المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة11%

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 343

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45044 / تحميل: 4732
الحجم الحجم الحجم
المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف:
العربية

المجالس الحسنة

في مناسبات السَّنَة

السيد أحمد الحكيم

١

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

اللهمَّ كُن لوليِّكَ الحجَّةِ

ابن الحسن صلواتك عليه وعلى

آبائه في هذه الساعة وفي كلِّ

ساعة وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً

ودليلاً وعيناً حتّى تُسكِنَه

أرضكَ طوعاً وتمتّعه

فيها طويلاً برحمتِك

يا أرحم الرّاحمين

٢

الإهداء

إليك

أيّها العبدُ الصّالح

إليك

يابابَ الحوائج إلى اللَّه

إليك

ياقمرَ بني هاشم

إليك

ياحاملَ اللواء

إليك

ياساقي عَطاشى كربلاء

إليك

ياحامي الظعينة

إليك

يامن استجار به الهدى، وكان جيشاً بوجه العدى

إليك

ياسيدي ياأبا الفضل العباس بن علي بن أبي طالب: أرفع بكلتا يديّ وريقات ولائي لعلَّها تحظى بالقبولِ فأفوز، وأحظى بالنظرةِ منكم فأجوز

فمعكم معكم لا مع غيركم... .آمنت بكم‏

خادمكم الوفي

أحمد

٣

المقدمة

بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم

الحمدُ للَّه الذي علّمَ بالقلم علّمَ الإنسانَ ما لم يعلم، والصلاة والسلام على البشير النذير، والمعلم الخبير سيّدِ الأنبياء والمرسلين، وأقرب المقرّبين لإله العالمين أبي‏القاسم محمّد بن عبداللَّه(ص) ، وعلى آله الغرر الأوصياء الإثني عشر، من المرتضى إلى المنتظر.

واللعنُ الدّائمُ على أعدائهم ومخالفيهم، ومنكري فضائلهم، والمنحرفين عنهم، والمشكّكين فيهم أجمعين من الأوّلين والآخرين إلى قيام يوم الدّين.

وبعد:

فإنّ المتتبعَ لسيرةِ أهل البيت(ع)، والمطّلعَ على ما أدّبوا به شيعتَهم يجد أنهم قد رسموا لهم نهجاً نيّراً يُحفظون به، ويحافظون على هويتهم الأصيلة من جهة، ويبقونَ بابَ التواصلِ والارتباط معهم مفتوحاً من جهةٍ ثانية.

وقد تمثّل ذلك في إرشاد الشيعة لإحياءِ المناسبات الإسلاميّة، والشّعائر الدينيّة اليوميّة أو الشهريّة أو الحولية، كصلاة الجماعة والجمعة والعيد، أو الحج والعمرة، أو زيارة مشاهدهم، أو إقامة المآتم بوفاياتهم، أو الاحتفالات بمواليدهم، بل وحتى التجمّع في الدور والبيوت، والمزاورةِ وإقبالِ بعضهم على بعض، فإنّ ذلك من إحياء أمرهم(ع) لأنّ فيه ذكراً لفضائلهم ومناقبهم وأحاديثهم ووصاياهم، ودعوة الأتباع إلى التشبّه بهم، ولزوم طريقتهم، ومعرفة الأحكام الشّرعية الواردة عنهم، وقد ترحّموا(ع) بدورهم على كلّ من يضمّه مجلسٌ يُحيى فيه أَمرُهُم، ويدعى فيه إليهم.

٤

وقد مارسَ أئمةُ أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ما حثّوا شيعتهم عليه، فمشوا لحجّ بيت اللَّه الحرام، وشدّوا الرّحاله لزيارةِ مرقد أمير المؤمنين(ع) في الغري، وأبي عبداللَّه الحسين والشهداء(ع) في كربلاء، وأقاموا المأتم لسيّد الشهداء(ع) وبكوا عليه في بيوتهم ودورهم وصوامعهم وجوامعهم بل في سككِ المدينة وأسواقها.

وعندما رأى الشيعة أئمتهم وسادتهم وقادتهم يفعلون ذلك، ويشفعونَهُ بالحثّ والتأكيد وهم (ساسةُ العبادِ وأركانُ البلادِ، وأبوابُ الإيمانِ وأمناءُ الرّحمن) تمسّكوا به، وحافظوا عليه حتى صارت الشّعائرُ والمشاعرُ شعاراً لهم يتوارثونه جيلاً بعد جيل في كلّ زمانٍ ومكان.

ولا أجد أني أكشف سرّاً إذا قلت: لقد كان لهذا النّهج القويم أبلغُ الأثر في غزارةِ معارف عموم الشيعة، وثقافتهم الإيمانية، وطريقتهم الولائيّة.

حتى أنك صرتَ لا تجدُ اُسبوعاً إلّا وفيه مناسبةُ أو أكثر من ولادةٍ مباركة، أو شهادة مؤلمة، أو زيارة مأثورة، أو واقعةٍ مشهورة.

ومن هنا انبثقت فكرة هذا الكتاب، فهو عبارة عن مجالس مرتّبة تتبّعتُ فيها مناسبات السّنة كلّها من شهر محرّم الحرام إلى آخر ذي الحجّة المكرّم، وأسميتُه المجالس الحَسنة في مناسبات السّنة وما كان هدفي من وراء ذلك إلّا أن أكون معدوداً في زُمرة المشاركين في إحياءِ أمر محمّدٍ وآلِ محمّد(ص)

ومن اللَّه تعالى أستمدّ العون، وأطلب السداد والتوفيق متوسّلاً إليه بأحبِّ الخلق إليه، وأعزّهم عليه، وأخصّهم لديه محمّدٍ وآله الطيبين الطاهرين المنتجبين، والحمدُ له سبحانه والمجد والصلاة والسلام على محمّدٍ وآل محمّد، وعلى أعدائهم اللعنُ المؤبد.

قم المقدسة

في السادس من ذي الحجّة الحرام

سنّة ١٤٢٦ه / أحمد الحكيم

٥

مناسبات شهر محرّم الحرام

١ - الليلة الأولى:

أ - فضل البكاء على سيّد الشهداء(ع)

ب - فوائد المجالس الحسينية

٢ - الليلة الثانية:

أ - فضائل الامام الحسين(ع)

ب - الخروج من المدينة إلى مكّة

٣ - الليلة الثالثة:

أ - كرم الأمام الحسين(ع)

ب - الخروج من مكّة إلى العراق

٤ - الليلة الرابعة:

أ - حياة مسلم بن عقيل(ع)

ب - مسلم سفير الامام الحسين(ع)

٥ - الليلة الخامسة:

أ - فضل أصحاب الامام الحسين(ع)

ب - مواقف أنصار الامام الحسين(ع)

٦ - الليلة السادسة:

أ - الصحابي الجليل حبيب بن مظاهر الأسدي

ب - شقاء عمر بن سعد وسعادة الحر

٦

٧- الليلة السابعة:

أ - فضل أبي الفضل العبّاس(ع)

ب - أبو الفضل العبّاس(ع) الكنى والألقاب

ج- منزلة العبّاس بن عليّ(ع)

٨ - الليلة الثامنة:

أ - التفكّر والاعتبار

ب - شهادة القاسم بن الحسن(ع)

٩- الليلة التاسعة:

أ - برّ الوالدين

ب - شهادة عليٍّ الأكبر(ع)

١٠ - الليلة العاشرة:

أ - شهادة عبداللَّه الرضيع

ب - الإمام(ع) وأصحابه ليلة العاشر

١١ - يوم العاشر:

- مقتل الامام أبي الأحرار الحسين بن عليّ(ع)

١٢ - يوم الثالث عشر:

- دفن الأجساد الطاهرة

١٣ - يوم الخامس والعشرون:

- شهادة الامام زين العابدين(ع)

٧

الليلة الاُولى المجلس الأوّل

فضل البُكاء على سيّد الشهداء(ع)

يُعيدكَ للتأريخ بالدّمعِ والدّمِ

متى لاحَ مكسوفاً هلالُ محرّمِ

وكم قائلٍ لي وهو مني هازلٌ

أتبكي لهذا العالَمِ المتبسِّمِ

يجادُلني في مأتمِ السّبطِ قائلاً

من الظّلمِ أن يَحيى الحسينُ بمأَتمِ

ولو قَبِلَ الجمهورُ قولي جَعلتُ مِن

محرّم للأفراحِ أبهجَ موسمِ

فيومٌ به الإسلامُ شادَ كيانَهُ

جديرٌ بأن يهنى به كلُّ مسلمِ

فقلتُ له قد فاتكَ القصدُ فاتّئِدْ

لتُهدى إلى معنى وتحظى بمغنَمِ

بكائي لآلامٍ على السبطِ قد جرت

متى أتذكّر شجوَها أتألّمِ

يرى صحبَهُ‏ صرعى على الأرض‏ح ولَه

ونسوتَهُ مذعورةً في المخيَّمِ

وفي حجرهِ الطّفلُ الرّضيعُ مُرفرفاً

يعالجُ سهماً في وريديه مُرتَمي

وقد شَعَبَ السَّهمُ المثلَّثُ قلبَهُ

وزادَ على آلامِهِ أنّهُ ظَمي

ويذبَحُهُ شمرٌ ويرفعُ رأسَهُ

سنانٌ ويُهدى مِن دعيٍّ لمجرمِ

وتُسبى حريمُ اللَّهِ وهي ثواكلٌ

تحِنُّ إلى خدرٍ وتبكي على حَمي(١)

____________________

(١) هذه القصيدة من نظم المرحوم آية اللَّه السيد محمّد جمال الهاشمي. ديوان مع النبيّ وآله: ص١٩٣.

