المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة11%

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 343

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45022 / تحميل: 4732
الحجم الحجم الحجم
المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

كيف ترى الفجّارُ ضربَ الأسود

بالمشرفيِّ والقنا المسدَّد

يذبُّ عن آلِ النبيّ أحمد

ثمّ قاتل حتى قُتل، وقيل أنّه قتل خمساً وعشرين رجلاً، فوقف عليه الإمام الحسين(ع) وقال: (اللهمّ بيّض وجههُ، وطيّب ريحهُ، واحشره مع الأبرار وعرّف بينه وبين محمدٍ وآل محمد(ص) )، وروي عن الإمام الباقر(ع) عن أبيه زين العابدين(ع) أنّ بني أسد الذين حضروا المعركة ليدفنوا القتلى وجدوا جوناً بعد أيّام (من شهادته) تفوح منه رائحةُ المسك، وفي ذلك يقول المرحوم الشيخ محمّد السماوي:

خليليَّ ماذا في ثرى الطفِّ فانظُرا

أَجونةُ طيبٍ تبعثُ المسكَ أم جونُ

ومن ذا الذي يدعو الحسينُ لأجلهِ

أذلك جونُ أم قرابتُهُ عونُ

لَئن كانَ عبداً قبلها فلقد زكا

النِّجارُ(١) وطابَ‏ الرّيحُ وازدهرَ اللونُ(٢)

وهذا بُرير بن خُضير الهمْداني الذي كان شيخاً ناسكاً قارئاً للقرآن من شيوخ القُرّاء في الكوفة، ومن أصحاب أمير المؤمنين(ع)، وعندما خطب الإمام الحسين(ع) أصحابه حيث قال: (ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه... الخ) قام إليه أصحابه الكرام وأجابوه بما اقتضى خالص الدّين ثمّ قام برير بن خضير وقال: واللَّهِ ياابن رسول اللَّه(ص) لقد

____________________

(١) قال في المصباح المنير: النِّجار بالكسر: الأصل والحسب.

(٢) إبصار العين: ص١٠٥.

١٠١

منّ اللَّهُ بك علينا ان نُقاتل بين يديك تقطّع فيك أعضاؤنا حتى يكون جدّك يوم القيامة بين أيدينا شفيعاً لنا، فلا أفلح قومٌ ضيّعوا ابن بنت نبيّهم، وويلٌ لهم ماذا يلقون به اللَّه، وأُف لهم يوم ينادون بالويل والثبور في نار جهنّم.

وروى أبو مخنف عن عفيف بن زهير قال: خرج يزيد بن معقل فقال يابرير بن خضير كيف ترى صنعَ اللَّه بك؟ -وكان هذا بعد أن خطبهم برير ووعظهم- قال: صنع واللَّه بي خيراً وصنع بك شرّاً فقال: كذبت وقبل اليوم ما كنت كذّاباً، أتذكر وأنا أُماشيك في سكة بني دودان وأنت تقول: إنّ عثمان كان كذا، وإنّ معاوية ضالّ مضلّ، وإنّ عليّ بن أبي طالب إمامُ الحقّ والهدى قال برير: أشهدُ أنّ هذا رأيي وقولي، فقال يزيد: فإنّي أشهدُ أنّكَ من الضّالين، قال برير: فهل لك أن أباهلك؟ ولندعُ اللَّهَ أن يلعنَ الكاذب، وأن يقتلَ الُمحِقُّ المبطل، ثمّ قال: اخرج لأبارزك، قال: فخرجا فرفعا أيديهما بالمباهلة إلى اللَّه يدعوانه أن يلعن الكاذب وأن يقتلَ المحقُّ المبطلَ، ثمّ برز كلُّ واحدٍ منهما لصاحبه فاختلفا ضربتين، فضرب يزيدُ بريراً ضربةً خفيفة لم تضرُّه شيئا وضرب برير يزيد ضربةً قدّت المغفر وبلغت الدّماغ فخرّ كأنّما هوى من حالق وانّ سيف برير لثابتٌ في رأسه حتى أخرجه وهو يقول:

أنا بريرٌ وأبي خضيرُ

وكلُّ خيرٍ فله بريرُ

ثمّ طلب المـُبارزة من القوم فحمل عليه رضي بن منقذ العبدي فاعتنق بريراً فاعتركا ساعة ثمّ أنّ بريراً صرعه وجلس على صدره فجعل رضي بن منقذ يصيح بأصحابه أين أهل المصاع(١) والدّفاع، فذهب كعب بن جابر الأزدي

____________________

(١) أهل المصاع: أهل القتال.

١٠٢

ليحمل عليه فقال له عفيف بن زهير: انّ هذا برير بن خضير القاري‏ء الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد؟ فلم يلتفت وحمل عليه بالرّمح حتى طعنه في ظهره، فلمّا وجد برير مسّ الرّمح بركَ على رضي فعضّ أنفه حتى قطعه، وأنفذ الطعنة كعب حتى ألقاه عنه وقد غيّب الرّمح في ظهره ثمّ أقبل يضربه بسيفه حتى مات شهيداً رضوان اللَّه تعالى عليه، فلمّا رجع كعب بن جابر قالت له أُخته النوّار: أعنت على ابن فاطمة وقتلت سيّد القُرّاء؟! لقد أتيت عظيماً من الأمر، واللَّه لا أكلّمك من رأسي كلمة أبداً(١) .

وهذا مسلم بن عوسجة الأسدي كان رجلاً شريفاً سرّياً عابداً متنسّكاً قال ابن سعد في الطبقات: وكان صحابياً ممّن رأى رسول اللَّه(ص) وروى عنه الشعبي، وكان فارساً شجاعاً له ذكرٌ في المغازي والفتوح الإسلامية(٢) .

روى أبو مخنف عن الضحّاك بن عبداللَّه الهمداني أنّ الحسين(ع) خطب أصحابه فقال في خطبته: (إنّ القوم يطلبوني ولو أصابوني لهوا عن طلب غيري وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً ثمّ ليأخذ كلُّ رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي) فقام له أهله وتقدّمهم العباس بالكلام لِمَ نفعل ذلك لنبقى بعدكِ لا أرانا اللَّه ذلك أبداً ثمّ قام مسلم بن عوسجة فقال: أنحن نخلّي عنك ولَمْ نُعذر إلى اللَّه في أداء حقّك أمَ واللَّهِ لا أبرح حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولا أُفارقك، ولو لم

____________________

(١) إبصار العين: ص٧٢ - ٧٣.

(٢) إبصار العين: ص٦١.

١٠٣

يكن معي سلاح أُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى أموت معك، قال أبو مخنف: ولما التحم القتال حملت ميمنةُ ابن سعد على ميسرة الحسين(ع) وفي ميمنة ابن سعد عمرو بن الحجّاج الزبيدي وفي ميسرة الحسين(ع) زهير بن القين وكانت حملتهم من نحو الفرات فاضطربوا ساعة وكان مسلم بن عوسجة في الميسرة فقاتل قتالاً شديداً لم يُسمع بمثله فكان يحمل على القوم وسيفه مصلت بيمينه فيقول:

إن تسألوا عنّي فإنّي ذو لُبَدْ

وإنّ بيتي في ذرى بني أسد

فمن بغاني حائدٌ عن الرّشد

وكافرٌ بدين جبّارٍ صمد

فلم يزل يضرب فيهم بسيفه حتى عطف عليه مسلم بن عبداللَّه الضبابي وعبدالرحمن بن أبي حَكارة البجلي فاشتركا في قتله، فما انجلت الغبرة إذا هم بمسلم بن عوسجة صريعاً فمشى إليه الحسين(ع) فإذا به رمق فقال له: رحمك اللَّه يامسلم (مِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) ثمّ دنا منه فقال له حبيب عزّ عليّ مصرعُك يا مسلم أبشر بالجنّة فقال له مسلم بصوت ضعيف: بشّرك اللَّه بخير فقال حبيب: لولا أعلم أني في الأثر لاحقٌ بك من ساعتي هذه لأحببت أن توصي إليّ بكلّ ما أهمّك، قال بلى أوصيك بهذا رحمك اللَّه (وأومى بيديه إلى الحسين(ع) ) أن تموت دونه فقال حبيب: أفعل وربّ الكعبة(١) :

____________________

(١) إبصار العين: ص٥٩.

١٠٤

وصلت يابن ظاهر منيتي

ما اوصيك بعيالي وبيتي

وان كان نيتك مثل نيتي

أريدنك تجاهد سويتي

بالحسين واولاده وصيتي

يهل تعرف عظم شاني وصيتي

هتافي مولجل اهلي وصيتي

ببو السجّاد وعياله وصيتي

واريدك تحفظ حقوق الوصيّة

* * *

نصروه أحياءاً وعند مماتهم

يوصي بنصرته الشفيقُ شفيقا

أوصى ابن عوسجةٍ حبيب قائلاً

قاتلهُمُ حتّى الحِمامَ تذوقا

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

١٠٥

الليلة الخامسة المجلس العاشر

مواقف أنصار الإمام الحسين(ع)

أرى العمرَ في صرفِ الزّمانِ يبيدُ

ويذهبُ لكن ما نراهُ يعودُ

فكن رجلاً إن تُنْضَ أثوابُ عيشِهِ

رَثاثاً فثوبُ الفخرِ منهُ جديدُ

وإيّاكَ أن تشري الحياةَ بذلّةٍ

هي الموتُ والموتُ المريحُ وجودُ

وغيرُ فقيدٍ مَن يموتُ بعزّةٍ

وكلُّ فتىً بالذلِّ عاش فقيدُ

لذاكَ نضى ثوبَ الحياة ابنُ فاطمٍ

وخاضَ عبابَ الموتِ وهو فريدُ

ولاقى خميساً(١) يملأُ الأرضَ زحفُهُ

بعزمٍ له السبعُ الطّباقُ تميدُ

وليس له من ناصرٍ غيرُ نيِّفٍ

وسبعينَ ليثاً ما هناك مزيدُ

سطت وأنابيبُ الرّماحِ كأنّها

أجامٌ(٢) وهم تحت الرّماح أسودُ

وما برحوا عن نصرةِ الدّين والهدى

إلى أن تفانى جمعُهُم وأُبيدوا(٣)

قال الشيخ محمد علي اليعقوبي في الجزء الأول من كتابه (البابليّات):

ولد في النجف الأشرف عام ١١٤١ه ونشأ فيها، وأخذ العلم عن علمائها يومئذٍ حتى ذاع صيتُهُ واشتهر ذكرُه بعلمي الأديان والأبدان، وبعد استكمال الفضيلة غادر النجف إلى الحلة وسكنها سنة ١١٧٥ه فكان أشهر أعلامها علماً وأدباً وتقوى وكرماً.

