حنبل ٣: ١٤ و١٧ وج ٤: ٢٦ و٥٩ وج ٥: ١٨٢ و١٨٩ ، صحيح مسلم ٤: ١٨٧٤ ح ٣٧ ، سنن الترمذي ٢: ٣٠٧ ، خصائص النسائي: ٣٠ ، ينابيع المودة: ب ٤ ص ٣٠ ، فرائد السمطين ٢: ١٤٢ ح ٤٣٦ - ٤٤١ ، الصواعق المحرقة لابن حجر: ١٤٩ و٢٢٨ ، مصابيح السنّة ٢: ٢٧٨ ، نظم الدرر: ٢٣١ ، تفسير الخازن ١: ٤٠ ، تفسير ابن كثير ٤: ١١٣ ، مشكاة المصابيح ٣: ٢٥٥ ، اسعاف الراغبين: ١٠٠ ، السيرة النبويّة لأحمد زيني دحلان المطبوع بهامش السيرة الحلبيّة ٣: ٣٣٠ ، مناقب الإمام علي لابن المغازلي: ٢٣٦ ح ٢٨٤ ، الاتحاف بحبّ الأشراف: ٦ ، ذخائر العقبى: ١٦ ، كفاية الطالب: ٥٣ ، بحار الأنوار للمجلسي ٢٣: ١٠٨ ح ١١ و١٢ وص ١٣٤ ح ٧٢ ، وص ١٤٧ ح ١٠٩.

٥٨

إلى الله من صدّ عنهما فقد استمرت سيرتهم على الندوب والعويل ، وأمروا أوليائهم بإقامة مآتم الحزن ، جيلاً بعد جيل ، فعن الصادقعليه‌السلام (فيما رواه ابن قولويه في الكامل ، وابن شهراشوب في المناقب وغيرهما) انّ عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، بكى على أبيه مدّة حياته ، وما وضع بين يديه طعام الابكى ، ولا اُتي بشراب الابكى ، حتى قال له أحد مواليه: جعلت فداك ، يا ابن رسول الله إنّي أخاف أن تكون من الهالكين ، قالعليه‌السلام :( إِنَّمَا أَشْکُو بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ‌ ) (١) [إنّي لم اذكر مصرع بني فاطمة الاخنقتني العبرة].(٢)

وروى ابن قولويه ، وابن شهراشوب ايضاً ، وغيرهما أنّه لمـّا كثر بكاؤه ، قال له مولاه: أما آن لحزنك أن ينقضي ؟

فقال له: ويحك ، إنّ يعقوب النبيعليه‌السلام كان له اثنا عشر ولداً ، فغيّب الله واحداً منهم ، فابيضّت عيناه من كثرة بكائه ، واحدودب ظهره من الغمّ ، وابنه حي في الدنيا ، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمومتي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي ، فكيف ينقضي حزني ؟!(٣)

وعن الباقرعليه‌السلام قال: كان أبي (علي بن الحسين صلوات الله عليه) يقول: أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليعليه‌السلام دمعة حتى تسيل على خدّه ، بوّأه الله [بها] في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً.

____________________

(١) سورة يوسف: ٨٦.

(٢) كامل الزيارات: ١٠٧ ح ١ ، المناقب لابن شهراشوب ٤: ٦٠.

(٣) كامل الزيارات: ١٠٧ ح ١ ، المناقب لابن شهراشوب ٤: ٦٢ ، بحار الأنوار ٤٥: ٢٢٧.

٥٩

وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا ، لأذى مسّنا من عدوّنا في الدنيا بوّأه الله في الجنّة مبوأ صدق.

وأيّما مؤمن مسّه أذى فينا ، فدمعت عيناه حتى تسيل على خده ، صرف الله عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار.(١)

وقال الرضا (وهو الثامن من أئمة الهدى ، صلوات الله وسلامه عليهم):

إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال ، فاستحلّت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبيت فيه ذرارينا ونساؤنا ، واُضرمت فيه النار في مضاربنا ، وانتهب ما فيها من ثَقلنا(٢) ، ولم ترع لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حرمة في أمرنا.

انّ يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلّ عزيزنا [بأرض كرب وبلاء ، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ،] فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام.

ثم قالعليه‌السلام : كان أبي إذا دخل شهر المحرّم لا يُرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه [حتى تمضي عشرة أيّام منه ،] فإذا كان يوم العاشر ان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، [ويقول: هو اليوم الذي قُتل فيه الحسينعليه‌السلام ].(٣)

____________________

(١) تفسير القمي ٢: ٢٩١ ، كامل الزيارات: ١٠٠ ح ١ ، ثواب الأعمال: ١٠٨ ح ١.

(٢) الثقل: متاع السفر ، وكلّ شيء نفيس مصون.

(٣) أمالي الصدوق: ١١١ ح ٢ ، بحار الأنوار ٤٤: ٢٨٣ ح ١٧.

٦٠

وقالعليه‌السلام : من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن ذكر مصابنا فبكى وأبكى ، لم تبك عينه يوم تبكي العيون ، ومن جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب(١) .

وعن الريّان بن شبيب (فيما أخرجه الشيخ الصدوق في العيون) قال: دخلت على الرضاعليه‌السلام في اول يوم من المحرّم ، فقال لي: يا ابن شبيب ، إنّ المحرّم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرّمون فيه الظلم والقتال لحرمته ، فما عرفت هذه الاُمّة حرمة شهرها ، ولا حرمة نبيّهاصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ قتلوا في هذا الشهر ذرّيّته ، وسبوا نساءه ، وانتهبوا ثقله ، [فلا غفر الله لهم ذلك أبداً].

يا ابن شبيب ، إن كنت باكياً لشيء ، فابك للحسينعليه‌السلام ، فإنّه ذبح كما يذبح الكبش(٢) ، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً(٣) ما

____________________

(١) عيون الأخبار ١: ٢٢٩ ح ٤٨ ، أمالي الطوسي ١: ١١٧.

(٢) قالرحمه‌الله : انّ التعبير - كهذا - ممّا يدلّك على غاية همجية القوم وشقائهم وبعدهم عن العطف الانساني ، بالإضافة على قتلهم ريحانة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وهتكهم حرمته في سبطه روحي فداه.

