المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة11%

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 343

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45044 / تحميل: 4732
الحجم الحجم الحجم
المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

الليلة الثامنة المجلس السابع عشر

شهادة القاسم بن الحسن(ع)

قسَمَ الإلهُ الرّزءَ بين أعاظِمِ

لا رزءَ أعظمُ من مصابِ القاسمِ

حسنيُّ خُلْقٍ من نِجارِ محمّدٍ

مضريُّ عرقٍ من سلالةِ هاشمِ

غصنٌ نضيرٌ من أصولِ مفاخِرٍ

ثمرٌ جنيٌّ من فروعِ مكارِمِ

قتّالُ أبطالٍ مبيدُ كتائبٍ

فتّاكُ آسادٍ هَزَبْرُ ملاحِمِ

هزمَ الكماةَ بقوّةٍ علويّةٍ

وأبادهم طُرّاً ببطشٍ هاشمِ

للَّهِ يومٌ خرَّ فيه إلى الثرى

متكسّرَ الأضلاعِ تحت مناسِمِ(١)

نادى حسيناً عمَّهُ متشكّياً

بُعدَ الوصالِ وقربَ هجرٍ دائمِ

ويلوكُ كالحوتِ التريبِ لسانَه

لوكاً ويفحَصُ كالقطا بقوادمِ(٢)

* * *

ولسان حال امّه رمله:

ربيتك ييمّة واسهرت برباك

اشلون اصبر يروحي من بعد عيناك

عسن سيف اليصيبك صابني وياك

اولا شوفك خضيب الراس بالدم

* * *

وحيّد وعز عندي امن العذيبي

او ردتك ضخر لأيام شيبي

مظنيت بيك يشح نصيبي

وابگه اسحن صبر فرگاك والهم

____________________

(١) المناسِمْ: للإبل كالظفر للإنسان أو طرف خف البعير والنعامة.

(٢) معالي السّبطين للمازندرانيرحمه‌الله تعالى: ج ١ ص٢٨٢.

١٨١

(جاء في زيارته(ع): السَّلامُ عليكَ ياابنَ حبيبِ اللَّه، السَّلامُ عليكَ ياابنَ ريحانةِ رسول اللَّه، السَّلامُ عليكَ من حبيبٍ لم يقضِ من الدّنيا وطَراً، ولم يشفِ من أعداءِ اللَّهِ صدراً، حتَى عاجلَهُ الأجل، وفاتَه الأمل، السَّلامُ على القاسمِ بنِ الحسنِ بنِ علي ورحمة اللَّه وبركاتُه)(١) .

أبناء الإمام الحسن المجتبى(ع) الذين قاتَلوا مع عمِّهم الإمام الحسين(ع) في كربلاء بمعركة الطف خمسة وهم: القاسم - والمجلس مخصّص لذكره - والحسن المثنّى، وأبو بكر، وعبداللَّه، وعمرو، وقد نال الشّهادةَ منهم ثلاثة وهم(٢) : أبو بكر، عبداللَّه، والقاسم، وبقي منهم اثنان:

الأول: هو الحسن المثنى: وقد كان له من العمر اثنان وعشرون سنة(٣) ، وقاتلَ قتالاً شديداً وقد قتلَ من الأعداء سبعةَ عشرَ رجلاً كما في بعض المقاتل، وأصابته ثمانية عشر جراحة فوقع أرضاً وبه رمق من الحياة، فلمّا انتهت المعركة جاءه أسماءُ بن خارجة فانتزعه من بين الأسرى وقال: لا يُوصَل إلى ابن خولَة أبداً، فقال عمر بن سعد: دعوا لأبي حسّان ابنَ أخته(٤) ، فجاء به إلى الكوفة وهو جريح فداواه عنده وبقي في الكوفة ثمانية أشهرٍ أو سنة ثمّ عاد إلى المدينة.

الثاني: هو عمرو بن الحسن: وكان مع الأسراء، وقد دخل معهم على

____________________

(١) بحار الأنوار: ج ١٠١ ص٢٤٣.

(٢) الإرشاد للشيخ المفيد(ره): ص١٧٩.

(٣) وفي أعيان الشيعة: المجلّد الخامس ص٤٤، أنّ المظنون كون عمره ١٧ عاماً.

(٤) الإرشاد للمفيد(ره): ص١٩٦.

١٨٢

يزيد في الشام فقال له يزيد: أتصارعُ ابني هذا؟ وقصد ابنه خالد فقال: ما فيّ قوّة على الصّراع ولكن أعطني سكّيناً وأعطِهِ سكيناً فإمّا أن يقتلني فألحق بجدّي رسول اللَّه(ص) وأبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) وإمّا أن أقتُلَهُ فألحقَهُ بجدّه أبي سفيان وأبيه معاوية، فتأمّل يزيد قليلاً ثمّ قال: شِنشِنَةٌ أعرفها من أخزم هل تلدُ الحيّةُ إلّا حَيّة(١) .

أراد اللعين يزيد من تمثّله بهذا المثل هو أنّ طبيعة أهل البيت وسجيّتهم الشجاعة يتوارثونها كما يتوارثون بقية السجايا والخصال الحميدة، وأنت ياعمرو بن الحسن ورقةٌ من تلك الشجرة حيث جدّك أمير المؤمنين وأبوك المجتبى سيّد شباب أهل الجنّة، ولم يَلِدوا إلّا الأبطال الشجعان.

ومن المناسب هنا ذكر موقف النبيّ(ص) يوم فتح مكّة المكرّمة في السّنة الثامنة للهجرة وقوله: لو ولد أبو طالب النّاس كلّهم لكانوا شجعاناً(٢) .

أمّا الشهداء الثلاثة فهم:

أبو بكر بن الحسن(ع): وهو أخو القاسم لأبيه وأمّه، ذكر أبو الفرج الأصفهاني في (مقاتل الطالبيّين): أنّ أبا بكر قُتل قبل أخيه القاسم(٣) .

وعبداللَّه بن الحسن(ع): قال الشيخ المفيد(ره) في (الإرشاد): لما ضرب مالكُ بن النّسر الكندي بالسيف رأس الإمام الحسين(ع) بعد ما شتمه ألقى الإمام الحسين(ع)

____________________

(١) الشّنشنة: هي العادة والطّبيعة، الأخزم هو الذّكر من الحيّات.

(٢) شجرة طوبى: ص٣٠٥.

(٣) نفس المهموم: ص٣٢٥ عن مقاتل الطالبيين.

١٨٣

قلنسوتَهُ ودعا بخرقة وقلنسوة فشدّ رأسَهُ بالخرقة ولبس القلنسوة واعتمّ عليها، فرجع عنه الشمر ومَن معه إلى مواضعهم، فمكث هنيئة ثمّ عاد الشّمر وعادوا إليه وأحاطوا به، فخرج عبداللَّه بن الحسن من عند النّساء وهو غلامٌ لم يراهق، فشدّ حتى وقف إلى جنبِ عمّه الحسين(ع) فلحقته زينب(ع) لتحبسَهُ فأبى عليها فقال لها الإمام الحسين(ع): احبسيه ياأخيّة فامتنع امتناعاً شديداً وقال: واللَّه لا أفارق عمّي، وأهوى بحرُ بنُ كعب إلى الحسين بالسّيف فقال له الغلام: ويلك ياابن الخبيثة أتقتلُ عمّي؟ فضربه بحرُ بالسيف فاتّقاه الغلام بيده فأطنّها إلى الجلد فإذا هي معلّقة، فنادى الغلام ياأمّاه فأخذه الحسين(ع) وضمّه إليه وقال له: ياابن أخي اصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير فإنّ اللَّهَ يلحقُكَ بآبائك الصّالحين ثمّ رفع الإمام(ع) رأسه إلى السماء وقال: اللهمّ امسك عليهم قطرَ السّماء، وامنعهم بركاتِ الأرض، اللهمّ فإن متّعتهُم إلى حين ففرّقهم بدداً واجعلهم طرائقَ قدداً، ولا ترضي الولاةَ عنهم أبداً، فإنّهم دعونا لينصرونا فعدوا علينا فقتلونا. وروى أبو الفرج الأصفهاني أنّ الذي قتله هو حرملةُ بن كاهل الأسدي(١) .

والقاسم بن الحسن(ع): قال المرحوم الشيخ عبّاس القمّي في (نفس المهموم): قيل لما نظر الإمام الحسين(ع) إلى القاسم وقد برز اعتنقه وجعلا يبكيان حتى غُشي عليهما ثمّ استأذن عمّه الحسين(ع) في المبارزة فأبى(ع) أن يأذن له، فلم يزل القاسم يقبّل يديه ورجليه حتى أذن له فخرج

____________________

(١) ابصار العين: ص٣٨ عن الإرشاد.

١٨٤

ودموعُهُ تسيل على خدّيه وهو يقول:

إن تنكروني فأنا نجلُ الحسن

سبطِ النبيِّ المصطفى والمؤتمن

هذا حسينٌ كالأسير المرتهَن

بين أُناسٍ لا سُقوا صوب المزُن

فقاتل قتالاً شديداً حتّى قَتَلَ على صغره خمسة وثلاثين رجلاً.