وُلد آيةُ اللَّه السيّد محمد جمال الهاشمي عام ١٣٣٢ه في النجف الأشرف، وتوفي فيها عام ١٣٩٧ ه في شهر ربيع الأول. ونشأ وترعرع هناك في معقل العلم العريق، وفي بيت علميٍّ سامي الذّرى. فوالده آية اللَّه العظمى المرحوم السيد جمال الدين الهاشمي كان يُعَدُّ أحدَ أكبر مراجع الدين في عصره، ودرس الفقه والأصول وغيرهما من العلوم المتداولة =

٨

بگلبي ماتمك يحسين ينصاب

وذكرك من يمر الدمع ينصاب

گلبي بدال گلبك ريت ينصاب

وخدّي دون خدَّك عل وطيّة

* * *

روى الشيخ المجلسي؛ في البحار بسنده إلى الإمام الحسين(ع) قال:

(ما من عبدٍ قطرت عيناه فينا قطرةً، أو دمعت عيناه فينا دمعةً إلا بوَّأهُ اللَّهُ بها في الجنّةِ حُقباً)(١) .

لقد حثّ أهلُ البيت: شيعتَهم على البكاء وإظهار الحزن لمصيبة أبي‏الأحرار وسيّد الشُهداء الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب٨ بأحاديثهم الكثيرة المُنتشرة، والمبثوثة في كتبنا المُعتبرة التي ألّفها أصحابُنا القُدماء والمتأخّرون (رضوانُ اللَّه عليهم أجمعين).

منها الحديث المروي عن إمامنا أبي جعفر الباقر(ع) وهو قوله: (أيّما مؤمنٍ دمعت عيناه لقتل الحسين(ع) دمعةً حتّى تسيلَ على خدِّه بوّأهُ اللَّهُ في الجنّة غرفاً يَسْكنُها أحقاباً)(٢) .

.____________________

= في حوزة علم النجف الأشرف، وعلى يد علماء كبار أمثال والدِهِ، وآية اللَّه العظمى الشيخ ضياء الدين العراقي، وآية اللَّه العظمى السيد أبوالحسن الاصفهاني، وغيرهم من الفطاحل، وانعكست هذه الشخصيّة العلمية على مختلف مؤلفاته القيّمة وخصوصاً على تفسيره الذي ما زال مخطوطاً. من مقدّمة ديوانه (مع النبي وآله) ص٦.

(١) بحار الأنوار: ج٤٤ ص٢٦٩ طبعة طهران.

(٢) بحار الأنوار: ج٤٤ ص٢٨٥ طبعة طهران.

٩

وعن الإمام أبي عبداللَّه الصادق(ع) قال: (لكلِّ شي‏ء ثوابٌ إلّا الدّمعةَ فينا)(١) .

وعن الريّان بن شبيب قال: دخلت على الإمام الرّضا(ع) في أوّل يومٍ من المحرَّم فقال لي: (ياابن شبيب أصائمٌ أنت؟ فقلت: لا فقال: إنَّ هذا اليوم هو اليوم الّذي دعا فيه زكريّا ربَّه عزّوجلّ فقال:( رَبّ هَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً إِنّكَ سَمِيعُ الدّعَاءِ ) (٢) . فاستجاب اللَّهُ له وأمرَ الملائكةَ فنادت زكريّا وهو قائمٌ يصلّي في المحراب أنّ اللَّهَ يُبشّرُكَ بيحيى، فمَن صام هذا اليوم ثمّ دعا اللَّهَ عزّوجلّ استجاب اللَّهُ له كما استجاب لزكريّا.

ثمَّ قال: ياابن شبيب إنَّ المحرّم هو الشهر الّذي كان أهلُ الجاهليّة فيما مضى يحرّمون فيه الظّلمَ والقتالَ لحرمته، فما عرفت هذه الاُمّةُ حرمةَ شهرها، ولا حرمةَ نبيِّها، لقد قتلوا في هذا الشّهر ذرّيته، وسبَوا نسائه وانتهبوا ثقلَه فلاغفر اللَّه لهم ذلك أبداً.

يا ابن شبيب إن كنت باكياً لشي‏ءٍ فابكِ للحسين بن عليّ بن أبي‏ طالب(ع) فإنَّه ذُبحَ كما يُذبح الكبش، وقُتل معه من أهل بيته ثمانيةَ عشرَ رجلاً، ما لهم في الأرض شبيهون، ولقد بكت السماواتُ السبعُ والأرضون لقتله، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعةُ آلافٍ لنصره، فوجدوه قد قُتل فهم عند قبره شعثٌ غبرٌ حتى يقوم القائم فيكونون من أنصاره وشعارهم (يالثارات الحسين).

____________________

(١) كامل الزيارات: ص١٠٦ الحديث ٦ المطبعة المرتضوية - النجف.

(٢) آل عمران: الآية ٣٨.

١٠

ياابن شبيب لقد حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه أنّه لما قُتل جدّي الحسين(ع) أمطرت السماءُ دماً وتراباً أحمر.

ياابن شبيب إن بكيت على الحسين(ع) حتى تصيرَ دموعُكَ على خدّيك غفر اللَّهُ لك كلَّ ذنبٍ أذنبتَهُ صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً.

ياابن شبيب إن سرّكَ أن تلقى اللَّه عزّوجلّ ولا ذنبَ عليك فزُر الحسين(ع)

ياابن شبيب إن سرَّكَ أن تسكنَ الغرفَ المبنيّة في الجنّة مع النبيّ(ص) فالعن قتلةَ الحسين(ع)

ياابن شبيب إن سرَّكَ أن يكون لك من‏الثواب مثلُ ما لِمَن استُشهد مع الحسين(ع) فقل متى ما ذكرته (ياليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً).

ياابن شبيب إن سرَّكَ أن تكون معنا في الدّرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا، وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا، فلو أنَّ رجلاً تولّى حجراً لحشره اللَّه معه يوم القيامة)(١) .

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة البالغة حدَّ التواتر، ولكن ما هو الغرض من ذلك؟ وما هو المغزى الّذي توخّاهُ أهل البيت: يا تُرى؟

نقول في الجواب: إنَّ الغرض ليس إلّا أنَّ الدمعةَ لا تُفاض إلا عند انفعال النّفس وتأثّرها مما يصيبها أو يصيب مَن تمت به بنحو من أسباب الصّلة، ولا شكّ

____________________

(١) بحار الأنوار: ج٤٤ ص٢٨٥. طبعة طهران.

١١

أنا نرى النفسَ عند تأثّرها بذلك تكون متأثّرةً بشي‏ءٍ آخر وهو العداء والبغض لكلّ من أوقع تلكَ الفوادح والآلام، فالأئمة: حيث أنّهم أعرفُ الناس بمقتضياتِ الأحوال والملابسات التي تؤكّد دعوتهم كانوا يتحرّونَ التوصّل إلى أغراضهم بكلّ صورة، وكان من الوسائل التي توجب انحراف الاُمّة عن أعداءِ اللَّه ورسوله(ص) أمرهم بالبكاء على مصاب الحسين(ع) لما فيه من استلزام تذكّر تلك القساوة المستلزم لانفعال النّفس وانقباضها عمّا لا يلائم خطّتهمعليهم‌السلام (١) .

هذا وقد جاء في الحديث المرويّ عن الإمام الحسين(ع) نفسِه أنّه قال: (أنا قتيلُ العَبرة لا يذكرني مؤمنٌ إلا استعبر!!) فما معنى هذا الحديث؟ وما المقصود منه؟

لم يقصد سيّد الشهداء(ع) بهذه الجملة (أنا قتيلُ العبرة) خصوص التعريف بأنَّ قتله كان لأجل أن يُبكى عليه فيستحقّ به الأجر في الآخرة بحيث لا يكون هناك أثرٌ آخر يترتّب على قتله سوى البكاء عليه كيف وهنالك آثارٌ اُخر أهمّها إحياءُ شريعة الحقّ، وتقويم ما اعوجّ من علم الهداية، ونشر الإصلاح بين الاُمّة، وتعريف الملأ ما عليه اُمراء الجور من السير وراء المطامع.

ولكنَّ الوجه في هذه الإضافة - قتيلُ العبرةِ - تأكّد الصلة بين ذكر مقتله وبين البُكاء عليه فإنَّ لوعةَ المُصاب لا تطفى ومضض الاستياء له لا ينفد لاجتماع الكوارث عليه وملاقاته لها بصدرٍ رحيب وصبرٍ تعجّبت منه ملائكة السماء.

____________________

(١) مقتل الحسين (ع) للمقرّم: ص١٠٢.

١٢

فأوّل ما يتأثّر به السّامع لها أن تُستدرَّ دموعُهُ فلا يذكر الحسين(ع) إلا والعَبرةُ تسبقُ الذّكر، أضف إلى ذلك المودّة الكامنة له في قلوب أحبّائه بحيث إذا انضمّت إلى تلك كانت أدعى لتأكّد الصّلة بين ذكره(ع) وبين البُكاء عليه، فمن هنا استحقّ إضافة القتل إليه فقال: (أنا قتيلُ العبَرة).