وقد أجمل الإمام عليه أفضل الصلاة والسلام لما أدّى عن الفاجعة وأهميته بهذا الكلام القصير ، وأشار به إلى معنى جسيم يدركه الباحث المتعمّق بعد التحليل والاختبار ، ويندهش - ا لمجموع البشري - لمثل هذه الرزية عندما علم انّه لم يوجد بين تلك الجموع المحتشدة في كربلاء من يردعهم عن موقفهم البغيض ، ولا أقل من تسائل بعضهم ، لماذا نقاتل الحسين، وبأي عمل استحقّ ذلك منّا ؟ أو هل كان دم الحسينعليه‌السلام مباحاً إلى حد اباحة دم الكبش ؟! او يذبح - بأبي هو واُمّي - بلا ملامة لائم ، ومن دون خشية محاسب !!

(٣) أقول: لقد كثر اختلاف المؤرخين وأرباب المقاتل في تحديد عدد شهداء الطف من أهل البيت عليهم

٦١

لهم في الأرض شبيه ، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله - إلى أن قال -:

يا ابن شبيب ، ان سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى [من الجنان] ،

السلام - كاختلافهم الكثير في تحديد شهداء الأصحاب أيضاً - فبين مقلّ إلى حدّ الثلاثة عشر ، كالمسعودي في مروجه (٣: ٧١) ، وبين مُكثر إلى حدّ الثلاثين كالأمين في أعيانه (٤ ق ١: ٢٥٠). وفي البحار (٤٥: ٦٣) رواية عبد الله بن سنان تؤيّد ذلك ، وبين هذين القولين من جانبي القلّة والكثرة أقوال اُخرى.

فالمشهور بين المؤرّخين وأرباب المقاتل: انّهم (١٧ شهيداً) غير الحسينعليه‌السلام ، كما ورد تعداد أسمائهم في زيارة الناحية المقدسة ، وقد أوردها المجلسي بنصّها عن الإقبال في بحاره (٤٥: ٦٥) ، ويؤيّده قول محمد بن الحنفيّة - من حديث له -: «ولقد قتل مع الحسين سبعة عشر ممّن ارتكضوا في رَحِم فاطمة» ويعني: فاطمة بنت أسد اُمّ علي وجعفر وعقيل ، فإنّ شهداء الطف من أهل البيت ينتمون إلى هؤلاء الثلاثة أولاداً أو أحفاداً - ، ذكر ذلك الطبراني في معجمه (١: ١٤٠) ، والمقريزي في خططه (٢: ٢٨٦) ، وابن حجر في تهذيبه (١: ١٥٦).

وقال الدميري في حياة الحيوان (١: ٦٠) انّهم (١٨ رجلاً) ، وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي (٢٥٥) انّهم (١٩ رجلاً) ، ، ويضيف إليهم اثنين برواية المدائني فيكون المجموع (٢١ قتيلاً).

وفي تاريخ الطبري (٥: ٣٨٢) انّهم: (٢١ رجلاً) ، وهذا القول يلتقي مع قول ابن الجوزي برواية المدائني ، ويقترب من قول أبي الفرج في مقاتله (٦٧) حيث يقول: «فجميع من قُتِل يوم الطف من ولد أبي طالب سوى من يختلف في أمره اثنان وعشرون رجلاً».

ويكاد يتّفق الخوارزمي في مقتله (٢: ٤٧) وابن شهراشوب في مناقبه (٤: ١١٢) - وكلاهما من أبناء القرن السادس الهجري - في النسبة إلى الأكثر بأن مجموع القتلى من أهل البيتعليهم‌السلام لا يتجاوز السبعة والعشرين.

وأخيرا ، فالذي يرجح عندنا - بعد أن استعرضنا الكثير من المصادر المعتبرة - هو القول الوسط - وهو النيف والعشرون ، بل الاثنان والعشرون بالضبط - باستثناء الحسينعليه‌السلام - إذ القولان المتطرّفان في القلّة والكثرة لا يساعد عليهما الاعتبار وعامّة النصوص التاريخية المعتبرة.

٦٢

فاحزن لحزننا ، وأفرح لفرحنا ، وعليك بولايتنا...(١) ، الحديث.

وقالعليه‌السلام - فيما أخرجه الصدوق في أماليه -: من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة ، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، جعل الله عز وجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره ، وقرّت بنا في الجنان عينه...(٢) . الحديث.

وبكى صلوات الله عليه إذ أنشده دعبل بن علي الخزاعي(٣) قصيدته التائية السائرة حتى اُغمي عليه في أثنائها مرّتين ، كما نصّ عليه الفاضل العباسي في ترجمة دعبل من معاهد التنصيص(٤) وغيره من أهل الأخبار.

وفي البحار ، وغيره: انّهعليه‌السلام أمر قبل انشادها بستر ، فضرب دون عقائله فجلسن خلفه يسمعن الرثاء ، ويبكين على جدهن سيّد الشهداء وانّه قال يومئذ: يا دعبل من بكى ، أو أبكى على مصابنا ولو واحداً كان أجره على الله.

يا دعبل ، من ذرفت عيناه على مصابنا حشره الله معنا.(٥)

____________________

(١) أمالي الصدوق: ١١٢ ح ٥ ، عيون الأخبار ١: ٢٣٣.

(٢) أمالي الصدوق: ١١٢ ح ٤ ، زينة المجالس: ٥٥٤ ، بحار الأنوار ٤٤: ٢٨٤ ح ١٨.

(٣) دعبل بن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، من قبيلة خزاعة القحطانية الأصل ، ولد سنة ١٥٨ ه واستشهد سنة ٢٤٥ ه في أيّام المتوكّل العباسي ، كان من الشعراء المجيدين والمتفانين في ولاء أهل البيتعليهم‌السلام ، يقول الشعر كثيراً في مدائح أهل البيتعليهم‌السلام وفي طعن أعدائهم على غرار التولّي والتبرّي ، وذكر له المؤرّخون أسماء كثيرة ، ولكنه اشتهر بلقب (دعبل) بكسر الدال.

راجع ترجمته في الأغاني ١٥: ١٠٠ و١٨: ٢٠ ، مجالس المؤمنين: ٤٥١.

(٤) معاهد التنصيص على شواهد التلخيص للشيخ عبد الرحيم بن أحمد العباسي ٢: ١٩٠.

(٥) روى الصدوق في عيون الأخبار الرضا بسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: دخل دعبل بن

٦٣

وحدّث محمد بن سهل (كما في ترجمة الكميت ، من معاهد التنصيص(١) )

علي الخزاعيرحمه‌الله على أبي الحسن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام بمرو ، فقال له: يا ابن رسول الله أنّي قد قلت فيكم قصيدة ، وآليت على نفسي أن لا انشدها أحداً قبلك.