وقال ابن شهرآشوب(ره) في المناقب: إنّ القاسم أنشأ يقول:

إنّي أنا القاسمُ من نسل علي

نحنُ وبيتِ اللَّهِ أولى بالنّبي

من شمر ذي الجوشنِ أو ابنِ الدّعي(١)

وروى الشيخ المفيد(ره) عن حميد بن مسلم قال: خرج إلينا غلام كأنّ وجَههُ شقّهُ قمرٍ وفي يده سيف وعليه قميصٌ وإزار وفي رجليه نعلان قد انقطع شِسعٌ إحداهما(٢) ما أنسى أنها اليسرى فوقف ليشدّها فقال عمرو

بن سعد بن نُفيل الأزدي - لعنه اللَّه - : واللَّهِ لأشُدنّ عليه فقلت له: وما تريد بذلك يكفيك هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه من كلّ جانب قال: واللَّه لأشدنّ عليه، فشدّ عليه فما ولّى وجهَهُ حتّى ضربَ رأسه بالسيف فوقع الغلامُ لوجهِهِ فقال: ياعمّاه قال: فجلى الحسين(ع) كما يجلو الصّقر ثمّ شدّ شدّةَ

____________________

(١) نفس المهموم: ص٣٢٢.

(٢) وفي ذلك يقول المرحوم الشيخ محمّد السماوي:

أتراهُ حين أقامَ يُصلحُ نعلَهُ

بين العدى كي لا يروهُ بمحتفي

غلبت عليه شهامةٌ حسنيّةٌ

أم كان بالأعداءِ ليس بمحتفي

١٨٥

ليثٍ أغضب وضرب عمراً فاتّقاه بالساعد فأطنّها من لدن المرفق، فصاح صيحةً سمعها أهلُ العسكر ثمّ تنحّى عنه الحسين(ع)، وحملت خيلُ أهل الكوفة ليستنقذوا عمراً من الحسين(ع) فلمّا حملت الخيل استقبلته بصدورها وجالت فوطأته حتى مات لعنه اللَّه وأخزاه، وانجلت الغبرة وإذا بالحسين(ع) قائمٌ على رأس الغلام وهو يفحص برجليه والإمام(ع) يقول: بُعداً لقومٍ قتلوك ومَن خصمُهُم يوم القيامةِ جدُّك. ثمّ قال: عزّ واللَّه على عمّك أن تدعوه فلا يجيبُك أو يجيبُك فلا ينفعُك، هذا يومٌ كثُرَ واللَّهِ واترُهُ وقلّ ناصرُه ولسان الحال:

بكه وناداه ياقاسام شبيدي

يريت السيف گبلك حز وريدي

هان الكم تخلّوني وحيدي

على خيمّي يعمّي الخيل تفتر

* * *

يعمّي شگالت امن الطبر روحك

يعمّي ما تراويني جروحك

لون أبقى يعمّي كنت انوحك

بگلب مثل الجمر وبدمع محمر

ثمّ حمله على صدره ورجلاه تخطّان في الأرض، وجاء به حتّى ألقاه مع ابنه عليّ الأكبر ولسان الحال:

جابه ومدّده ما بين اخوته

بكى عدهم يويلي وهم موته

بس ما سمعن النسوان صوته

اجت زينب تصيح اللَّه واكبر

* * *

١٨٦

مبارك بين سبعين الف جابوك

بدال الشّمع بالنشاب زفوك

عن الحنه بدم الراس حنّوك

على راسك ملبس نبل ينثر

وجاءت عندها العروس ولسان الحال:

يقاسم گوم ريت البيك بيّه

يقاسم گوم ريت الموت ليّه

صدگ رايح يقاسم هاي هيّه

او تخلّيني أون الليل واسهر

* * *

عسى بعيد البلا خدّك على الگاع

يقاسم موش وقت الموت هلساع

قاسم يبن عمّي لون تنباع

بماي العين كنت اشريك ياحر

ثمّ التفتت إلى قاتل القاسم وصاحت بلسان الحال:

عساهي برگبتك كل الخطيّه

تخلّيني غريبة واجنبيّة

ياقاسم عرس اكشر عليّه

عرّيس ويزفّونك مطبر

* * *

خضبوا وما شابوا وكان خضابهم

بدمٍ من الأوداج لا الحنّاءِ

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

١٨٧

الليلة التاسعة المجلس الثامن عشر

برُّ الوالدين

جرى دمعي لمصرعِ شبل طه

وتاهَ الفكرُ في الحزنِ الشّديدِ

فما أدري أعزّي أم أُهَنّي

عليَّ المرتضى بابنِ الشَّهيدِ

فطوراً للوصيِّ به أُهنّي

وأنظمُ مدحَهُ نظمَ العقودِ

عليٌّ بالطّفوفِ أقامَ حرباً

كحربكَ ياعليُّ مع اليهودِ

وقاتلَ بكرَهم كقتالِ عمروٍ

وجدّله على وجهِ الصّعيد

وصيّرَ كربلا بدراً وأُحداً

ونادى ياحروبَ الجدِّ عودي

وطوراً ياعليُّ أُعزّي فيه

وتبكي العينُ للعقدِ الفريدِ

كأنّي بالحسينِ غدى ينادي

علينا ياليالي الوصلِ عودي

رجوتُكَ ياعليُّ تعيشَ بعدي

لتوسِدَ جثّتي رمسَ اللحودِ

وتمشي باكياً من خلف نعشي

كما يبكي الوليدُ على الفقيدِ

ولم أنسَ النساءَ غداة فرّت

إلى نعشِ الشَّهيد ابن الشَّهيدِ

فهذي قبّلت كفّاً خضيباً

وشمّت تلك ورداً في الخدودِ

وزينبُ قابلت ليلى وقالت

أعيدي النّوحَ ياليلى أعيدي

على حلوِ الشّباب وبدرِ تمٍّ

شبيهِ محمّدٍ خيرِ الجدودِ(١)

____________________

(١) هذه القصيدة العصماء للمرحوم الشيخ جعفر الهر الكربلائي(ره).

قال المرحوم السيد جواد شبر في الجزء التاسع من موسوعته (أدب الطف):

الشيخ جعفر ابن الشيخ صادق بن أحمد الحائري الشهير بالهر، أحد أعلام كربلاء

١٨٨

ولسان حال اُمّه ليلى:

لمّن للأكبر اجت ليلى

گعدت وگامت تشتكيله

تگلّه ودمعها عليه تسيله

برضاك أظل بعدك ذليله

والظعن لو رادوا رحيله

ياهو المحملي يباريله

من بعد عينك ياكفيله

وبيمن بعد راسي أشيله

* * *

قال اللَّه تعالى في القرآن الكريم:( وَقَضَى رَبُّكَ إلّا تَعْبُدُوا إلّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) (١) .

____________________

المقدسة وأفاضلها، ولد سنة ١٢٦٧ه وتوفي سنة ١٣٤٧ه بكربلاء ودفن فيها في الرواق الشريف الحسيني قريباً من قبر صاحب الرياض وعمره ثمانون عاماً.

درس على الشيخ زين العابدين المازندراني، و لما نال الحظوة الكافية من العلم انفرد بالتدريس وتخرّج على يده جماعة.

قال صاحب (الطليعة): كان فاضلاً مشاركاً في العلوم أديباً شاعراً هو اليوم مدرّس بكربلاء وإمام جماعة تقام به الصلاة في حرم أبي الفضل العباس(ع) ومن شعره قوله مشطّراً البيتين المنسوبين إلى قيس العامري:

مرُّ على الديارِ ديارِ ليلى

ونارُ الوجدِ تستعرُ استعارا

أشمُّ ترابَها طوراً وطوراً

أقبّلُ ذا الجدارَ وذا الجدارا

وما حبُّ الديارِ شغفنَ قلبي

ولا أضرمْنَ في جنبيَّ نارا

ولا ربعِ الغويرِ وساكنيه

ولكنْ حبُّ مَن سكنَ الديارا

(١) سورة الإسراء أو بني إسرائيل: الآية ٢٣ و٢٤.

١٨٩

قال المرحوم الشيخ الطبرسي(ره) في (مجمع البيان):( وَقَضَى رَبُّكَ ) أي أمرَ أمراً باتّاً( إلّا تَعْبُدُوا إلّا إِيَّاهُ ) أي أن تعبدوه ولا تعبدوا غيرَه( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) أي وقضى اللَّهُ بالوالدين احساناً أو أوصى بالوالدين إحساناً(١) ، أقول: من هنا يتّضحُ لنا جليلُ حقِّ الأبوين بحيث أنّ اللَّهَ تعالى أوجب حقّهما بعد وجوب توحيده وعبادته ونفي عبادةِ مَن سواه، وقد حفلت أحاديث العترة الطاهرة بالكثير من الوصايا الخالدة في هذا المقام منها:

ما روى الشيخ الكليني(ره) في أصول الكافي بسنده إلى منصور بن حازم عن أبي عبداللَّه الصادق(ع) قال: قلتُ له: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: الصلاةُ لوقتها وبِرُّ الوالدين، والجهاد في سبيل اللَّه عزّوجلّ(٢) .

ومنها: عن الإمام الصادق(ع) قال: ما يمنع الرّجلَ منكم أن يبرَّ والديه حيَّين وميّتين، يصلّي عنهما، ويتصدّق عنهما، ويحجّ عنهما، ويصوم عنهما، فيكون الذي صَنَعَ لهما، وله مثلُ ذلك فيزيده اللَّه عزّوجلّ ببرِّهِ وصِلَتِهِ خيراً كثيراً(٣) .

ومنها: عن معمّر بن خلّاد قال: قلت لأبي الحسن الرّضا(ع): أدعو لوالديَّ إذا كانا لا يعرفان الحق(٤) ؟ قال: ادعُ لهما، وتصدّق عنهما، وإن كانا

____________________

(١) مجمع البيان: ج ٢ ص٤٠٩.

(٢) أصول الكافي: ج ٢ ص١٥٨.

(٣) أصول الكافي: ج ٢ ص١٥٩.