وعلى هذا سار العربُ في كلامهم فإنّهم إذا رأوا بين الإنسان وبين بعض حالاته وصفاته صلة أكيدة أضافوه إلى ذلك الحال فقالوا مضرَ الحمراء وربيعةَ الخيل، وزيدَ النّار، ومُسمِّة الأزواج. فإنّ ربيعة ومضر لم يتخلّيا عن كلّ صفةٍ حميدةٍ سوى اللواء والخيل، ولا زيد بن موسى بن جعفر(ع) لم يتّصف بشي‏ء حسن أو قبيح إلّا حرقه دور بني العباس بالبصرة. ولا أنَّ جعدة بنت الأشعث لم تتّصف بالرّذائل إلّا سمّها أبا محمّد الحسن السبط(ع) ولكن لما كانت هذه الآثار هي الظاهرة بين الناس قيل لمُضَرِ الحمراء ولربيعة الخيل ولزيد النار ولجعدة مُسمّة الأزواج.

فقول الإمام الحسين(ع) (أنا قتيلُ العبرة) وقول الإمام الصّادق(ع): (بأبي قتيلَ العبرة) من هذا القبيل وهو ما ذكرناه من تأكّد الصّلة بين ذكر مقتله وبين استدرار الدّموع(١) .

ولم يكتفِ أهل البيت عليهم الصّلاة والسلام بحثّ الناس على البُكاء بل رغّبوهم بالتباكي وإظهار الحُزن على مصاب الإمام الحسين(ع) وأهل البيت(ع).

____________________

(١) مقتل الحسين (ع) للسيّد المقرّم: ص١٠٢ - ١٠٤.

١٣

فعن الإمام الصّادق(ع) : (من أنشد في الحسين(ع) فتباكى فله الجنّة)(١) .

ولا يخفى أنَّ الباكي والمُتباكي كلاهما يسعدان ويواسيان بذلك فاطمة سيدة نساء العالمين(ع)، روى ابن قولويه في كامل الزيارات بسند معتبر عن زرارة قال: قال أبو عبداللَّه الصّادق(ع) في حديث طويل يذكر فيه بكاءَ السماء والأرض والشمس والجبال والملائكة على الإمام الحسين(ع) إلى أن يقول: (وما من عينٍ أحبُّ إلى اللَّه ولا عبرةٍ من عينٍ بكت ودمعت عليه - أي على الحسين(ع) - وما من باكٍ يبكيه إلا وقد وصلَ فاطمة(ع) وأسعدها عليه، ووصل رسول اللَّه(ص) وأدّى حقّنا)(٢) .

نقل لي بعض أهل العلم أنَّ قريةً بأطراف مدينة (كاشان) الإيرانية فيها عالمٌ جليل يعود إليه أهل تلك القرية وغيرهم في مسائلهم الدينيّة كما كان يحظى باحترام كبير عند كافّة الطبقات وذلك لصدقه وإخلاصه وحسن نيّته. وفي يومٍ من أيام شهر المحرّم - وكان اليوم الحادي عشر منه - خرج هذا العالم من بيته بحالةٍ ما اعتاد الناس أن يرونه بها فإنّه كان حافي القدمين وحاسر الرّأس وهو مع ذلك بهيئة المُصاب الفاقد لأعزّ أحبّتهِ، وهو متّجهٌ إلى خارج تلك القرية.

فلمّا رآهُ الناس بتلك الحالة لم يكلّمهُ أحدٌ منهم لهيبته ولكنّهم اكتفوا بالسير خلفه، حتى وصل العالِم إلى رجلٍ من التجّار الّذين يملكون عدداً كبيراً من رؤوس

____________________

(١) آمالي الشيخ الصّدوق: ص١٢٢ المجلس ٢٩

(٢) جلاء العيون للسيّد عبداللَّه شبّر: ج٢ ص٥٠.

١٤

الأغنام يوزّعها صباحَ كلِّ يوم على مجموعةٍ من أفراد تلك القرية فيسرحوا بها طلباً للماءِ والعلف إزاء أجرٍ معيّن، فعندما وصلَ العالِم إلى ذلك التاجر قال له: أعرض عليّ عمّالَك، فامتثل الرجل ونادى عمّاله بأسمائهم والعالِم ينظر إليهم ويقول: ليس هذا اُريد، حتى لم يبقَ منهم إلّا شاب في مقتبل العمر فعندما حضر ونظر إليه العالِم وعرفَهُ وقع على قدمي ذلك الشاب يتبرّك بهما فامتنع الشاب إشد الامتناع وقال للعالِم: ياشيخنا نحن أحقّ بتقبيل يديك ورجليك. عندها سأل الحاضرون العالِم عن معنى ذلك طالبين منه توضيحاً لذلك فقال: عندما انتهينا من مراسم العزاء يوم العاشر وليلة الحادي عشر ذهبت إلى بيتي وأنا في غاية التعب والعناء فنمت نوماً عميقاً ورأيت فيما يرى النائم أنَّ الإمام الحسين(ع) واُمّه الزّهراء(ع) في رعيل من الملائكة جاءوا إلى هذه القرية لتكريم وشكر كلّ مَن شارك في مراسم العزاء الحسيني وعاشوراء فالّذي قرأ العزاء كرّمه الإمام الحسين(ع)، والّذي فرش داره وأعدّه للعزاء كرّمه الإمام الحسين(ع)، والّذي لطم صدرَهُ أو بكت عيناه أو تباكى أو شارك بأيّ نحوٍ من المُشاركة صغيرة أو كبيرة كرّمه الإمامُ وقدّم له الشكر، حتّى وصلَ(ع) إلى هذا الشاب وهمّ بإكرامه قامت سيّدتي ومولاتي فاطمة الزّهراء(ع) وقالت: ولدي حسين دعني أنا الّذي أُكرّم هذا الشاب لأنّه أدخل السرور على قلبي بمواساته لي بالأمس.

لما سمع الحاضرون هذا الكلام من العالِم ضجّوا بالبكاء حتى ارتفعت الأصوات!! فلمّا هدأت فورتهم قال العالِم للشاب: أخبرني ماذا فعلت أمس حتى رضيت عنك سيّدتي الزهراء(ع) كلّ هذا الرّضا؟!

١٥

قال: جئت صباح يوم أمس - وكان يوم العاشر - فقلتُ لربِّ العمل هذا: إنّ اليوم هو العاشر من محرّم وهو يوم حزن على أهل البيت وشيعتهم وأنا لا أستطيع العمل فاسمح لي أن أذهب إلى الحسينيّة للمشاركة في المواكب الحسينية العزائية فقال: لا بل تأخذ الأغنام وتخرج إلى العمل كباقي الأيّام.

قال: فكرّرتُ عليه الطّلب وقلت له: اسمح لي بالتعطيل اليوم وأنا أُعوّضك يوماً مثله فقال: لا بل تعمل اليوم.

قلت: أُعطّل اليوم وأعوّضك يومين أو ثلاث إن شئت. فلم يقبل ذلك أيضاً، وخشيت من تكرار الطّلب تعكير مزاجه ولعلّه لأجل ذلك يخرجني من العمل نهائياً. فأخذت الأغنام وذهبت بها حتى بعدت عن الناس والبيوت فنظرت خلفي فلم أرَ أحداً فأخذت أجول في البريّة وحدي وأقرأ ما كنت أحفظ من أشعار رثاء سيّدي الحسين وأهل بيته وأصحابه، وصرت أندبُ تارةً وأبكي اُخرى وألطم ثالثاً حتى أخذت شوطاً من البُكاء والنحيب فاستراح قلبي وسكن فؤادي بمواساتي لسيدتي فاطمة الزهراء(ع).

فقال العالِم: هذه الندبة والمؤاساة هي التي أدخلت السرور على قلب فاطمة الزهراء(ع).

أقول: وكأنّي بها مثل هذه الأيام تتنقّل في مجالسِ المؤمنين والمؤمنات لابسةً ثياب الحزن ولسان الحال:

وينه اليواسيني بشيعة

على حسين وأولاده ورضيعه

١٦

وابن ‏والده ‏عين‏ الطليعة

على ‏العلگمي كفوفه گطيعه

عباس نايم عل شريعة

أنا الوالده يحسين يابني

يمن ريت ذبّاحك ذبحني

اسعدني على ابني يالتحبني

مصابة تره بگلبي وشعبني

ونسّاني الضلّع وسواد متني

أيطيبُ عيشيَ بعد وقعةِ كربلا

وأكونُ فيما أرتديه أنيقا

وأذوقُ طعمَ الماءِ وابنُ محمّد

ما ذاقَهُ حتى الحِمامَ أذيقا

لا عذرَ للشيعيِّ يرقا دمعُه

ودمُ الحسين بكربلاء أريقا

يايوم عاشورا لقد خلّفتني

ما عشتُ في بحر الهموم غريقا(١)

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

____________________

(١) البيت الأول للخطيب الأديب الشيخ محمد سعيد المنصوري، وبقية الأبيات لمحمد ابن عبدالعزيز السوسي الكاتب.