فقالعليه‌السلام : هاتها ، فأنشده:

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما بلغ إلى قوله:

أرى فيأهم في غيرهم متقسّماً

وايديهم من فيئهم صفرات

بكى أبو الحسن الرضاعليه‌السلام وقال له: صدقت يا خزاعي.

فلمّا بلغ إلى قوله:

إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم

أكفّاً عن الأوتار منقبضاب

جعل أبو الحسن يقلّب كفّيه ويقول: أجل والله منقبضات.

فلمّا بلغ إلى قوله:

لقد خفت في الدنيا وأيّام سعيها

وإنّي لأرجو الأمن بعد وفاتي

قال الرضاعليه‌السلام : آمنك الله يوم الفزع الأكبر.

فلمّا انتهى إلى قوله:

وقبر ببغداد لنفسٍ زكيّة

تضمنّها الرحمن في الغرفات

قال له الرضاعليه‌السلام : أفلا اُلحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك ؟

قال: بلى يا ابن رسول الله.

فقالعليه‌السلام :

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

ألحّت على الأحشاء بالزفرات

إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً

يفرّج عنا الهمّ والكربات

فقال دعبل: يا ابن رسول الله ، هذا القبر الذي بطوس قبر من هو ؟

فقال الرضاعليه‌السلام : قبري... الحديث.

انظر: عيون أخبار الرضا ٢: ٢٧١ ، مقتل الحسين للخوارزمي ٢: ١٢٩ ، الحدائق الورديّة ٢: ٢٠٦ ، كشف الغمّة ٣: ١٠٨ ، مجالس المؤمنين ٤٥١ ، معجم الأدباء ١٢: ٢٠٣ ، ديوان دعبل للدجيلي: ٨.

____________________

(١) معاهد التنصيص ٣: ٩٣.

٦٤

قال: دخلت مع الكميت(١) على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام في أيّام التشريق(٢) فقال له: جعلت فداك ، ألا أنشدك ؟

قالعليه‌السلام : انّها أيّام عظام !

قال: انّها فيكم.

قالعليه‌السلام : هات ، وبعث أبو عبد الله إلى بعض أهله ، فقرب فأنشده (في رثاء الحسينعليه‌السلام ) ، فكثر البكاء حتى أتى على هذا البيت:

يصيب به الرامون عن قوس غيرهم

فيا آخراً أسدى له الغي أوّل

قال: فرفع أبو عبد اللهعليه‌السلام يديه فقال: اللهم اغفر للكميت ما قدّم

____________________

(١) هو أبو المستهل الكميت بن زيد الأسدي (٦٠ - ١٢٦) من شعراء أهل البيتعليهم‌السلام ، قال عنه أبو الفرج في الأغاني: انّه شاعر مقدّم عالم بلغات العرب ، خبير بأيّامها وألسنتها ، وكان معروفاً بالتشيّع لبني هاشم. (الأغاني ١٥: ١٢٣).

(٢) أقول: وفي رواية أخرى أنّ الكميترحمه‌الله دخل على الإمام الباقرعليه‌السلام في ايّام محرّم فأنشده قصيدته الميميّة التي يقول في مطلعها:

من لقلبٍ مُتيّم مُسهام

غير ما صبوة ولا أحلام

فلمّا بلغ قوله:

وقتيل بالطف غودر منهم

بين غوغاء أمّة وطُغام

وأبو الفضل إنّ ذكرهم

الحلو شفاء النفوس والأسقام

قُتِل الأدعياء إذ قتلوه

أكرم الشاربين صوب الغمام

بكى أبو جعفرعليه‌السلام بكاء شديدا ، ثم قال: يا كميت ، لو كان عندنا مال لأعطيناك ، ولكن لك ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لحسّان بن ثابت: لا زلت مؤيّداً بروح القدس ما ذببتَ عنّا أهل البيت ، ثم رفع يديه بالدعاء وقال: اللهم اغفر للكميت ، اللهم اغفر للكميت. انظر: الأغاني ١٥: ١٢٣ ، مقاتل الطالبيين: ٨٤ ، مروج الذهب ٣: ٢٤٣ ، رجال الكشي: ١٣٦ ، اعلام الورى: ١٥٨.

٦٥

وما أخّر ، وما أسرّ وما أعلن حتى يرضى.(١)

وكأنّ سيدة نساء عصرها (زينب)عليها‌السلام أشارت إلى هذا المعنى بقولها مخاطبة يزيد: وسيعلم من سوّل لك ، ومكّنك من رقاب المسلمين.

بل أشار إليه معاوية ، إذ كتب إليه محمد بن أبي بكر يلومه في تمرده على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ويذكر له فضله وسابقته فكتب له معاوية في الجواب ما يتضمّن الإشارة إلى المعنى الذي نظمها لكميت ، فراجع ذلك الجواب في كتاب «صفّين» لنصر بن مزاحم أو «شرح النهج» الحديدي أو «مروج الذهب» للمسعودي.

وقد اعترف بذلك المعنى يزيد بن معاوية ، إذ كتب إليه ابن عمر يلومه على قتل الحسين فأجابه: أمّا بعد: ، فانّا أقبلنا على فرش ممهّدة ، ونمارق منضّدة... إلى آخر الكتاب ، وقد نقله البلاذري وغيره من أهلالسير والأخبار، وفي كتابنا سبيل المؤمنين من هذا شيء كثير ، فحقيق بالباحثين أن يقفوا عليه.

أقول: ولكي يطّلع القارئ على مضمون هذه الرسائل نذكرها هنا ، فالرسالة التي كتبها محمد بن أبي بكر فيها حقائق دامغة لكلّ باحث عن الحقيقة ، فه يتصف معاوية بأنّه ضال مضل ، وأنّه لعين ابن لعين ، وأنّه يعمل كل ما في وسعه لإطفاء نور الله ويبذل الأموال لتحريف الدين ويبغي لدين الله الغوائل ، وأنّه عدو لله ولرسوله...