(٤) لا يعرفان الحق: أي لا يعرفان شيئاً من أمر أهل البيت: في الإمامةِ وولاية الأمر بعد رسول اللَّه (ص).

١٩٠

حيّينِ لا يعرفان الحقّ فدارهما فإنّ رسول اللَّه(ص) قال: (إنّ اللَّه بعثني بالرّحمةِ لا بالعقوق)(١) .

( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا ) قال في (مجمع البيان): يعني به الكبر في السنّ والمعنى إن عاشا عندك أيّها الإنسانُ المخاطب حتى يكبُرا، أو عاش أحدُهما حتّى يكبر وخصَّ حال الكبر وإن كان من الواجب طاعة الوالدين على كلّ حال لأنّ الحاجةَ أكثر في تلك الحال إلى التعهّد والخدمة( فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ) روي عن الإمام أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا(ع) عن أبيه عن جدّه أبي ‏اللَّه(ع) قال: لو علم اللَّه لفظةً أوجزَ في تركِ عقوقِ الوالدين من أفٍّ لأتى بها، وفي رواية أخرى عنه(ع) قال: أدنى العقوق أف ولو علم اللَّهُ شيئاً أيسرَ منه وأهون منه لنهى عنه، وفي خبر آخر: فليعمل العاق ما يشاء أن يعمل فلن يدخل الجنّة، فالمعنى لا تؤذيهما بقليل ولا كثير.

روى الشيخ الصدوق(ره) في (الخصال) عن الإمام الباقر(ع) قال: في كتاب عليٍّ(ع) ثلاثُ خصالٍ لا يموت صاحبُهنّ حتى يرى وبالَهنّ: البغي، وقطيعة الرّحم، واليمين الكاذبة(٢) .

يحكى أنّ رجلاً غضب على أبيه - وهو عنده في الدّار - فأخذ يضربه ويضربه والأب ساكت لا يتكلّم ولا يعترض حتى وضع الابنُ الحبلَ في عنقِ والدِهِ وسحبه على الأرض حتى أوصله إلى باب الدّار ثمّ فتح الباب

____________________

(١) أصول الكافي: ج ٢ ص١٥٩.

(٢) الخصال: ج ١ ص١٢٤ ح ١١٩.

١٩١

ليلقي أباه خارج الدّار، فوضع الأب العاجز يده على الحبل وقال لابنه: إلى هنا يكفي فإني عندما كنت نشيطاً مثلك ضربت والدي ووضعت الحبلَ في عنقِهِ وسحبته على الأرض ولكن لم ألقه خارج الدّار، فكفَّ عنه ابنه، أقول: فسبحان اللَّه العادل الذي لا يفوتُه ظلمُ ظالمٍ أبداً:

لا تَظلمنّ إذا ما كنتَ مقتدراً

فالظّلمُ مرتعُهُ يُفضي إلى النّدم

تنامُ عينُك والمظلومُ منتبهٌ

يدعو عليك وعينُ اللَّهِ لم تنمِ(١)

( وَلا تَنْهَرْهُمَا ) أي لا تزجرهما بإغلاظٍ وصياح( وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ) أي وخاطبهما بقولٍ رقيقٍ لطيف حسن جميل بعيد عن اللغو والقبح يكون فيه كرامةٌ لهما، ويدلّ على كرامةِ المقول له على القائل( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) أي وبالغ في التواضع والخضوع لهما فعلاً وقولاً برّاً بهما وشفقةً عليهما، والمراد بالذّل هنا اللين والتواضع دون الهوان من خَفَضَ الطّائر جناحَه إذا ضمَّ فرخَه إليه، فكأنه سبحانه قال: ضمّ أبويك إلى نفسِك كما كانا يفعلان بك وأنت صغير، وإذا وصفت العرب إنساناً بالسهولةِ قالوا هو خافضُ الجناح، وقال أبو عبداللَّه الصادق(ع): معناه لا تملأ عينيك من النّظر إليهما إلّا برأفةٍ ورحمة ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ولا يديك فوق أيديهما ولا تتقدّم قدّامهما( وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) معناه ادع لهما بالمغفرةِ والرّحمة في حياتهما وبعد مماتهما جزاءً لتربيتهما إيّاك في صباك، وفي هذا دلالة على أنّ دعاء الولد لوالده الميّت مسموع وإلا لم يكن للأمر به معنى، وقيل: إنّ اللَّه تعالى أوصى الأبناء بالوالدين لقصور شفقتهم ولم يوصِ الوالدين بالأبناء لوفور شفقتهم

____________________

(١) من الديوان المنسوب لأمير المؤمنين(ع): ص١٢٠.

١٩٢

وفي الحديث عن النبيّ(ص) قال: رغم أنفه رغمَ أنفه رغمَ أنفه (ثلاث) قالوا: مَن يارسول اللَّه؟ قال: مَن أدرك أبويه عند الكبرِ أحدهما أو كلاهما ولم يدخل الجنّة، وروى أبو أُسَيْد الأنصاري قال: بينما نحن عند رسول اللَّه(ص) إذ جاءه رجلٌ من بني سلمة فقال: يارسول اللَّه هل بقي من بِرّ والديّ شي‏ءٌ أبرّهما به بعد موتهما قال: نعم الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وانفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلةِ الرّحم التي لا توصل إلّا بهما(١) .

واعلم أنه لا شي‏ء عند الأبوين أغلى وأثمن من برّ الابن بهما، على الرّغم من أنه وفاءٌ لبعضِ مالهما من ديون، انّهما يسعدان بهذا البرّ سعادة الغارس بثمرات غرسِهِ، وبهذه السعادة يشعر الابن البار إذا تأكّد من سعادةِ أبويه به، ورضاهما عنه(٢) .

وجاء في‏رسالة الحقوق للإمام أبي الحسن عليّ بن الحسين(ع): (وحقّ أبيك أن تعلمَ أنّه أصلُك، وأنّه لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسِكَ ما يعجبُك فاعلم أنّ أباك أصلُ النّعمةِ عليك فيه. فاحمد اللَّه واشكره على قدر ذلك. ولا قوّة إلّا باللَّه).

روي انّ رجلاً شيخاً أتى النبيَّ(ص) فقال: إنّ‏ابني هذا له مالٌ كثير، وأنّه لا ينفق عليَّ من مالِهِ، فنزل جبرئيل فقال: يارسول اللَّه إنّ هذا الشيخ قد أنشأ أبياتاً فاستنشدها منه، فاستنشده النبيّ(ص): فقال الشيخ يعتب على ابنه:

____________________

(١) مجمع البيان: ج ٣ ص٤١٠.

(٢) شرح رسالة الحقوق للسيد حسن القبانجي: ج ١ ص٥٦٨.

١٩٣

غذوتُكَ مولوداً وقد كنتَ يافعاً

تَعِلُّ بما أحني عليك وتنهَلُ

إذا ليلةٌ ضافتك بالسّقم لم أبت

لسقمكَ إلّا ساهراً أتململُ

كأنّي أنا المطروقُ دونَك بالذي

طُرِقتَ به دوني فعينيَ تهملُ

تخافُ الرّدى نفسي عليكَ وإنّها

لتعلَمُ أنّ الموتَ وقتٌ مؤَجّلُ

فلمّا بلغتَ السنَّ والغايةَ التي

إليها مدى ما فيكَ كنتُ أؤمّلُ

جعلتَ جزائي غلظةً وفضاضةً

كأنك أنت المنعمُ المتفضلُ

فليتكَ إذ لم تَرعَ حقَّ أبوّتي

فعلتَ كما الجارُ المجاورُ يفعَلُ(١)

فلمّا سمع النبيّ(ص) قال للولد: أنت ومالُكَ لأبيك(٢) .

وجاء في رسالة الحقوق المروية عن الإمام أبي الحسن عليّ بن الحسين(ع):

(وحقُّ أمّكَ أن تعلم أنّها حملتكَ حيثُ لا يحتملُ أحَدٌ أحداً، وأعطتك من ثمرةِ قلبها ما لا يعطي أحدٌ أحداً، ووقتك بجميع جوارحها ولم تبالِ أن تجوعَ وتطعمُكَ، وتعطشَ وتسقيك، وتَعرى وتكسوك، وتهجُرُ النّومَ لأجلك، ووقَتْكَ الحرَّ والبرد لتكونَ لها، فإنّكَ لا تُطيقُ شكرها إلّا بعونِ اللَّه عزّوجلّ)(٣) .

شكى رجلٌ إلى رسول اللَّه(ص) سوءَ خُلُقِ أُمِّه فقال: إنّها لم تكن سيّئةَ

____________________

(١) شرح رسالة الحقوق: ج ١ ص٥٦٩.

(٢) الإمام زين العابدين للمحقّق المقرّم: ص١٢٧.

(٣) الإمام زين العابدين(ع): ص١٢٦.

١٩٤

الخُلق حين حملتك تسعةَ أشهر، وحين أرضعتك حولين، وحين سهرت ليلَها وأظمأت نهارَها فقال الرجل: إنّي جازيتُها وحججتُ بها على متني فقال النبيّ(ص): ما جازيتها ولا طلقة واحدة(١) .