١٧

الليلة الاُولى المجلس الثاني

فوائدُ المجالس الحسينيّة

خذ بالبكاءِ فقد أتاك محرّمُ

واعلم بأنّ به السُلُوَّ محرّمُ

وأذل به دمعاً أذلّ عزيزَه

يومٌ يُذلُّ الدِّينُ فيه فيُهظَمُ

للحزنِ فوق جبينِ كلِّ موحِّد

وسْمٌ برغمِ عدوِّهِ هو مِيسَمُ

فيحقُّ أن يُجري مدامعَهُ دماً

عبدٌ جرى من نحرِ سيِّده الدَّمُ

إنّي ألِفتُ وما سَئِمْتُ من البُكا

سئمتني العلياءُ إن أنا أسأمُ

فوقَ البسيطةِ للأنامِ وتحتَها

للجنِّ فيه للنّياحةِ موسِمُ

والحِجْرُ أعولَ والمشاعِرُ كلُّها

والرّكنُ ضُعضِعَ والحطيمُ وزمزمُ

وتجاوبت بالنّوحِ أنديةُ العُلى

والمَكرُماتُ وكلُّ نادٍ مأتمُ

شهرٌ به شهرَت أميّةُ مِخذَماً

فتكَت به في الدّين فهو مُخذَّمُ

فعجِبْتُ حتى قلتُ لِمْ لا حلَّهُم

غضبُ الإلهِ وكيفَ عنهم يَحْلُمُ

وبعينه زُمَرُ الضّلالةِ أقبلت

عدواً على حَرَمِ الإمامةِ تهجمُ

صاحوا به نهباً فها هو مقسمٌ

بين العدى وبناتُ أحمدَ مغنَمُ

ما وقّروا من آلِهِ شيخاً

ولم ينجُ الشبابُ وطفلُهُمْ لا يُرحَمُ(١)

____________________

(١) القصيدة من نظم الأديب والخطيب المرحوم الشيخ كاظم سبتي.

قال السيد الأمين١ في (أعيان الشيعة) المجلد ٩ ص٥:

هو الشيخ كاظم بن حسن بن علي سبتي البغدادي النجفي المعروف بالشيخ كاظم السبتي.

ولد في حدود سنة ١٢٥٥ه وتوفي سنة ١٣٤٢ه في النجف ودفن بها، عالمٌ فاضلٌ

١٨

الشيعة تحزن بعاشور من هل

ودمعها يشبه الطوفان من هل

دگلي يلدفنت حسين منهل

ترابه وجمّع أوصاله الرّميّة

* * *

جديرةٌ بالفضل والثناءِ

مآتمٌ تُعقَدُ للعزاءِ

يقيمُها الرّجالُ والنّساءُ

يدعو إليها الحبُّ والولاءُ

مصابُ أهلِ البيت فيها يُذكَرُ

وذنبُ مَن يبكي عليهم يُغفَرُ

يُنشَرُ فيها ذِكرُ أهلِ الذِّكرِ

يُحيى بها أمرُ وُلاةِ الأمرِ

مجالسٌ قال الإمامُ معلِنا

إنّي أحبُّها فأحيوا أمرنا

____________________

أديبٌ شاعر خطيبٌ ماهر، وهو خطيبٌ الذاكرين لمصيبة الامام الحسين(ع) في عصره لا يماثلهُ أحدٌ منهم لا يكون إلقاؤه في مجالس ذكره أقلّ من ساعة يصغي إليه فيها المستمعون بكلّهم وبغير ملل، ويستفيدون وتفيض منهم العيون، وهو مع ذلك ضعيف الصّوت، وله شعرٌ جيّد في مديح أهل البيت: ورثائهم، عالمٌ بالعربية يتكلّم في إلقائه باللغة الفصحى فلا يلحن كما قال فيه السيد جعفر الحلي:

عربيٌّ له فصاحةُ سحبا

نَذكيٌّ له ذكاءُ إياس

مدحُهُ في بني النبوّةِ لا في الـ

ـعبشميينَ أو بني العبّاس

تتمنّى منابرُ الذكر أن لا

يرتقي غيرُهُ من الجلّاسِ

وله ديوان شعرٍ كبير في المراثي الإمامية رأيناه في النجف الأشرف بخطّ بعض أولادِهِ ومن شعره قوله:

تمسّك بحبِّ المرتضى علمِ الهدى

فما خابَ يوماً مَنْ به يتمسّكُ

وأمسِكْ أقرّ اللَّهُ دينَكَ بالذي

به الأرضُ والسبعُ السماواتُ تُمسَكُ

فلا أرشدَ اللَّهُ امرءً غيرَ سالكٍ

سبيلَ عليٍّ وهو للرّشدِ مسلكُ

فتىً حارَ كلُّ العالمين بكنهِهِ

ففي أمرِهِ تحيى أناسٌ وتهلَكُ

١٩

دعا لمحيي أمرِهِمْ بالرّحمة

فيالها من مِنّةٍ ونعمة(١)

إنَّ من السُننَ الخيّرة - الحسنة - التي اعتاد عليها أتباعُ أهل البيت: في كلّ عامٍ من عشرةِ شهر المحرّم هي إقامةُ مجالس العزاءْ، وإظهار الحزن، وإبراز الحداد إحياءً لذكرى وقعة الطّف الفجيعة التي أورثت الأئمة: وشيعتهم الحزنَ والبلاء إلى يوم الإنقضاء.

فتجد المآتم في الحسينيّات والمساجد، والمدارس والأسواق، والدور والطرقات في الأماكن العامّة والخاصّة على حدِّ سواء.

وإلى ذلك يشير المرحوم السيد جعفر الحلّي في احدى روائعه:

في كلِّ عامٍ لنا في العشر واعيةٌ

تطبّقُ الدّورَ والأحياءَ والسِّككا

وكان هذا بإيعاز مباشرٍ من أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسّلام، فهاهو الإمام الصّادق جعفر بن محمّد(ع) وهو سادس أئمة الحقّ والخلق من آل ‏محمّد(ص) يقول لأحد أصحابه وهو الفضيل بن يَسار: (أتجلِسون وتتحدّثون؟

قال: نعم جعلت فداك قال(ع) : إنَّ تلك المجالس أُحبُّها فأحيوا أمرَنا يافضيل فرحمَ اللَّهُ مَن أحيى أمرنا، يافضيل مَن ذكرَنا أو ذُكِرنا عنده فخرج من عينهِ مثلُ جَناحِ الذّباب غفر اللَّه له ذنوبَهُ ولو كانت أكثرَ من زَبَدِ البحر)(٢) .

____________________

(١) المقبولة الحسينيّة للمرحوم الشيخ هادي كاشف الغطاء: ص٣٧.

(٢) بحار الأنوار: ج٤٤ ص٢٨٢.

٢٠

وكان هذا الإمام العظيم الشأن يقيمُ بنفسه مجلس عزاءِ جدِّه السبط الشهيد(ع) وذلك في داره بالمدينة حيث يدخل عليه الشعراء والقرّاء فينشئون وينشدون بين يديه المراثي المقرّحة للقلوب والأكباد. وكان يضرب السّتارَ للنساء ويأمرهنّ بالجلوس والاستماع للنّدبة.

روى المرحوم الشيخ ابن قولويه في (كامل الزّيارات) عن أبي عمارة المنشد عن أبي عبداللَّه الصادق(ع) قال: قال لي يا أبا عمارة أنشدني للعبدي(١) فأنشدته فبكى ثمّ أنشدتُهُ فبكى ثمّ أنشدته فبكى قال: فواللَّه ما زلتُ أنشده ويبكي حتى سمعتُ البكاء من الدّار فقال لي(ع) : يا أبا عَمارة من أنشد في الحسين شعراً فأبكى خمسين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى أربعين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرة فله الجنة، ومن أنشد في الحسين(ع) شعراً فأبكى واحداً فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنّة(٢) .

واعلم أنَّ لهذه المجالس - المآتم - فوائدَ ومنافع وبركات كثيرة جداً، وذلك إذا نظرنا إليها بعين المتفحّص البصير، وإليك طائفةً منها:

____________________

(١) هو أبو محمد سفيان بن مصعب العبديّ الكوفي، من شعراء أهل البيت: المتزلّفين إليهم بولائه وشعره، المقبولين عندهم لصدقِ نيّته وانقطاعه إليهم، عدّه‏ شيخ ‏الطائفة في ‏رجاله من أصحاب الإمام الصادق(ع) ، اُنظر: ترجمته في الغدير: ج٢ص٢٩٤.

(٢) كامل الزيارات: ص١٠٤، المطبعة المرتضوية سنة ١٣٥٦.

٢١

الأوّل: مواساة النبيّ(ص) وأهل بيته:، فإنّه حزين لقتل وُلدِهِ بلاريب، وقد دلّت عليه جملةٌ من الأحاديث، وأيُّ أمرٍ أهمُ وأوجبُ وأعظمُ فائدةً من مواساة رسول اللَّه(ص) ؟! وهل يمكن ان يكونَ المرءُ صادقاً في دعوى حبِّه للنبيّ(ص) وأهل بيته:، وهو لا يحزن لحزنهم، ولا يفرح لفرحهم، أو يتّخذ يوم حزن النبيّ(ص) يوم عيدٍ وسرور؟

الثاني: إنَّ فيها نصرةً للحق وإحياءً له، وخذلاناً للباطِل وإماتةً له، وهي الفائدة التي من أجلها أوجب اللَّهُ الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المـُنكر بالقلب وباللسان وبالجوارح، فإن لم يمكن بالجوارح اقتصر على اللسان والقلب، فإن لم يمكن باللسان اقتُصِرَ على القلب.