____________________

(١) الخميس: هو الجيش لأنّه خمسُ فرق وهي المقدّمة والقلب والميمنة والميسرة والسّاقة.

(٢) آجام: هو الحصن، ومعنى البيت هو أن الرماح لكثرتها صارت كأنّها حصن وهم تحت هذا الحصن كالأسود.

(٣) القصيدة من نظم المرحوم السيد سلمان بن السيد داود الحلي (رحمهما اللَّه تعالى) الدرّ النضيد: ص١٣٥.

قال الشيخ محمد علي اليعقوبي في الجزء الأول من كتابه (البابليّات):

ولد في النجف الأشرف عام ١١٤١ه ونشأ فيها، وأخذ العلم عن علمائها يومئذٍ حتى ذاع صيتُهُ واشتهر ذكرُه بعلمي الأديان والأبدان، وبعد استكمال الفضيلة غادر النجف إلى الحلة وسكنها سنة ١١٧٥ه فكان أشهر أعلامها علماً وأدباً وتقوى وكرماً.

١٠٦

بالطف من لهيب الشّمس والحر

ذاب اوسال دم العبد والحر

وهلال وحبيب الليث والحر

هوو مثل النجوم اعله الوطيّه

* * *

(من زيارة وارث الشريفة: السلامُ عليكم يا أنصارَ أبي عبداللَّه بأبي أنتم وأمّي طِبتُمْ وطابتِ الأرضُ التي فيها دُفنتم وفُزتم فوزاً عظيماً فياليتني كنتُ معكم فأفوز معكم)(١) .

هذه الكلمات الخالدة السامية، ذات المعاني الطيّبة العالية هي من

____________________

وكان متعدّد المواهب والملكات إضافة إلى الشّعر منها جمال الخط وسرعته حتى أنه كتب كتاب (فرحة الغري) لابن طاووس في يوم واحد، ومنها الطب حتى لقّب بالحكيم وذلك لاشتهارهِ فيه، واتقانِهِ له، حتى أنه ألّف في علم الطب، كما كان سريع البديهة حاضرَ الجواب، وهو جدّ الأسرة الحِليّة المعروفة بآل السيد سليمان، وقد نبغ منهم عددٌ ليس بالقليل في الفضل والأدب ومن مشاهيرهم ولده السيد حسين، وحفيداه السيد مهدي والسيد سليمان وولده السيد حيدر الشاعر الشّهير وغيرهم.

توفي يوم الأحد ال ٢٤ من جمادي الثانية سنة ١٢١١ه بالسكتة القلبيّة، وحمل جثمانه إلى النجف الأشرف في موكبٍ مهيب مشى فيه مئات الرّجال من أشراف الحلة، وصلّى عليه إمام الطائفة يومئذٍ السيد مهدي بحر العلوم، ودفن عند إيوان العلماء مقابل مسجد عمران، وكان لنعيه صدى في الأوساط العلمية والأدبيّة ورثاه عامة أدباء النجف والحلة منهم العلامة الشهير الشيخ محمد علي الأعسم بقصيدتين مطلع الأولى:

خطوبٌ دهتني أضرمت نارَ أشجاني

وأغرت بإرسالِ المدامعِ أجفاني

ويقول في آخرها مؤرخاً عام وفاته:

وإذ عُطّلت منه المدارسُ أرّخوا

تعطّل درسُ العلمِ بعد سليمان

١٢١١

(١) المصباح للكفعمي: ص٥٠٣.

١٠٧

انشاء الإمام أبي عبداللَّه جعفر بن محمد الصادق(ع)، ومعلومٌ أنّ الإمام(ع) ما زار أصحاب جدّه الإمام الحسين(ع) بهذه الزيارة -ويعلمُ اللَّه تعالى ماذا يقول الإمام الصادق(ع) لو أراد الوقوف على شهداء الطف وزيارتهم- ولكنّه علّمَ واحداً من أصحابه وهو صفوان الجمّالرحمه‌الله تعالى هذه الزيارة الشريفة، ومن هنا يندفع الإشكال القائل كيف يفدّي الإمام المعصوم أصحاب جدّه الحسين(ع) بأبيه الإمام المعصوم خامس أئمة الحق والخلق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين الباقر(ع).

قال المحقّق المقرّم (ره): إنّ الإمام(ع) لم يكن هو المخاطِب لهم -أي‏الأصحاب- وانّما هو(ع) في مقام تعليم صفوان الجمّال عند زيارتهم‏أن يخاطبهم بذلك فإنّ الرواية تنصّ كما في (مصباح المتهجّد) للمرحوم الشيخ الطوسي أنّ صفوان استأذن الإمام الصادق(ع) في زيارةالحسين(ع) وأن يُعرّفه ما يقوله ويعمل عليه فقال له: (يا صفوان صم‏قبل خروجك ثلاثة أيام إلى أن قال: ثمّ إذا أتيت الحائر فقل: اللَّهُ أكبر ثمّ‏ساق الزيارة إلى أن قال: ثمّ اخرج من الباب الذي يلي رجلي عليّ بن الحسين‏وتوجّه إلى الشهداء وقل: السلام عليكم يا أولياء اللَّه) إلى آخر الزيارة(١) .

يقول(ع): (طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم).

أجل واللَّه لقد طابت أرواحهم كما طابت أبدانهم، وطابت نيّاتهم مثلما قويت عزائمهم، وطابت أوصافهم ونعوتهم كما طاب بعد ذلك ذكرهم والتوسّل بهم

____________________

(١) مقتل المقرّم: ص٢٥٥ الحاشية.

١٠٨

وطيّبوا الأرض التي دفنوا فيها، والتراب الذي ألقي عليهم، وشرّفت كربلاء بهم، وبأبدانهم ودمائهم، ورحم اللَّه الشاعر حيث يقول:

فيا كربلا طُلتِ السماءَ وربّما

تناول عفواً حظَّ ذي السّعيِ قاعدُ

لأنتِ وإن كنتِ الوضيعةَ نِلْتِ مِن

جوارِهُمُ ما لَمْ تنلهُ الفراقِدُ

سُرِرْتِ بهم مذا آنسوكِ وساءَني

محاريبُ منهم أوحشتْ ومساجدُ

بذا قضتِ الأيّامُ ما بين أهلِها

مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ(١)

ومن الثابت الذي لا ريب فيه هو أنّ الصفوة الطيّبة ما كانت لتنال من الحظوة والقرب لولا ملازمتها لسيّد الشهداء وأبي الأحرار الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب:، ولقد أجاد من قال فيهم:

وذوو المروّةِ والوفا أنصارُهُ

لَهُمُ على الجيشِ العظيم زئيرُ

طَهُرت نفوسُهُمُ بطيبِ أصولها

فعناصرٌ طابت لَهم وحجورُ

فتمثّلت لَهُمُ القصورُ وما بهم

لولا تمثّلتِ القصورُ قصورُ

ما شاقهُمْ للموتِ إلّا دعوةُ ال

رحمنِ لا ولدانُها والحورُ(٢)

فهذا زهير بن القين البجلي وهو رجلٌ شريفٌ في قومه شجاعٌ له مواقف مشهورة ومواطن مشهودة كان أولاً عثمانياً فحجّ سنة ستين في أهله

____________________

(١) هذه الأبيات من قصيدة عصماء للمرحوم الشيخ جعفر الخطّي البحراني(ره) - الدرّ النضيد: ص١٣١.

(٢) نفسُ المهموم: ص٦٢٩.

١٠٩

ثمّ عاد فوافق الحسين(ع) في الطريق، فهداه اللَّه تعالى وانتقل علويّاً، روى أبو مخنف عن بعض الفزاريين قال كنّا مع زهير بن القين حين أقبلنا من مكّة (إلى الكوفة) فساير الحسين(ع) فلم يكن شي‏ء أبغض إلينا من أن نسايره في منزل، فإذا سار الحسين(ع) تخلّف زهير، وإذا نزل الحسين(ع) تقدّم وسار زهير، حتى نزلنا يوماً في منزل لم نجد بُداً من أن ننازله فيه، فنزل الحسين(ع) في جانب ونزلنا في جانب، فبينا نحن نتغدّى من طعامٍ لنا إذ أقبل رسول الحسين(ع) فسلّم ودخل فقال: يا زهير بن القين إنّ أبا عبداللَّه الحسين بن علي بعثني إليك لتأتيه، فطرح كلُّ إنسان منّا ما في يده حتى كأنّ على رؤوسنا الطير، قال أبو مخنف: فحدّثتني دلهم بنت عمرو زوجة زهير قالت: فقلت له: أيبعثُ إليك ابنُ رسول اللَّه(ص) ثمّ لا تأتيه سبحان اللَّه، لو أتيته فسمعت من كلامه ثمّ انصرفت قالت: فذهب زهير إلى الإمام الحسين(ع)، فما لبث أن عاد مستبشراً قد أسفر وجهه، فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعِهِ فقوّض وحُمِلَ إلى الحسين(ع) ثمّ قال لي: أنت طالق إلحقي بأهلك فإنّي لا أحبُّ أن يصيبك بسببي إلّا خير ثمّ قال لأصحابه: مَن أحبّ منكم أن يتبعني وإلّا فإنّه آخر العهد اني سأحدّثكم حديثاً غزونا (بلنجر)(١) ففتح اللَّهُ علينا وأصبنا غنائم فقال لنا سلمان: أفرحتم بما فتح اللَّه عليكم وأصبتم من المغانم فقلنا نعم فقال لنا: إذا أدركتم سيّد شباب آل ‏محمد(ص) الحسين(ع) فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معه بما أَصبتم من المغانم.