لأُمِّكَ حقٌّ لو علمتَ كبيرُ

كثيرُكَ ياهذا لديه يسيرُ

فكم ليلةٍ باتت بثقلك تشتكي

لها أنّةٌ ممّا بها وزفيرُ

وفي الوضع لو تدري عليها مشقّةٌ

فمن غُصَصٍ كادَ الفؤادُ يطيرُ

وكم غَسَلتْ عنك الأذى بيمينها

وما حجرُها إلّا لديك سريرُ

وتَفديكَ ممّا تشتكيهِ بنفسها

ومن ثديها شِربٌ لديكَ نميرُ

وكم مرّةٍ جاعت وأعطتك قوتَها

حُنوّاً وإشفاقاً وأنت صغيرُ

فآهاً لذي عقلٍ فيتّبعُ الهوى

وآهاً لأعمى القلبِ وهو بصيرُ

فدونك فارغب في عميمِ دعائها

فأنت لما تدعو به لفقيرُ

وفي الرواية عن النبيّ(ص) أنه قال: دعاء الوالدة أسرع إجابةً من الوالد قيل: لِمَ يارسول اللَّه قال: لأنّها أرحم(٢) .

من هنا قال الإمام أبو عبداللَّه الحسين(ع) لزوجته ليلى - كما هو المشهور عند أهل المنبر - ادخلي الخيمة وادعي لولدك، وذلك عندما برز بكرُ ابنُ غانم مبارزاً لعليّ الأكبر(ع)، فدخلت خيمتها - كأني بها - جرّدت

____________________

(١) شرح رسالة الحقوق: ج ١ ص٥٤٨.

(٢) المصدر السابق نفسه: ص٥٥٠.

١٩٥

خمارها نثرت شعرها، رفعت يديها إلى اللَّه تعالى وأقسمت عليه بقسمٍ عظيم، يقولون قالت: إلهي بغربةِ أبي عبداللَّه، إلهي بعطشِ أبي عبداللَّه يارادّ يوسف إلى يعقوب ردّ إليّ ولدي علي ولسان الحال:

دخلت الخيمتها الغريبه

تبكي وعلى ابنيها بريبه

وتوسلت للَّه بحبيبه

بالحسين وشما بيه مصيبه

ياراد يوسف من مغيبه

اليعگوب ومسكّن نحيبه

أريدك علي سالم تجيبه

فاستجاب تعالى دعاءها، وعاد الأكبر وبيده رأسُ بكر بن غانم وهو يقول:

صيدُ الملوكِ أرانبٌ وثعالبُ

وإذا برزتُ فصيدي الأبطالُ

يقولون: فقال له الإمام الحسين(ع) أسرع إلى خيمةِ أُمّك، فجاء الأكبر مسرعاً فرأى أُمّه مغمىً عليها ناداها فلم تجبه ثمّ ناداها فلم تجبه فوضع رأسها في حجره وأخذ يبكي على حال أمّه، فقطّر دمُعُه الشريف على وجهها ففتحت عينيها وإذا بابنها الأكبر معها سالماً معافى، فضمّته إلى صدرها ولسان الحال:

يابني علي ياماي عيناي

رديت روحي بجيّتك هاي

ياسلوتي وياطيب دنياي

يابني امن‏أسمعك تطلب الماي

والماي تدري حاطته عداي

ينصدع گلبي وتعم بلواي

١٩٦

أقول: هذا حالها وعليّ الأكبر إلى جنبها، ليت شعري ما حالها وقد حمله الهاشميون وهو مقطّعٌ بالسيوفِ إرْباً إرْباً ولسان الحال:

ياعلي يبني النوب ذلّيت

والموت ياخذني تمنيت

عمود الوسط ياشايل البيت

يبني بعد عندي شخلّيت

انه بيش اجيت وبيش ردّيت

بعدك عساني لا بقيت

* * *

بكل وادي لهيم عليك واسلاك

يبني ولا تظن أنساك واسلاك

گطّع من فؤادي هروش واسلاك

ييمّه من هويت اعله الوطية

* * *

ياكوكباً ما كان أقصر عمرَه

وكذا تكون كواكبُ الأسحار

* * *

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

١٩٧

الليلة التاسعة المجلس التاسع عشر

شهادة علي الأكبر(ع)

حَجْرٌ على عيني يمرُّ بها الكرى

من بعدِ نازلةٍ بعترةِ أحمد

أقمارُ تمٍّ غالها خسفُ الرّدى

واغتالها بصروفِهِ الزّمنُ الرّدي

شتّى مصائبُهم فبين مكابدٍ

سُمّاً ومنحورٍ وبين مصفّدِ

سل كربلا كم من حشىً لمحمّدٍ

نُهبت بها وكم استجذّت من يدِ

ولَكَمْ دمٍ زاكٍ أريق بها وكم

جثمانِ قدسٍ بالسيوفِ مبدّدِ

وبها على صدرِ الحسين ترقرقت

عبراتُهُ حزناً لأكرمِ سيّدِ

أفديه من ريحانةٍ ريّانةٍ

جفّت بحرِّ ظماً وحرِّ مهنّدِ

بكرَ الذّبولُ على نضارةِ غصنِهِ

إنّ الذّبولَ لآفةُ الغصنِ النّدِي

ماءُ الصِّبا ودمُ الوريدِ تجاريا

فيه ولاهِبُ قلبِهِ لم يَخمُدِ

ومحى الرّدى ياقاتلَ اللَّهُ الرّدى

منه هلالَ دجىً وغرّةَ فرقَدِ

يانجعةَ الحيّينِ هاشمَ والنّدى

وحمى الذّمارينِ العلى والسؤدَدِ

فلتذهب الدّنيا على الدّنيا العفى

ما بعدَ يومِكَ من زمانٍ أرغدِ(١)

____________________

(١) القصيدة من نظم المرحوم المقدّس آية اللَّه الشيخ عبدالحسين آل صادق العاملي(ره).

قال السيد جواد شبّر في (أدب الطف) الجزء ٩، ص٢٢٩:

الشيخ عبدالحسين ابن الشيخ إبراهيم ابن الشيخ صادق العاملي، ولد في النجف الأشرف في حدود سنة ١٢٨٢ وفيها نشأ، ثمّ خرج إلى جبل عامل وعاد إلى النجف الأشرف بعد وفاة أبيه فأخذ عن علمائها مثل الشيخ ميرزا حسين ابن ميرزا خليل، وهو في الطبقة الأولى

١٩٨

ولسان حال الإمام الحسين(ع):

يبويه گول واسرع ردّ الجواب

يبويه بياكتر مض بيك الصواب

يبويه العيش بعدك لا حله وطاب

ردتك ترد وحشة الغيّاب

وذخرتك تهيل عليّه التراب

دمعي على فرگاك سكّاب

شيفيد الدّمع لو صار خنياب

ماي وتبدّه طولك وغاب

* * *

قال الشاعرُ يمدح سيّدَنا عليّ الأكبر(ع):

لم ترَ عينٌ نظرت مثلَهُ

من محتفٍ يمشي ومن ناعلِ

أعني ابنَ ليلى ذا السّرى والنّدى

أعني ابنَ بنتِ الحسبِ الفاضلِ

لا يؤثرُ الدّنيا على دينه

ولا يبيعُ الحقَّ بالباطل

ولد سيّدُنا عليُّ الأكبر(ع) في الحادي عشر من شهر شعبان سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة وذلك قبل مقتل عثمان بسنتين (قتلَهُ المسلمون سنة خمس وثلاثين)، فيكون عمرُ علي الأكبر(ع) يوم الطف ما يقارب

____________________

من الشعراء، وشهد له العالمان الكبيران الملا كاظم الآخوند صاحب الكفاية والحاج الشيخ ميرزا حسين ابن ميرزا خليل بالاجتهاد.

قال المرحوم الشيخ محمد السماوي في (الطليعة): رأيته يتفجّر فضلاً، ويتوقّد ذكاءً إلى أخلاقٍ كريمة.

توفي في أوائل ذي الحجة سنة ١٣٦١ه في النبطية جنوب لبنان ودفن هناك.

١٩٩

سبعاً وعشرين سنة، ويؤيّده اتفاق المؤرّخين وأرباب النّسب على أنّه أكبر من الإمام السجّاد(ع) الذي له يوم الطفّ ثلاث وعشرون سنة(١) .

ومن العلماء الذين اختاروا هذا القول المرجع الدّيني المرحوم السيّد النّجفي المرعشي(ره) حيث قال: ومن فوائد هذا السِّفر الجليل - كتاب علي الأكبر للمحقّق المقرّم - أنّه أثبت كون عليّ الأكبر(ع) شهيد الطّف أكبر سنّاً من الإمام زين العابدين(ع) وهو الحقّ الحقيق بالقبول كيف لا فقد صرّح به فحلُ الفقهاء والنسّابين شيخنا الشيخ محمّد بن إدريس الحِلي في تعاليقه على مزار كتاب السّرائر قال ما محصّله:

إنّ الأصحّ والأشهر بين علماء التأريخ والنّسب كون علي الأكبر أكبرُ سنّاً من الإمام سيّد السّاجدين(ع)(٢) .

واللقب الذي عرف به عليّ بن الحسين(ع) الشهيد بكربلا هو (الأكبر)، وذلك لكونه أكبر أبناء الإمام الحسين(ع) قال المحقّق المقرّم في كتابه (علي الأكبر): وقد صرّح بذلك الإمام السجّاد(ع) حين قال له عبيداللَّه ابن زياد: أليس قد قتل اللَّهُ عليّاً؟ فقال الإمام(ع): كان لي أخٌ أكبرُ منّي يسمّى عليّاً فقتلتموه(٣) .

ولقد وصف الإمام السجّاد(ع) بالأصغر والشّهيد بالأكبر جماعةٌ من

____________________

(١) المصدر السابق نفسه: ص١٢.

(٢) من مقدّمة كتبها المرجع المرحوم السيّد النجفي المرعشي(ره) على كتاب (علي الأكبر) للمرحوم المقرّم.

(٣) علي الأكبر: ص١٦.

٢٠٠

المؤرّخين منهم: ابن جرير الطّبري وابن قتيبة الدينوري واليعقوبي وغيرهم(١) .