الثالث: انها مدرسةٌ يسهل فيها التعلّم والاستفادة لجميع طبقات النّاس، فيتعلمون فيها التأريخ والأخلاق والتفسير والخطابة والشّعر واللغة وغير ذلك كثير، ووقوف السامع على بليغ الكلام من نظم ونثر زيادةً على ما فيها من تهذيب النفوس وغرس الفضيلة فيها.

الرّابع: إنّها نادٍ للوعظ والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المـُنكر وما يجري هذا المجرى ففيها جلبٌ إلى طاعةِ اللَّه، وإبعادٌ عن معصيته بأحسن الطّرق وأنفعها بما يلقى فيها من المواعظ المؤثّرة، وقضايا الصّالحين والزّهاد والعبّاد وغير ذلك.

الخامس: انها من أهم السّبل في دعوةِ النّاس إلى الدّين الإسلامي ومذهب أهل البيت(ع) في جميع أنحاء المعمورة بأقوى الوسائل وأنفعها وأسهلها وأبسطها وأشدّها تأثيراً في النّفوس بما تودعه في قلوب المستمعين من بذل أهل البيت(ع)

٢٢

الذين هم رؤساءُ الدّين الإسلامي أنفسهم وأموالهم ودماءَهم في نصرة هذا الدّين الحنيف، وما تشتملُ عليه من إظهار محاسن الإسلام ومزاياه، وآياته ومعجزاته التي أبانوا عنها بأقوالهم وأفعالهم وشؤونهم وأحوالهم ممّا لا يدانيه ما تبذل عليه الأموال الطّائلة من سائر الأُمم وتتحمّل لأجله المشاق العظيمة.

السادس: إنَّ فيها عزاءً عن كلّ مصيبة، وسلوةً عن كلّ رزية، فإذا رأى الإنسان أنّ سادات المسلمين بل سادات النّاس وآل بيت المصطفى(ص) جرى عليهم من أنواع الظّلم والمصائب ما جرى هانت عليه كلُّ مصيبة وإلى ذلك أشار الشاعر بقوله:

أنست رزاياكُم رزايانا التي

سلفَتْ وهوّنت الرّزايا الآتية

السابع: هي أنَّ المصلحة التي استُشهد الإمام الحسين(ع) من أجلها وفي سبيلها، والغاية السّامية التي كان يرمي في جهاده واستشهاده إليها وهي إحياء دين اللَّه تعالى، وإظهار فضائح المنافقين، هذه الغايات تقتضي استمرار هذه المآتم طول الدّهر، وإقامة التذكار لها في كلِّ عصر، وإظهارها للخاصّ والعام تقويةً لتلك المصلحة وتثبيتاً لها.

فلولا قتل الإمام الحسين(ع) لما ظهر للخاصّ والعام فسقُ يزيد بن معاوية وكفرُهُ وفجوره، وقبائحُ مَنْ مهّدَ له، ومكّنه من رقاب المسلمين، وذلك لأنَّ الذين دفعوا أهل البيت عن حقّهم ظهروا للنّاس بمظهر النّيابة عن رسول اللَّه(ص)، وتظاهروا بتأييد الدّين فخفي أمرُهُم على أكثر الناس، وبدّلوا من أحكام الشريعة ما شاؤوا واتّبعهُم على ذلك جلُّ الأمّة جهلاً أو

٢٣

رغبةً أو رهبة، وأمّروا على الاُمّة أعوانَهم وأتباعهم، وأقصوا أولياءَ اللَّه وأبعدوهم وحرموهم وساموهم أنواع الأذى من القتل والضّرب والنّفي والصّلب، ولعنوا أميرَ المؤمنين(ع) على منابر الإسلام، وأظهروا للاُمّة أنّهم هم آلُ رسول اللَّه(ص) وهم قرابتُهُ، والأحقّ بمقامه، وقد قال أهلُ الشام لبني العباس - عندما أخذوا السلطة من بني اُمية - إنّهم ما كانوا يعرفون قرابةً لرسول اللَّه(ص) إلّا بني اُميّة، ولو دام الحالُ على ذلك لأصبح الّدين أثراً بعد عين(١) .

قال الشاعر الموالي في ذلك مخاطباً الإمام الحسين(ع) :

شاطرتَ جدّكَ في الرّسالة انّها

ثمرٌ لغرسِ جهادكَ المتأخّرِ

أنتَ المجدِّدُ والنّبيُّ مؤسِّسٌ

وأبوكَ للإسلام خيرُ معمِّرِ

قبرتهُ آلُ اميّةٍ فبعثتَهُ حيّاً

ولولا كفرُهم لم يُقبَرِ

يُنقل أنّ شاباً موالياً لأهل البيت(ع) من أهل البحرين ذهب إلى بريطانيا لإكمال دراسته العلمية والحصول على شهادة عُليا، وفي أحد الأيام دخلَ احدى المكتبات العامة لأجل المطالعة، فوقعت عينُه على كتابِ مذكّرات لأحد الضبّاط الإنجليز الذي كان ضمن المجموعة التي ذهبت إلى العراق أيام الانتداب البريطاني، وإذا به يقرأ حادثة كان لها أكبر الأثر في تغيير مسيرة حياته بعد ذلك.

وحاصِلُها: انَّ هذا الضابط قد تكوّنت له صداقةٌ مع احدى العائلات الطيّبة الملتزمة دينيّاً في بغداد، وكان يزورهم بين آونةٍ واُخرى، وهم بالُمقابل يحسنون

____________________

(١) إقناع اللائم على إقامة المآتم للمرحوم السيد محسن الأمين: ص٣١٤.

٢٤

إليه ويضيّفونه في بيتهم، ويتبادلون الآراء ويتجاذبون أطراف الحديث. استمرت هذه الصّداقة حتى نهاية مدّته المعيّنة في العراق حيث قرّر العودة إلى بلاده فجاء إلى هذه العائلة زائراً كعادته وقال: إنّكم أحسنتم إليّ كثيراً طيلة هذه السنوات وكنتم لي كالأهل والأحبّة، وأنا أحبُّ أن اُجبر هذا اللطف وأقابل هذا الإحسان بدعوتكم لقضاء مدّةٍ طيّبة عندنا في بريطانيا إذا وافقتم على ذلك.

فوعدوه خيراً وطلبوا منه مهلةً لتداول الأمر بينهم ويخبروه بعد ذلك. وحدث ما كان يحبّ هذا الرّجل البريطاني حيث وافقوا على سفر الأب والاُم معه إلى بريطانيا وفعلاً سافروا جميعاً إلى هناك، وبعد وصولهم توجّهوا إلى دار الضابط وكانت واسعةً واقعةً في احدى ضواحي العاصمة، فأفرد لهما بيتاً مستقلاً كان موصولاً بداره وعيّن لهم خادماً يخدمهم وكانا لايغيبان عن نظره وتفقّده.

وفي صباح أحد الأيّام استيقظت الزوجة وقالت لزوجها: يا أبا فلان إني أشعرُ بضيقٍ واحتباس صدر وهمٍّ لا أعلمُ لماذا؟ فقال الزوج: وأنا كذلك أشعر بهمٍّ وحزن!! فقالت: لعلّ أحد الأولاد أصابه مكروه أو أحد الأقارب أو أحد الأصدقاء فبينما هم في هذا وأمثاله إذ صرخت المرأة قائلةً: أبا فلان عرفت السّبب!! فقال لها الرجل: وما هو باللَّه عليك؟ فقالت وقد ترقرقت دموعها: دخل علينا شهر محرّم كما أعتقد.

٢٥

فقام الرجل مسرعاً ونظر في تقويم الأيام فعرف أنّ ما تقوله زوجته صحيح وأنّهم في بداية شهر محرّم الحرام.

فقالت: أسفي على دخول هذا الشهر ونحنُ في هذا المكان البعيد حيث لانسمع قراءةً ولا نستطيع الذهاب إلى المآتم وبدأت بالبكاء والنحيب.

فقال لها الرجل: لا عليك أنا أقرأ لكِ شيئاً مما حفظته من المجالس، قومي وأحضري المنبر فقامت وجاءته بالمنبر ولبس الرّجل زيّه العربي وجلس على المنبر وبدأ يقرأ ويندب الإمام الغريب أبا عبداللَّه الحسين(ع) ويبكي والمرأة تستمع وتبكي وتندب وتعزّي فاطمة الزهراء(ع) حتى انتهى المجلس. فجلسا على الأرض فرحين حيث أدّيا حقّ ذلك اليوم من الأيام العشرة الاُولى من المحرّم.

فما مضت مدّة حتى طُرِقَ الباب وإذا بصديقهم يقول لهم: لماذا لم تخبروني بقدوم الضيوف إليكم حتى نقوم بالواجب؟!

فقال له الرجل: مَن يعرفنا هنا حتى يأتي لزيارتنا؟

فقال له: أنا رأيت بعيني الناس يدخلون هذا المكان، وهم يلبسون الملابس العربية، ورأيت معهم امرأةً محتشمة.

فبكى الرّجل حتى سالت دموعُهُ كلّ مسيل، وأخبره أنهم أقاموا مجلس عزاء الإمام الحسين(ع) كما كانوا يفعلون ذلك في العراق، وأنَّ أمثال هذه المجالس يرعاها أهل البيت عليهم الصلاة والسلام في حياتهم وبعد مماتهم.