____________________

(١) بَلَنْجَرْ: قال ياقوت الحموى في (معجم البلدان) ج١ ص٤٨٩: هي مدينة ببلاد الخزر خلف باب الأبواب قال البلاذري: فتحها سلمان بن ربيعة الباهلي.

١١٠

فأمّا أنا فإني أستودعكم اللَّه ثمّ قال واللَّه ما زال أوّل القوم حتى قتل بين يديه.

روى أبو مخنف عن الضحّاك بن عبداللَّه المشرقي قال: لما كانت الليلة العاشرة خطب الحسين(ع) أصحابه وأهل بيته فقال في كلامه: (هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً وليأخذ كلّ رجلٍ منكم بيد رجل من أهل بيتي فإنّ القوم انّما يطلبوني) فقام زهير بن القين فقال: واللَّه لوددتُ أني قتلتُ ثمّ نشرت ثمّ قُتلت حتى أُقتل كذا ألف قتلة وأنّ اللَّه يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفسِ هؤلاء الفتية من أهل بيتك، وما زال زهير مأنوساً بحضرة وخدمة الإمام الحسين(ع) حتى صار يوم العاشر وقُتِلَ جمعٌ من الأصحاب الأوفياء وصلّى الإمام(ع) بأصحابه صلاة الخوف فلمّا فرغ منها تقدّم زهير فجعل يُقاتل قتالاً لم يُرَ مثلُهُ، ولم يُسمع بشبهِهِ وأخذ يحمل على القوم وهو يقول:

أنا زهيرٌ وأنا ابنُ القين

أذودكم بالسيفِ عن حسينِ

ثمّ رجع فوقف أمام الحسين(ع) وقال له:

فدتك نفسي هادياً مهديا

اليوم ألقى جدّكَ النبيّا

وحسناً والمرتضى عليّا

وذا الجناحينِ الشهيدَ الحيّا

فكأنّه ودّع الإمام(ع) بهذه الكلمات وعاد إلى القتال، فشدّ عليه كثير ابن عبداللَّه الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي فقتلاه، قال السّروي في المناقب: لما صرع وقف عليه الإمام الحسين(ع) فقال: (لا يبعدنّك اللَّه

١١١

يازهير، ولعن اللَّهُ قاتليكَ لعنَ الذين مسخوا قردةً وخنازير)(١) .

وهذا سعيد بن مرّة التميمي ممّن رزق الشهادة بين يدي الإمام الحسين(ع) مع نفرٍ من أهل البصرة، وكان سعيدُ شاباً له من العمر تسعة عشر سنة فإنّه لما سمع بأنّ الحسين(ع) استنصر أشراف أهل البصرة في كتبه أقبل إلى أمّه صبيحة عرسه وصاح: أُمّاه عليّ بلامة حربي وفرسي قالت: وما تصنع بها قال: أُمّاه لقد ضاق صدري وأُريد أن أمضي إلى خارج البساتين فقالت له: ولدي انطلق إلى زوجتك ولاطفها فقال: أُمّاه لا يسعني ذلك فبينما هم كذلك إذ أقبلت زوجتُه وقالت: إلى أين تريد ياابن العمّ؟ قال: أنا ذاهبٌ إلى من هو خيرٌ منّي ومنك فقالت: ومن هو خيرٌ منك ومنّي؟ فقال لها: ذاك سيدي ومولاي الحسين بن علي(ع)، فلمّا سمعت أُمّه بذلك بكت وقالت: ولدي جزاك اللَّه عن الحسين خيراً، ولكن ولدي أما حملتك في بطني تسعة أشهر؟ قال: بلى، قالت: أما سهرت الليالي في تربيتك؟ قال: بلى، وأنا لست منكراً لحقّك عليّ، قالت: إذاً عندي وصيّة، قال: وما هي يااُمّاه؟ قالت: ولدي إذا أدركت سيّد شباب أهل الجنّة اقرأه عنّي السلام وقل له: فليشفع لي يوم القيامة فقال لها: يا اُمّاه وأنا اُوصيك بوصيّة قالت: وما هي ولدي؟ قال: إذا رأيت شاباً لم يتهنّأ بشبابه وعرّيساً لم يتهنّأ بعرسه فاذكري عرسي وشبابي.

قال الراوي: ثمّ ودّعها وودّع زوجته وخرج من البصرة، وأقبل يجدّ السير في الليل والنهار وسمع في الطريق أنّ الإمام الحسين(ع) نزل كربلاء، فجعل يجدّ

____________________

(١) ابصار العين: ص٩٨ - ٩٩.

١١٢

السير حتى وافى كربلاء وكان ذلك في يوم العاشر من المحرّم والإمام الحسين(ع) وحيداً فريداً قد قُتل أهلُه وأصحابُه فلمّا رآه الإمام الحسين(ع) قال: (سعيدٌ هذه)؟ قال: نعم سيّدي قال: (ما قالت لك أُمّك ياسعيد)؟ قال: سيدي تقرؤك السلام قال الإمام(ع): (عليك وعليها السلام ياسعيد انّ امّك مع أمّي في الجنة)، ثمّ قال سعيد: سيدي أتأذن لي أن أسلّم على بنات رسول اللَّه(ص)؟ قال: نعم، فأقبل سعيد حتى وقف بإزاء الخيام ونادى: السلام عليكم يا آل بيت رسول اللَّه فصاحت امرأة وعليك السلام فمن أنت؟ قال: سيّدتي أن خادمكم سعيد بن مرّة التميمي جئت لنصرة سيدي الحسين، فقالت: يا سعيد أما تسمع الحسين ينادي هل من ناصر؟ هل من معين؟ قال: ثمّ رجع إلى الإمام الحسين(ع) ووقف يستأذن للبراز فأذن له الإمام فحمل على القوم وجعل يُقاتل حتى قتلَ جمعاً كثيراً فعطفوا عليه حتى قتلوه، و لما قتل سعيد مشى إليه الإمام فجلس عنده وأخذ رأسه ووضعه في حجره وجعل يمسح الدم والتراب عن وجههِ وهو يقول: (أنت سعيد كما سمّتك أُمّك سعيدٌ في الدنيا وسعيدٌ في الآخرة)(١) .

وهذا وهب بن حبّاب الكلبي وكان نصرانياً فأسلم على يدي الإمام الحسين(ع) وكانت معه أمّه وزوجتُه فقالت أُمّه: قم يا بنيّ فانصر ابن بنت رسول اللَّه(ص)، فقال: أفعل يا اُمّاه ولا أقصّر، فبرز وهو يقول:

إن تنكروني فأنا ابنُ الكلبي

سوف تروني وترونَ ضربي

وحملتي وصولتي في الحربِ

أدركُ ثاري بعد ثار صحبي

____________________

(١) ثمرات الأعواد للمرحوم السيد علي الهاشمي: ج١ ص١٧٠.

١١٣

وأدفع الكربَ أمامَ الكربِ

ليسَ جهادي في الوغى باللّعْبِ

ثمّ حمل ولم يزل يُقاتل حتى قتل جماعةً ثمّ رجع إلى اُمّه وزوجته وقال: يا أُمّاه أرضيت؟ قالت: ما رضيت حتى تُقتل بين يدي الحسين(ع)، فقالت امرأته: باللَّه عليك لا تفجعني بنفسك فقالت أُمّه: يا بُني اُعزب عن قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيّك تنل شفاعة جدّه يوم القيامة، فرجع إلى الميدان ولم يزل يُقاتل حتى قطعت يداه، وأخذت امرأته عموداً وأقبلت نحوه وهي تقول: فداك أبي وأُمّي يا وهب قاتل دون الطيّبين عترة المصطفى(ص)، فقال لها: كنت تنهينني عن القتال والآن جئت تقاتلين معي، قالت: يا وهب لا تلمني إنّ واعية(١) الحسين كسرت قلبي، فقال: ما الذي سمعتي منه؟ قالت: رأيته جالساً بباب الخيمة وهو ينادي واقلّة ناصراه، فبكى وهب بكاءاً كثيراً وقال لزوجته: ارجعي إلى النساء رحمك اللَّه فأبت فصاح وهب: سيّدي أبا عبداللَّه ردّها إلى الخيمة، فردّها الإمام إلى الخيمة، ثمّ اجتمع القوم على وهب وأردوه قتيلاً رضوان اللَّه تعالى عليه(٢) .

وهكذا قُتل الواحد بعد الآخر حتى تفانوا عن آخرهم وبقي الإمام(ع) بعدهم وحيداً فريداً لا ناصر له ولا معين وجعل ينظر يميناً وشمالاً فلم يرَ أحداً من أصحابه إلّا مَن صافح الترابُ جبينَه وقطع الحِمامُ أنينَه فنادى: (يامسلمَ بنَ عوسجة ويا حبيبَ بنَ مظاهر ويا زهير بن القين ويا عباس بن علي ويا علي الأكبر ويا فلان ويا فلان يا أبطال الصّفا ويا فرسانَ الهيجا مالي أُناديكم لا

____________________

(١) الواعية: هي الصّوت.