وأمّا كنيتُهُ فهي (أبو الحسن) كما جاء في زيارته المرويّة عن أبي حمزة الثمالي أنّ الإمام أبا عبداللَّه الصّادق(ع) قال له: ضع خدّك على القبر وقل:

صلّى اللَّه عليك ياأبا الحسن ثلاثاً، بأبي أنت وأمّي أتيتُك زائراً... الخ(٢) .

وأمّا أمُّه النّجيبة فهي السيّدة ليلى بنت أبي مرّة بن مسعود الثقفي.

وكان عليّ الأكبر(ع) أشبه النّاس برسول اللَّه(ص)، ولم ينصّ المؤرّخون على مشابهة آل النبيّ(ص) له في جميع الصّفات إلّا ولده عليّ الأكبر(ع)، فعلى سبيل المثال يحدّث السّروي عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري أن السيّدة فاطمة الزهراء(ع) تشبه أباها في المِشية فإنها تميل على الجانب الأيمن مرّةً وعلى الأيسر أخرى.

وفي رواية الشيخ الصّدوق(ره) في الخصال تشهد بأنّ الحسن(ع) شابهَ جدّه رسول اللَّه(ص) في الهيبة والسؤدد والحسين(ع) شابهَهه في الجود والشجاعة.

وأخرج الحاكم النيسابوري عن أمير المؤمنين(ع) انه قال: إنّ رسول اللَّه(ص) قال لجعفر الطيّار أشبهت خَلقي وخُلقي.

____________________

(١) وللمزيد راجع كتاب (علي الأكبر) للمحقّق المقرّم: ص١٦ - ١٩.

(٢) كامل الزيارات لابن قولويه القمّي(ره) باب ٩٧: ص٢٤٠.

٢٠١

ويحدّث الشيخ الجليل الشيخ فخر الدين الطّريحي في (المنتخب) إنّ الإمام الحسين(ع) قال في حقّ الرّضيع: (اللهمّ أنت الشاهدُ على قومٍ قتلوا أشبهَ النّاس برسولك محمّد(ص)).

وهذه الشواهد كلّها لا تدلّ على مشابهة العترة الطاهرة للرسول(ص) في جميع الصفات الكريمة، لكنّ كلمة الإمام الحسين(ع) الذّهبيّة في حق ولده علي الأكبر(ع): اللهمّ اشهد أنه برز إليهم أشبهُ النّاس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولِك وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه.

ترشدُنا هذه الكلمةُ الشريفة إلى أن فقيد البيت الهاشمي كان في وقته‏مرآة الجمال النبوي(ص)، ومثالَ كماله الأسمى، وأنموذجاً من منطقه البليغ‏الرائع حتى أنّ أباه الإمام الحسين(ع) إذا اشتاق إلى رؤية جدّه المفدّى(ص)نظر إليه، والحق أنّ عليّ الأكبر(ع) شابه جدّه في أخلاقه أجمع‏كالاخلاص والشجاعة والحلم والبشاشة في العشرة ودماثة في الخُلق،ولين‏الجانب، والخشونة في ذات اللَّه تعالى، والابتعاد عن الدنايا والرّذائل(١) .

وممّا يشهد بذلك أن معاوية مع ما كان عليه من المباينة مع الهاشميين لم يسعهُ إلّا الإعتراف أمام قومه باجتماع الفضائل في (علي الأكبر(ع)) وأنه جديرٌ بالخلافة، وقابل للزّعامة الدينيّة يوم قال لمن حضر عنده من أهل الشام وغيرهم: مَن أحقُّ بهذا الأمر؟ قالوا: أنت.

فقال معاوية: لا، أولى الناس بهذا الأمر عليّ بن الحسين بن علي،

____________________

(١) علي الأكبر للمقرّم: ص٤٢.

٢٠٢

جدّهُ رسول اللَّه(ص)، وفيه شجاعة بني هاشم، وسخاء بني أميّة(١) ، وزهو ثقيف.

وهذه الكلمة الصّادرة من معاوية ترشدنا إلى أنّ عليّ الأكبر(ع) يومئذ معروف عند أهل الشام وغيرهم بأنه الجامع للقداسة الإلهية ومكارم الأخلاق بأجلى مظاهرها وإلّا فلا يعقل أن يشير معاوية بأهلية الخلافة إلى رجلٍ غير مرموق عند الناس من جميع الفضائل(٢) .

وفي الطريق إلى كربلاء بدت من الأكبر معرفةٌ وشجاعة عالية يشهد لهذا حديثُ عقبة بن سمعان حيث قال: لما كان السّحر من الليلة التي بات الإمام الحسين(ع) فيها بقصر بني مقاتل أمرنا بالإستقاء ثمّ ارتحلنا فبينا هو يسير إذ خفقَ برأسه خفقةً وانتبه يقول: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون والحمدُ للَّه ربّ العالمين، وكرّر ذلك ثلاثاً.

فأقبل إليه ابنُهُ عليُّ الأكبر وكان على فرسٍ وقال له: جعلت فداك مِمَّ استرجعت وحمدَت اللَّه؟ قال(ع): خفقت برأسي خفقةً فعنّ لي فارسٌ يقول: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمتُ أنّها أنفسُنا نُعيت إلينا. فقال عليّ الأكبر(ع): ياأبتِ ألسنا على الحق؟

فقال الحسين(ع): بلى والذي إليه مرجعُ العباد.

____________________

(١) قوله: سخاء بني أمية هو مدحٌ لقومه بما ليس فيهم حيث لم يُعرف بنو أميّة لا بشجاعة ولا كرم، وأما لماذا ذكر معاوية بني أمية هنا. فالجواب: هو لأنّ السيّدة ليلى أم علي الأكبر بنت ميمونة بنت أبي سفيان، فمعاوية بهذا خالٌ لليلى أُمّ علي الأكبر(ع).

(٢) علي الأكبر للمقرّم: ص٤٦.

٢٠٣

قال الأكبر(ع): إذاً لا نبالي أن نموت محقّين فقال له الإمام: جزاك اللَّهُ من ولدٍ خير ما جزى ولداً عن والده(١) ، وللَّه درُّ الشاعر حيث يقول:

في بأسِ حمزةَ في شجاعةِ حيدر

بإبا الحسين وفي مهابةِ أحمدِ

وتراهُ في خَلقٍ وطيبِ خلائقٍ

وجميلِ نُطقٍ كالنّبيِّ محمّدِ(٢)

قال أبو الفرج الأصفهاني وغيرُهُ: وكان أوّلُ من قُتِلَ بالطفّ من بني هاشم بعد أنصار الحسين(ع) عليَّ الأكبر بن الحسين(ع)، فإنه لما نظر إلى وحدةِ أبيه تقدّم إليه وهو على فرسٍ له يدعى ذا الجناح فاستأذنه في البراز، وكان من أصبحِ الناس وجهاً، وأحسنهم خلقاً، فأرخى الإمام عينيه بالدّموع وأطرق ثمّ قال:

اللّهمّ اشهد أنه قد برز إليهم غلامٌ أشبهُ النّاس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه ثمّ صاح ياابن سعد قطع اللَّه رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظني في رسول اللَّه(ص) فلمّا فهم الإذن من أبيه شدّ على القوم وهو يقول:

أنا عليُّ بنُ الحسين بن علي

نحنُ وبيتِ اللَّهِ أولى بالنّبي

واللَّهِ لا يحكُمُ فينا ابنُ الدّعي

فقاتلَ قتالاً شديداً ثمّ عاد إلى أبيه وهو يقول: ياأبتِ العطش قد

____________________

(١) علي الأكبر: ص٦٨.

(٢) من قصيدة المرحوم الفقيه الشيخ عبدالحسين آل صادق(ره).

٢٠٤

قتلني، وثقل الحديد قد أجهدني، فبكى الإمام(ع) وهو يقول: واغوثاه وأنى لي بالماء قاتل يابني قليلاً واصبر فما أسرع الملتقى بجدّك محمّد(ص) فيسقيك بكأسه الأوفى شربةً لا تظمأ بعدها أبداً، فكرّ على الأعداء يفعل بهم فعل أبيه وجدّه.

قال حميد بن مسلم الأزدي كنت واقفاً وبجنبي مرّة بن منقذ وعليّ بن الحسين يشدّ على القوم يمنةً ويسرة فيهزمهم فقال مُرّة: عليّ آثام العرب إن مرّ بي هذا الغلام لأثكلنّ أباه فقلت له: يكفيك هؤلاء الذين احتوشوه فقال: لأفعلن ومرّ بنا عليّ وهو يطرد كتيبة فطعنه برمحِهِ فانقلب على قربوس فرسه فاعتنقه فذهب به إلى جهة الأعداء فقطّعوه بالسيوف فصاح قبل أن يفارق الدنيا: السلامُ عليك ياأبتي هذا جدّي المصطفى قد سقاني بكأسه الأوفى، فشدّ الحسين(ع) حتى وقف عليه وهو مقطّعٌ بالسيوف إرْباً إرْباً فقال: قتل اللَّهُ قوماً قتلوك يابنيّ فما أجرأهم على اللَّه وعلى انتهاك حرمة الرسول ثمّ بكى وقال: على الدّنيا بعدك العفاء:

گعد عنده وشافه مغمّض العين

بدمّه سابح مترّب الخدّين

متواصل طبر والرّاس نصّين

حنه ظهره على بنيّه وتحسّر

* * *

يبويه من سمع يمّك ونينك

او من شبحت لعند الموت عينك

لثلاثين ما وصلن سنينك

وحاتفني عليك الدّهر الأكشر

____________________

(١) ابصار العين في أنصار الحسين: ص٢٢.