والذي يهمّا هنا هو ردّ معاوية بن أبي سفيان على هذه الرسالة ، لتعرف - أيها الباحث - حقيقة وخفايا ودسائس التاريخ ، وتكشف من خلالها خيوط المؤامرة التي أبعدت الخلافة عن صاحبها الشرعي وتسببت في انحراف الامّة ، فاليك الرسالة والردّ عليها:

كتاب محمد بن أبي بكر إلى معاوية

من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر:

سلام على أهل طاعة الله ، ممّن هو سلم لأهل ولاية الله ، أمّا بعد:

____________________

(١) قالرحمه‌الله : بخ بخ ، هنيئاً لمن نال من أئمة الهدى بعض ذلك ، وأنت تعلم انّهعليه‌السلام لم يبتهل بالدعاء للكميت هذا الابتهال الالما دلّ عليه بيته هذا من معرفته بحقيقة الحال ، وقد أكثر الشعراء من نظم هذا المعنى ، فنظمه المهيار في قصيدته اللامية ، وقبل ذلك نظمه الشريف الرضي فقال:

بنى لهم الماضون أساس هذه

فعلوا على أسا تلك القواعد إلى آخر ما قال

٦٦

فإنّ الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته... - إلى أن قال: - فكان أوّل من أجاب وأناب وآمن وصدق وأسلم وسلم ، أخوه وابن عمّه علي بن أبي طالبعليه‌السلام صدّقه بالغيب الكتوم وآثره على كلّ حميم ، ووقاه بنفسه كل هول وواساه بنفسه في كلّ خوف ، وحارب حربه واسلم سلمه...

وقد رأيتك تساميه ، وأنت أنت ، وهو السابق المبرز في كل خير ، أول الناس إسلاماً ، وأصدق الناس نيّة ، وأفضل الناس ذريّة وخير الناس زوجة... وأنت العين ابن اللعين ، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل ، وتجهدان في إطفاة نور الله ، تجمعان على ذلك الجموع ، وتبذلان فيه المال وتؤلبان عليه القبال.

إلى أن قال: فكيف يا لك الويل تعل نفسك بعلي وهو وارث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيّه وأبو ولده ، وأول الناس له اتباعاً وأقربهم به عهداً ، يخبره بسره ويطلعه على أمره ، وأنت عدوه وابن عدوه ؟!...

رد معاوية على محمد بن أبي بكر

من معاوية بن صخر إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر.

سلام على أهل طاعة الله ، أمّا بعد:

فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في عظمته وقدرته وسلطانه ، وما أصفى به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع كلام كثير الّفته ووضعته لرأيك فيه تضعيف ، ولأبيك فيه تعنيف ، ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب وقديم سوابقه وقرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونصرته له ومواساته إياه في كلّ هول وخوف ، فكان احتجاجاتك عليَّ وفخرك بفضل غيرك لا بفضلك ، فأحمد ربّاً صرف هذا الفضل عنك وجعله لغيرك.

فقد كنّا وأبوك معنا في حياة نبيّنا نعرف حقّ ابن أبي طالب لازماً لنا ، وفضله مبرزاً علينا ، فلما اختار الله لنبيّه عليه الصلاة والسلام ما عنده ، وأتمّ له ما وعده ، وأظهر دعوته ، وأفلج حجّته ، وقبضه الله إليه صلوات الله عليه ، كان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزّه حقّه وخالفه على أمره ، على ذلك اتفقا واتسقا ، ثمّ إنّهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنها وتلّكأ عليهما ، فهما به الهموم وأرادا به العظيم ، ثمّ إنّه بايعهما وسلم لهما ، وأقاما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرّهما ، حتى قبضهما الله وانقضى أمرهما ، ثم قال ثالثهما عثمان فهدي بهديهما وسار بسيرتهما ، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي فطلبتما له الغوائل حتى بلغتما فيه مناكما.

٦٧

فخذ حذرك يا ابن أبي بكر ، فسترى وبال أمرك ، وقس شبرك بقترك تقصر عن أن توازي أو تساوي من يزن الجبال حلمه ، ولا تلين على قسر قناته ، ولا يدرك ذو مدى أنانه.

أبوك مهّد له مهاده ، وبنى ملكه وشاده ، فإن يك ما نحن فيه صواباً فأبوك أوله ، وإن يكن جوراً فأبوك استبدّ به ونحن شركاؤه ، فبهديه أخذنا ، ويفعله اقتدينا ، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب ، ولسلمنا إليه ، ولكنا رأينالا أباك فعل من قبلنا ، فاحتذينا مثاله ، واقتدينا بفعاله ، فعب أباك بما بدا لك أودع ، والسلام على من أناب ورجع من غوايته وتاب.

انظر جمهرة رسائل العرب ١: ٤٧٥ - ٤٧٧ ، مرو الذهب للمسعودي ٣: ١١ - ١٢.

ونستنتج من هذا الرد بأنّ معاوية لا ينكر فضائل عليّ بن أبي طالب ومزاياه ، ولكنّه تجرّأ عله احتذاه بأبي بكر وعمر ، ولولاهما لما استصغر شأن عليّ ولا تقدّم عليه أحد من الناس ، كما يعترف معاوية بأنّ أبا بكر هو الذي مهّد لبني اميّة وهو الذي بنى ملكهم وشاده.

ونفهم كذلك من هذه الرسالة بأنّ معاوية لم يقتد برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يهتد بهديه ، عندما اعترف بأنّ عثمان هدى بهدي أبي بكر وعمر وسار بسيرتهما.

ولتعميم القائدة لا بأس بذكر الرسالة الثانية والتي ردّ فيها يزيد بن معاوية على ابن عمر ، وهي على اختصارها ترمي نفس المرمى:

كتاب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية

أخرج البلاذري في تاريخ قال:

لمـّا قتل الحسين بن علي بن أبي طالب ، كتب عبد الله بن عمر رسالة إلى يزيد بن معاوية جاء فيها:

أمّا بعد ، فقد عظمت الرزية وجلّت المصيبة ، وحدث في الاسلام حدث عظيم ، ولا يوم كيوم قتل الحسين.

ردّ يزيد على كتاب ابن عمر

فكتب إليه يزيد:

أمّا بعد ، يا أحمق ! فإنّا جئنا إلى بيوت مجددة ، وفرش ممهّدة ، ووسائد منضدة ، فقاتلنا عنها !

٦٨

وفي كامل الزيارات بالاسناد عن عبد الله بن غالب قال: دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فأنشدته مرثية الحسين بن علي ، فلمّا انتهيت إلى قولي فيها: (لبلية...) البيت(١) صاحت باكية من وراء الستر يا ابتاه...(٢) .