(٢) مقتل المرحوم الشيخ عبدالزهراء الكعبي: ص٣٩.

١١٤

تجيبون وأدعوكم فلا تسمعون أنيامٌ أرجوكم تنتبهون أم حالت بينكم وبين سيّدكم منيّتكم وهذه بنات الرسول لفقدكم قد علاهنّ النحول فقوموا عن نومتكم أيّها الكرام وادفعوا عن حرم الرسول الطغاة اللئام).

لما رأى السبطُ أصحابَ الوفا قُتلوا

نادى أبا الفضلِ أين الفارسُ البطلُ

وأين مَن دوني الأرواحَ قد بذلوا

بالأمس كانوا معي واليوم قد رحلوا

وخلّفوا بسويدا القلبِ نيرانا

ما بالهم لا يجيبوني أما سمعوا

ولو رأوني وحيداً ما الذي صنعوا

بل‏ هم ‏سُكارى‏ بكاساتِ ‏الرّدى كرعوا

نذرٌ عليّ لئن عادوا وإن رجعوا

لأزرعنّ طريق الطفِّ ريحانا

* * *

ليش انادي وما تجيبون النده

رحتوا عنّي ودارت عليّه العده

أدري بيني وبينكم حال الرّده

وعلي صالت بالغضب عدوانها

ياعلي الأكبر يقاسم ياحبيب

ياهلال الوغه وانوه اعله المغيب

ليش انادي وما حصل منكم مجيب

صاح من يحمي الحرم وخدورها

* * *

أحبّتنا مَن للضعائن بعدكم

فليت فدتكم ياكرامُ الضعائنُ

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

١١٥

الليلة السادسة المجلس الحادي عشر

الصحابي الجليل حبيب بن مظاهر الأسدي

كلّما تعذلانِ زدتُ نحيبا

يا خليليَّ إنْ ذكرتُ حبيبا

ياحبيبَ القلوبِ رزؤُكَ مهما

ذكرتهُ الرّاثونَ شقّ القلوبا

ياوحيداً حاميتَ دون وحيدٍ

حيثُ لا ناصراً يُرى أو مجيبا

بعتَ نفساً نفيسةً فاشتراها

باريُ النّفس منك والرّبحُ طوبى

إنْ نصرتَ الحسينَ غيرُ عجيبٍ

إنْ تخلّفتَ عنه كان عجيبا

ياوزيرَ الحسينِ حزتَ مقاماً

كلُّ آنٍ يزدادُ عَرفاً وطيبا

كم عن السبطِ قد كشفت كروباً

بعد ما قد لقيتَ منهم كروبا

إنّ يوماً أُصِبْتَ فيه ليومٌ

أيُّ قلبٍ لذكره لن يذوبا

إنْ هجرتَ الدّيارَ صرتَ بدارٍ

فيه جاورتَ حيدراً والحبيبا

الغريبُ الذي يموتُ ذليلاً

ليس من ماتَ في الإباءِ غريبا

قدّسَ اللَّهُ تربةً قد حوتهُ

سِرُّ قدسٍ حوت وليثاً مَهيبا(١)

* * *

أحبيبُ أنت إلى الحسينِ حبيبُ

إن لم ينط نسبٌ فأنت نسيبُ

يامرحباً بابنِ المظاهرِ بالوَلا

لو كان ينهضُ بالوَلا الترحيبُ

شأنٌ يشقُّ على الضَّراح(٢) مرامُهُ

بعدٌ وقبرُك والضّريحُ قريبُ

بأبي المفدّي نفسَهُ عن رَغبةٍ

لم يرعَها التّرهيبُ والتّرغيبُ

____________________

(١) القصيدة من نظم المرحوم السيد صالح الحلي. وقد مرّت ترجمتُهُ ص٧٤.

(٢) الضَّراح: هو العالي الشاهق.

١١٦

هو سيّدُ أصحاب الإمام الحسين(ع) الذي كان لواؤهم بيده يوم كربلاء، وهو العالم العارف المتفاني في حبّ أهل بيت نبيّه(ص)، والحافظ المحافظ على وصيّة رسول اللَّه(ص) لأمّته حيث قال: إني تارك فيكم الثّقلين كتابَ اللَّه وعترتي أهلَ بيتي، ما إن تمسكّتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً، وكان صحابياً(١) أدرك النبي(ص) وسمع حديثه، ثمّ انقطع حبيب رضوان اللَّه عليه بعد رحيل رسول اللَّه(ص) إلى أمير المؤمنين(ع) وشارك في حروبه الثلاثة الجمل، وصفّين، والنهروان، وكان موضع عناية الإمام أمير المؤمنين(ع) حيث تفضّل عليه وعلّمه العلم النافع، وكرّمه ببعض أسراره، وذلك لما عَلِمَ الإمامُ(ع) طيبَ ذاتِه، وصلاح سريرته، وسلامة نيّته.

قال السيّد الأمين؛ في (أعيان الشيعة): كان حبيب من الرجال السبعين الذين نصروا الحسين(ع) ولقوا جبال الحديد واستقبلوا الرّماح بصدورهم، والسيوف بوجوههم، وهم يعرض عليهم الأمان والأموال فيأبون ويقولون لا عذر لنا عند رسول اللَّه(ص) إنْ قُتلَ الحسين ومنا عين تطرف حتى قُتّلوا حوله رحمهم اللَّه تعالى(٢) .

____________________

(١) لم يكن حبيب بن مظهّر الأسدي الصحابي الوحيد الذي نال الشهادة مع الإمام الحسين(ع) في واقعة الطّف بل كان مع أربعة آخرين، يقول المحقّق الشيخ السماوي في (ابصار العين): قتل من أصحاب رسول اللَّه(ص) مع الإمام الحسين(ع) خمسةُ نفر في الطّف، أنس بن الحرث الكاهلي، ذكره جميع المؤرّخين، وحبيب بن مظّهر الأسدي، ذكره ابن حجر، ومسلم بن عوسجة الأسدي ذكره ابن سعد في الطبقات، وفي الكوفة هاني بن عروة المرادي، فقد ذكره الجميع انه قارب الثمانين من العمر، وعبداللَّه بن يقطر الحميري، ذكره ابن حجر، وكان لدة الحسين(ع) أي ولد في نفس سنة ميلاد الحسين(ع).

(٢) أعيان الشيعة - المجلد الرابع: ص٥٥٣.

١١٧

وفي مجالس المؤمنين عن روضة الشهداء أنّه قال: حبيب بن مظاهر رجلٌ ذو جمال وكمال، وفي يوم وقعة كربلاء كان عمره ٧٥ سنة وكان يحفظ القرآن كلّه، ويختمُهُ في كلّ ليلة من بعد صلاة العِشاء إلى طلوع الفجر(١) .

وقال الشيخ السماوي في (ابصار العين): قال أهلُ السيَر أنّ حبيباً نزل الكوفة وصحب أمير المؤمنين(ع) في حروبه كلّها، وكان من خاصّته وحملة علومه.

ومن جملة العلوم التي تعلّمها حبيب رضوان اللَّه عليه من أمير المؤمنين(ع) هو علم البلايا والمنايا، وهو علم شريف يعرف فيه آجال الناس والحوادث والفتن والوقائع، قال الشيخ السماوي في (ابصار العين): روى الكشّي عن فضيل بن الزبير قال مرّ ميثم التمّار على فرسٍ له فاستقبله حبيب بن مظاهر الأسدي فتحادثا ثمّ قال حبيب: لكأني بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق -في الكوفة- قد صلبَ في حبّ أهل بيت نبيّه، فتبقر بطنُهُ على الخشبة، فقال ميثم: واني لأعرفُ رجلاً أحمر له ضفيرتان يخرج لنصرةِ ابن بنت نبيّه فيقتل ويجالُ برأسه في الكوفة ثمّ افترقا فقال أهل المجلس ما رأينا أكذبَ من هذين، فلم يفترق المجلس -لم يتفرّق الناس- حتى أقبل رُشَيدُ الهَجَري فطلبهما فقالوا افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا فقال رشيد رحمَ اللَّه ميثماً نسيَ شيئاً

____________________

(١) اعيان الشيعة - المجلد الرابع: ص٥٥٤.

١١٨

وهو أنّه يزاد في عطاء الذي يجي‏ء بالرأس مائة درهم ثمّ ذهب فقال القوم هذا واللَّهِ أكذبُهم، فما ذهبت الأيام والليالي حتى رأينا ميثماً مصلوباً على باب عمرو ابن حريث وجي‏ء برأس حبيب وقد قتل مع الإمام الحسين(ع)، ورأينا كلّ ما قالوا(١) .

وروى الشيخ المجلسي(ره) في (البحار) عن عليّ بن الحكم قال: من أصفياء أصحاب عليّ أمير المؤمنين(ع) عمرو بن الحَمقْ الخزاعي، وميثم التمّار، ورُشَيْد الهَجَري وحبيب بن مظاهر، ومحمّد بن أبي بكر(٢) .

ومّما زاد في شرفه وعلوِّ رتبته دفنُهُ بعد شهادته عند رأس الإمام الحسين(ع) متميّزاً عن بقية الشهداء، وكان ذلك بأمر الإمام زين العابدين(ع)، فصارَ وكأنّه بوّاب الحسين(ع) بعد شهادته يبدأ به الدّاخل وينتهي به الخارج من الحائر الحسيني الشريف.