٢٠٥

وروى أبو مخنف: عن حميد بن مسلم أنه قال: وكأني أنظر إلى امرأةٍ خرجت من المخيّم - الفسطاط - وهي تنادي ياحبيباه ياابن أخيّاه فسألت عنها فقالوا: هذه زينب بنت علي فجاءت حتى انكبت عليه فجاء الحسين إليها وأخذ بيدها إلى الفسطاط ولسان الحال:

شافه والنبل شابك علي راح

هوه فوگه وصفگ راحٍ علي راح

صاح بصوت يازينب علي راح

يخويه ظلمّت الدنيا عليّه

ولسان حال الإمام الحسين(ع):

صدّعت قلبي يابنيَّ تأسفا

وتركتني أدعو أسىً وتلهُّفا

أنا لاحقٌ بك ياشبيهَ المصطفى

فلتذهب الدّنيا على الدّنيا العفى

ما بعد يومِكَ من زمانٍ أرغدِ

* * *

أنا لم أخَل قبلي سيرديك الرّدى

فلك الفدى نفسي لو أنّك تفتدى

أتركتني شجواً أنوحُ مردّداً

يانجعةَ الحيّينِ هاشمَ والنّدى

وحمى الذّمارين العلى والسؤدَدِ(١)

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

____________________

(١) التخميس للمرحوم السيّد عبدالرّسول الكفائي.

٢٠٦

الليلة العاشرة المجلس العشرون

شهادة عبداللَّه الرّضيع

ومرضعةٍ هبّت بها لرضيعها

عواطفُ أُمٍّ أثكلتْ طفلها صبرا

رأت مهدَهُ بالحزن يطفحُ بعدَه

وقد كان فيه قبلُ يطفحُ بالبُشرى

وأثقلَ ثدييها من الدرِّ خالصٌ

على طفلها فيه تعوّدت الدرّا

فخفّت إلى مثوى الرّضيع لعلّها

ترى رمقاً فيه يُغذّى بما درّا

فلم ترَ إلّا جثّةً فوق مذبحٍ

بها عَلُقَ السّهمُ الذي ذبح النحرا

فحنّت وأحنت فوقَهُ من تعطّفٍ

أضالعَها ظِلّاً تقيه به الحرّا

وضمّتهُ مذبوحَ الوريد لصدرها

ومن دمِهِ المسفوحِ خضّبت الصّدرا

وودّت ومن أوداجِهِ تَنفَحُ الدّما

لو أنّ بذاك السهم أوداجُها تُفرا

وأضحت على مثواهُ تُفْرِغُ قلبَها

حنيناً فترثيه بما يفضلُ الشّعرا

فطوراً تناغيه وطوراً بلهفةٍ

تعانقُ جِيداً منه قد زيّن الدّرا

وتعطفُ طوراً فوقَهُ فتشمُّهُ

بمنحَرِهِ الدّامي وتلثمُهُ أخرى(١)

ولسان حال أمّه الرّباب:

يبني يعبد اللَّه اعله فرگاك

صبري انفنه ودرّن ثداياك

يادين يبني الحرملة وياك

للماي حين شبحت عيناك

گدّر بسهمه عليك وارماك

وخيّب رجاي الكان برباك

* * *

____________________

(١) القصيدة من نظم المرحوم الشيخ عبدالمنعم الفرطوسي(ره).

٢٠٧

مياتم للحزن ننصب ونبني

رماني حرملة بسهمه ونبني

الطفل عاده يفطمونه ونبني

انفطم ياناس بسهام المنيه

* * *

قال اللَّه تعالى في القرآن الكريم:( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) (١) .

قال الشيخ الطبرسي(ره) في (مجمع البيان):( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ) أي محنة وابتلاء وشدّة للتكليف عليكم، وشغل عن أمر الآخرة، فإنّ الإنسان بسبب المال والولد يقع في الجرائم - المعاصي -(٢) .

وقال السيد الطباطبائي(ره) في (الميزان): وكون الأموال والأولاد فتنة انما هو لكونهما زينة تنجذب إليهما النفس انجذاباً فتفتتن وتلهو بهما عمّا يهمّها من أمر آخرتها وطاعةِ ربّها قال اللَّه تعالى:( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) (٣) ، والجملةُ - إنما أموالكم وأولادكم فتنة - كناية عن النّهي عن التلهّي بهما والتفريط في جنب اللَّه ويؤكّدهُ قوله تعالى:( وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) (٤) .

قال الشيخ الطبرسي(ره):( وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) أي ثوابٌ جزيل وهو الجنّة يعني فلا تعصوه بسبب الأموال والأولاد، ولا تؤثروهم على ما عند اللَّه من الأجر والذّخر.

____________________

(١) سورة التغابن: الآية ١٥.

(٢) مجمع البيان للطبرسي: المجلد الخامس ص٣٠١.

(٣) سورة الكهف: الآية ٤٦.

(٤) الميزان للعلّامة الطباطبائي: ج ١٩ ص٣٠٨.

٢٠٨

وفي مجمع البيان عن عبداللَّه بن مسعود قال: ولا يقولنّ أحدُكُمْ أللهمّ إني أعوذ بك من الفتنة فإنه ليس أحدٌ منكم يرجع إلى مالٍ وأهل وولدٍ إلّا وهو مشتملٌ على فتنة ولكن ليقل اللهمّ إنّي أعوذُ بك من مضلّات الفتن، قال الشاعر:

وما المالُ والأولادُ إلّا ودائعٌ

ولابُدّ يوماً أن تُردّ الودائعُ

بعد أن فهمنا - ولو على الإجمال - تفسير هذه الآية الكريمة - تعالَ معي إلى تفصيل هاتين الفتنتين - كما عبّر القرآن الكريم - :

أمّا الأموال: ففتنةٌ واضحة يعلمها الجميع، وهي كلّما ازدادت ازداد الإنسان لها حبّاً وبها تعلّقاً، وهذا الأمر وجدانيّ لا سبيل إلى إنكاره، ففي الحديث الشريف: أتى النبيَّ(ص) رجلٌ فقال: ما لي لا أُحبُّ الموت؟ فقال له: ألك مالٌ؟ قال: نعم. قال: فقدّمتَهُ؟ قال: لا. قال: فمِن ثَمّ لا تُحبّ الموت(١) .

وفي رواية أخرى قال له: قدّم مالك فإنّ قلب الرّجل مع مالِهِ إن قدّمَه أحبَّ أن يلحقَهُ وإن خلّفه أحبّ أن يتخلّف.

قال المرحوم السيّد عبداللَّه شبّر(ره) في كتابه (الأخلاق): وفي المال آفاتٌ دينيّة وهي ثلاثة أنواع:

الأول: إنّ المال يجرّ إلى المعاصي فإن الشهوات متقاضية - أي انّ الطريق إليها يكون ببذل المال - والعجز - يحولُ بين المرء والمعصية.

____________________

(١) بحار الأنوار: ج ٦ ص١٢٧.

٢٠٩

الثاني: إنّ المال يجرّ إلى التنعّم في المباحات، أقول: التنعّم بالمباحات كالأسفار لأجل السياحة والنّزهة، والبناء للدور الكبيرة، وشراء المراكب الفارهة، وخياطة الملابس المتنوّعة من الأقمشة الفاخرة وما شابه ذلك فإنّ أقلّ ما يمكن أن يقال في هذه المباحات أنها تلفٌ للوقت الثمين، والعمر الغالي وقد جاء في الحديث الشريف: أنفاسُ المرءِ مهرُ سعادته.

وفي الديوان المنسوب لأمير المؤمنين(ع):

حياتُكَ أنفاسٌ تُعدّ فكلّما

مضى نفسٌ منها انتقصت به جُزءا

ويُحييكَ ما يُفنيكَ في كلِّ حالةٍ

ويحدوك حادٍ ما يريدُ بك الهزءا(١)

الثالث: وهو الذي لا ينفكّ عنه أحد، وهو أنّه يلهيه إصلاحُ مالِهِ عن ذكرِ اللَّه تعالى، وكلُّ ما يشغل العبد عن اللَّهِ فهو خسران، قال تعالى:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) (٢) .

ولذلك قال عيسى(ع): في المالِ ثلاثُ آفاتٍ: أن يأخُذَهُ من غير حلِّه فقيل له: فإن أخذه من حلِّه؟ قال: يضعُهُ في غير حقّه فقيل له: إن وضعَهُ في حقّه؟ قال: يشغَلُهُ اصلاحُهُ عن اللَّه تعالى(٣) .

وأمّا الأولاد: فمحنةٌ وابتلاء وشدّة في التكليف، فإنّ الإنسان مسؤولٌ

____________________

(١) من الديوان المنسوب: ص١١.

(٢) سورة المنافقون: الآية ٩.

(٣) الأخلاق للسيّد عبداللَّه شبر(ره): ص١٨٧.

٢١٠

عن صالح أولاده وطالحهم، فإنه في صالح الأولاد مثابٌ ومأجور، وفي طالحهم فإن قصّر في تربيتهم وتغذيتهم بالمعارف الدينيّة الحقّةِ كان مسؤولاً عن ذلك التقصير.

قال الشيخ القرشي حفظه اللَّه تعالى في كتابه (النظام التربوي في الإسلام): إنّ الأب مسؤولٌ عن تربيةِ أبنائه تربيةً صالحة ليكونوا قرّةَ عينٍ له في مستقبله، وكان أئمةُ أهلِ البيت: يعنون بهذه الجهة ويولونها المزيد من الاهتمام يقول الإمام أمير المؤمنين(ع) المربّي الأوّل في الإسلام لولده الإمام الحسن(ع): (وجدتُكَ بعضي بل وجدتكَ كلّي حتى كأنّ شيئاً لو أصابك أصابني وكأنّ الموتَ لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي)(١) .