٢٦

أقول: هذا مجلسٌ بعد رحيل أهل البيت: عن هذا العالم وهناك مجلس آخر كان في حياة الإمام أبي الحسن الرّضا (ع). وذلك عندما دخل عليه دعبل الخزاعي ومعهُ قصيدته التائيّة الخالدة.

قال السيّدُ الأمين: حكى دعبلُ الخزاعي قال: دخلت على سيدي ومولاي عليّ بن موسى الرّضا(ع) في أيام عشرة المحرّم فرأيته جالساً جِلسَةَ الحزين الكئيب وأصحابُه من حولِه فلمّا رآني مقبلاً قال لي: (مرحباً بناصرنا بيده ولسانه)، ثمّ أنّه وسّع لي في مجلسه وأجلسني إلى جنبه ثمّ قال لي: (يادعبل أُحبُّ أن تنشدني شعراً فإنّ هذه الأيّام أيّام حزنٍ كانت علينا أهل البيت وأيّام سرور كانت على أعدائنا خصوصاً بني اُميّة)، ثمّ إنّه(ع) نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه وأجلس أهلَ بيته وراءَ السّتر ليبكوا على مصابِ جدّهم الحسين(ع) ، ثمّ التفت إليّ وقال لي: (يادعبل إرثِ الحسين فأنت ناصرُنا ومادُحنا ما دمت حيّاً فلا تقصِّر عن نصرنا ما استطعت)، قال دعبل فاستعبرت وسالت عبرتي وأنشأت أقول:(١)

مدارسُ آياتٍ خلَت من تلاوةٍ

ومنزلُ وحيٍ مُقفرُ العرصاتِ

لآلِ رسولِ اللَّه بالخَيفِ من مِنى

وبالبيتِ والتعريفِ والجمراتِ

منازلُ كانت للرّشادِ وللتُّقى

وللصّومِ والتطهيرِ والصّلواتِ

ديارُ عليٍّ والحسينِ وجعفرٍ

وحمزة والسجاد ذي الثفِناتِ

____________________

(١) المجالس السَّنيّة: ج١ ص٣٨.

٢٧

إلى أن قالَ معدّداً قبور بني هاشم ومعزّياً فاطمة الزهراء(ع):

فاطمُ قومي ياابنةَ الخيرِ واندبي

نجومَ سماواتٍ بأرض فلاتِ

قبورٌ بكوفانٍ واُخرى بطيبةٍ

واُخرى بفَخٍ نالها صلواتي

قبورٌ بجنبِ النهرِ من أرضِ كربلا

معرَّسُهم فيها بشطِّ فراتِ

تُوفُّوا عَطاشى بالفراتِ فليتني

توفّيتُ فيهم قبلَ حينِ وفاتي

* * *

ثمّ أفرد الحسينَ بالذّكر فقال معزّياً أُمُّه الزهراء(ع):

أفاطمُ لو خلتِ الحسينَ مجدّلاً

وقد ماتَ عطشاناً بشطِّ فراتِ

إذن للطمتِ الخدَّ فاطمُ عندَهُ

وأجريتِ دمعَ العينِ في الوجنات

* * *

يا فاطمة يم البدور

يلگبرك خفي من دون الگبور

جيبي سدر لبنك وكافور

اخبرك بصدر حسين مكسور

ظامي الكبد بالترب معفور

أيا ناعياً إن جئت طيبةً مقبلاً

فعرّج على مكسورةِ الضلعِ مُعوِلاً

وحدِّث بما مَضَّ الفؤادَ مفصّلاً

أفاطمُ لو خلت الحسينَ مجدّلاً

وقد مات عطشاناً بشطِّ فرات

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

٢٨

الليلة الثانية المجلس الثالث

فضائل الإمام الحسين(ع)

رحلوا وما رحلُ أهيلُ ودادي

إلا بحسنِ تصبُّري وفؤادي

ساروا ولكن خلّفونيَ بعدهم

حُزناً أصوبُ الدّمعَ صوب عهادي

وسرتْ بقلبي المستهامِ ركابُهم

تعلو به جبلاً وتهبطُ وادي

وخلت منازلُهم فها هي بعدهم

قفرا وما فيها سوى الأوتادِ

تأوي الوحوشُ بها فسربٌ رائحٌ

بفناءِ ساحتِها وسربٌ غادي

ولقد وقفتُ بها وقوفَ مولَّهٍ

وبمهجتي للوجدِ قدحُ زنادي

أبكي بها طوراً لفرطِ صبابتي

وأصيحُ فيها تارةً وأُنادي

يادارُ أين مضى ذووكِ أما لهم

بعد الترحُّلِ عنكِ يومَ معادِ

يادارُ قد ذكّرتني بعراصِك القفرا

عراصَ بني النبيّ الهادي

لمّا سرى عنها ابنُ بنتِ محمّدٍ

بالأهل والأصحاب والأولاد

بقيت عليلتُهُ تنوحُ بعولةٍ

وتصيحُ ذابَ من الفراقِ فؤادي(١)

____________________

(١) هذه القصيدة للخطيب الأديب المرحوم السيد مهدي الأعرجي، والبيت الأخير للخطيب الأديب الشيخ محسن الفاضلي النجفي.

قال السيد جواد شبر في (أدب الطفّ) الجزء التاسع ص١٩٢:

ولد السيد مهدي في النجف الأشرف سنة ١٣٢٢ه ، ودرس فنّ الخطابة على خاله الخطيب الشهير الشيخ قاسم الحليّ، زاول نظم الشعر وعمره أربعة عشر سنة، وأول قصيدة نظمها كانت في رثاء الإمام الحسن السبط(ع):

٢٩

نعي

سار حسين وامسه الحرم مغبر

أويلي والمدينة غدت تصفر

طلعوا آل هاشم عن وطنهم

او ظل خالي حرم جدهم بعدهم

ساروا ليلهم وابعد ظعنهم

اولن صوت العليلة ابگلب محتر

____________________

قضى الزكيّ فنوحوا يامحبّيه

وابكوا عليه فذي الأملاك تبكيه

كان طيّب القلب إلى أبعد حدود الطيب، ولم يك في الناس ممن رآه ولم يهواه ويحبّه لصفائه إذ هو لا يستخفّ بأحدٍ ولا يحقدُ على مخلوق، وكان فطناً يقوم بواجبه أحسن قيام متديّن ورع لم يعبأ بالعسر الذي لازمه وألحّ عليه.

ومن طريف شعره في ذلك حيث كتب رسالة للمرجع الديني المرحوم السيد أبوالحسن الإصفهاني فقال:

جاء الشتا وليس لي من عدّةٍ

أعتدُّ فيها من طوارقِ الزّمن

وها أنا أريدُ لي عباءةً

وإنّ من أهلِ العبا أبو الحسن

وإلى جانب هذه الموهبة بالفصحى فهو ذا ملكةٍ قويةٍ بالنظم باللغة الدارجة متفنّنٌ فيها ففي الموال والأبوذية والشعر الدارج لا يجارى.

أما ولاؤه لأهل البيت: وتفانيه في حبِّهم فهو من ألمع ميزاته، ولا زلت أتمثّلُهُ في المآتم الحسينيّة يجهش بالبكاء، وقد أفنى عمره في خدمة المنبر الحسيني الشريف.

ومن نظمه تخميسُهُ بيتين للمرحوم السيد رضا الهندي في وداع السيدة زينب لأخيها الحسين:

مرّت بهم زينبٌ لما نووا سفرا

بها العدى فأطالت منهُمُ نظرا

ومذ رأت صنوَها في الترب منعفرا

همّت لتقضي من توديعِهِ وطرا

وقد أبى سوطُ شمرٍ أن تودّعَهُ

إذا دنت منه سوطُ الشّمرِ أرجعها

ورمحُ زجرٍ ما تَبكيه قنّعَها

فلم تودّع محاميها ومفزِعَهَا

ففارقتهُ ولكن رأسُهُ معها

وغاب عنها ولكن قلبُها معَهُ

توفيرحمه‌الله تعالى سنة ١٣٥٩ه غريقاً في شط الحلة يوم الخامس من شهر رجب.

٣٠

دريضوا هنا يهلنا للعليلة

يهلنه فراگكم ماليش حيلة

يهلنا بعدكم ما نام ليلة

او عيني من بعدكم دوم تسهر

صاح حسين يافاطم دردّي

دردّي للمدينة وطن جدي

أوديلچ علي ابنيّي اوكبدي

اولابد ما يجي يمك مخبّر

ردّت للمدينة وسار أبوها

اوظلّت ترتقب عمها وأخوها

ظنّت فاطمة لنهم يجوها

أخوها والبطل عمها المشكّر(١)

____________________

(١) النصّاريات للمرحوم الشيخ محمّد نصّار.

قال المرحوم السيد جواد شبر في (أدب الطف) الجزء السابع ص٢٣٢:

الشيخ محمد بن الشيخ علي بن إبراهيم آل نصار الشيباني النجفي المعروف بالشيخ محمد نصار.

توفي١ في جمادى الآخرة سنة ١٢٩٢ه في النجف الأشرف ودفن في الصحن الشريف عند الرأس وهو من أسرة أدبٍ وعلم.

وكان فاضلاً أديباً له شعر باللغتين الفصحى والدارجة، وقلّ ما ينعقد مجلسٌ عزاءٍ للحسين(ع) فلا يقرأ فيه من شعره الدارج، ولعلّ السرّ في ذلك هو أن الناظم كان من أهل التقوى، ولشدّة حبّه لأهل البيت: سمّى كلّ أولاده باسم علي وجعل التمييز بينهم في الكنية فواحد يكنى بأبي الحسن والثاني بأبي الحسين وهكذا.