وروى الصدوق في الأمالي وثواب الأعمال ، وابن قولويه بأسانيد معتبرة ، عن أبي عمارة قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا أبا عمارة ، من أنشدني في الحسين ، فأنشدته فبكى ، ثم أنشدته فبكى ، قال: فوالله ما زلت أنشده وهو يبكي ، حتى سمعت البكاء من الدار ، فقال: يا أبا عمارة ، من أنشد في الحسين بن عليعليهما‌السلام فأبكى خمسين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين بن عليعليهما‌السلام فأبكى ثلاثين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين فأبكى عشرين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين فأبكى عشرة فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين فبكى فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين فتباكى فله الجنة(٣) .

فإن يكن الحق لنا فعن حقّنا قاتلنا ، وإن كان الحق لغيرنا فأبوك أوّل من سنّ هذا واستأثر بالحقّ على أهله.

وفي رد معاوية على ابن أبي بكر ، وردّ يزيد على ابن عمر نجد نفس المنطق ونفس الاحتجاج ، وهو لعمري أمر ضروري يقرّه الوجدان ، ويدركه كل عاقل ولا يحتاج في الحقيقة إلى شهادة معاوية وابنه يزيد.

____________________

(١) والبيت هو: لبليّة تسقو حسيناً بمسقاة الثرى غير الشراب

(٢) كامل الزيارات: ١٠٥ ح ٣ ، عوالم الإمام الحسينعليه‌السلام : ٥٤١ ، بحار الأنوار ٤٤: ٢٨٦ ح ٢٣.

(٣) الأمالي: ١٢١ ح ٦ ، ثواب الأعمال: ١١٠ ح ٣ ، كامل الزيارات: ١٠٥ ح ٤ ، بحار الأنوار ٤٤: ٢٨٩ ح ٢٩.

٦٩

وروى الصدوق في ثواب الأعمال ، بالاسناد إلى [أبي](١) هارون المكفوف(٢) قال: دخلت على أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام فقال لي: يا ابا هارون ، أنشدني ، فأنشدته في الحسينعليه‌السلام ، فقال لي: انشدني كما تنشدون - يعني بالرقّة(٣) - ، قال: فأنشدته:

اُمرُر على جَدُث الحسيـ

ـن وقُل لأعظمه الزكيّة(٤)

قال: فبكى ، ثم قال: زدني ، فأنشدته القصيدة الاخرى(٥) .

قال: فبكى ، وسمعت البكاء من خلف الستر ، فلمّا فرغت قال: يا أبا هارون ، مَن أنشد في الحسين فبكى وأبكى عشرة كتبت له الجنّة - إلى أن قال: - ومن ذُكر الحسين عنده فخرج من عينيه مقدار جناح ذبابة ، كان ثوابه على الله عز

____________________

(١) وهو الصحيح.

(٢) واسمه - على ما احتمله الشيخ المامقاني في تنقيح المقال -: موسى بن عمير مولى آل جعدة بن هبيرة الكوفي ، أو ابن أبي عمير - على ما في الكافي - وعدّه الشيخ الطوسي في رجاله من اصحاب الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام.

(٣) أقول: قوله: بالرقّة - بكشر الراء الشمدّدة - أي بالطريقة التي تستعملونها عند الإنشاد ، التي فيها الرقّة والطلاوة ، والتي توجب التأثير في القلب ، لا مجرد التلاوة ، وهو المراد بقولهعليه‌السلام: انشدني كما تنشدون.

وسها من فسّر «الرقّة» هنا بالبلدة التي على الفرات التي هي بفتح الراء.

(٤) أقول: هذا البيت للسيد الحميريرحمه‌الله ، وقد أنشده أبو هارون إنشاداً ولم ينشئه إنشاء ، والظاهر انّ مطلق القصيدة للسيد الحميري بدليل قول ابي هارون نفسه - بعد قول الإمام: زدني - فأنشدته القصيدة الاخرى - ، فالظاهر من هذا التعبير: الاخرى من قصيدتي السيد الحميري نفسه.

راجع القصّة والأبيات في الأغاني ٧: ٢٣٠ ، تاريخ الاسلام السياسي ٢: ١٤٦.

(٥) وهي:

يا مريم قومي واندبي مولاك

وعلى الحسين فأسعدي ببكاك

٧٠

وجل ، ولم يرض له بدون الجنة.(١)

وروى الكشّي بسند معتبر عن زيد الشحّام قال: كنا عند أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فدخل عليه جعفر بن عفّان(٢) ، فقرّبه وأدناه ، ثم قال: يا جعفر.

____________________

(١) ثواب الأعمال: ١٠٨ ح ١ ، كامل الزيارات: ١٠٠ ح ٣ ، بحار الانوار ٤٤: ٢٨٨ ح ٢٨.

(٢) هو أبو عبد الله جعفر بن عفّان الطائي ، من رجال الشيعة المخلصين ، كان معاصراً للإمام الصادقعليه‌السلام ، وقد أطراه علماء الرجال ووثّقوه ، وقد توفّي في حدود سنة ١٥٠ ه. وهو الذي ردّ على مروان ابن أبي حفصة القائل:

خلّوا الطريق لمعشر عاداتهم

حطّم المناكب كل يوم زحام

ارضوا بما قسم الإله لكم به

ودعوا وراثة كل أحيد حام

أنى يكون وليس ذاك بكائن

لنبي البنات وراثة الأعمام

فقال جعفر بن عفّان:

لِم لا يكون وان ذاك الكائن

لبني البنات وراثة الأعمام

للبنت نصف كامل من ماله

والعم متروك بغير سهام

ما للطليق وللتراث وإنما

صلّى الطليق مخافة الصمصام

ومن مراثيه في الإمام الحسينعليه‌السلام قوله:

ليبكِ على الإسلام من كان باكيا

فقد ضيّعت أحكامه واستحلّت

غداة حسين لرماح دريئة

وقد نهلت منه السيوف وعلّت

وغودر في الصحراء لحما مبدّداً

عليه عتاق الطير باتت وظلّت

فما نصرته امّه السوء إذ دعا

لقد طاشت الأحلام منها وضلّت

بلى قد محوا أنوارم بأكفّهم

فلا سلمت تلك الأكفّ وشلّت

وناداهم جهداً بحقّ محمد

فإنّ ابنه من نفسه حيث حلّت

فماحفظوا قرب النبي ولا رعوا

وزلّت بهم أقدامهم واستزلّت

أذاقته حرّ القتل امّة جدّه

هفت نعلها في كربلاء وزلّت

فلا قدّس الرحمن امّة جدّه

وإن هي صامت للإله وصلّت

كما أفجعت بنت النبيّ بنسلها

وكانوا حماة الحرب حيث استقلّت

وكانوا سروراً ثمّ عادوا رزيّةً

لقد عظمت تلك الرزايا وجلّت

٧١

قال: لبّيك ، جعلني الله فداك.