وفي رسالة الحقوق المرويّة عن الإمام زين العابدين(ع) قال: (وأمّا حقَّ ولدك فأن تعلم أنّه منك ومضاف إليك في عاجل الدّنيا بخيره وشرّه، وأنك مسؤولٌ عمّا وليتَهُ من حُسنِ الأدبِ والدَّلالةِ على ربِّه عزّوجلّ، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عملَ مَن يعلم أنّه مثابٌ على الإحسانِ إليه معاقب على الإساءةِ إليه)(٢) .

إنّ الأساس الأول الذي يجب تعليمه للطّفل في سبيل التربية الصحيحة إشعارُهُ بوجود اللَّه‏والإيمان به بلسان متيسّر الفهم، فإنّ الحاجة للإيمان باللَّه تعالى موجودةٌ في باطن كلّ إنسان بفطرته الطّبيعيّة وعلى القائم بالتربية أن

____________________

(١) النّظام التربوي في الإسلام للشيخ باقر شريف القرشي: ص٨٩.

(٢) الخصال للشيخ الصّدوق(ره): ج ٢ ص٥٦٨.

٢١١

يستفيد من هذه الثروة الفطريّة، ويفهمُهُ أنّ الذي خلقنا والذي يرزقنا، والذي خلق جميع النباتات والحيوانات والجمادات، والذي خلق العالم، وأوجد الليلَ والنّهار هو اللَّهُ تعالى، انّهُ يراقب أعمالنا في جميع اللحظات فيثيبنا على الحسنات، ويعاقبنا على السيّئات.

هذا الحديث سهلٌ جداً وقابلٌ للإذعان بالنسبةِ إلى الطفل ونفسِهِ فنراه يؤمنُ بوجود اللَّه في مدّة قصيرة ويعتقد به، بهذا الأسلوب نستطيع أن نخلق في نفس الطّفل حبّ النظام والإلتزام ونحثّه على الإستقامة في السلوك وتعلّم الفضائل الخلقيّة والملكات العليا بالتّدريج(١) .

واعلم أنّ مراقبتَهُ في سنّه المبكّر، وتعويده العادات الطيّبة، وابعاده عن النزعات الشريرة تؤدي إلى سعادته ونجاحه في الدنيا والآخرة، كما أنّ اهماله وعدم مراقبته يؤدي إلى شقائه وهلاكه(٢) .

يحكى أنّ ملكاً ووزيره خرجا ذات يوم في مهمّة عسكرية، فاجتازا بصبيةٍ في طريقهم إلى الدّرس فأحبّ الملك أن يسمع منهم شيئاً يسرّه وهو في طريقه إلى تلك المهمّة، فاستوقفَ أحد الصّبيان وقال له: ما اسمُك؟ قال: فتّاح قال الملك: إلى أين تذهب؟ قال: إلى المعلّم قال: وأين تقرأ؟ قال: في قوله تعالى:( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ) في سورة الفتح، فاستبشر الملك بذلك وتوقّع النجاح في مهمّته ووجهته وفعلاً حصل ذلك حيث تمكن الملك من عدوّه وعاد منتصراً سالماً فقال لوزيره: مرّ بنا على المعلّم لنكرّم ذلك الطّفل

____________________

(١) الطفل بين الوراثة والتربية للمرحوم الشيخ محمد تقي فلسفي: ج١ ص٣٥٣ - ٣٥٤.

(٢) النظام التربوي في الإسلام: ص٩٦.

٢١٢

الذي تفألنا خيراً باسمه ودرسه، فمرّا على المعلّم ودخل الملك حتى إذا استقرّ به الجلوس قال للمعلّم: ادعو لنا ذاك الصّبي فناداه المعلّم قم ياعباس وقف بين يدي الملك، فجاء حتى وقف بين يديه فقال له: ما اسمك؟ قال: عباس قال: أين تقرأ؟ قال: في قوله تعالى:( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) سورة عبس قال الملك: سألتك آنفاً فقلت: فتّاح أقرأ في سورة( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ) قال: أيّها الملك عندما استوقفتني وسألتني تنبّهتُ إلى ما تريد لأنّ مثلك لا يكلّم مثلي إلّا لأمرٍ معقول فأجبتك بما يسرّك قال له الملك: أحسنت ثمّ أمر أن يعطوه ديناراً فامتنع الصّبيّ عن أخذه فقال له الملك: تمتنع عن أخذ هدية الملك؟ فقال: إن أخذت الدينار سألني أبي عن مصدره فإن قلت له: أنّه منك لم يصدّقني لأنّ الملوك لا يعطون القليل، فأمر الملك بإعطائه مائة دينار ثمّ ذهب الملك وهو مأنوس من ذكاء الصبيّ ونباهته فمرّ بطريق ضيّق وإذا برجلٍ نائم في الطريق فقال له الحرّاس ابتعد عن الطريق فلم يقبل فنزلوا إليه وطلبوا منه التنحّي عن طريق الملك فأسمعهم كلاماً خشناً وبلغ ذلك الكلام إلى أذن الملك نفسه فأمرَ بتأدبيه أمام الملأ ليكون عبرةً لغيره، فنودي: إنّ الملك يأمركم أن تحضروا تأديب فلان بن فلان، فحضر الناس وإذا بالصّبي عباس حضر أيضاً وطلب مقابلةَ الملك فأذن له فعندما دخل عليه وضعَ كيس الدنانير بين يدي الملك فقال له: ما هذا؟ قال: إنّ الشخص الذي أمرتم بتأديبه هو أبي وهذه الدنانير فداءٌ لأبي فقال الملك: الدنانير لك وبارك اللَّه فيك وأبعد أباك قال إن أذن لي الملك تكلّمت قال له قل ما تريد قال: بارك اللَّه بأبي وأبعد أباه قال الملك متعجّباً: وما معنى هذا؟ قال: لأنَّ أبي أدّبني

٢١٣

فقرّبتني تربيتُهُ من الملوك وتركَهُ أبوه ولم يؤدّبه فتعرض لسخط الملوك فأكرمه الملك ثانيةً وعفا عن أبيه.

وما أحسن ما في الديوان المنسوب:

حرِّض بنيكَ على ‏الآدابِ في‏الصّغَرِ

كيما تقرَّ بهم عيناكَ في الكِبَر

وإنّما مثلُ الآدابِ تجمَعُها

في عنفوانِ‏ الصِّبا كالنّقشِ في ‏الحَجَرِ

هي الكنوزُ التي تنمو ذخائرُها

ولا يُخافُ عليها حادثُ الغِيَرِ(١)

وبعد هذا فلا يخفى أنّ الولد ريحانة بها يأنس الأبوان، وبشمّها يتمتّعان، وهو موضع شفقتهما ورحمتهما.

روي أنّ رجلاً جاء إلى رسول اللَّه(ص) فقال: ما لنا نجدُ بأولادنا ما لا يجدون بنا؟ قال: لأنّهم منكم ولستم منهم، وروي هذا المعنى عن الإمام الحسن المجتبى(ع):

وإنّما أولادُنا بيننا

أكبادُنا تمشي على الأرضِ

لو هبّتِ الرّيحُ على بعضهم

لامتنعت عيني عن الغمض

أقول: إذن ما حال الإمام أبي عبداللَّه الحسين(ع) عندما رأى طفلَه عبدَاللَّه غائرَ العينين خاوي البطن ذابل الشفتين وذلك بعد أن جفّ حليب أمّه من شدّة عطشها فأخذه الإمام(ع) وأخرجه ليطلب له قليلاً من الماء ولسان الحال:

____________________

(١) من الديوان المنسوب لأمير المؤمنين(ع): ص٦٢.

٢١٤

أختُ هاتيلي رضيعي‏ أرَهُ قبلَ ‏الفراق

فأتت بالطّفلِ لا يهدأُ والدّمعُ مراق

يتلظّى ظمأً والقلبُ‏ منه ‏في ‏احتراق

غائرَ العينينِ ‏طاوي ‏البطنِ ‏ذاوي ‏الشفتين

* * *

فبكى لما رآهُ‏ يتلظّى بأوام(١)

بدموعٍ‏ من ‏أماقٍ ‏تخجلُ ‏السُّحبَ ‏السجامِ

فأتى القومَ وفي كفّيهِ ذيّاك الغلام

وهما من ظمأٍ قلباهما كالجمرتين

* * *

فدعا في القوم ياللَّهِ من خطبٍ فظيع

نبّئوني أأنا المذنبُ أم هذا الرّضيع

لاحظوهُ‏ فعليه ‏شبهُ‏ الهادي‏ الشّفيع

لا يكن ‏شافعُكُمْ‏ خصماًلكم ‏في ‏النشأتين

* * *

عجّلوا نحوي بماءٍ أَسقِهِ هذا الغلام

فحشاهُ‏ من‏ أوامٍ ‏في ‏اضطرابٍ‏ وكِلام(٢)

فاكتفى ‏القومُ ‏عن‏ القولِ ‏بتكليمِ السهام

وإذا بالطّفلِ قد خرّ صريعاً لليدين(٣)

ويقال: إنّ المختاررحمه‌الله تعالى عندما جي‏ء له بحرملة بن كاهل قال له: أنت الذي ذبحت عبداللَّه الرّضيع؟ كيف تمكّنت من ذلك!! أو ما رقّ قلبُك له؟ قال: كانت العادة الجارية أنّ الإمام الحسين(ع) إذا أراد الحملةَ على الجيش ركب فرساً، وإذا أراد الوعظ والتحذير والتذكير ركب ناقةً له، وفي هذه المرّة جاءنا ماشياً ومعه شي‏ء يظلّلُ له من حرارة الشّمس فتكلّم

____________________

(١) الأوام: هو العطش.