وحدّث صاحب كتاب (التكملة) فقال: عاشرته ورافقتُهُ مدّةً فكان خفيف الروح كثير الدعابة إلى تقى وديانة وتمسّك بالشّرع جداً.

ومن طريف ما حدّث به انه قال: قصدت قبر الإمام عليّ ابن موسى الرضا(ع) بخراسان في سنة ١٢٨٥ه فامتدحته بقصيدةٍ - وأنا في الطريق - على عادة الشعراء في قصدهم الملوك، واكملتها قبل دخولي المشهد الشريف بيوم واحد وكان مطلعها:

ياخليليَّ غلّسا لا تُريحا

أوشكت قبةُ الرّضا أن تلوحا

ومنها قوله:

٣١

قال الشاعرُ الموالي مخاطباً الإمام الحسين(ع):

ياصفوةَ النورين أنت زجاجةٌ

قدسيّةٌ في هيكلٍ من جوهرِ

وسلالةٌ نبويّةٌ قد أُنزلت

من جنّةِ المأوى وماءِ الكوثرِ

من أهل بيتٍ أذهبَ اللَّهُ العمى

والرّجسَ عنهم أطهراً عن أطهر

شاطرت جدَّك في الرِّسالة إنها

ثمرٌ لغرسِ جهادِكَ المتأخّر

أنت المجدِّدُ والنبيُّ مؤسِّسٌ

وأبوك للإسلام خيرُ معمِّر

ولدَ الإمامُ أبو عبداللَّه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم الصلاة والسلام بالمدينة الطيّبة يوم الثالث من شهر شعبان للسنة الرابعة للهجرة الشريفة(١) .

قال المرحوم السيّد عبداللَّه شبّر في (جلاء العيون): المشهور بين علماء الشيعة أنّه - أي الإمام الحسين(ع) - ولد بالمدينة لثلاثٍ خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة(٢) .

____________________

إِنّ قبراً لا طفت فيه ثراهُ

منع المسكَ طيبُهُ أن يفوحا

قال؛: فلما دخلت المشهد الشريف وزرتُهُ ونمت تلك الليلة، رأيت في منامي الإمام الرضا(ع) جالساً على كرسي في روضتِهِ فسلّمت عليه وقبلت يديه فرحّب بي وأدناني وأعطاني صرّة وقال: افتحها ففيها مسك، ففتحتها فوجدت فيها فتاتاً لا رائحةَ له فقلت لا رائحة له فتبسّم(ع) وقال: ألست القائل:

إِنّ قبراً لا طفت فيه ثراهُ

منع المسكَ طيبُهُ أن يفوحا

فهذا مسك أذفر منع طيبُ ثرى قبري رائحتَهُ، فانتبهت وأنا فرح بما شاهدت.

توفيرحمه‌الله تعالى في جمادى الأولى سنة ١٢٩٢ه وقد ناهز عمرهُ الستين، ودفن في (النجف الأشرف) في رأس الساباط من الصحن الشريف بين قبر المرحومَين: ميرزا جعفر القزويني وقبر السيّد حيدر الحلي.

(١) اُنظر: مسار الشيعة للشيخ المفيد: ص٣٧.

(٢) جلاء العيون: ج٢ ص٢.

٣٢

وسمّاه النبيّ(ص) بأمر اللَّه تعالى حسيناً باسم أصغر ولدي هارون(١) وما كانت العرب تعرف اسمي الحسن والحسين حتى أنزلهما اللَّه تعالى من الجنّة لهذين الإمامين الطاهرين.

وروى ابن شهرآشوب في (المناقب): إنَّ فاطمة(ع) اعتلّت لما ولدت الحسين(ع) وجفّ لبنها فطلب رسول اللَّه(ص) مرضعاً فلم يجد فكان يأتيه فيلقمُهُ إبهامَهُ ويجعل اللَّه تعالى له في إبهام رسول اللَّه(ص) رزقاً يغذوه ففعل ذلك أربعين يوماً وليلة فنبتَ لحمُهُ من لحمِ رسول اللَّه(ص)(٢) .

وللَّه درُّ الشاعر:

للَّهِ مرتضعٌ لم يرتضع أبداً

من ثدي اُنثى ومن طه مراضعُهُ

يُعطيه إبهامَهُ طوراً وآونةً

من ريقه فاستوت منه طبائعُهُ

سرٌّ به خصَّهُ باريه إذ جُمعت

واُودعت فيه عن أمرٍ ودائعُهُ

غرسٌ سقاهُ رسولُ اللَّه من يده

فطابَ من طيبِ ذاك الأصل فارعُهُ

وروي عن أُمِّ الفضل بنت(٣) الحارث أنها دخلت على رسول اللَّه(ص) فقالت:

____________________

(١) في بعض الروايات انَّ لهارون - وصيّ النبيّ موسىعليه‌السلام - ثلاثة أولاد: شُبر وشُبير ومُشبر وبهم سمّى رسول اللَّه ‏صلى الله وعليه وآله وسلم الحسن والحسين والمحسن‏عليهم‌السلام .

(حاشية جلاء العيون)

(٢) المناقب: ج٤ ص٥٠.

(٣) زوجة العباس بن عبد المطّلب عمّ النبيّ(ص).

٣٣

يارسول اللَّه رأيت البارحة حلماً(١) منكراً قال: وما هو؟ قالت: إنّه شديد قال: وما هو؟ قالت: رأيت كأنّ قطعةً من جسدك قطعت فوضعت في حجري قال: خيراً رأيت تلدُ فاطمة(ع) غلاماً يكون في حجرك، فولدت فاطمة(ع) الحسين(ع) فكان في حجري كما قال رسول اللَّه(ص)، فدخلت يوماً على النبي(ص) فوضعته في حجره ثمّ حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول اللَّه(ص) تهرقان بالدّموع فقلت: بأبي أنت واُمّي يارسول اللَّه مالك؟ قال: أتاني جبرئيل فأخبرني أنَّ اُمّتي تقتلُ ابني هذا وأتاني بتربةٍ حمراء من تربتهِ(٢) .

وقد كان النبيّ(ص) يحبُّهُ حبّاً جمّاً. روي عن حذيفة بن اليمان قال: رأيت النبيّ(ص) آخذاً بيد الحسين بن علي(ع) وهو يقول: يا أيّها الناس هذا الحسين بن علي فاعرفوه فوالذي نفسي بيده إنّه لفي الجنة، ومحبّوه في الجنّة، ومحبّوا محبّيه في الجنة(٣) .

وروى الشيخ الصدوق؛ في الأمالي من طرق المخالفين - السُنّة - عن البراء بن عازب قال: رأيت رسول اللَّه٩ حامل الحسين(ع) وهو يقول: (اللّهمَّ إني أحبُّهُ فأحبَّه)(٤) .

____________________

(٢) الحُلُم - بالضم - : ما يراه النائم في نومه لكنّه غلب على ما يراه من الشّر والقبيح كما غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والحسن، وربما استعمل كلُّ مكان الآخر.(من الحاشية)

(٣) بحار الأنوار: ج٤٤، ص٢٣٨، ح ٣١.

(٤) جلاء العيون للسيّد عبد اللَّه شبّر: ج٢ ص١١.

(٥) المصدر السابق نفسه: ص١١.

٣٤

وروى ابن قولويه؛ من طرق المخالفين عن يعلي بن مرّة العامري قال: قال رسول اللَّه(ص): (حسينٌ منّي وأنا من حسين، أحبّ اللَّهُ مَن أحبّ حسيناً، حسينٌ سبطٌ من الأسباط)(١) .

وكان الحسنان عليهما الصلاة والسلام ريحانتا رسول اللَّه(ص) من الدّنيا، ففي الحديث عن أبي بصير عن الإمام الصّادق(ع) قال: قال رسول اللَّه(ص): (ريحانتيّ الحسن والحسين)(٢) .

بل الحسين(ع) أحبّ أهلِ الأرض لأهلِ السماء كما جاء ذلك في الحديث المروي عن النبيّ(ص) حيث قال: (من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهلِ الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى الحسين(ع) )(٣) .

ومحبّة أهل السماء فضيلةٌ يشارك الحسينَ(ع) فيها جدُّهُ المصطفى وأبوه المرتضى واُمّه سيّدة النساء وأخوه المجتبى صلوات اللَّه عليهم أجمعين، ورحم اللَّه تعالى الفرزدق حيث يقول:

من معشرٍ حبُّهم دينٌ وبغضهُمُ

كفرٌ وقربُهُمُ منجىً ومعتصمُ

إن عُدَّ أهلُ التُّقى كانوا أئمتَهم

أوقيل مَن خيرُ أهلِ‏الأرض قيل: هُمُ

مقدّمٌ بعد ذكرِ اللَّه ذكرُهُمُ

في كلِّ بدءٍ ومختومٌ به الكلِمُ

____________________

(١) جلاء العيون للسيّد عبد اللَّه شبّر: ج٢ ص١٢.

(٢) المصدر السابق: ص١١.

(٣) المصدر السابق: ص١٧.