قال: بلغني انّك تقول الشعر في الحسينعليه‌السلام وتجيد.

فقال له: نعم ، جعلني الله فداك.

قال: قل ، فأنشده فبكى ومن حوله حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته ، ثم قال: يا جعفر ، والله لقد شَهِدت الملائكة المقرّبون قولك في الحسينعليه‌السلام ، ولقد بكوا كما بكينا وأكثر - إلى أن قال: - ما من أحد قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى به الاأوجب الله له الجنّة ، وغفر له.(١)

وروى ابن قولويه في الكامل بسند معتبر عن الصادقعليه‌السلام جاء فيه: وكان جدّي عليّ بن الحسينعليهما‌السلام إذا ذكره - يعني الحسينعليه‌السلام - بكى حتى تملأ عيناه لحيته ، وحتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه.

وانّ الملائكة الذين عند قبره ليبكون ، فيبكي لبكائهم كلّ من في الهواء والسماء ، وما من باك يبكيه الاوقد وصل فاطمة وأسعدها ، ووصل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأدّى حقّنا...(٢) الحديث.

وفي قرب الإسناد عن بكر بن محمد الأزدي قال: قال أبو عبد الله (الصادق)عليه‌السلام لفضيل بن يسار: أتجلسون وتحدّثون ؟

قال: نعم ، جعلت فداك.

انظر: عيون أخبار الرضا ١: ١٨٨ ، أمالي الطوسي ٢: ٢٤ ، الاحتجاج ١: ٢١٤ ، الأغاني ٧: ٨ و ٩: ٤٥ و ١٢: ١٧ ، أخبار شعراء الشيعة للمرزباني: ١١٥ - ١١٦ ، مقتل الخوارزمي ٢: ١٤٤.

____________________

(١) رجال الكشي: ٢٨٩ ح ٥٠٨ ، بحار الانوار ٤٤: ٢٨٢ ح ١٦.

(٢) كامل الزيارات: ١١٧ ح ٣.

٧٢

قالعليه‌السلام : انّ تلك المجالس أحبّها ، فأحيوا أمرنا ، فرحم الله من أحيا أمرنا.

يا فضيل ، من ذَكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب ، غفر الله له ذنوبه.(١)

وفي خصال الصدوق: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: إنّ الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا ، واختار لنا شيعة ينصروننا ، ويفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ، اولئك منّا وإلينا.(٢)

وفي كامل الزيارات بالإسناد إلى أبي عمارة المنشد قال: ما ذكر الحسينعليه‌السلام عند أبي عبد الله - الصادق -عليه‌السلام في يوم قطّ فرؤي متبسّماً في ذلك اليوم إلى الليل.

قال: وكان أبو عبد الله يقول: الحسين عبرة كلّ مؤمن(٣) .

وفيه بالإسناد إلى الصادقعليه‌السلام قال: قال الحسينعليه‌السلام : أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن الا استعبر(٤) .

إلى غير ذلك من صحاح الأخبار المتواترة عن الأئمّة الأبرار ، وناهيك بها

____________________

(١) قرب الإسناد: ١٨ ، بحار الأنوار ٤٤: ٢٨٢ ح ١٤.

(٢) الخصال: ٢٧١.

(٣) كامل الزيارات: ١٠٨ ح ٢.

وقولهعليه‌السلام : «عبرة كل مؤمن» من باب ذكر المسبّب وإرادة السبب لقصد المبالغة: أي سبب لاستعباره وبكائه وهو قريب من قول الإمام الحسينعليه‌السلام : أنا قتيل العبرة.

(٤) كامل الزيارات: ١٠٨ ح ٦ ، أمالي الصدوق: ١١٨ ح ٧ ، بحار الأنوار ٤٤: ٢٨٤ ح ١٩.

٧٣

حجة على رجحان هذه المآتم ، واستحبابها شرعاً ، فإنّ أقوال أئمة الهدى من أهل البيتعليهم‌السلام وأفعالهم وتقريرهم ، حجة بالغة لوجوب عصمتهم بحكم العقل والنقل ، كما هو مقرّر في مظانه من كتب المتكلّمين من أصحابنا ، والتفصيل في كتابنا «سبيل المؤمنين»(١) .

على انّ الاقتداء بهم في هذه المآتم وغيرها لا يتوقّف - عند الخصم - على عصمتهم ، بل يكفينا فيه ما اتّفقت عليه الكلمة من إمامتهم في الفتوى ، وانّهم في أنفسهم لا يقصرون عن الفقهاء الأربعة ، والثوري ، والأوزاعي ، وأضرابهم علماً ولا عملاً.

وانت تعلم انّ هذه المآتم لو ثبتت عن أبي حنيفة ، أو صاحبيه أبي يوسف والشيباني مثلا ، لاستبق الخصم إليها، وعكف أيّام حياته عليها ، فلما ينكرها علينا ، ويندّد بها بعد ثبوتها عن أئمة أهل البيت يا منصفون ؟!

أتراه يرى في أئمة الثقلين أمرا يقتضي الإعراض عنهم ، أو يجد فيهم شيئا يستوجب الانكار على الأخذ بمذهبهم، أو انّ هناك أدلّة خاصة تقتصر الإمامة في الفتوى على أئمة خصومنا ولا نبيح الرجوع إلى غيرهم.

كلا ، انّ واقع الأمر وحقيقة الحال بالعكس.

هذا حديث الثقلين(٢) المجمع على صحّته واستفاضته ، قد أنزل العترة منزلة الكتاب ، وجعلها قدوة لاولي الالباب، فراجعه في باب فضائل عليّ من صحيح

____________________

(١) أقول: كتاب «سبيل المؤمنين» - في الإمامة - من كتب العلّامة شرف الدينرحمه‌الله المهمّة ، وكان من ضمن الكتب المحترقة عندما أحرق الفرنسيون مكتبته العامرة في صور.

(٢) تقدّمت تخريجاته.