حكى أحد العُلماء أنّ رجلاً صالحاً رأى حبيب بن مظاهر الأسدي في الرؤيا فقال له: سيدي يا حبيب لقد حزت الخير من جوانبه كلّها فأنت صحابيّ أدركت رسول اللَّه(ص) وسمعت حديثه ثمّ جئت إلى الكوفة ولازمت أمير المؤمنين(ع) وشاركت في حروبه كلّها، ثمّ صاحبت الإمام الحسين(ع) ونلت الشهادة بين يديه فأنتم سادات الشهداء لا يسبقكم سابق ولا يلحقكم لاحق، وهذا قبرك بعد الموت -الشهادة- فأنت باب

____________________

(١) ابصار العين: ص٥٧.

(٢) اعيان الشيعة - المجلد الرابع: ص٥٥٤.

١١٩

الحسين(ع) يدخل الزائر فيسلّم عليك أولاً ولا يخرج حتى يسلّم عليك ثانياً، ومكانك في اعلا عليّين مع الأنبياء والصدّيقين وحسن أولئك رفيقا، فهل بقي في قلبك شي‏ء؟ أم هل بقيت لك أمنية تتمنّاها بعد هذا الإكرام؟ قال حبيب: نعم أتمنى أن أعود إلى الدنيا وأحضر مع المؤمنين في مجلس الحسين وأبكي مع الباكين وأندب مع النادبين.

وروى الطبري في تأريخه وتبعهُ ابنُ الأثير أنّ حبيب بن مظاهر كان من جملة الذين كتبوا إلى الإمام الحسين(ع) لما امتنع من بيعة يزيد وخرج إلى مكّة، وكانت صورة الكتاب: بسم اللَّه الرحمن الرحيم لحسين بن علي(ع) من سليمان بن صُرد والمـُسيّب بن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب ابن مظاهر وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة. سلامٌ عليك(١) فإنّما نحمد إليك اللَّه الذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد: فالحمدُ للَّه الذي قصمَ عدوّك الجبّار العنيد الذي انتزى على هذه الاُمّة فابتزّها وغصبها فيأها، وتأمّر عليها بغير رضىً منها، ثمّ قتل خيارها واستبقى شرارَها وجعل مال اللَّه دُوْلةً بين جبابرتها وأغنيائها فبعداً له كما بعُدت ثمود، إنّه ليس علينا إمامٌ فأقبل لعلّ اللَّه يجمعنا بك على الحق، والنعمان(٢) بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعةٍ ولا نخرج معه إلى عيد ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام ان شاء اللَّه والسلام ورحمة اللَّه وبركاته عليك(٣) .

____________________

(١) المقصود من العدو هنا هو معاوية بن أبي سفيان.

(٢) النعمان بن بشير الأنصاري كان والياً على الكوفة أيام معاوية، فأقرّه عليها يزيد بعد هلاك معاوية.

(٣) أعيان الشيعة - المجلد الرابع: ص٥٥٤.

١٢٠

و لما دخل مسلم بن عقيل(ع) الكوفة جعل حبيب بن مظاهر ومسلم ابن عوسجة يأخذان البيعة للحسين(ع) في الكوفة، حتى إذا دخل عبيداللَّه ابن زياد الكوفة وخذّل أهلها عن مسلم وفرّ أنصاره حبسهما عشيرتاهما واخفياهما، فلمّا نزل الإمام الحسين كربلاء خرجا إليه مختفين يسيران الليل ويكتمان النهار حتى وصلا إليه(١) .

وفي كيفيّة لحوق حبيب بن مظاهر الأسدي بالإمام الحسين(ع)، ذكر صاحب كتاب ثمرات الأعواد: انّه لما نزل الحسين(ع) كربلاء عقد اثني عشر رايةً وقسّمها على أصحابه فبقيت واحدة في يده فأقبل إليه رجلٌ من أصحابه وقال: سيدي سلّمني هذه الراية، قال(ع): أنت نعم الرجل ولكن لهذه الراية رجلاً يركّزها في صدور القوم وهو يعرفني حقّ المعرفة، وسأكتب إليه كتاباً يأتي ان شاء اللَّه تعالى، فقال الرجل: سيدي ومَن تعني بذلك؟ قال: أعني حبيب بن مظاهر الأسدي فقال الرجل: إنّه لكفؤٌ كريم قال الراوي ثمّ دعا الإمام(ع) بدوات وبياض وكتب إليه كتاباً يقول فيه بسم اللَّه الرحمن الرحيم من الحسين بن علي بن أبي طالب(ع) إلى أخيه النجيب حبيب، أما بعد يا حبيب فقد نزلنا كربلاء وقد بانت من أهل الكوفة الخيانة كما خانوا بأبي سابقاً وبأخي لاحقاً فإن كنت يا حبيب تروم أن تحظى بالسعادة الأبديّة فبادر إلى نصرتنا والسلام. ثمّ ختم الكتاب بخاتمه الشريف

____________________

(١) ابصار العين: ص٥٧.

١٢١

ودفعه إلى رجل من أصحابه فأقبل به حتى دخل الكوفة وسلّم الكتاب لحبيب فأخذه وقبّله ووضعه على عينه وعلى رأسه وفتحه فعندما علم بأنّ الحسين(ع) يستنصره قال: أفديه بنفسي وأهلي وولدي ثمّ قال للرسول ابلغ سيّدي السلام وقل له يأتي إن شاء اللَّه تعالى، ثمّ خرج الرسول فجاءت إليه زوجته وقالت: يا أبا القاسم سمعت كلمات حدّثك بها الرسول فقال حبيب لا يشعر بسرّنا أحد فقالت له: إن لم تمض لنصرة سيدي الحسين(ع) لألبسنّ ملبوس الرجال وأمضي لنصرته، ولسان حال هذه المرأة الموالية الصادقة:

ياحبيب ابن البتولة لا تخلّي نصرته

حاير ويكسر الخاطر لو تعاين حالته

* * *

ابكربله ‏يگولون ‏سبط المصطفى حط الخيم

وماله ناصر ياحبيب وعنده اطفال وحرم

وان كان راح حسين ما يرتفع للشيعةعلم

ترضه آنه بالخدر وحسين تهتك نسوته

* * *

وگفت اتنخّي أوتنادي والعيون مدمّعه

ان كان ماتنهض ابهمّة وتطب ذيك المعمعة

جيب العمامة يبن عمي اوخذ هل مقنعه

ظل حبيب ‏ايعاين الهااوغصب هلّت دمعته

* * *

١٢٢

صاح مايحتاج هل نخوه وبطلي امن الحنين

وآنه عبد ابن الرسول وعبد امير المؤمنين

ذاب گلبي من سمعت بكربله خيّم حسين

واسمع يگولون أرذال الأعاديحاطته

ثمّ نهض حبيب وقال لغلامه خذ الجواد وانتظرني خارج البساتين فذهب الغلام، وودّع حبيب أهله وعياله ثمّ خرج حتى إذا صار قريباً من العبد سمع الغلام يكلّم الجواد وهو يقول: يا جواد ان لم يأتك صاحبك لأعلونّك وأمضي بك لنصرة سيّدي الحسين(ع) فلمّا سمع حبيب ذلك بكى وقال: بأبي أنت وأُمّي يا أبا عبداللَّه العبيد تريد نصرتك فكيف بنا ثمّ التفت إلى الغلام وقال له: اذهب أنت حرٌّ لوجه اللَّه فوقع الغلام على قدميه وهو يقول: سيدي يا حبيب أيسرّك أن تمضي إلى الجنّة وأنا أمضي إلى النار لا كان ذلك أبداً بل أمضي معك لنصرة سيّدي الحسين(ع) فقال له: بارك اللَّه فيك فأردفه خلفه وجاء حتى ورد كربلاء في اليوم الثامن من المحرّم، وكان الإمام(ع) جالساً في خيمته ومعه اخوته وأولاده وأصحابه اذ التفت إلى أصحابه وقال لهم هذا حبيب قد أقبل ثمّ انّه لما قرب من خيام الإمام الحسين(ع) نزل من على ظهر جواده إلى الأرض وأقبل يمشي حتى دخل على الإمام(ع) ووقع على قدميه يقبّلهما وهو يبكي ويقول: سيّدي لعن اللَّه غادريك، واستبشر أصحاب الحسين(ع) وأهل بيته بقدوم حبيب بن مظاهر الأسدي، وسألت العقيلة زينب(ع) مَنْ القادم؟ قالوا لها حبيب بن مظاهر الأسدي قالت: أبلغوه عنّي السلام، فلمّا أبلغوه السلام لطم وجهه وحثى

١٢٣

التراب على رأسه وهو يقول: ومَن أنا حتى تسلّم عليّ عقيلة الطالبيين ثمّ استأذن الإمام الحسين(ع) أن يسلّم عليها، فأذن له الإمام(ع) فسلّم عليها، وما زال مأنوساً بخدمة الإمام الحسين(ع) وأهل بيته حتى صار يوم العاشر فصفّ الإمام أصحابه للحرب فجعل حبيب بن مظاهر في الميسرة فكان يحمل على الأعداء مع بقية الأصحاب ورجالات أهل البيت: حتى صار وقت صلاة الظهر فقال أبو ثمامة الصائدي للإمام(ع): نفسي لك الفداء اني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ولا واللَّه لا تُقتل حتى أُقتل دونك وأحبّ أن ألقى اللَّه وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها، فرفع الإمام(ع) رأسه إلى السماء وقال: ذكرت الصلاة جعلك اللَّه من المصلّين الذاكرين، نعم هذا أوّل وقتها سلوهم أن يكفّوا عنّا حتى نصلّي فقال الحصين صلّ ياحسين فإنّ صلاتك لا تُقبل!! فقال له حبيب: أوتقبل صلاتك يابن اليهودية؟! فغضب الحصين لعنه اللَّه وبرز إليه قائلاً:

دونك ضربُ السيف ياحبيبُ

وافاك ليثٌ بطلٌ نجيب

في كفّه مهنّدٌ قضيبُ

من لمعةٍ كأنّه حليبُ

فلمّا سمع حبيب كلام اللعين ودّع الإمام(ع) وقال: إنّي أُحبُّ أن أتمّ صلاتي في الجنّة فبرز إليه وهو يقول:

أنا حبيبٌ وأبي مظهّرُ

فارسُ هيجاءٍ وحربٍ تسعَرُ

وفي يميني صارمٌ مذكّرُ

وأنتمُ ذو عددٍ وأكثرُ

ونحنُ منكم في الحروبِ أصبَرُ

أيضاً وفي كلِّ الاُمور أبصَر

١٢٤

فحمل عليه كالأسد وضايقه وضربه على أمّ رأسه، وقطع خيشوم جواده وهمّ أن يقطع رأسه فحمل عليه أصحابه واستنقذوه من بين يدي البطل الموالي حبيب، وما زال رضوان اللَّه عليه في صولةٍ وجولة مع القوم حتى اجتمعوا عليه من كلّ جانب فضربه بديل بن صريم بسيفه وطعنه آخر برمحه فوقع على الأرض صريعاً فنزل إليه التميمي واحتز رأسه، فأتاه الإمام الحسين(ع) فرآه بتلك الحالة فقال: عند اللَّه أحتسب نفسي وحماة أصحابي، للَّه درّك يا حبيب لقد كنت فاضلاً تختم القرآن في ليلةٍ واحدة، قال أبو مخنف: إنّه لما قتل حبيب بن مظاهر هدّ مقتلُهُ الحسين(ع).

إن يهدّ الحسينَ قتلُ حبيبٍ

فلقد هدّ قتلُهُ كلَّ ركنِ

بطلٌ قد لقى جبال الأعادي

من حديدٍ فردّها كالعهنِ

قتلوا منه للحسين حبيباً

جامعاً في معاليه كلّ حسنِ

ولسان حال الإمام الحسين(ع):

ساعد اللَّه أبواليمّه على الثرى شاف الحبيب

نايم ومگطوع راسه والجسد منّه خضيب

صاح عنداللَّه‏احتسبهم من عضيدومن حبيب

رحتوا يصحابي وتركتوني أعاني بغربتي

* * *

١٢٥

شلون اشوفنكم ضحايا وما أهل دمعة العين

حولكم ابكي يشيعه وبالخيم زاد الونين

زينب تعزّي ابوهه المرتضى وجدهه الأمين

او للخيم محني الظهر رديت انشف دمعتي

* * *

نصروا ابن بنت نبيّهم طوبى لهم

نالوا بنصرتِهِ مراتبَ ساميه

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

١٢٦

الليلة السادسة المجلس الثاني عشر

شقاء عمر بن سعد وسعادة الحُرّ

ديارٌ تذكّرتُ نزّالها

فروِّيَتُ بالدّمعِ أطلالَها

فكانت رجاءً لمـَن أَمَّها

بها تبلغ الوفدُ آمالها

وكم منزلٍ قد سمى بالنزيلِ

ولو طاولتهُ السّما طالها

بنفسي كراماً سخت بالنّفوسِ

بيومٍ سمَت فيه أمثالها

وخفّوا سراعاً لنصرِ الحسين

وقد أبدت الحربُ أثقالها

رأت أنّ في الموتِ طولَ الحياة

فكادت تسابقُ آجالها

إلى أن أُبيدوا بسيفِ العدى

ونال الشّهادةَ مَن نالها

ولم يبقَ للسبطِ من ناصرٍ

يُلاقي من الحربِ أهوالها

بنفسي فريداً أحاطت به

عداهُ وجاهدَ أبطالها

ويرعى الوغى وخيامَ النّساء

فعينٌ لهنّ وأخرى لها(١)

* * *

كفوف القدر يصحابي لونكم

أعاتبكم وروحي تون لونكم

تگومون وتشوفوني لونكم

وحيد وحاطت العدوان بيّه

* * *

____________________

(١) القصيدة من نظم المرحوم الشيخ محمد علي الأعسم (ره). تقدّم ذكر ترجمته في ص٥٤.

١٢٧

قال اللَّه تعالى:( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (١) .

قال المرحوم الشيخ الطبرسي في -مجمع البيان- في تفسير هذه الآية الكريمة( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ) اي بيّنا له الطريق، ونصبنا له الأدلّة، وأزحنا عنه العلّة حتى يتمكّن من معرفة الحق والباطل( إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) قال الزجّاج معناه ليختار إمّا السعادة وإمّا الشقاوة، والمراد إمّا أن يختار بحسن اختياره الشكرَ للَّه تعالى والإعتراف بنعمِهِ فيصيب الحظ، وإمّا أن يكفر نعَمَ اللَّه ويجحَدْ إحسانَهُ فيكون ضالاً عن الصواب، فأيّهما اختار جوزي عليه بحسبه، وهذا كقوله تعالى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر(٢) .

هذه الآية الشريفة صريحةٌ في أنّ ما يختاره الإنسان لنفسه ويرتضيه لها انّما هو بمحض اختياره وإرادته لا دخلَ لأحدٍ في ذلك، فلو اختار الإنسان الهدى -الإيمان- وسار عليه، أو اختار العمى -الكفر- وسار عليه، لكان ذلك الاختيار من قِبَلِهِ هو ليس غير، وذلك لأنّ اللَّه تعالى جعل في كلّ انسان قوّةً يعلم بها الخير ويميّزه عن الشرّ، وتلك هي العقل وبه أصبح الإنسان إنساناً، ففي اصول الكافي بسنده إلى محمد بن مسلم عن أبي جعفر (الباقر)(ع) قال: لما خلق اللَّه العقل قال له: أقبل فأقبل ثمّ قال له: أدبر فأدبر فقال: وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحسنَ منك إيّاك آمر وإيّاك أنهى، وإيّاك أثيب وإيّاك أُعاقب(٣) .

____________________

(١) سورة الإنسان: الآية ٣.

(٢) مجمع البيان: ج٥ ص٤٠٧.

(٣) اُصول الكافي: ج١ ص٢٦ ح ٢٦.

١٢٨

إذن فالثواب والعقاب يكونان نتيجةً حتمية لما يختاره الإنسان العاقل في دار الدنيا، فإن اختار طريق الهدى كانت عاقبتُهُ النجاة، وإن اختار الضلال كانت عاقبتُهُ الهلاك، وانّ من أوضح أمثلة تقديم العمى على الهدى هو عمر بن سعد بن أبي وقاص، وتقديم الهدى على العمى هو الحر بن يزيد الرياحي، وهلمّ معي لنعرف قصّة هذين الرجلين فإنّ فيها موعظةً بليغة.

أمّا عمر بن سعد فقد كان قبل خروجه إلى كربلاء معسكراً بـ (حَمام أعين) في أربعة آلاف ليسير بهم إلى (دستبي) لأنّ الدّيلم قد غلبوا عليها، وكتب له ابن‏زياد عهداً بولاية الرّي وثغر دستبي والديلم(١) ، فغيّر ابن زياد الوجهة وطلب من عمر بن سعد أن يذهب لقتال الإمام الحسين(ع)، فلم يقبل ابن سعد فطالبه ابن زياد باسترداد العهد الذي كتب له بولاية الرّي، فاستمهله ليلةً واحدة قال ابن زياد: قد أمهلتك، فانصرف عمر بن سعد إلى منزله وجعل يستشير قومه وإخوانه ومن يثق به من أصحابه، فلم يشر عليه أحدٌ بذلك، وكان عنده رجلٌ من أهل الخير يُقال له كامل وكان صديقاً لأبيه فقاله له: يا عمر ما لي أراك بهيئة وحركة؟ ماالذي أنت عازمٌ عليه؟ فقال: اني قد ولّيتُ هذا الأمر في حرب الحسين واذا قتلته خرجت إلى ملك الرّي فقال له: أُفٍ لك أتريد ياابن سعد أن تقتل الحسين بن بنت رسول اللَّه؟ أُفٍ لك ولدينك يا عمر أسفهت الحقّ وضللتَ الهدى، أما تعلم إلى حرب مَن تخرج؟ ولِ’مَن تُقاتل؟ إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون.

واللَّهِ لو أُعطيتُ الدنيا وما فيها على قتل رجلٍ واحدٍ من أُمّة

____________________

(١) دستبي: كورة واسعة بين همدان والرّي - مقتل المقرّم. (من الحاشية)

١٢٩

محمد(ص) لما فعلت فكيف بك وأنت تريد قتل الحسين ابن بنت رسول اللَّه(ص)؟ وما الذي تقول غداً لرسول اللَّه(ص) إذا وردت عليه وقد قتلت ولده وقرّة عينه وثمرة فؤاده وابن سيّدة نساء العالمين وابن سيّد الوصيين وهو سيّد شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين وانه في زماننا هذا بمنزلة جدّه في زمانه، وطاعتُهُ فرضٌ علينا كطاعته، وانّه بابُ الجنّة والنار، فاختر لنفسك ما أنت مختار، واني أشهد باللَّه إن حاربته أو قتلته أو أعنت عليه أو على قتله لا تلبث في الدنيا بعده إلا قليلاً، فقال عمر: فبالموت تخوّفني وإنّي إذا فرغتُ من قتله أكون أميراً على سبعين ألف فارس، وأتولّى ملك الرّي(١) .