(٢) الكِلام: بالكسر هو الجرح.

(٣) أبيات من نظم شريف لمقتل الإمام الحسين(ع) للمرحوم الشيخ حسن الدّمستاني البحراني(ره) رياض المدح والرثاء: ص٤٥٩.

٢١٥

مع ميمنة الجيش فلم يستمعوا له، فمال إلى ميسرةِ الجيش فلم يستمعوا له، فعاد إلى قلب المعسكر فقال: ياقوم لقد قتلتم أصحابي وإخوتي وأهل بيتي إن كان ذنبٌ للكبار فما ذنبُ الصّغار ثمّ أخرج ولداً ورفعه وقال: هذا عبداللَّه اسقوه شربة من الماء فإنّه إن عاش لا يضرّكم وإن مات طولبتم بدمه، فاختلف العسكر وانقسم ثلاثاً قسماً قال: اسقوه فإنه طفلٌ رضيع، وقسماً اكتفى بالبكاء لحال الرّضيع، وقسماً قال: لا تبقوا لهذا البيت صغيراً ولا كبيراً فقال لي عمر بن سعد: ياحرملة اقطع نزاع القوم قلت: أرمي الوالد أم الولد قال: بل الولد، فتنحيت جانباً ووضعت سهماً في كبد القوس ولم يرقّ قلبي له، فنظرت أين أرميه لصغره وإذا بالهواء تكشف رقبته فحكّمت السهم ورميته فذبحتُهُ من الوريد إلى الوريد وما رقّ قلبي له، فعندما أحسّ بحرارةِ السهم أخرج يديه واعتنق والده الحسين هنا رقّ قلبي له ولسان حال الحسين(ع) بعد ذبح ولده:

تلگه حسين دم الطفل بيده

شحال اليذبح بحجره وليده

سال وترس كفّه من وريده

وذبّه للسّمه وللأرض ما خرّ

* * *

عليك انفتح جفن العين وافتاك

وسهم نحرك بگلبي‏وگع وافتاك

بقتل الطفل من آمرك وافتاك

يابن كاهل شله ويَّاك أذيّه

رجع به إلى المخيّم يقولون: استقبلتهُ ابنتُهُ سكينة وما كانت تتصوّر أن تبلغ بهم القسوة إلى هذا الحدّ بحيث يقتلون الطفل الرّضيع ولسان الحال:

٢١٦

بويه الطفل للماي أخذته

بسهم العده مذبوح جبته

شنهو الذّنب خويه العملته

مذبوح ولسانك دلعته

والماي حاضر ما شربته

ولسان حال أُمّه الرباب عندما رأته مذبوحاً من الوريد إلى الوريد:

ماني أُمّك يعبد اللَّه ويبعد أمك

ما أنساك وألهج يالولد باسمك

شعب گلبي السّهم من فجّره الدمّك

ياسلواي بعدك من يسليني

* * *

ست اِشهر بعد يلما وصل عمرك

شذنب اللي جنيته او ينگطع نحرك

يابني سهم المثلث خسف بدرك

ياريت الرماك بسهم راميني

لا ضيرَ في قتل الرجال وإنما

قتلُ الرّضيع به الضميرُ يُضامُ

طلب الحسينُ الماءَ يسقي طفله

فاستقبلته من العداة سهامُ

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

٢١٧

الليلة العاشرة المجلس الحادي والعشرون

الإمام(ع) وأصحابه ليلة العاشر

لا خبت مرهفاتُ آلِ عليٍّ

فهي النّارُ والأعادي وَقودُ

عقدوا بينها وبين المنايا

ودعوا ههنا توفّى العقودُ

ملأوا بالعدى جهنّمَ حتّى

قَنِعَتْ ما تقولُ هل لي مزيدُ

ومذِ اللَّهُ جلّ نادى هلمّوا

وهُمُ المسرعون مهما نودوا

نزلوا عن خيولهم للمنايا

وقصارى هذا النزولِ صعودُ

فقَضَوْا والصّدورُ منهم تلظّى

بضَرامٍ وما أُبيحَ الورودُ

سلبوهم برودَهم وعليهم

يومَ ماتوا من الحُفاظ برودُ

تركوهم على الصّعيدِ ثلاثاً

يابنفسي ماذا يُقلُّ الصّعيدُ

فوقَه لو درى هياكلُ قدسٍ

هو للحشرِ فيهُمُ محسودُ

تربةُ تعكفُ الملائكُ فيها

فركوعٌ لهم بها وسجودُ

وعلى العيسِ من بناتِ عليٍّ

نُوَّحٌ كلُّ لفظها تعديدُ

سلبتها أيدي الجُفاةِ حُلاها

فخلى معصَمٌ وعطّلَ جيدُ

وعليها السياطُ لما تلوّت

خلفتها أساورٌ وعقودُ(١)

* * *

يحيدر گوم لسيوفك وسلها

يوم الطف شعب روحي وسلها

____________________

(١) القصيدة من نظم المرحوم السيّد جعفر الحلّي(ره) الدرّ النّضيد: ص١٢١. وقد مرّت ترجمته ص٤٣.

٢١٨

گوم أنظر متن زينب وسلها

تگول سياط زجر أثرت بيّه

* * *

والسّبطُ والصَّحْبُ اولو الوفاءِ

باتوا بتلكَ الليلةِ اللّيلاءِ

لَهم دوىُّ كدويِّ النّحلِ

من ذاكرٍ للَّهِ أو مصلِّ

صلاةَ عبدٍ خاشعٍ مودّعِ

يدعوهُ بالخضوعِ والتضرّعِ

أحيَوا جميعَ الليل بالعبادة

فأدركوا سعادةَ الشّهادة(١)

قال السيد ابن طاووس(ره) في (الملهوف): ثمّ جاء الليل - ليلة العاشر فجمع الحسين(ع) أصحابَهُ، فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال: أمّا بعدُ فإني لا أعلمُ أصحاباً خيراً منكم، ولا أهلَ بيتٍ أفضلَ وأبرَّ من أهل بيتي، فجزاكم اللَّه عنّي جميعاً خيراً، وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً، وليأخذ كلُّ رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي وتفرّقوا في سوادِ هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم فإنّهم لا يريدونَ غيري.

فقال له أخوتُهُ وأبناؤه وأبناء عبداللَّه بن جعفر: ولِمَ نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرانا اللَّه ذلك أبداً، وبدأهم بهذا القول العبّاس بن علي(ع) ثمّ تابعوه، ثمّ قام مسلمُ بن عوسجة وقال: نحن نخلّيك هكذا وننصرف عنك وقد أحاط بك هذا العدوّ، لا واللَّهِ لا يراني اللَّهُ أبداً وأنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمُهُ بيدي، ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك أو أموت دونك.

قال الرّاوي: وقام سعيد بن عبداللَّه الحنفي فقال: لا واللَّهِ ياابن رسول اللَّه

____________________

(١) من المقبولة الحسينيّة لآية اللَّه الشيخ هادي كاشف الغطاء(ره): ص٧٤.

٢١٩

لا نخلّيك أبداً حتى يعلم اللَّهُ أنّا قد حفظنا فيك وصيّةَ رسولهِ محمّد(ص)، لو علمتُ أنّي أقتلُ فيك ثمّ أحيى ثمّ أحرق حيّاً ثمّ أذرّى يفعل بي ذلك سبعين مرّة ما فارقتك حتى ألقى حِمامي من دونك، فكيف وإنما هي قتلة واحدة ثمّ أنال الكرامة التي لا انقضاءَ لها أبداً.

ثمّ قام زهير بن القين وقال: واللَّهِ ياابن رسول اللَّه(ص) لوَدِدْتُ أني قتلتُ ثمّ نشرت ألف مرّة وأنّ اللَّهَ يدفعُ بذلك القتل عنك وعن هؤلاء الفتيةِ من أخوتك وولدك وأهل بيتك.

قال الراوي: وتكلّم جماعة من أصحابِهِ بمثل ذلك وقالوا: أنفُسُنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهِنا، فإذا نحنُ قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربّنا وقضينا ما علينا.

وقيل لمحمّد بن بشير الحضرمي في تلك الحال: قد أُسِرَ إبنُكَ بثَغر الرّي(١) فقال: عند اللَّه أحتسبُهُ ونفسي، وما كنتُ أُحِبُّ أن يؤسر وأن أبقى بعدَه فسمع الحسين(ع) قوله فقال: رحمكَ اللَّه أنت في حلٍّ من بيعتي، فاعمل في فكاكِ إبنك، فقال: أكلتني السّباعُ حيّاً إن فارقتُك فقال(ع): فأعطِ إبنك هذه البُرود(٢) يستعينُ بها في فكاكِ أخيه، فأعطاه خمسةَ أثوابٍ قيمتها ألف دينار(٣) .

____________________

(١) الثَّغْر: جمعُهُ ثُغور وهو المكان الذي يخاف منه هجوم العدوّ، وهو مأخوذ من ثغر الجدار.

والرّي: مدينة معروفة آنذاك تقع الآن جنوب طهران العاصمة.

(٢) البُرْد: ثوبٌ‏ مخطط، وقد يقال لغيرالمخطّط أيضاً، وجمعُهُ بُروْد. مجمع‏ البحرين: ج٣ص١٣.

(٣) الملهوف: ص١٥٣ - ١٥٤.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343