٧٤

مسلم أو في الجمع بين الصحيحين ، أو الجمع بين الصحاح الستّة ، أو في حديث أبي سعيد الخدري من مسند أحمد بن حنبل ، أو خصائص علي للإمام النسائي ، أو في تفسيري الثعلبي والبيهقي ، أو في حلية الحافظ الأصفهاني، أو كتب الحاكم والطبراني ، وغيرها من كتب الحديث.

وأنا أورده لك بلفظ الترمذي(١) بحذف الإسناد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي تارك فيكم ما أن تمسّكتم به لن تضلّوا ، الثقلين أحدهما أعظم من الآخر ؛ كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.

وقد زاد الطبراني: فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فانّهم أعلم منكم.

قلت: لا يخفى أنّ تعليق عدم الضلال على التمسّك بهما ، يقتضي بحكم

____________________

(١) قالرحمه‌الله : قال ابن حجر - بعد نقله عن الترمذي - في أثناء تفسيره للآية الثانية من الآية التي أوردها في الفصل الأول من الباب الحادي عشر من صواعقه ما هذا لفظه: ثمّ اعلم أنّ لحديث التمسّك بذلك طرقا كثيرة وردت عن نيّف وعشرين صحابيّاً.

قال: ومرّ له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه ، وفي بعض تلك الطرق انّه قال: ذلك في حجّة الوداع بعرفة.

وفي اخرى: انّه قاله بالمدينة في مرضه ، وقد امتلأت الحجرة بأصحابه.

وفي اخرى: انّه قال ذلك في غدير خم.

وفي اخرى: انّه قاله لمـّا قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف.

قال: ولا تنافي ؛ إذ لا مانع من انّه كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة. انظر: الصواعق المحرقة: ١٥٢.

٧٥

المفهوم ثبوت الضلال لمن تخلّى عن أحدهما ، وناهيك به في وجوب اتباع العترة والانقطاع في الدين إليها ، وإلى القرآن العزيز.

على انّ اقترانهم بالكتاب (وهو معصوم) وجعلهم في وجوب التمسّك بهم مثله دليل قاطع على حجّية أقوالهم وأفعالهم ، وانّ الرجوع في الدين إلى خلافهم ليس الا كترك القرآن ، والرجوع إلى كتاب يخالف أحكامه ، ولا تنس دلالة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ولن يفترقا» ، على عدم خلو الزمان ممّن يفرغ منهم عن القرآن ، والقرآن يفرغ عنه.(١)

ثم انّ قوله: فلا تقدموهم فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلموهم فانّهم أعلم منكم - نصّ صريح فيما قلناه كما لا يخفى - ، وكم لهذا الحديث من نظير في الدلالة على وجوب الاقتداء بالعترة الطاهرة ، أو المنع من مخالفتها نستلفت الباحثين إلى ما أخرجناه من ذلك من مبحث العصمة من (سبيل المؤمنين) وحسبك منه ما أخرجه الحاكم بسند صحّحه على شرط البخاري ومسلم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال من جملة حديث «وأهل بيتي أمان لاُمّتي» من الاختلاف: فإذا خالفتها قبيلة من العرب (في بعض أحكام الدين) اختلفوا (في فتاويهم) فصاروا حزب ابليس.

____________________

(١) قالرحمه‌الله : ومثله: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في كل خلف من امّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عز وجل ، فانظروا مَن توفدون.

أخرجه الملأ ، كما في تفسير الآية الرابعة من الآيات التي أوردها ابن حجر في الفصل الأول من الباب الحادي عشر من صواعقه ، وفي هذا المعنى صحاح متواترة من طريق العترة الطاهرة ، بل هو من ضروريات مذهبهمعليهم‌السلام : انظر: الصواعق المحرقة: ٢٣٦.

٧٦

أليس هذا نصّاً في وجوب اتّباعهم ، وحرمة مخالفتهم ، وهل في لغة العرب أو غيرها عبارة أبلغ منه في انذار مخالفيهم ؟

وأخرج أحمد بن حنبل وغيره بالإسناد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: النجوم أمان لأهل السماء ، فإذا ذهبت ذهبوا ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهبت ذهب أهل الأرض.

وفي رواية: فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون.

وفي هذا المعنى صحاح متظافرة من طريق العترة الطاهرة ومتى كانوا أماناً لأهل الأرض ، فكيف يستبدل بهم ، وأنّى يعدل عنهم.

وجاء من طرق عديدة يقوّي بعضها بعضاً (كذا قال ابن حجر)(١) أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا.

قال ابن حجر: وفي رواية مسلم: ومن تخلّف عنها غرق.

قال: وفي رواية: هلك. وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل ، من دخله غفر له.

قال: وفي رواية: غفر له الذنوب.

ولا يخفى انّ المراد من تمثيلهم بسفينة نوح ، انّما هو الزام الامّة باتباع طريقهم ، والتمسّك بالعروة الوثقى من ولايتهم ، وليس المراد من النجاة بذلك الا رضوان الله عز وجل والجنّة ، كما انّ المراد بغرق المتخلفين عنهم أو هلاكهم إنّما هو سخط الله سبحانه والنار.

____________________

(١) الصواعق المحرقة: ١٥١.

٧٧

والمراد من تمثيلهم بباب حطّة انّما هو بعض الامّة على التواضع لله عز وجل بالاقتداء بهم والاستسلام لأوامرهم ونواهيهم ، وهذا كلّه ظاهر كما ترى.

قال ابن حجر - بعد إيراد هذه الأحاديث في تفسير الآية السابعة من الآيات التي أوردها في الفصل الأول من الباب الحادي عشر من الصواعق - ما هذا لفظه:

ووجه تشبيههم بالسفينة - فيما مرّ - أنّ من أحبّهم وعظّمهم ، شكراً لنعمة مشرفهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأخذ بهدى علمائهم ، نجا من ظلمة المخالفات ، ومن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم ، وهلك في مفاوز الطغيان.

إلى أن قال: وبباب حطّة - يعني ووجه تشبيههم بباب حطّة - انّ الله تعالى جعل دخول ذلك الباب الذي هو باب اريحاء أو بيت المقدس مع التواضع والاستغفار سبباً للمغفرة ، وجعل لهذه الامة مودّة أهل البيت سبباً لها.(١) إلى آخر كلامه.