وممّن نهاه عن المسير لحرب الإمام الحسين(ع) ابنُ اُخته حمزة بن المغيرة بن شعبة فقال له: اُنشدك اللَّه أن لا تسير لحرب الحسين فتقطع رحمك وتأثم بربّكِ فواللَّه لئن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلّه لو كان لك لكانَ خيراً لك من أن تلقى اللَّه بدم الحسين فقال عمر بن سعد أفعل إن شاء اللَّه، وبات ليلته مفكّراً في أمره، وسُمِعَ يقول(٢) :

فواللَّهِ لا أدري وإنّي لحائرٌ

أفكِّرُ في أمري على خطرَينِ

أأتركُ مُلكَ الرّيّ والريُّ منيتي

أم أرجعُ مأثوماً بقتلِ حسينِ

حسينُ ابنُ عمّي والحوادثُ جمّةٌ

لعمري ولي في الرّي قرّةُ عيني

____________________

(١) بحار الأنوار: ج٤٤ ص٣٠٦.

(٢) مقتل المقرّم: ص٢٣٧.

١٣٠

ألا إنّما الدنيا بخيرٍ معجّلٍ

وما عاقلٌ باعَ الوجودَ بدينِ

يقولون إنّ اللَّهَ خالقُ جنّةٍ

ونارٍ وتعذيبٍ وغِلِّ يدينِ

فإن صدقوا فيما يقولون إنّني

أتوبُ إلى الرحمنِ من سنتينِ

وإن كذبوا فزنا بدنياً عظيمةٍ

ومُلكٍ عقيمٍ دائمِ الحَجَلَيْنِ(١)

في كتاب (تذكرة الخواص) قال محمّد بن سيرين: وقد ظهرت كرامات عليّ بن أبي طالب(ع) في هذا، فإنّه لقى عمر بن سعد يوماً وهو شاب فقال: ويحك ياابن سعد كيف بك إذا قمت يوماً مقاماً تخيّر فيه بين الجنّة والنّار فتختار النار(٢) .

ثمّ أتى عمر بن سعد لعبيداللَّه بن زياد وقال له: انّك ولّيتني هذا العمل(٣) ، وسمع الناس به، فإن رأيت أن تنفّذ لي ذلك فافعل وابعث إلى الحسين(ع) من أشراف الكوفة مَن لست أغنى ولا أجرأ في الحرب منه، وسمّى له أُناساً فقال له ابن زياد: لستُ أستأمرك فيمن أُريدُ أن أبعث فإن سرتَ بجندنا وإلّا فابعث إلينا بعهدنا على الرّي قال ابن سعد: فإني سائر وفعلاً أقبل في ذلك الجيش ونزل به كربلاء لقتال الحسين(ع)(٤) .

____________________

لأن عمر هو ابن سعد بن أبي وقّاص. وأبو الوقّاص هو مالك بن أهيب بن عبدمناف وعبدمناف جدّ النبي(ص).

(١) قال في المنجد: يوم محجّل أي مضي‏ء ومشرق بالسرور.

(٢) تذكرة الخواص للعلّامة سبط ابن الجوزي: ص٢٤٧.

(٣) وهو ان عبيداللَّه بن زياد أمّره على أربعة آلاف ليسير إلى (دستبي) حيث غلب عليها الديلم، وكتب له عهداً بولاية الرّي.

(٤) نفس المهموم: ص٢١ بتصرّف.

١٣١

وكان عمر بن سعد أوَّلَ من رمى سهماً نحو خيام الإمام الحسين(ع) وهو يقول: اشهدوا لي عند الأمير أنّي أوّلُ من رمى، وهكذا إلى أن جرّه سوءُ اختياره لقتل الحسين(ع) وسبي عياله، ولكنّه لما وصلَ إلى عبيداللَّه ابن زياد لم يجد عنده ملك الرّي ولا شيئاً ممّا كان يتمنّى وطرد من قصر الإمارة شرّ طرده، وما مضت مدّة طويلة حتى ظهر المختار وقتل هذا اللعين شرّ قتلة وعجّل بروحه إلى جهنم، ألا لعنة اللَّه على الظالمين.

فتبصّر تبصر هداك إلى الحقّ

فليس الأعمى به كالبصيرِ

ليس ‏تعمى العيون‏ لكنّما

تعمى ‏القلوب ُ‏التي‏ انطوت ‏في‏ الصّدور

وأمّا الذي قدّم الهدى واختاره على العمى فهو الحر بن يزيد الرّياحي رضوان اللَّه تعالى عليه، فإنّه كان أوّل أمره قائداً من قوّاد جيش عبيداللَّه بن زياد، وقد جعله آمراً على ألف فارس، وأرسله لمعارضة الإمام الحسين(ع) في الطريق ثمّ ليضيّق عليه بعد ذلك حتى يدخله الكوفة، ولكنّ الإمام الحسين(ع) اختار طريقاً آخر أوصله إلى كربلاء، وقبل أن يفوت الوقت وتمرّ الفرصة حكّم الحرُّ عقلَهُ وعاد إلى رشده وفكّر بين البقاء في معسكر أعداء اللَّه وبين الإنتقال إلى معسكر أحباء اللَّه تعالى فاختار الثاني، لأنّ العقل نبيّ باطن ما خاب أبداً من حكّمه وقبل حكمه.

ففي اُصول الكافي: من وصيّة الإمام باب الحوائج موسى بن جعفر(ع) لهشام قال: يا هشام إنّ للَّه على الناس حجّتين: حجّة ظاهرة وحجّة باطنة، فأمّا الظاهرة فالرّسل والأنبياء والأئمة: وأمّا الباطنة فالعقول(١) .

____________________

(١) اُصول الكافي: ج١ ص١٦.

١٣٢

قال الشيخ السماوي في (ابصار العين): روى الشيخ ابن نما أنّ الحرّ لما أخرجه ابنُ زياد إلى الحسين وخرج من القصر نودي من خلفه: أبشر يا حرّ بالجنّة قال: فالتفت فلم ير أحداً فقال في نفسه واللَّه ما هذه بشارة وأنا أسيرُ إلى حربِ الحسين(ع)، وما كان يحدّث نفسه بالجنّة، فلمّا صار مع الإمام الحسين(ع) قصّ عليه الخبر فقال له الإمام الحسين(ع): لقد أصبت أجراً وخيراً(١) .

والحق أنّ الحرّ كان مؤدّباً مع الإمام الحسين(ع) عندما اجتمع به في الطريق في الخبر الآتي ذكرُهُ، ولعلّ هذا الأدب كان جزء السّبب في هداية هذا الشهيد الخالد:

ففي الخبر المعروف حين التقى الحرُّ وأصحابُهُ مع الإمام الحسين(ع) وأهله وأصحابه حدث شيئان يدلّان على أدب الحرّ العالي وهما:

١ - صلّى الحر خلف الإمام الحسين(ع) صلاتي الظهر والعصر، وذلك عندما قال الإمام(ع) للحر صلّ بأصحابك وأصلّي بأصحابي قال: بل تصلّي ونصلّي بصلاتك.

٢ - بعد صلاة العصر أراد الإمام(ع) الانصراف بمن معه فحال القوم بينه وبين الحركة فقال الإمام(ع) عندها للحر: ثكلتك أمّك ما تريد؟ فقال الحر: اما واللَّه لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل هذه الحالة التي

____________________

(١) ابصار العين: ص١١٦.

١٣٣

دنا منهم قلبَ تُرْسهُ(١) فقالوا مستأمن -طالب الأمان- حتى إذا عرفوه سلّم على الإمام الحسين(ع) وقال:

جعلني اللَّه فداك يابن رسول اللَّه أنا صاحبُك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان، واللَّه الذي لا إله إلّا هو ما ظننتُ أنّ القوم يردّونَ عليك ما عرضت عليهم أبداً، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، واني قد جئتك تائباً ممّا كان مني إلى ربي ومواسياً لك بنفسي حتى أموت بين يديك افترى لي توبة؟ قال الإمام(ع): نعم يتوب اللَّه عليك ويغفر لك فانزل قال: أنا لك فارساً خيرٌ مني راجلاً أقاتلهم على فرسي ساعة والى النزول يصير آخر أمري قال(ع): فاصنع ما بدا لك.

ثمّ تقدّم أمام الأصحاب ثمّ قال: أيّها القوم أما تقبلون من الحسين(ع) هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم اللَّه من حربه قالوا: كلّم الأمير عمر بن سعد فكلّمه فقال عمر: قد حرصت ولو وجدت إلى ذلك سبيلاً فعلت، عندها التفت الحر إلى أهل الكوفة وقال: يا أهل الكوفة لأمّكم الهبل والعَبر دعوتم ابن رسول اللَّه(ص) حتى إذا أتاكم أسلمتموه؟ وزعمتم أنّكم قاتلوا أنفسكم دونه ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه، امسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كلّ جانب لتمنعوه التوجّه في بلاد اللَّه العريضة حتى يأمنَ ويأمن أهلُ بيته فأصبح في أيديكم كالأسير منعتموه ونساءَه وصبيَتَهُ وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والنصراني وتمرّغ فيه خنازير السواد وكلابه فهاهم قد صرعهم العطش بئسما خَلَفْتُم

____________________

(١) التُرْس - جمعة أتراس: صفحة من الفولاذ تحمل للوقاية من السّيف.

١٣٤

محمد(ص) في ذريّته لا سقاكم اللَّهُ يوم الظما إن لم تتوبوا وتنزعوا عمّا انتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه، فحملوا عليه يرمونه بالسهام فأقبل حتى وقف أمام الإمام الحسين(ع) سيدي كنت أوّل خارج عليك فأذن لي أن أكون أوّل قتيل بين يديك فأذن له الإمام فبرز وهو يقول:

إني أنا الحرُّ ومأوى الضيف

أضرب في أعناقكم بالسيفِ

عن خيرِ مَن حلّ بأرضِ الخَيف

أضربكم ولا أرى من حيفِ

فلم يزل يُقاتل حتى قتل جمعاً كثيراً ثمّ عقروا فرسه وبقي يُقاتل راجلاً حتى قتل أربعين فارساً وخمسة عشر راجلاً فتكاثروا عليه وقتلوه رضوان اللَّه تعالى عليه.