٣٥

وروى الحديث ابنُ شهرآشوب في (المناقب) عن جماعةٍ من علماء أهل السُنّة فقال: رواه الطبريان في الولاية والمناقب، والسمعاني في الفضائل بأسانيدِهم عن إسماعيل بن رجاء وعمرو بن شعيب، أنّه مرّ الحسين بن علي(ع) على عبداللَّه بن عمرو بن العاص فقال عبداللَّه: من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهلِ الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى هذا المجتاز، وما كلّمتُهُ منذ ليالي صفّين، فأتى به أبو سعيد الخدري إلى الحسين(ع) فقال الإمام: أتعلم أني أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء وتقاتلني وأبي يوم صفّين واللَّه إنّ أبي لخيرٌ مني!! فاستعذر عبداللَّه من الإمام وقال: إنّ النبيّ(ص) قال لي: أطع أباك فقال له الإمام الحسين(ع): أما سمعت قول اللَّه تعالى:( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ) (١) ، وقول النبيّ(ص): (إنّما الطّاعَةُ في المعروف)، وقوله: (لاطاعة لمخلوقٍ في معصيةِ الخالق)(٢) .

وأمّا عبادتُهُ(ع) فقد كان أعبَدَ أهل زمانه، وكان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة. روى بن عبد ربّه في (العقد الفريد) انّه قيل لعليّ بن الحسين(ع): ما أقلّ ولد أبيك؟ فقال(ع): (العجبُ كيف ولدتُ وكان أبي(ع) يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة(٣) ، ولقد حجّ خمساً وعشرين حِجّة ماشياً على قدميه ونجائبُهُ تقاد بين يديه)(٤) .

____________________

(١) سورة لقمان: الآية ١٥.

(٢) المناقب: ج٤ ص٧٣.

(٣) جلاء العيون: ج٢ ص٢٨.

(٤) ثمرات الأعواد: ج١ ص٤٧.

٣٦

وأمّا تواضعُهُ فإنّه(ع) مرّ بمساكين قد بسطوا كساءً لهم وألقوا عليه كسراً فقالوا: هلمَّ يابن رسول اللَّه فثنى وركه فأكلَ معهم ثمَّ تلا قوله تعالى: (إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُستَكبِرِينَ)، وفي رواية اُخرى أنّه(ع) اعتذر منهم بأنّ طعامكم صدقة وهي محرّمة علينا ثمّ قال: قد أجبتكم فأجيبوني قالوا: نعم ياابن رسول اللَّه فقاموا معهُ حتى أتوا منزلَهُ فقال للجارية أخرجي ما كنت تدخرين(١) فأطعمهم وسقاهم وكساهم وأغناهم.

خُلقٌ يخجلُ النّسيمَ من اللطفِ

وبأسٌ يذوبُ منه الجمادُ

شِيَمٌ ما جُمِعْنَ في بشرٍ قطُ

ولا حاز مثلَهنَّ العبادُ

وأمّا إباؤه للضّيم فيقول ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة: سيّدُ أهل الإباء الّذي علّم الناس الحميّة والموت تحت ظلالِ السيوف اختياراً له على الدنيّة أبو عبداللَّه الحسين بن عليّ بن أبي‏طالب(ع)، عُرض عليه الأمان وأصحابه فأنِفَ من الذّل، وخاف من ابن زياد أن ينالَهُ بشي‏ءٍ من الهوان إن لم يقتله فاختار الموت على ذلك، وسمعتُ النقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلوي البصري يقول: كأنَّ أبيات أبي‏تمّام في محمّد بن حُميد الطّائي ما قيلت إلّا في الحسين(ع)

وقد كانَ فوتُ الموتِ سهلاً فَرَدَّهُ

إليه الحفاظُ المرُّ والخُلُقُ الوعرُ

ونفسٌ تَعافُ الضَّيمَ حتى كأنَّه

هو الكفرُ يوم‏الرَّوْع(٢) أو دونه الكفرُ

فأثبتَ في مستنقعِ الموتِ رجلَهُ

وقال لها: من تحتِ أخمَصُكِ الحشرُ

____________________

(١) جلاء العيون: ج٢ ص٢٤.

(٢) الرّوع: الحرب.

٣٧

تتردّى ثيابَ الموتِ حمراً فما أتى

لها الليلُ‏ إلاوهي من سُندُسٍ‏ خُضرُ

ومن كلام الحسين(ع) يوم الطّف المنقول عنه نقله زينُ العابدين عليُّ ابنه(ع): (ألا وإنَّ الدّعيَ ابنَ الدّعي قد خيّرنا بين اثنتين: السّلةِ أو الذّلة، وهيهاتَ منّا الذّلة! يأبى اللَّهُ لنا ذلك ورسولهُ والمؤمنون وحجورٌ طابت وطهُرت وأنوفٌ حميّة ونفوسٌ أبيّة)(١) .

وقال سبطُ ابن الجوزي: وقد ذكر جدّي في كتاب (التبصرة) وقال: إنّما سار الحسين(ع) إلى القوم لأنّه رأى الشريعة قد دثرت فجدَّ في رفع قواعد أصلها، فلّما حصروه فقالوا له أنزل على حكم ابن زياد قال: لا أفعل واختار القتلَ على الذّل وهكذا النفوس الأبيّة ثمّ أنشد جدّي فقال:

فلمـّا رأوا بعضَ الحياةِ مذلّةً

عليهم وعزُّ الموتِ غيرُ محرَّمِ

أبَوا أن يذوقوا العيشَ والذلُّ واقعٌ

عليهم وماتوا ميتةً لم تذمَّمِ

ولا عجبٌ للأسدِ أن ظفرت بها

كلابُ الأعادي من فصيح وأعجمِ

فحربةُ وحشيٍّ سقتَ حمزةَ الرّدى

وحتفُ عليٍّ في حسام ابن ملجَمِ(٢)

ولهذا رفض الإمام الحسين البيعة ليزيد، وقرّر الخروج من المدينة، فجمعَ عياله وأهل بيته وشيعته ومضى بهم إلى مكة ولكنّه ترك ابنةً له عليلة مريضة اسمها (فاطمة) وطلب من اُمّ سلمة زوجة النبيّ(ص) رعايتها، وسار الرّكب وكأني بفاطمة العليلة تودّع الرّكب بدموعها الجارية على خدّيها ولسان الحال:

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج٣ ص٢٤٩ - ٢٥٠.

(٢) تذكرة الخواص: ص٢٧٣.

٣٨

بعدكم راح أظل بس تدمع العين

ويحگلي البكا والنوح كل حين

وگضي العمر حسرات وونين

على أهلي المشوا عنّي بعيدين

لفراگهم ما ليش تمكين

* * *

يقولون ثمّ عادت إلى الدار وإذا بها خالية موحشة فجلست عند مهد أخيها عبداللَّه الرّضيع وأخذت تهزّه وتخاطب الدار الخالية:

مشوا عني هلي لا لچ ولالي

وزماني من بعد أهلي ولالي

للزم مهد عبداللَّه ولالي

بلكن يرد وحشتهم عليه

رحلوا وما رحلُ أهيلُ ودادي

إلا بحسنِ تصبُّري وفؤادي

ساروا ولكن خلَّفوني بعدهم

حزناً أصوبُ الدَّمعَ صوبَ عهادي

لاحول ولا قوة إلا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

٣٩

الليلة الثانية المجلس الرابع

الخروج من المدينة إلى مكة

وجهُ الصّباحِ عليَّ ليلٌ مظلمُ

وربيعُ أيّامي عليَّ محرَّمُ

والليلُ يشهدُ لي بأنّي ساهرٌ

إن طاب للنّاسِ الرُّقادُ فهوّموا

من قرحةٍ لو أنّها بيَلملَم

نسفَت جوانبَهُ وساخَ يلَملمُ(١)

قلقاً تقلّبني الهمومُ بمضجعي

ويغورُ فكريَ في الزّمانِ ويُتهِمُ

ما خلتُ أنَّ الدهرَ من عاداته

تَروَى‏الكلابُ به ويَظمَى الضيغَمُ

ويُقدَّمُ الأُمويُّ وهو مُؤخَّرٌ

ويُؤخَّرُ العلويُّ وهو مُقدَّمُ

مثلُ ابنِ فاطمةٍ يبيتُ مُشرَّداً

ويزيدُ في لذَّاتهِ مُتنعِّمُ

ويُضيِّقُ الدُّنيا على ابنِ محمّدٍ

حتّى تقاذَفَهُ الفضاءُ الأعظمُ

خرجَ الحسينُ من المدينةِ خائفاً

كخروج موسى خائفاً يتكتَّمُ

وقد انجلى عن مكّةَ وهو ابنُها

وبه تشرَّفَتِ الحطيمُ وزمزمُ

لم يدرِ أين يُريحُ بُدنَ ركابِهِ

فكأنّما المأوى عليه مُحرَّمُ(٢)

____________________

(١) يلملم: اسم جبل.

(٢) القصيدة من نظم المرحوم السيد جعفر الحلّي الدر النضيد: ص٣٠٨.

قال المرحوم السيد محسن الأمين العاملي في (أعيان الشيعة) المجلد الرابع ص٩٧:

ولد يوم النصف من شعبان سنة ١٢٧٧ في قريةٍ من قرى العذار تعرف بقرية السادة، وتوفي فجأةً في النجف الأشرف في شهر شعبان لسبعٍ بقين منه سنة ١٣١٥ه ودفن هناك.

كان -رحمه‌الله تعالى - فاضلاً أديباً محاضراً شاعراً قويّ البديهة حسن العشرة صافي

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343