ولو أردنا استيفاء ما جاء من صحاح الستّة في وجوب اتباع أئمة أهل البيت ، والانقطاع الدين إليهم عن العالمين لطال المقام ، وخرجنا عن موضوع هذه المقدّمة وحاصله: أنّ مآتمنا بما فيها من الجلوس بعنوان الحزن على مصائب أهل البيت ، والانفاق عنهمه في وجوه البر ، وتلاوة رثائهم ومناقبهم ، والبكاء رحمة لهم ، سيرة قطعية قد استمّرت عليها أئمّة الهدى من أهل البيت ، وأمروا بها

____________________

(١) الصواعق المحرقة: ١٥٢.

٧٨

أولياءهم على مرّ الليالي والأيام فورثناها منهم ، وثابرنا عليها عملاً بما هو المأثور عنهم ، فكيف والحال هذه - تنكرونها علينا ، وتقولون فيها ما تقولون ؟ والله يعلم انّها ليست كما تظنّون.

دع بكاء الأنبياء والأوصياء ، ودع عنك ما كان من ملائكة السماء ، وقل لي هل جهلت نوح الجن في طبقاتها(١) ، ورثاء الطير في وكناتها(٢) ، وبكاء الوحش في فلواتها(٣) ، ورسيس حيتان البحر في غمراتها(٤) ؟ وهل نسيت الشمس وكسوفها ، والنجوم وخسوفها ، والأرض وزلزالها(٥) ، وتلك الفجائع وأهوالها ؟ أم هل ذهلت عن الأحجار ودمائها ، والأشجار وبكائها ، والآفاق وغبرتها ، والسماء وحمرتها ، وقارورة امّ سلمة وحصياتها(٦) وتلك الساعة وآياتها ؟

____________________

(١) انظر: الطبقات الكبرى ١: ٢٣ ، العرائس الواضحة: ١٩٠ ، إسعاف الراغبين: ٢١٧ ، ينابيع المودّة ١: ٣٣٠ ، كفاية الطالب: ٢٩٠ ، المعجم الكبير ٣: ١٢٧ ، مجمع الزوائد ٩: ١٩٦ ، إحقاق الحقّ ١١: ٥٦٧ - ٥٦٨.

(٢) انظر: مقتل الحسين ٢: ٩١ ، الكامل في التاريخ ٣: ٢٩٦ ، الخصائص الكبرى ٢: ١٢٦ ، مجمع الزوائد ٩: ١٩٦ ، تاريخ الخلفاء: ٨١ ، إحقاق الحق ١١: ٤٩٠.

(٣) انظر: مقتل الحسين ٢: ٩١ ، الكامل في التاريخ ٣: ٢٩٦ ، الخصائص الكبرى ٢: ١٢٦ ، مجمع الزوائد ٩: ١٩٦ ، تاريخ الخلفاء: ٨١ ، إحقاق الحق ١١: ٤٩٠.

(٤) انظر: تاريخ دمشق - ترجمة الامام الحسين - ٤: ٣٣٩ ، مقتل الحسين ٢: ٩٠ ، سير اعلام النبلاء ٣: ٣١١ ، المحاسن والمساوئ: ٦٢ ، تاريخ الخلفاء: ٨٠ ، إحقاق الحق ١١: ٤٦٧.

(٥) انظر: المصادر السابقة.

(٦) قال:(رحمه‌الله ) اشرنا بهذا إلى ما رواه الملأ في سيرته ، وابن احمد في زيادة المسند ، كما في الصواعق عن امّ سلمة ، قالت - من حديث -: ثمّ ناولني كفّا من تراب أحمر وقال: انّ هذا من تربة الأرض التي يقتل بها (ولدي) فمتى صار دماً فاعلمي انّه قد قتل، قالت: فوضعته في قارورة، وكنت أقول: انّ يوماً يتحول فيه دماً ليوم عظيم.

وفي رواية اخرى - كما في الصواعق أيضا -: انّ جبرئيل جاء بحصيات فجعلهن النبي

٧٩

ألم يرو الملأ عن ام سلمة (كما في الصواعق(١) وغيرها(٢) ) انّها قالت: سمعت نوح الجن على الحسين.

وروى ابن سعد - كما في الصواعق أيضاً -: انّها بكت حينئذ حتى غشي عليها.

وأخرج أبو نعيم الحافظ في الدلائل عنها - كما نقله السيوطي - قالت: سمعت الجن تبكي على الحسين وتنوح عليه.(٣)

وأخرج ثعلب في أماليه (كما في تاريخ الخلفاء ايضا) عن أبي جناب الكلبي(٤) قال: أتيت كربلاء ، فقلت لرجل من أشراف العرب بها: أخبرني بما بلغنيصلى‌الله‌عليه‌وآله في قارورة ، قالت امّ سلمة: فلمّا كانت ليلة قتل الحسين سمعت قائلاً يقول:

أيّها القاتلون جهلا حسيناً

ابشروا بالعذاب والتذليل

قد لعنتم على لسان ابن داو

د وموسى وحامل الانجيل

قالت: فبكيت وفتحت القارورة ، فإذا الحصيات قد جرت دماً.

أقول: وانظر أيضا حديث امّ سلمة في: المعجم الكبير ٣: ١٣٠ ، ذخائر العقبى: ١٥٠ ، تاريخ الإسلام ٢: ٢٤٩ ، أسماء الرجال ٢: ١٤١ ، سير أعلام النبلاء ٣: ٢١٤ ، آكام المرجان: ١٤٧ ، نظم الدرر: ٢١٧ ، الإصابة ١: ٣٣٤ ، مجمع الزوائد ٩: ١٩٩ ، البداية والنهاية ٦: ٢٣١ ، تاريخ الخلفاء: ٨٠ ، وسيلة المآل: ١٠٧ ، مفتاح النجا: ١٤٤ ، ينابيع المودّة: ٣٢٠ ، الشرف المؤبّد: ٦٨ ، كفاية الطالب: ٢٩٤ ، التذكرة: ٢٧٩ ، المختصر من المقتبس: ٢٦٣ ، تاج العروس ٣: ١٩٦.

____________________

(١) قالرحمه‌الله : كلّ ما ننقله هنا عن الصواعق موجود في أثناء كلامه في الحديث الثلاثين من الأحاديث التي أوردها في الفصل الثالث من الباب الحادي عشر.

(٢) البداية والنهاية ٦: ٢٣١ ، مجمع الزوائد ٩: ١٩٩ ، كفاية الطالب: ٢٩٤.

(٣) دلائل النبوة ٢: ٥٥٦ ، تاريخ الخلفاء: ٨٠.

(٤) في الأصل: أبو خباب الكلبي ، وما أثبتناه هوالصحيح ، وهو: يحيى بن أبي حيّة الكوفي ،

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348