و لما قُتل مشى لمصرعه الحسين(ع) وجلس عند رأسه وهو يقول: أنت حرٌّ كما سمّتك أُمّك حرٌّ في الدنيا وسعيدٌ في الآخرة، ورثاه عليّ بن الحسين(ع):

لنعمَ الحرُّ حرُّ بني رياحِ

صبورٌ عند مشتبك الرّماحِ

ونعم الحرُّ إذ واسى حسيناً

وجاد بنفسه عند الصباحِ

ولسان الحال:

صال وجال بالعسكر بهمّه

ودفع العدو عن حسين همّه

يوسفه طاح وتخضّب بدمّه

ولفاه امن الخيم يبچي ابو اليمّه

١٣٥

حسين ورفع راسه وگعد يمّه

مسح بيده جبينه وصاح باسمه

حر وما خطت من سمّته اُمّه

وعندما انتهت المعركة جاء الأعداء وفصلوا رؤوس الشهداء عن أجسادهم، وعندما وصلوا إلى الحر قامت عشيرتهُ بنو رياح وقالوا: لا واللَّه لا يفصل رأس زعيمنا وفينا عِرق يضرب فقال عمر بن سعد: دعوا لبني رياح زعيمهم فحملوه أمام أنظار بنات رسول اللَّه(ص) ولسان الحال:

الحر للعدل خط رايه ولا ظل

بحر الشمس لا كاسر ولا ظل

العشيره شالته الجسمه ولا ظل

الماعدهم اهل ظلّوا رمي

ويقول الآخر:

العشيره شالته بحرّ الظهيره

الكل منهم عليه شالته الغيره

بس ظلّوا الماعدهم عشيره

عرايه اعله الثره من غير تغسي

* * *

جادوا بأنفسهم عن نفسِ سيّدهم

والجودُ بالنفس اقصى غاية الجود

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

١٣٦

الليلة السابعة المجلس الثالث عشر

فضلُ أبي الفضل العباس(ع)

هيهاتَ أن تجفو السُّهادَ جفوني

أو أنّ داعيةَ الأسى تجفوني

أنّى ويومُ الطفِّ أضرمَ في الحشا

جذواتِ وجدٍ من لضى سجينِ

يومٌ أبو الفضلِ استفزّت بأسَهُ

فتياتُ فاطمَ من بني ياسينِ

في خيرِ أنصارٍ براهم ربُّهُمْ

للدّينِ أوّلَ عالَمِ التكوينِ

فأغاث صبيَته الظّما بمزادةٍ

من ماءِ مرصودِ الوشيج معينِ

حتى إذا قطعوا عليه طريقَهُ

بسدادِ جيشٍ بارزٍ وكمينِ

ودعتُه أسرارُ القضا لشهادةٍ

رسمت له في لوحها المكنونِ

حسموا يديه وهامَهُ ضربوه في

عَمدِ الحديدِ فخرّ خيرَ طعينِ

ومشى إليه السبطُ ينعاه كسر

تَ الآن ظهري ياأخي ومعيني

عباسُ كبشَ كتيبتي وكنانتي

وسريَّ قومي بل أعزَّ حصوني

ياساعدي في كلِّ معتركٍ به

أسطو وسيفَ حمايتي بيميني

لمن اللِوى أُعطي ومَن هو جامعٌ

شملي وفي ضنكِ الزّحام يقيني

عبّاسُ تسمعُ زينباً تدعوك مَن

لي ياحمايَ إذا العدى نهروني

أولستَ تسمعُ ما تقول سكينة

عمَّاهُ يوم الأسر مَن يحميني(١)

____________________

(١) القصيدة من نظم المرحوم الشيخ حسن قفطان(ره).

قال السيد جواد شبر في (أدب الطف) الجزء السابع ص١٠٦:

ولد في النجف الأشرف سنة ١١٩٩ه ، وكان فاضلاً ناسكاً تقيّاً محبّاً للأئمة الطاهرين، وأكثر

١٣٧

كفوفة مگطوعات والراس انطبر

وسال دمع حسين يشبه للمطر

وصاح ياخوية الظهر منّي انكسر

يابدرنه شلون غطّاك الخسوف

* * *

رحت عني وانته لي سور الحديد

فجعت گلبي والعدة صار إله عيد

شلون أظل بعدك يبو فاضل وحيد

وتجمّعت كوفانها وصارت الوف

* * *

كنت أعذل ولوم اليون ونه

وصرت أنشد بيوت الحزن ونه

اويلي شلون ونّه حسين ونه

على العباس يوم أصبح رمية

* * *

من زيارةِ الإمام أبي عبداللَّه الصادق(ع) لعمّه أبي الفضل العباس(ع): (سلامُ اللَّهِ وسلامُ ملائكَتِهِ المقرَّبينَ وأنبيائِهِ الـمُرسَلينَ وعبادِهِ الصّالحينَ وجميعِ الشُهداءِ والصدّيقينَ والزاكياتُ الطيّباتُ فيما تغتدي وتَروحُ عليكَ يابنَ أمير المؤمنينَ أشهدُ لكَ بالتسليمِ والتّصديقِ والوفاءِ والنّصيحةِ لِخَلَف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الـمُرسَل والسّبطِ المنتجبِ والدّليلِ العالِمْ والوصيِّ الـمُبلِّغ والمظلومِ المهتضمِ فجزاكَ اللَّهُ عن رسولِهِ وعن أميرِ المؤمنينَ وعن

____________________

شعره فيهم(ع)، درس الفقه على الشيخ علي بن الشيخ الأكبر الشيخ جعفر حتى نبغ فيه وعُدّ من الأعلام الأفاضل، واختصّ أخيراً بصاحب الجواهر وكان يعدّ من أجلّ طلابه وأفاضلهم.

توفي(ره) سنة ١٢٧٥ه ودفن في الصحن العلوي الشريف عند الإيوان الكبير المتصل بمسجد عمران.

١٣٨

الحسنِ والحسينِ صلواتُ اللَّهِ عليهم أفضلَ الجزاءِ بما صَبرْتَ واحتسبتَ وأعَنْتَ فَنعمَ عُقبى الدّار)(١) .

بهذه الكلمات المضيئة والعبارات العالية التي تحملُ كلَّ معاني الفضل والتوقير والتّبجيل والاحترام، يعلّم الإمام أبو عبداللَّه الصادق(ع) كافّة المؤمنين والمؤمنات كيفيّة زيارة العبد الصالح أبي الفضل العباس(ع).

قوله(ع): سلام اللَّه وسلام ملائكته...الخ بيانٌ عن جليل مقام أبي الفضل(ع) عند اللَّه تعالى بحيث صار موضعاً لنزول رحمته -سبحانه ورحمة ملائكته وأنبيائه ورسله وعباده الصالحين وجميع الشُهداء والصدّيقين.

ثمّ عدّد الإمام الصادق(ع) بعض ما انطوت عليه ذاتهُ الإلهيّة من كمالات كانت سبباً لسلام اللَّه وملائكته وأنبيائه وهي: اشهد لك بالتسليم والتصديق والنّصيحة لخلف النبيّ(ص)، وهذه شهادة ثمينة جداً يعرف قيمتها أهل الفضل وقد قيل (لا يعرف الفضلَ إلّا أهلُهُ).

هذه كلمات قليلة أحببت أن تكون مقدّمةً ومفتاحاً ندخل بواسطته إلى رحاب أبي الفضل باب الحوائج لنتعرّف أكثر على هذه الشخصيّة الإسلامية الكبيرة.

ولد(ع) في المدينة يوم الرابع من شعبان سنة ست وعشرين للهجرة فكان هو وأخوه الإمام الحسين(ع) من مصاديق قوله تعالى في التأويل:

____________________

(١) مفاتيح الجنان للمرحوم الشيخ عباس القمّي عن كامل الزيارات لابن قولويه القمّي(ره).

١٣٩

( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ) (١) فمولد الإمام الحسين يوم الثالث من شعبان ومولد العباس(ع)

يوم الرابع منه، ولم يسبق أبوالفضل أخاه أبا عبداللَّه(ع) بقول استفاده منه أو بعملٍ اتبعه فيه ولا بنفسيّة هي ظلّ نفسيّته، ولا بمنقبةٍ هي شعاعُ نوره الأقدس المنطبع في مرآة غرائزه الصقيلة، وقد تابع إمامَه في كلّ أطواره حتى في بروز هيكله القدسي إلى عالم الوجود(٢) .

أمّه السيّدة الجليلة والعالمة الفاضلة اُم البنين فاطمةُ بنتُ حَزام الكلابيّة العامريّة، تزوّجها الإمام أمير المؤمنين(ع) بعد وفاة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(ع).

قال المحقّق المقرّم في (قمر بني هاشم) فولدت لأمير المؤمنين(ع) أربعةً وهم العبّاس وعبداللَّه وجعفر وعثمان وعاشت بعده مدّة طويلة ولم تتزوّج من غيره، وكانت من النساء الفاضلات العارفات بحقّ أهل البيت: مخلصةً في ولائهم ممحّضةً في مودّتهم ولها عندهم الجاه الوجيه والمحل الرّفيع وقد زارتها زينب الكبرى بعد وصولها المدينة تعزّيها بأولادها الأربعة كما كانت تزورها أيّام العيد.

وبلغ من عظمتها ومعرفتها وتبصّرها بمقام أهل البيت: أنّها لما أدخلت على أمير المؤمنين(ع) وكان الحسنانِ مريضين أخذت تلاطف القول معهما وتلقي إليهما من طيب الكلام ما يأخذ بمجامع القلوب(٣) .

____________________

(١) الشمس / ١و٢.

(٢) قمر بني هاشم للمرحوم السيد عبدالرزاق المقرّم: ص١٧.

(٣) المصدر السابق نفسه: ص١٦.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343